loading

موسوعة قانون المرافعات

الأحكام

1- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 49 من قانون المرافعات على أن " يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ٠٠٠٠" مفاده أن الأصل في الاختصاص المحلي هو للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ما لم يحدد القانون محكمة أخرى لنظر النزاع، كما أن الدفع بعدم الاختصاص المحلي وفقاً للمادة 108 من قانون المرافعات من الدفوع الشكلية غير المتعلقة بالنظام العام، ويتعين على المتمسك به إبدائه قبل التكلم في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق فيه، كما يجوز النزول الضمني عنه، وأن استخلاص النزول الضمني عن الدفوع الشكلية من إطلاقات محكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص قد بني على أسباب سائغة، ولا يعتبر تخلُّف المدعى عليه عن الحضور أمام محكمة أول درجة نزولاً ضمنياً عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة محلياً أو اتفاقاً ضمنياً على مخالفة قواعد الاختصاص المحلي .

( الطعن رقم 14444 لسنة 88 ق - جلسة 25 / 2 / 2024 )

2 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أن المشرع لم يجعل للدولة والأشخاص العامة سوى موطن أصلى واحد هو – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هيئة قضايا الدولة وفروعها فى كل ما يتعلق بالدعاوى والطعون التى ترفع منها أو عليها لدى جميع المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها ، وكانت القاعدة العامة فى تعيين الاختصاص المحلى وفقاً لنص المادة 49 من قانون المرافعات أن المحكمة المختصة هى المحكمة التى يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه .

(الطعن رقم 3338 لسنة 76 جلسة 2015/02/02 س 66 ص 54 ق 9)

3 ـ مؤدى نص المادة 2/50(مرافعات) أن الاختصاص بنظر الدعاوى الشخصية العقارية - وهى تلك الدعاوى التى تستند إلى حق شخصى ويطلب فيها تقرير حق عينى على عقار أو اكتساب هذا الحق أو إلغاؤه - ينعقد للمحكمة التى يقع فى دائرتها العقار أو موطن المدعى عليه وذلك خلافاً للقاعدة العامة المنصوص عليها فى المادة 49 من قانون المرافعات والتى تجعل من اختصاص محكمة موطن المدعى عليه اختصاص أصيل قائم لا يعطله النص على اختصاص محاكم أخرى ومن ثم لا يجوز الاتفاق مقدماً على مخالفته طبقاً للمادة 2/62من ذات القانون (قانون المرافعات) لا ينال من ذلك أن النص فى المادة 2/50 - وعلى ما سلف بيانه - جعل الخيار للمدعى فى رفع الدعوى أمام المحكمة التى يقع بدائرتها العقار أو تلك التى يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه إذ إنه لم ينزع الاختصاص من المحكمة الأولى ولم يقصره على الثانية وهو ما من شأنه أن يجعل الاختصاص المخول بنص تلك المادة بمنأى عن القاعدة العامة فى الاختصاص المحلى المنصوص عليها فى المادة 49 من قانون المرافعات بجعله للمحكمة التى يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه .

(الطعن رقم 2507 لسنة 61 جلسة 2006/03/25 س 57 ص 277 ق 58)

4 ـ النص فى المادة 49 من قانون المرافعات على أن (يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك........... وإذا تعدد المدعى عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يقع فى دائرتها موطن أحدهم) مفاده أن الأصل فى الاختصاص المحلي وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة يكون للمحكمة التي يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه ما لم يحدد القانون محكمة أخرى لنظر النزاع، وعند تعدد المدعى عليهم يكون الاختصاص لأية محكمة يقع فى دائرتها موطن أحدهم ويشترط لتطبيق هذه القاعدة أن يكون تعدد المدعى عليهم حقيقيا لا صوريا .

(الطعن رقم 4553 لسنة 68 جلسة 1999/12/12 س 50 ع 2 ص 1267 ق 250)

5 ـ لما كان النص فى الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المرافعات على أن "وإذا تعدد المدعى عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يقع فى دائرتها موطن أحدهم" قد ورد فى عبارة عامة مطلقة بحيث يتسع لكافة المدعى عليهم المتعددين فى الخصومة تعدداً حقيقياً، والمقصود بهم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هؤلاء الذين وجهت إليهم طلبات فى الدعوى لا أولئك الذين اختصموا ليصدر الحكم فى مواجهتهم أو لمجرد المثول فيها فمن ثم يجوز للمدعي طبقاً لهذا النص رفع الدعوى على المدعى عليهم المتعددين تعدداً حقيقياً على اختلاف مراكزهم القانونية فيها أمام المحكمة التي يقع فى دائرتها موطن أحدهم سواء كان مسئولاً بصفة أصلية أو ضامناً دون قيد أو تخصيص.

(الطعن رقم 1389 لسنة 56 جلسة 1995/04/30 س 46 ع 1 ص 749 ق 147)

6 ـ إذ كان البين من الأوراق أن الطاعن لم يمثل فى الخصومة أمام محكمة أول درجة وقد تمسك بصحيفة الاستئناف بعدم اختصاص تلك المحكمة محليا بنظر الدعوى، وإذ كان للمدعى فى حالة تعدد المدعى عليهم أن يرفع الدعوى أمام المحكمة التى يقع فى دائرتها موطن أحدهم عملاً بالفقرة الأخيرة منالمادة 49 من قانون المرافعات ويشترط لذلك أن يكون التعدد حقيقيا لا صوريا وأن يكون المدعى عليهم متساوين فى قوة الالتزام وكان المطعون ضده الأول قد أقام الدعوى على الطاعن والمطعون ضدها الثانية طالبا الحكم بفسخ عقد الايجارى المؤرخ 1985/5/1 واخلاء العين محل النزاع تأسيسا على قيام الطاعن بصفته بتأجيرها للمطعون ضدها الثانية وتأخرهما فى سداد أجرتها ومن ثم فإنها تعتبر خصما حقيقيا مما يصح معه أن ينعقد الاختصاص المحلى للمحكمة التى يقع فى دائرتها موطنها .

(الطعن رقم 2717 لسنة 61 جلسة 1992/05/20 س 43 ع 1 ص 705 ق 147)

7 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه متى كان النص عاماً مطلقاً فلا محل لتخصيصه أو تقييده استهداء بقصد المشرع منه لما فى ذلك من استحداث لحكم مغاير لم يأته به النص عن طريق التأويل. ولما كان النص فى الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المرافعات على أن "وإذا تعدد المدعى عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يقع فى دائرتها موطن أحدهم" قد ورد فى عبارة عامة مطلقة بحيث يتسع لكافة المدعى عليهم المتعددين فى الخصومة تعدداً حقيقياً، والمقصود بهم هؤلاء الذين وجهت إليهم طلبات فى الدعوى لا أولئك الذين اختصموا ليصدر الحكم فى مواجهتهم أو لمجرد المثول فيها. فمن ثم يجوز للمدعى طبقاً لهذا النص رفع الدعوى على المدعى عليهم المتعددين تعدداً حقيقياً على اختلاف مراكزهم القانونية فيها أمام المحكمة التي يقع فى دائرتها موطن أحدهم سواء كان مسئولاً بصفة أصلية أو ضامناً دون قيد أو تخصيص، ولا محل للقول بقصر تطبيق حكمه على فئة المدعى عليهم المتساويين فى المراكز القانونية فى الدعوى دون سواهم أو تغليب موطن المسئول الأصلي على موطن الضامن له عند تحديد المحكمة المختصة محلياً لما ينطوى عليه ذلك القول من تقييد لمطلق النص وتخصيص لعمومه بغير مخصص وهو ما لا يجوز.

(الطعن رقم 1697 لسنة 55 جلسة 1989/02/23 س 40 ع 1 ص 593 ق 106)

8 ـ حرص المشرع على النص فى المادتين 545 و 552 من قانون المرافعات السابق على أن المحكمة التى يختص قاضيها محلياً بإصدار الأمر بالحجز وتقدير الدين والمحكمة التى تختص بدعوى ثبوت الدين وصحة الحجز هى المحكمة التى يتبعها المدين المحجوز عليه ، أى التى يقع موطنه فى دائرتها ، بإعتبار أنه هو وحده الخصم الحقيقى فى الدعوى ولو إختصم معه المحجوز لديه ، وذلك نفياً لشبهة إختصاص المحكمة التى يتبعها المحجوز لديه أو إشتراكها مع محكمة المحجوز عليه فى الإختصاص المحلى .

