المذكرة الإيضاحية لقانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937:
لما كانت الحاجة ماسة لوضع قانون للعقوبات يسير بعد إلغاء الامتيازات على المصريين والأجانب على السواء.
ولما كان قانون العقوبات الأهلي الصادر في سنة 1904 أحدث من قانون العقوبات المختلط فضلاً عما أُدخل عليه منذ وضعه من تعديلات جعلته أوفى بالغرض.
لذلك رُئي اتخاذه أساساً لهذا المشروع وقد إكتفي الآن بإدخال ما دعت إليه الحاجة الملحة من التعديلات والإضافات وما اقتضاه تعميم تطبيقه من التغيير في بعض النصوص واقتصر في هذه المذكرة (المذكرة الإيضاحية) على بيان الأسباب التي اقتضت التعديلات الجوهرية.
أما أبواب القانون التي لم تشر إليها هذه المذكرة فقد بقيت على أصلها من غير تغيير في أحكامها.
الكتاب الأول الباب الأول - قواعد عمومية المادة 1 هي المادة الأولى من قانون العقوبات الصادر في سنة 1904 مع إلغاء العبارة الأخيرة منها وهي " إلا إذا كان غير خاضع لقضاء المحاكم فيه بناء على قوانين أو معاهدات أو عادات مرعية " وذلك لأن هذا الاستثناء أصبح لا محل له بعد أن ألغيت الامتيازات الأجنبية وأعد القانون ليطبق على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه.
1ـ لما كانت المادة الأولى من قانون العقوبات قد نصت على أن تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب فى القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، ونصت المادة 217 من قانون الإجراءات الجنائية على أن يتعين الاختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض عليه فيه. وكان مكان ارتكاب الجريمة هو المكان الذي يتحقق فيه ركنها المادي أو جزء من هذا الركن والذي يقوم على ثلاثة عناصر الفعل والنتيجة وعلاقة السببية بينهما وتعتبر الجريمة أنها ارتكبت فى المكان الذي وقع فيه الفعل المادي وفي المكان الذي حدثت فيه النتيجة وفي كل مكان تحققت فيه الآثار المباشرة للفعل والتي تتكون من الحلقات السببية التي تربط بين الفعل والنتيجة .
( الطعن رقم 23201 لسنة 63 ق - جلسة 1995/10/03- س 46 ص 1055 ق 156 )
2ـ جريمة الرشوة تتم بمجرد طلب الرشوة من جانب الموظف والقبول من جانب الراشي وما تسليم المبلغ بعد ذلك إلا نتيجة لما تم الاتفاق عليه بينهما، وإذ كانت واقعة الدعوى كما وردت فى أمر الإحالة وفي الحكم هي أن الطاعن طلب من المحكوم عليه الآخر رشوة ووافقه المحكوم عليه الآخر على ذلك بمناسبة توريده لقوالب بلاستيك ومعدات معمل تحليل للهيئة التي يمثلها الطاعن الذي اشترط أن يكون تسليم جزء من المبلغ فى مصر نفاذاً للاتفاق الذي تم بينهما فى هذا الشأن وأن التسليم تم بالفعل بجمهورية مصر العربية وقام الطاعن بعرض هذا الجزء من المبلغ على رئيس مجلس إدارة مصنع........... "الشاهد الأول" على سبيل الرشوة فإن المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه تكون مختصة بنظر الدعوى وتطبيق القانون المصري عليها إعمالاً لنص المادة 217 من قانون الإجراءات الجنائية آنفة الذكر اعتباراً بأنها المحكمة المختصة ولا يحول دون ذلك أن يكون الاتفاق على واقعة الرشوة قد تم بالخارج ما دامت واقعة تسليم جزء من مبلغ الرشوة وعرضه على الشاهد الأول - وهي حلقة من حلقات النشاط الإجرامي قد تمت بجمهورية مصر العربية .
( الطعن رقم 23201 لسنة 63 ق - جلسة 1995/10/03 - س 46 ص 1055 ق 156 )
3- يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعي هذا الجهل الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباباً معقولة وهذا هو المعول عليه فى القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون فإنه مع تقريره قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد فى المادة 63 من قانون العقوبات أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري فى الأحوال الآتية (أولاً) إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه (ثانياً) إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة، كما قرر فى المادة 60 من قانون العقوبات أن أحكام قانون العقوبات لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة، وإذا كانت الطاعنة لم تدع فى دفاعها أمام محكمة الموضوع أو فى أسباب طعنها بالجهل بالقاعدة الشرعية التي تحظر على المرأة الجمع بين زوجين وأنها كانت تعتقد أنها كانت تباشر عملاً مشروعاً والأسباب المعقولة التي تبرر لديها هذا الاعتقاد، وقد أثبت الحكم فى حقها أنها باشرت عقد الزواج مع علمها بأنها زوجة لآخر وما زالت فى عصمته وأخفت هذه الواقعة عن المأذون وقررت بخلوها من الموانع الشرعية وقدمت له إشهاد طلاقها من زوج سابق وقررت بانتهاء عدتها منه شرعاً وعدم زواجها من آخر بعده وهو ما رددته فى اعترافها بالتحقيقات وبجلسة المحاكمة وبررت ذلك بانقطاع أخبار زوجها عنها وحاجتها إلى موافقة الزوج الجديد على سفرها إلى الخارج فإن ما أورده الحكم من ذلك يتضمن فى ذاته الرد على دعوى الطاعنة بالاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر هو قانون الأحوال الشخصية فلا محل لما تنعاه الطاعنة على الحكم فى هذا الشأن .
( الطعن رقم 3842 لسنة 56 ق - جلسة 1986/11/20 - س 37 ع 1 ص 924 ق 176 )
4- لما كانت المادة الأولى من قانون العقوبات قد نصت على أن "تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب فى القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون" وهو ما يقتضي بداهة أن التشريع الجنائي المصري هو الذي يطبق دون غيره على من يرتكب فى إقليم الدولة فعلاً يعد جريمة حسب نصوص هذا التشريع أياً كانت جنسية مرتكب الفعل وهو أمر تقتضيه سيادة الدولة على إقليمها وهو الوسيلة لتأمين الحقوق الجديرة بالحماية الجنائية. ويعتبر ضمن إقليم الدولة الأرض التي تحدها حدودها السياسية بما فيها من أنهار وبحيرات وقنوات وموانئ فضلاً عن المياه الإقليمية ولا يُستثنى من هذا الأصل إلا ما تقتضيه قواعد القانون الدولي من إعفاء رؤساء الدول الأجنبية وممثليها الدبلوماسيين والأفراد العسكريين الأجانب من الخضوع للقضاء الإقليمي. ويمتد اختصاص القضاء الإقليمي الجنائي إلى السفن التجارية الأجنبية الراسية فى الميناء، فى حدود ما أقرته اتفاقية جنيف المعقودة سنة 1958 التي نصت على حق الدولة فى التعرض للسفن التجارية الأجنبية أثناء مرورها بالمواني أو المياه الإقليمية فى حالات من بينها أن يكون هذا التدخل ضرورياً للقضاء على اتجار غير مشروع فى المواد المخدرة، ثم أكدته - من بعد - اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار - التي وقعت عليها مصر بتاريخ 10 من ديسمبر سنة 1982 وصدقت عليها بالقرار الجمهوري رقم 145 لسنة 1983 الصادر فى 30 من أبريل سنة 1983 ووافق مجلس الشعب عليها فى 22 من يونيه سنة 1983 وأودعت وثيقة التصديق عليها لدى الأمين العام للأمم المتحدة - بالنص فى المادة 27 منها على أن "1- لا ينبغي للدولة الساحلية أن تمارس الولاية الجنائية على ظهر سفينة أجنبية مارة خلال البحر الإقليمي من أجل توقيف أي شخص أو إجراء أي تحقيق بصدد أية جريمة ارتكبت على ظهر السفينة أثناء مرورها إلا فى الحالات التالية فقط: (أ).... (ب).... (ج).... (د) أو إذا كانت هذه التدابير لازمة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المواد التي تؤثر على العقل". وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن إذن التفتيش قد صدر من وكيل نيابة الميناء ببورسعيد بناء على تحريات الشرطة التي أسفرت عن أن الطاعن قد جلب مخدرات على باخرة لبنانية رست فى الميناء، فإن الإذن يكون قد صدر ممن يملك إصداره، لما للسلطات المصرية - فى هذه الحالة - من حق القيام بإجراءات التفتيش والضبط التي تسمح بها قوانينها فى المراكب التجارية التي تكون راسية فى مياهها الإقليمية أو موجودة فى مياهها الداخلية، ويكون منعى الطاعن بعدم اختصاص مصدر الإذن بإصداره قولاً أن السفينة تحمل علماً أجنبياً فلا تخضع لقانون الدولة غير سديد .
