مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الأول ، الصفحة : 317
مذكرة المشروع التمهيدي :
تنص المادة 57 على أنه لا يجوز مطلقاً تطبيق أحكام قانون أجنبي قررته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام أو الآداب وهذا الحكم انعقد عليه الإجماع وحذا المشروع في تقنينه حذو كثير من التشريعات الأجنبية في المادة 30 من قانون إصدار التقنين الألماني والمادة 37 من التشريع البولوني الصادر في سنة 1926 والمادة 21 من التقنين الإيطالي الجديد، وينبغي التنويه بأن إعمال فكرة النظام العام والآداب لترتيب الأثر الذي تقدمت الإشارة إليه فيما يتعلق باستبعاد تطبيق القوانين الأجنبية يختلف عن إعمال هذه الفكرة في نطاق روابط الالتزامات التي لا يدخل في تكوينها عنصر أجنبي.
1 ـ تنص المادة 28 من القانون المدنى على أنه " لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبى عينته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو للآداب فى مصر " . ومؤدى هذا النص - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - هو نهى القاضى عن تطبيق القانون الأجنبى كلما كانت أحكامه متعارضة مع الأسس الاجتماعية أو السياسة أو الاقتصادية أو الخلقية فى الدولة مما يتعلق بالمصالح الجوهرية للمجتمع .
(الطعن رقم 22 لسنة 34 جلسة 1967/11/07 س 18 ع 4 ص 1614 ق 243)
2 ـ المقرر أن الاعتراف بالأشخاص الاعتبارية وتقرير مساءلتها مدنياً عما يسند إليها من أعمال غير مشروعة يعتبر من الأصول العامة التى يقوم عليها النظام الاجتماعى والاقتصادى فى مصر وتعتبر بالتالى من المسائل المتعلقة بالنظام العام فى معنى المادة 28 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 4039 لسنة 74 جلسة 2005/05/08 س 56 ص 458 ق 80
3 ـ مناط إستبعاد أحكام القانون الأجنبى الواجب التطبيق - وفق المادة 28 من القانون المدنى - هو أن تكون هذه الأحكام مخالفة للنظام العام فى مصر أى متعارضة مع الأسس الإجتماعية أو السياسية أو الإقتصادية أو الخلقية فى الدولة مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع بما لا يكفى معه أن تتعارض مع نص قانونى آمر ، و كانت المادة 3/503 من قانون المرافعات بما إشترطته من وجوب بيان أسماء المحكمين فى مشارطة التحكيم أو فى إتفاق مستقل لا تتعلق بالنظام العام على النحو السالف بيانه فإن مخالفتها لا تنهض مبرراً لإستبعاد تطبيق القانون الأجنبى الواجب التطبيق .
(الطعن رقم 1259 لسنة 49 جلسة 1983/06/13 س 34 ع 2 ص 1416 ق 279)
4 ـ مناط إستبعاد أحكام القانون الأجنبى الواجب التطبيق وفق المادة 28 من القانون المدنى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو أن تكون هذه الأحكام مخالفة للنظام العام فى مصر أى متعارضة مع الأسس الإجتماعية أو السياسية أو الإقتصادية أو الخلقية فى الدولة مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع بما لا يكفى معه أن تتعارض مع نص قانونى آمر ، و إذ كانت المادة 3/503 مرافعات بما إشترطته من وجوب بيان أسماء المحكمين فى مشارطة التحكيم أو فى إتفاق مستقل لا تتعلق بالنظام العام على النحو السالف بيانه ، فإن مخالفتها لا تنهض مبررا لإستبعاد تطبيق القانون الأجنبى الواجب التطبيق .
(الطعن رقم 714 لسنة 47 جلسة 1982/04/26 س 33 ع 1 ص 442 ق 80)
5 ـ مفاد نص المادة 28 من القانون المدنى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو نهى القاضى عن تطبيق القانون الأجنبى متى كانت أحكامه متعارضة مع الأسس الإجتماعية أو السياسية أو الإقتصادية أو الخلقية فى الدولة مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع ، و من ثم فإن زواج مورث الطاعنين من المطعون عليها ، و هى إبنة خالته و أحقيتها فى أن ترث فى تركته ليس فيه مخالفة للنظام العام أو الآداب فى مصر ، بل تجيزه القوانين السارية فى البلاد .
