مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الأول ، الصفحة : 327
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- توجد حالة بين الحياة والموت ، فيعتبر الشخص لا حياً على الإطلاق ولا ميتاً من جميع الوجوه وتلك هي حالة المفقود . فكل شخص اختفى بحيث لا يعلم مكانه ولا يدري هل هو حي أو ميت ، يمكن لكل ذي شأن وارث أو دائن أو موصى له أو غير هؤلاء من أصحاب المصلحة الحصول على حكم من القاضي بإثبات فقده ومتى صدر الحكم ثبتت لهذا الشخص حالة المفقود، وهي حالة تخضع في أحكامها لقانون الأحوال الشخصية وهي هنا الشريعة الإسلامية وحكم الشريعة في المفقود يتلخص في تنصيب القاضي ( المجلس الحسبي) وكيلاً عنه لحفظ أمواله وإدارة مصالحه إن لم يكن ترك وكيلاً (م 572 - 573 من قانون الأحوال الشخصية ).
ويعتبر المفقود حياً في حق الأحكام التي تضره وهي التي تتوقف على ثبوت موته فلا يتزوج عرسه أحد ولا يقسم ماله على ورثته ولا تفسخ إجاراته (م 576 من قانون الأحوال الشخصية ).
ويعتبر ميتاً في حق الأحكام التي تنفعه و تضر غيره وهي المتوقفة على ثبوت حياته فلا يرث من غيره ولا يحكم باستحقاقه للوصية (م 577 من قانون الأحوال الشخصية).
2 - وفي المذهب الحنفي يحكم بموت المفقود إذا انقرضت أقرانه في بلده . فإن تعذر الفحص من الأقران وحكم القاضي بموته بعد مضي تسعين سنة من حين ولادته صح حكمه ، ولكن المشروع أخذ بمذهب آخر ، نقلا عن المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، فهو يميز بين مفقود يغلب عليه الهلاك كالمفقود في ساحة الحرب أو وقت وقوع كارثة من زلزال أو غرق أو حريق أو نحو ذلك وهذا يحكم بموته بعد أربع سنين من تاريخ فقده بعد التحري بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حياً أو ميتاً ، ومفقود لا يغلب عليه الهلاك كمن هاجر من بلده إلى مكان غير معلوم و حكم بفقده وهذا يقدر القاضي فيه الظروف فيحكم بموته بعد أربع سنوات أو أكثر بعد أن يتحرى بجميع الطرق الممكنة للتثبت ما إذا كان المفقود حياً أو ميتاً ، ويلاحظ في الحالتين المتقدمتين أن القاضي يحكم بموت المفقود إذا ثبت من التحرى موته أو لم يستدل بصفة قاطعة على أنه حي أو ميت أما إذا ثبتت حياة المفقود فيلغى الحكم بإثبات الفقد حتى لو كان المفقود لم يعد، ويلاحظ أيضاً أن ما تقدم من الأحكام لا يمنع ذا الشأن من رفع دعوى بموت المفقود حتى قبل انقضاء أربع سنوات على فقده فيطلب منه إقامة البينة على ذلك ويجعل القاضي الوكيل الذي بيده مال المفقود خصماً منه وإن لم يكن له وکیل بنصب له فيما تقبل عليه البينة لإثبات دعوی موته فإن ثبتت الدعوى ( ويجوز إثباتها بجميع الطرق بما في ذلك البينة والقرائن ) حكم القاضي بموت المفقود (م 581 من قانون الأحوال الشخصية ) .
3- ومتى حكم بموت المفقود تعتد زوجته عدة الوفاة ويعتبر ميتاً بالنسبة لماله من تاريخ الحكم وبالنسبة لمال غيره من يوم الفقد ومعنى ذلك أن ماله يقسم بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم بموته فلا شئ لمن مات قبله وأن المال الذي وقف لأجله من المورث أو الموصى يرد الى ورثة مورثه الموصى الموجودين وقت موت المورث أو الموصى لا وقت الحكم بموت المفقود على أنه إذا ظهرت حياة المفقود فإن كان الظهور قبل الحكم بموته فإنه يرث من مات قبل ذلك من أقاربه ويستحق ما كان موصى له به وإن كان الظهور بعد الحكم بموته فالباقي من ماله في أيدي ورثته يكون له ولا يطالب احد منهم بما ذهب لأنه استولى عليه بحكم القاضى فلا يكون معتدياً وينتفي عنه الضمان (م 580 من قانون الأحوال الشخصية).
1 ـ النص فى المادة 13 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية على أنه " إذا أمكن وصول الرسائل إلى الغائب ضرب القاضى أجلاً و أعذر إليه بأنه يطلقها عليه إن لم يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه أو يطلقها فإذا إنقضى الأجل و لم يفعل و لم يبد عذراً مقبولاً فرق القاضى بينهما بتطليقة بائنة " يدل على أن المشرع أوجب على القاضى أن يضرب أجلاً للزوج الغائب - إذا أمكن وصول الرسائل إليه - و يكتب له يعذره بأنه يطلق زوجته عليه إن لم يحضر للإقامة معها أو بنقلها إليه أو يطلقها و هذا الإعذار قصد به - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حث الزوج الغائب على العودة للإقامة مع زوجته أو ينقلها إليه لجهة إقامته . بحيث إذ إختار أحد هذه الخيارات الثلاث إنتفى موجب التطليق - أى لا طلاق عليه من القاضى .
(الطعن رقم 26 لسنة 58 جلسة 1990/01/16 س 41 ع 1 ص 152 ق 33)
الأحكام التي يخضع لها المفقود والغائب :
كان العمل يجري في مصر بالنسبة للمفقود والغائب قبل سنة 1920 وفقاً لمذهب أبي حنيفة، فلا يحكم بموته إلا بعد موت أقرانه، وعندما صدر القانون رقم 25 لسنة 1920 أخذ بمذهب مالك بالنسبة لزوجة المفقود أو الغائب، فيحكم بموته بعد أربع سنين من الفقد إذا طلبت ذلك وتعتد عدة الوفاة وقدرها أربعة شهور وعشرة أيام من تاريخ صدور الحكم. وبصدور القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم لسنة 2006 فقد فرقت المادة (21) منه بین الحالات التي يغلب فيها على المفقود الهلاك، والحالات التي ثبت فيها أن المفقود كان على ظهر سفينة غرقت أو كان في طائرة سقطت أو كان من أفراد القوات المسلحة وفقد أثناء العمليات الحربية.
ففي الحالة الأولى، تختص محكمة الأحوال الشخصية التي يقع بدائرتها موطن المفقود بتحديد المدة التي تراها مناسبة لاعتبار المفقود ما على أن تقيم قضاءها على أسباب كافية لحمله وذلك ببيان التحريات التي استندت إليها وأقوال الشهود الذين ترى سماعهم ولها إحالة الدعوى إلى التحقيق من تلقاء نفسها، وتی اطمأنت إلى تلك الأدلة قضت بموت المفقود بشرط ألا تقل المدة بين الفقد والحكم عن أربع سنوات.
أما في الحالة الثانية، فلا يصدر حكم بموت المفقود، إذ يحل محله قرار من رئيس مجلس الوزراء إن كان المفقود على ظهر سفينة غرقت أو كان في طائرة سقطت مني قام الدليل على ذلك، بكافة طرق الإثبات ومنها قوائم السفر، ويعتبر الشخص مفقوداً في هذا الحالات طالما لم يعثر على جثته أو لم يمكن التعرف عليها طالما انقضت على فقده خمسة عشر يوماً على الأقل.
أما إن كان المفقود من أفراد القوات المسلحة، وفقد أثناء العمليات الحربية، فيحل محل الحكم قرار يصدر من وزير الدفاع بموت المفقود، ويجب أن يسبق القرار التحري واستظهار القرائن التي يغلب معها الهلاك وأن تكون قد انقضت سنة على الأقل بين الفقد أي بعدم معرفة وحدته العسكرية لمصيره، وبين صدور القرار.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/الأول، الصفحة/593)
الأحكام التي تسري على المفقود والغائب:
تنص المادة على أن يسري في شأن المفقود والغائب الأحكام المقررة في قوانين خاصة، فإن لم توجد فأحكام الشريعة الإسلامية. وعلى ذلك إذا خلا القانون الخاص الذي يسري على المفقود أو الغائب من حكم حالة معينة تعين الرجوع في شأنها إلى أحكام الشريعة الإسلامية.
ونعرض فيما يلي لأحكام المفقود، ثم لأحكام الغائب.
أولاً : أحكام المفقود :
النصوص القانونية
(أ) المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929: (مادة 21 معدلة بالقوانين رقم 103 لسنة 1958، 33 لسنة 1992، 2 لسنة 2006) :
يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنوات من تاريخ فقده.
ويعتبر المفقود ميتاً بعد مضي خمسة عشر يوماً على الأقل من تاريخ فقده، في حالة ما إذا ثبت أنه كان على ظهر سفينة غرقت أو كان في طائرة سقطت، وبعد مضي سنة إذا كان من أفراد القوات المسلحة وفقد أثناء العمليات الحربية.
ويصدر رئيس مجلس الوزراء أو وزير الدفاع، بحسب الأحوال، وبعد التحري واستظهار القرائن التي يغلب معها الهلاك، قراراً بأسماء المفقودين الذين اعتبروا أمواتا في حكم الفقرة السابقة. ويقوم هذا القرار مقام الحكم بموت المفقود.
وفي الأحوال الأخرى يفوض تحديد المدة التي يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضي على ألا يقل عن أربع سنوات، وذلك بعد التحري عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حياً أو ميتاً»
مادة (22) : معدلة بالقانون رقم 103 لسنة 1958):
بعد الحكم بموت المفقود أو صدور قرار وزير الحربية باعتباره ميتاً على الوجه المبين في المادة السابقة تعتد زوجته عدة الوفاة وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم أو القرار.