( الطعن رقم 671 لسنة 56 ق - جلسة 1986/06/04 - س 37 ع 1 ص 630 ق 120 )
5ـ الامتيازات والحصانات القضائية المقررة بمقتضى الاتفاقيات الدولية وطبقاً للعرف الدولي للمبعوثين الدبلوماسيين، إنما تقررت لهم بحكم أن لهم صفة التمثيل السياسي لبلد أجنبي لا يخضع للولاية القضائية للدولة الموفدين إليها، وبالتالي فإنهم يتمتعون وأفراد أسرهم بالحصانة القضائية بمقتضى تلك الاتفاقيات الدولية وطبقاً للعرف الدولي. لما كان ذلك، وكانت هذه الامتيازات والحصانات قاصرة على المبعوثين الدبلوماسيين بالمعنى المتقدم ولا يستفيد منها غيرهم من أمناء وموظفي المنظمات الدولية إلا بمقتضى اتفاقيات وقوانين تقرر ذلك، وكانت الطاعنة لا تنازع فى أنها زوجة سكرتير أول بجامعة الدول العربية التي هي مجرد منظمة إقليمية عربية مقرها القاهرة وليس لها صفة التمثيل السياسي لبلد أجنبي كما لا تجادل فى صحة ما نقله الحكم المطعون فيه من إفادة وزارة الخارجية من أن الحكومة المصرية قد تحفظت على قبول ما جاء بالمادة الثانية والعشرين من اتفاقية مزايا وحصانات الجامعة العربية من تمتع الموظفين الرئيسيين بتلك المنظمة هم وزوجاتهم وأولادهم القصر بالمزايا والحصانات التي تمنح للمبعوثين الدبلوماسيين، مما مؤداه عدم التزامها بها. فإن مؤدى ذلك أن الذي يحكم مركز الطاعنة فى الخصوصية مثار البحث وعلى ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه بحق هو نص المادة 20 من ميثاق جامعة الدول العربية المبرم فى 10 / 5 / 1953 دون غيرها والتي يجري نصها على أن "يتمتع موظفوا الأمانة العامة بجامعة الدول العربية بصرف النظر عن جنسياتهم بالحصانة القضائية عما يصدر منهم بصفتهم الرسمية". بما مؤداه عدم تمتع من دونهم من أزواجهم وأولادهم بتلك الحصانة وهي الاتفاقية التي انضمت إليها مصر فى 8 / 3 / 1954 بعد أن تحفظت على قبول ما تضمنته المادة 22 منها من تمتع الموظفين الرئيسيين بجامعة الدول العربية وزوجاتهم وأولادهم القصر بالمزايا والحصانات التي تمنح للمبعوثين الدبلوماسيين على النحو السابق ذكره. الأمر الذي يضحى معه قيام رجال الجمارك بتفتيش حقائب الطاعنة فى غير حضور مندوب من وزارة الخارجية بعد أن توافرت لديهم دواعي إجراء ذلك التفتيش على موجب اختصاصهم المقرر بالمواد من 26 إلى 30 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 إجراء لا شائبة فيه .
( الطعن رقم 1104 لسنة 45 ق - جلسة 1975/10/26 - س 26 ص 630 ق 141 )
6- إن مقتضى قاعدة شرعية الجريمة والعقاب أن القانون الجنائي يحكم ما يقع فى ظله من جرائم إلى أن تزول عنه القوة الملزمة بقانون لاحق ينسخ أحكامه وهذا ما قننته الفقرة الأولى من المادة الخامسة من قانون العقوبات بنصها على أن " يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت إرتكابها " . أما ما أوردته المادة المشار إليها فى فقرتها الثانية من أنه " ومع هذا إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح للمتهم فهو الذى يتبع دون غيره " ، فإنما هو إستثناء من الأصل العام يؤخذ فى تفسيره بالتضييق ويدور وجوداً وعدماً مع العلة التى دعت إلى تقريره لأن المرجع فى فض التنازع بين القوانين من حيث الزمان هو قصد الشارع الذى لا تجوز مصادرته فيه . ولما كان التأثيم فى جريمة إستخراج ردة معدة لرغف العجين غير مطابقة للمواصفات يكمن أساساً فى مخالفة أمر الشارع بإلتزام مواصفات معينة فى إستخراج الردة ، وكانت القرارات التموينية التى تحدد تلك المواصفات إنما تخضع لإعتبارات إقتصادية بحتة لا تتصل بمصلحة مستخرجى الردة فى شيء ولا تعدو أن تكون من قبيل التنظيمات التى تمليها تلك الظروف فى غير مساس بقاعدة التجريم أو العناصر القانونية للجريمة ، و من ثم فإن تغاير مواصفات الردة على توالى القرارت الوزارية الصادرة بتحديدها لا يتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم ما دامت جميعها متفقة على تحديد مواصفات لإستخراجها وتأثيم عدم مطابقتها لهذه المواصفات ، ويكون المرجع فى تحديد مواصفات الردة المعدة لرغف العجين إلى القرار السارى وقت إستخراجها مخالفة لهذه المواصفات دون أن يرفع عن الفعل صفة الجريمة ما يصدر من قرارات تالية بتعديل تلك المواصفات .
( الطعن رقم 1955 لسنة 38 ق - جلسة 1969/01/13 - س 20 ع 1 ص 118 ق 25 )
لما كان قانون العقوبات المصري عنواناً لسيادة الدولة المصرية فهو يطبق في جميع أنحاء القطر الذي تباشر فيه هذه السيادة على المصريين والأجانب على سواء. ذلك أن الدولة مهما يكن شكل نظامها يجب عليها في الدائرة التي تباشر یه سطتها أن تكفل أمن كل إنسان وتوطد النظام العام وليس خضوع الأجانب دون المصرى راجعاً إلى نوع من قبول السيادة المصرية بل أن هذه السيادة على كل من يوجدون في القطر المصري ولو بصفة وقتية ويترتب على حق سيادة الدولة أن كل شخص يخالف أحكام قانون العقوبات المصري أثناء وجوده في القطر يقع تحت سلطان هذا القانون بمعنى أن القانون المصرى هو الذي يطبق داخل النطاق الإقليمي للقطر ويستبعد بذلك أي قانون أجنبي آخر ومناط تطبيقه هو ارتكاب الجريمة داخل القطر المصرى من الشخص الطبيعي المخاطب بالقاعدة القانونية.
