1 ـ لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ولئن كان الاشتراك فى جرائم التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ، إلا أنه يجب على المحكمة وهى تقدر حصوله ، أن تستخلص من ظروف الدعوى وملابساتها ما يوفر اعتقاداً سائغا تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم ، وكان الحكم و قد دان الطاعن بجريمتى الاشتراك فى تزوير محررين رسميين واستعمالهما ، لم يدلل تدليلاً سائغاً على أنه اشترك مع المتهم الآخر المجهول بطريق من طرق الاشتراك المنصوص عليها فى المادة 40 من قانون العقوبات فى تزوير المحرر ولم يورد الدليل على علمه بتزويره - رغم دفاع الطاعن المطروح على محكمة الموضوع والمؤيد بالمستندات بعدم علمه بحصول التزوير وذلك على ما يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة - ودون أن يورد مضمون المحررين موضوع جريمة التزوير والجهة المنسوب إليها إصدار هذين المحررين بياناً واضحاً .
(الطعن رقم 55026 لسنة 75 ق - جلسة 2012/11/22 س 63 ص 768 ق 137)
2 ـ من المقرر أنه وإن كان الاشتراك فى جرائم التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية وأعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه , إلا أنه يجب على المحكمة وهى تقرر حصوله أن تستخلص من ظروف الدعوى وملابساتها ما يوفر اعتقاداً سائغاً بذلك تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم . لما كان ذلك , وكان الحكم قد دان الطاعن بتهمة الاشتراك فى التزوير لم يستظهر فى حقه قيام أية صورة من صور الاشتراك المنصوص عليها فى المادة 40 من قانون العقوبات , وعناصر هذا الاشتراك ولم يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها من واقع الدعوى وظروفها ولا يكفى فى هذا الصدد أن يكون الطاعن هو الذى قدم المحرر المزور للمتهم الثالث مادام الحاصل أن الحكم لم يقم الدليل على أن الطاعن قد اشترك فى ارتكاب تزوير هذا المحرر , فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله مما يوجب نقضه والإعادة - بالنسبة له - دون حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن , وبالبناء على كل ما تقدم , فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه بالنسبه له والإعادة بالنسبة للطاعنين .
(الطعن رقم 765 لسنة 81 ق - جلسة 2012/03/01)
3 ـ لما كان ذلك ، وكان العلم بوقوع الجريمة لا يعتبر قائماً طبقاً لصريح نص المادة 40 من قانون العقوبات إلا إذا توافر فى حق المتهم ثبوت اتفاقه مع الجاني على ارتكابها ، أو تحريضه إياه على ارتكابها ، أو مساعدته له مع علمه بأنه مقبل على ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه إذ رتب مساءلة الطاعنين كشريكين بالمساعدة على مجرد علمهما بوجود العناصر الأجنبية المسلحة لا يكفى لثبوت اشتراكهما بالمساعدة على ارتكاب تلك الجرائم ، كما أن المستفاد من مطالعة نصوص القانون العامة فى الاشتراك فى المواد 40 ، 41 ، 42 ، 43 من قانون العقوبات أنها تتضمن أن قصد الاشتراك يجب أن ينصب على جريمة أو جرائم معينة ، فإذا لم يثبت الاشتراك فى جريمة معينة أو فاعل معين فلا تعتبر الجريمة التى ارتكبها الفاعل نتيجة مباشرة للاشتراك ؛ لأنه لم يقع عليها، كما أن القانون يوجب أن يكون لدى الشريك نية التدخل مع الفاعل ، فالاشتراك بالمساعدة لا يتحقق إلا إذا ثبت أن الشريك قصد الاشتراك فى الجريمة وهو عالم بها ، بأن تكون لديه نية التدخل مع الفاعل تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ، وأن يساعد فى الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها مساعدة تتحقق بها وحدة الجريمة . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه ، قد جاء قاصراً فى بيانه فى التدليل على أن الطاعنين كانا يعلمان علماً يقينياً بما انتواه الفاعلون المجهولون من ارتكاب جرائم القتل والشروع فيه ، كما أنه لم يدلل تدليلاً سائغاً وكافياً على توافر قصد اشتراكهما فى الجرائم التى دانهما عنها ، ودون أن يثبت أنهما وقت وقوعها كانا عالمين بها قاصدين الاشتراك فيها ببيان عناصر اشتراكهما ، ومظاهره ، بأفعال صدرت عنهما تدل على هذا الاشتراك وتقطع به ، كما لم يدلل الحكم المطعون فيه على توافر رابطة السببية بين سلوك الطاعنين كشريكين وبين الجرائم التى وقعت من الفاعلين الأصليين ، الأمر الذى يكون معه الحكم المطعون فيه معيباً بالقصور الذى يبطله ، كما أن المستفاد من استقراء نصالمادة 40 من قانون العقوبات ، أن المساعدة كصورة من صور الاشتراك تفترض شيئاً ذا كيان مادى من المساعدة من الشريك إلى الفاعل الأصلى ، أى تتطلب نشاطاً إيجابياً يبذله الشريك بالمساعدة ، ويقدم عن طريقه العون إلى الفاعل الأصلى ، فإن ذلك يفيد بلا جدال أن الاشتراك فى الجريمة بالمساعدة لا يتكون إلا من أعمال إيجابية ، ولا ينتج أبداً عن أعمال سلبية ، وإذ كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد حدد نشاط الطاعنين فى أفعال سلبية بإحجامهما عن إتيان أفعال إيجابية ، فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 5334 لسنة 82 ق - جلسة 2012/01/13)
4 ـ من المقرر أنه لا يشترط لتحقق الاشتراك بطريق المساعدة المنصوص عليه فى الفقرة الثالثة من المادة 40 من قانون العقوبات أن يكون هناك اتفاق بين الفاعل والشريك على ارتكاب الجريمة ، بل يكفى أن يكون الشريك عالماً بارتكاب الفاعل للجريمة وأن يساعده فى الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض لدور الطاعن كشريك فى جريمة السرقة بالإكراه وأكده فى قوله : "..... وعقب تعطل السيارة بعد سرقتها اتصل المتهم الأول بالمتهم ..... وأخبره بتعطل السيارة طالباً منه الحضور حيث حضر واستقلا معاً دراجة المتهم البخارية وتوجها وأحضرا سيارة رافعة " ونش " وقاما بسحب السيارة المسروقة حيث تم ضبطها ، وهو ما يؤكد اتصال علم المتهم بواقعة السرقة اتصالاً يوفر فى حقه القصد الجنائي بإضافة ما اختلسه باقى المتهمين لملكهم وبصفته شريكاً لهم " . وكان ما أورده الحكم على هذا النحو كافياً وسائغاً للتدليل على ثبوت الاشتراك بطريق المساعدة فى حق الطاعن ، ومن ثم فإن النعى عليه بقالة القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال يكون غير سديد .
(الطعن رقم 58320 لسنة 76 ق - جلسة 2008/10/13 س 59 ص 430 ق 79)
5 ـ لما كان الحكم وقد دان الطاعنين بتهمة الاشتراك فى التزوير واستعمال الطاعن الثاني لمحررات مزورة لم يستظهر فى حق الطاعنين قيام أية صورة من صور الاشتراك المنصوص عليها فى المادة 40 من قانون العقوبات وكون الطاعن الأول صاحب المصلحة فى التزوير لا يكفي بذاته فى ثبوت اقترافه التزوير أو اشتراكه فيه والعلم به ما دام ينكر ارتكابه له ويجحد علمه به - كالحال فى هذه الدعوى كما وأنه لا يكفي أن يكون الطاعن الثاني هو الذي قدم العقد المزور إلى الجهات التي قدمها لها لأنه ليس من شأن ذلك حتما أن تتوفر به جريمة استعمال المحرر المزور مع العلم بتزويره ما دام الحاصل أن الحكم لم يقم الدليل على أن الطاعنين قد اشتركا فى ارتكاب تزوير المحرر فإن الحكم يكون مشوبا بالقصور.
