موسوعة قانون المرافعات

شرح خبراء القانون

أشار النص محل التعليق إلى تطبيق العقوبات المنصوص عليها في المواد 341، 342، 361 من قانون العقوبات على المدين إذا إختلس الثمرات أو الإيرادات التي تلحق بالعقار المحجوز أو إذا أتلف هذا العقار أو أتلف الثمرات، وفيما يلي شرح لهذه المواد من قانون العقوبات:

الجرائم الملحقة بخيانة الأمانة :

تقسيم: 

ألحق الشارع بخيانة الأمانة جرائم ثلاث : هي اختلاس الأشياء المحجوز عليها من مالكها المعين حارساً عليها (المادة 342 من قانون العقوبات)، وخيانة الإئتمان في ورقة موقعة على بياض (المادة 340 من قانون العقوبات)، وسرقة السندات أو الأوراق المقدمة إلى المحكمة في أثناء تحقيق قضية بها (المادة 343 من قانون العقوبات).

اختلاس الأشياء المحجوز عليها

تمهيد:

نصت على هذه الجريمة المادة 34 من قانون العقوبات في قولها « يحكم بالعقوبات السابقة (أي عقوبات خيانة الأمانة) على المالك المعين حارساً على أشيائه المحجوز عليها قضائياً أو إدارياً إذا اختلس شيئاً منها ». وعلة إلحاق هذه الجريمة بخيانة الأمانة أن لها ذات أركانها، عدا إشتراط ملكية الغير للمال الذي وقعت عليه : فالفرض أن المال المحجوز محمل بحق السلطة العامة وحق الحاجز، وقد سلم إلى مالكه الذي عين حارساً عليه لكي يحفظ هذه الحقوق، وصار بناءً على ذلك ملتزماً بالتزامات تفرضها عليه صفته، ولكنه اختلس هذا المال، أي صدر عنه فعل من شأنه عرقلة التنفيذ عليه، والإخلال بحقوق السلطة العامة والحاجز وبغير هذا النص، ما كان ممكناً عقاب المتهم وفقاً لنص خيانة الأمانة، إذ أن حقه كمالك ينفي أحد أركانها والصلة بين هذه الجريمة والجريمة التي نصت عليها المادة 323 من قانون العقوبات وتحمل ذات الاسم وثيقة فموضوع الجريمتين أشياء محجوز عليها، والفعل الذي تقومان به  اختلاس، والجريمتان يرتكبهما مالك هذه الأشياء ؛ وإنما الفارق بينهما أن جريمة المادة 342 تفترض أن المتهم هو الحارس على الشيء المحجوز عليه، ومن ثم كان في حيازته، فكان فعله أشبه بالفعل الذي تقوم به خيانة الأمانة ؛ أما الجريمة التي نصت عليها المادة 323 من قانون العقوبات، فتفترض أن المتهم لم يعين حارساً على الشيء، ومن ثم كانت حيازته لغيره، فاستيلاؤه عليه أشبه بالفعل الذي تقوم به السرقة ويفسر ذلك إلحاق الشارع جريمة المادة 342 بخيانة الأمانة وجريمة المادة 323 بالسرقة، وخضوع كل منهما لأحكام الجريمة التي ألحقت بها، وبصفة خاصة عقوبتها.

علة التجريم : 

علة تجريم اختلاس الأشياء المحجوز عليها هي كفالة الاحترام للحجز باعتباره عملاً قضائياً أو إدارياً، واحترام السلطة التي أوقعته ولكن الشارع لا يحمي الحجز لذاته، وإنما يحميه باعتباره وسيلة إلى اقتضاء الدائن الحاجز حقه، ويمكن القول بأن علة التجريم مزدوجة :

حماية حق السلطة العامة وحماية حق مالي لفرد؛ بل يمكن القول بأن الشارع يحمي حق السلطة العامة في الحدود التي يكفل فيها صيانة حق الحاجز.

 أركان الجريمة، تتطلب الجريمة موضوعاً، هو الشيء المحجوز عليه، وتتطلب صفة في المتهم، هي أن يكون مالكاً لهذا الشيء وحارساً عليه، وتقتضي ركناً مادياً، هو الاختلاس، وتتطلب هذه الجريمة في النهاية ركناً معنوياً، يتخذ صورة القصد الجنائي.

المال المحجوز عليه : 

تتطلب هذه الجريمة أن يكون موضوعها  مالاً محجوزاً عليه، أى وقع عليه حجز، سواء كان حجزاً قضائياً أو حجزاً إدارياً، وسواء كان حجزاً تنفيذياً أو حجزاً تحفظياً فالحجز في جميع أنواعه  عمل صادر عن سلطة عامة، ومن ثم فهو واجب الإحترام. وقد سلف – في دراسة الجريمة التي نصت عليها المادة 323 من قانون العقوبات - تعريف الحجز بأنه  وضع المال تحت يد السلطة العامة بقصد منع صاحبه من التصرف فيه بما يضر حقوق من أوقع الحجز عليه من الدائنين، كما سلف بيان أركانه وشروط صحته وأسباب انقضائه، ونحيل إلى ما تقدم تفصيله في هذا الشأن، إذ لا يختلف مدلول الحجز في الجريمتين " ونشير بصفة خاصة إلى أن ثبوت بطلان الحجز أي انتفاء أحد شروط صحته طالما ثبت وجوده بتوافر أركانه لا يحول دون قيام الجريمة فالحجز الباطل واجب الاحترام طالما لم تقرر بطلانه السلطة المختصة. ويرتبط بذلك أن مجرد إعتقاد المتهم بطلان الحجز لا ينفي القصد لديه ولا يحول دون قيام الجريمة كذلك أن يكون المحجوز عليه غير مدين للحاجز، أو أن يعتقد ذلك ولا يعفى الحارس من المسئولية أن يكون بعض ما وقع الحجز عليه غير مملوك له، فيرده إلى مالكه في جميع هذه الفروض يتعين اتخاذ الإجراءات القانونية لتقرير بطلان الحجز أو انقضائه أو إسترداد المالك ماله الذي وقع الحجز عليه دون مقتض. وغني عن البيان أنه إذا صدر حكم بتقرير بطلان الحجز أو انقضائه أو استرداد المالك ماله بعد ارتكاب المتهم فعله، فإن الجريمة تبقى مع ذلك قائمة ؛ ولكن إذا تقرر ذلك قبل الفعل، فلا تقوم الجريمة لانتفاء أحد أركانها.

صفة المتهم :

يتعين أن يكون المتهم مالكاً للشيء المحجوز عليه، وأن يكون حارساً عليه  ويعني ذلك أن صفته تقوم على عنصرين :

ملكيته للمال، وكونه حارساً عليه ويتضح ذلك من قول الشارع « المالك المعين حارساً على أشيائه المحجوز عليها » وهذه الصفة بعنصریها متطلبة لرسم حدود هذه الجريمة، والتمييز بينها وبين ما عداها من بعض جرائم الاعتداء على الأموال فإذا كان المتهم غير مالك للمال المحجوز عليه، ولم يكن حارساً عليه، واستولى عليه من يد حارسه، فقد ارتكب سرقة. أما إذا كان حارساً عليه، فهو مودع عنده، فإن إستولى عليه ارتكب خيانة الأمانة، إذ قد توافرت جميع أركانها وإذا كان المتهم مالكاً للمال، ولكنه لم يعين حارساً عليه، فاستولى عليه من يد حارسه، فقد ارتكب الجريمة التي نصت عليها المادة 323 من قانون العقوبات.

واشتراط أن يحمل المتهم هذه الصفة بعنصريها يعني إدراج هذه الجريمة بين « جرائم ذوي الصفة الخاصة ». ومؤدى ذلك أن تعتبر هذه الصفة عنصراً في فكرة الفاعل للجريمة فلا يعتبر المتهم فاعلاً أياً كان مدى نشاطه إذا لم تتوافر هذه الصفة فيه.

فإذا ارتكب الاختلاس المالك الحارس فهو فاعل للجريمة، فإذا كان له شريك بإحدى وسائل الإشتراك التي حددها القانون فهو شريك له وفقاً القواعد العامة وإذا ارتكب الاختلاس شخص غير مالك لحسابه الخاص سئل عن سرقة وإذا أسهم مع المالك الحارس شخص آخر في إرتكاب الجريمة، وصدر عن كل منهما الفعل الذي يكفي لاعتبار مرتكبه فاعلاً، فإن المالك الحارس هو وحده الذي يعتبر فاعلاً، أما المتهم الآخر فشريك له، إذ لا تتوافر له صفة الفاعل وإذا ارتكب فعل الاختلاس شخص غير المالك الحارس بناء على تحريض الأخير له أو اتفاقه أو مساعدته له، فالمالك هو فاعل الجريمة في حين أن مرتكب الفعل شريك له: يعتبر المالك فاعلاً للجريمة لتوافر الصفة لديه في حين يعتبر الشخص الآخر مجرد شريك على الرغم من ارتكابه الفعل المكون للجريمة لانتفاء هذه الصفة لديه. ولا يعترض على ذلك بأن نشاط المالك اقتصر على وسيلة إشتراك، ذلك أن هذا النشاط يوفر عناصر الاختلاس، باعتباره ينطوي على عرقلة التنفيذ، بما يحقق معنى الاختلاس.

الاختلاس :

الاختلاس هو الفعل الذي يقوم به الركن المادي للجريمة، ويختلف مدلول الاختلاس في هذه الجريمة بداهة عن مدلوله فی السرقة وخيانة الأمانة ولا يفترض هذا الفعل إعتداء على الملكية، فالفرض أن المتهم مالك المال، وتوقيع الحجز عليه لا يزيل ملكيته، وفي ذلك يختلف عن مدلوله في خيانة الأمانة ولا يفترض كذلك إعتداء على الحيازة، فالفرض أن المتهم يحوز المال باعتباره حارساً عليه، وفي ذلك يختلف عن مدلوله في السرقة.