(الطعن رقم 41 لسنة 38 جلسة 1973/03/20 س 24 ع 1 ص 445 ق 80)

9 ـ تجيز المادة 41 من القانون المدنى إعتبار محل التجارة - بالنسبة للأعمال المتعلقة بها - موطناً للتاجر بجانب موطنه الأصلى للمحكمة التى أفصح عنها الشارع من أن قاعدة تعدد الموطن تعتد بالأمر الواقع وتستجيب لحاجة المتعاملين ، وإذ كان موطن الأعمال يعتبر قائماً ما بقى النشاط التجارى مستمراً وله مظهره الواقعى الذى يدل عليه والذى تستخلصه محكمة الموضوع من أوراق الدعوى وظروفها - لما لها من سلطة تقديرية - وحسبها أن تورد فى حكمها الأدلة المسوغة لإستخلاصها . فإن الجدول فى هذا الشأن يعتبر جدلاً موضوعياً حول تقدير العناصر الواقعية لمواطن الأعمال وهو ما تنحسر عنه رقابة محكمة النقض ويكون النعى - بعدم إختصاص المحكمة الإبتدائية محلياً بنظر الدعوى على غير أساس .

(الطعن رقم 496 لسنة 44 جلسة 1977/12/26 س 28 ع 2 ص 1882 ق 322)

شرح خبراء القانون

الإختصاص المحلي 

 تعريف :
يقصد بالاختصاص المحلى تحديد أي محكمة من محاكم الدرجة الأولى التي من نفس النوع - والتي تتوزع في الدولة إقليميا - يجب الالتجاء إليها . ويضع المشرع قاعدة عامة تحدد المحكمة المختصة محلياً على أساسها ، ثم يضع قواعد خاصة بالنسبة لدعاوى معينة .

أولاً : القاعدة العامة (اختصاص محكمة موطن المدعى عليه) :
القاعدة العامة هي اختصاص محكمة موطن المدعى عليه . وقد حددها المشرع لتحقيق المساواة بين طرفي الخصومة . فالمدعي هو الذي يختار الوقت الذي يرفع فيه الدعوى ، ويستطيع أن يعد مستنداته قبل رفعها ، فيجب - لموازنة مركزى الخصمين - رفع الدعوى أمام محكمة موطن المدعى عليه . وهذه القاعدة تنطبق على جميع الدعاوى ما لم يوجد نص يقرر قاعدة خاصة ( 49/ 1 مرافعات) . وهي تنطبق سواء كانت الدعوى تقريرية أو منشئة أو دعوى إلزام . كما تنطبق أمام القضاء العادي وأمام القضاء الإستثنائي .

وفي القانون المصري ، موطن الشخص هو المكان الذي يقيم فيه عادة ( مادة 40 مدنی ) . فإذا كان للمدعى عليه أكثر من موطن ، فترفع الدعوى أمام المحكمة التي يتبعها أي من مواطنه حسب إختيار المدعي . فإذا لم يكن للمدعى عليه موطن في مصر ، فترفع الدعوى أمام المحكمة التي يقع في دائرتها محل إقامته ( 49/ 2) . فإذا كان له أكثر من محل اقامة فترفع أمام المحكمة التي يقع في دائرتها أي منها حسب إختيار المدعي . فإذا لم يكن له موطن أو محل اقامة في مصر ، كما لو كان أجنبيا أو من البدو الرحل ، كان الإختصاص لمحكمة موطن المدعي أو محل إقامته . فإن لم يكن للمدعى موطن أو محل إقامة ، فالإختصاص للمحكمة الموجودة بالقاهرة (61 مرافعات) . ولأن المحاكم بالقاهرة متعددة إذ توجد بها محكمتان أبتدائيتان ومحاكم جزئية متعددة ، فان للمدعى سلطة رفع الدعوى أمام أي منها حسب إختياره.

وتحديد ما إذا كان موطن أو محل إقامة شخص في مكان معين مسألة موضوعية تدخل في تقدير قاضي الموضوع.

على أن الموطن قد لا يكون هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة . فموطن عديم الأهلية أو ناقصها هو المكان الذي يقيم فيه عادة وليه أو وصيه أو القيم عليه ، ولو كان هو لا يقيم فيه (مادة 42 مدنی) . ولهذا تكون المحكمة التي يتبعها هذا المكان هي المحكمة المختصة بالدعاوى التي ترفع عليه .

وإذا كانت الدعوى ضد شخص معنوی ، فإنها ترفع إلى محكمة مركز إدارته الرئيسي . وينص القانون المصري صراحة على هذا الحكم بالنسبة للدعاوى التي ترفع على الشركات أو الجمعيات أو المؤسسات الخاصة (مادة 52/ 1 مرافعات)، ولكن يمكن تقريره كقاعدة عامة دون نص ، قياسا على اختصاص محكمة موطن المدعى عليه بالنسبة للشخص الطبيعي . ذلك أن مركز الإدارة الرئيسي للشخص المعنوي يعتبر قانوناً موطناً له.  ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الأول ،  الصفحة : 581 )

الإختصاص المحلى :
يؤدي الإرتباط بين دعويين إلى إمكان نظرهما من محكمة واحدة ، ولو كانت غير مختصة محلياً باحداهما .

 إختصاص محكمة موطن أحد المدعى عليهم : وفقاً للمادة 49/ 3 «.... إذا تعدد المدعى عليهم كان الإختصاص المحلي للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم». وتفترض هذه القاعدة أن الأمر يتعلق بصحيفة واحدة . وذلك سواء تعدد المدعى عليهم في دعوى واحدة ، أو تعددت الدعاوى ضد أشخاص متعددين . وهي قاعدة ذات نطاق واسع فهی تنطبق بالنسبة للأشخاص الطبيعيين والأشخاص الاعتباريين، ويعمل بها ولو كان أحد المدعى عليهم أجنبياً موطنه في الخارج. على أنه عند تعدد الدعاوى لا يعمل بهذه القاعدة إلا إذا كان هناك ارتباط بينها . ويكفي الارتباط البسيط بالمعنى الذي حددناه ، دون حاجة لأن يقوم هذا الارتباط على وحدة المحل أو وحدة السبب أو أن يبلغ حد عدم القابلية للتجزئة.

على أنه يشترط لإعمال هذه القاعدة في الحالات التالية :
1- أن يكون تعدد المدعى عليهم تعدداً حقيقياً . ويكون التعدد حقيقياً ولو رفعت الدعوى على أحدهم بصفة أصلية وعلى الآخر باعتباره ضامناً متضامناً . فلا تنطبق هذه القاعدة في الحالات التالية :

(أ) إذا رفعت الدعوى على شركة وعلى فرع لها ، إذ المدعى عليه هنا شخص واحد هو الشركة . فلا يجوز للمدعى رفع الدعوى أمام محكمة الفرع .

(ب) إذا رفعت الدعوى على مدعى عليه ، وعلى آخر ليقدم ما لديه من مستندات مفيدة في الدعوى أو لكي يسمع الحكم في مواجهته.

(ج) إذا رفعت الدعوى على شخص بصفة أصلية ورفعت على آخر بصفة تبعية للحكم عليه بما عساه أن يحكم به على الأصيل . ومثالها دعوى الدائن على كل من المدين والكفيل غير المتضامن ، فهنا لا يجوز رفع الدعوى أمام محكمة الكفيل بل تختص بها فقط محكمة المدين . ودعوى المشتري على من يتعرض للشيء المبيع ودعواه على البائع له الملتزم بالضمان . فهنا لا يجوز أن ترفع الدعويان أمام محكمة البائع .

(د) إذا رفعت الدعوى على شخص بصفة أصلية ورفعت على آخر بصفة إحتياطية لكي يحكم عليه إذا لم يصدر الحكم ضد المدعى عليه الأول . فهنا لا يجوز رفع الدعوى أمام محكمة المدعى عليه الإحتياطي .

2- أن يختصم المدعى عليهم بصفة جدية . فلا يعمل بهذه القاعدة إذا كان المدعى عليه الذي رفعت الدعوى أمام محكمته قد اختصم بسوء نية من المدعي لمجرد جلب المدعى عليه الحقيقي أمام محكمة غير محكمته الطبيعية. على أنه يجب إثبات سوء النية بوقائع مؤكدة، فلا يكفي مجرد رفض الدعوى ضد المدعى عليه الذي رفعت الدعوى أمام محكمة موطنه .

3- أن ترفع الدعوى أو الدعاوى المرتبطة أمام محكمة موطن أحد المدعى عليهم. فلا يجوز للمدعي اختصام مدعى عليه أمام المحكمة المختصة بالنسبة للمدعى عليه آخر إذا لم يكن أساس إختصاصها هو أنها محكمة موطن هذا الأخير ، كما لو كانت محكمة محل اقامة مدعي عليه ليس له موطن ، أو محكمة موطن المدعي ، أو محكمة الموطن المختار، أو المحكمة المتفق بين المدعي والمدعى عليه على إختصاصها . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الأول ،  الصفحة : 618 )

مناط الإختصاص المحلي :
يتحدد الإختصاص المحلى بموطن المدعى عليه، والموطن كما عرفته المادة 40 من القانون المدني هو المكان الذي يقيم به الشخص عادة ، أي المكان الذي تستقر به اقامة الشخص على وجه الدوام والإستقرار ولو تخللت هذه الاقامة فترات إنقطاع، وبذلك يختلف الموطن عن محل الإقامة الذي تنتقى في شأنه نية الاستقرار ولو كان الشخص يكثر التردد عليه طالما أن إقامته به عارضة. ومن ثم ينعقد الإختصاص المحلي لمحكمة الموطن دون محكمة محل الإقامة ما لم يرد نص في القانون على خلاف ذلك.