(ب) القانون رقم 25 لسنة 1920:
مادة (7): ألغيت بالمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929.
مادة (8): إذا جاء المفقود أو لم يجئ، وتبين أن حي فزوجته له ما لم يتمتع الثاني بها غير عالم بحياة الأول، فإن تمتع بها الثاني غير عالم بحياته كانت الثاني ما لم يكن عقده في عدة وفاة الأول.
تعريف المفقود :
المفقود لغة المعدوم، وشرعا هو الذي انقطعت أخباره ولا يعرف مكانه ولا يعلم حياته ولا موته.
وقد نظم المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال إدارة أموال الغائب.
فنص على أن تقيم المحكمة وكيلاً عن الغائب كامل الأهلية في الأحوال الآتية متى كانت قد انقضت مدة سنة أو أكثر على غيابه وترتب على ذلك تعطيل مصالحه. (أولاً): إذا كان مفقودا لا تعرف حياته أو مماته. (ثانياً): إذا لم يكن له محل إقامة ولا موطن معلوم، أو كان له محل إقامة أو موطن معلوم خارج جمهورية مصر واستحال عليه أن يتولى شئونه بنفسه أو أن يشرف على من ينيبه في إدارتها (م 74). وإذا ترك الغائب وكيلاً عاماً تحكم المحكمة بتثبيته متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي وإلا عينت غيره (م 75).
وتنتهي الغيبة بزوال سببها أو بموت الغائب أو بالحكم من جهة الأحوال الشخصية باعتباره ميتاً (م 76).
حالة المفقود قبل الحكم بموته :
يعتبر المفقود حيا باستصحاب الحال التي كان عليها قبل فقده.
والاستصحاب عند علماء الأصول عبارة عن إبقاء ما كان على ما كان من قبل حتى يقوم الدليل على تغييره.
ومادام القاضي لم يحكم بموت المفقود أو لم يصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء أو من وزير الحربية بذلك - في حالات خاصة سيأتي شرحها - فإنه يعتبر حياً فتبقى أمواله على ملكه وتجب عليه في ماله النفقة لزوجته مدة فقده ولكل من تجب عليه نفقتهم وتبقى زوجته على عصمته ما لم يحكم القاضي بتطليقها عليه بناء على طلبها بعد مضي سنة فأكثر من غيبته لتضررها من بعده عنها، أو لعدم إنفاقه عليها وعدم وجود مال ظاهر له يمكن استيفاء نفقتها منه.
ولما كانت حياة المفقود غير محققة بل هي حياة اعتبارية فلا يترتب على حياته الأحكام التي يشترط فيها تحقق حياة الشخص كالإرث من الغير واستحقاق الوصية. فلا يرث المفقود من غيره ولايستحق ما أوصى به له، ولكن للاحتياط ومحافظة على حقوق المفقود يحجز له نصيبه من تركة مورثه المتوفي أثناء فقده، وما أوصى به له، كما لو كان محقق الحياة إلى أن يتبين حاله، فإذا ظهر حياً استحق بالفعل نصيبه في الإرث وما أوصى به له، وأن حكم القاضي بموته ترتبت على ذلك الأحكام التي سنذكرها فيما بعد.
وينبني على ذلك أنه إذا كان المفقود ممن يحجب الورثة الموجودين وقت الوفاة حجب حرمان، فإنه لا يسلم إليهم شئ، ويوقف توزيع مال التركة كله، أما إذا كان يحجبهم حجب نقصان يعطى لكل واحد منهم الأقل من نصيبه على تقدير حياة المفقود.
وحاصل ما تقدم أن المفقود يعتبر حياً في حق الأحكام التي تضره وهی المتوقفة على ثبوت موته، ويعتبر ميتاً فيما ينفعه ويضر غيره، وهو ما يتوقف على حياته.
متى يحكم بموت المفقود ؟
يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده.والمقصود بالمفقود الذي يغلب عليه الهلاك المفقود الذي يغيب في حالة يغلب فيها الظن بموته، كمن فقد إثر غارة جوية، أو وقوع كارثة حريق أو هدم مسكنه أو محله أو كمن ذهب للصلاة ولم يعد.
ويحكم القاضي في هذه الحالة بالفقد بعد أربع سنين من تاريخ الفقد)، وتحتسب هذه المدة طبقا للسنة الهلالية لأنها الأصل في التقويم الشرعي ما لم ينص القانون على العمل بالتقويم الميلادي، ولم يشمل الاستثناء الوارد بالمادة 23 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 هذه الحالة فقد جرت على أن المراد بالسنة في المواد من (12 إلى 18) هي السنة التي عدد أيامها 365 يوما.
أما في الأحوال الأخرى، والمقصود بها حصول الفقد في حالة يظن معها بقاء المفقود سالماً كمن يغيب لطلب العلم أو التجارة أو السياحة ولايعود فقد فوض النص القاضي في تحديد المدة التي يحكم بموت المفقود بعدها على ألا تقل عن أربع سنوات، وذلك بعد التحري عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة المعرفة إن كان المفقود حياً أو ميتاً ولاشك أن القاضي يراعى في تقديره للمدة التي يحكم بعدها بموت المفقود، سن المفقود حين فقده وحالته الصحية وقت ذاك والظروف والأحوال التي أحاطت بفقده.
ولم يكن النص قبل تعديله بالقانون رقم 33 لسنة 1992 يحدد المدة التي يحكم القاضي بموت المفقود بعدها (أربع سنين على الأقل).
ومع هذا فقد ذهبنا مع الفقه وأحكام القضاء إلى أن قيداً منطقياً يرد على سلطة القاضي في هذا الشأن. وهو ألا يحكم بموت المفقود إلا بعد انقضاء أربع سنوات على الأقل على واقعة الغياب، لأن الشارع استوجب ضرورة مرور أربع سنوات على واقعة الفقد لمن غاب في ظروف يغلب فيها الهلاك فيكون التقيد بهذه المدة لمن غاب في ظروف لا يغلب فيها الهلاك أولى.
آثار الحكم بموت المفقود أو صدور قرار رئيس مجلس الوزراء أو وزير الدفاع باعتباره ميتاً:
المفقود لا يعتبر ميتاً إلا حين الحكم بموته أو من تاريخ صدور قرار رئيس مجلس الوزراء أو وزير الدفاع باعتباره ميتاً في الحالات التي أوردناها فيما تقدم.
ويترتب على الحكم بموت المفقود أو صدور القرار باعتباره ميتاً - حسب الأحوال - أن تعتد زوجة المفقود عدة الوفاة، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) [سورة البقرة آية: 234]
وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم أو القرار، لأنه لما كان الموت يكون من وقت الحكم، فإنه لا يرث أمواله التي كانت ثابته له من وقت غيبته ونمائها إلا ورثته الموجودين وقت الحكم، أما الذين ماتوا قبل ذلك فإنهم لا يرثون فيه، لأن فرض الحياة كان قائماً.
أما الأموال التي يمكن أن يكتسيها بإرث أو وصية أو هبة لو لم يكن مفقوداً، فإن الحكم بالوفاة يثبت بالنسبة لها من وقت الفقد، أي أنه يعتبر بالنسبة لها ميتاً من وقت الغياب، لأن حياته ثابتة باستصحاب الحال، واستصحاب الحال يصلح سبباً لإبقاء الحقوق الثابتة، ولا يصلح سبباً لاكتساب حقوق جديدة، وعلى ذلك إذا مات له قريب يرث منه قبل الحكم بموته فإن حقه في الميراث يستمر موقوفاً، حتى يحكم القاضي بموته أو يحضر، فإن حضر أخذه، وإن حكم القاضي بموته وزع ذلك الموقوف على ورثة ذلك القريب باعتبار أن المفقود كان ميتاً وقت وفاة ذلك القريب.
ظهور المفقود حياً:
إذا ظهر المفقود حياً بعد الحكم بموته أو صدور قرار رئيس مجلس الوزراء أو وزير الدفاع باعتباره ميتاً - بحسب الأحوال – سواء جاء المفقود أو لم يجئ، فإنه يترتب على ذلك الآثار الآتية:
(أ) بالنسبة لزوجة المفقود:
إذا كانت زوجة المفقود لم تتزوج بغيره بعد الحكم بموته أو صدور قرار رئيس الوزراء أو وزير الدفاع باعتباره ميتاً فهى له من غير حاجة إلى عقد جديد. .
وإن كانت قد تزوجت بغيره بعد الحكم أو صدور القرار بعد انقضاء عدتها منه ولم يدخل بها، فإنها تعود إلى المفقود لأن زيجته قائمة. وتبين أن الأساس الذي قام عليه الحكم أو القرار كان باطلاً فتعود إليه.
فإذا كان قد دخل بها، وكان حسن النية بأن لم يثبت أنه كان يعلم بحياة المفقود وقت العقد أو قبل الدخول بها فإن الزوجة تكون للثاني، لأنه تزوجها بعقد شرعي بناء على حكم قضائي أو قرار صادر من المختص بذلك، وقد دخل بها بمقتضى ذلك العقد الذي بني على أسس صحيحة في الظاهر فتكون له ولا يفسخ العقد.
أما إذا كان قد دخل بها، وثبت أنه سيء النية بأن كان يعلم بحياة المفقود وقت العقد أو قبل الدخول بها فإنها تكون للمفقود.
(ب) - بالنسبة لأموال المفقود :
يسترد المفقود الموجود من أمواله في يد ورثته، وكذا الموجود مما كان محجوزاً له من إرث ووصية ورد إلى ورثة المورث أو الموصى بعد الحكم بموته أو صدور قرار رئيس مجلس الوزراء أو وزير الدفاع باعتباره ميتاً.