يحدد مدلول الاختلاس في جريمة إختلاس الأشياء المحجوزة من مالكها المعين حارساً عليها في ضوء العلة من تجريمها، أي باعتباره اعتداء على الحقوق التي أراد الشارع حمايتها بالعقاب عليه. وهذه الحقوق - على ما تقدم - هي حق السلطة في أن يحترم الحجز وحق الدائن الحاجز في التنفيذ على المحجوزات. وتطبيقاً لذلك، يعرف الاختلاس بأنه «كل فعل من شأنه الإعتداء على هذين الحقين». ويمكن إجمال ذلك، بالقول إنه « كل فعل من شأنه عرقلة التنفيذ »، فمثل هذا الفعل يخل بالضرورة بالحقين السابقين. ويقترب مدلول الاختلاس وفق هذا التحديد من مدلوله في الجريمة التي نصت عليها المادة 323 من قانون العقوبات، ولكنه يختلف عنه من حيث أن صفة المتهم كحارس على المحجوزات تضع على عاتقه التزامات، وقد يكون من شأنه الإخلال بهذه الإلتزامات عرقلة التنفيذ، فيحقق بذلك مدلول الاختلاس، ويعني ذلك توسعاً في مدلوله عما حددته له المادة 323 من قانون العقوبات، حيث لا يحمل المتهم هذه الالتزامات، باعتباره ليس الحارس على المال المحجوز عليه.

وقد قالت محكمة النقض في تعريف الاختلاس في هذه الجريمة إنه : « ليس معناه الاستحواذ على ذلك الشيء خفية بنية امتلاكه، بل معناه إزالة المالك لصفة الحجز عن ملكه المحجوز الموضوع تحت حراسته، وذلك بإخفائه إياه وعدم تقديمه للمحضر يوم البيع، إضراراً بالدائن الحاجز »، وقالت كذلك إن هذه الجريمة لا تتحقق إلا بإختلاس المحجوزات أو بالتصرف فيها أو عرقلة التنفيذ عليها بعدم تقديمها يوم البيع بنية الغش، أي بقصد الإعتداء على أوامر السلطة العامة والمساس بحقوق الدائن الحاجز.

وأوضح صورة يتحقق فيها الاختلاس في مدلول هذه الجريمة أن يبدد المتهم المال المحجوز عليه، سواء في معنى التصرف القانوني، كما لو باع هذا المال أو قايض عليه أو وهبه أو رهنه لمصلحة دائن آخر؛ أو في معنى التصرف المادي، كما لو أتلفه إتلافاً كلياً أو جزئياً أو تخلى عنه وتطبيقاً لذلك يتحقق الاختلاس بقتل الحصان المحجوز عليه أو اتلاف الزراعة المحجوز عليها.

ولكن الاختلاس لا يقتضي أفعالاً تذهب إلى هذا المدى، وإنما يتحقق بكل فعل من شأنه عرقلة التنفيذ : فيعتبر اختلاساً نقل الشيء من مكانه الذي وقع فيه الحجز إلى مكان آخر بحيث لا يستطيع المحضر العثور عليه في اليوم المحدد للبيع والتنفيذ عليه، كما لو نقله إلى مسكن آخر له أو إلى مسكن قريب أو صديق. ويتحقق الاختلاس كذلك بإخفاء الشيء في المكان الذي وقع الحجز فيه بحيث لم يستطع المحضر العثور عليه يوم البيع.

ولما كان المتهم حارساً على ماله المحجوز عليه، فإنه تتفرع عن صفته التزامات تقتضيها المحافظة على المال وتمكين السلطة العامة والدائن الحاجز من اتخاذ الإجراءات التي يقتضيها الحجز، فإذا أخل بهذه الإلتزامات فكان من شأن ذلك عرقلة التنفيذ تحقق الاختلاس بذلك. وفي هذه الحالات تتحقق الجريمة بمحض الإمتناع " فالمتهم يلتزم بتقديم المال إلى المحضر في محل حجزه في اليوم المحدد لبيعه، فإذا أمتنع عمداً عن تقديمه، أو عن الإرشاد إلى مكانه، فلم يستطع المحضر إتخاذ إجراءات التنفيذ عليه تحقق الاختلاس بذلك ويلتزم المتهم بالمحافظة على ماله المحجوز عليه کی يتمكن الحاجز من التنفيذ عليه، فإذا تعمد الإخلال بهذا الإلتزام تحقق الاختلاس بذلك فإذا عاين المتهم شخصاً يحاول إتلاف المال المحجوز عليه، وكان في إستطاعته أن يحول بينه وبين ذلك، ولكنه امتنع عمداً قاصداً عرقلة التنفيذ على المال، تحقق الاختلاس بهذا الإمتناع.

وقد يتحقق الاختلاس عن طريق إجراء قضائي، كما لو وقع المتهم حجزاً صورياً على المحجوزات  لمنع بيعها تنفيذاً لمقتضى الحجز ويتحقق الاختلاس كذلك  بتعمد المتهم استصدار أمر بنقل المحجوزات إلى عنوان لا وجود له.

ولكن لا يلتزم الحارس بنقل الشيء المحجوز عليه من المكان الذي وقع فيه الحجز إلى المكان الذي يحدد لبيعه، إذ كل ما يلتزم به هو  تقديم الأشياء للمحضر بمحل حجزها في اليوم المحدد لبيعها. فإذا قرر الحارس أن الأشياء المحجوزة موجودة، ولكنه امتنع عن نقلها من محلها إلى محل آخر إجابة لطلب المحضر، فهذا الامتناع لا يمكن اعتباره تبديداً، إذا لا اختلاس فيه مادامت الأشياء موجودة، ولا عرقلة للتنفيذ لأن امتناعه عن نقل تلك الأشياء من حقه  ولا يحمل الحارس هذا الالتزام، ولو كان نقل الشيء على الوجه السابق لا يكلفه مصاريف فانتفاء هذا الإلتزام مرده إلى أنه لا يدخل في نطاق واجبات الحارس ولا يلتزم الحارس بتقديم المبيع في تاريخ سابق على اليوم المحدد للبيع، فإذا بحث الحاجز أو المحضر عن الشيء في ذلك التاريخ فلم يعثر عليه، فلا تقوم الجريمة طالما أنه موجود ويمكن تقديمه حينما يحل التاريخ المحدد لبيعه  ولا يلتزم الحارس بتقديم الشيء المحجوز إلا إلى المحضر، باعتباره الموظف العام المختص بإجراءات التنفيذ التي يقتضيها الحجز؛ أما إذا امتنع عن تقديمه إلى شخص سواه طالبه بذلك، فلا يتحقق الاختلاس بهذا الامتناع ولا يغير من هذا الحكم أن يكون الحارس قد تعهد بذلك،  فإن مثل هذا التعهد لا يصح في القانون إعتبار عدم احترامه مكوناً لجريمة، لأنه إخلال بإتفاق لا بواجب فرضه القانون،.

وغني عن البيان أنه إذا ثبت أن الشيء المحجوز عليه قد هلك بقوة قاهرة أو أتلفه أو سرقة شخص لا صلة له بالحارس، فلا محل للاختلاس، إذ لم يصدر عن الحارس النشاط الذي يتحقق به.

ما لا ينفي الاختلاس : إذا ثبت أن المتهم امتنع عن تقديم الشئ المحجوز عليه إلى المحضر في اليوم المحدد للبيع أو عن الإرشاد اليه، تحقق الاختلاس بسلوكه، فلا تنفيه وقائع أو إعتبارات لا تزيل عن الاختلاس عناصره.

فاذا عثر على المحجوزات بعد ذلك أو أظهرها الحارس دون أن ينالها تصرف أو إتلاف، فلا ينفي ذلك الاختلاس، ولو أمكن التنفيذ عليها فيما بعد أو أمكن توقيع حجز تال عليها ولا ينفي الاختلاس أن يتبين للحارس أن بعض الأشياء التي وقع الحجز عليها غير مملوكة له فيردها إلى مالكها، إذ يتنافى ذلك مع الإحترام الواجب للحجز، وقد كان يتعين على الحارس المحافظة على المحجوز، ربما يقضى للمالك بحقه بناءً على دعوى إسترداد يقيمها  ولا ينفي الاختلاس أن يكون المتهم غير مدين اللحاجز (أو أن يعتقد ذلك)، إذ كان يجب عليه أن يحترم الحجز ويتخذ في ذات الوقت الإجراءات التي يرفعه بها عن ماله، والقول بغير ذلك معناه أن يصرح للمالك بأخذ حقه بنفسه  وإذا تعددت المحجوز على المال وعين المتهم حارساً عليها جميعاً، فإنه يلتزم بالمحافظة عليها لمصلحة جميع الحاجزين ؛ وترتيباً على ذلك، فإنه إذا سلم المال إلى أحد الحاجزين إرتكب الاختلاس، إذ يعني ذلك الإضرار بمن سواه من الحاجزين وحرمانهم من التنفيذ على المال بناء على الحجز، وواجب الحارس في هذا الوضع  يقتضي تقديم المحجوز يوم البيع للمأمور المكلف ببيعه ثم تركه يتصرف بما يراه تحت مسئوليته وحده.

ولا ينفي الاختلاس سداد المتهم دينه بعد ارتكابه فعله أو صدور حكم ببطلان الحجز ولكن إذا تحقق ذلك قبل ارتكاب الفعل انتفت الجريمة، إذ يعني ذلك انتفاء أحد أركانها، وهو الحجز، سواء إنقضى في ذاته أو تبعاً لإنقضاء الدين  ولا ينفي الجريمة أن يكون للمتهم شركاء في الدين المحجوز من أجله طالما أنه الحارس على ما حجز عليه.

وليس من عناصر الاختلاس أن ينال الحاجز ضرر يتمثل في عدم حصوله على حقه أو عدم إستطاعته التنفيذ على المال، ذلك أن الضرر لازم عن الاختلاس، فمجرد إخفاء الشيء المحجوز عليه وما يترتب عليه من تأخير في بيعه واستيفاء الدائن حقه من ثمنه ضرر في ذاته.

القصد الجنائي :

هذه الجريمة عمدية، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي. فإذا لم يتوافر القصد فلا تقوم الجريمة، ولو توافر الخطأ. وتطبيقا لذلك، فإذا لم يقدم الحارس الأشياء المحجوز عليها الى المحضر في اليوم المحدد للبيع، وثبت أن مرجع ذلك إلى مرضه أو عدم علمه بيوم البيع ؛ أو هلك الشيء المحجوز عليه لقوة قاهرة أو إهمال الحارس في المحافظة عليه، فإن القصد لا يتوافر لديه.

ويتطلب القصد علم المتهم بتوقيع الحجز على الشئ وأنه عين حارساً عليه، ويفترض كذلك علمه باليوم المحدد للبيع. والعلم المطلوب بهذه الوقائع يتعين - وفقاً للقواعد العامة - أن يكون علماً يقينياً، وأن يتوافر لحظة إرتكاب فعل الاختلاس. ويتطلب القصد إتجاه إرادة المتهم إلى الاختلاس في مدلوله الذي سلف تحديده، واتجاه نيته (أي إرادته إلى عرقلة التنفيذ إخلالاً بالاحترام الواجب للحجز، وإضراراً بالحاجز. ولما كانت نية الإضرار على هذا النحو عنصراً في القصد، على الرغم من أن الضرر في ذاته ليس من عناصر الركن المادي، فمؤدى ذلك أن القصد المتطلب في هذه الجريمة « قصد خاص».

