loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

تنص المادة الثامنة من قانون العقوبات على أن "تراعى أحكام الكتاب الأول من هذا القانون فى الجرائم المنصوص عليها فى القوانين واللوائح الخصوصية إلا إذا وجد فيها نص يخالف ذلك"، كما جرى نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1961 فى شأن مكافحة الدعارة فى الجمهورية العربية المتحدة بأن "كل من حرض ذكراً لم يتم الحادية والعشرين سنة ميلادية أو أنثى أياً كان سنها على مغادرة الجمهورية العربية المتحدة أو سهل ذلك أو استخدمه أو صحبه معه خارجها للاشتغال بالفجور أو الدعارة وكل من ساعد على ذلك مع علمه به يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة من مائة جنيه إلى خمسمائة جنيه.." لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعنة اتفاقها فى الخارج مع المحكوم عليهم الأول والرابع والخامسة على تحريض بعض الفتيات المصريات على مغادرة البلاد وتسهيل سفرهن للاشتغال بالدعارة تحت ستار العمل بالملاهي الليلية التي تمتلكها الطاعنة فى منروفيا بدولة ليبريا وقد مارستها بالفعل، وأن عناصر تلك الجرائم قد توافرت فى إقليم الدولة المصرية، وأورد الحكم من الاعتبارات السائغة ما يبرر بها قضاءه بما ينم عن فهم سليم للواقع فإن النعي على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون يكون على غير أساس.

(الطعن رقم 1239 لسنة 43 ق - جلسة 1974/02/23 س 25 ع 1 ص 169 ق 38)

 

شرح خبراء القانون

المستفاد من هذا النص أن المبادئ الأساسية والنظريات العامة الواردة في القسم العام من قانون العقوبات تسري على الجرائم التي تسري عليها القوانين الخاصة ما لم ترد قواعد خاصة تحكمها في القانون الخاص بها، ومن هذا القبيل ما قد تنص عليه القوانين العقابية الخاصة من أحكام القوانين الاقتصادية أو الضريبية وقانون الري والصرف الخ ومن ثم فإنه إذا ورد في قانون غير قانون العقوبات أو لائحة حكم خاص بالشروع أو الاشتراك أو العود أو إيقاف التنفيذ فيه مخالفة للقواعد العامة الواردة في الكتاب الأول من قانون العقوبات فإنه يجب اتباع تلك النصوص الخاصة. (موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار/ مصطفى مجدي هرجه ، المجلد / الأول ، دار محمود  الصفحة / 125).

يستخلص من نص المادة الثامنة من قانون العقوبات والتي نحن بصددها - أن المبادئ الأساسية والنظريات العامة الواردة في القسم العام من قانون العقوبات تسري على الجرائم التي تسري القوانين الخاصة عليها ما لم ترد قواعد خاصة تحكمها في القانون الخاص بها.

ومن هذا القبيل ما قد تنص عليه القوانين العقابية الخاصة من أحكام القوانين الاقتصادية أو الضريبية وقانون الري والصرف ... الخ. ومن ثم إذا ورد في قانون غير قانون العقوبات أو لائحة حكم خاص بالشروع أو الاشتراك أو العود فيه مخالفة للقواعد العامة الواردة في الكتاب الأول من قانون العقوبات فإنه يجب إتباع تلك النصوص الخاصة.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول،  الصفحة: 157)

الفقة الإسلامي

(المادتان (1)، (2)): 

عن في المادة الأولى بالنص على أن الجرائم نوعان: حدية، وتعزيرية. والجرائم الحدية هي الجرائم الموجبة لعقوبة مقدرة شرعاً على النحو المبين في هذا القانون، وما عدا ذلك من جرائم فهي تعزيرية. 

والجريمة الحدية - في نظر المشروع - هي الجريمة التي تكون عقوبتها حداً ، أي أن تكون عقوبتها مقدرة من الشارع الإسلامي بنص من القرآن الكريم، أو السنة الصحيحة، ويستوي في هذا الشأن أن تكون الجريمة اعتداء على حق الله تعالى، سواء كان حقاً خالصاً أو غالباً لله، وذلك كما في جرائم السرقة، والحرابة، والزنا، والشرب، والردة، أو على حق غالب للعبد بجوار حق الله تعالى، وذلك في جريمة القصاص فيما دون النفس. 