أما ما خرج من أيديهم وتصرفوا فيه بالبيع ونحوه، وكذا ماهلك أو استهلك، فلا يرجع عليهم بقيمته أو بمثله، لأن تصرفهم فيه كان بناء على حكم قضائي سليم، أو قرار من المختص بذلك، فلا ضمان عليهم ولا على من تلقوا الملك عنهم.
إيجاب اختصام وكيل المفقود في دعوى موته :
إذا أقيمت الدعوى بموت المفقود من زوجته أو أحد ورثته أو غريمه وجب على المدعي اختصام وكيل المفقود، فإن لم يكن له وكيل يختصم من ينصبه القاضي لذلك، وذلك لكي تقبل عليه البينة لإثبات موته.
المحكمة المختصة بنظر دعوى موت المفقود :
كانت المحكمة الابتدائية هي المختصة نوعياً بنظر دعوى موت المفقود عملاً بالفقرة الأولى من المادة العاشرة من القانون رقم (1) لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية التي تجري على أن:
"تختص المحكمة الابتدائية بنظر دعاوى الأحوال الشخصية التي لا تدخل في اختصاص المحكمة الجزئية، ودعاوی الوقف، وشروطه والاستحقاق فيه والتصرفات الواردة به"، إذ لم يرد ضمن المسائل المنصوص عليها بالمادة التاسعة من القانون والتي تختص المحكمة الجزئية نوعيا بنظرها دعوی موت المفقود، ومن ثم تضحى الدعوى من اختصاص المحكمة الابتدائية.
ولما صدر القانون رقم 10 لسنة 2004 بإنشاء محاكم الأسرة، أصبحت محكمة الأسرة هي المختصة نوعياً بنظر الدعوى وتختص بنظر الدعوى محلياً المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه، فإن لم يكن له موطن في مصر تختص المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي.
وإذا تعدد المدعى عليهم، كان الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم. (م 15 من القانون رقم 1 لسنة 2000).
ثانياً : أحكام الغائب:
رأينا أن المادة تنص على أن تسرى في شأن المفقود والغائب الأحكام المقررة في قوانين خاصة، فإن لم توجد فأحكام الشريعة الإسلامية.
وأول ما يجب ملاحظته هو أن القانون يفرق بين المفقود والغائب وذلك على خلاف أحكام الشريعة الإسلامية (المذهب الحنفي) حيث لا فرق عند الأحناف بين الغائب والمفقود.
إذ يقصد بالغائب كل من هجر موطنه وماله راضياً أو مرغماً ولو كانت حياته محققة وذلك متى حالت ظروف قاهرة دون إدارة شؤونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة وترتب على ذلك أن تعطلت مصالحه أو مصالح غيره.
أما المفقود فهو كل غائب لا تعرف حياته أو وفاته.
وعلى ذلك فكل مفقود غائب، ولكن لا يعتبر كل غائب مفقوداً، وينظم أحكام الغائب المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال، في الفصل الثالث من الباب الثاني منه.
فتنص المادة 74 من القانون على أن:
تقيم المحكمة وكيلاً عن الغائب كامل الأهلية في الأحوال الآتية متى كانت قد انقضت مدة سنة أو أكثر على غيابه وترتب على ذلك تعطيل مصالحه.
أولاً: إذا كان مفقوداً لا تعرف حياته أو مماته.
ثانياً: إذا لم يكن له محل إقامة ولا موطن معلوم أو كان له محل إقامة أو موطن معلوم خارج جمهورية مصر، واستحال عليه أن يتولى شئونه بنفسه أو أن يشرف على من ينيبه في إدارتها".
وتنص المادة (75) على أنه: "إذا ترك الغائب وكيلاً عاماً تحكم المحكمة بتثبيته متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي وإلا عينت غيره.
كما تنص المادة (76) على أن: "تنتهى الغيبة بزوال سببها أو بموت الغائب أو بالحكم من جهة الأحوال الشخصية المختصة باعتباره ميتاً".
وقد أورد القانون في الباب الثالث منه – الفصل الأول - أحكام مشتركة في الوصاية والقوامة والغيبة.
ومن هذه الأحكام :
1- ما تنص عليه المادة (78) من أنه يسري على القوامة والوكالة عن الغائبين والأحكام المقررة في شأن الوصاية على القصر ويسرى على القامة والوكلاء عن الغائبين الأحكام المقررة في شأن الأوصياء.
2- ما تنص عليه المادة (79) من أنه يسري في شأن قسمة مال الغائب والمحجور عليه ما يسرى في شأنه قسمة القاصر من أحكام.
3- ما تنص عليه المادة (87) من أن الأحكام الواردة بشأن الجزاءات في المواد (84 - 86) تسري على الوكيل عن الغائب.
4 - ما تنص عليه المادة (88) من أن:
يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل وصى أو قيم أو وكيل انتهت نيابته إذا كان بقصد الإساءة قد امتنع عن تسليم أموال القاصر أو المحجور عليه أو الغائب أو أوراقه لمن حل محله في الوصية أو القوامة أو الوكالة، وذلك ما لم ينص القانون على عقوبة أشد.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الأول، الصفحة/518)
شخصية المفقود المفقود هو الشخص الذي غاب من محل إقامته دون أن يعلم عنه أحي هو أم ميت فماذا يكون حكم شخصيته ؟ أتعتبر باقية إلى أن يتحقق موته، وقد لا يتحقق أبداً، أم تعتبر منتهية من وقت انقطاع أخباره، مع أنه يحتمل أن يكون حياً وأن يعود الى مقره يوماً وأن الأيام ؟
عالجت أكثر الشرائع هذه الحالة بأن خولت المحاكم سلطة التحري عن الواقع والحكم بثبوت وفاة المفقود متى رجح لديها احتمال وفاته على احتمال حياته.
ويعتبر الحكم بثبوت وفاة المفقود من مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بإنهاء شخصية الإنسان وما يترتب على ذلك من آثار شخصية كقيام الزوجية أو انفصامها ، فيكون الحكم بذلك من اختصاص محاكم الأحوال الشخصية وتقضى فيه طبقاً للقوانين الموضوعية التي تحكم الأحوال الشخصية المفقود إلا ما استثنى کما سيجيء بعد.
وقد قرر فقهاء الشريعة الاسلامية في شأن ذلك أن المفقود يتم بثبوت وفاته متى انقرض جميع أقرانه من بلده . وإن لم تعلم أقرانه يحكم بثبوت وفاته من وقت مضى 90 سنة كاملة على تاريخ ميلاده ( المادة 587 من مرشد الحيران) وفي هذه الأثناء كلها يبقى مركز المفقود غامضاً، فتعلق أمواله ، وتبقى زوجته على ذمته، حتى يحكم بثبوت وفات.
وبما أن هذه المدة قد تطول فتبلغ أحياناً أكثر من ستين أو سبعين سنة، وبما أنه حدث بعد الحرب العالمية الأولي آن غاب ألوف من العمال على أثر تطوعهم في خدمة السلطة العسكرية البريطانية ، فلم يعودوا الى أهلهم وذويهم، ولم تتحقق وفاتهم ، وكانوا كلهم في ريعان الشباب ، وأكثرهم لهم زوجات، فقد كان متعيناً الانتظار للحكم بثبوت وفاة هؤلاء المفقودين إلى أن يتعرض أقرانهم أو تمضى على تاريخ ميلاد عنه تسعون سنة وكان إنتظر هذه المدة أمراً غير سائغ نظراً لرجحان احتمالي وفاتهم في الحرب فأصدر المشرع مرسوماً بقانون رقم 25 لسنة 1929 عدل به الأحكام السابقة فيما يتعلق بالمصريين المسلمين دون غيرهم ونص في المادة 21 منه على أنه إذا غاب المفقود في ظروف يغلب فيها هلاكه كظروف الحرب أو نحوها فإن القاضي يحكم بثبوت وفاته بعد مضي أربع سنين من تاريخ فقده وبعد التحري بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حياً أو ميتاً، وان كان غيابه في غير ذلك من الظروف فيكون للقاضي تقدير المدة التي يحكم بعدها بثبوت وفاة المفقود على ألا تقل هذه المدة بطبيعة الحال عن أربع سنوات وعلى ألا يحكم بموت المفقود إلا بعد التحري عن حياته بجميع الوسائل.
على أنه يجوز في كلتا الحالين أن يحكم القاضي بثبوت موت المفقود قبل مضى أربع سنوات إذا طلب ذو الشأن ذلك وتمكن من إقامة الدليل على وفاة المفقود وفقا للقواعد العامة.
مركز المفقود : (أ) قبل الحكم بثبوت وفاته - تبقى شخصية المفقود مشكوكاً فيها طوال مدة فقده والى أن يحكم بثبوت وفاته، فلا هو معروف أنه حي، فتبقى شخصيته قائمة، ولا هو محقق أنه مات فتنقضي شخصيته، فيفرض فيه أصلح الأمرين له، أي أنه حی.
وبناء هذا الفرض أيضاً يحسب المفقود في ضمن ورثة مورثه لاحتمال ظهوره يوما ما، ويعين له وكيل يحصى أمواله ويديرها ويضم إيرادها إلى أصلها، وتبقى زوجته على ذمته.
ويدل على أن الفرخ أيضا يحسب المفقود في ضمن ورثة مورثه الذي مات بعد تاریخ فقده، كما يحسب موجودا بالنسبة إلى وصية أوصى له بها ثم مات الموصي بعد تاريخ فقد الموصى له، ولكن نظراً لأن حياته مفروضة وليست، محققة، فلا يمكن اعطاؤه نصيبه في الإرث أو الوصية لأن ذلك مشروط بتحقق حياته وقت موت المورث أو الموصى ولأن موته أيها غير محقق، فلا يمكن إسقاطه من بين ورثة مورثه أو إلغاء الوصية فيوقف إذن فعليه في الإرث أو الوصية، كما يوقف نصيب الجنين إلى أن يظهر حياً أو تثبت وفاته.