فإذا وجد للشخص أكثر من موطن وفقاً للمعيار المتقدم، إنعقد الإختصاص المحلى لمحكمة أي منها بصرف النظر عن مكان نشوء الالتزام أو تنفيذه ما لم يوجد اتفاق على إختيار موطن معين من بينها أو موطن آخر أو إختيار محكمة لا يوجد بها موطن للمدعي، مع مراعاة نص الفقرة الثانية من المادة 62 من قانون المرافعات.  

وإذا ورد نص في القانون يجعل الاختصاص المحلى لغير محكمة موطن المدعى عليه، تعين الإعتداد بهذا النص ورفع الدعوى أمام المحكمة التي حددها النص، كما في نص الفقرة الأولى من المادة 50 من قانون المرافعات يجعل الإختصاص المحلى بالدعاوى العينية العقارية ودعاوى الحيازة للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو أحد أجزائه اذا كان واقعاً في دوائر محاكم متعددة.

فإن أجاز النص رفع الدعوى أمام محكمة من بين عدة محاكم جعل لها الإختصاص المحلى بنظرها، كان الخيار للمدعى ومن ثم يجوز له رفع دعواه أمام واحدة فقط من المحاكم التي حددها النص، فإن رفع دعواه أمام أكثر من محكمة منها، كانت كل منها مختصة محليا بنظرها، ويتعين الدفع بإحالة الدعوى اللاحقة إلى المحكمة التي رفعت إليها الدعوى الأولى لرفعهما عن نزاع واحد عملا بالمادة 112 من قانون المرافعات، ولا يعتبر هذا الدفع دفعا بالإحالة مما يخضع لنص المادة 108 من ذات القانون ومن ثم فلا يسقط الحق فيه بالتكلم في الموضوع.

عدم وجود موطن للمدعى عليه في مصر :
إذا لم يوجد موطن للمدعى عليه في مصر، سواء كان مصرياً أو غير مصری، انعقد الإختصاص المحلى للمحكمة التي يقع في دائرتها محل إقامته، ومحل الاقامة وفقاً للمعيار المتقدم هو المكان الذي يقيم به المدعى عليه اقامة عارضة أو مؤقتة ومتى رفعت الدعوى على هذا النحو فلا ينال من الإختصاص تغيير المدعى لمحل إقامته فيظل الإختصاص منعقداً لمحكمة محل الإقامة الذي كان له وقت رفع الدعوى، وإذا رفعت الدعوى أمام محكمة لم يكن للمدعى عليه محل إقامة بدائرتها ثم اتخذ محل اقامة بهذه الدائرة، ظل الاختصاص منعقداً لها.

الإختصاص المحلي في حالة تعدد المدعى عليهم :
إذا تعدد المدعى عليهم كان الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم، وقد يتحد موضوع الدعوى وسببها بالنسبة لجميع المدعى عليهم، كالدعوى التي يرفعها المشتري على البائعين بدفع مبلغ على سبيل التعويض لإخلالهم بالتزاماتهم بالضمان ، فقد اتحد الموضوع بالنسبة للجميع وهو طلب التعويض كما اتحد السبب وهو الاخلال بالالتزام بالضمان، وفي هذه الحالة ينعقد الاختصاص المحلي للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم. وقد يتحد موضوع الدعوى وتختلف الأسباب، كالدعوى التي يرفعها المضرور على شركة التأمين وعلى المتسبب في الحادث بمطالبتهما بمبلغ على سبيل التعويض، وحينئذ نكون بصدد موضوع واحد هو التعويض المطالب به ويكون كل من المدعى عليهما مسئولا عنه بالكامل وفقا لأحكام التضامم، بينما اختلف سبب الدعوى بالنسبة لكل منهما، إذ هو عقد التأمين بالنسبة لشركة التأمين، وبالنسبة للمتسبب في الحادث هو الفعل الضار، ويقسم التعويض بينهما على نحو ما أوضحناه بكتابنا المطول في شرح القانون المدني، وطالما وجدت الرابطة بين المدعى عليهما في الموضوع فان الإختصاص المحلى ينعقد للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهما.

وإذا تعدد المدعى عليهم، وكان بعضهم يقيم خارج مصر، بينما يوجد موطن لأحدهم داخلها ، جاز رفع الدعوى ضد الجميع أمام محكمة موطن الأخير .

 أما اذا اختلف الموضوع والسبب كانت مسئولية كل مدعى عليه منفصلة عن مسئولية الآخر رغم تحقق مسئولية الجميع في مناسبة واحدة ولو جمعتهم دعوى جنائية واحدة ، مثال ذلك أن يعتدى شخصان على آخر فيحدث كل منهما اصابة به متميزة عن الإصابة التي أحدثها الآخر، أو أحدهما اصابة بالمجني عليه بينما يكون الآخر قد أتلف سيارته ، كل بنشاط مستقل، فيرجع المجنى عليه بالادعاء المدني على كل منهما بتعويض مستقل، ويكون كل تعویض بمثابة دعوى مستقلة منبتة الصلة بالدعوى الأخرى وحينئذ يسأل المتهم عن دينين وليس عن دين واحد ولذلك ينتقى التضامم، فاذا ادعى المجني عليه مدنياً أمام المحكمة الجنائية التي انعقد الاختصاص لها بنظر الجريمة، فإنها تكون مختصة محليا بالدعوى المدنية بالتبعية للدعوى الجنائية ولو لم يكن بدائرتها موطن لأي من المسئولين عن الحقوق المدنية أيا ما كانت صفة هذا المسئول، متهما أو مؤمناً أو كفيلاً.

أما إذا رأت المحكمة الجنائية عدم التصدي للدعوى المدنية، تعين عليها احالتها إلى المحكمة المدنية المختصة نوعياً ومحلياً بنظرها ولو كانت تقع في محافظة أخرى لوجود موطن المدعى عليه بدائرتها، كذلك الحال اذا قضت بتعويض مؤقت إذ يجب على المضرور رفع الدعوى المدنية بالتعويض النهائي أمام أكثر من محكمة إذا اختلف مواطن المسئولين في الفرض المتقدم، أما إذا كان المتهمون متضامنين بأن توافر الإشتراك في حقهم، تعين رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة التي يقع بدائرتها موطن أحدهم.

ويبين مما تقدم أنه يجب لانعقاد الاختصاص المحلى للمحكمة التي يقع بدائرتها موطن أحد المدعى عليهم، أن يكون المدعى عليه الذي رفعت الدعوى أمام محكمة موطنه خصماً حقيقياً مسئولاً عن الإلتزام بصفة أصلية أي يكون مدينا أصلياً أو مديناً منضماً للمدين الأصلي في تنفيذ الالتزام بأن يتعهد بتنفيذه إلى جانب المدين الأصلي، أما اذا تعهد بتنفيذه في حالة عدم قيام المدين بتنفيذه ، فإنه لا يكون مديناً أصلياً إنما كفيلاً في تنفيذ ذات الالتزام ومن ثم لا نكون بصدد مدعى عليهم متعددين في معنى المادة 49 من قانون المرافعات وبالتالي ينعقد الاختصاص المحلى في هذه الحالة للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدين الأصلى وحده، ومثل الكفيل الخصم غير الحقيقي وهو خصم المواجهة الذي لا تقدم ضده طلبات ويقف من الخصومة موقفاً سلبياً.

وإذا رفعت الدعوى أمام محكمة لا يوجد بدائرتها موطن لأي من المدعى عليهم، كانت غير مختصة محلياً بنظرها حتى لو كانت قد رفعت استناداً إلى اتفاق أبرمه أحد المدعى عليهم مع المدعى لمخالفة ذلك لنص المادة 49 سالفة البيان، ويسري ذات الحكم اذا قبل البعض هذا الإختصاص بينما دفع البعض الآخر بعدم الإختصاص ولو صدر الدفع من واحد فقط .

وينصرف الموطن الذي عنته المادة 49 إلى الموطن وإلى موطن الأعمال ومن ثم يجوز رفع الدعوى أمام المحكمة التي يقع بدائرتها موطن أعمال أحد المدعى عليهم متى تعلق النزاع بهذه الأعمال.