مبررات الإقليمية :
مبدأ إقليمية قانون العقوبات يقوم على عدة مبررات عقابية وإجرائية وأسس أخرى دولية تجمل فيما يلي :
(أ) مصلحة المجتمع : فمكان ارتكاب الجريمة هو الذي يحدث فيه أثرها المادى وتتجاوب فيه مشاعر السخط للإخلال بالأمن فيجب أن تتم فيه المحاكمة ويوقع العقاب على الجاني تهدئة للخواطر وإقتصاصاً من الجاني وإرهاباً لغيره من ذوي الميول الإجرامية وتكون العقوبة في هذه الحالة أكثر نفعاً إذ أنها ستكون أقرب إلى الجريمة من ناحية الوقت ومن ناحية المكان.
(ب) سهولة الإثبات : ومكان الجريمة هو الذي تنطبع فيه آثارها المادية التي تظهرها المعاينات ويسهل فيه كشف الحقيقة عن طريق شهودها فتكون المحاكمة سريعة ومجدية.
(ج) ضمان مصلحة الجاني فهو أكثر معرفة بقانون الدولة التي ارتكب الجريمة على إقليمها وقد يكون لمعرفته هذه شأن في تيسير سبل الدفاع له.
(د) وأخيراً فإن الجريمة تعتبر خرقاً للسلطات المحلية التي تملك العقاب عليها في مواجهة الدول الأجنبية لأن الجريمة وقعت على أرضها.
وهذه الإعتبارات هي التي أدت إلى الأخذ بمبدأ الإقليمية في أغلب التشريعات - صراحةً أو ضمناً - كمبدأ عام لتطبيق قانونها الجنائي.
الأشخاص المعنوية:
المراد بالأشخاص الذين يسري عليهم قانون العقوبات هم الأشخاص الطبيعيون لأن قانون العقوبات المصرى لا يسرى على الأشخاص المعنوية كالشركات والجمعيات وإن كان هناك اتجاه نحو تطبيق هذا القانون على هذا النوع من الأشخاص مع فرض عقوبات تتناسب معه كالحل والتصفية والغرامة تراجع المادة 104 من القانون 26 لسنة 1954 الخاص ببعض الأحكام الخاصة بالشركات المساهمة.
المقصود بإقليم الدولة :
الإقليم هو الإطار الجغرافي الذي يحيا فيه شعب الدولة وتمارس فيه الهيئة الحاكمة مظاهر السيادة على وجه الشمول والاستئثار ويتكون الإقليم أساساً وبالضرورة من رقعة معينة من الأرض بكل ما أرسي على ظهرها من جبال وما فجر فيها من أنهار وبحيرات وبكل ما يحويه باطنها من مواد وموارد. وقد يشتمل أقليم الدولة أيضاً على مساحات معينة من البحار التي تطل عليها رقعة الأرض الداخلة في تكوين إقليم الدولة وتسمى هذه المساحات بالبحر الإقليمي كما يدخل في مشتملات إقليم الدولة طبقات الجو التي تعلو المناطق الأرضية والبحر الإقليمي ويعتبر في حكم الإقليم كذلك السفن والطائرات المصرية حيثما وجدت وذلك بالنسبة لما يقع على متنها من جرائم وذلك على التفصيل الآتي:
(أ) الإقليم الأرضي:
ويشمل الجزء من الأرض الذي تعينه الدولة كحدود سياسية لها تمارس فيه سيادتها وتشمل أراضي الإقليم المصري:
1- مصر الأصلية وهي واقعة في الزاوية الشمالية الشرقية من قارة أفريقيا وتمتد من البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى درجة 22 من خطوط العرض الشمالية جنوباً. ومن قنال السويس وخليج السويس والبحر الأحمر شرقاً إلى خط الحدود المبين بالاتفاق الإيطالي المصري الخاص بحدود مصر الغربية الموقع عليه في 6 ديسمبر سنة 1925 والصادر بمرسوم ملكي في 31 أغسطس سنة 1933.
2- شبة جزيرة سيناء وهي جزء من قارة أسيا يمتد شرقاً من قنال السويس إلى خط وهمي ممتد بين رفح على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وطابا بالقرب من رأس خليج العقبة.
3- عدة جزر في خليج السويس والبحر الأحمر أهمها جوبال وشدوان وقفاطين وزبرجد أو جزيرة سان جورج.
(ب) البحر الإقليمي :
هو الجزء من البحر المحاذي للساحل لمسافة تختلف باختلاف الدول وكان العرف الدولي قد جرى على تحديده بثلاث أميال بحرية وفي 15/1/1951 صدر مرسوم بشأن المياه الإقليمية عدل بالقرار الجمهوري رقم 180 لسنة 1958 وبمقتضاه أصبح البحر الإقليمي يمتد إلى مسافة اثني عشر ميلاً بحرياً محسوبة من خط مياه الجزر، وخط مياه الجزر هو الخط الممتد على طول الساحل ويتبع تعرجاته أو هو الخط المستقيم الوهمي الذي يحد أبرز نقطة إذا كان الساحل شديد التعرجات وعلى ذلك يكون خط مياه الجزر هي أدنى حد لانحسار المياه على الشاطئ ويسمى هذا الخطأ بخط الأساس الذي يحسب فيه البحر الإقليمي (2) ويلاحظ أن الميل البحري يساوي 6080 قدماً أو 1852 متراً.
ويخضع البحر الإقليمي لسيادة الدولة التي يمتد بحذاء إقليمها ولكن هذه السيادة سيادة مخففة غير مطلقة إذ يحدها حق سفن الدول الأخرى في المرور السلمی بمعنى أنه إذا جاز لدولة أن تمنع دخول السفن الأجنبية موانيها أو مياهها البحرية الداخلية فليس لها أن تغلق البحر الإقليمي عن مرور هذه السفن مروراً سلمياً.
(ج) الفضاء الإقليمي:
يشمل الفضاء الإقليمي كل ما يعلو الإقليم من الأرض والبحر من فضاء وبعبارة أخرى فإن الفضاء الإقليمي هو المدى الجوي الذي يغطي الإقليم الأرضي بشقيه من أرض وبحر.
وقد نصت المادة الأولى من القانون رقم 57 لسنة 1935 بشأن الملاحة الجوية على أن للدولة كامل السيادة المطلقة على الفضاء الجوي الذي يعلو أراضيها وتشمل كلمة " أراضي" المياه الإقليمية المجاورة.
(د) السفن :
يفرق في هذا الشأن بين السفن الحربية أو العامة والسفن الخاصة وتتخذ حكم السفن الخاصة السفن التجارية المملوكة للدولة فإذا تعلق الأمر بسفينة حربية أو عامة فإن ما يقع عليه من جرائم يخضع لقانون الدولة التابعة لها ولا اختصاص محاكمها الجنائية سواء أكانت السفينة في عرض البحر أو في المياه الإقليمية الدولة أخرى وذلك لأن السفينة الحربية أو العامة مثل سيادة الدولة التي تتبعها.