فإن ظهر المفقود حياً قبل الحكم بثبوت وفاته، تبدد الشك، وحل اليقين محله، ووجب أن يزول كل ما ترتب على الشك من آثار، فتنقضي ولاية الوكيل بظهور المفقود ويتسلم هذا أمواله وما انضم إليها من إیرادها ليديره بنفسه ويضم زوجته، ويأخذ الموقوف على ذمته من إرث أو وصية.
(ب) بعد الحكم بثبوت وفاته - أما إذا لم يظهر المفقود وحكم بثبوت وفاته، فيترتب على هذا الحكم اعتبار المفقود ميتاً، ولكن أتعتبر وفاته من وقت الحكم فقط أم من وقت الفقد؟
إذا قلنا أنه يعتبر ميتاً من وقت فقده، ترتب على ذلك :
1- أن ما أوقف على ذمته من إرث أو وصية بعد الفقد وقبل الحكم يرتد إلى ذوي الحق فيه الذين كانوا يستحقونه من دونه، وهذه النتيجة لا غبار عليها لأن شرط استحقاق الإرث أو الوصية هو تحقق حياة الوارث أو الموصى له وقت وفاة المورث أو الموصى، وحياة المفقود في هذه الحالة محل شك من وقت فقده .
2 - أن تقسم أمواله على ورثته الذين كانوا موجودين وقت فقده حتى من توفى منهم بعد الفقد وقبل الحكم، وهذه النتيجة يعترض عليها بأن شرط استحقاق الإرث هو تحقق موت المورث قبل الوارث، وهذا الشرط منعدم بالنسبة إلى أن توفى من ورثة المفقود في الفترة ما بين الفقد والحكم، لانعدام الدليل على وفاة المفقود في هذه الفترة.
وإذا قلنا إنه يعتبر ميتاً من وقت الحكم بثبوت وفاته فقط، ترتب على ذلك عكس النتائج السابقة :
1- فتقسم أمواله على ورثته الموجودين وقت الحكم فقط ، فلا يرثه من يكون قد توفي في الفترة ما بين الفقد والحكم وهذه النتيجة لا غبار عليها لأن العبرة بتحقق حياة الوارث في الوقت الذي تأكد فيه موت المورث.
2 - ويستحق ما أوقف على ذمته من إرث أو وصية ، فيدخل نصيبه منهما في ضمن تركته ويقسم بين ورثته الموجودين وقت الحكم، وهذه النتيجة يعترض عليها بأن شرط استحقاق الإرث أو الوصية تحقق حياة الوارث أو الموصي له وقت موت المورث أو الموصي، وهذا الشرط منعدم بالنسبة إلى المفقود لانعدام الدليل على أنه كان حياً وقت وفاة الموت أو الموصي.
لذال، قرر الفقهاء أن المفقود، بعد الحكم بثبوت وفاته، يعتبر بالنسبة إلى الفترة ما بين الفقد والحكم حياً فيما يتعلق بالأحكام التي تضره، وميتاً فيما يتعلق بالأحكام التي تنفعه وتضر غيره، وبعبارة أخرى فإن المفقود الذي حكم بثبوت وفاته يعتبر أنه مات من تاريخ القدم بالنسبة إلى إرثه من غيره وما في حكم ذلك، وأنه لم يمت إلا من وقت الحكم بالنسبة إلى إرث غيره منه وما شابهه.
( جـ ) في حالة ظهوره بعد الحكم بثبوت وفاته - فإذا ظهر المفقود بعد الحكم بثبوت وفاته، وبعد أن ترتبت على هذا الحكم نتائجه ، فتسوى أموره على الوجه الآتي :
1- أما زوجته فهي له ما لم يتزوج بها آخر ويستمتع بها غير عالم بحياة الأول، وإلا فإنها تكون لزوجها الثاني وتبقى له (المادة 8 من القانون رقم 25 لسنة 1929 ).
2 - أما ماله الذي كان له قبل فقده وما نشأ عنه من ريع؛ فإنه يأخذ الموجود منه في يد ورثته وقت ظهوره ولا يرجع عليهم بما استهلكوه منه، استهلكوه منه.
3-أما ما كان موقوفاً لأجله من إرث أو وصية ثم رد بعد الحكم بثبوت وفاته إلى ورثة المورث أو الموصي، فإن المفقود يستحقه بعد ظهوره، ولكنه لا يأخذ إلا الموجود منه في أيديهم. أما المستهلك فلا ضمان له ( المادة 45 من القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث).
تنبيه : التمييز بين المفقود وبين الغائب - كانت الشريعة الإسلامية تقتصر على تنظيم أحكام المفقود بالمعنى المتقدم، وكذلك كانت القوانين الوضعية المصرية حتى سنة 1925 حيث صدر قانون المجالس الحسبية ونص في المادة 3 منه على أن المجالس المذكورة تختص بتعيين الوكلاء عن الغائبين، فجاز التساؤل عما إذا كان المقصود بالعامين المفقودين فحسب أو غيرهم أيضاً.
وقد أوضح المشرع هذه المسألة في قانون المحاكم الحسبية الذي صدر في سنة 1947، ليحل محل قانون المجالس الحسبية في تنظيم إدارة أموال عديمي الأهلية والغائبين، فنص في المادة 50 منه على أن « الغائب هو كل شخص كامل الأهلية لا تعرف حياته أو مماته، أو تكون حياته محققة ولكنه هجر موطنه راضياً أو مرغماً وحالت ظروف قاهرة دون إدارته شئونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة وترتب على ذلك أن تعدلت مصالحه أو مصالح غيره، وكان هذا التعريف يفهم منه أن الغائب يشمل المفقود كامل الأهلية وكل شخص آخر كامل الأهلية غاب عن موطنه غيبة اضطرارية مدة أكثر من مئة دون أن يترك وكيلاً عنه، أي أنه لا يشمل المفقود ناقص الأهلية.
وقد عدل المشرع عن ذلك في قانون الولاية على المال الصادر في سنة 1952 حيث اعتبر الغائب هو كل مفقود لا تعرف حياته أو مماته، سواء كان كاملة الأهلية أو ناقصها ، وكل من ليس له محل إقامة ولا موطن معلوم ومن يكون له محل خارج البلاد المصرية إذا استحال عليه أن يتولى شئونه بنفسه أو أن يشرف على من ينيبه في ادارتها (المادة 84 من القانون المذكور) إذا كان الغائب ناقص الأهلية، سرت في حقه أحكام الولاية والوصاية بحسب الأحوال، أما إن كان كامل الأهلية، فإن كان ترك وكيلاً عاماً، تحكم المحكمة بتثبيته متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي، وإلا عينت غيره ( المادة 75 )، وإن لم يكن قد ترك وكيلاً، فتقيم المحكمة له وكيلاً متى كانت قد انقضت مدة سنة أو أكثر عالي شبابه وترتب على ذلك تعطيل مصالحه ( المادة 74 ) .
وظاهر أن أهمية تعريف الغائب في قانون المحاكم الحسبية الملغي، في قانون الولاية على المال مقصورة على تنظيم إدارة أموال من يعتبر غائباً سواء كان مفقوداً أو غير مفقود، وأن هذا التعريف لا شأن له بموضوع بحثنا هنا وهو إنهاء شخصية المفقود بوجه عام سواء كان شخصاً كامل الأهلية أو معدومها كلها أو بعضها.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول الصفحة/ 664)
المقصود بالغائب والمفقود : يقصد بالغائب من يتغيب عن موطنه ومركز أعماله ويعرف انه حي سواء عرفه مكان غيبته أم لم يعرف، أما المفقود فهو الغائب الذي لا تعرف حياته من مماته وقد نصت المادة 74 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 على أن تقيم المحكمة وكيلاً عن الغائب كامل الأهلية إذا انقضت سنة على غيابه وترتب على ذلك تعطيل مصالحه ولم يكن له مكان معلوم او كان له مثل هذا المكان واستحال عليه ادارة امواله بنفسه أو الاشراف على من ينيبه عنه في ذلك وأجازت المادة 12 من القانون رقم 25 لسنة 1929 للزوجة إذا استطالت غيبة زوجها سنة فأكثر أن تطلب من القاضي تطليقها بائناً.
وحكم المفقود فترة فقده : يعتبر المفقود حياً في الأحكام الضارة به المترتبة على اعتباره ميتاً، كما يعتبر ميتاً في الأحكام المترتبة على موته والتي تنفعه ولا تضر غيره، فأمواله لا تقسم على ورثته، والنفقة الواجبة عليه لا ترفع عنه، وتظل زوجته على عصمته، غير أنه لا يرث أحداً ولا يستحق وصية بل يوقف استحقاقه.
الحكم بموت المفقود وأثره : يجيز القانون رقم 25 لسنة 1929 الحكم بموت المفقود فإن كان يغلب عليه الهلاك كمن فقد في حرب أو حريق أو غرق جاز الحكم بذلك بعد أربع سنوات، أما إن كان لا يغلب عليه الهلاك فيترك تحديد المدة للقاضي على ألا تقل عن أربع سنوات، ويترتب على الحكم بموت المفقود اعتبار المفقود ميتاً من تاريخ الحكم بموته بالنسبة الى ماله، ومن تاريخ نقده بالنسبة إلى مال غيره ولا يمنع ذلك من أن يرفع ذوو الشأن دعوت بثبوت موت المفقود موتاً حقيقياً وليس حكمياً وفي هذه الحالة لا يتقيد الحكم بذلك بمضي أربع سنوات على الفقد، ومن جهة أخرى استثناء من حكم المادة يجوز لرئيس الوزراء بالنسبة لمفقودی کوارث السفن والطائرات أن يصدر قراراً باعتبار من مضت سنة على فقده ميتاً، كما يجوز لوزير الدفاع أن يصدر قراراً مماثلاً بالنسبة إلى مفقودي القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية إذا مضت سنة على الفقد .