الدفع بعدم الإختصاص المحلي :
الدفع بعدم الاختصاص المحلى من الدفوع الشكلية التي يجب إبداؤها قبل ابداء أي طلب أو دفاع في الدعوى والا سقط الحق فيها عملا بالمادة 108 من قانون المرافعات، ذلك أن هذا الدفع مقرر لمصلحة المدعى عليه ، فإذا لم يتمسك به وتصدى للموضوع قامت في حقه قرينة قانونية قاطعة على أنه أسقط حقه فيه والساقط لا يعود، ومفاد ذلك أن الدفع بعدم الاختصاص المحلى غیر متعلق بالنظام العام ومن ثم لا تتصدى له المحكمة من تلقاء نفسها . ( المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : الثاني ، الصفحة : 148 )

تعريف الإختصاص المحلي  :
 الإختصاص المحلي هو نصيب المحكمة الواحدة من محاكم طبقة معينة من ولاية القضاء، وذلك وفقاً لموقعها الجغرافي من إقليم الدولة، ويعبر عنه بدائرة إختصاص المحكمة، فتهتم قواعد الإختصاص المحلي بتوزيع القضايا على أساس إقليمي بين مختلف المحاكم من نفس النوع والمنتشرة في ربوع البلاد .

إذ من الضوابط الأساسية في توزيع ولاية القضاء على مختلف محاكم الدولة الضابط المكاني أو الجغرافي، بحيث يكون لكل محكمة نصيب من ولاية القضاء بحسب موقعها الجغرافي من إقليم الدولة، فتختص بالقضايا المتعلقة بدائرة إقليمية معينة (انظر في ذلك  للمؤلف تحديد نطاق الولاية القضائية والاختصاص القضائي - رسالة دكتوراه - مشار إليها آنفا ص 394، وما بعدها) .

ويراعي المشرع في ذلك مصلحة الخصوم، بحيث تكون المحاكم من المتقاضين، بحيث تكون العدالة في متناول أيديهم، وهذا التقريب من الأمور التي تكفلها الدولة، إعمالا لواجبها في نشر العدالة وتيسير الحصول عليها وقد نصت على ذلك المادة 68 / 1 من الدستور المصرى الحالي التي تقول ...تكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا.

وقد نظم المشرع الاختصاص المحلي للمحاكم في الفصل، الرابع من الباب الأول من الكتاب الأول من قانون المرافعات في المواد من 49 إلى 62، وسوف نوضح الآن بالتفصيل قواعد هذا الاختصاص من خلال التعليق على هذه المواد.

القاعدة العامة في الإختصاص المحلي إختصاصي محكمة موطن المدعى عليه القاعدة الأصلية في الاختصاص المحلي أي في الأخذ بالضابط المكاني لتوزيع ولاية القضاء، هي عقد الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها الإقليمية موطن المدعى عليه، فالأصل أن المدعی يسعى إلى المدعى عليه في اقرب المحاكم إلى موطنه .

وهذه القاعدة كانت سائدة في القانون الروماني، وأساس هذه القاعدة هو أن الأصل براءة ذمة المدعى عليه، فقد يكون المدعي محقا في دعواه، وقد يكون غير محق، ولذلك يجب أن يتحمل هو مشقة الإنتقال إلى محكمة المدعى عليه .

فهذه القاعدة تقوم على أساس النطق والعدالة (عبدالباسط جمیعی - مبادىء المرافعات - ص 67)، إذ أن المدعي هو المهاجم، وليس من المنطق أن يستدعى خصمه إلى موطنه هو، لكي يوجه إليه هجومه، بل هو المكلف " بالسعي إلى المدعى عليه، وبذل الجهد، أما المدعى عليه فموقفه سلبي، وليس من العدل إجباره على الانتقال إلى موطن المدعي ليدافع عن نفسه في دعوى قد يتضح في النهاية عدم صحتها .

كذلك فإن الأخذ بهذه القاعدة يؤدى إلى تحقيق مبدأ المساواة بين الخصوم (فتحى والى - مبادئ - بند 164 - ص 243) فالمدعى هو الذي يختار الوقت الذي يرفع فيه الدعوى، ويستطيع أن يعد مستنداته قبل رفعها، ولذلك يكون في مركز أفضل من المدعى عليه، ولتحقق المساواة بينهما، يجب رفع الدعوى أمام المحكمة الكائن بدائرتها موطن المدعى عليه  .

ولقد نصت على هذه القاعدة الفقرة الأولى من المادة 49 - محل التعليق - التي تقرر أنه يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وواضح من هذا النص أن قاعدة سعى المدعى إلى محكمة موطن المدعى عليه تنطبق على كافة الدعاوى، وذلك ما لم يوجد نص تشریعی خاص يستثني خضوع بعض الدعاوى من هذه القاعدة، ويجيز رفع هذه الدعاوى المستثناة إلى محكمة أخرى غير المحكمة الكائن بدائرتها موطن المدعى عليه.

وجدير بالذكر أن الموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة ( مادة 40 ) من القانون المدني، فالموطن يتكون من عنصرين عنصر مادي يتمثل في الإقامة الفعلية في مكان معين، وعنصر معنوي يتمثل في نية البقاء أو الإستقرار في هذا المكان، ولا يؤثر في توافر نية الإستقرار مبارحة المكان بعض الوقت، فالمكان يعتبر موطنا ولو كان الشخص يتغيب عنه بعض الوقت، وذلك لأن التغيب لاينفي الإستقرار مادام الشخص الذي يتغيب عن موطنه إنما يتغيب عنه، وفي نيته الرجوع إلى نفس الموطن

ويلاحظ أن موطن الشخص الإعتباري هو المحل الذي يوجد فيه مركز إدارته الرئيسي 53 / 2 مدنی، ولكن إذا كان الشخص الاعتباري فروع متعددة ومنتشرة في كثير من الأماكن المتفرقة، والمتباعدة، فإن المكان الذي يوجد به كل فرع من هذه الفروع يعتبر موطنا خاصا بالأعمال المتعلقة به.

ومن الجائز أن يكون للشخص بجانب موطنه العام موطن خاص بالنسبة لنوع النشاط، فالمكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة يعتبر موطناً بالنسبة إلى إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة والحرفة وذلك عملا بالمادة 41 من التقنين المدني، ولذلك يجوز رفع الدعاوی المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة أمام المحكمة الكائن في دائرتها موطنه الخاص.

ووفقاً للفقرة الثانية من المادة 49 - محل التعليق  إذا لم يكن للمدعى عليه موطن في مصر، فإن الإختصاص يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها محل إقامته، ومحل إقامة الشخص هو مسكنه، أي المكان الذي يقيم فيه بصفة مؤقتة أو بصورة غير معتادة، ورغم أنه من الممكن أن يكون موطن الشخص هو مسكنه أيضاً، فإنه ليس كل مسكن يعتبر موطنه، لأن السكن أو محل الإقامة تكون إقامة الشخص فيه مؤقتة أو بصورة غير معتادة، بعكس.الموطن الذي يقيم فيه الشخص إقامة معتادة بنية الإستقرار كما أوضحنا أنفاً .

ومن المتصور عملا ألا يكون للشخص موطن بالمعنى المنصوص عليه في القانون، كما إذا كان لايقيم في مكان ما عادة، وإنما ينتقل دائماً من مكان إلى آخر دون أن يستقر في مكان معين، وقد يكون له موطن خارج البلاد.

فإذا لم يكن للمدعى عليه موطن في مصر، ولا حتى محل إقامة فيها، فإن الاختصاص في هذه الحالة يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي أو محل إقامته، إذ محكمة المدعى هي الأجدر منطقياً بعد محكمة المدعى عليه بالفصل في الدعوى (فتحى والى - مباديء - بند 165 ص 244)، أما إذا لم يكن للمدعى أيضا موطن أو محل إقامة في مصر، فإن الاختصاص في هذه الحالة يكون لمحكمة القاهرة ( مادة 61 مرافعات ) ، وذلك إذا كانت الدعوى كلية، أما إذا كانت الدعوى جزئية فإنه نظراً لتعدد المحاكم الجزئية في القاهرة، فإن للمدعي الحرية في إختيار المحكمة الجزئية التي يرفع أمامها الدعوى، بشرط أن تكون في مدينة القاهرة ذاتها ( احمد مسلم - أصول المرافعات به بند 245 ص 268 ) ، فلا قيد عليه في اختيار محكمة جزئية معينة بل لها حرية الاختيار في هذا وطبقاً للفقرة الثالثة من المادة 49 مرافعات - محل التعليق - فإنه في حالة ما إذا تعدد المدعى عليهم، وكان موطن كل منهم يقع في دائرة محكمة غير الدوائر التي بها موطن الأخرين، فإن الاختصاص في هذه الحالة يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم، وحكمة ذلك التيسير على المدعي، حتى لايضطر إلى رفع دعاوى متعددة فتتضاعف نفقات التقاضي كما قد تتناقض الأحكام، ومن الأفضل له أن يرفع دعواه أمام أية محكمة يقع بدائرتها موطن أحد المدعى عليهم، ومثال تعدد المدعى عليهم إقامة دعوى على مسئولين عن فعل خطا أو على مدينيين، ولو لم يكونوا متضامنين.