(هـ) الطائرات :
وتأخذ الطائرات حكم السفن ومن ثم فإن المبدأ العام هو أن الطائرات الأجنبية إذا كانت حربية فإنها تخضع لقانون الدولة التي تحمل جنسيتها ولو كانت الجريمة قد وقعت في الإقليم الجوي لدولة أخرى. إذ أن طبيعتها الحربية تجعل منها جزءاً لا يتجزأ من سيادة دولتها أما إذا كانت هذه الطائرات غير حربية فالمسألة محل جدل في الفقه والراجح أن القانون المصرى لا يطبق على الطائرة المدنية الأجنبية وبالتالي فإن الجرائم التي تقع على ظهرها أثناء تواجدها في الفضاء الإقليمي لا تخضع للقانون الجنائي المصري اللهم إلا إذا أخلت الجريمة بالأمن العام للدولة التي تتواجد في إقليمها ويتحقق هذا الإخلال بالنسبة للطائرات المدنية إذا تجاوزت الجريمة الواقعة حدود الطائرة أو كان الجاني أو المجني عليه مصرياً أو هبطت الطائرة المصرية بعد اقتراف الجريمة وهذا الرأي عموماً يتعارض مع نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 57 لسنة 1935 التي تنص على أن " للدولة كامل السيادة المطلقة على الفضاء الجوي الذي يعلو أراضيها " الأمر الذي يؤدي إلى اختصاص المحاكم المصرية بالجرائم التي ترتكب في الفضاء الجوى الإقليمي أي الفضاء الجوي الذي يعلو الأراضي المصرية وبالبحر الإقليمي المصري، ويسرى ذلك على الطائرات المدنية دون الحربية وقد يؤدي ذلك إلى التنازع بين القانون المصري والقانون الأجنبي وهو قانون البلد الذي تحمل الطائرة جنسيته وقيل حلا لذلك بأن القاضي يحسم التنازع بتغليب القانون المصري مع ملاحظة الحالات التي يتعين الاعتداد فيها بالحكم الأجنبي.
ويلاحظ أن الرأي الذي ذهب إلى تطبيق الأحكام الخاصة بالسفن على الجرائم التي ترتكب على الطائرات قد ذهب ذلك المذهب لخلو التشريع المصري من نص ينظم الاختصاص الجنائي فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب على الطائرات من بين القوانين المنظمة للطيران في مصر. وعموماً فإن الأمر في حاجة إلى تشريع خاص بالطائرات إذ أن السفينة تختلف في نظامها عن الطائرة.
مكان وقوع الجريمة :
نصت المادة الأولى من قانون العقوبات المصري على أن تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه. ومفاد ذلك أن مناط تطبيق قانون العقوبات المصري هو بارتكاب الجريمة داخل مكان في القطر المصري. ولا يشترط لاعتبار الجريمة واقعة في مصر أن تقع فيها بأكملها وإنما يكفي لاعتبارها كذلك أن يتحقق فيها جانب منها سواء في ذلك السلوك الإجرامي أو النتيجة الإجرامية وإذا وقع السلوك المؤثم في مصر فليس من اللازم أن يكتمل فيها بل يكفي وقوع بعضه بمعنى أنه يكفي أن يتحقق جزء من السلوك أو جزء من النتيجة في مصر حتى يتوافر الشرط الخاص بارتكاب الجريمة داخل النطاق الإقليمي للدولة فمثلا في الجرائم المستمرة والجرائم المتتابعة الأفعال يكفي أن يتحقق جزء من حالة الاستمرار أو فقرة من فقرات التتابع في مصر حتى ينطبق القانون المصرى على الواقعة الإجرامية بأكملها كذلك الحال بالنسبة للمجني عليه في جريمة قتل بالسم ارتكب فعلها المادي بالخارج إذا تواجد في الإقليم المصرى لفترة أعمل السم فيها بعض آثاره ثم حدثت النتيجة بعد مغادرته إقليم الدولة فإن الجريمة تعتبر قد ارتكبت في جزء منها داخل الإقليم المصري وبالتالي تخضع لأحكام هذا القانون. ويلاحظ أن الجريمة تعتبر مرتكبة في مصر بالنسبة لجميع المساهمين حتى ولو كان بعضهم أجنبي وغير موجود بالأراضي المصرية كما يلاحظ أنه لا يدخل في نطاق القانون المصرى الإقليمي أفعال الاشتراك والأعمال التحضيرية لجرائم تقع في الخارج أما الفرض العكسي وهو إرتكاب أفعال الاشتراك أو المساهمة خارج القطر وكانت متعلقة بجريمة وقعت كلها أو بعضها في مصر فإن القانون المصري يختص بالواقعة بالتطبيق لمبدأ الإقليمية.
ثمة ملاحظة يجدر التنويه إليها وهي أنه إذا وقعت عدة أفعال في مصر وفي الخارج على التوالى وكانت هذه الأفعال مكونة لجرائم مختلفة في الإختصاص الإقليمي لا ينطبق إلا على الأفعال التي وقعت في مصر ولايمكن أن يتعداها إلى الأفعال التي وقعت في الخارج بحجة وجود ارتباط بينها. وقد تكون مجموعة الأفعال التي وقع بعضها في مصر وبعضها في الخارج متصلة بجريمة واحدة ولكنها قابلة القسيمة في عناصرها بحيث يمكن اعتبار أنها وقعت في مصر وفي الخارج ففي هذه الحالة يتعين الاختصاص الإقليمي للمحاكم المصرية طبقاً للقاعدة نفسها.(موسوعة هرجة الجنائية ، للمستشار / مصطفى مجدي هرجه ، المجلد / الأول ، دار محمود الصفحة / 13).
الاستثناءات التي ترد على مبدأ إقليمية النص الجنائي:
الشارع المصري قد جعل مبدأ الإقليمية أساس القواعد التي تحدد السلطان المكاني للنصوص الجنائية ، فنصت المادة الأولى من قانون العقوبات على أن « تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه» . وهذا النص واضح وصريح فی خضوع كل الجرائم التي ترتكب في الإقليم المصري لسلطان قانون العقوبات المصري ، دون تفرقة ترجع إلى جنسية الجاني أو جنسية المجنى عليه أو نوع المصالح التي تمسها الجريمة .
ويقضى مبدأ الإقليمية بخضوع كل الجرائم التي ترتكب في إقليم الدولة القانون هذه الدولة ، فلا تفرقة بين مرتكبي هذه من الجرائم ، تفرقة ترجع إلى جنسياتهم أو طوائفهم أو مهنتهم، فالمساواة أمام ) القانون من أهم المبادئ التي يقوم عليها القانون العام الحديث ولكن ثمة اعتبارات من المصلحة العامة للمجتمع الوطني والمجتمع الدولي تقضي بعدم تطبيق قانون العقوبات على بعض الأشخاص ونعرض فيما يلى لحالات عدم تطبيق قانون العقوبات، ونبحث بعد ذلك في مدى اعتبارها استثناءات ترد على مبدأ الإقليمية .
أعضاء مجلس الشعب :
تنص المادة 98 من دستور 1971 على أنه «لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم في المجلس أو في لجانه » . وتقرير الحصانة لأعضاء مجلس الشعب ضرورة لتمكينهم من أداء أعمالهم على النحو الذي يحدده الدستور وهذه الحصانة مقتصرة على الجرائم القولية والكتابية ، بشرط ارتكابها أثناء تأدية العضو عمله ، سواء في جلسات المجلس العامة أو في لجانه ، وثبوت ضرورتها أو ملاءمتها لأداء العمل .
رؤساء الدول الأجنبية :
يتمتع رؤساء الدول الأجنبية بحصانة عامة تشمل كل فعل يصدر عنهم، وتمتد إلى أفراد أسرهم وحاشياتهم . وعلة هذه الحصانة كونهم يمثلون دولاً ذات سيادة، فهم لا يخضعون للسيادة الإقليمية لدولة أجنبية يوجدون في إقليمها، لأن إخضاعهم لهذه السيادة ينطوي على مساس بسيادة الدولة التي يمثلونها.