يتطلب القصد علم المتهم بالحجز وتعيينه حارسا على ماله الذي وقع الحجز عليه. والأصل علم المتهم بذلك، اذ يجري الحجز في مواجهته ويصدر عنه قبول بتعيينه حارساً يثبت في محضر الحجز. فإذا ثبت جهله بذلك، كما لو وقع الحجز في غيابه عن محله أو رفض أن يعين حارساً، فإن القصد لا يتوافر لديه وتستوي وسائل علمه بالحجز، فلا يشترط أن يكون هذا العلم قد حصل بإعلان رسمى، ويتعين أن يكون هذا العلم يقينياً.

ويتطلب القصد علم المتهم باليوم المحدد لبيع الأشياء المحجوز عليها ويجب أن يكون هذا العلم يقينياً، ولكن لا يشترط أن يكون بطريق رسمی وتطبيقاً لذلك، فإذا أعلن المتهم باليوم المحدد للبيع بالطريق الرسمي، ولكن الإعلان لم يسلم إلى شخصه، وإنما سلم إلى تابع له أو إلى الجهة الإدارية، وثبت للمحكمة أنه لم يعلم به شخصياً، فإن القصد لا يعد متوافراً لديه، فالعلم المفترض من واقعه الإعلان لا يحل محل العلم الشخصي اليقيني الذي تقتضيه القواعد العامة في تحديد عناصر القصد الجنائي وإذا لم يعلم المتهم باليوم المحدد للبيع بالطريق الرسمي، ولكن ثبت للمحكمة أنه علم به بأي طريق آخر اعتبر القصد متوافراً لديه؛ فالقواعد العامة تكتفي بعلم أياً كان مصدره، طالما ثبت له الصفة اليقينية.

ويتطلب القصد الجنائي اتجاه إرادة المتهم إلى فعل الاختلاس، ويتطلب كذلك إتجاه إرادته إلى عرقلة التنفيذ على المال المحجوز عليه. فإذا لم يثبت اتجاه إرادة المتهم إلى الاختلاس، كما لو اختفى المال أو هلك بحادث فجائي أو بفعل شخص آخر أو بإهمال المتهم نفسه، فإن القصد لا يتوافر لديه وإذا انتفت لدى المتهم نية عرقلة التنفيذ، كما لو كان عدم وجود المال في محل الحجز يوم البيع راجعاً إلى نقله إلى مكان آخر وإبقائه فيه محافظة عليه من ضرر يتهدده، أو أودع المتهم مبلغ الدین بخزانة المحكمة قبيل يوم البيع، فإن القصد لا يتوافر لديه.

وللغلط تأثيره على القصد وفقاً للقواعد العامة فالغلط في الوقائع ينفي القصد فإذا جهل المتهم وجود الحجز أو تعيينه حارساً أو لم يعلم باليوم المحدد للبيع أو جهل أن من شأن فعله عرقلة التنفيذ انتفى القصد لديه. والغلط في القانون غير العقابي ينفي القصد كذلك فإذا كان المتهم حين تصرف في المحجوزات يعتقد زوال الحجز بعد إلغاء أمر الأداء الذي وقع الحجز نفاذاً له ؛ فإن القصد ينتفي لديه أما الغلط في قانون العقوبات فلا ينفي القصد : فإذا أعتقد المتهم بطلان الحجز أو اعتقد أنه غير مدين للحاجز  أو أعتقد أنه يحق له التصرف في المال المحجوز عليه نظير سداد الدين فيما بعد، اعتبر القصد متوافراً لديه، فكل ذلك غلط في عناصر أو نطاق النهي الذي يقرره نص التجريم، ومن ثم لم يكن من شأنه نفي القصد.

فإذا ثبت توافر القصد، فلا عبرة بالبواعث إلى إرتكاب الجريمة : فقد يكون الباعث هو الإضرار بالدائن الحاجز، وقد يكون مجرد الظن بالشئ وإبقائه لإستعمال أو إستغلال شخصی، أو تفضيل دائن آخر بتسليم المال له.

تمام الجريمة، لتحديد لحظة تمام الجريمة أهمية كبيرة: فسداد الدين وتقرير بطلان الحجز قبل تمام الجريمة يزيل أحد أركانها ؛ أما إذا تحقق بعد ذلك، فلا تأثير له على أركانها. وإذا لم تتم الجريمة، فلا عقاب عليها، إذ لا شروع فيها. ولحظة تمام الجريمة هي بداية التقادم المنهي للدعوى الجنائية.

والقاعدة أن الجريمة تتم بتمام فعل الاختلاس. والصورة المعتادة التمام هذا الفعل هي ألا تقدم الأشياء المحجوز عليها إلى المحضر في محل الحجز في اليوم المحدد للبيع ولذلك ساغ القول بأن تاريخ الجريمة هو التاريخ المحدد للبيع، أي تاريخ محضر البيع، وأن هذا التاريخ هو بداية سريان التقادم المنهي للدعوى الجنائية ولكن هذا القول ليس قاعدة مطلقة : فإذا ثبت أن المتهم قد بدد الشيء المحجوز عليه (بأن تصرف فيه تصرفاً قانونياً أو مادياً) قبل التاريخ المحدد للبيع، فإن تاريخ التبديد يعتبر تاریخ الجريمة، ومن ثم تاريخ بداية التقادم المنهي للدعوى الجنائية  ولا محل في تطبيق هذه القاعدة للتفرقة بين الأموال المثلية والأموال القيمية، وحصرها في الأموال القيمية، والقول في شأن المثليات بأن تاریخ تمام الجريمة هو تاريخ المطالبة بتسليم المال إلى المحضر وثبوت عجز المتهم عن ذلك. وإنما يعتبر تاريخ التصرف في الأموال المثلية هو تاریخ تمام الجريمة، باعتبار أن الحجز على المال المثلي يعينه بذاته، ويجعل مصلحة السلطة العامة والحاجز متعلقة بعينه؛ ومن ثم كان تاريخ التصرف فيه هو تاریخ تمام الجريمة، ولو لم يطالب المتهم بتسليمه وكان لديه من أمثاله ما يستطيع تسليمه بدلاً منه.

عقوبة الجريمة، حدد الشارع لهذه الجريمة ذات العقوبة المقررة لخيانة الأمانة، أي الحبس، ويجوز أن تزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه.

والشروع في هذه الجريمة غير متصور، للتقارب بينها وبين خيانة الأمانة من حيث طبيعة النشاط الإجرامى.

وتعتبر هذه الجريمة مماثلة لخيانة الأمانة، وبالتالي مماثلة لجريمتي السرقة والنصب في تطبيق أحكام العود. 

وإذا ربطت بين المتهم وبين الدائن الحاجز صلة الزوجية أو الأبوة أو البنوة، فلا محل لأعمال القيد الذي نصت عليه المادة 312 من قانون العقوبات، ذلك أن عدوان الفعل لم يقتصر على حق الحاجز، وإنما تعداه إلى حق السلطة العامة التي أوقعت الحجز.

بيانات حكم الإدانة، يجب أن يتضمن حكم الإدانة إثباتاً لتوافر أركان الجريمة: فيحدد الأشياء المحجوز عليها، ويثبت توقيع الحجز عليها، وتعيين المتهم حارساً عليها، وتاريخ اليوم المحدد للبيع، وصدور فعل الاختلاس وماهيته، وتوافر القصد والأصل أن الحكم لا يلتزم بإثبات توافر القصد صراحة إذا كان سياق عبارته يدل على توافره، كما لو ذكر أن المتهم « امتنع عن تقديم الشيء المحجوز عليه للمحضر يوم البيع دون إبداء أي عذر »، أو ذكر أنه «لم يقدم الشيء المحجوز عليه يوم البيع مع علمه بالحجز »ويجوز إثبات توافر أركان الجريمة بجميع طرق الإثبات تطبيقاً للقواعد العامة، ولا يشذ على هذه القواعد إثبات العلم بالحجز واليوم المحدد للبيع، أي لا يشترط ثبوت هذا العلم بطريق رسمی. ولا ينفى ثبوت الجريمة عدم تحرير محضر بواقعة الاختلاس، طالما ثبت ارتكاب هذا الفعل بأى دليل.

والقول بتوافر القصد الجنائي هو فصل في مسألة موضوعية، ومن ثم لا يخضع قضاء قاضي الموضوع فيه لرقابة محكمة النقض، ما لم يوجد « تضارب صریح بين الوقائع الثابتة في الحكم والنتائج التي استخلصتها المحكمة منها » ويعتبر كذلك فصلا في مسائل موضوعة تحديد تاریخ الحجز، وكون المتهم حارساً، والتاريخ المحدد للبيع، وماهية فعل الاختلاس، وعلم المتهم بيوم البيع، وتقدير عذره في عدم تقديم المحجوزات في اليوم المحدد للبيع، وتحديد تاريخ الجريمة.

ويعتبر دفعاً جوهرياً دفع المتهم بأنه لم يوقع حجز، أو أنه لم يعين حارسا، أو أنه لم يعلم بيوم البيع، أو أن الأشياء المحجوز عليها لم تختلس، أو أنه سدد الدين قبل اليوم المحدد للبيع، أو بانعدام سند الحجز، أو إنعدام محضر الحجز أو محضر الاختلاس، أو تزوير محضر الحجز، أو اعتبار الحجز كأن لم يكن لعدم إجراء البيع في خلال المدة التي اشترطها القانون.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:  1374)

جريمة خيانة الأمانة:

الشرط المفترض : 

إستلام المال بناء على أحد عقود الأمانة                                                  

تفترض هذه الجريمة بداية أن يكون المال مسلماً من قبل إلى الجاني، وهذا التسليم إما بواسطة مالك الشيء أو شخص آخر، باسمه أو بناء على أوامره. فإذا سلم شخص إلى آخر شيكاً ليصرفه، وقبض هذا الأخير قيمة الشيك واحتفظ بها لنفسه، يكون قد ارتكب خيانة الأمانة. ففي هذا المثال كان موضوع الجريمة هو قيمة الشيك وقد استلمها الجاني من البنك بناء على أمر من صاحب الشيك وهو المجني عليه. ويشترط لذلك أن يثبت أن الذي إستلم الشيك لم يستلمه بصفته الشخصية وإنما استلمه بناء على أحد عقود الأمانة.