(الطعن رقم 33 لسنة 37 جلسة 1972/04/12 س 23 ع 2 ص 698 ق 110)
6 ـ تقوم مسئولية المتبوع عن أعمال التابع الغير مشروعة - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - على أساس الخطأ المفترض من جانب المتبوع كتقصيره فى مراقبة من عهد إليهم بالعمل لديه وتوجيههم مما مؤداه إعتبار مسئولية المتبوع قائمة بناء على عمل غير مشرع ، ومقتضى المادة 3/217 من القانون المدنى هو عدم جواز الاتفاق سلفا على الإعفاء من المسئولية عن العمل غير المشروع . فإذا كان هدف المشرع فى تقرير مسئولية المتبوع عن أعمال التابع غير مشروعة هو سلامة العلاقات فى المجتمع مما يعد من الأصول العامة التى يقوم عليها النظام الاجتماعى والاقتصادى فى مصر ، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون إذ اعتبر القاعدة المقررة لمسئولية المتبوع عن أعمال التابع غير المشروعة من المسائل المتعلقة بالنظام العام فى معنى المادة 28 من القانون المدنى ورتب على ذلك استبعاد تطبيق القانون الفلسطينى الذى لا تعرف نصوصه هذه المسئولية وطبق أحكام القانون المصرى فى هذا الخصوص .
(الطعن رقم 22 لسنة 34 جلسة 1967/11/07 س 18 ع 4 ص 1614 ق 243)
7 ـ تنص المادة 28 من القانون المدنى على أنه " لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبى عينته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب فى مصر " و مؤدى ذلك نهى القاضى عن تطبيق القانون الأجنبى كلما كانت أحكامه متعارضة مع الأسس الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخلقية فى الدولة مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع . و إذ كان الاعتراف بالأشخاص الاعتبارية و تقرير مساءلتها مدنيا عما يسند إليها من أعمال غير مشروعة يعتبر من الأصول العامة التى يقوم عليها النظام الاجتماعى و الاقتصادى فى مصر و تعتبر بالتالى من المسائل المتعلقة بالنظام العام فى معنى المادة 28 المشار إليها فان الحكم المطعون فيه إذ استبعد القانون الإيرانى و طبق أحكام القانون المصرى لما تبينه من أن القانون الأول لا يجيز مساءلة الشخص الاعتبارى عن الفعل الضار فانه لا يكون مخالفاً للقانون ، و لا يقدح فى صحته ما جاء بالمذكرة الإيضاحية تعليقا عن قاعدة الاسناد المنصوص عليها فى المادة 21 من القانون المدنى من أن القانون الأجنبى يختص بالفصل فى أهلية المساءلة عن الفعل الضار ذلك أن القانون الأجنبى يمتنع تطبيقه عملاً بالمادة 28 مدنى كلما كان حكمه فى شأن المسئولية أو فى شأن شرط من شروطها مخالفاً للنظام العام .
(الطعن رقم 308 لسنة 29 جلسة 1964/06/25 س 15 ع 2 ص 868 ق 135)
8 ـ القواعد القانونية التى تعتبر من النظام العام هى قواعد يقصد بها إلى تحقيق مصلحةعامة سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى و تعلو على مصلحة الأفراد فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة و تحقيقها و لا يجوز لهم أن يناهضوها بإتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الإتفاقات لهم مصالح فردية ، لأن المصالح الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة .
(الطعن رقم 385 لسنة 44 جلسة 1980/04/24 س 31 ع 1 ص 1193 ق 230)
النظام العام والآداب :
النظام العام المنصوص عليه بالمادة 28 سالفة البيان، هو دفع يقصد منه استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي أرشدت عنه قاعدة الإسناد الواردة في قانون القاضي، ويندرج لفظ الآداب، الوارد بذات المادة في عموم عبارة «النظام العام، لكن قد يكون الأمر غير مخالف للنظام العام رغم اعتباره مخالفة للآداب وحينئذ يتعين استبعاد القانون الأجنبي لمخالفته للآداب، مثال ذلك التصرفات المتعلقة بإستغلال بيوت الدعارة عندما كان مصرح به في مصر، فإن هذه التصرفات تخضع لقانون الإرادة، فإن كان هذا القانون ينظم أحكامها، فإن القاضى المصرى لا يجد فيه ما يخالف النظام العام لأن القانون المصري كان لا يحظر هذا الاستغلال، ومع ذلك فإنه يستبعد تطبيق القانون الأجنبي لمخالفته للآداب. وبإلغاء دور الدعارة في مصر، فقد أصبح التصرف المتعلق باستغلالها مخالفة للنظام العام وللآداب.