رجال السلك السياسي والأجنبي :
يتمتع رجال السلك السياسي بحصانة عامة تشمل كل أفعالهم ، سواء أتعلقت بالعمل الدبلوماسي أم لم تكن متعلقة به . وتمتد الحصانة إلى كل رجال السلك السياسي الأجنبي على اختلاف ألقابهم ودرجاتهم. وتمتد كذلك إلى جميع موظفي الوكالة السياسية وخدمها، بشرط ألا يحملوا جنسية الدولة التي يعملون في إقليمها . ويتمتع بالحصانة كذلك أعضاء البعثات السياسية الخاصة وممثلو الهيئات الدولية کهيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وعلة هذه الحصانة كون رجال السلك السياسي يمثلون دولاً ذات سيادة؛ بالإضافة إلى أن كفالة الحرية والاستقلال المتطلبين لأدائهم أعمالهم تقتضي إقرار حصانة أشخاصهم وحصانة دار الوكالة السياسية.
ويتمتع رجال السلك القنصلي بحصانة محددة تقتصر على ما يرتكبه القنصل من أفعال أثناء أدائه وظيفته أو بسببها .
رجال القوات الأجنبية الذين يرابطون في إقليم الدولة بترخيص منها :
يتمتع رجال القوات الحربية - برية كانت أو بحرية أو جوية - الذين يرابطون في إقليم الدولة بترخيص منها لحصانة تتسع للأفعال التي يرتكبونها أثناء أدائهم أعمالهم أو في داخل المناطق المخصصة لهم ؛ ويعني ذلك أنه إذا ارتكب الفعل في غير عمل رسمی وفي غير المناطق التي خصصتها لهم سلطات الإقليم فلا حصانة لمن يرتكبه وعلة هذه الحصانة كون القوة الحربية تمثل سيادة الدولة التي تتبعها ، بالإضافة إلى ما يقتضيه النظام العسكري من خضوع رجال القوات الحربية لرؤسائهم وحدهم أثناء فترة العمل أو في المناطق المخصصة لهم، وكون تدخل السلطات الإقليمية مخلا بهذا النظام وغنى عن البيان أنه إذا رابطت القوات الحربية في إقليم دولة أجنبية دون رضاء منها، فلا محل لإعفاء يتمتع به أفرادها، إذ هم معتدون على السيادة الإقليمية لهذه الدولة.(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 142).
وفي تفصيل أكثر توجد مبادئ أربعة تحكم سريان النص الجنائي من حيث المكان:
أولهما: مبدأ إقليمية النص الجنائي ويعني هذا المبدأ أن القانون الجنائي الوطني يسري على كل المقيمين في إقليم الدولة، ولا يسري خارجه. وعليه فإن كل من يرتكب جريمة في إقليم الدولة يخضع لهذا القانون.
ثانيهما: وهو مبدأ شخصية النص، ومضمونه أن القانون الجنائي يطبق على كل من يحمل جنسية الدولة أياً كان مكان ارتكاب الجريمة.
ثالثهما: هو مبدأ عينية النص أو نوعية النص. ووفقاً لهذا المبدأ يطبق القانون الجنائي على كل من يرتكب جرائم معينة تمس المصالح الأساسية للدولة أيا كانت جنسية مرتكب هذه الجرائم وأيا ما كان مكان ارتكابها.
رابعهما: هو مبدأ عالمية النص، ويعني أن كل من يقبض عليه من إقليم الدولة يخضع لقانونها الجنائي أياً كانت جنسيته وأياً كان المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة.
والتشريع الجنائي المصري يأخذ بالمبدأ الأول وهو مبدأ إقليمية القانون الجنائي وان كانت ترد عليه بعض الاستثناءات التي تقوم على أساس مبدأ شخصية النص ومبدأ عينية النص أما مبدأ عالمية النص فلا يأخذ به حتى الآن القانون المصري.
أي أن الأصل العام في التشريع الجنائي المصري هو إقليمية القوانين الجنائية بمعنى أن التشريع الجنائي المصري يبسط سلطانه على كافة الجرائم التي تقع داخل الجمهورية أياً كانت جنسية المجني عليه وقد نصت على هذا الأصل العام المادة الأولى من قانون العقوبات التي نحن بصددها ويقتضي ذلك التعرض لتحديد ما هو المقصود بإقليم الدولة.
تحديد إقليم الدولة:
يقصد بإقليم الدولة المجال الأرضي والبحري والجوي الذي يمتد إليه سلطان الدولة وتمارس فيه سيادتها سواء أكان هذا المجال متصلاً - أي تحيط به الحدود الفاصلة بين الدولة والدول المتاخمة لها أو البحر أو كان منفصلاً عن نطاق الدولة الرئيسي أي تحوط حدود دولة أو دول أخرى أو بحر.
فعناصر الإقليم ثلاثة - الأرض والبحر والجو
فالعنصر الأول: هو المجال الأرضي فهو المقصود بداءةً بالإقليم ويعني ذلك الجزء من اليابسة الذي تختص به الدولة وتباشر عليه سيادتها. وهو يشمل الأرض والطبقات السفلى حتى مالاً نهاية في العمق وما يتبع الأرض من مرتفعات كالجبال والهضاب وما تحويه من مياه البحيرات والأنهار وما بها من جزر.
والعنصر الثاني: هو المجال البحري أو المياه الساحلية وهو ذلك الشريط من المياه الذي يلاصق سواحل الدولة وتمارس فيه الدولة جميع أعمال السيادة ويطلق على هذا الجزء من البحر وصف البحر الإقليمي محل خلاف في القانون الدولي العام وقد حددته مصر عام 1958 باثني عشر ميلاً.
والعنصر الثالث: هو المجال الجوي أي طبقات الفضاء التي تمتد إليها سيادة الدولة وتعلو مجالها الأرضي وبحرها الإقليمي وجزرها. والفقه الدولي غير مستقر على تحديد مدى هذا الفضاء. والرأي السائد والمعمول به هو الاعتراف بسيادة الدولة على كافة طبقات الهواء إلى مالا نهاية حماية لأمنها مع تقرير حق المجتمع الدولي في استعمال هذا الفضاء بما يحقق الصالح المشترك للدول.
وتعد السفن والطائرات جزءا من إقليم الدولة، وتخضع الجرائم المرتكبة فيها لقانونها الجنائي إذا كانت السفينة أو الطائرة موجودة في مياه الدولة الإقليمية أو محلقة في فضائها، كما أنها تعد جزءا من الإقليم إذا كانت السفينة موجودة في مياه الدولة الإقليمية أو كانت الطائرة محلقة في فضائها، كما أنها تعد جزءا من الإقليم إذا كانت السفينة في عرض البحر أو كانت الطائرة محلقة فوقه. ويثور التنازع بين القانون الوطني وبين القانون الأجنبي إذا ارتكبت الجريمة والسفينة في المياه الإقليمية للدولة الأجنبية أو عندما تكون الطائرة محلقة فوق الدولة الأجنبية. وفي هذا الصدد يفرق بين السفن والطائرات الحربية وغير الحربية. فإذا كانت حربية فان الجريمة التي ترتكب فيها تعتبر في جميع الأحوال وكأنها مرتكبة في إقليم الدولة التي تنتمي إليها السفينة أو الطائرة. لأن هذه السفن والطائرات تمثل سيادة الدولة وتعد جزءاً من أراضيها حيثما وجدت. أما إذا كانت السفينة غير حربية فقد استقر العرف الدولي على خضوع الجريمة لقانون البلد الذي تتبعه السفينة، إلا في حالات ثلاث هي:
1) إذا تعدت الجريمة حدود السفينة كأن تقع من أو على شخص غير ركابها وبحارتها.
2) إذا كان من شأن الجريمة الإخلال بالأمن في الميناء.
3) إذا طلبت السفينة المعونة من سلطات الدولة التي يتبعها البحر الإقليمي.