فالمشروع نظر في تعريف الجرائم الحدية إلى معنى تقدير العقوبة، فما دام العقاب مقدراً من الشارع الإسلامي بحد واحد، فهو حد سواء أكان يقبل العفو من المجني عليه أم لا يقبل العفو؛ لأن قبول العفو - كما في القصاص - وعدم قبوله - كما في حد الزنا - لا يخل بكون العقوبة ذاتها قدرها الشارع ووضع حدها، والمقصود بحق الله تعالى الحق الأساسي للمجتمع الذي يتوقف عليه حماية المجتمع الإسلامي من عوامل الانحلال، التي تترتب على ارتكاب أفعال معينة أو شيوعها داخل المجتمع. 

وقد نصت المادة الثانية على أنه لا جريمة تعزيرية إلا بناء على قانون، وبهذا النص أكد المشروع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في جرائم التعزير، وهو مبدأ دستوري نصت عليه المادة (66) من الدستور. 

أما في الجرائم الحدية فإن هذه الجرائم والعقوبات قد وضعت في القرآن الكريم أو السنة النبوية، وهو ما يعني أن النص المنشئ للجريمة وعقوبتها قائم، حتى قبل صدور هذا القانون الذي يبين شروط التطبيق على النحو الوارد في القانون . 

ويمكن أن نرد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إلى أصول الشريعة الإسلامية، وذلك بناء على آيات عديدة في القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولً) [الإسراء: 15]، وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) [القصص: 59]، وقوله تعالى 🙁 وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ (208) ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ) [الشعراء: 08، 209]، وهذه الآيات تجعل التعريف والإنذار شرطاً للعقاب عند المخالفة، وهو جوهر مبدأ الشرعية. 

نطاق تطبيق القانون 

المواد من (3) - (8)): 

أخذت المادة الثالثة بمبدأ الإقليمية، فنصت على أن يسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في إقليم جمهورية مصر العربية جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، ويشمل هذا الإقليم المجال الأرضي والمائي والجوي للجمهورية وفقاً لما تحدده نصوص القانون، وقد أخذ المشروع بمبدأ الامتداد الحكمي لإقليم الدولة ليشمل السفينة التي تحمل علم الدولة والطائرة التي تحمل جنسيتها، وهو ما يتفق ومفهوم الإقليم بالمعنى المتعارف عليه في القانون الدولي، وليس في ذلك ما يتعارض مع أصل إسلامي. 

ونصت المادة الرابعة على معيار تحديد مكان وقوع الجريمة، فهل العبرة بمكان النشاط الإجرامي (إطلاق العيار الناري مثلاً)؟ أم العبرة بمكان النتيجة المترتبة على هذا النشاط الوفاة في جريمة القتل مثلاً)؟. 

ولقد اختلف الفقهاء المسلمون في هذا الشأن، فمنهم من قال بأن العبرة هي بمكان النشاط. ومنهم قال بأن العبرة هي بمكان النتيجة والراجح هو إعطاء النشاط والنتيجة ذات الأهمية القانونية. 

وقد خرج المشروع عن مبدأ الإقليمية في المادتين الخامسة والسادسة؛ لعلة خاصة بكل منهما. 

ففي المادة الخامسة نص على سريان أحكام هذا القانون على كل من يرتكب خارج مصر جريمة من الجرائم التي حددتها هذه المادة وكلها من الجنايات؛ وذلك لعلة واضحة هي حماية المصالح الجوهرية للبلاد من العدوان عليها ولو بالخارج، سواء كان المعتدي مصريا أو غير مصري، وهذا الخروج على مبدأ الإقليمية في شأن هذه الجرائم لا يتعارض مع أصل إسلامي، ويمكن إسناده إلى المصلحة العامة التي تعد من مصادر الشرع الإسلامي، ولا شك في قيام المصلحة العامة المؤكدة في ملاحقة هذه الجرائم الخطيرة، حتى ولو وقعت خارج البلاد؛ لأنها تمس كيان البلاد أو مصالحها الجوهرية. 