ولكن يشترط لجواز رفع المدعي دعواه أمام إحدى المحاكم التي يقع بدائرتها موطن أحد المدعى عليهم في حالة تعددهم عدة شروط، وأول هذه الشروط هو أن يكون تعدد المدعى عليهم تعدداً حقيقياً ، فإذا كان هذا التعدد صورياً، بأن تعمد المدعى إقامة الدعوى أمام محكمة موطن شخص لا شأن له بها، لمجرد جلب الخصم الحقيقي أمام محكمة غير محكمته الطبيعية، فإنه لا يعول في هذه الحالة على تعدد المدعى عليهم، وتكون المحكمة المختصة هي محكمة الخصم الحقيقي ( رمزی سيف - الوسيط بند 249 ص 293، عبدالباسط جمیعی - مبادىء المرافعات - ص 69 ) ، ولا يعتد بمثل هذا التعدد الصوري.

وثاني هذه الشروط هو أن يتساوى المركز القانوني للمدعى عليهم، فيجب لإجازة رفع الدعوى أمام إحدى المحاكم التي يقع بدائرتها موطن أحد المدعى عليهم، أن يتساوى موقف المدعى عليهم بالنسبة إلى موضوع الدعوى، إذ يرى الفقه أنه يجب أن يكونوا مختصمين فيها بصفة أصلية، فلا يكون أحدهما مختصاً بصفة تبعية أو إحتياطية، فيجب ألا يتوافر عنصر للمفاضلة بينهم (عبد الباسط جميعي - ص 70)، فإذا توافر عنصر المفاضلة بينهم فإن ذلك يؤدي إلى عدم التساوي في مراكزهم القانونية، ومن ثم لا يعتد بتعددهم، فمثلاً إذا كان أحد المدعى عليهم مديناً اميناً ، والثاني كفيلاً ، فإن المحكمة المختصة في هذه الحالة هي المحكمة الكائن بدائرتها موطن المدين الأصلي، وليست المحكمة الكائن بدائرتها موطن الكفيل، لأن التزام الكفيل ليس في مستوى التزام المدين الأصلي بل إنه أقل منه، وأدنی بحكم كونه التزاماً تبعياً، وتوافر عنصر المفاضلة بين المدعى عليهم في هذه الحالة يؤدي إلى عدم الاعتداد بتعددهم، بحيث لا يجوز للمدعي أن يرفع دعواه أمام محكمة المدين الأصلي أو محكمة الكفيل، بل فقط أمام محكمة المدين الأصلي، نظراً لعدم تساوى المركز القانوني لكل منهما .

ومن أمثلة عدم التساوي بين المدعى عليهم ايضاً ، الدعوى التي يرفعها مشترى عين على من ينازعه في الملكية، وعلى البائع للمدعي يطالبه بتنفيذ التزامه بالضمان، فهذه الدعوى لايجوز رفعها عليهما أمام محكمة البائع لأنه مختصم بصفة إحتياطية (رمزی سيف - بند 249 ص 294)، وهكذا فإن أية تفاوت في المراكز القانونية للمدعى عليهم يؤدي إلى عدم الاعتداد بتعددهم، بحيث لا يجوز للمدعي أن يرفع دعواه أمام محكمة موطن أياً منهم بلا تمييز.

ولكن يتعين ملاحظة أنه رغم اتجاه الفقه المتمثل في أن المختصم بصفة إحتياطية أو تبعية كالكفيل لايعد خصما حقيقيا إلا أن محكمة النقض أصدرت حكمين حديثيين ناهضت هذا الرأي، وحجتها في ذلك أن المقصود بالخصوم الحقيقيين هم الذين وجهت إليهم طلبات في الدعوى سواء كانوا مسئولين بصفة أصلية أو ضامنين دون قيد أو تخصيص، وإنه لا يصح قضاء تطبيق حكم النص على فئة المدعى عليهم المتساويين في المراكز القانونية في الدعوى دون سواهم أو تغليب موطن المسئول الأصلي على موطن الضامن له عند تحديد المحكمة المختصة محلياً لما ينطوي عليه ذلك القول من تقييد لمطلق أو تخصيص لعمومه بغير مخصص .

(نقض 23/2/1989 - الطعون أرقام 1697، 1723 ، 1760، 1762، 1775 لسنة 55 قضائية، نقض 9/3/1983 سنة 34 ص 661) .

وثالث هذه الشروط هو أن تكون المحكمة المرفوعة إليها الدعوى هي محكمة موطن أحد المدعى عليهم، لا المحكمة المختصة بالنسبة له بسبب اعتبار آخر خاص به ( أحمد مسلم- بند 244 ص 267، رمزي سيف - بند 249 ص 294، أحمد أبو الوفا المرافعات بند 334 ص 452 عبدالخالق عمر - ص 174 )، فمثلاً إذا اتفق المدعی مع أحد المدعى عليهم على إختصاص محكمة أخرى غير محكمة موطنه في الحدود التي يسمح بها القانون لهذا الإتفاق، فإن هذه المحكمة تكون مختصة بالنسبة لهذا المدعى عليه فقط، فلا يجوز للمدعى رفع الدعوى على جميع المدعى عليهم أمامها، لأنها ليست محكمة موطن أحدهم، بل إنها المحكمة المختصة بالنسبة لهذا المدعى عليه فقط بسبب اعتبار خاص به .

إذن يجب أن تكون المحكمة المختصة بنظر الدعوى هي في الأصل محكمة موطن المدعى عليه عملا بالقاعدة العامة لا أية محكمة أخرى، قد يحصل أن تكون المحكمة المختصة هي محكمة موقع العقار، كما إذا كانت الدعوى عينية عقارية، ففي هذه الحالة لايجوز رفع الدعوى أمام أية محكمة يقع في دائرتها موطن أحد المدعى عليهم، وإنما يتعين رفع الدعوى أمام محكمة موقع العقار .

والشرط الأخير لجواز رفع المدعي دعواه أمام إحدى المحاكم التي يقع بدائرتها موطن أحد المدعى عليهم في حالة تعددهم، أن تكون الدعوى واحدة، بمعنى أن يكون موضوعها واحداً بالنسبة للمدعى عليهم سواء اتحد السبب أم إختلف (عبدالباسط جمیعی - ص 71، رمزي سيف - بند 294، العشماوى ج 1 بندی 381، 382)، فإذا لم تكن الدعوى واحدة بل كانت في حقيقتها دعاوی متعددة فإنه لا يجوز للمدعى أن يرفعها أمام محكمة موطن أحد المدعى عليهم، بل لابد من الفصل بين هذه الدعاوى ورفع كل منها على حدة.

الإرتباط الذي يبرر جمع مدعى عليهم في دعوى واحدة قد يرجع إلى وحدة موضوع الدعوى أو وحدة السبب، كما لو بنيت الطلبات الموجهة إلى المدعى عليهم المتعددين على عقد واحد أو فعل ضار واحد أو غير ذلك من أسباب الإرتباط لمنع صدور أحکام متعارضة ولحسن سير العدالة .

ومثال تعدد المدعى عليهم إقامة دعوى على المسئولين عن فعل خطأ أو على مدينين ولو لم يكونوا متضامنين.

وإذا رفعت الدعوى أمام محكمة لا يقع في دائرتها موطن أحد المدعى عليهم وقبل أحدهم اختصاصها فلا يسقط حق الباقين في الدفع بعد الاختصاص .

ومما تقدم تتضح لنا القاعدة الأصلية في الإختصاص المحلى أي التوزيع الجغرافي لولاية القضاء، وهي عقد الإختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه، ورغم أن هذه القاعدة هي أساس التوزيع الجغرافي لولاية القضاء فإنها ليست مطلقة، بل ترد عليها كثير من الإستثناءات، وفي هذه الإستثناءات قد يمنح الشارع الاختصاص لمحكمة غير محكمة موطن المدعى عليه، أو لمحكمة أخرى بالإضافة إلى محكمة موطن المدعى عليه، وسوف نوضح هذه الحالات الإستثنائية تفصيلاً الواردة في قانون المرافعات وذلك من خلال التعليق على المواد التالية.

ويلاحظ أنه إذا ورد استثناء على القاعدة الأصلية المنصوص عليها في هذه المادة فيطبق الإستثناء وذلك كما لو كانت الدعاوى عينية عقارية فإن الإختصاص يكون للمحكمة الواقع بدائرتها العقار محل النزاع دون موطن أی من المدعى عليهم، وذلك عملا للمادة 50 مرافعات التي سوف تعلق عليها بعد قليل .