وتطبق أغلب الدول هذه القواعد العرفية فيما عدا الدول ألانجلوسكسونية التي تری خضوع الجريمة المرتكبة على السفينة أثناء وجودها في المياه الإقليمية لدولة أجنبية لقانون هذه الدولة. وفي مصر نص القانون رقم 132 لسنة 1939 على سريان القانون المصري على الجنايات والجنح التي ترتكب على ظهر السفينة التي ترفع العلم المصري، سواء كانت في عرض البحر أو في البحر الإقليمي لدولة أجنبية. وبالنسبة للطائرات فلم ينشأ بعد عرف مستقر ينظم هذه المسألة.
وهناك رأى في الفقه يرى أن الطائرات الخاصة (الغير حربية تخضع في تحديد الاختصاص المكاني) عما يقع عليها من جرائم أثناء تحليقها لأحكام مماثلة للسفن.
ويلاحظ أخيراً أن الجهات المحتلة عسكرياً من إقليم الدولة بسبب الحرب تعتبر مع ذلك جزءاً منه استثناء يرد على مبدأ إقليمية النص الجنائي حالة عدم سريان القانون الجنائي على بعض الأشخاص.
ويفيد مبدأ الإقليمية خضوع كل من يرتكب جريمة في إقليم الدولة لقانونها تحقيقا للمساواة. غير أن هناك اعتبارات هامة تتصل بمصلحة الدولة، وبما استقر عليه العرف أو القانون الدولي، تقتضي عدم تطبيق أحكام القانون الجنائي على بعض الأشخاص وهؤلاء الأشخاص هم:
1- أعضاء مجلس الشعب:
تنص المادة (98) من الدستور على أنه: "لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم في المجلس أو في لجانه وهذه الحصانة المقررة لمجلس الشعب قصد بها تمكينهم من أداء أعمالهم، لأنه قد يترتب عليها توجيههم النقد لبعض الأفراد أو الهيئات نقداً قد يتضمن جرائم قولية أو كتابية كالقذف أو السب.
ويشترط لعدم سريان القانون الجنائي على هذه الجرائم أن ترتكب أثناء تأدية العضو لعملة سواء في جلسات المجلس أو في اللجان التابعة له، وأن تكون لازمه لأداء العمل وهذه الحالة تختلف عن الحصانة البرلمانية المقررة في المادة (99) من الدستور والتي تحظر اتخاذ إجراءات جنائية أو الاستمرار فيها أثناء دورة انعقاد المجلس نحو أي عضو من أعضائه ولا القبض عليه إلا بإذن المجلس. فهذه المادة لا تعني عدم سريان القانون الجنائي على عضو مجلس الشعب ولكنها تتطلب فقط ضرورة الحصول على إذن المجلس قبل اتخاذ إجراءات قبله.
كما تتبع إجراءات خاصة بشأن الوزراء إذا وقعت من أحدهم جريمة أثناء تأدية أعمال وظيفته أو بسببها فتنص المادة (159) من الدستور على أن: الرئيس الجمهورية ولمجلس الشعب حق إحالة الوزير إلى المحاكمة عما يقع منه من جرائم أثناء تأدية أعمال وظيفته أو بسببها ويكون قرار مجلس الشعب باتهام الوزير بناءاً على اقتراح يقدم من "خمس أعضائه على الأقل ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية أعضاء المجلس". وهذه المادة لا تفيد أيضاً عدم سريان القانون الجنائي على الوزراء ولكنها تشترط إتباع إجراءات معينة حيالهم. أما الجرائم التي لا تتصل بأعمال وظائفهم فتطبق عليهم نفس الإجراءات التي تتبع مع سائر الأشخاص.
2- رؤساء الدول الأجنبية:
جرى العرف الدولي على إضفاء حصانة عامة لرؤساء الدول الأجنبية تشمل كل فعل يصدر عنهم وتمتد الحصانة إلى أفراد أسرهم وحاشيتهم، بلا تفرقة بين ما إذا كان رئيس الدولة الأجنبية ملكاً أو رئيس جمهورية وسواء أكانت الجريمة المرتكبة تتعلق بأعماله الرسمية أو لا صلة لها بهذه الأعمال.
ويستوي في ذلك أن يكون قدومه للدولة بصفة رسمية أو في زيارة خاصة ، مادام قد أخطر الدولة التي يقيم فيها بوجوده، وعلة هذه الحصانة أن رئيس الدولة الأجنبية يعد رمزاً لدولته وممثلاً لسيادتها ولا يجوز إخضاعه للسيادة الإقليمية التي يمثلها رئيس الدولة الموجود فيها.
3- أعضاء البعثات الدبلوماسية :
استقر العرف الدولي على إضفاء حصانة كاملة على أعضاء البعثات الدبلوماسية . وقد قننت اتفاقية فيينا المبرمة في 18 إبريل سنة 1961 والتي صدقت عليها مصر في 9 يونيو 1964 هذا العرف. وجاء في مقدمة هذه الاتفاقية أن الغرض من الحصانة ليس هو تميز بعض الأشخاص وإنما هو ضمان قيام أعضاء البعثات الدبلوماسية بمهامهم على نحو فعال وبدون معوقات. وتتمثل الحصانة في منع اتخاذ الإجراءات القانونية ضد عضو البعثة الدبلوماسية، ومنع إقامة الدعوى الجنائية عليه كما تشمل حرمة داره ومكتبه وأوراقه الرسمية. وتعفى حقائب المبعوث السياسي من التفتيش الجمركي إلا إذا وجدت أسباب قوية تدعو إلى الاعتقاد بوجود أشياء فيها لا يسري عليها الإعفاء أو محظور تصديرها أو استيرادها أو مما يخضع للحجر الصحي وفقاً لقوانين الدولة، وفي هذه الحالات يجري التفتيش بحضور المبعوث أو من يمثله. وهذه الحصانة عامة، تشمل كل أفعالهم، سواء تعلقت بالعمل الدبلوماسي أو لم تكن متعلقة به وتمتد إلى كل الموظفين على اختلاف ألقابهم ودرجاتهم، كما تشمل زوجاتهم وأولادهم، كما تسری على الموظفين الفنيين والإداريين الملحقين بالبعثة. إلا إذا كانوا من رعايا الدولة التي يعملون بها.
وللدولة التي يتبعها الممثل الدبلوماسي أن تتنازل صراحة عن هذه الحصانة ، ولا يملك الممثل الدبلوماسي التنازل عنها، ولرئيس البعثة الدبلوماسية أن يتنازل باسم بلاده عن حصانة أعضاء البعثة وعائلاتهم.
ولا تخول هذه الحصانة لأعضاء البعثات الدبلوماسية حق مخالفة قوانين الدولة الأجنبية التي يعملون بها ، ويكون لسلطات هذه الدولة حق التدخل لمنع أية جريمة يحاول أحد الممثلين الدبلوماسيين ارتكابها، كما أن من حق الدولة أن تطلب من الدولة التي ينتمي إليها الممثل الدبلوماسي سحبه على أساس أنه أصبح شخصاً غير مرغوب فيه، وعلى دولته أن تستجيب فإذا رفضت جاز للدولة التي يعمل بها أن ترفض اعتباره متمتعاً بالصفة الدبلوماسية. ويجوز بالتالي إخضاعه لإجراءات التحقيق والمحاكمة.
4- الموظفون القنصليون:
يتمتع الموظفون القنصليون بحصانة محددة تقتصر على ما يقومون به من أعمال تتعلق بوظائفهم، وخارج هذا النطاق يمكن مساءلتهم عن أية جريمة يرتكبونها في الدولة التي يقيمون بها. أما إذا كانت الأعمال القنصلية يؤديها عضو في البعثة الدبلوماسية لدولته فإنه يتمتع بالحصانة العامة التي يتمتع بها أعضاء البعثات الدبلوماسية.