ومن ناحية أخرى، فلا يشترط أن يكون التسليم إلى الجاني مباشرة، بل يكفي أن يكون التسليم إلى شخص آخر وكيل عنه أو يعمل لحسابه أو باسمه. فإذا أرسل شخص إبنه إلى صاحب محل ليستعير منه بعض أدوات المحل فسلمها هذا الأخير إلى الابن الذي سلمها بدوره إلى والده، فإنه إذا إحتفظ الوالد بالأدوات أنفسه بنية تملكها يرتكب خيانة الأمانة ولو أن المال لم يسلم إليه مباشرة.

وغني عن البيان أن المسلم إليه الشيء ليس هو مالك الشيء، ولكن إذا كان مالكاً للشيء ثم زالت عنه ملكيته وسلم الشيء بعد ذلك فإنه قد تقع منه جريمة خيانة الأمانة. مثال ذلك من يشتري أشياء من أحد المحلات ثم يودعها لدى البائع فترة من الوقت فيعمد هذا الأخير لبيعها لآخر فإن البائع في هذا المثال يرتبك خيانة الأمانة مع أنه كان من قبل مالكاً للشي.

ويستوي في التسليم أن يكون حقيقياً أو رمزياً. والتسليم الرمزي يكون بتسليم مفتاح الحرز الذي يحتوي على الأشياء أو بتغيير صفة الحائز كما في المثال السابق حيث تغيرت صفة بائع الأشياء من مالك إلى مودع لديه رغم أن الأشياء كانت في حوزته لم تخرج منها بعد.

عقود الأمانة : 

يجب أن يكون تسليم المال بناء على أحد العقود، وأن يكون من شأن هذا العقد نقل الحيازة الناقصة للمال، أي التي تخول صاحبها حقاً شخصياً قبل المالك لتمكينه من الإنتفاع به في أوجه معينة يخوله حقاً عينياً مباشراً على الشيء، فإذا كان العقد ناقلاً للملكية فلا تقع الجريمة. ويجب تحديد العقد الذي تسلم المتهم بمقتضى الشيء المدعى تبديده حتى يتسنى لمحكمة النقض مراقبة ما إذا كان يدخل ضمن عقود الإئتمان المبينة بالمادة 341 عقوبات أو لا فإذا أثبت الحكم واقعة تسليم المال دون تحديد العقد الذي تسلم بموجبه هذا المال ولم يورد مضمونه ووجه إستدلاله به على ثبوت التهمة - كان قاصراً.

والعقود التي أوردها القانون هي الوديعة والإجارة وعارية الاستعمال والرهن والوكالة.

يترتب على التحديد الحصري لعقود الأمانة عدم جواز القياس عليها؛ إعمالاً - لمبدأ عدم القياس في مواد التجريم، وذلك بالنظر إلى أن هذه العقود شرط مفترض التوافر التجريم. وتطبيقاً لذلك حكم أنه لا تقع الجريمة إذا كان مبنى التسليم هو عارية الاستهلاك، أو عقد البيع كما إذا إمتنع البائع عن تسليم المبيع رغم قبض الثمن، أو عقد المصارفة، أو الحساب الجاري، أو عقد القرض، أو المقايضة.

تكييف العقد:

من المقرر في القانون أن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، ومن ثم فحقيقة التكييف القانوني لا يتحدد وفقاً للوصف الذي يعطيه المتعاقدان لإتفاقهما، بل العبرة بحقيقة الواقع وما يسبغه القانون على هذا الواقع من أوصاف. وعلى ذلك فإذا أقرض شخص آخر مبلغاً من النقود ثم حصل منه على إيصال أمانة بقيمة هذا المبلغ وبين الطرفان في الإيصال أن المبلغ قد سلم إلى المقترض على سبيل الأمانة أو الوديعة - فإن ذلك لا يغير من حقيقة الواقع وهو أن اتفاق الطرفين كان قرضا وإن أسبغا عليه وصف عقد الوديعة توصلاً إلى ترتيب جزاء جنائي فيما لو أخل المقترض بتعهده برد المبلغ إلى المقترض، وهو كذب لا يجوز أن يغير من صحيح القانون. وعلى القاضي الجنائي أن يعطي للاتفاق بين الخصوم تكييفه القانوني السليم دون عبرة بما أضفاه عليه الطرفان من أوصاف. ولذا يجب على القاضي أن يبين العناصر الضرورية التي استمد منها تكييفه القانوني حتى يسمح لمحكمة النقض بمراقبة صحة هذا التكييف. ومع ذلك، فإن خطأ قاضي الموضوع في تحديد طبيعة العقد لا يترتب عليه نقض الحكم إذا ثبت من الوقائع التي بينها الحكم أن العقد في تكييفه القانوني الصحيح هو أيضاً من عقود الأمانة التي ذكرت على سبيل الحصر.

ومن المسائل التي تعرض كثيراً في العمل عقود البيع بالتقسيط التي ينص فيها البائع على عدم إنتقال الملكية إلى المشتري إلا بعد دفع الثمن كاملاً. وقد يذكر البائع في العقد أن الأشياء سلمت إلى المشتري على سبيل الإجارة أو عارية الإستعمال رغم أنه في حقيقته يحد بيعاً. ولا جدال في هذه الحالة أن العبرة هي حقيقة الواقع لا بالوصف الذي اتفق عليه الطرفان، أي أن العقد يعد بيعاً. ولكن في بعض الأحوال يسلم الشيء إلى من يريد الشراء على سبيل التجريب تمهيداً لشرائه فيما لو راقه الشيء، وفي هذه الحالة لا يمكن القول بأننا بصدد عقد بیع، بل الصحيح أن الشيء قد سلم على سبيل عارية الإستعمال أو الوديعة، فإن تصرف فيه المشتري قبل انعقاد البيع يعد مرتكباً لجريمة خيانة الأمانة. وقد قضي أن تسليم البضاعة إلى الغير وتخويله حق بيعها على أن يرد ثمنها في حالة البيع أو يعيدها بذاتها إذا لم يتمكن من بينها، ينطوي على عقد بيع معلق على شرط واقف، وبالتالي فهو ليس من عقود الأمانة.

أثر العقد الباطل :

متى ثبت وجود الإتفاق بين الطرفين امتنع البحث في مدى صحته أو بطلانه وفقاً للقانون المدني. وقد أكدنا من ذاتية قانون العقوبات وأنه لا يعتمد على الأحكام الموضوعية للقوانين الأخرى في تحديد شروط التجريم وفي صدد جريمة خيانة الأمانة لابد من توافر العقد ابتداء، لكن المفهوم الجنائي للعقد لا يساير المفهوم المدني له، فقانون العقوبات يعاقب على خيانة الأمانة لما تدل عليه من خطورة مرتكبها بعد أن اتجه قصده إلى إغتصاب الأمانة التي عهد بها إليه. وعند التحقق من هذه الخطورة الإجرامية وما تقتضيه حماية المصلحة الاجتماعية من مواجهتها يقف قانون العقوبات، ولا يشترط أكثر من وجود العقد لا صحته. وفي هذا الصدد يكفي مجرد الوجود الظاهري للعقد، فعندئذ يتحقق التسليم على سبيل الحيازة الناقصة، أي الأمانة. يؤيد ذلك أن قانون العقوبات لا يعاقب على الإخلال المدني بتنفيذ العقد أو المساس بالمصلحة الخاصة بأحد طرفي العقد، وإنما يعاقب على العبث بملكية الشيء المسلم على سبيل الأمانة ويتدخل لحماية المصلحة العامة التي تترتب على هذا الفعل. وتطبيقاً لذلك قضي أنه إذا أرادت امرأة أن تتخذ منزلاً للدارة السرية وتعلمها أن مالكة المنزل لا تقبل تأجيرة لهذا الغرض لجأت إلى شخص وكاشفته بحقيقة أمرها ليستأجر المسكن بأسمه لتتخذه هي لتنفيذ غرضها، ودفعت له مبلغاً من المال على ذمة الأجرة، فلم يستأجر المسكن واختلس المبلغ لنفسه، فهذا الفعل يكون جريمة خيانة الأمانة، وذلك رغم بطلان عقد الوكالة الذي بموجبه تسلم المال من المجني عليها.

إثبات العقد :

لما كان عقد الأمانة هو من الشروط المفترضة التي تسبق قيام الجريمة، فإنه كثيراً ما ينازع المتهم في وجود هذا العقد. وتبدو دقة الموضوع في أن هذا العقد هو من العقود المدنية التي تخضع في إثباتها لقواعد القانون المدني. وتقتضي هذه الأحكام استلزام الدليل الكتابي متى جاوزت قيمة العقد خمسمائة جنيه أو كان غير محدد القيمة طبقاً للمادة 60 من قانون الإثبات المعدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 ثم بالقانون رقم 18 لسنة 1999، فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجود العقد أو انقضائه ما لم يوجد إتفاق أو نص يقضي بغير ذلك. وطبقاً للمادة 62 من قانون الإثبات يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة.

وقد استقر قضاء النقض على أن أحكام الإثبات في المواد المدنية ليست من النظام العام، بل هي مقررة لمصلحة الخصوم فقط. ومن ثم فإذا كان المتهم لم يتمسك أمام المحكمة قبل سماع الشهود بعدم جواز الإثبات بالبينة: في ذلك مما يعد منه تنازلاً عن حقه في المطالبة بالإثبات بالكتابة يمنعه فيما بعد من التمسك بهذا الدفع. ويلاحظ أن للنيابة أن تتصرف في الدعوى الجنائية بالحفظ أو بعدم وجود وجه لإقامتها إذا دفع المتهم عند سؤاله بهذا الدفع، ففي هذه الحالة إذا تخلف الشرط المفترض في الجريمة لا تقع قانوناً.

1. الوديعة :

هي عقد يلتزم به شخص أن يتسلم شيئاً من آخر على أن يتولى حفظ الشيء وعلى أن يرده عیناً (المادة 717 مدني). وجوهر الوديعة هو في إلتزام المودع لديه بحفظها وردها بذاتها، فإذا ثبت أن صاحب المال قد حول المودع لديه حق التصرف في المال فإن العقد لا يعد وديعة")، بل قرضاً أو عارية إستهلاك.