الاختصاص المحلي بالنسبة للطعون الضريبية : نصت الفترة الأولى من المادة 161 من القانون 157 لسنة 1981 على أن لكل من مصلحة الضرائب والممول الطعن في قرار اللجنة أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة تجارية خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإعلان بالقرار، ونصت الفقرة الثانية على أن ترفع الدعوى للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها المركز الرئيسي للممول أو محل إقامته المعتاد أو مقر المنشاة، وذلك طبقا لأحكام قانون المرافعات، وهذا النص يتضمن استثناء من قاعدة الاختصاص المحلي المقرر بقانون المرافعات إن الأصل أن الاختصاص يكون لمحكمة المدعى عليه إلا أن المشرع خرج عليه، وجعل الاختصاص بنظر الطعون التي ترفع من الممول - وهو في هذه الحالة .يكون مدعيا لمحكمته أو للمحكمة الواقع في دائرتها المركز الرئيسي له أو مقر المنشأة التي يدور النزاع حول تقدير أرباحها .

الإختصاص المحلي في دعاوى الأحوال الشخصية وفقاً للقانون رقم (1) لسنة 2000 : لقد كانت المادة 21 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية تنص على أن الاختصاص المحلى بنظر الدعوى يكون للمحكمة التي يقع بدائرتها محل إقامة المدعى عليه إلا أن المشرع خرج على الأصل المقرر في هذه المادة بما نص عليه في المادة 24 من اللائحة المذكورة من أن المدعية إذا كانت زوجة أو أماً أو حاضنة ان ترفع دعواها أمام المحكمة التي يقع بدائرتها محل إقامتها أو محل إقامة المدعى عليه، وذلك في المواد التي أوردها النص المذكور، ومن بينها المسائل المتعلقة بالزوجية، وهي الدعاوى التي تضمن منازعة متعلقة بالآثار التي مرت بها عقد الزواج.

وقد ألغي المشرع لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالقانون رقم 1 لسنة 2000، ونص في المادة 15 / 2 منه على أن الاختصاص المحلي بنظر الدعوى يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها محل المدعى عليه إلا أن المادة نفسها استثنت من ذلك الدعاوى المرفوعة من الأولاد أو الزوجة أو الوالدين أو الحاضنة في المواد التي عددتها، ونصت على أن الاختصاص في هذه المواد، إنما يكون للمحكمة التي يقع بدائرتها موطن المدعي أو المدعى عليه .

وجدير بالذكر أن الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 نصت على أن يتحدد الموطن في مفهوم هذا القانون على النحو المبين بالمواد 40, 42، 43 من القانون المدني، ومن ثم فقد أصبح الموطن في مواد الأحوال الشخصية كالموطن في قانون المرافعات إذ كل منهما أحال في تحديده للقانون المدني. ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء / الثاني  ،  الصفحة :  240 )

الموطن كما عرفه القانون المدني في المادة 40 منه هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة فعنصراه الإقامة والسكن والاعتياد أي الاستقرار ولو كان الشخص يتغيب عنه بعض الوقت وقد يكون الشخص أكثر من موطن واحد إذا كان يقيم في مكانين مثلا إقامة معتادة في كل منهما وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 40 من القانون المدني .

 يجوز ألا يكون للشخص موطن بالمعنى الذي نص عليه القانون كما إذا كان لا يقيم في مكان ما عادة وإنما ينتقل من مكان إلي آخر دون أن يستقر في مكان معين أو كان موطنه في خارج القطر .

في حالة تعدد المدعى عليهم فإن الاختيار في ذلك للمدعي ولكن بأربعة شروط أولها أن يكون تعدد المدعى عليهم تعددا حقيقيا وثانيهما ألا ترفع الدعوى أمام محكمة الخصم الذي اختصم ليصدر الحكم في مواجهته أو لمجرد المثول في الدعوى.

 وكان قد شايعنا الفقه - في الطبعات الست الأولى من هذا المؤلف . فيما نادي به من أن المختصم بصفة إحتياطية أو تبعية كالكفيل لا يعد خصماً حقيقياً إلا أن محكمة النقض أصدرت حكما حديثا ناهضت هذا الرأي وحجتها في ذلك أن المقصود بالخصوم الحقيقيين هم الذين وجهت إليهم طلبات في الدعوى سواء كانوا مسئولین بصفة أصلية أو ضامنين دون قيد أو تخصيص وأنه لا يصح قصر تطبيق حكم النص على فئة المدعى عليهم المتساوين في المراكز القانونية في الدعوى دون سواهم أو تغليب موطن المسئول الأصلي علي موطن الضامن له عند تحديد المحكمة المختصة محلياً لما ينطوي عليه ذلك القول من تقييد المطلق النص أو تخصيص لعمومه بغير مخصص وثالث هذه الشروط أن تكون المحكمة التي ترفع إليها الدعوى محكمة موطن أحد المدعى عليهم وليست المحكمة المتفق عليها مع أحدهم دون الأخرين والشرط الأخير أن يكون بين الطلبات الموجهة إلى المدعى عليهم دون ارتباط بیرر جمع الطلبات الموجهة لمدعى عليهم متعددين في دعوى واحدة . ( الوسيط في المرافعات الدكتور رمزي سیف الطبعة الثامنة ص 293 وما بعدها ).

وهذه القاعدة لا تسري على الحالة المدعى عليهم المتوطنين داخل الدولة فحسب بل أنها تسري كذلك في حالة ما إذا كان موطن أحدهم بالداخل وموطن الأخر بالخارج. وإذا رفعت الدعوى أمام محكمة لا يقع في دائرتها موطن أحد المدعى عليهم وقبل أحدهم اختصاصها فلا يسقط حق الباقين في الدفع بعدم الإختصاص.

 ومن الجائز أن يكون للشخص بجانب موطنه العام موطن خاص بالنسبة لنوع النشاط ، فالمكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة يعتبر موطنا بالنسبة إلى إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة والحرفة وذلك عملاً بالمادة 41 من التقنين المدني ولذلك يجوز رفع الدعاوى المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة أمام المحكمة الكائن في دائرتها موطنه الخاص .

وإذا ورد إستثناء على القاعدة الأصلية المنصوص عليه في هذه المادة فيطبق الإستثناء وذلك كما لو كانت الدعاوى عينية عقارية فإن الإختصاص يكون للمحكمة الواقع بدائرتها العقار محل النزاع دون موطن أي من المدعى عليهم وذلك عملاً بالمادة 50 مرافعات.

والإرتباط الذي يبرر جمع مدعى عليهم في دعوى واحدة قد يرجع إلي وحدة موضوع الدعوى أو وحدة السبب ، كما لو بينت الطلبات الموجهة إلي المدعى عليهم المتعددين علي عقد واحد أو فعل ضار واحد أو غير ذلك من أسباب الإرتباط لمنع صدور أحكام متعارضة ولحسن سير العدالة.

الموطن في دعاوى الأحوال الشخصية :
نصت الفقرة الأولي من المادة 15 من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 على أن يتحدد الموطن في مفهوم هذا القانون علي النحو المبين بالمواد 40 ، 42 ، 43 من القانون المدني ومن ثم فقد أصبح في مواد الأحوال الشخصية كالموطن في قانون المرافعات إذ كل منهما أحال في تحديده للقانون المدني.

الإختصاص المحلي بالنسبة للطعون الضريبية :
نصت الفقرة الأولي من المادة 161 من القانون 157 لسنة 1981 على أن لكل من مصلحة الضرائب والممول الطعن في قرار اللجنة أمام المحكمة الإبتدائية منعقدة بهيئة تجارية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الإعلان بالقرار . ونصت الفقرة الثانية على أن ترفع الدعوى للمحكمة التي يقع في دائرة إختصاصها المركز الرئيسي للممول أو محل إقامته المعتاد أو مقر المنشأة وذلك طبقا لأحكام قانون المرافعات ، وهذا النص يتضمن إستثناء من قاعدة الإختصاص المحلي المقرر بقانون المرافعات إذ الأصل أن الاختصاص يكون لمحكمة المدعى عليه إلا أن المشرع خرج عليه وجعل الإختصاص بنظر الطعون التي ترفع من الممول - وهو في هذه الحالة يكون مدعياً - لمحكمته أو للمحكمة الواقع في دائرتها المركز الرئيسي له أو مقر المنشأة التي يدور النزاع حول تقدير أرباحها.

الإختصاص المحلي في المواد المتعلقة بالأحوال الشخصية :
كانت المادة 21 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية تنص على أن الاختصاص المحلي بنظر الدعوى يكون للمحكمة التي يقع بدائرتها محل إقامة المدعى عليه إلا أن المشرع خرج علي الأصل المقرر في هذه المادة بما نص عليه في المادة 24 من اللائحة المذكورة من أن للمدعية إذا كانت زوجة أو أما أو حاضنة أن ترفع أمام المحكمة التي أوردها النص المذكور ومن بينها المسائل المتعلقة بالزوجية وهي الدعاوى التي تتضمن منازعة متعلقة بالآثار التي يرتبها عقد الزواج.