(الطعن رقم 22218 لسنة 71 ق - جلسة 2002/03/03 س 53 ص 355 ق 63)
6 ـ من المقرر أنه لا تقوم جريمة استعمال الورقة المزورة إلا بثبوت علم من استعملها بأنها مزورة ولا يكفي مجرد التمسك بها أمام الجهة التي قدمت لها ما دام لم يثبت أنه هو الذي قام بتزويرها أو شارك فى هذا الفعل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دان الطاعن بجرائم الاشتراك فى التزوير واستعمال محررات مزورة والنصب ولم يدلل تدليلا سائغا على أنه قد اشترط مع المتهم المجهول بطريق من طرق الاشتراك المنصوص عليها فى المادة 40 من قانون العقوبات فى تزوير المحررات ولم يورد علمه بتزويرها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن عدم التزام المحكمة بتعيين خبير فى دعوى التزوير مشروط بثبوت الأمر لديها مما يقوم فى الدعوى من أدلة أخرى وهو ما لم تدلل المحكمة على توافره. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا فوق قصوره فى التسبيب بالفساد فى الاستدلال - الإخلال بحق الدفاع - بما يعيبه، ويوجب نقضه والإعادة.
(الطعن رقم 25632 لسنة 67 ق - جلسة 2000/03/01 س 51 ص 239 ق 44)
7 ـ من المقرر أن قواعد الاشتراك المنصوص عليها فى قانون العقوبات تسرى أيضا - بناء على المادة الثامنة من هذا القانون - على الجرائم التى تقع بالمخالفة لنصوص القوانين الجنائية الخاصة ، إلا إذا وجد نص على غير ذلك ، وهو ما خلا منه القانون رقم 10 لسنة 1961 فى شأن مكافحة الدعارة . إلا أنه لما كان الأصل أن الشريك يستمد صفته من فعل الأشتراك الذى ارتكبه ومن قصده فيه ، ومن الجريمة التى وقعت بناء على اشتراكه ، فإنه يجب أن يتصرف قصده إلى الفعل الذى تقوم به الجريمة بعناصرها كافة ، وإذ كان فعل الطاعن - بفرض قيام جريمة الاعتياد على الدعارة فى حق من مارست معه الفحشاء - لا يوفر فى حقه الاشتراك فى تلك الجريمة ، كما هى معرفة به فى القانون سالف البيان بأية صورة من صور الاشتراك المنصوص عليها فى المادة 40 من قانون العقوبات لعدم إنصراف قصده إلى الاسهام معها فى نشاطها الإجرامى - بفرض ثبوته - وهو الاعتياد على ممارسة الفحشاء مع الناس بغير تمييز أو إلى مساعدتها على مباشرة هذا النشاط بتقديم الوسائل والامكانات التى من شأنها أن تيسر لها مباشرته أو فى القليل يزيل أو يذلل ما قد يعترض من سبيلها إليه من حوائل أو عقبات وهو ما ينتفى به الركن المعنوى اللازم لتجريم فعل الشريك . لما كان ذلك ، وكان الفعل المسند إلى الطاعن كما حصله الحكم على السياق المتقدم ، لا يندرج تحت أى نص عقابى آخر ، وكان الحكم المطعون فيه قد دانه عن جريمة ممارسة الفجور مع النساء بغير تمييز ، يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وفى تأويله ، بما يوجب نقضه والغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من أدانه الطاعن وببراءته مما أسند إليه .
(الطعن رقم 24450 لسنة 59 ق - جلسة 1994/12/05 س 45 ص 1079 ق 169)
8 ـ من المقرر أنه لا يشترط لتحقيق الاشتراك بطريق المساعدة المنصوص عليه فى الفقرة الثالثة من المادة 40 من قانون العقوبات أن يكون هناك اتفاق سابق بين الفاعل والشريك على ارتكاب الجريمة، بل يكفي أن يكون الشريك عالماً بارتكاب الفاعل للجريمة وأن يساعده فى الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها، وكان ما أورده الحكم كافياً للتدليل على ثبوت الاشتراك بطريق المساعدة فى حق الطاعن الثاني مما تنتفي معه فى الحكم قالة القصور فى التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 16071 لسنة 59 ق - جلسة 1990/04/09 س 41 ع 1 ص 597 ق 102)
9 ـ لما كان الفعل الذي اقترفه الطاعن حسبما بينه الحكم على السياق المتقدم لا تتحقق به جريمة الاعتياد على ممارسة الفجور حسبما هي معرفة به فى القانون، ولا يوفر فى حقه - من جهة أخرى - الاشتراك فى جريمة الاعتياد على ممارسة الدعارة المنسوبة إلى المتهمة التي قدمت له المتعة بأي صورة من صور الاشتراك المنصوص عليها فى المادة 40 من قانون العقوبات لعدم انصراف قصده إلى الإسهام معها فى نشاطها الإجرامي وهو الاعتياد على ممارسة الفحشاء مع الناس بغير تمييز أو إلى مساعدتها على مباشرة هذا النشاط بتقديم الوسائل والإمكانيات التي من شأنها أن تيسر لها مباشرته أو فى القليل يزيل أو يذلل ما قد يعترض سبيلها إليه من حوائل أو عقبات وهو ما ينتفي به الركن المعنوي اللازم لتجريم فعل الشريك. لما كان ذلك، وكان الفعل المسند إلى الطاعن كما حصله الحكم لا يندرج تحت أي نص عقابي آخر فإن الحكم المطعون فيه إذ عدل وصف التهمة المنسوبة للطاعن المرفوعة بها الدعوى أصلاً - وهي الاعتياد على ممارسة الفجور - ودانه بجريمة ممارسة الفجور بطريق التسهيل والمساعدة يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله.
(الطعن رقم 3654 لسنة 57 ق - جلسة 1990/03/01 س 41 ع 1 ص 446 ق 74)
10 ـ لما كانت المادة 40 من قانون العقوبات لا تشترط فى الشريك أن تكون له علاقة مباشرة مع الفاعل الأصلي للجريمة، ومن ثم يكفي لتحقيق اشتراكه فى الجريمة بطريق التحريض أن تكون الجريمة قد وقعت فعلاً بناء على تحريضه على ارتكاب الفعل المكون لها، إذ الشريك إنما هو فى الواقع شريك فى الجريمة ذاتها يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على اشتراكه. لما كان ذلك فإن ما يقول به الطاعن من أنه لا عقاب على الاشتراك فى الاشتراك يكون غير صحيح، ويكون الحكم المطعون فيه قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً
(الطعن رقم 684 لسنة 47 ق - جلسة 1977/11/27 س 28 ع 1 ص 976 ق 201)
11 ـ المساهمة الجنائية تتحقق من الشريك بإحدى الصور التى نص عليها القانون فى المادة 40 من قانون العقوبات و هى التحريض و الإتفاق و المساعدة .
(الطعن رقم 969 لسنة 33 ق - جلسة 1964/01/06 س 15 ع 1 ص 1 ق 1)
12 ـ إشارة الحكم إلى المادة 40 من قانون العقوبات تكفي فى بيان مادة القانون التي طبقتها المحكمة على المتهم بوصف كونه شريكاً، ولو لم تشر إلى فقرتيها الخاصتين بطريق الاتفاق والتحريض.
(الطعن رقم 453 لسنة 27 جلسة 1957/06/10 س 8 ع 2 ص 640 ق 176)
13 ـ لا يشترط لتحقق الاشتراك بطريق المساعدة المنصوص عليه فى الفقرة الثالثة من المادة 40 من قانون العقوبات أن يكون هناك اتفاق سابق بين الفاعل والشريك على ارتكاب الجريمة بل يكفي أن يكون الشريك عالماً بارتكاب الفاعل الجريمة وأن يساعده فى الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها.