وأثر ظهور المفقود حياً : إذا تبين بعد الحكم بموت المفقود أنه مازال حياً استرد ماله أو ما كان قد استحق له من أموال موجودة تحت يد الأخرين وسواء كانوا ورثته أو ورثة مورثه أو من اوصى له دون ما استهلكه هؤلاء من أموال ، وان كنا نرى مع بعض الفقهاء انتقال حقه إلى ما يكون قد حل محل أمواله كالتعويض المستحق عن نزع الملكية أو أكل البحر أما زوجته التي اعتدت بوفاته فهي في عصمته إذا لم تكن قد تزوجت، اما اذا كانت قد تزوجت فإنها تعود إلى عصمته كذلك في حالة إذا كان الزوج الجديد لم يدخل بها، أو كان يعلم بحياة المفقود .(التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 414)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت
الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والثلاثين ، الصفحة / 267
مفْقُودٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -الْمَفْقُودُ فِي اللُّغَةِ: الضَّائِعُ وَالْمَعْدُومُ، يُقَالُ: فَقَدَ الشَّيْءَ يَفْقِدُهُ فَقْدًا، وَفِقْدَانًا، وَفُقُودًا: ضَلَّهُ وَضَاعَ مِنْهُ، وَفَقَدَ الْمَالَ وَنَحْوَهُ: خَسِرَهُ وَعَدِمَهُ.
وَالْمَفْقُودُ فِي الاِصْطِلاَحِ: غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ وَحَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ، وَأَهْلُهُ فِي طَلَبِهِ يَجِدُّونَ، وَقَدِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ أَثَرُهُ.
أَنْوَاعُ الْمَفْقُودِ
2 - الْمَفْقُودُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ نَوْعٌ وَاحِدٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ عَلَى أَنْوَاعٍ:
الأْوَّلُ: الْمَفْقُودُ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّعَ هَذَا النَّوْعَ إِلَى مَفْقُودٍ فِي زَمَانِ الْوَبَاءِ، وَمَفْقُودٍ فِي غَيْرِهِ.
الثَّانِي: الْمَفْقُودُ فِي بِلاَدِ الأْعْدَاءِ.
الثَّالِثُ: الْمَفْقُودُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْكُفَّارِ.
الرَّابِعُ: الْمَفْقُودُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَالْمَفْقُودُ عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ:
الأْوَّلُ: مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلاَمَةُ، كَالْمُسَافِرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلسِّيَاحَةِ أَوْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الثَّانِي: مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلاَكُ، كَالْجُنْدِيِّ الَّذِي يُفْقَدُ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَرَاكِبِ السَّفِينَةِ الَّتِي غَرِقَتْ وَنَجَا بَعْضُ رُكَّابِهَا، وَالرَّجُلِ الَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، كَمَنْ خَرَجَ إِلَى السُّوقِ أَوْ إِلَى حَاجَةٍ قَرِيبَةٍ فَلَمْ يَرْجِعْ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا مَنْ فُقِدَ فِي صَحْرَاءَ مُهْلِكَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
3 -أَمَّا الأْسِيرُ، الَّذِي لاَ يُدْرَى أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَفْقُودًا فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَلَمْ يَجْعَلُوا الأْسِيرَ مَفْقُودًا وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ وَلاَ مَوْقِعُهُ بَعْدَ الأْسْرِ إِلاَّ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الأْسِيرَ الَّذِي تُعْرَفُ حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ مِنَ الأْوْقَاتِ، ثُمَّ يَنْقَطِعُ خَبَرُهُ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مَوْتٌ وَلاَ حَيَاةٌ يُعْتَبَرُ مَفْقُودًا مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي عِنْدَهُمْ.
وَقَدِ اعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ الْمُرْتَدَّ الَّذِي لَمْ يَعُدْ أُلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لاَ مَفْقُودًا.
وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْمَالِكِيَّةُ الْمَحْبُوسَ الَّذِي لاَ يُسْتَطَاعُ الْكَشَفُ عَنْهُ مَفْقُودًا.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَفْقُودِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمَفْقُودِ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا:
أ - زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ
4 - مِنَ الثَّابِتِ شَرْعًا أَنَّ الْفِقْدَانَ لاَ يُؤَثِّرُ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ، لِذَلِكَ فَإِنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ تَبْقَى عَلَى نِكَاحِهِ، وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ جَمِيعًا، وَيَقَعُ عَلَيْهَا طَلاَقُهُ وَظِهَارُهُ وَإِيلاَؤُهُ، وَتَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، مَا لَمْ يَنْتَهِ الْفِقْدَانُ.
وَلَكِنْ إِلَى مَتَى تَبْقَى كَذَلِكَ؟ لَمْ يَأْتِ فِي السُّنَّةِ إِلاَّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ هُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْخَبَرُ».
وَهَذَا النَّصُّ الْمُجْمَلُ جَاءَ بَيَانُهُ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: بِأَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ تَبْقَى عَلَى عِصْمَته إِلَى أَنْ يَمُوتَ، أَوْ يَأْتِيَ مِنْهُ طَلاَقُهَا.
وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ.
وَذَهَبَ عُمَرُ رضي الله تعالي عنه إِلَى أَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا انْقَضَتْ حَلَّتْ لِلأْزْوَاجِ.
وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ عُثْمَانُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، هُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ إِذَا فُقِدَ فِي الصَّفِّ عِنْدَ الْقِتَالِ تَرَبَّصَتِ امْرَأَتُهُ سَنَةً، وَإِذَا فُقِدَ فِي غَيْرِهِ تَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ تَتَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَحِلُّ لِلأَزْوَاجِ، وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فِي بِلاَدِ الأْعْدَاءِ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ لاَ تَحِلُّ لِلأَزْوَاجِ إِلاَّ إِذَا ثَبَتَ مَوْتُهُ، أَوْ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ حَدًّا لاَ يَحْيَا إِلَى مِثْلِهِ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِسَبْعِينَ سَنَةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: إِذَا بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَذَهَبَ أَشْهَبُ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَالْمَفْقُودِ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
أَمَّا الْمَفْقُودُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْكَفَّارِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَالْمَفْقُودِ فِي بِلاَدِ الأْعْدَاءِ، وَعَنْ مَالِكٍ: تَتَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ سَنَةً، ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَقِيلَ: هُوَ كَالْمَفْقُودِ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ مُعَيَّنٌ، وَإِنَّمَا تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ، وَقِيلَ: تَتَرَبَّصُ سَنَةً ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَقِيلَ: يُتْرَكُ ذَلِكَ لاِجْتِهَادِ الإْمَامِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَعِنْدَهُمْ فِي الْمَفْقُودِ الَّذِي ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلاَمَةُ قَوْلاَنِ:
الأْوَّلُ: لاَ تَزُولُ الزَّوْجِيَّةُ مَا لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ.
الثَّانِي: أَنَّ زَوْجَتَهُ تَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْلُغَ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعِينَ سَنَةً فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمُدَّةَ مُفَوَّضَةٌ إِلَى رَأْيِ الإْمَامِ وَالرِّوَايَةُ الأْولَى هِيَ الْقَوِيَّةُ الْمُفْتَى بِهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ.
وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ قَدَّرَ الْمُدَّةَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَأَمَّا الْمَفْقُودُ الَّذِي ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ الْهَلاَكُ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
بَدْءُ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ
5 -تَبْدَأُ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ مِنْ حَيْنِ رَفْعِ الأَْمْرِ إِلَى الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه، وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَعَلَيْهِ اتَّفَقَ أَكْثَرُ مَنْ قَالَ بِالتَّرَبُّصِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ تَبْدَأُ مِنْ حِيْنِ الْيَأْسِ مِنْ وُجُودِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ التَّحَرِّي عَنْهُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الأْظْهَرُ لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ الْقَدِيمِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَقِيلَ: تَبْدَأُ الْمُدَّةُ مِنْ حِيْنِ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ الْقَدِيمِ، وَالرِّوَايَةُ الأْصَحُّ وَالصَّوَابُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَهُنَاكَ نُصُوصٌ نُقِلَتْ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، جَاءَ فِيهَا ذِكْرُ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ دُونَ تَحْدِيدِ مَتَى تَبْدَأُ.
وَذَهَبَ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، رضي الله عنهم، وَعَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ وَلِيُّ الْمَفْقُودِ زَوْجَتَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم أَنَّهُ لاَ حَاجَةَ لِطَلاَقِ الْوَلِيِّ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَالْمُتَّفِقُ مَعَ الْقِيَاسِ .
مَا يَجِبُ عَلَى زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ :
6 - يَجِبُ عَلَى زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ أَنْ تَعْتَدَّ لِلْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَالصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَخَذُوا بِقَوْلِهِ.
وَلاَ تَحْتَاجُ الزَّوْجَةُ بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ لِحُكْمٍ مِنَ الْحَاكِمِ بِالْعِدَّةِ، وَلاَ بِالزَّوَاجِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فِي قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ عِنْدَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالأْصَحُّ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ الْحُكْمِ.
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالتَّفْرِيقِ:
7 -إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَفْقُودِ وَزَوْجَتِهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَنْفُذُ بِالظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَقِيلَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ.