وفي المادة السادسة نص على سريان أحكام هذا القانون أيضاً على كل مصري يرتكب في بلد إسلامي جريمة، أو يرتكب خارج مصر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة وفقاً لهذا القانون، وذلك إذا عاد إلى مصر وكان الفعل معاقباً عليه وفقاً لقانون البلد الذي ارتكب فيه والعلة وراء معاقبة المصري الذي يرتكب جريمة حدية في بلد إسلامي آخر - هو أن هذه الجريمة لا بد أن يكون معاقباً عليها في كل دولة إسلامية، فالنصوص الشرعية الخاصة بالجرائم الحدية تسري على جميع الدول الإسلامية، فهي تتسم بالإقليمية الإسلامية التي لا تميز بين دولة إسلامية وأخرى، لا فرق في ذلك بين مسلم، وغير مسلم وقد ثار الخلاف بشأن تحريم الخمر على غير المسلم في الدولة الإسلامية، فذهب الشافعي إلى أن التحريم يسري على غير المسلم بناء على قاعدة: (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)، ولأن حدود الله - ومنها حد الشرب - هي من النظام العام في المجتمع الإسلامي. أما أبو حنيفة فقد فرق بين المسلم وغير المسلم، فأباح لغير المسلم أن يشرب الخمر؛ لأن هذا الشرب ليس جريمة عند الذميين ويرى الجمهور الأخذ برأي الشافعي، وهذا هو ما أخذ به المشروع، فغير المسلم عضو في المجتمع الإسلامي؛ فيجب أن يخضع لنظامه العام، وفضلاً عن ذلك فإن الغالب أن المسيحية تحرم السكر، كما أن الامتناع عن شرب الخمر يتفق مع ما هو مطلوب من الارتفاع بالمجتمع بكل مواطنيه ورعايتهم باعتبارهم أعضاء في مجتمع واحد. 

أما العلة من وراء معاقبة المصري الذي يرتكب خارج مصر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة وفقاً لهذا القانون - فهو إلزام المواطنين المصريين بأن ينتهجوا في الخارج السلوك القويم وفقاً لما يتطلبه قانونهم المصري. 

وقد نصت المادة السابعة من المشروع على القيود الإجرائية التي ترد على الجناية في حالتي ارتكاب الجريمة في الخارج، وفقا لما هو منصوص عليه في المادتين الخامسة والسادسة من المشروع. 

ونصت المادة الثامنة على مبدأ عدم رجعية قانون العقوبات بالنسبة إلى الجرائم التعزيرية عدا القانون الأصلح للمتهم، ما لم يكن هذا القانون مؤقتاً بمدة معينة أو بحالة الطوارئ، وهذا المبدأ له أصوله الشرعية، فمن المقرر في الشريعة الإسلامية أنه في العقوبات التعزيرية التي يرى ولي الأمر فرضها إصلاحاً للناس - أن العقوبات تقرر من وقت ثبوتها وقد ذكر المواردي أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه نهى الرجال أن يطوفوا مع النساء حول الكعبة فرأى رجلاً يطوف مع النساء فضربه بالدرة، فقال الرجل: والله إن کنت أحسنت فقد ظلمتني، وإن كنت أسأت فيا علمتني فقال عمر: أما شهدت عزمتي ألا يطوف الرجال مع النساء؟ فقال: ما شهدت لك عزمة. فألقى إليه الدرة، وقال له: اقتص. 

ويلاحظ أن هناك العديد من الآيات القرآنية تحمل مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، مثل قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) [الإسراء: 15)، أو قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ) [القصص، آية: 59]، وقوله تعالى : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف، آية: 6]. وهذه الآيات وأمثالها تؤكد أن التجريم لا يكون إلا بعد الإعلام والإنذار وهو جوهر مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ويقول الفقهاء: (العقوبات موانع قبل الفعل وزواجر بعده). كما ورد في الأحكام السلطانية للماوردي أنه يجب أن يقدم الإنكار ولا يعجل بالتعذيب قبل الإنذار؛ حتى لا يحتج بعدم وروده من قبل وكل هذه النصوص أصل لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي نصت عليه المادة الثانية من مشروع هذا القانون و غني عن البيان أنه لا محل الإيراد نص خاص بالحدود بالنسبة إلى تطبيقها من حيث الزمان؛ لأن الحدود مقدرة شرعا على النحو المبين في هذا القانون، وتسري منذ العمل به.