(الطعن رقم 247 لسنة 22 ق - جلسة 1952/04/08 س 3 ع 3 ص 808 ق 303)
14 ـ إن المادة 40 من قانون العقوبات لا توجب لعقاب الشريك أن تكون له علاقة مباشرة مع الفاعل الأصلي للجريمة، بل إن كل ما توجبه أن تقع الجريمة بناء على تحريضه على ارتكاب الفعل المكون لها أو بناء على اتفاقه مع غيره على ارتكابها أياً كان ذلك الغير ومهما كانت صفته، إذ الشريك إنما هو فى الواقع شريك فى الجريمة يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي أرتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على اشتراكه
(الطعن رقم 507 لسنة 21 ق - جلسة 1951/10/15 س 3 ع 1 ص 51 ق 22)
15 ـ إن المادة 40 من قانون العقوبات التى تعرف الإشتراك فى الجريمة لا تشترط فى الشريك أن تكون له علاقة مباشرة مع الفاعل للجريمة . و كل ما توجبه هو أن تكون الجريمة قد وقعت بناء على تحريضه على إرتكاب الفعل المكون لها ، أو بناء على إتفاقه على إرتكابها مع غيره ، أياً كان و مهما كانت صفته ، أو بناء على مساعدته فى الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لها . يستوى فى هذا كله أن يكون إتصاله بالفاعل قريباً و مباشراً أو بعيداً بالواسطة ، إذ المدار فى ذلك - كما هو ظاهر من النص - على علاقة المتهم بذات الفعل الجنائي المكون للجريمة لا بأشخاص من ساهموا معه فيها . و الشريك إنما يستمد صفته - بحسب الأصل - من فعل الإشتراك الذى إرتكبه ، و من قصده منه ، و من الجريمة التى وقعت بناء على إشتراكه . فهو على الأصح شريك فى الجريمة لا شريك مع فاعلها . و إذن فمتى وقع فعل الإشتراك فى الجريمة - كما هو معرف بالقانون - فلا يصح القول بعدم العقاب عليه بمقولة إنه لم يقع مع الفاعل بل مع شريك له . 2) إن إستخراج صورة مطابقة للأصل المزور من الدفاتر الرسمية لإستعمالها ، و إستعمالها فعلاً مع العلم بالتزوير الحاصل فىالأصل ، يعد فى القانون إستعمالاً لورقة رسمية مزورة ، لا على أساس أن هناك تزويراً فى الصورة بل على أساس أن البيانات المستشهد عليها بالصورة الواردة فى الدفتر الرسمى مزورة . فإستعمال الصورة هو فى الواقع و حقيقة الأمر إستعمال للدفتر ذاته ، و الصور لم تجعل إلا كشهادات بما هو ثابت به.
( الطعن رقم 1435 لسنة 13 ق - جلسة 1943/6/7 )
(الطعن رقم 1435 لسنة 13 ق - جلسة 1943/06/07 س 6 ع 6 ص 287 ق 216)
المساهمة التبعية:
تتحقق المساهمة التبعية حينما يكون السلوك المرتكب من المساهم لا يتوافر به النموذج التشريعي للجريمة كما لا يصل إلى مرحلة الشروع فيها.
وبتعبير آخر فإن سلوك الشريك لا يعتبر من الأعمال المكونة للجريمة كما أنه لا يعد بمقاييس الشروع بدءاً في تنفيذها ولهذا فقد عني المشروع ببيان صور السلوك المؤثم بوصفه مساهمة تبعية أو اشتراکاً وعنى كذلك ببيان الصلة بينه وبين الجريمة المرتكبة وتجريم فعل الشريك رهن بوقوع جريمة من غيره فإذا استنفذ الشريك نشاطه ولكنه لم يحقق مأربه فلم تقع الجريمة بناء على نشاطه فلا محل لعقابه.
أركان الاشتراك :
لأجل أن يوجد اشتراك معاقب عليه يجب توافر الشروط الآتية:
أولاً: أن يقع فعل معاقب عليه قانوناً.
(ثانياً): أن يكون الشريك قصد الاشتراك في هذا الفعل.
ثالثاً: أن يكون الاشتراك قد وقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة 40 من قانون العقوبات.
وفيما يلي تفصيل ذلك:
أولاً : أن يقع فعل معاقب عليه قانوناً :
لا يعاقب القانون على أعمال الإشتراك لذاتها، ولكنه يعاقب عليها لتعلقها بالجريمة التي تقع بناء عليها فإن الشريك لا يرتكب الجريمة بنفسه. ولكنه يعمل على دفع الغير إلى ارتكابها أو تمكينه من ارتكابها فعمل الشريك في ذاته لا عقاب عليه. ولكنه يستمد العقاب من الجريمة التي أدى إليها. وحينئذ فعقوبة الإشتراك هي عقوبة مستعارة لا عقوبة أصلية. ولذلك تشترط المادة 40 وقوع الجريمة بالفعل لاعتبار الشخص شريكاً وعلى ذلك فإذا كان الفعل الذي وقع لا يعد جريمة فلا عقاب على الاشتراك فيه. فالانتحار مثلاً لا يعاقب عليه القانون فلا عقاب على من شارك المنتحر بأن قدم له السلاح أو الجوهر السم الذي انتحر به مع علمه بقصده أو مرضه أو اتفق معه على الانتحار. كذلك لما كانت جرائم العادة تتكون من جملة أعمال لا يعاقب القانون على واحد منها بل يعاقب على مجموعها. فالاشتراك في عمل واحد لا عقاب عليه. ويترتب على هذا المبدأ أن الشريك يستفيد أيضاً من العفو التام عند الجريمة أو سقوطها بمضى المدة لأنه يترتب عليه محو العقوبة عن الفعل. وهذا يستلزم محوها عن الاشتراك فيه.
والفعل الأصلى في التشريع المصري قد يكون جناية أو جنحة أو مخالفة إذ أن الاشتراك في المخالفات جائز. كما وأن الفعل الأصلي يكون جريمة تامة أو مجرد شروع معاقب عليه في صورة جريمة موقوفة أو خائبة فالإشتراك في الشروع جائز .
العبرة بوصف الفعل وليست بمسئولية الفاعل :
يكفي أن يكون الفعل الذي حدث الاشتراك فيه معاقبا عليه في ذاته ولو كان فاعله الأصلي لا يعاقب لسبب يرجع لشخصه كما لو كان غير مسئول عن عمله كالمجنون (م 62 من قانون العقوبات) أو توافرت فيه سبب من أسباب الإباحية أو كان حسن النية (م 42 من قانون العقوبات). ففي هذه الحالات لا يعاقب الفاعل. ولكن لا يمنع من معاقبة الشريك بالعقوبة التي يفرضها القانون.
وليس بشرط أن يكون فاعل الجريمة معلوماً بل يعاقب الشريك ولو كان الفاعل الأصلي للجريمة مجهولاً أو كان قد توفي أو لم ترفع النيابة الدعوي العمومية عليه لأن رفع الدعوى العمومية من خصائصها. وإذا برئ الفاعل الأصلي لسبب يتعلق بشخصه كعدم ثبوت التهمة قبله أو لأن غيره الذي ارتكب الجريمة فلا يمنع ذلك من معاقبة الشريك بخلاف ما لو كانت البراءة قد بنيت على أن الفعل المسند للمتهمين لم يقع. أو أن أركان الجريمة قانوناً لم تتوافر أو أن الدعوى العمومية قد سقطت بمضي المدة.
ولما كان الشريك يستمد إجرامه من تجريم الفعل الأصلي فلا يوجد ما يمنع من أن يكون الشخص شريكاً في جريمة تستلزم في فاعلها صفة خاصة ليست في الشريك بحيث لا يمكن أن تقع هذه الجريمة من الشريك. وعلى ذلك يعاقب على الاشتراك الذي يقع من أنثى في جناية اغتصاب ولو أن الاغتصاب لا يقع إلا من ذكر على أنثى. ومن ثم فإن المرأة التي تحرض رجلاً على اغتصاب أنثى تكون شريكة في جريمته بالتحريض. وكذلك يعاقب على الاشتراك مع موظف عمومي في رشوة وعلى الاشتراك في جناية الإجهاض مع طبيب.