وقد ألغي المشرع لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالقانون رقم 1 لسنة 2000 ونص في المادة 15/ 2 منه على أن الاختصاص المحلي بنظر الدعوى يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها محل المدعى عليه إلا أن المادة نفسها استثنت من ذلك الدعاوى المرفوعة من الأولاد أو الزوجة أو الوالدين أو الحاضنة في المواد التي عددتها ونصت على أن الإختصاص في هذه المواد إنما يكون للمحكمة التي يقع بدائرتها موطن المدعي أو المدعى عليه. ( التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء الثاني ،  الصفحة : 728 )

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع والعشرون ، الصفحة / 266

تَقْسِيمُ الْوَطَنِ :

يَنْقَسِمُ الْوَطَنُ إِلَى: وَطَنٍ أَصْلِيٍّ، وَوَطَنِ إِقَامَةٍ، وَوَطَنِ سُكْنَى.

الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:

هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ الإِْنْسَانُ بِأَهْلِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْطِنَ وِلاَدَتِهِ أَمْ بَلْدَةً أُخْرَى، اتَّخَذَهَا دَارًا وَتَوَطَّنَ بِهَا مَعَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَلاَ يَقْصِدُ الاِرْتِحَالَ عَنْهَا، بَلِ التَّعَيُّشُ بِهَا .

وَيَأْخُذُ حُكْمَ الْوَطَنِ: الْمَكَانُ الَّذِي تَأَهَّلَ بِهِ، أَيْ تَزَوَّجَ بِهِ، وَلاَ يَحْتَاجُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ إِلَى نِيَّةِ الإْقَامَةِ. لَكِنَ الْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ: أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مَدْخُولاً بِهَا غَيْرَ نَاشِزٍ.

وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ: أَنَّ الْوَطَنَ الأْصْلِيَّ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ أَغْلَبِ الْفُقَهَاءِ بِالإْقَامَةِ الدَّائِمَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّأْبِيدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَكَانِ وِلاَدَتِهِ أَمْ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَكَانُ الزَّوْجَةِ.

وَالْوَطَنُ الأْصْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلٌ وَدَارٌ فِي بَلْدَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّةِ أَهْلِهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ أَهْلٍ إِلَى أَهْلٍ فِي السَّنَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا مِنْ بَلْدَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ، وَدَخَلَ بَلْدَةً أُخْرَى فِيهَا أَهْلُهُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الإِْقَامَةِ.

مَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:

الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ يُنْتَقَضُ بِمِثْلِهِ لاَ غَيْرُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَطَّنَ الإْنْسَانُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَيَنْقُلُ الأْهْلَ إِلَيْهَا مِنْ بَلْدَتِهِ مُضْرِبًا عَنِ الْوَطَنِ الأْوَّلِ، وَرَافِضًا سُكْنَاهُ، فَإِنَّ الْوَطَنَ الأْوَّلَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِيهِ مُسَافِرًا لاَ تَصِيرُ صَلاَتُهُ أَرْبَعًا.

وَالأْصْلُ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ - رضي الله عنهم - كَانُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ لَهُمْ بِهَا أَوْطَانٌ أَصْلِيَّةٌ، ثُمَّ لَمَّا هَاجَرُوا وَتَوَطَّنُوا بِالْمَدِينَةِ، وَجَعَلُوهَا دَارًا لأِنْفُسِهِمُ انْتَقَضَ وَطَنُهُمُ الأْصْلِيُّ بِمَكَّةَ، حَتَّى كَانُوا إِذَا أَتَوْا مَكَّةَ يُصَلُّونَ صَلاَةَ الْمُسَافِرِينَ.

وَلِذَلِكَ «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ صَلَّى بِهِمْ: أَتِمُّوا يَا أَهْلَ مَكَّةَ صَلاَتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ».

وَلاَ يُنْتَقَضُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ بِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَلاَ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُمَا دُونَهُ، وَالشَّيْءُ لاَ يُنْسَخُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، وَكَذَا لاَ يُنْتَقَضُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ وَطَنِهِ حَتَّى يَصِيرَ مُقِيمًا بِالْعَوْدَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الإْقَامَةِ.

وَطَنُ الإْقَامَةِ:

هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ أَنْ يُقِيمَ بِهِ مُدَّةً قَاطِعَةً لِحُكْمِ السَّفَرِ فَأَكْثَرَ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ ذَلِكَ، مَعَ اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا.

أَمَّا شَرَائِطُهُ: فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ:

الرِّوَايَةَ الأْولَى: إِنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِشَرِيطَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ.

وَالثَّانِيَةَ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ وَبَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ (الَّذِي تَوَطَّنَ فِيهِ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ هَذِهِ الْمُدَّةِ) مَسَافَةُ الْقَصْرِ.

وَبِدُونِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ لاَ يَصِيرُ وَطَنَ إِقَامَةٍ، وَإِنْ نَوَى الإْقَامَةَ مُدَّةً قَاطِعَةً لِلسَّفَرِ فِي مَكَانٍ صَالِحٍ لِلإْقَامَةِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْمُقِيمَ لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إِلَى قَرْيَةٍ لاَ لِقَصْدِ السَّفَرِ، وَنَوَى أَنْ يَتَوَطَّنَ بِهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ فَلاَ تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إِقَامَةٍ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ؛ لاِنْعِدَامِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ. وَكَذَا إِذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ، وَخَرَجَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قَرْيَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ لاَ تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إِقَامَةٍ لَهُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ - وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ هَاتَيْنِ الشَّرِيطَتَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ إِنْ كَانَتْ  نِيَّةُ الإْقَامَةِ فِي ابْتِدَاءِ السَّيْرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَثْنَائِهِ فَلاَ تُشْتَرَطُ الْمَسَافَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

مَا يُنْتَقَضُ بِهِ وَطَنُ الإْقَامَةِ:

وَطَنُ الإْقَامَةِ يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ؛ لأِنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ؛ لأِنَّهُ مِثْلُهُ وَالشَّيْءُ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ بِمِثْلِهِ، وَيُنْتَقَضَ بِالسَّفَرِ - أَيْضًا - لأِنَّ تَوَطُّنَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ، وَلَكِنْ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا سَافَرَ مِنْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ، فَصَارَ مُعْرِضًا عَنِ التَّوَطُّنِ بِهِ، فَصَارَ نَاقِضًا لَهُ، وَلاَ يُنْتَقَضُ وَطَنُ الإْقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ دُونَهُ فَلاَ يَنْسَخُهُ.

وَطَنُ السُّكْنَى:

هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ الْمَقَامَ بِهِ أَقَلَّ مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ.

وَشَرْطُهُ: نِيَّةُ عَدَمِ الإْقَامَةِ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ، وَلِذَلِكَ يُعْتَبَرُ مُسَافِرًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَإِنْ طَالَ مَقَامُهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلاَةَ»، وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ – رضي الله عنه  - أَنَّهُ أَقَامَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى نَيْسَابُورَ شَهْرَيْنِ وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ.

إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

مَا يُنْتَقَضُ بِهِ وَطَنُ السُّكْنَى:

وَطَنُ السُّكْنَى يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ وَبِوَطَنِ الإِقَامَةِ؛ لأِنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَيُنْتَقَضُ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، وَيُنْتَقَضُ بِالسَّفَرِ؛ لأِنَّ تَوَطُّنَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ، وَلَكِنْ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا سَافَرَ مِنْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى انْقِضَاءِ حَاجَتِهِ، فَصَارَ مُعْرِضًا عَنِ التَّوَطُّنِ بِهِ، فَصَارَ نَاقِضًا لَهُ.

هَذَا، وَالْفَقِيهُ الْجَلِيلُ أَبُو أَحْمَدَ الْعِيَاضِيُّ قَسَّمَ الْوَطَنَ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا: وَطَنِ قَرَارٍ وَالآْخَرِ: مُسْتَعَارٍ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 56

وَطَن

التَّعْرِيفُ:

الْوَطَنُ- بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالطَّاءِ- فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الإْقَامَةِ، أَوْ مَكَانُ الإْنْسَانِ  وَمَقَرُّهُ، وَيُقَالُ لِمَرْبِضِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالإِبِلِ: وَطَنٌ، وَهُوَ مُفْرَدٌ، جَمْعُهُ أَوْطَانٌ، وَمِثْلُ الْوَطَنِ الْمَوْطِنُ، وَجَمْعُهُ مَوَاطِنُ، وَأَوْطَنَ: أَقَامَ، وَأَوْطَنَهُ وَوَطَّنَهُ وَاسْتَوْطَنَهُ: اتَّخَذَهُ وَطَنًا، وَمَوَاطِنُ مَكَّةَ: مَوَاقِفُهَا .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْوَطَنُ: هُوَ مَنْزِلُ إِقَامَةِ الإْنْسَانِ  وَمَقَرُّهُ، وُلِدَ بِهِ أَوْ لَمْ يُولَدْ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْمَحَلَّةُ:

الْمَحَلَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الْقَوْمِ، وَالْجَمْعُ مَحَالُّ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ مَنْزِلُ قَوْمِ إِنْسَانٍ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهُمْ حَيْثُ جَمَعَهُمُ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَحَلَّةِ وَالْوَطَنِ أَنَّ الْوَطَنَ أَعَمُّ مِنَ الْمَحَلَّةِ.