والأصل في الوديعة أن تكون تعاقدية، لكنها قد تكون قضائية أو قانونية. أما الوديعة القضائية، فصورها الحراسة القضائية على الأموال المتنازع عليها، فمصدرها الحكم القضائي. والوديعة القانونية مصدرها القانون، كالحراسة على الأموال المحجوزة عليها فالقانون يعهد إلى الحارس بالمحافظة على هذه الأشياء. وقد نصت المادة 733 من القانون المدني على أن يحدد الإتفاق أو الحكم القضائي بالحراسة ما على الحارس وما له من حقوق وسلطة، وإلا تنطبق أحكام الوديع وأحكام الوكالة بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع الأحكام المشار إليها في المادة نفسها.

ومن هذا القبيل المال المودع لدى المورث، والذي يتسلمه الوارث بعد وفاته، فقد قضي أنه إذا تسلم الوارث شيئاً كأن قد سلم إلى مورثه على سبيل الوديعة قبل وفاته وهو عالم بذلك، فإن وجود هذا الشيء لديه يعد على سبيل الوديعة بحكم القانون، بحيث إذا اختلسه أو بلده كان خائناً للأمانة.

2. الإجارة :

الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم (المادة 558 مدني). ويستوي أن يرد الإيجار على عقار أو منقول، كل ما يشترط في حالة ورود الإيجار على عقار أن تقع جريمة خيانة الأمانة على منقول، مثال ذلك تبديد المستأجر لمسكن مفروش شيئاً من أثاث المسكن، وتبديد المستأجر أرضاً زراعية شيئاً من أدوات الزراعة أو الماشية أو أحد أشجارها باقتلاعها وبيعها.

ولا يحول دون إنعقاد الإيجار ألا يكون المستأجر قد دفع الأجرة بعد. ومتى أبرم الإتفاق على مبدأ الأجرة فلا يحول دون وقوع الجريمة ألا تكون قد حددت بعد. وهنا نود التنبيه إلى أن جريمة خيانة الأمانة لا تقع بمجرد الإخلال بأحد التزامات المستأجر، فقانون العقوبات لا يقف إلا عند إلتزام واحد فحسب، هو الالتزام برد الأعيان المؤجرة. أكثر من ذلك، فإنه في هذه الحالة لا تقع جريمة خيانة الأمانة بمجرد الإخلال بهذا الإلتزام، سواء بالإتلاف أو بالامتناع عن دفع الأجرة أو بإساءة الإستعمال الإجرامي، وإنما لابد من وقوع نشاط إجرامي معين يتحقق به المعنى المقصود من خيانة الأمانة. وكذلك الشأن إذا استخدم المستأجر حق حبس العين المؤجرة حتى يسترد المصروفات الضرورية التي أنفقها على حفظ الشيء (المادة 246/ 2 من القانون المدني).

3. عارية الاستعمال :

هي عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئاً غير قابل للإستهلاك ليستعمله بلا عوض لمدة معينة أو في غرض معين على أن يرده بعد الاستعمال المادة 635 مدني). ويلاحظ من هذا التعريف أن المحل الذي ترد عليه عارية الاستعمال هو شيء غير قابل للاستهلاك، ويتعين رده بذاته سواء كان مثلياً أو قيمياً. هذا بعكس الحال في عارية الاستهلاك، فإن المحل الذي ترد عليه قابلاً للإستهلاك باستعماله، ومن ثم فتسليمه للمستعير يكون ملحوظاً فيه نقل الملكية، وبالتالي فلا يلتزم المستعير برد هذا الشيء بذاته، بل يتعين رد شيء آخر من نوعه ومقداره وصفته، ومن قبيل ذلك عقد القرض الذي يلتزم فيه المقرض بأن ينقل إلى المقترض مبلغاً من النقود أو أي شيء مثلي آخر، على أن يرد إليه المقترض عند نهاية القرض شيئا مثله في مقداره ونوعه وصفته (المادة 538 مدني).

وعقد القرض على هذه الصورة ليس من عقود الأمانة التي حددها القانون، ومن ثم فلا تقع الجريمة إذا لم يرد المقرض المبلغ الذي إقترضه ولو انتوى عدم الرد منذ تاريخ العقد.

وللمستعير حق حبس الشيء حتى يرد له المعير ما يكون قد أنفقه للمحافظة عليه من مصروفات (المادة 637 مدني) لأنه يستعمل حقاً مقرراً بمقتضى القانون. ولكن لا يجوز للمستعير أن يدفع بالمقاصة بينه ما يتعين عليه رده وما يكون دائناً به للمعير (المادة 364 مدني).

4- الرهن :

الرهن نوعان، أحدهما رسمي والآخر حيازي. وقد قصد المشرع الرهن الحيازي دون الرسمي؛ إذ في حالة الرهن الرسمي يظل الشيء المرهون تحت يد الراهن وفي حيازته. بخلاف الرهن الحيازي، فإن الشيء ينتقل من يد المالك الراهن إلى حيازة الدائن المرتهن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان.

والرهن من العقود العينية التي لا تنعقد إلا بتسليم العين المرهونة. 

ومن ثم، فلا تقع جريمة خيانة الأمانة إذا لم يكن الشيء المرهون قد سلم بعد إلى الدائن المرتهن أو إلى الأجنبي الذي اختاره المتعاقدان، دون إخلال بتكييف الواقعة سرقة إذا انتزع الشيء من حيازة مالكه.

ويلاحظ أن الدائن المرتهن يتولد له حق عيني على الشيء المرهون، بخلاف عقود الأمانة الأخرى، فكل ما للحائز هو حق شخصي قبل مالك الشيء. ومع ذلك فإن حق الرهن لا يولد سوى حيازة ناقصة على الشيء. والحائز هو وحده الذي يتصور منه وقوع جريمة خيانة الأمانة. فإذا كان الشيء المرهون - مثلاً - مسلماً إلى شخص ثالث اختاره المتعاقدان ثم استولى الدائن على الشيء فإنه يعد سارقاً بخلاف ما إذا استولى عليه هذا الشخص الثالث فإنه يعد خائناً للأمانة. أما إذا إستولى المالك على هذه الأشياء فالأصل أنه لا جريمة في الأمر مادام الفعل قد وقع من المالك. ولكن، صيانة للرهن من عبث الراهنين أورد الشارع جريمة خاصة نص عليها في المادة 323 مكرراً هي اختلاس الراهن الشيء المرهون وجعلها في حكم السرقة.

وقد يقع الرهن الحيازي على عقار أو منقول، ولكن في صدد جريمة خيانة الأمانة يجب أن يرد على منقول. فإذا ورد على عقار يجب أن تقع خيانة الأمانة على أدوات منقولة توجد في هذا العقار أو على أجزاء منه تصبح أشياء منقولة بعد انتزاعها منه. ولكن إن تصرف الحائز في العقار قد تقع منه جريمة النصب عن طريق التصرف في ملك الغير.

وقد يرد الرهن على نقود، وعندئذ يتصور وقوع جريمة خيانة الأمانة إذا كان ملحوظاً وقت الرهن ألا يتصرف الحائز في هذه النقود وأن يردها بذاتها كما لو كانت نقوداً ذهبية أو عملة أجنبية مثلاً. أما إذا كان ملحوظاً وقت الرهن أن للحائز حق التصرف في هذه النقود على أن يردها بعد إنقضاء الرهن، فلا تقع جريمة خيانة الأمانة. مثال ذلك التأمين الذي يقبضه صاحب المسكن من المستأجر والتأمين الذي يقبضه صاحب العمل من العامل.

5- الوكالة

الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل (المادة 699 مدني). وأهم ما نود التنبيه إليه في صدد جريمة خيانة الأمانة، أن موضوع الوكالة هو القيام بعمل قانوني. هذا بخلاف الحال في عقدي المقاولة والعمل فإن موضوعها هو القيام بعمل مادي. ولا يشترك في الوكالة أن تكون بأجر، بل يستوي أن تكون بأجر أو مجاناً.

ومصدر الوكالة ليس دائما العقد، بل قد يكون نص القانون كما في حالة الولي أو الوصي، أو حكم القضاء كما في حالة وكيل التفليسة. وهنا يثور التساؤل عما إذا كانت الوكالة غير التعاقدية تصلح عنصراً مفترضاً في جريمة خيانة الأمانة. والإجابة عن ذلك أن الوكالة واحدة، إذ تنتج الآثار القانونية نفسها أياً كان مصدرها. هذا ولم يرد بنص المادة 341 عقوبات شيء عن ذكر العقود، وكل ما ورد هو التكييف القانوني لسند التسليم أيا كان مصدره.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة من حالات التسليم تفترض أمرين:

1- أن الشيء قد سلم على سبيل الحيازة الناقصة من أجل أداء عمل مادي بشأنه سواء بتصنيعه أو إصلاحه مثلاً.

2- أن خيانة الأمانة ترد على هذا الشيء فيما لو اختلسه من استلمه أو بلده أو استعمله. فالأجرة التي يتقاضاها مقابل أداء هذا العمل المادي ليست هي محل الجريمة، فيما لو أخذ الأجرة مقدماً دون أداء هذا العمل.

المال :

مال منقول :

عبرت المادة 341 عقوبات عن المال المنقول ببعض أمثلته، وهي المبالغ والأمتعة والبضائع والنقود والتذاكر والكتابات المشتملة على تمسك أو مخالصة. وهو أسلوب غير دقيق.

إذا، فكل ما يشترط هو أن يكون المال منقولاً، ويستوي في ذلك أن تكون له قيمة مادية أو إعتبارية عند صاحبه.

أن يكون المال مملوكا للغير:

يشترط في هذه الجريمة كغيرها من جرائم الإعتداء على المال أن يكون المال مملوكاً لغير الحالي، فلا جريمة إذا كان المال مملوكاً للجاني.

الركن المادي :

عناصره :

حدد القانون الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة في قوله «كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعه أو بضائع  أو غير ذلك إضراراً بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها».

وظاهر النص يفيد أن الركن المادي يتكون من عنصرين، أولهما هو خيانة الأمانة في صورة التبديد أو الاختلاس أو الاستعمال، والآخر هو الضرر.