وتختلف فكرة النظام العام من دولة لأخرى، فالمسألة التي تكون مخالفة للنظام العام في دولة في وقت معين قد لا تكون كذلك في دولة أخرى، فالطلاق يعتبر مخالفة للنظام العام في بعض الدول بينما لا يعتبر كذلك في دول أخرى، بل إن المسألة الواحدة قد تكون مخالفة للنظام العام في وقت معين في إحدى الدول بينما لا تكون كذلك في وقت آخر، فالطلاق كان مخالفة للنظام العام في فرنسا ثم أصبح جائزاً بعد ذلك، واستغلال البغاء كان جائزاً في مصر ثم أصبح بعد ذلك مخالفة للنظام العام.
ولذلك فإن العبرة بإعتبار المسألة متعلقة بالنظام العام أو غير متعلقة به تكون بالوقت الذي تأثر فيه المصلحة العامة بهذه المسألة، فإن كان ذلك متحققاً وقت رفع الدعوى، كان الدفع بالنظام العام مطروحة على المحكمة، أما إن كان غير متحقق في ذلك الوقت، كان القانون الأجنبي الذي أرشدت عنه قاعدة الإسناد واجب التطبيق.
نطاق الدفع بالنظام العام :
جاء نص المادة 28 من القانون المدني عاماً مطلقاً، ولما كان الأصل في تحديد نطاق النص القانوني، أن المطلق يؤخذ على إطلاقه وأنه لا تخصيص للنص بغير مخصص، فإن الدفع بالنظام العام يكون مطلقاً كلما وجد القاضي أن تطبيق القانون الأجنبي الذي أرشدت عنه قاعدة الإسناد مخالفة للنظام العام، يستوى بعد ذلك أن يتعلق الدفع بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والميراث والوصية، أو بمسألة من مسائل الأحوال العينية، مثال ذلك أن يكون سبب التصرف وفقاً للقانون الأجنبي الواجب التطبيق مشروعاً بينما يعتبره القانون المصرى غير مشروع فيكون مخالفة للنظام العام في مصر مما يؤدى إلى استبعاد تطبيق القانون الأجنبي.
مدى سريان الدفع بالنظام العام :
يثور الدفع بالنظام العام عندما يكون القانون الأجنبي الواجب التطبيق يجيز أمراً لا يقره قانون القاضي، فيؤدى الدفع إلى استبعاد تطبيق القانون الأجنبي.
ويستبعد القانون الأجنبي بالقدر الذي يدرأ عنه مخالفته للنظام العام في دولة القاضي، فإن كان هذا القانون يجيز أموراً يخالف بعضها النظام العام، وكانت هذه الأمور لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمور الأخرى التي لا تتعارض مع النظام العام بحيث تتحقق الغاية من التصرف بالأخذ بالأمور الأخيرة وحدها، فإن القاضي يعمل الدفع باستبعاد الأمور الأولى وحدها لمخالفتها للنظام العام، أما الأمور التي لا تتعارض مع النظام العام، فيطبق في شأنها القانون الأجنبي وتحديد مدى الدفع بالنظام العام، من مسائل القانون، فيخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض.
شروط الدفع بالنظام العام :
يرمى الدفع بالنظام العام الى استبعاد تطبيق القانون الأجنبي، ويجوز إبداؤه من مع الخصوم، وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها وفي أية مرحلة تكون عليها و الدعوى ولو لأول مرة أمام الاستئناف، بل يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض طالما كانت عناصره مطروحة على محكمة الموضوع وحينئذ أن لم يتمسك به الخصوم ولا نيابة النقض، كان لمحكمة النقض إثارته من تلقاء نفسها و الفصل في الطعن على هديه.
وليس للخصوم التنازل عنه، ولا يرد عليه التقادم. ويشترط للتمسك به أو لاثارة المحكمة له :
1- أن يكون القانون الأجنبي هو الواجب التطبيق بموجب قاعدة الإسناد الواردة بقانون القاضي.
2- أن تكون أحكام القانون الأجنبى مخالفة للنظام العام في دولة القاضي، على نحو ما تقدم، وقت صدور الحكم أو بعد صدوره إن طعن فيه ولم يكن قد فصل في الطعن بعد، فإن كان القانون الأجنبي متفقة مع النظام العام في دولة القاضی وقت صدور الحكم فلا محل استبعاد القانون الأجنبي حتى لو كان القانون الأجنبى مخالفة للنظام العام قبل ذلك.