5- قوات الطوارئ الدولية:
تقوم الأمم المتحدة بإرسال قوات مسلحة ينتمي أفرادها لدول مختلفة ولكنهم يعملون باسم الأمم المتحدة وتحت علمها، وذلك لمراقبة قرارات وقف إطلاق النار التي تصدرها في المناطق التي يوجد فيها نزاع يهدد الأمن والسلام الدوليين.
وتبرم الأمم المتحدة اتفاقات مع الدول التي توجد فيها هذه القوات تحدد القواعد التي تتبع في شأنها وقد أبرمت اتفاقا مع مصر في 8 فبراير سنة 1957 بمقتضاه يحاكم أفراد هذه القوات عما يرتكبونه من جنايات وجنح أمام محاكم دولهم، وإذا وقعت الجريمة في المكان المحدد لعمله فلا يجوز اتخاذ إجراءات قبله، أما إذا وقعت خارج مكان العمل فإن للسلطات المصرية أن تقبض عليه وتسلمه بغیر تأخير إلى أقرب مركز لرئاسة القوة.
6- ممثلو وموظفو الهيئات الدولية:
وهم موظفو الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والهيئات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة ، وهيئة العمل الدولية، واليونسكو، ومنظمة الصحة العالمية. ويتمتع السكرتير العام للأمم المتحدة ومساعدوه وممثله الشخصي وأعضاء محكمة العدل الدولية بالحصانة العامة المقررة لأعضاء البعثات الدبلوماسية. أما باقي الموظفين فإنهم يتمتعون بالحصانة المقررة للموظفين القنصليين أي أنها حصانه وظيفية فقط.
7- موظفو جامعة الدول العربية:
تعد جامعة الدول العربية من المنظمات الإقليمية، وقد أبرمت دول الجامعة اتفاقا في عام 1953 بمقتضى هذا الاتفاق يكون لممثلي الدول الأعضاء والأمين العام للجامعة ومساعديه وكبار موظفي الجامعة حصانه عامة على غرار الحصانة المقررة للدبلوماسيين، أما غيرهم من الموظفين فلهم حصانه وظيفية فقط، وللأمين العام أن يرفع هذه الحصانة عنهم.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة: 27 )
وعلى ذلك فإن شروط تطبيق معيار الإقليمية يقتضي بيان
أولاً : حدود النطاق الإقليمي للدولة.
ثانياً : وقوع الجريمة داخل إقليم الدولة.
1- النطاق الإقليمي للدولة :
يشمل إقليم الدولة الأرض الإقليمية والمياه الإقليمية والفضاء الإقليمي والسفن والطائرات المصرية.
والإقليم الأرضي يشمل الجزء من الأرض الذي تعينه الدولة كحدود سياسية لها وتمارس فيه سيادتها.
والمياه الإقليمية هي عبارة عن الجزء من البحر المتصل بحدود الدولة الأرضية والذي تحدده الدولة كجزء من إقليمها لكي تستطيع تحقيق أغراضها الدفاعية والاقتصادية. وإذا كان العرف الدولي قد جرى على تحديده بثلاثة أميال بحرية، إلا أن كل دولة جرت على استقلالها بتحديده. وقد حدده التشريع المصري باثني عشر ميلاً.
أما الفضاء الإقليمي فهو يشمل كل ما يعلو الإقليم الأرضي والمياه الإقليمية من فضاء وعلى ذلك فجميع الجرائم التي تقع داخل إقليم الدولة بعناصره الثلاث تخضع للقانون المصري بالتطبيق لمبدأ الإقليمية.
كذلك يعتبر في حكم الإقليم المصري السفن والطائرات التي تحمل الجنسية المصرية أينما وجدت وذلك بالنسبة للجنايات والجنح التي تقع داخلها حتى ولو كانت تلك السفن والطائرات في المحيط الإقليمي لدولة أخرى .
2-وقوع الجريمة داخل الإقليم المصري:
يقوم مبدأ الإقليمية على أساس أن ارتكاب الجريمة داخل النطاق الإقليمي بالمخالفة للقواعد الجنائية المنصوص عليها يعتبر اعتداء على سيادة الدولة وسلطان النص الجنائي داخل الحدود الإقليمية. ولذلك يطبق قانون العقوبات المصري بغض النظر عن جنسية مرتكب الجريمة أو مكان وجوده وقت ارتكابها ولكن ما معنى ارتكاب الجريمة ؟ وكيف يتم تحديد مكان ارتكابها ؟
يقصد بارتكاب الجريمة تحقيق الواقعة الإجرامية المنهي عنها بالقاعدة التجريمية. ولا يلزم أن يكون الشخص قد حقق الواقعة بمفردة، بل يكفي أن يكون قد ساهم في ارتكابها ولو بوصف الشريك.
أما مكان ارتكاب الجريمة فقط اختلفت الآراء بصدده. وإن كان يمكن ردها إلى أربع نظريات: الأولى: تعتد بالمكان الذي وقع في السلوك المادي، والثانية: تأخذ في الاعتبار المكان الذي تحققت فيه النتيجة.
والثالثة: تعتد بالسلوك والنتيجة معاً،
والرابعة : تعتد بالجزء الجوهري من نشاط الجاني فتعتبر المكان الذي تحقق فيه ذلك الجزء من النشاط هو مكان ارتكاب الجريمة.
وقد حسم المشرع المصري الخلاف بين النظريات المتعددة واعتبر مكان ارتكاب الجريمة هو مصر، في تطبيق مبدأ الإقليمية، إذا وقعت الجريمة كلها أو بعضها في إقليمها فيكفي أن يتحقق جزء من السلوك أو جزء من النتيجة في مصر حتى يتوافر الشرط الخاص بارتكاب الجريمة داخل النطاق الإقليمي للدولة. فمثلا في الجرائم المستمرة والجرائم المتتابعة الأفعال يكفي أن يتحقق جزء من حالة الاستمرار أو فقرة من فقرات التتابع في مصر حتى يطبق القانون المصري على الواقعة الإجرامية بأكملها كذلك الحال بالنسبة للمجني عليه. في جريمة قتل بالسم ارتكب فعلها المادي بالخارج إذا تواجد في الإقليم المصري لفترة أعمل السم فيها بعض آثاره. ثم حدثت النتيجة بعد مغادرته إقليم الدولة، فإن الجريمة تعتبر قد ارتكبت في جزء منها داخل الإقليم المصري، وبالتالي تخضع لأحكام هذا القانون.
غير أنه ينبغي ملاحظة أن المقصود بارتكاب الجريمة كلها أو بعضها في مصر لا ينصرف إلا إلى الأجزاء من الجريمة الداخلة في الركن المادي المكون لها أو الأفعال التي وإن لم يدخل في الركن المادي إلا أنها تعتبر في نظر القانون مشروعة في الجريمة معاقباً عليه. وعلى ذلك فيخرج من هذا النطاق الأعمال التحضيرية التي ترتكب في مصر الجريمة تقع في الخارج وكذلك أفعال التحريض والاتفاق والمساعدة التي تقع في مصر وتتعلق بجريمة ترتكب خارج القطر ذلك أن الأعمال التحضيرية للجريمة وأفعال الاشتراك تستمد تجريمها من ارتكاب الجريمة أو الشروع فيها، وطالما أن شيئا من ذلك لم يحدث في مصر فإنه لا يدخل في نطاق القانون المصري الإقليمي أفعال الاشتراك والأعمال التحضيرية لجرائم تقع في الخارج. أما الغرض العكسي وهو ارتكاب أفعال الاشتراك أو المساهمة خارج القطر وكانت متعلقة بجريمة وقعت كلها أو بعضها في مصر فإن القانون المصري يختص بالواقعة بالتطبيق لمبدأ الإقليمية.(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 80)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 23 ـ 24 .