فالجاني في جريمة خيانة الأمانة هو دائماً حائز للشيء، ولكنها حيازة لحساب المالك. ومن ثم، فيقتضي الركن المادي لهذه الجريمة تغيير الحيازة وجعلها كاملة لصالح الحائز نفسه لا ناقصة لحساب المالك، أي أن تغيير الحيازة يقتضي أن يظهر الحائز على الشيء بمظهر المالك. فهنا، وهنا فقط، تتحقق خيانة الأمانة. أما إذا حبس الأمين الشيء المسلم إليه دون الظهور عليه بوصف المالك فلا يكون خائناً للأمانة. مثال ذلك الوكيل الذي يحبس عنده بعض المستندات حتى يدفع له الموكل أجره كاملاً، ومن يطيل الانتفاع بالشيء أو يحتفظ به أكثر من المدة المقررة. في هذه الأمثلة تحقق لدينا استمرار الحيازة الناقصة رغم إرادة المالك الذي يريد استرداد حيازته، لكن لم يرد على الحيازة أي تغيير، أي لم يرد الحائز جعلها حيازة كاملة، ومن ثم فلا تقع جريمة خيانة الأمانة. حقيقة إن عدم رد الشيء إلى مالكه - رغم طلبه - قد يستفاد منه أن الحائز قد إنتوى تملكه، أي خان الأمانة - لكن الركن المادي في هذه الحالة لن يكون هو إستمرار الحيازة، بل إن هذا الإستمرار مجرد مظهر کاشف لتغيير الحيازة. ومن ناحية أخرى، فإن إساءة الحيازة الناقصة بسوء استعمال الشيء المسلم على سبيل الأمانة لا يتوافر به الركن المادي، مادام سوء الإستعمال لا يكشف عن تغيير الحيازة الناقصة إلى حيازة كاملة. مثال ذلك من يستأجر أحد الأفلام لعرضه بشروط معينة فيخالف هذه الشروط، فذلك لا يعد خيانة للأمانة.

والخلاصة، فإن الركن المادي لخيانة الأمانة يتحقق بتغيير الحيازة الناقصة إلى حيازة كاملة.

نية التملك :

أن نية التملك عنصر في الركن المادي لخيانة الأمانة، لأنه لا يمكن تصور النتيجة في هذه الجريمة (وهي تغيير الحيازة الناقصة إلى حيازة كاملة) بغير نية التملك. وغني عن البيان أن نية التملك لا تكفي وحدها لتغيير الحيازة، بل لابد من صدور فعل مادي يعبر به الجاني عن تغيير التملك. ومن هنا، كانت هذه النية شرطاً مهما في خيانة الأمانة، أو هي بعبارة أخرى شرط لتغيير الحيازة ولو تمثل ذلك في مجرد بقاء الشيء الذي تسلمه تحت يده). ومن هنا يتضح أن جريمة خيانة الأمانة تقع بفعل مركب يجمع بين العنصر المادي والعنصر المعنوي.

تتمثل هذه النية في اتجاه إرادة الأمين على الشيء إلى أن يصير مالكاً له ولا صعوبة في هذا التحديد إذا كان موضوع الأمانة شيئاً معيناً بذاته، فإن هذه النية تكون واضحة من الأفعال التي يأتيها الجاني على الشيء والتي لا تصدر إلا عن مالكه.

أما مجرد التأخير في رد الشيء أو الإمتناع عن رده إلى حين فلا تتوافر به نية التملك، فقد قضت محكمة النقض أنه لا يتحقق به الركن المادي لجريمة التبديد ما لم يكن مقروناً بانصراف نية الجاني إلى إضافة المال الذي تسلمه إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضراراً بصاحبه.

(3) نقض 21 نوفمبر سنة 1993، مجموعة الأحكام، س 44، رقم 159 ص 1037.

الاختلاس لا يقتضي خروج الشيء من الحوزة المادية للجاني، وإنما يتحقق بكل فعل من شأنه أن يفضح نية الجاني في تملك الشيء، حين يظهر الجاني. على الشيء  بمظهر المالك، فيكشف بذلك عن نية تغيير الحيازة. مثال ذلك إذا عرض شخص ما اؤتمن عليه للبيع، فهو أمر يدل على أنه جعل الشيء الذي يعرضه ملكاً له.

يتحقق التبديد في أوضح صور تغيير الحيازة، وذلك بفعل يخرج به الجاني الشيء المبدد من حوزته المادية، ويتحقق ذلك بالتصرف فيه على نحو لا يمكن صدوره إلا عن مالك الشيء. ويستوي أن يكون التصرف قانونيا (كالبيع والهبة والمقايضة والرهن) أو مادياً (كاستهلاك الشيء). أما الإتلاف فهو في رأينا لا يعد تبديداً لأنه لا ينطوي على تغيير في الحيازة، فالجاني في الإتلاف لا يهدف إلى تملك الشيء وإنما إلى تدميره. ولا تتوافر نية التملك بمجرد تصرف المتهم في الشيء المسلم إليه أو خلطه بماله وإنما يتطلب ذلك ثبوت نية تملكه إياه وحرمان صاحبه منه.

2. الإستعمال :

عبر المشرع المصري بالاستعمال عن الصورة الثالثة من صور الركن المادي في خيانة الأمانة.

الركن المعنوي :

القصد الجنائي:

هذه الجريمة عمدية يشترط فيها توافر القصد الجنائي، والذي يقتضي تحقيق عنصرين، هما الإرادة والعلم.

الإرادة

يتعين أن تتجه إرادة الأمين إلى تغيير الحيازة من ناقصة إلى كاملة. وهنا يلاحظ أن نية التملك يفترضها وقوع الركن المادي لهذه الجريمة، ويقف دور الركن المعنوي بالنسبة إلى هذه النية على البحث في مدى وجود الإرادة قانوناً. فالنية إرادة تتجه إلى غرض معين، أي هي إرادة متخصصة. ودور الركن المعنوي هنا يقتصر على البحث في وجود إرادة هذه النية ابتداء. فإذا كانت إرادة الأمين مشوبة بالإكراه أو معيبة بالغلط فإنها لا تتوافر. ويلاحظ أن تعييب الإرادة بالغلط يدخل في العنصر الثاني من القصد، وهو العلم.

وضرب بعض الفقهاء مثلاً على عدم توافر الإرادة بملاك الأشياء المسلمة بحادث فجائي أو بقوة قاهرة كالحريق أو السرقة أو الضياع. وقد أكدت محكمة النقض هذا المعني بالنسبة إلى فقد الأشياء المسلمة على سبيل الأمانة، ولكننا نرى أنه في هذه الأمثلة لم تقع الجريمة لا بسبب تخلف القصد الجنائي وإنما بسبب عدم وقوع الركن المادي أصلاً، أي تغيير الحيازة. فأين هو الفعل الذي أتاه الجاني عند حرق الشيء المسلم إليه أو سرقته أو فقده منه.

العلم :

في هذا العنصر يحقق القصد الجنائي في جريمة خيانة الأمانة أهمية أكبر، فيتعين أن يحيط المتهم علما بأن الأشياء التي غير حيازته عليها كانت مسلمة إليه بناءً على أحد عقود الأمانة المذكورة على سبيل الحصر، وأنها مملوكة للغير. فلا جريمة إذا تصرف في الشيء معتقداً أنه ضمن محتويات التركة. وكذلك الأمر إذا إعتقد المستعير أن الشيء قد سلم إليه على سبيل الهبة أو بناء على عقد بیع.

تمام الجريمة والعقاب عليها :

تمام الجريمة :

يكشف التحليل المتقدم لصور الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة أن هذه الجريمة تتم متى أظهر الأمين نيته في تملك الشيء. ولما كان اتجاه النية إلى التملك أمراً لا يحتمل التجزئة فلا يتصور الشروع في هذه الجريمة. ولا يقال بأن ضبط الجاني في أثناء التصرف في الشيء المسلم إليه على سبيل الأمانة يعد شروعاً، وذلك لأن الفعل الذي ضبط عنده الجاني - وهو العرض للبيع مثلاً - يكشف عن نية الجاني في تملك الشيء. ولما كان مجرد الإحتفاظ بالشيء مع نية تملكه تقع به جريمة خيانة الأمانة تامة في صورة الاختلاس، فإنه لا يتصور الشروع في هذه الجريمة فهي إما أن تقع كاملة و لا تقع على الإطلاق.

وللقاضي مطلق التقدير في إثبات تاریخ تمام الجريمة، فيجوز أن تثبت الجريمة إمتناع الأمين عن رد الأمانة أو ظهور عجز المتهم عن رده إلا إذا قام دليل على خلاف ذلك، إذ يغلب في هذه الجريمة أن يغير الجاني حيازته دون أن يكون هناك من الأعمال المادية الظاهرة ما يدل على ذلك. فإذا ثبت للقاضي أن تغيير الحيازة قد وقع في تاريخ سابق وجب الاعتداد بهذا التاريخ. وقد يثبت للقاضي أيضاً أن امتناع الأمين عن الرد أو عجزه عن ذلك ليس مبعثه توافر نية التملك، بل لسبب آخر، الأمر الذي يحول دون وقوع الجريمة.

وخيانة الأمانة جريمة وقتية تتم وتنتهي بمجرد تغيير الحيازة، أما استمرار الجاني في وضع يده على المال فليس إلا أثراً للركن المادي ولا يغير من الطبيعة الوقتية للجريمة.

عقوبة هذه الجريمة هي الحبس، ويجوز أن تضاف عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه. ولم ينص القانون على ظروف مشددة للجريمة، ولم يجز توقيع عقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة على من يحكم عليه بوصفه عائداً في جريمة خيانة الأمانة بخلاف سياسة المشرع في السرقة والنصب. ولذلك قضت محكمة النقض أن قانون العقوبات - وإن نص على جعل السرقة والنصب وخيانة الأمانة جنحاً متماثلة من حيث العود - لكن نتيجة ذلك قاصرة على تشديد العقوبة الأصلية، أما مراقبة البوليس فهي عقوبة إضافية لا تطبق إلا حيث ينص عليها القانون فلا يحكم بها على العائد الذي يدان لجريمة خيانة الأمانة.

جواز الصلح في الجريمة : فطبقاً للمادة 18 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية للمجني عليه أو لوكيله الخاص ولورثته أو وكيلهم الخاص إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال. ويجوز الصلح فى أية حالة كانت عليها الدعوى، وبعد صيرورة الحكم باتاً. فإذا تم الصلح أثناء قيام الدعوى الجنائية ترتب عليه انقضاؤها ولو كانت مرفوعة بغير الإدعاء المباشر. وإذا كان الصلح أثناء تنفيذ العقوبة تأمر النيابة العامة بوقف تنفيذها. ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب : الثاني،  الصفحة:749)

 

هذه المادة معدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 الصادر في 19 يوليو 1962( الجريدة الرسمية في 25 يوليو سنة 1962).