أثر الدفع بالنظام العام :
بالنسبة للعلاقة التي نشأت بدولة القاضي :
يترتب على إعمال الدفع بالنظام العام، استبعاد القانون الأجنبي كليا إذا تعارضت أحكامه في مجموعها مع مقتضيات النظام العام.
وإذا استبعد القاضي المصري القانون الأجنبي ولم يجد نصاً في قانونه يلائم النزاع المطروح، تعين عليه الفصل في النزاع وفقاً لما تمليه قواعد العدالة.
بالنسبة للعلاقة التي نشأت خارج دولة القاضي :
أما إذا كانت العلاقة نشأت خارج مصر، بأن يكون العقد المتضمن شرط الوفاء بالذهب قد أبرم في الخارج، وكان القانون الأجنبي الذي اتفق المتعاقدان على تطبيقه يجيز هذا الشرط، فإن العقد یكون قد نشأ صحيحاً، وإكتسب الدائن بموجبه حقاً يوجب على المدين أن يوفي بالدين ذهباً أو ما يعادل الذهب. فإذا تمسك الدائن بهذا الحق بإعتباره من آثار العقد وأقام دعواه أمام القاضي المصري طالبة إلزام المدين بهذا الوفاء، تعين على القاضي استبعاد القانون الأجنبي وتطبيق القانون المصري فيفضي ببطلان الشرط لمخالفته للنظام العام إذ نص القانون رقم 45 لسنة 1935 على بطلان شرط الذهب في العقود التي يكون الالتزام بالوفاء فيها ذا صبغة دولية حتى لو جاء هذا الشرط في معاهدة دولية انضمت مصر إليها، ذلك لأن إعمال آثار هذه العلاقة في مصر يمس الأسس الاقتصادية بها وهو ما يتعلق بالنظام العام، ولذلك فإن تطبيق القانون الأجنبي عليها يتعارض مع مقتضيات النظام العام، مما يتعين معه استبعاده بموجب الدفع بالنظام العام.
الموانع الأخرى التي تؤدي إلى استبعاد القانون الأجنبي :
كما يؤدى الدفع بالنظام العام إلى استبعاد تطبيق القانون الأجنبي، فإن الدفع بالغش نحو القانون والدفع بالمصلحة الوطنية يؤديان إلى استبعاده على نحو ما أوضحناه بالمادة 19 بند وموانع تطبيق القانون الأجنبي. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الأول الصفحة/ 572)
التعريف بالنظام العام :
هو مجموعة المصالح الأساسية التي يقوم عليها كيان المجتمع سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو مالية، أي مجموعة القواعد التي تهم المجتمع أكثر ما تهم الأفراد.
والنظام العام حالة تختلف من مكان إلى مكان آخر وهو بعد متغيراً على مر الزمان. وكل ما يتيسر بشأنه أداة للتعرف عليه هو معيار مرن ومتغير على الزمان والمكان شأنه في ذلك شأن النظام العام ذاته ألا وهو معيار "المصلحة العامة وبعبارة أدق "المصلحة العامة العليا للمجتمع".
والنظام العام لا يتجزأ فلا يوجد نظام عام دولى ونظام عام داخلی، فالقاضي لا يستبعد القانون الأجنبي إلا إذا كان يمس المصلحة العامة في مجتمعه سواء كانت خلقية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.
نطاق تطبيق الدفع بالنظام العام :
يثور الدفع بالنظام العام عندما يكون القانون الأجنبي الواجب التطبيق يجيز أمراً يخالف النظام العام في دولة القاضي، فيؤدى الدفع إلى استبعاد تطبيق القانون الأجنبي. ويستبعد القانون الأجنبي بالقدر الذي يدرأ عنه مخالفة للنظام العام في دولة القاضي، فإن كان هذا القانون يجيز أموراً يخالف بعضها النظام العام، وكانت هذه الأمور لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمور الأخرى التي لا تتعارض مع النظام العام بحيث تتحقق الغاية من التصرف بالأخذ بالأمور الأخيرة وحدها، فإن القاضي يعمل الدفع باستبعاد الأمور الأولى وحدها لمخالفتها للنظام العام، أما الأمور التي لا تتعارض مع النظام العام، فيطبق في شأنها القانون الأجنبي.