وخلاصة ذلك أن العبرة في توافر الاشتراك الجنائي هي بوجود فعل غير مشروع من الفاعل الأصلي ولا يهم بعد ذلك أن تتوافر في هذا الفعل بقية الشروط الأخرى اللازمة لمساءلة مرتكبة جنائياً فقد لا يكون الفاعل معاقباً لانتفاء القصد الجنائي لديه أو لتوافر مانع من موانع الأهلية أو المسئولية أو العقاب ومع ذلك يتحقق الاشتراك الجنائي اكتفاء بالفعل غير المشروع مادياً). وكما أن الشريك لا يسأل عن الجريمة إذا لم تقع بالفعل فكذلك لا يسأل عما لم يتحقق من ظروفها المشددة فإذا حرض الفاعل على السرقة بإكراه فسرق بدون إكراه فلا يسأل الشريك إلا عن السرقة التي وقعت بالفعل أو إذا حرض على القتل ولو لم يقع إلا شروع فيه فلا يسأل إلا عن الشروع وهكذا.
عدول الفاعل :
يترتب على اشتراط وقوع فعل أصلى معاقب عليه أنه إذا عدل الفاعل عن ارتكاب الجريمة بعد أن اتفق مع الشريك وأعدوا العدة لارتكابها فإن الشريك يستفيد من هذا العدول ولو كان بالرغم منه ومن أجل ذلك لا يمكن أن يكون هناك شروع في الاشتراك.
عدول الشريك :
أما عدول الشريك نفسه فلا يفيد إذا وقعت الجريمة بل يؤاخذ عليها بصفته شريكاً ذلك لأن عمله في الجريمة يتم بمجرد قيامه بالأفعال المكونة للاشتراك. فإذا عدل بعد ذلك فلا يفيده هذا العدول إلا إذا استطاع أن يزيل كل أثر لتدخله في ارتكاب الجريمة قبل وقوعها وهذا لا يأتي في كل صور الاشتراك فمن حرض على ارتكاب جريمة لا يمكنه بعد ذلك أن يتحلل من اشتراکه بعد أن بث فكرة الجريمة في الفاعل أما إذا كان قد وعد الجاني بجعل مقابل ارتكاب الجريمة لكنه عدل وسحب وعده قبل ارتكابها أو كان قد أمده بسلاح لينفذ به جريمته ثم استطاع بعد عدوله أن يسترد هذا السلاح أو يعدمه أو يجعله غير صالح للاستعمال في تنفيذ الجريمة فلم ترتكب فإن عدول الشريك في هذه الصور وأمثالها يقيه من العقاب.
الاشتراك في الاشتراك :
أثير البحث فيما إذا كان يلزم ارتباط الاشتراك بفعل أصلى معاقب عليه ارتباطاً مباشراً أم لا فمثلاً نفترض أن المتهم (أ) حرض المتهم (ب) على ضرب المجنى عليه (ج) ولكن (ب) بدلاً من أن يضرب بنفسه المجنى عليه حرض بدوره شخصاً آخر هو (د) الذي قام بتنفيذ هذه المهمة بغير رجوع إلى (أ) ولا استئذانه فهل يعتبر المتهم (أ) شريكاً بالتحريض في هذه الجريمة أم لا ؟ في الواقع فإن الشريك إنما يستمد صفته بحسب الأصل من فعل الاشتراك الذي ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على اشتراكه فهو على الأصح شريك في الجريمة لا شريك مع فاعلها وإذا فمتى وقع فعل الإشتراك في الجريمة كما هو معروف بالقانون فلا يصح القول بعدم العقاب عليه بمقولة أنه لم يقع من الفاعل بل مع شريك له. ومع التسليم بإمكان الاشتراك بالاشتراك لابد أن تستظهر محكمة الموضوع توافر سائر أركان الاشتراك وبوجه خاص بقاء رابطة السببية بين الجريمة التي وقعت في النهاية وبين سلوك المتهم بالاشتراك وهذه مسألة موضوعية.
الشروع في الاشتراك :
يتحقق الشروع في الاشتراك إذا أتى الشريك نشاطه ولكن لم ترتكب الجريمة بناء عليه ولذلك صورتان. فقد لا ترتكب الجريمة على الإطلاق وقد ترتكب بناء على أسباب ليس من بينها نشاط الشريك. حكم الشروع في الاشتراك هو عدم العقاب عليه وتعليل ذلك أنه إذا لم ترتكب الجريمة أو لم تتوافر علاقة السببية بينها وبين نشاط الشريك فإن هذا النشاط يفقد المصدر الذي يستمد منه صفته غير المشروعة فينتفى بذلك الركن الشرعي للمساهمة التبعية. وبعبارة أخرى فإن الشروع يتعين أن يكون في جريمة الاشتراك لا يعد جريمة وإذا كان القانون يعاقب الشريك فهو لا يعاقبه على ذات فعله بل على ما يؤدي إليه هذا الفعل فإذا كان الفعل عقيماً فلا عقاب عليه بوصفه شروعاً ذلك أن سلوك الشريك لا يتحقق أثراً إلا من خلال سلوك الفاعل ولهذا كان تجريم فعل الشريك وعقابه رهناً بوقوع الفعل من جانب الفاعل فإذا استنفد الشريك نشاطه ثم لم تقع جريمة الفاعل أو وقعت ولكن علاقة السببية كانت منتفية بينها وبين سلوك الشريك فإن سلوك هذا الأخير لا يمكن عده شروعاً في اشتراك .
وفي بعض الأحيان يعاقب المشرع على أفعال الاشتراك بالرغم من عدم وقوع فعل غير مشروع من الفاعل وإنما بوصف الفعل الذي نص عليه القانون كوسيلة اشتراك في جريمة أخرى. ومثال ذلك تجريم التحريض على بعض الجرائم بوصفه جريمة قائمة بذاتها بالرغم من عدم وقوع الجريمة المحرض عليها بل أن جريمة التحريض المستقلة لا تتوافر إلا إذا كان التحريض غير منتج أما إذا كان منتجاً اعتبر لمحرض شريكاً في الجريمة التي وقعت. فالمادة 95 من قانون العقوبات تعاقب كل من حرض على ارتكاب جريمة من جرائم أمن الدولة والمنصوص عليها في المواد 87، 89 وما بعدها بالأشغال الشاقة المؤقتة أو بالسجن إذا لم يترتب على هذا التحريض أثر كذلك الحال بالنسبة للعقاب على الاتفاق الجنائي إذا لم يترتب عليه وقوع الجريمة محل الاتفاق (م 48 عقوبات).
ثانياً: الشرط الثاني: أن يكون الشريك قاصداً للإشتراك في هذا الفعل:
والمراد بالقصد في باب الاشتراك هو العلم بالجريمة وقيام نية إيقاعها على يد الفاعل بحيث يرتبط ارتكابها مع فعل الاشتراك برابطة السببية. وعلى هذا فإذا كان " قصد الاشتراك " قصداً عمدياً إلا أن الجريمة التي يرتكبها الفاعل (وأسهم فيها الشريك بطريق التحريض أو الاتفاق أو المساعدة) قد يكون جريمة عمدية أو غير عمدية أو متعدية القصد.
والمشكلة لا تثور بصدد الاشتراك في جريمة عمدية فالقصد متوافر على أية حال وإذا انتفى القصد انتفى الاشتراك فالخادم الذي يترك الباب مفتوحاً فيدلف منه لص ويسرق ما بالمنزل من أشياء ثمينة لا يعد شريكاً في السرقة لأنه لم يقصد إلى التدخل في جريمة السرقة. ولو كان خطؤه مؤثراً في إتمام السرقة - كذلك فلا تثور هذه المشكلة بصدد الاشتراك في الجرائم المتعدية القصد فمن يحرض شخصاً على إيذاء آخر فيستجيب الفاعل لتحريضه ويضرب المجني عليه ضرباً يفضي إلى وفاته يعتبر مسئولاً عن جريمة القتل المتعدية القصد (الضرب المفضى إلى وفاة) لأنه أسهم في جريمة مقصودة تولد عنها حدث يتعدى قصده.