ثم عدلت الفقرتان الأولى والثانية بموجب القانون رقم 29 لسنة 1982 الصادر في 1982/4/14 والمنشور في 1982/4/22 وفي 18 يوليو سنة 1992 صدر القانون رقم 97 لسنة 1922 ونشر في الجريدة الرسمية العدد 29 مكرراً في 18 يوليو سنة 1992 ونص في المادة الحادية عشرة منه على أن يعمل به اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره ونص في المادة الثالثة منه على أن يضاعف الحد الأقصى للعقوبات المقررة في المواد التي عددها ومنها المادة 361 عقوبات محل التعليق.

أركان الجريمة :

المستفاد من نص المادة 361 من قانون العقوبات أنه يلزم لتوافر جريمة إتلاف الأموال الثابتة أو المنقولة ضرورة توافر الأركان الآتية:

1- فعل مادي هو الإتلاف.

2- أن يقع على أموال ثابتة أو منقولة.

3- مملوكة للغير.

4- القصد الجنائي.

وفيما يلي نعرض تفصيل لازم لكل ركن من الأركان سالفة الذكر:

1- فعل مادي هو الإتلاف :

يشترط القانون تخريب الأموال أو جعلها غير صالحة للاستعمال أو تعطيلها فلا يتحتم أن يكون الإتلاف تاماً بل يصح أن يكون جزئياً. ولكن يشترط في الإتلاف الجزئي أن يكون من شأنه جعل الشئ غير صالح للاستعمال أو تعطيله وهو أمر يقدره قاضي الموضوع ولذلك فإن النص ينطبق على أشخاص خربوا منازل بأن انتزعوا منها بعض الشبابيك وكسروها وحطموا عربة ولا يهم الطريقة التي استعملت في الإتلاف فإن المادة نفسها تنص على عقاب من خرب الأموال أو جعلها غير صالحة للاستعمال أو عطلها " بأية طريقة" وبناء على ذلك يجوز حصول الإتلاف بواسطة النار إذا كان الحريق لا يقع تحت نصوص المواد 252 وما بعدها أما إذا كان الحريق يقع تحت نص من هذه النصوص أو استعمال المفرقعات فإن النص الآخر يكون هو الواجب التطبيق.

2- أن يقع على أموال أو منقول :

يقع الإتلاف على كل مال ثابت أو منقول إلا ما خرج من حكمه بنص آخر فقد نص قانون العقوبات على أحوال كثيرة أخرجها من حكم المادة 361 وفرض لها عقوبات خاصة بعضها أشد والبعض الآخر أخف. وما لم يقع الإتلاف تحت نص خاص فإن المادة 361 تكون هي الواجبة التطبيق.

3- مملوكاً للغير :

محل السلوك يلزم أن يكون مالاً ثابتاً أو منقولاً مملوكاً للغير أما كلياً وأما جزئياً ويعني ذلك أنه إذا أتلف شخص سيارة مملوكة له ولأخر مشاعاً اعتبر مرتكباً لجريمة الإتلاف وإذا كان الشئ المهدوم ملكاً لهادمه فلا جريمة في إتلافه ولو كان على ذلك الشئ حق ارتفاق للغير.

ومن يهدم منزلاً مقاماً على أرض مملوكة للمنافع العامة ومملوكاً لأخر يرتكب الجريمة لأن هدم البناء لا يجوز إلا بالاتفاق مع ذوى الشأن أو بناء على حكم قضائى عند التنازع ويلزم في كل حكم الإدانة بيان أن المال محل الإتلاف مملوك الغير متلفة فإذا حكمت المحكمة بمعاقبة المتهم على أنه هدم مبنى مملوكاً للحكومة دون إثبات هذه الملكية مع قيام النزاع فيها كان حكمه معيباً.

4- القصد الجنائي :

الإتلاف من الجرائم العمدية ويتحقق القصد الجنائي فيها متى تعمد الجاني ارتكاب الفعل المنهي عنه بالصورة التي حددها القانون واتجاه إرادته إلى إحداث الإتلاف أو التخريب وعلمه بأنه يحدثه بغير حق وهو ما يقتضي أن يتحدث عنه الحكم استقلالاً أو أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفى للدلالة على قيامه وإلا كان مشوباً بالقصور في التسبيب.

 عقوبة الجريمة :

يعاقب الجاني بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ونصت الفقرة الثانية من المادة 361 ع على ظرف مشدد وهو أنه إذا ترتب على الفعل ضرر مالي قيمة خمسون جنيها أو أكثر كانت العقوبة الحبس مدة تجاوز سنتين وغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين وعلى ذلك فلا بد وأن يكون أمام المحكمة من الأوراق قيمة الشئ المخرب أو المتلف وإذا خلت الأوراق من ثمة ما يفيد قيمة الشئ كان على المحكمة قبل إصدار حكمها أن تستوضح تلك القيمة بأي طريقة من الطرق المقرر قانونا.

ظروف مشددة أخرى تجعل الجريمة جناية :

عملا بنص الفقرة الثالثة من المادة 361 عقوبات فإنه إذا نشأ عن الفعل تعطيل أو توقيف أعمال مصلحة ذات منفعة عامة أو ترتب عليه جعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر تكون الجريمة جناية عقوبتها السجن مدة لاتزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولاتجاوز ألف جنيه. ارتكاب الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابى :

بتاريخ 18 يوليو سنة 1992 صدر وكما سلف القانون رقم 97 لسنة 1992 ونص في المادة الثالثة على تشديد العقوبات في بعض الجرائم التي عندها وأوصل بعض العقوبات إلى السجن وبعضها إلى الأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة وبعضها الأعدام أما بالنسبة للمادة 361 محل التعليق فنصت المادة

على مضاعفة الحد الأقصى للعقوبات المقررة فيها إذا ارتكبت الجريمة تنفيذا لغرض إرهابي. والمقصود بالغرض الإرهابي هو وكما جاء بنص المادة 86 عقوبات والمضافة بالقانون رقم 97 لسنة 1992 هو كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل أو تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد : الرابع،  الصفحة: 636)

يؤخذ من نص المادة محل التعليق أن أركان جريمة إتلاف الأموال الثابتة أو المنقولة هي:

(1) فعل مادي هو الإتلاف، (2) أن يقع الفعل على أموال ثابتة أو منقولة

(3) ملكية المال الثابت أو المنقول للغير. (4) القصد الجنائي.

أولاً : الإتلاف:

لا يشترط أن يكون الإتلاف تاماً بل يصح أن يكون جزئياً، ولكن يشترط في حالة الإتلاف الجزئي أن يكون من شأن الإتلاف جعل الشيء غير صالح للإستعمال أو تعطيله، والأمر في ذلك متروك لقاضي الموضوع.

ولم يحتم القانون وقوع الإتلاف بطريقة معين، وهذا واضح من قوله أو عطلها بأي طريقة، غاية ما هناك أن الإتلاف لو حصل بالنار أو بإستعمال المفرقعات فقد يدخل الفعل تحت نص من نصوص الحريق عمداً وعندئذ يكون هو الواجب التطبيق، أما إذا لم يدخل تحت حكم هذه النصوص فإنه يعاقب عليه بوصف الإتلاف.

ثانياً : نوع الشيء المتلف:

يقع الإتلاف على كل مال ثابت أو منقول إلا ما خرج من حكمه بنص آخر، فقد نص قانون العقوبات على أحوال كثيرة أخرجها من حكم المادة محل التعليق وفرض لها عقوبات خاصة، بعضها أشد والبعض الأخر أخف، ومن هذه الأحوال ما هو منصوص عليه في باب التخريب والتعييب والإتلاف، كإتلاف المزروعات وآلات الزراعة وزرائب المواشي وعشش الخفراء وإتلاف السندات....الخ، ومنها منصوص عليه في مواضع أخرى من القانون بتخريب مباني أو مخازن ذخائر أو غيرها من أملاك الحكومة (المادة 90 عقوبات)، وإتلاف أوراق الحكومة ودفاترها وأوراق المرافعات القضائية (المواد 151، 152، 153 عقوبات)، وإتلاف المباني المعدة لإقامة شعائر الأديان وإتلاف الرموز أو الأشياء الأخرى التي لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس (المادة 160/ 2  عقوبات)، وتعطيل المخابرات التلغرافية والتليفونية وتعطيل وسائل النقل بواسطة السكك الحديدية (المواد من 163 إلى 169 عقوبات)، وقد أخرج المشرع أموالاً معينة إذا أتلفت بالنار أو بالمفرقعات كان الفعل واقعا تحت حكم نص من نصوص الحريق العمل المواد 252 إلى 259 عقوبات)، فما لم يقع الإتلاف تحت نص خاص فإن المادة التي نحن بصددها تكون واجبة التطبيق.

ثالثاً : ملكية المال الثابت أو المنقول للغير:

يجب أن يكون الإتلاف واقعا على ملك الغير، فللمالك أن يتصرف في ملكه كيفما يشاء ولو بإتلافه دون أن يلحقه أي عقاب. ولكن يشترط لهذا أن يكون ملكية الشيء خالصة لمتلفه، فإن كان يملكه بالاشتراك مع الغير عد متلفاً، لأي ضرر الإتلاف لا يعود عليه وحده في هذه الحالة. ومتى كان المال مملوكا لغير متلفه كان هذا مستحقاً للعقاب، وسواء كان المال مملوكا لفرد من الأفراد أو للحكومة، من أموالها العامة أو الخاصة.

رابعاً : القصد الجنائي:

الإتلاف من الجرائم العمدية، ويتمثل في إتجاه إرادة الفاعل إلى إحداث الإتلاف وعلمه بأنه يحدث بغير حق.

العقوبة:

يعاقب القانون على الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ظرف مشدد وعنصر في جناية :

يقرر القانون أنه إذا كانت قيمة الضرر المالي لمحل الجريمة تبلغ خمسون جنيهاً أو أكثر تصبح العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين وغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.

وهناك عنصر يجعل الجريمة جناية هو أن ينشأ عن فعل الإتلاف تعطيل أو توقيف أعمال مصلحة ذات منفعة عامة مثل مرفق الكهرباء مثلاً أو أن يترتب على ذلك الفعل جعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر لوقوعه مثلاً على مفاعل للطاقة الذرية إذ تصبح الواقعة جناية يعاقب عليها بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنين وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه، أي يعاقب بالعقوبة السالبة للحرية والعقوبة المالية معاً على وجه الوجوب.