أَنْوَاعُ الْوَطَنِ:

يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْوَطَنَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الأْحْكَامِ  الشَّرْعِيَّةِ بِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ، وَوَطَنُ إِقَامَةٍ، وَوَطَنُ سُكْنَى، كَمَا يَلِي:

أ- الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ هُوَ: مَوْطِنُ وِلاَدَةِ الإْنْسَانِ  أَوْ تَأَهُّلِهِ أَوْ تَوَطُّنِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ، وَيُسَمَّى بِالأْهْلِيِّ، وَوَطَنُ الْفِطْرَةِ، وَالْقَرَارِ، وَمَعْنَى تَأَهُّلِهِ أَيْ تَزَوُّجِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلْدَتَيْنِ فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا صَارَ مُقِيمًا، فَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي إِحْدَاهُمَا وَبَقِيَ لَهُ فِيهَا دُورٌ وَعَقَارٌ، قِيلَ: لاَ يَبْقَى وَطَنًا، إِذِ الْمُعْتَبَرُ الأْهْلُ  دُونَ الدَّارِ، وَقِيلَ: تَبْقَى، وَمَعْنَى تَوَطُّنِهِ أَيْ عَزْمِهِ عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَعَدَمِ الاِرْتِحَالِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ فِيهِ .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الْوَطَنُ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الشَّخْصُ لاَ يَرْحَلُ عَنْهُ صَيْفًا وَلاَ شِتَاءً إِلاَّ لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ .

وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَرْيَةُ الْخَرِبَةُ الَّتِي انْهَدَمَتْ دُورُهَا وَعَزَمَ أَهْلُهَا عَلَى إِصْلاَحِهَا وَالإْقَامَةِ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً .

كَمَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ امْرَأَةٌ لَهُ أَوْ تَزَوَّجَ فِيهِ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلاَةَ الْمُقِيمِ» .

قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ .

وَيُؤْخَذُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْوَطَنِ الْبَلَدُ الَّذِي لِلشَّخْصِ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَاشِيَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ مَالٌ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْوَطَنُ هُوَ مَحَلُّ سُكْنَى الشَّخْصِ بِنِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَمَوْضِعُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ سُكْنَاهُ عِنْدَهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ بِقَرْيَةٍ وَلَدٌ فَقَطْ أَوْ مَالٌ فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .

ب- وَطَنُ الإْقَامَةِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ الإْقَامَةِ هُوَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ الإْنْسَانُ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ مُدَّةٍ قَاطِعَةٍ لِحُكْمِ السَّفَرِ، وَيُسَمَّى بِالْوَطَنِ الْمُسْتَعَارِ أَوْ بِالْوَطَنِ الْحَادِثِ.

وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِحُكْمِ السَّفَرِ .

ج- وَطَنُ السُّكْنَى:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ السُّكْنَى هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ الْمُقَامَ بِهِ أَقَلَّ مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ .

(ر: صَلاَةِ الْمُسَافِرِ ف3 – 8)

شُرُوطُ الْوَطَنِ:

لاَ يُسَمَّى الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الإْنْسَانُ وَطَنًا لَهُ تُنَاطُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطَنِ إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطٌ.

وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا، أَوْ وَطَنَ إِقَامَةٍ، أَوْ وَطَنَ سُكْنَى.

ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الشُّرُوطِ مِمَّا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ وَبَعْضَهَا مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

شُرُوطُ الْوَطَنِ الأْصْلِيِّ:

أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا بِنَاءً مُسْتَقِرًّا بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبِنَاءِ بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حَيْثُ عَرَّفُوا الْوَطَنَ فِي مَعْرِضِ الْكَلاَمِ عَنْ شُرُوطِ إِقَامَةِ صَلاَةِ الْجُمْعَةِ بِأَنَّهَا الْقَرْيَةُ الْمَبْنِيَّةُ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِبِنَائِهَا بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ طِينٍ أَوْ لَبِنٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنْ تَكُونَ مُجْتَمِعَةَ الْبِنَاءِ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ .

وَالْحَنَفِيَّةُ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ يَعْتَبِرُونَ الْمَكَانَ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الشَّخْصُ أَوْ تَأَهَّلَ فِيهِ أَوْ تَوَطَّنَ فِيهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .

ب -شُرُوطُ وَطَنِ الإْقَامَةِ:

تُشْتَرَطُ لاِتِّخَاذِ مَكَانٍ وَطَنًا لِلإْقَامَةِ  شُرُوطٌ، مِنْهَا: نِيَّةُ الإْقَامَةِ، وَمُدَّةُ الإْقَامَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَاتِّخَاذُ مَكَانِ الإْقَامَةِ، وَصَلاَحِيَّةُ الْمَكَانِ لِلإْقَامَةِ، وَأَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ وَمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا (ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف26 - 29)

شُرُوطُ وَطَنِ السُّكْنَى:

لَيْسَ لِوَطَنِ السُّكْنَى إِلاَّ شَرْطَانِ، وَهُمَا: عَدَمُ نِيَّةِ الإْقَامَةِ فِيهِ، وَعَدَمُ الإْقَامَةِ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ- بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ- وَأَنْ لاَ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ فِيهِ.

(ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف8)

مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوَطَنُ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ لاَ يَنْتَقِضُ إِلاَّ بِالاِنْتِقَالِ مِنْهُ إِلَى مِثْلِهِ، بِشَرْطِ نَقْلِ الأْهْلِ  مِنْهُ، وَتَرْكِ السُّكْنَى فِيهِ، فَإِذَا هَجَرَ الإْنْسَانُ  وَطَنَهُ الأْصْلِيَّ ، وَانْتَقَلَ عَنْهُ بِأَهْلِهِ إِلَى وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ، بِشُرُوطِهِ لَمْ يَبْقَ الْمَكَانُ الأْوَّلُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، فَإِذَا دَخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسَافِرًا، بَقِيَ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ، مَا لَمْ يَنْوِ فِيهِ الإْقَامَةَ، أَوْ مَا لَمْ يُقِمْ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا، وَيَكُونُ الْمَكَانُ لَهُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمَ .

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَطَنَ الأْصْلِيَّ  لاَ يَنْتَقِضُ بِاتِّخَاذِ وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ. قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: لاَ يَقْصُرُ مَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ وَطَنَهُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إِلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ .

وَمَنِ اسْتَوْطَنَ وَطَنًا آخَرَ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ وَطَنِهِ الأْوَّلِ، كَأَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ مَثَلاً: الأْولَى فِي وَطَنِهِ الأْوَّلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي وَطَنٍ آخَرَ جَدِيدٍ، كَانَ الْمَكَانُ الآْخَرُ وَطَنًا لَهُ بِشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِضِ الْوَطَنُ الأْوَّلُ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ التَّحَوُّلِ عَنْهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ لِلإْنْسَانِ زَوْجَتَانِ فِي بَلَدَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يُعَدَّانِ وَطَنَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ لَهُ، فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا عُدَّ مُقِيمًا فِيهَا مُنْذُ دُخُولِهِ مُطْلَقًا، وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .

وَلاَ يَنْتَقِضُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ بِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَلاَ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛  لأِنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمَا، فَلاَ يَنْتَقِضُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ مُسَافِرًا إِلَى بَلَدٍ، وَأَقَامَ فِيهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، أَوْ نَوَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ يَنْتَقِضْ بِذَلِكَ وَطَنُهُ الأْصْلِيُّ، فَلَوْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ عُدَّ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ إِلَيْهِ مُطْلَقًا.

أَمَّا وَطَنُ الإْقَامَةِ، فَيَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ؛  لأِنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ أَيْضًا؛  لأِنَّهُ مِثْلُهُ، كَمَا يَنْتَقِضُ بِالسَّفَرِ، وَلاَ يَنْتَقِضُ وَطَنُ الإْقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛  لأِنَّهُ دُونَهُ.

أَمَّا وَطَنُ السُّكْنَى، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَبِوَطَنِ السُّكْنَى أَيْضًا، أَمَّا الأْوَّلاَنِ  فَلأِنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَأَمَّا الآْخِرُ فَ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.