إنما تثور الصعوبة بصدد الاشتراك في الجرائم غير العمدية فمثلاً إذا حرض الشريك الفاعل (أو اتفق معه أو ساعده على حفر بئر أو إتلاف مال أو هدم جدار أو قيادة سيارة ولم يتخذ من الاحتياطات ما يقتضيه المقام فأدى ذلك إلى حدوث النتيجة الضارة المعاقب عليها بوصف الجريمة غير العمدية كان كلاهما مسئولاً الأول بوصف "الشريك" والثاني بوصف " الفاعل" في جريمة غير عمدية. سواء أكانت مساهمة تبعية أو أصلية .
ويجب على القاضي أن يثبت توافر قصد الاشتراك في حكمه على أنه لا يشترط أن يذكره صراحة إذا كان يفهم ضمناً من أعمال الاشتراك كما في التحريض والاتفاق.
ثالثاً : حصول الاشتراك بإحدى الطرق المنصوص عليها بالقانون :
عين القانون طرق الاشتراك فنص في المادة 40 عقوبات على ما يأتي :
أولاً : كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض.
ثانياً : من اتفق مع غيرة على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق.
ثالثاً : من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحا أو آلات أو أي شئ آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها - وهذه الطرق مذكورة في القانون على سبيل الحصر فليس للمحاكم أن تضيف إليها طريقة أخرى وظاهر من النص أن هذه الطرق يجب أن تسبق الجريمة أو على الأكثر تكون معاصرة لارتكابها - ويخرج بذلك الأفعال التي ترتكب بعد حصول الجريمة وتكون ذات اتصال بها هذه الأفعال تعتبر جرائم خاصة لا اشتراك من ذلك إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة. وإخفاء جثة القتيل وإخفاء شخص فار من الخدمة العسكرية وإيواء الجانيين فكل هذه جرائم خاصة لأن الاشتراك يجب أن يكون إيجابياً وسابقاً على تنفيذ الجريمة معاصراً لها، ومن ثم فإن فعل الاشتراك يجب أن يكون إيجابياً وسابقاً على تنفيذ الجريمة أو على الأكثرمعاصراً لها. فإذا امتنع شخص عن أن يحول دون ارتكاب الجريمة لرغبته في إتمامها لايعد شريكاً وهذا ظاهر من تعريف القانون للشريك وبيان طرق الاشتراك فالتحريض يكون إغراء الجاني بعمل إيجابي هو القول أو الكتابة التي تتضمن التحريض وكذلك الاتفاق أما المساعدة بتقديم سلاح مثلاً فلها مظهر مادي إيجابي لا تعتريه شبهة.
ونتناول فيما يلى طرق الاشتراك بشئ من التفصيل :
أولاً : التحريض
تعريف التحريض :التحريض هو خلق فكرة الجريمة وخلق التصميم عليها في نفس الجاني بأي وسيلة كانت ومن هذا التعريف يتضح:
أولاً : أن نشاط المحرض ذو طبيعة معنوية بمعنى أنه يهدف إلى التأثير على نفس "الفاعل" بما يحمله بعد ذلك على ارتكاب الجريمة.
ثانياً : أنه يخلق فكرة الجريمة في نفس الجاني وحسب بل يواصل الإلحاح عليها حتى يقطع على الجاني سبيل العدول عنها فمبدأ التحريض هو بث الفكرة لكن غايته أو منتهاه هو خلق التصميم عليها.
ثالثاً : أن التحريض ينتمي إلى دائرة الأفكار والنوايا لا دائرة الأفعال والنتائج ومن ثم فإذا خاطب المحرض فكر الجاني فإنما يخاطبه "قبل" ارتكابه الفعل المادي لابعد ارتكابه أو اثنائه وهذا هو الذي يصفه بأنه " فعل تحضيري" لا " فعل تنفيذي".
وجوب أن يكون التحريض مباشراً :
يلزم دائماً في التحريض كطريقة من طرق الاشتراك في الجريمة أن يكون مباشراً أى أن يدفع المحرض صراحة نحو ارتكاب جريمة محددة وهذا المعنى عنته المادة 40 عندما نصت على عقاب " كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة... " فأخرج بذلك من نطاقها التحريض غير المباشر وتعبير " تحريض غير مباشر" يطلق على إثارة شعور النقص والانفعال ضد شخص ما بغير أن يطلب المتكلم صراحة الاعتداء عليه ولو وقع بالفعل أي اعتداء فيما بعد إذ قد يقال أن الاعتداء كان واقعاً على أية حال فلم يكن بسبب استثارة مشاعر المعتدی والتلاعب بعواطفه ثم أنه بغير هذا التحديد تصبح حدود التجريم مبهمة ويكون فعل التحريض صعب الإثبات فتصبح الإدانة مؤسسة على مجرد افتراض.
وسائل التحريض :
كانت المادة 68 من القانون القديم تستلزم كالمادة 60 من القانون الفرنسي أن يكون التحريض بطرق معينة أبهدية أو وعد أو وعيد أو مخادعة أو دسيسة أو بإشارة أو باستعمال ما للشريك من سلطة على مرتكب الجريمة" وعليه فمجرد النصيحة أو الأمر أو مجرد التحريض إذا لم يقترن بإحدى هذه الطرق لم يكن يعد اشتراكاً معاقباً عليه. ولكن القانون الجديد رأى أن الأوفق أن يترك للقاضي السلطة المطلقة في تقدير التحريض وتأثيره على الفاعل الأصلي ولذلك لم يقيده بطرق مخصوصة بل قال بوجه عام يعد شريكاً في الجريمة " من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة، وعلى ذلك فإن استخلاص وجود التحريض من عدمه إنما هو من إطلاقات محكمة الموضوع تستخلصها من الوقائع والظروف تحت رقابة محكمة النقض.
أشكال التحريض :
ليس للتحريض شكل معين فقد يأخذ شكل الأفعال والإيماءات والإشارات وقد يأخذ شكل الأقوال وقد يأخذ شكل الكتابة والمهم في كل ذلك أن يكون موحياً للفاعل بفكرة الجريمة هادفة إلى حمله على ارتكابها قاطعاً عليه سبيل التردد فيها أو العدول عنها.
علاقة السببية :
الرضا عن ارتكاب الجريمة والإذن أو السماح بارتكابها ومجرد مشاهدة ارتكابها دون منعها وكذلك العلم بها لا تعتبر تحريضاً إذ يجب أن تكون هناك علاقة سببية معنوية بين تدخل المحرض وقراره الإرادی بارتكاب الجريمة أي أن يكون هذا القرار قد اتخذ بناء على التحريض. أما إذا كان الفاعل قد اتخذ قراره الإرادى بارتكاب الجريمة وشجع آخر هذا القرار أو حبذه فإن فعل هذا الأخير لا يعد تحريضاً.
أنواع التحريض :
التحريض بمعناه الجنائي نوعان خاص وعام :
أولاً : التحريض الخاص أو الفردي :
التحريض الخاص هو الذي يصدر من الشريك للفاعل وتقع الجريمة بناء عليه وهذا النوع هو المراد بنص الفقرة (أولاً) من المادة 40 ويجب أن يكون مباشراً وأن تقع الجريمة كنتيجة له أما كون التحريض مباشراً فمعناه أن يتجه إلى تحقيق الجريمة فيدفع إليها الفاعل الأصلي ويقتضي ذلك أن تكون الجريمة معينة حتى تتوفر العلاقة بين عمل الشريك وعمل الفاعل. وأما وقوع الجريمة فعلاً بناءا على التحريض فهذا شرط أساسي واجب توافره في طرق الاشتراك الثلاث لا في التحريض خاصة وذلك واضح من نص المادة 40 عقوبات فإذا لم تقع الجريمة فلا يعاقب المحرض وكذلك إذا لم يكن وقوع الجريمة وبين التحريض علاقة السبب بالنتيجة فلا تعتبر الجريمة أنها وقعت بناءا على التحريض.