ويضاعف الحد الأقصى للعقوبات المقررة في المادة محل التعليق إذا إرتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد : الرابع، الصفحة : 800)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثلاثون ، الصفحة / 269

عُقُوبَة

التَّعْرِيفُ :

الْعُقُوبَةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مِنَ الْعِقَابِ، وَالْعِقَابُ بِالْكَسْرِ وَالْمُعَاقَبَةُ: أَنْ تُجْزِيَ الرَّجُلَ بِمَا فَعَلَ مِنَ السُّوءِ. يُقَالُ عَاقَبَهُ بِذَنْبِهِ مُعَاقَبَةً وَعِقَابًا: أَخَذَهُ بِهِكَمَا فِي  قوله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) وَالْعُقُوبَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ الأْلَمُ الَّذِي يَلْحَقُ الإْنْسَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْجِنَايَةِ، كَمَا عَرَّفَهَا الطَّحْطَاوِيّ وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِالضَّرْبِ أَوِ الْقَطْعِ وَنَحْوِهِمَا، سُمِّيَ بِهَا؛ لأِنَّهَا تَتْلُو الذَّنْبَ، مِنْ تَعَقَّبَهُ: إِذَا تَبِعَهُ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَبَيْنَ الْعِقَابِ: بِأَنَّ مَا يَلْحَقُ الإْنْسَانَ إِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا يُقَالُ لَهُ الْعُقُوبَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي الآْخِرَةِ يُقَالُ لَهُ الْعِقَابُ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْجَزَاءُ :

مِنْ مَعَانِي الْجَزَاءِ: الْغَنَاءُ وَالْكِفَايَةُ، قَالَ تَعَالَى( وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا) أَيْ: لاَ تُغْنِي. وَالْجَزَاءُ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنَ الْمُقَابَلَةِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى( فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى) وَقَالَ سُبْحَانَهُ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)

وَعَلَى ذَلِكَ فَالْجَزَاءُ أَعَمُّ مِنَ الْعُقُوبَةِ، حَيْثُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْعُقُوبَةُ خَاصَّةٌ بِالأْخْذِ بِالسُّوءِ.

ب - الْعَذَابُ :

أَصْلُ الْعَذَابِ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ: الضَّرْبُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ عُقُوبَةٍ مُؤْلِمَةٍ، وَاسْتُعِيرَ فِي الأْمُورِ الشَّاقَّةِ، فَقِيلَ: السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ.

وَفِي الْفُرُوقِ لأِبِي هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَذَابِ وَالْعِقَابِ: هُوَ أَنَّ الْعِقَابَ يُنْبِئُ عَنِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأِنَّ الْفَاعِلَ يَسْتَحِقُّهُ عَقِيبَ فِعْلِهِ، أَمَّا الْعَذَابُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا وَغَيْرَ مُسْتَحَقٍّ.

أَقْسَامُ الْعُقُوبَةِ :

تَنْقَسِمُ الْعُقُوبَةُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ:

فَتَنْقَسِمُ أَوَّلاً: بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ رَئِيسِيَّةٍ، هِيَ الْقِصَاصُ وَالْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَيْ: (قِصَاص، وَتَعْزِير ف 5).

وَتَنْقَسِمُ ثَانِيًا: بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ إِلَى:

أ - عُقُوبَةٍ هِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، كَحَدِّ الزِّنَى وَحَدِّ السَّرِقَةِ وَحَدِّ الشُّرْبِ.

ب - وَعُقُوبَةٍ هِيَ حَقٌّ لِلْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ.

ج - وَعُقُوبَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْحَقَّيْنِ، كَحَدِّ الْقَذْفِ.

ر: مُصْطَلَحَ (حَقّ ف 13، 15).

وَتَنْقَسِمُ ثَالِثًا، بِاعْتِبَارِ هَذَيْنِ الْحَقَّيْنِ إِلَى:

أ - عُقُوبَةٍ كَامِلَةٍ، كَحَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ.

ب - وَعُقُوبَةٍ قَاصِرَةٍ، كَحِرْمَانِ الْقَاتِلِ إِرْثَ الْمَقْتُولِ.

ج - وَعُقُوبَةٍ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَجِهَةُ الْعِبَادَةِ غَالِبَةٌ فِيهَا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ.

د - عُقُوبَةٍ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَجِهَةُ الْعُقُوبَةِ

فِيهَا غَالِبَةٌ كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ كُلِّ نَوْعٍ فِي مُصْطَلَحِهِ.

وَهُنَاكَ عُقُوبَاتٌ أُخْرَى بَحَثَهَا الْفُقَهَاءُ هِيَ:

أ - الْغُرَّةُ :

الْغُرَّةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: أَوَّلُهُ. وَمِنْ مَعَانِيهَا فِي الشَّرْعِ: ضَمَانٌ يَجِبُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ، وَتَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَهِيَ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ، أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ

وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (غُرَّة).

ب - الأْرْشُ :

الأْرْشُ يُطْلَقُ غَالِبًا عَلَى: الْمَالِ الْوَاجِبِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى بَدَلِ النَّفْسِ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الدِّيَةِ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (أَرْش ف 1).

ج - الْحِرْمَانُ مِنَ الإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ:

الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ عُقُوبَةٌ لِجَرِيمَةِ الْقَتْلِ بِصُورَةٍ تَبَعِيَّةٍ فَإِذَا ثَبَتَتِ الْجَرِيمَةُ بِأَدِلَّتِهَا الْخَاصَّةِ، وَحُكِمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِعُقُوبَةِ الْقَتْلِ، يُحْرَمُ مِنْ إِرْثِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَوَصِيَّتِهِ كَذَلِكَ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ  شَيْءٌ مِنَ الْمِيرَاثِ» وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام«لاَ وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ» وَهَلْ يُحْرَمُ الْقَاتِلُ مِنَ الْمِيرَاثِ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُطْلَقًا ؟

لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (إِرْث ف 17 وَوَصِيَّة).

أَقْسَامُ عُقُوبَةِ الْحَدِّ :

الْحَدُّ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ مُحَدَّدَةٌ لاَ تَقْبَلُ التَّعْدِيلَ وَالتَّغْيِيرَ، وَلِكُلِّ جَرِيمَةٍ حَدِّيَّةٍ عُقُوبَةٌ مَعْلُومَةٌ، لَكِنَّهَا تَخْتَلِفُ حَسْبُ اخْتِلاَفِ مُوجِبِهَا مِنْ جَرَائِمِ الْحُدُودِ، وَهَذِهِ الْجَرَائِمُ هِيَ: الزِّنَا وَالْقَذْفُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةُ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ: (الْحِرَابَةُ) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ الرِّدَّةُ وَالْبَغْيُ مَعَ اخْتِلاَفٍ فِيهِمَا.

وَتَفْصِيلُ عُقُوبَاتِ هَذِهِ الْحُدُودِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.

الْعُقُوبَاتُ التَّعْزِيرِيَّةُ :

التَّعْزِيرُ عُقُوبَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ. شُرِعَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلأْفْرَادِ.

وَالْغَرَضُ مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهَا رَدْعُ الْجَانِي وَزَجْرُهُ وَإِصْلاَحُهُ وَتَأْدِيبُهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ

وَقَدْ شُرِعَ التَّعْزِيرُ فِي الْمَعَاصِي الَّتِي لاَ يَكُونُ فِيهَا حُدُودٌ وَلاَ كَفَّارَةٌ

وَعَدَمُ التَّقْدِيرِ فِي الْعُقُوبَاتِ التَّعْزِيرِيَّةِ لاَ يَعْنِي جَوَازَ وَمَشْرُوعِيَّةَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ فِي التَّعْزِيرِ، فَهُنَاكَ عُقُوبَاتٌ لاَ يَجُوزُ إِيقَاعُهَا كَعُقُوبَةٍ تَعْزِيرِيَّةٍ، مِثْلِ الضَّرْبِ الْمُتْلِفِ، وَصَفْعِ الْوَجْهِ، وَالْحَرْقِ، وَالْكَيِّ، وَحَلْقِ اللِّحْيَةِ وَأَمْثَالِهَا

وَهُنَاكَ عُقُوبَاتٌ تَعْزِيرِيَّةٌ مَشْرُوعَةٌ يَخْتَارُ مِنْهَا الْقَاضِي مَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا لِحَالَةِ الْمُجْرِمِ تَحْقِيقًا لأِغْرَاضِ التَّعْزِيرِ مِنَ الإْصْلاَحِ وَالتَّأْدِيبِ، كَعُقُوبَةِ الْجَلْدِ وَالْحَبْسِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْهَجْرِ وَالتَّعْزِيرِ بِالْمَالِ وَنَحْوِهَا.

وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِ التَّعْزِيرِ، وَأَنْوَاعُ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ وَمُوجِبَاتُهَا يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَعْزِير ف 11 وَمَا بَعْدَهَا)

تَعَدُّدُ الْعُقُوبَاتِ :

أَجَازَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ اجْتِمَاعَ الْعُقُوبَاتِ وَتَعَدُّدَهَا فِي جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنْ بِصِفَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَقَدْ يَجْتَمِعُ التَّعْزِيرُ مَعَ الْحَدِّ، فَالْحَنَفِيَّةُ لاَ يَرَوْنَ تَغْرِيبَ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ فِي حَدِّ الزِّنَى، وَلَكِنْ يُجِيزُونَ تَغْرِيبَهُ تَعْزِيرًا بَعْدَ الْجَلْدِ حَدًّا وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْجَارِحَ عَمْدًا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَيُؤَدَّبُ تَعْزِيرًا، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ يُجِيزُونَ اجْتِمَاعَ التَّعْزِيرِ مَعَ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْقَتْلَ الَّذِي عُفِيَ عَنِ الْقِصَاصِ فِيهِ تَجِبُ فِيهِ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ، وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً تَعْزِيرًا.

تَدَاخُلُ الْعُقُوبَاتِ.

الْمُرَادُ بِتَدَاخُلِ الْعُقُوبَاتِ هُوَ دُخُولُ عُقُوبَةٍ فِي أُخْرَى بِلاَ زِيَادَةِ حَجْمٍ وَمِقْدَارٍ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ إِذَا اتَّفَقَتْ فِي الْجِنْسِ وَالْمُوجِبِ فَإِنَّهَا تَتَدَاخَلُ، فَمَنْ زَنَى مِرَارًا، أَوْ سَرَقَ مِرَارًا مَثَلاً أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ لِلزِّنَى الْمُتَكَرِّرِ، وَآخَرُ لِلسَّرِقَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ

وَاخْتَلَفُوا فِي تَدَاخُلِ عُقُوبَاتِ الْقِصَاصِ مَعَ تَفْصِيلٍ وَبَيَانٍ وَخِلاَفٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَدَاخُل ف 18)

التعليقات معطلة.