وَلِهَذَا نَتَائِجُ فِي أَثَرِ ظُهُورِ الْمَفْقُودِ حَيًّا فِي نِكَاحِ الزَّوْجَةِ غَيْرَهُ (ر: ف 25 - 26).
فَإِنْ تَزَوَّجَتِ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ فِي وَقْتٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِيهِ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، لأِنَّ حُكْمَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الأْوَّلِ عَلَى حَالِهِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَتِ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ قَبْلَ مُضِيِّ الزَّمَانِ الْمُعْتَبَرِ لِلتَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا الْعِدَّةُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لأِنَّ هَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ فَأَشْبَهَتِ الزَّوْجَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الأْصَحُّ عِنْدَهُمْ فَإِنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ وَبِالْقَوْلِ الأْوَّلِ لِلشَّافِعِيَّةِ أَخَذَ الْحَنَابِلَةُ.
وَلَوِ ادَّعَتِ امْرَأَةٌ أَنَّهَا زَوْجَةٌ لِلْمَفْقُودِ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُقْضَ لَهَا بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَمَبْنَى الْمَسْأَلَةِ قَائِمٌ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَعَدَمِهِ.
ب - أَمْوَالُ الْمَفْقُودِ:
لِلْفِقْدَانِ أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي أَمْوَالِ الْمَفْقُودِ الْقَائِمَةِ، وَفِي اكْتِسَابِهَا بِالْوَصِيَّةِ، وَالإْرْثِ، وَفِي إِدَارَةِ تِلْكَ الأْمْوَالِ.
أَوَّلاً: فِي بَيْعِ مَالِ الْمَفْقُودِ
8 -ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ عَقَارَ الْمَفْقُودِ، وَلاَ الْعُرُوضَ الَّتِي لاَ يَتَسَارَعُ إِلَيْهَا الْفَسَادُ، وَأَمَّا مَا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ كَالثِّمَارِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ، وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جِوَازِ بَيْعِ أَمْوَالِ الْمَفْقُودِ إِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَوِ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ ضَمَانِ عَيْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ
ثَانِيًا: فِي قَبْضِ حُقُوقِ الْمَفْقُودِ
9 -لَيْسَ لِلْقَاضِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْمَفْقُودِ الَّذِي فِي يَدِ مُودِعِهِ، وَلاَ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ الشَّرِيكِ الْمُضَارِبِ، لأِنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنِ الْمَفْقُودِ فِي الْحِفْظِ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ رَأَى مَصْلَحَةً فِيهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَدِينُ غَيْرَ ثِقَةٍ.
وَلَوْ أَنَّ الْمَدِينَ دَفَعَ الدَّيْنَ إِلَى زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ أَوْ وَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ لَوْ دَفَعَ الأْجْرَةَ، فَإِنَّ الذِّمَّةَ لاَ تَبْرَأُ مَا لَمْ يَأْمُرِ الْقَاضِي بِذَلِكَ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ دُيُونَ الْمَفْقُودِ لاَ تُدْفَعُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِلسُّلْطَانِ.
ثَالِثًا: فِي الإْنْفَاقِ مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ:
10 - مِنَ الثَّابِتِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ (ر: ف 4)، وَهَذِهِ النَّفَقَةُ تَكُونُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ، بِذَلِكَ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: تَسْتَدِينُ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَخَذَتْ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ أَخَذَتْ مِنْ نَصِيبِهَا مِنَ الْمِيرَاثِ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَفْقُودِ مَالٌ، وَطَلَبَتِ الزَّوْجَةُ مِنَ الْقَاضِي الْحُكْمَ لَهَا بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يُجِيبُهَا إِلَى ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلٌ لأِبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُ: لاَ يُجِيبُهَا، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَقَالَ زُفَرُ: يَأْمُرُهَا الْقَاضِي بِأَنْ تَسْتَدِينَ، وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا.
وَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ، أَوْ بِمُفَارِقَتِهِ لَهَا فَإِنِ اسْتَمَرَّتْ بِقَبْضِ النَّفَقَةِ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ فَارَقَهَا ثُمَّ رَجَعَ، فَعَلَيْهَا أَنْ تُعِيدَ مَا قَبَضَتْهُ مِنْ تَارِيخِ الْمَوْتِ، أَوِ الْمُفَارِقَةِ.
وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِزَوَاجِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ غَيْرِهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَسْقُطُ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْمَفْقُودِ، أَوْ بِزَوَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ
وَيَجِبُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَفِيهِ قَوْلاَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ.
11 -وَيَجِبُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ نَفَقَةُ الْفُقَرَاءِ مِنْ أَوْلاَدِهِ وَوَالِدِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لاِسْتِحْقَاقِ الأْبَوَيْنِ النَّفَقَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَضَى بِهَا قَاضٍ قَبْلَ الْفَقْدِ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَفْقُودَ مَيِّتٌ، وَاسْتَمَرَّ هَؤُلاَءِ بِقَبْضِ النَّفَقَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ، فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ مِنْ يَوْمِ مَاتَ، لأِنَّهُمْ وَرَثَةٌ.
12- وَتُسْتَوْفَى النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ لِلزَّوْجَةِ وَالأْوْلاَدِ وَالْوَالِدَيْنِ مِنْ دَرَاهِمِ الْمَفْقُودِ وَدَنَانِيرِهِ وَمِنَ التِّبْرِ أَيْضًا، إِذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ تَحْتَ يَدِ الْقَاضِي، أَوْ كَانَ وَدِيعَةً، أَوْ دَيْنًا لِلْمَفْقُودِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْوَدِيعُ وَالْمَدِينُ بِذَلِكَ، وَأَقَرَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ.
وَيَنْتَصِبُ الْوَدِيعُ وَالْمَدِينُ خَصْمًا فِي الدَّعْوَى، لأِنَّ الْمَالَ تَحْتَ يَدِهِمَا، فَيَتَعَدَّى الْقَضَاءُ مِنْهُمَا إِلَى الْمَفْقُودِ، فَإِنْ كَانَ الْوَدِيعُ أَوِ الْمَدِينُ مُنْكِرًا لِلْوَدِيعَةِ أَوِ الدَّيْنِ أَوِ الزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ، لَمْ يَصْلُحْ لِمُخَاصَمَةِ أَحَدٍ مِنْ مُسْتَحِقِّي النَّفَقَةِ، وَلاَ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ ضِدَّهُ.
وَلَيْسَ لِهَؤُلاَءِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَالثِّمَارِ، وَنَحْوِهَا، فَإِنْ بَاعُوهُ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ.
وَلَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ دَارِ الْمَفْقُودِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ مَالِهِ سِوَاهَا، وَاحْتَاجُوا لِلنَّفَقَةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مُسْتَحِقِّي النَّفَقَةِ كَفِيلاً، لاِحْتِمَالِ أَنْ يَحْضُرَ الْمَفْقُودُ، وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى طَلاَقِ امْرَأَتِهِ، وَأَنَّهُ تَرَكَ لأِوْلاَدِهِ مَالاً يَكْفِي لِنَفَقَتِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَالْقَضَاءُ عَلَى الْمَفْقُودِ بِالنَّفَقَةِ لِمُسْتَحِقِّيهَا لَيْسَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْكِينٌ لَهُمْ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِمْ.
وَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمَفْقُودِ نَفَقَةُ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِ الْمَفْقُودِ غَيْرَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا آنِفًا.
رَابِعًا: فِي الْوَصِيَّةِ:
13- تُوقَفُ الْوَصِيَّةُ لِلْمَفْقُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، حَتَّى يَظْهَرَ حَالُهُ، فَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا قَبْلَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ فَلَهُ الْوَصِيَّةُ، وَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ رُدَّ الْمَالُ الْمُوصَى بِهِ إِلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ وَجَاءَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ أَوْ بَلَغَ مِنَ السِّنِينَ مَا لاَ يَحْيَا إِلَى مِثْلِهَا، وَالْمُوصَى لَهُ حَيٌّ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِذَا كَانَتْ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَكَذَلِكَ الْحَالُ لَوْ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ الْفَقْدِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ.
خَامِسًا: فِي الإْرْثِ:
14 - يُعْتَبَرُ الْمَفْقُودُ حَيًّا بِالنِّسْبَةِ لأِمْوَالِهِ، فَلاَ يَرِثُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَيَبْقَى كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ حَقِيقَةً، وَيُحْكَمَ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (ر: ف 20 - 21).
15 - وَلاَ يَرِثُ الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ وَقْفُ نَصِيبِهِ مِنْ إِرْثِ مُوَرِّثِهِ، وَيَبْقَى كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يُتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ كَمِيرَاثِ الْحَمْلِ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ حَيٌّ اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنَ الإْرْثِ كَذَلِكَ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ أَوْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ، فَإِنَّ مَا أُوقِفَ مِنْ نَصِيبِهِ يُرَدُّ إِلَى وَرَثَةِ الْمُوَرِّثِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ مِمَّنْ يَحْجُبُ الْحَاضِرِينَ، لَمْ يُصْرَفْ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ، بَلْ يُوقَفُ الْمَالُ كُلُّهُ.