شروط التمسك بالدفع بالنظام العام :
يخلص مما سلف أن التمسك بالدفع بالنظام العام لا يكون إلا إذا توافر الشرطان الآتيان:
الأول: أن يكون القانون الأجنبي واجب التطبيق قانوناً بمعنى أنه هو القانون الذي أشارت بتطبيقه قاعدة الإسناد الوطنية. فالنظام العام يأتي كعلاج لاستبعاد القانون الأجنبي الواجب التطبيق.
أما إذا كان قانون القاضي هو الواجب التطبيق فلا يجوز التمسك بهذا الدفع.
الثاني: أن تكون أحكام القانون الأجنبي مخالفة للنظام العام في دولة القاضي بالتفصيل سالف الذكر، وذلك وقت صدور الحكم أو بعد صدوره إن طعن فيه ولم يكن قد فصل في الطعن بعد، فإن كان القانون الأجنبي متفقاً مع النظام العام في دولة القاضي وقت صدور الحكم فلا محل لاستبعاد القانون الأجنبي حتى لو كان القانون الأجنبي مخالفاً للنظام قبل ذلك".
أثر الدفع بالنظام العام :
(أ) بالنسبة للعلاقة التي نشأت بدولة القاضي :
يترتب على الأخذ بفكرة النظام العام ضرورة استبعاد القانون الأجنبي الواجب التطبيق وتطبيق القانون الوطني محله. غير أن مدى هذا الانطباق يختلف باختلاف الظروف والأحوال. فإذا كانت قاعدة النظام العام من القواعد الناهية أو المانعة فإن أثرها في هذه الحالة قاصر على استبعاد القانون الأجنبي لا أكثر ولا أقل ويصف الكتاب هذا الأثر بأنه أثر سلبي،ومن أمثلة ذلك أن يطلب زوجان فرنسيان الطلاق أمام محكمة إيطالية فتستبعد هذه المحكمة القانون الفرنسي الذي يجيز الطلاق وهو قانون جنسيتهما الواجب التطبيق وفقاً لقاعدة الإسناد الإيطالية لأن القانون الإيطالي يمنع الطلاق.
أما إذا كانت قاعدة النظام العام من القواعد الآمرة، فإن أثرها يكون أوسع مدى فهي تستبعد القانون الأجنبي الواجب التطبيق وهذا أثر سلبي، ولكنها تذهب إلى أبعد من ذلك حيث ينطبق قانون الدولة التي يهمها النظام العام وتسير الأمور كما لو لم يوجد تنازع بين القوانين وأن العبرة بقانون واحد فقط هو القانون الذي يوجد به النظام العام، ومثل ذلك أن يرفع إيطاليان دعوى طلاق أمام محكمة فرنسية فتستبعد قانونهما الشخصي (وهو القانون الإيطالي الواجب التطبيق طبقا لقاعدة الإسناد الفرنسية) الذي يمنع الطلاق لأن هذا المنع يخالف النظام العام في فرنسا ذلك النظام الذي يقضي بضرورة وجود الوئام بين الزوجين وإلا كان من المصلحة حل عقدتهما، ثم تطبق القانون الفرنسي فتقضي بالطلاق وفق أحكامه.
(ب) بالنسبة للعلاقة التي نشأت خارج بلد القاضي:
يجري الفقه والقضاء في فرنسا على أن أثر الدفع بالنظام العام ليس دائماً واحداً بصدد إنشاء الحق في بلد القاضي وبصدد التمسك في هذا البلد بحق اكتسب في الخارج. ففي مرحلة إنشاء الحق يبحث القاضي فيما إذا كان هذا الإنشاء يتعارض مع مقتضيات النظام العام أم لا يتعارض معها.