ثانياً : التحريض العام :
التحريض العام هو الذي يكون موجهاً إلى كافة الناس أو إلى جمهور بغیر تحديد فالأصل أنه لا يعد اشتراكاً ولو استجاب له أحد الأفراد فأقدم على ارتكاب الجريمة وقد لا تكون المادة 40 قاطعة في إيجاب هذا الشرط، إلا أنه مع ذلك متفق عليه وقد أكده المشرع بطريق غير مباشر بنصه في المادة 171 على أن كل من أغرى واحدة أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علناً أو بفعل أو إيماء صدر منه علناً أو بكتابة أو برسوم أو صور شمسية أو رموز أو بأية طريقة أخرى من طرق التمثيل فى جعلها أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية يعد شريكاً في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا الإغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل أما إذا ترتب على الإغراء مجرد الشروع في الجريمة يطبق القاضي الأحكام القانونية في العقاب على الشروع.
ويختلف التحريض العام عن التحريض الخاص من وجهين :
إحداهما أن التحريض العام كما يبين من عبارة المادة 171 يقتصر على الجنايات والجنح أما التحريض الخاص فيشمل كل الجرائم بلا تفریق حتی المخالفات يمكن الاشتراك فيها بالتحريض والثاني أن التحريض العام يقضي العلانية أما الخاص فيصح أن يقع علناً أو في غير علن.
التحريض بالامتناع :
يجب أن يكون التحريض إيجابياً فلا يجوز في القانون المصري أن يقع التحريض عن طريق الامتناع كما هو الحال في القانون السوداني والهندي وبالرغم من ذلك فإن بعض الفقهاء يرى أن الاشتراك في التحريض كما يقع بطريق إيجابي يقع بطريق سلبي.
التحريض كجريمة قائمة بذاتها :
ينبغي التمييز بين التحريض كطريقة من طرق الاشتراك في الجرائم وبينه كجريمة قائمة بذاتها والفارق بين الأمرين ليس في طبيعة التحريض فإنها مشتركة بينهما بل في أنه عندما يكون التحريض جريمة قائمة بذاتها لا يلزم ارتباطه بفعل ولا شروع ويعد التحريض جريمة على حده في المادة 95 عقوبات التي نصت على عقاب كل من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد 87، 89، 90، 90 مكرراً، 91، 92، 93، 94 من هذا القانون - وهذه كلها من الجرائم المضرة بأمن الحكومة من جهة الداخل إذا لم يترتب على هذا التحريض أثر كما يعد كذلك في المادة 172 التي نصت على عقاب، كل من حرض مباشرة على ارتكاب جنايات القتل أو النهب أو الحريق أو جنايات مخلة بأمن الحكومة بواسطة إحدى الطرق المنصوص عليها في المادة السابقة " وهذه الطرق هي القول أو الصياح علناً أو بأية طريقة من طرق العلانية مثل الكتابة أو الرسوم أو الرموز... في محفل عام أو طريق عام أو في أي مكان آخر مطروق.
إثبات التحريض :
قد يقوم على التحريض دليل مباشر من شهادة أو اعتراف أو رسالة مكتوبة غير أنه يستنتج في أغلب الأحوال من القرائن وعلى الأخص من سلوك الشخص بعد وقوع الجريمة وكل الأدلة سواء في مقام الإثبات ولقاضي الموضوع كامل الحرية في القول بقيام التحريض أو تخلفه دون رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض مادام قضاؤه مؤسساً على ما يؤدى إليه عقلاً.
ثانيا : الاتفاق
تعريف الاتفاق :
الاتفاق هو اتحاد إرادتين أو أكثر على ارتكاب الجريمة ومن هذا التعريف: يتضح أولاً : أن الاتفاق نشاط ذي طبيعة نفسية تتصل فيه إرادة الشريك بإرادة الفاعل ويترتب عليه وقوع الجريمة.
ويتضح ثانياً : أن الاتفاق وسيلة اشتراك مستقلة عن التحريض إذ يفترض أن سمة التقاء الإرادتين على فكرة واحدة هي فكرة الجريمة بينما يفترض لتحريض أن هناك إرادة تعلو على إرادة أخرى وتحملها حملاً على اقتراف الجريمة ومن ثم تظهر أهمية اعتباره وسيلة "أخرى" من وسائل الاشتراك إلى جانب التحريض إذ يتصور وجوده دون وجود التحريض.
ويتضح ثالثاً : أنه وسيلة من وسائل المساهمة (التبعية) إذ لا يصلح بذاته الارتكاب الفعل المادي في الجريمة بل لابد أن يمهد بنشاط الفعل الأصلي في الجريمة. وإذ كان القانون يعاقب على "الاتفاق" وحده أحياناً (كما في الاتفاق الجنائي المعاقب عليه بالمادة 48 والمادة 69 عقوبات) فإنما يعاقب عليه بوصفه " جريمة قائمة بذاتها" – وعلى خلاف القواعد العامة نزولاً على مقتضيات الأمن الداخلي في الدولة.
يشترط لتوافر الاشتراك بالاتفاق شرطان :
الأول: أن يحصل اتفاق على ارتكاب الجريمة ويقصد بالاتفاق هنا اتحاد شخصين أو أكثر واجتماع إرادتهم على ارتكاب الجريمة.
والثاني: أن تقع الجريمة بناء على الاتفاق كما هو الشأن في الاشتراك بالتحريض فإذا لم تقع الجريمة فلا اشتراك ولكن حالة الاتفاق في ذاتها قد تكون معاقباً عليها إذا ما توافرت شروط الاتفاق الجنائي وفقاً للمادة 48 من قانون العقوبات.
جواز الاتفاق مع الشريك :
يصح أن يكون الاتفاق مع الفاعل الأصلي كما يصح أن يكون مع الشريك إذ القول بأن الاتفاق يلزم أن يكون مع الفاعل الأصلي لا مع الشريك هو قول في غير محله لأن القانون لم ينص على أنه يلزم أن يكون مع الفاعل الأصلي بل أطلق وغاية ما يقال أنه يلزم أن يكون الاتفاق على ارتكاب الجريمة مع ارتباطه بالفعل الأصلي سواء أكان مع الفاعل الأصلي أو مع شريكه .
قد يستدل على الاتفاق بدليل مباشر كاعتراف أو شهادة أو كتابة كما قد يستدل أيضاً بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقدم لدى القاضي أو من أعمال تلحق في الجريمة ومتى كان للاستنتاج ما يسوغه فلا رقابة لمحكمة النقض كما وأن الجاري عليه في قضاء النقض أن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها .
ثالثاً : المساعدة
تعريف المساعدة :المساعدة هي تقديم العون - بأي وسيلة كانت - إلى الفاعل عندما تقع الجريمة بناء عليه فكما تكون المساعدة مادية تكون معنوية فمن يعطى للفاعل سلاحاً يستخدمه في الجريمة يشترك في الجريمة بطريقة المساعدة المادية أما من قدم للفاعل معلومات أو إرشادات تؤدي بالفاعل إلى إتمام الجريمة أو البدء في تنفيذها يساهم في الجريمة بطرق المساعدة المعنوية ومن ثم وبمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 40 عقوبات يعد شريكا " من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شئ آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها. وقد جاء بتعليقات الحقانية بأن هذه الفقرة قد جمعت بين حكم الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 68 المقدمة وأن ذكر الأسلحة... الخ لا ضرورة له كما هو ظاهر ومع ذلك فقد أبقى خشية أن يؤدي حذفه إلى الخطأ.