وَإِنْ كَانَ لاَ يَحْجُبُهُمْ، يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ الأْقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ الإْرْثِيِّ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاةِ الْمَفْقُودِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ: رَجُلٌ مَاتَ عَنْ بِنْتَيْنِ، وَابْنٍ مَفْقُودٍ، وَابْنِ ابْنٍ، وَبِنْتِ ابْنٍ، وَطَلَبَتِ الْبِنْتَانِ الإْرْثَ، فَإِنَّ فَرْضَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثُّلُثَانِ، لاَ يُدْفَعُ إِلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يُدْفَعُ إِلَيْهِمَا النِّصْفُ؛ لأِنَّهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ، وَلاَ يُدْفَعُ شَيْءٌ لاَبْنِ الاِبْنِ، وَلاَ لِبِنْتِ الاِبْنِ، فَإِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَحُكِمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ، أُعْطِيَتِ الْبِنْتَانِ السُّدُسَ، لِيَتِمَّ لَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَأُعْطِيَ الْبَاقِي لأِوْلاَدِ الاِبْنِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأْنْثَيَيْنِ، وَعَلَى مَا سَبَقَ اتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ مَا ذُكِرَ مِنْ خِلاَفٍ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنْبَلِيِّ حَوْلَ رَدِّ مَا أُوقِفَ مِنْ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ رَغْمَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إِلَى وَرَثَةِ الْمُوَرِّثِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، غَيْرَ أَنَّ الْقَوْلَ الأْصَحَّ فِيهِ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمَفْقُودِ، يُوَزَّعُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَعَلَيْهِ الْمَذْهَبُ.
16 - وَلَوِ ادَّعَى وَرَثَةُ رَجُلٍ أَنَّهُ فُقِدَ، وَطَلَبُوا قِسْمَةَ مَالِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَقْسِمُهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِهِ، وَتَكُونُ الدَّعْوَى بِأَنْ يَجْعَلَ الْقَاضِي مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ خَصْمًا عَنِ الْمَفْقُودِ، أَوْ يُنَصِّبُ عَنْهُ قَيِّمًا فِي هَذِهِ الْوِلاَيَةِ.
سَادِسًا: فِي إِدَارَةِ أَمْوَالِ الْمَفْقُودِ
تُدَارُ أَمْوَالُ الْمَفْقُودِ مِنْ قِبَلِ وَكِيلِهِ، أَوْ وَكِيلٍ يُعَيِّنُهُ الْقَاضِي.
أ - الْوَكِيلُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَفْقُودُ:
17 -مَنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ، ثُمَّ فُقِدَ فَإِنَّ الْوِكَالَةَ تَبْقَى صَحِيحَةً؛ لأِنَّ الْوَكِيلَ لاَ يَنْعَزِلُ بِفَقْدِ الْمُوَكِّلِ.
وَلِهَذَا الْوَكِيلِ أَنْ يَحْفَظَ الْمَالَ الَّذِي أَوَدَعَهُ الْمَفْقُودُ، وَلَيْسَ لأِمِينِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ.
وَأَمَّا قَبْضُ الدُّيُونِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غُرَمَاءُ الْمَفْقُودِ، وَقَبْضُ غَلاَّتِ أَمْوَالِهِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ ابْنُ عَابِدِينَ إِلَى أَنَّ لِوَكِيلِ الْمَفْقُودِ حَقُّ قَبْضِ الدِّيُونِ وَالْغَلاَّتِ مَا دَامَ قَدْ وُكِّلَ بِذَلِكَ.
وَلِلْحَنَابِلَةِ فِي قَبْضِ وَكِيلِ الْمَفْقُودِ لِلْغَلاَّتِ قَوْلاَنِ.
وَلَيْسَ لِمَنْ كَانَ وَكِيلاً بِعَمَارَةِ دَارِ الْمَفْقُودِ أَنْ يُعَمِّرَهَا إِلاَّ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَلَعَلَّهُ مَاتَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّصَرُّفُ لِلْوَرَثَةِ.
ب - الْوَكِيلُ الَّذِي يُعَيِّنُهُ الْقَاضِي:
18 -إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَفْقُودِ وَكِيلٌ فَإِنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ لَهُ وَكِيلاً.
وَهَذَا الْوَكِيلُ يَتَوَلَّى جَمْعَ مَالِ الْمَفْقُودِ وَحِفْظِهِ وَقَبْضِ كُلِّ حُقُوقِهِ مِنْ دُيُونٍ ثَابِتَةٍ وَأَعْيَانٍ وَغَلاَّتٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ إِلاَّ بِإِذْنِ الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ الَّتِي لِلْمَفْقُودِ، وَفِي الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَوَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ.
وَلاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِحَقٍّ عَلَى الْمَفْقُودِ، وَلاَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ إِنْ قَبِلَ ذَلِكَ، وَحَكَمَ بِهِ، نَفَذَ حُكْمُهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَفْقُودِ.
وَلَوْ طَلَبَ وَرَثَةُ الْمَفْقُودِ مِنَ الْحَاكِمِ نَصْبَ وَكِيلٍ عَنْهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِذَلِكَ.
انْتِهَاءُ الْفِقْدَانِ:
يَنْتَهِي الْفِقْدَانُ بِإِحْدَى الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:
الْحَالَةُ الأْولَى: عَوْدَةُ الْمَفْقُودِ
19 -إِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَفْقُودَ حَيٌّ، وَعَادَ إِلَى وَطَنِهِ، فَقَدِ انْتَهَى الْفِقْدَانُ، لأِنَّ الْمَفْقُودَ مَجْهُولُ الْحَيَاةِ أَوِ الْمَوْتِ، وَبِظُهُورِهِ انْتَفَتْ تِلْكَ الْجَهَالَةُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.
(ر: ف 25 – 26).
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: مَوْتُ الْمَفْقُودِ:
20 - إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمَفْقُودَ قَدْ مَاتَ فَقَدِ انْتَهَتْ حَالَةُ الْفِقْدَانِ، لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ الَّتِي كَانَتْ تُحِيطُ حَيَاتَهُ أَوْ مَوْتَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ.
وَلاَ بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَوْتِهِ أَمَامَ الْقَاضِي، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَمْ يَشْتَرِطُوا صُدُورَ حُكْمٍ بِذَلِكَ.
وَيُمْكِنُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَدَّعُوا مَوْتَ الْمَفْقُودِ، وَيُقَدِّمُوا الْبَيِّنَةَ لإِثْبَاتِ ذَلِكَ، وَيَخْتَارُ الْقَاضِي وَكِيلاً عَنِ الْمَفْقُودِ يُخَاصِمُ الْوَرَثَةَ، فَإِذَا أَثَبَتَتِ الْبَيِّنَةُ مَوْتَهُ، قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ.
وَيُقَسَّمُ مِيرَاثُ الْمَفْقُودِ بَيْنَ الأْحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَعَلَيْهِ اتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ، لأِنَّ شَرْطَ التَّوْرِيثِ بَقَاءُ الْوَارِثِ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ.
21 -أَمَّا مِيرَاثُ الزَّوْجَةِ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ كَمَا يَلِي: ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ إِلَى أَنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ الَّتِي تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مَيِّتٌ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْهُ، وَهِيَ تَرِثُهُ.
وَفِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ تَفْصِيلٌ: فَإِنْ جَاءَ مَوْتُهُ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ.
وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الثَّانِي، وَوَرِثَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْمَفْقُودِ.
وَإِنْ تَزَوَّجَتْ وَجَاءَ مَوْتُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَرِثَتْهُ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَقْبَلَتْ عِدَّتَهَا مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ.
وَإِنْ جَاءَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي، لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، وَلاَ إِرْثَ لَهَا.
أَمَّا إِنْ كَانَ زَوَاجُ الثَّانِي قَدْ وَقَعَ فِي الْعِدَّةِ مِنَ الأْوَّلِ الْمُتَوَفَّى، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الثَّانِي.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَرِثُ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا الْمَفْقُودِ الَّذِي ثَبَتَ مَوْتُهُ إِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ، أَوْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا لاَ تَرِثُ مِنْهُ.
فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، وَكَانَ الزَّوْحُ الأْوَّلُ قَدْ قَدِمَ وَاخْتَارَهَا ثُمَّ مَاتَ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، وَلَوْ مَاتَ الثَّانِي لَمْ تَرِثْهُ، وَلَمْ يَرِثْهَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اخْتِيَارِهَا - وَقُلْنَا بِأَنَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ - فَإِنَّهَا تَرِثُ الزَّوْجَ الثَّانِي وَيَرِثُهَا، لاَ تَرِثُ الزَّوْجَ الأْوَّلَ وَلاَ يَرِثُهَا.
وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ الأْوَّلِ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ، فَإِنِ اخْتَارَهَا وَرِثَهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا وَرِثَهَا الثَّانِي.
وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّهَا لاَ تَرِثُ زَوْجَهَا الثَّانِي، وَلاَ يَرِثُهَا بِحَالٍ إِلاَّ أَنْ يُجَدِّدَ لَهَا عَقْدًا، أَوْ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الأْوَّلَ كَانَ حَيًّا، وَمَتَى عَلِمَ أَنَّ الأْوَّلَ كَانَ حَيًّا وَرِثَهَا وَوَرِثَتْهُ، إِلاَّ أَنْ يَخْتَارَ تَرْكَهَا، فَتَبِينَ مِنْهُ بِذَلِكَ، فَلاَ تَرِثُهُ وَلاَ يَرِثُهَا.
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ يُوقِعُ التَّفْرِيقَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَرِثُ الثَّانِي وَيَرِثُهَا، وَلاَ تَرِثُ الأْوَّلَ وَلاَ يَرِثُهَا.
وَأَمَّا عِدَّتُهَا، فَمَنْ وَرَثَتْهُ اعْتَدَّتْ لِوَفَاتِهِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: اعْتِبَارُ الْمَفْقُودِ مَيِّتًا
22 -يُعْتَبَرُ الْمَفْقُودُ مَيِّتًا حُكْمًا بِمُضِيِّ مُدَّةٍ عَلَى فَقْدِهِ، أَوْ بِبُلُوغِهِ سِنًّا مُعَيَّنَةً.
فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُحْكَمُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ إِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ، لاَ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَهُمْ.
غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي السِّنِّ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ فِيهَا الأْقْرَانُ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: هِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِائَةُ سَنَةٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ الْبُخَارِيُّ: هِيَ تِسْعُونَ سَنَةً، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا سَبْعُونَ سَنَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةُ مَتْرُوكَةٌ إِلَى اجْتِهَادِ الإْمَامِ، وَيُنْظَرُ إِلَى شَخْصِ الْمَفْقُودِ وَالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ.
وَلِعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفٌ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ هَذِهِ الأْقْوَالِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْفَتْوَى عَلَى التِّسْعِينَ سَنَةً وَهُوَ الأْرْفَقُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْفَتْوَى عَلَى الثَّمَانِينَ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْهُمَامِ السَّبْعِينَ سَنَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ تَفْوِيضَ الْمُدَّةِ إِلَى الإْمَامِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَالأْقْيَسُ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَهُمْ قَبْلاً.
(ر: ف 4).
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ، فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ تَقْدِيرَ تِلْكَ السِّنِّ مَتْرُوكٌ لاِجْتِهَادِ الإْمَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً، أَوْ بِسَبْعِينَ، أَوْ بِثَمَانِينَ، أَوْ بِمِائَةٍ، أَوْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
23 - فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ جَرَى تَقْسِيمُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي اعْتُبِرَ فِيهِ مَيِّتًا، لاَ بَيْنَ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَهُ، فَكَأَنَّهُ مَاتَ حَقِيقَةً فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، بِهَذَا قَضَى عُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الأْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْقَوْلِ الآْخَرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يُقَسَّمُ الْمِيرَاثُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الزَّوْجَةِ إِذَا كَانَ الْمَفْقُودُ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْهَلاَكُ .
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ مِيرَاثَ الْمَفْقُودِ يُعْطَى لِوَرَثَتِهِ الأْحْيَاءِ يَوْمَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ.
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: إِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَفْقُودَ لاَ يَعِيشُ فَوْقَهَا، وَحَكَمَ الْقَاضِي بِمَوْتِهِ مِنْ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى حُكْمِهِ بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَيُعْطَى الْمَالُ لِمَنْ كَانَ وَارِثُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ.
وَتَعْتَدُّ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَى فِيهِ تَقْسِيمُ مِيرَاثِهِ. (ر: ف 5)
24- وَلاَ بُدَّ مِنَ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيَّةُ.
وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْقَوْلَ الأْصَحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى حُكْمٍ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ.
وَأَمَّا طَبِيعَةُ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ الْمَفْقُودَ مَيِّتًا، فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ خِلاَفٌ، فَهُوَ مُنْشِئٌ لِلْحَالَةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي أَصْبَحَ عَلَيْهَا الْمَفْقُودُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ صُدُورِ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُظْهِرٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِعَدِمِ وُجُوبِ الْحُكْمِ (ر: ف 6).
وَلِهَذَا الْخِلاَفِ نَتَائِجُ مُهِمَّةٌ جِدًّا، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ مُنْشِئٌ لاَ تَسْتَطِيعُ الزَّوْجَةُ أَنْ تَبْدَأَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَلاَ أَنْ تَتَزَوَّجَ إِلاَّ بَعْدَ صُدُورِهِ.
وَكَذَلِكَ فَإِنَّ أَمْوَالَ الْمَفْقُودِ لاَ تُوَزَّعُ إِلاَّ بَيْنَ الْوَرَثَةِ الْمَوْجُودِينَ يَوْمَ صُدُورِ الْحُكْمِ لاَ قَبْلَهُ، كَأَنَّ الْمَفْقُودَ قَدْ مَاتَ حَقِيقَةً فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُكْمَ مُظْهِرٌ، فَإِنَّ عِدَّةَ الزَّوْجَةِ تَبْدَأُ مِنْ تَارِيخِ انْتِهَاءِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، أَوْ مِنْ بُلُوغِ الْمَفْقُودِ السِّنَّ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا بَعْدَهَا، وَأَنَّ مِيرَاثَ الْمَفْقُودِ يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الأْحْيَاءِ فِي ذَلِكَ التَّارِيخِ، وَلاَ عِبْرَةَ لِصُدُورِ الْحُكْمِ.
أَثَرُ ظُهُورِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ
إِنْ ظَهَرَ الْمَفْقُودُ حَيًّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا، فَإِنَّ لِذَلِكَ آثَارًا بِالنِّسْبَةِ لِزَوْجَتِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ لأِمْوَالِهِ.
أَوَّلاً: بِالنِّسْبَةِ لِزَوْجَتِهِ:
25 -لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ إِنْ عَادَ، وَلَمْ تَكُنْ زَوْجَتُهُ قَدْ تَزَوَّجَتْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: إِنَّ زَوْجَتَهُ لَهُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمَفْقُودَ إِنْ عَادَ قَبْلَ نِكَاحِ زَوْجَتِهِ غَيْرَهُ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ النِّكَاحِ، فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ:
الأْولَى: إِنْ عَادَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الثَّانِي، وَأَمَّا إِنْ عَادَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَالثَّانِي عَلَى نِكَاحِهِ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ.
الثَّانِيَةُ: إِنْ عَادَ الْمَفْقُودُ، فَوَجَدَ زَوْجَتَهُ قَدْ تَزَوَّجَتْ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دُخُولٌ.
وَقَدْ أَخَذَ بِكُلٍّ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ بِأَنَّ أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُوَطَّأِ
وَقَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ:
فَفِي الْقَوْلِ الْقَدِيمِ: إِنْ قَدِمَ الْمَفْقُودُ بَعْدَ زَوَاجِ امْرَأَتِهِ، فَفِي عَوْدَتِهَا إِلَيْهِ قَوْلاَنِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ الأْوَّلُ بَيْنَ أَخْذِهَا مِنَ الثَّانِي، وَتَرْكِهَا لَهُ وَأَخْذِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْهُ.
وَفِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ: هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِ الْمَفْقُودِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، تَعُودُ لِلأْوَّلِ بَعْدَ انْتِهَاءِ عِدَّتِهَا مِنَ الثَّانِي.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ إِنْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَتُهُ، فَهِيَ عَلَى عِصْمَتِهِ.
فَإِنْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَهِيَ زَوْجَةُ الأْوَّلِ فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ الصَّحِيحُ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُخَيَّرُ.
فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، كَانَ الأْوَّلُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ أَخَذَ زَوْجَتَهُ بِالْعَقْدِ الأْوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَهْرَهَا وَبَقِيَتْ عَلَى نِكَاحِ الثَّانِي.
فَإِنِ اخْتَارَ الْمَرْأَةَ، وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ مِنَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا الأْوَّلُ، وَلاَ حَاجَةَ لِطَلاَقِهَا مِنْهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: تَحْتَاجُ إِلَى طَلاَقٍ.
وَإِنِ اخْتَارَ تَرْكَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي بِالْمَهْرِ الَّذِي دَفَعَهُ هُوَ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ الَّذِي دَفَعَهُ الثَّانِي، وَالأْوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ.
وَفِي رُجُوعِ الزَّوْجِ الثَّانِي عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا دَفَعَهُ لِلأْوَّلِ رِوَايَتَانِ، وَعَدَمُ الرُّجُوعِ هُوَ الأْظْهَرُ وَالأْصَحُّ .
وَيَجِبُ أَنْ يُجَدِّدَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَقْدَ زَوَاجِهِ إِنِ اخْتَارَ الأْوَّلُ تَرْكَ الزَّوْجَةِ لَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقِيلَ: لاَ يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
فَإِنْ رَجَعَ الْمَفْقُودُ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجَةِ عَلَى عِصْمَةِ الثَّانِي فَلاَ خِيَارَ لَهُ، وَهِيَ زَوْجَةُ الثَّانِي ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهُوَ يَرِثُهَا وَلاَ يَرِثُهَا الأْوَّلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرِثُهَا.
وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ التَّخْيِيرَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنْ شَاءَتِ اخْتَارَتِ الأْوَّلَ، وَإِنْ شَاءَتِ اخْتَارَتِ الثَّانِيَ، وَأَيُّهُمَا اخْتَارَتْ، رَدَّتْ عَلَى الآْخَرِ مَا أَخَذَتْ مِنْهُ.
ثَانِيًا: بِالنِّسْبَةِ لأِمْوَالِهِ:
26 -لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ إِنْ عَادَ حَيًّا، فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلاَدِهِ بِمَا أَنْفَقُوهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ بَاعُوا شَيْئًا مِنَ الأْعْيَانِ ضَمِنُوهُ. وَيَأْخُذُ أَيْضًا مَا بَقِيَ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ مِنْ أَمْوَالِهِ، وَلاَ يُطَالَبُ بِمَا ذَهَبَ، سَوَاءٌ أَظَهَرَ حَيًّا قَبْلَ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا، أَمْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ تَرِكَتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ تَقْسِيمِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَأْخُذُ الْمَفْقُودُ مَا وَجَدَ مِنْ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِ وَأَمَّا مَا تَلِفَ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الأْخْرَى غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَقَدِ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۳۹)
تسري في شأن المفقود والغائب الأحكام المقررة في قوانين خاصة ، فإن لم توجد فأحكام الشريعة الإسلامية •
يطابق هذا النص المادة 32 من التقنين الحالي . وقد رؤی تعدیل ترتیب النصوص على خلاف ما جاء في التقنين الحالي ، كي يأتي هذا النص الذی يؤدي حكمه الى انتهاء الشخصية حكما بعد النص الذي يتضمن انتهاء الشخصية حقيقة .