الفصل الأول
مبادئ عامة
(مادة 1)
الجرائم نوعان: حدية وتعزيرية.
والجرائم الحدية هي الجرائم الموجبة لعقوبة مقدرة شرعاً على النحو المبين في هذا
القانون، وما عدا ذلك من جرائم فهي تعزيرية.
(مادة 2)
لا جريمة تعزيرية إلا بناء على قانون.
الفصل الثاني
نطاق تطبيق القانون
(مادة 3)
تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في إقليم جمهورية مصر العربية جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، ويشمل هذا الإقليم المجال الأرضي والمائي والجوي للجمهورية وفقاً لما تحدده نصوص القانون، وتعتبر الجريمة مرتكبة في مصر إذا وقعت على ظهر سفينة أو طائرة ترفع العلم المصري في أي مكان وجدت .
نطاق تطبيق القانون
المواد من (3) - (8)):
أخذت المادة الثالثة بمبدأ الإقليمية، فنصت على أن يسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في إقليم جمهورية مصر العربية جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، ويشمل هذا الإقليم المجال الأرضي والمائي والجوي للجمهورية وفقاً لما تحدده نصوص القانون، وقد أخذ المشروع بمبدأ الامتداد الحكمي لإقليم الدولة ليشمل السفينة التي تحمل علم الدولة والطائرة التي تحمل جنسيتها، وهو ما يتفق ومفهوم الإقليم بالمعنى المتعارف عليه في القانون الدولي، وليس في ذلك ما يتعارض مع أصل إسلامي.
ونصت المادة الرابعة على معيار تحديد مكان وقوع الجريمة، فهل العبرة بمكان النشاط الإجرامي (إطلاق العيار الناري مثلاً)؟ أم العبرة بمكان النتيجة المترتبة على هذا النشاط الوفاة في جريمة القتل مثلاً)؟.
ولقد اختلف الفقهاء المسلمون في هذا الشأن، فمنهم من قال بأن العبرة هي بمكان النشاط. ومنهم قال بأن العبرة هي بمكان النتيجة والراجح هو إعطاء النشاط والنتيجة ذات الأهمية القانونية.
وقد خرج المشروع عن مبدأ الإقليمية في المادتين الخامسة والسادسة؛ لعلة خاصة بكل منهما.
ففي المادة الخامسة نص على سريان أحكام هذا القانون على كل من يرتكب خارج مصر جريمة من الجرائم التي حددتها هذه المادة وكلها من الجنايات؛ وذلك لعلة واضحة هي حماية المصالح الجوهرية للبلاد من العدوان عليها ولو بالخارج، سواء كان المعتدي مصريا أو غير مصري، وهذا الخروج على مبدأ الإقليمية في شأن هذه الجرائم لا يتعارض مع أصل إسلامي، ويمكن إسناده إلى المصلحة العامة التي تعد من مصادر الشرع الإسلامي، ولا شك في قيام المصلحة العامة المؤكدة في ملاحقة هذه الجرائم الخطيرة، حتى ولو وقعت خارج البلاد؛ لأنها تمس كيان البلاد أو مصالحها الجوهرية.
وفي المادة السادسة نص على سريان أحكام هذا القانون أيضاً على كل مصري يرتكب في بلد إسلامي جريمة، أو يرتكب خارج مصر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة وفقاً لهذا القانون، وذلك إذا عاد إلى مصر وكان الفعل معاقباً عليه وفقاً لقانون البلد الذي ارتكب فيه والعلة وراء معاقبة المصري الذي يرتكب جريمة حدية في بلد إسلامي آخر - هو أن هذه الجريمة لا بد أن يكون معاقباً عليها في كل دولة إسلامية، فالنصوص الشرعية الخاصة بالجرائم الحدية تسري على جميع الدول الإسلامية، فهي تتسم بالإقليمية الإسلامية التي لا تميز بين دولة إسلامية وأخرى، لا فرق في ذلك بين مسلم، وغير مسلم وقد ثار الخلاف بشأن تحريم الخمر على غير المسلم في الدولة الإسلامية، فذهب الشافعي إلى أن التحريم يسري على غير المسلم بناء على قاعدة: (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)، ولأن حدود الله - ومنها حد الشرب - هي من النظام العام في المجتمع الإسلامي. أما أبو حنيفة فقد فرق بين المسلم وغير المسلم، فأباح لغير المسلم أن يشرب الخمر؛ لأن هذا الشرب ليس جريمة عند الذميين ويرى الجمهور الأخذ برأي الشافعي، وهذا هو ما أخذ به المشروع، فغير المسلم عضو في المجتمع الإسلامي؛ فيجب أن يخضع لنظامه العام، وفضلاً عن ذلك فإن الغالب أن المسيحية تحرم السكر، كما أن الامتناع عن شرب الخمر يتفق مع ما هو مطلوب من الارتفاع بالمجتمع بكل مواطنيه ورعايتهم باعتبارهم أعضاء في مجتمع واحد.
أما العلة من وراء معاقبة المصري الذي يرتكب خارج مصر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة وفقاً لهذا القانون - فهو إلزام المواطنين المصريين بأن ينتهجوا في الخارج السلوك القويم وفقاً لما يتطلبه قانونهم المصري.
وقد نصت المادة السابعة من المشروع على القيود الإجرائية التي ترد على الجناية في حالتي ارتكاب الجريمة في الخارج، وفقا لما هو منصوص عليه في المادتين الخامسة والسادسة من المشروع.
ونصت المادة الثامنة على مبدأ عدم رجعية قانون العقوبات بالنسبة إلى الجرائم التعزيرية عدا القانون الأصلح للمتهم، ما لم يكن هذا القانون مؤقتاً بمدة معينة أو بحالة الطوارئ، وهذا المبدأ له أصوله الشرعية، فمن المقرر في الشريعة الإسلامية أنه في العقوبات التعزيرية التي يرى ولي الأمر فرضها إصلاحاً للناس - أن العقوبات تقرر من وقت ثبوتها وقد ذكر المواردي أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه نهى الرجال أن يطوفوا مع النساء حول الكعبة فرأى رجلاً يطوف مع النساء فضربه بالدرة، فقال الرجل: والله إن کنت أحسنت فقد ظلمتني، وإن كنت أسأت فيا علمتني فقال عمر: أما شهدت عزمتي ألا يطوف الرجال مع النساء؟ فقال: ما شهدت لك عزمة. فألقى إليه الدرة، وقال له: اقتص.
ويلاحظ أن هناك العديد من الآيات القرآنية تحمل مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، مثل قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) [الإسراء: 15)، أو قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ) [القصص، آية: 59]، وقوله تعالى : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف، آية: 6]. وهذه الآيات وأمثالها تؤكد أن التجريم لا يكون إلا بعد الإعلام والإنذار وهو جوهر مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ويقول الفقهاء: (العقوبات موانع قبل الفعل وزواجر بعده). كما ورد في الأحكام السلطانية للماوردي أنه يجب أن يقدم الإنكار ولا يعجل بالتعذيب قبل الإنذار؛ حتى لا يحتج بعدم وروده من قبل وكل هذه النصوص أصل لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي نصت عليه المادة الثانية من مشروع هذا القانون و غني عن البيان أنه لا محل الإيراد نص خاص بالحدود بالنسبة إلى تطبيقها من حيث الزمان؛ لأن الحدود مقدرة شرعا على النحو المبين في هذا القانون، وتسري منذ العمل به.