صور المساعدة :يتبين من نص الفقرة الثالثة من المادة 40 عقوبات أن المساعدة تكون بصورة من صور أربع هي :
1) إعطاء السلاح للفاعل أو الفاعلين أو آلات أو أي شئ آخر معا استعمل في و ارتكاب الجريمة.
2) المساعدة في الأعمال المجهزة لارتكاب الجريمة.
3) المساعدة في الأعمال المسهلة لارتكاب الجريمة.
4) المساعدة في الأعمال المتممة لارتكاب الجريمة.
ولكل من هذه الصور مدلول خاص يميزها عن غيرها وأن كانت كلها تعبر عن معنى مشترك هو المعاونة في إيقاع الجريمة.
1- إعطاء السلاح للفاعل أو الفاعلين أو آلات أو أي شيء أخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة :
الشطر الأول من نص الفقرة الثالثة من المادة 40 عقوبات يذكر تقديم " الأسلحة والآلات أو أي شئ آخر" فهو يتسع لكل ما يستعان به في الجريمة كتقديم مادة سامة أو عقاقير مخدرة بشرط أن يكون قد استعمل فعلاً في ارتكاب الجريمة حتى يحقق معنى المساعدة على أن تقديم الأسلحة والآلات التي تستعمل في ارتكاب الجريمة يدخل في عموم الشطر الأخير من النص " أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها " إذ أن هذه العبارة عامة تشمل كل صور المعونة في الجريمة ومن أجل ذلك يبدو أن تخصيص الأسلحة والآلات بالذكر ليس له فائدة بل أنه تزيد ومن ثم فإن الشارع قد نكرها على سبيل التمثيل.
ويجب أن تستعمل هذه الأشياء في ارتكاب الجريمة وإلا انقطعت الصلة بين الفعل الأصلي وبين الاشتراك وبالتالي تنقطع الصلة بين الفاعل والشريك كما يجب كذلك أن يعلم الشريك أن ما قدمه سيستعمل في ارتكاب الجريمة كاستخدام السلاح في القتل أو المفتاح الذي أعطاه للسارق في ارتكاب السرقة.
2- المساعدة في الأعمال المجهزة لارتكاب الجريمة :
الأعمال المجهزة صياغة أخرى للأعمال التحضيرية وهي نشاط سابق على البدء في تنفيذ الجريمة. وإذا كانت القاعدة أن الأعمال التحضيرية لا عقاب عليها فإن ذلك مشروط بألا تجاوز الأعمال المرتكبة هذا المدي فلا يعقب التحضير تنفيذ وإلا أعتبر من قام بالتنفيذ فاعلاً ومن ساعد. في التحضير شريكاً مثال ذلك أن يعطى الشخص لغيره سلاحاً ليقتل به عدوه أو يقدم سيارة ليستخدمها في التهريب أو يعيره بيته ليرتكب فيه جريمة مواقعة أو إجهاض فهذه الأفعال جميعاً تدخل في باب التحضير أو التجهيز ولا عقاب عليها إذا وقف الأمر عندها إما إذا وقعت الجريمة بناء عليها فإن صاحبها يعد شريكاً بالمساعدة ويتعين عقابه على هذا الأساس.
3- المساعدة في الأعمال المسهلة لارتكاب الجريمة :
الأعمال المسهلة لارتكاب الجريمة هي التي تجعل تنفيذها أيسر حصولاً فقد يحتاج الفاعل بعد حصوله على السلاح وبعد تجهيز معدات التنفيذ إلى تسهيلات أخرى تساعده أما على المضي في التنفيذ وأما على الخلاص والهروب فالتسهيلات التي تيسر له التنفيذ مما لا يدخل في باب التجهيز كترك الأبواب مفتوحة أو فتحها للسرقة واستبعاد الرقيب أو الحارس من مكانه أو استيفاء المجني عليه في مكان لتسهيل قتله كل ذلك ونحوه من قبيل الأعمال المسهلة لارتكاب الجريمة.
4- المساعدة في الأعمال المتممة لارتكاب الجريمة :
أما الأعمال المتممة لارتكاب الجريمة فهي التي يأتيها الشريك وقت ارتكاب الفعل فتكون معونته متممة لها، مثال ذلك من يراقب المنزل أو الطريق أثناء تنفيذ الجريمة ومن يضع سلماً للجاني ليهبط عليه ومعه المسروقات. أو يعطى إشارة معينة للقائل تدل على مرور المجنى عليه ليطلق النار عليه أن يدخل في تنفيذها مادياً.
الفاعل والشريك :
والمساعدة في الأعمال المجهزة للجريمة قبل وقوعها أما إذا كانت في الأعمال المسهلة أو المتممة للجريمة فتكون معاصرة لها. ومن أجل ذلك تختلط الأعمال التنفيذية ويصعب التمييز بينها وبين ما يعد تداخلاً في ارتكاب الجريمة يجعل مرتكباً فاعلاً أصلياً.
وقد كانت هذه الصعوبة تزول لو قصر معنى الفاعل على من يقارف الأفعال التي تنفذت بها الجريمة وهو ما كانت تأخذ به محكمة النقض في فترة من قضائها. ولكن المتفق عليه الآن فقها وقضاء هو أنه يعد فاعلاً للجريمة من يقصد التدخل فيها ويأتي عمداً عملاً من الأعمال المرتكبة في سبيل تنفيذها متى كان عمله هذا بعد شروعاً في ارتكابها ولو كانت الجريمة لم تتم به و إنما تمت يفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها.
أما إذا كان الدور الذي اتخذه الشخص على مسرح الجريمة في وقت تنفيذها يعتبر فقط من الأعمال المسهلة أو المتممة وأتاه الشخص بقصد تقديم المساعدة للفاعل أو الفاعلين لا بقصد التدخل في التنفيذ فإنه يعد شريكاً فقط.
معيار محكمة النقض :
مالت محكمة النقض منذ حوالي سنة 1940 إلى التوسع في تعريف الفاعل الأصلي توسعاً اقتضى اعتبار الكثير منها أفعالاً أصلية فلم تعد تتقيد بمعيار الفعل التنفيذي باعتباره مناط التمييز بين الفعل الأصلى والاشتراك المعاصر له بل أخذت أحكامها تشير إلى أن مجرد القيام بدور ما على مسرح الجريمة وقت ارتكابها يكفي لأن يجعل صاحبه فاعلاً أصلياً حتى ولو لم يكن هذا الدور تنفيذياً. فلم يعد معيار الشروع هو ضابط التمييز الوحيد بين الفعل الأصلي والاشتراك بالمساعدة في الأعمال المعاصرة للجريمة أي في الأعمال المسهلة أو المتممة لها بل وضعت إلى جانبه معياراً آخر أوسع منه وهو معيار القيام بدور ما على مسرح الجريمة وقت ارتكابها كثيراً ما تستهدى إليه بالإضافة إلى معيار الفعل التنفيذي - قد تستغني عنه في بعض الصور.
الاشتراك بالمساعدة لا يكون بعد وقوع الجريمة كما هو صريح نص المادة 40 من قانون العقوبات في فقرتها الثالثة.
وعلى ذلك فإن المساعدة لا تعد اشتراكا إلا إذا كانت سابقة أو معاصرة الجريمة أما إذا كانت أعمال المساعدة لاحقة على ارتكاب الجريمة فلا تعد اشتراكاً وإنما قد تكون جريمة مستقلة بذاتها وأساس ذلك أن المساعدة تفترض تقديم العون إلى الفاعل لتمكينه من تنفيذ الجريمة فإذا ما انتهى التنفيذ لم يعد محل للعون أو التعضيد وعلى ذلك فإن إخفاء جثة القتيل لا يعد اشتراكاً بالمساعدة في جريمة سابقة ولكنها جريمة مستقلة. ولتطبيق هذه القاعدة يتعين تحديد عناصر الركن المادي للجريمة فإذا ثبت أن المساعد في أتى نشاطه قبل اللحظة التي تكتمل فيها لهذا الركن عناصره كانت لمساعدته صفة الاشتراك في الجريمة وغني عن البيان أن الركن المادي للجريمة لا تكتمل له عناصره إلا إذا تحققت النتيجة بكل أجزائها وبالنسبة لجريمة القتل فإن النتيجة تتحقق بوفاة المجني عليه.