أما إذا كان المطروح أمام القاضي هو الاحتجاج بحق اكتسب في الخارج، فالذي يبحثه القاضي هو هل نفاذ هذا الحق أى التمسك بآثاره يتعارض مع النظام العام في بلده أم لا يتعارض. والأمر في الحالتين ليس على سواء. فقد يكون إنشاء الحق في بلد القاضي مخالفاً لمقتضيات النظام العام فيه، ومع ذلك فإنه لو نشأ هذا الحق عينه في الخارج وأريد التمسك بآثاره في بلد القاضي لما بعد نفاذه متعارضاً مع هذه المقتضيات، وذلك عندما يكون التعارض بين القانون الأجنبي والنظام العام في بلد القاضي في مرحلة إنشاء الحق مبناه أن الإجراءات أو الظروف الواجب توافرها لإنشاء الحق هي التي تتعارض مع النظام العام.فإذا ما تمت هذه الإجراءات وتوافرت هذه الظروف في الخارج ونشأ الحق هناك وأريد التمسك به في بلد القاضي، لما وجد مقتض يحرك الدفع بالنظام العام. وعلى ذلك فإنه وإن كان لا يجوز في فرنسا للأجانب أن يتزوجوا زواجاً دينياً، لأن الزواج فيها نظام مدني، إلا أنه إذا ما تم في الخارج زواج ديني وكان هذا الزواج هو الشكل المحلى، أمكن الاحتجاج به فرنسا. وقد أخذت المحاكم الفرنسية بالتفرقة بين أثر الدفع بالنظام العام في مرحلة إنشاء العلاقة في فرنسا وبين أثره في مرحلة التمسك فيها بعلاقة تمت في الخارج في مسألة التطليق. ذلك أن التطليق كان غير جائز في فرنسا إلى ما قبل سنة 1884 وكان هذا الحظر يسري على الأجانب الذين يجيز لهم قانونهم الشخصي التطليق، ومع ذلك فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز لهؤلاء الأجانب أن يحتجوا في فرنسا بتطليق تم بينهم في الخارج. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الأول، الصفحة/ 490)
و نطاق الدفع بالنظام العام وأثره :
من المقرر أن معيار النظام العام نظام مرن يختلف باختلاف المكان والزمان، ومن ثم تكون العبرة فيه بوقت نظر الدعوى وليس بوقت نشأه المركز القانوني محل النزاع، كما يختلف دور النظام العام في القانون الداخلي عنه في نطاق تنازع القوانين إذ يتحقق المقصود بمخالفة النظام العام في القانون الداخلي بمخالفة النصوص القانونية الأمرة في حين أن مخالفة القانون الأجنبي لهذه النصوص لا يعني بالضرورة مخالفته للنظام العام في نطاق تنازع القوانين، كما أن القاضي في أعماله لفكرة النظام العام في نطاق تنازع القوانين يتعين عليه ألا يكتفي بالرجوع إلى مضمون القانون الأجنبي للكشف عن مدى معارضتها مع النظام العام في بلده وإنما عليه أيضاً البحث في الأثر المترتب على تطبيق تلك النصوص إذ قد لا يكون مضمونها في ذاته متعارضاً مع النظام العام في بلد القاضي ومع ذلك فإن الأثر المترتب على إعمالها. يكون متعارضاً مع النظام العام ويترتب على تعارض القانون الأجنبي مع النظام العام في بلد القاضي الوطني أثران أولهما أثر سلبي يتمثل في استبعاد تطبيق القانون الأجنبي وان كان لا يلزم استبعاد كل أحكامه و إنما يتعين قصر الاستبعاد على الجزئية التي تتعارض مع النظام العام، وقد اقتصر النص على إبراز هذا الأثر ، وثانيهما اثر ايجابي حيث يذهب الرأي السائد إلى أنه يترتب على مخالفة القانون الأجنبي للنظام العام إحلال قانون القاضي كله ليحكم العلاقة المطروحة في الحدود اللازمة للمحافظة على مقتضيات النظام العام ويلاحظ أنه إذا كان المطروح أمام القاضي هو الاحتجاج بحق اكتسب في الخارج فإن ما يبحثه القاضي يقتصر على النظر فيما إذا كان نفاذ هذا الحق أي التمسك به في بلد القاضي يتعارض مع النظام العام فيها ويكون جزاء ذلك ليس بطلان العلاقة وإنما عدم سريان آثارها في بلد القاضي. (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة 403 )
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
(مادة 35 )
لا يجوز تطبيق أحكام قانون اجنبي اذا كانت هذه الاحكام مخالفة للنظام العام أو الاداب
يطابق هذا النص في حكمه المادة ۲۸ من التقنين الحالي التي تنص على ما يأتي: "لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته النصوص السابقة ، اذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو للآداب في مصر" ، وقد حذفت عبارة (عينته النصوص السابقة) ، لأن قاعدة الاسناد قد لا تكون واردة في المواد السابقة و يكون مصدرها معاهدة أو عرف أو مبادىء القانون الدولي الخاص .