إثبات الاشتراك بطريق المساعدة :
يتم الاشتراك في الجريمة غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه. ويكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم. ويتعين أن تكون الجريمة ثمرة للمساعدة السابقة أو المعاصرة لها.
ضرورة بيان وجه المساعدة في الحكم :
تختلف وسيلة الاشتراك بالمساعدة عن الاشتراك بالتحريض أو الاتفاق في أن المساعدة يكون لها مظهر خارجي ومن أجل ذلك يجب على المحكمة إذا ما اعتبرت المتهم شريكاً بهذه الوسيلة أن تبين الوقائع التي تكون اشتراکه.(موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار / مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول، دار محمود الصفحة / 385)
المساهمة التبعية في الجريمة :
ماهية المساهمة التبعية والمساهمة التبعية هي نشاط يرتبط بالفعل الإجرامي ونتيجته برابطة السببية، دون أن يتضمن تنفيذاً للجريمة أو قياماً بدور رئيسي في ارتكابها.
ويحدد هذا التعريف الفارق بين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية يجرم الشارع المساهمة الأصلية لأنها تعني إتيان النشاط الذي يعاقب القانون عليه، سواء باشر الجاني هذا النشاط كله أو باشر جزءاً منه، أو أتي فعلاً يتصل بها على نحو وثيق بحيث يعد في خطة الجريمة جزءاً منه، ولذلك كانت النشاط المساهم الأصلي صفة إجرامية كامنة فيه، وكان له العقاب الذي يقرره القانون للجريمة . أما المساهمة التبعية، فتفترض نشاطاً لا يجرمه القانون لذاته، ولولا صلته بالفعل الإجرامي الذي يرتكبه الغير لما وقع من أجله عقاب، ولذلك كان توقيع عقاب الجريمة التي ساهم فيها متطلباً نصاً خاصاً يقرر فيه القانون ذلك، وكان في وسع الشارع دون أن يخالف القواعد العامة أن يحدد للمساهم التبعي عقوبة مختلفة عن عقوبة الجريمة التي ساهم فيها. وفي النهاية، فإن علاقة السببية مباشرة بين نشاط المساهم الأصلي ونتيجة الجريمة في حين يتوسط فعل المساهم الأصلي بين نشاط المساهم التبعي وهذه النتيجة .
مدلول الصفة التبعية للمساهمة : تعني الصفة التبعية للمساهمة أن اكتساب نشاط المساهم التبعي الصفة غير المشروعة رهن بارتكاب المساهم الأصلي فعلاً غير مشروع، وفي عبارة أخرى فإن نشاط المساهم التبعي يعد غير مشروع تبعاً لاتصاف نشاط المساهم الأصلي بالصفة غير المشروعة . ونتيجة لذلك، فإنه إذا عرض سبب يجرد الأخير من صفته هذه انعكس أثره حتماً على نشاط المساهم التبعي فصار بدوره مشروعاً.
ولكن هذه الصلة الوثيقة بين النشاطين من الناحية الموضوعية لا تنفي استقلالاً من الناحية الشخصية للمساهم التبعي عن المساهم الأصلي؛ وفي عبارة أخرى فإن مسئولية أحدهما لا تتأثر بما يعرض المسئولية الأخر من أسباب تنفيها أو تخفف منها، فإذا ثبت أن النشاط المساهم الأصلي صفة غير مشروعة فامتدت هذه الصفة تبعاً لذلك إلى نساط المساهم التبعي، فإن مسئولية كل منهما عن نشاطه تستند إلى أسس ينبغي البحث عنها في شخصه، ولذلك كان متصوراً أن يسأل عن الجريمة أحدهما دون الآخر.
ويطلق الشارع على المساهم التبعي لفظ «الشريك»، وقد عرفه في المادة 40 من قانون العقوبات بقوله « يعد شريكاً في الجريمة» :
أولاً : كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض .
ثانياً : من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق .
ثالثاً : من أعطى الفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها »
أركان المساهمة التبعية
تحديد أركان المساهمة التبعية لا تتصور المساهمة التبعية إلا إلى جانب مساهمة أصلية، ولا تتصور المساهمة الأصلية بدورها إلا بارتكاب فعل غير مشروع؛ ومن ثم كان وجود المساهمة التبعية مفترضاً ارتكاب فعل مشروع ساهم في ارتكابه شخص أو أشخاص آخرون كفاعلين وأهمية هذا الفعل أنه المصدر الذي يستمد منه نشاط الشريك صفته غير المشروعة، فيغدو متصوراً قيام المسئولية الجنائية من أجله . أما إذا لم يرتكب ذلك الفعل، أو انتفت عنه الصفة غير المشروعة، فإن نشاط الشريك يغدو بدوره مشروعاً وفي ضوء هذه الأهمية القانونية نتساءل عما إذا كان الفعل غير المشروع الذي يأتيه الفاعل يعد ركناً في المساهمة التبعية ؟ غني عن البيان أنه بغير هذا الفعل وبغير تكييفه الإجرامي تفقد المساهمة التبعية وجودها؛ ولكن من الواضح كذلك أن هذا الفعل لا يدخل في كيانها، إذ تقوم بنشاط الشريك وإرادته . ولذلك يكون الصحيح في نظرنا اعتبار الصفة غير المشروعة لنشاط الشريك أحد أركان المساهمة التبعية، وهذه الصفة مصدرها نشاط الفاعل وصفته غير المشروعة، وهي بغير شك داخلة في كيان المساهمة التبعية، إذ هي تكييف قانوني يكتسب به نشاط الشريك أهميته في نظر القانون، فيرقي من مجرد نشاط مادي لا يعني الشارع فی شیء إلى نشاط ذي صفة إجرامية يخضع لعقاب القانون وبذلك نرد لنشاط الفاعل وصفه الصحيح، فهو ليس في ذاته ركناً للمساهمة التبعية، وإنما هو مصدر أحد أركانها . ونرى أن نطلق على الصفة غير المشروعة لنشاط الشريك تعبير « الركن الشرعي للمساهمة التبعية»
وللمساهمة التبعية إلى جانب ذلك ركن مادي وركن معنوي .
1- الركن الشرعي للمساهمة التبعية
ماهية الركن الشرعي للمساهمة التبعية : قوام هذا الركن الصفة غير المشروعة التي يسبغها القانون على نشاط الشريك . وقد قدمنا أن القانون لا يسبغ هذه الصفة على هذا النشاط في ذاته، إذ في الغالب من الأحوال لا يخضع لنص تجريم، وإنما يخلعها عليه بالنظر إلى علاقته بنشاط غير مشروع ارتكبه فاعل الجريمة، ومن ثم كان هذا النشاط مصدر الصفة غير المشروعة النشاط الشريك، أي مصدر وجود الركن الشرعي للمساهمة التبعية . ودراسة الصفة غير المشروعة لنشاط الشريك هي في الوقت نفسه دراسة للصفة غير المشروعة النشاط الفاعل، إذ تتلازم الصفتان وجوداً وعدماً . ولذلك نتناول بالتحديد القواعد التي تسبغ الصفة غير المشروعة على نشاط الفاعل، مقررين أن هذه القواعد نفسها هي التي تسبغ على نشاط الشريك الصفة غير المشروعة، وتؤدي إلى القول بتوافر الركن الشرعي للمساهمة التبعية.
ضوابط إنعدام المشروعية في القانون الجنائي، يعد الفعل غير مشروع إذا خضع لنص تجريم ولم يكن خاضعاً لسبب إباحة ويتضح بذلك أن لعدم المشروعية عنصرين، الخضوع لنص تجريم وعدم الخضوع لسبب اباحة، فإن توافرا معاً لنشاط الفاعل اكتسب صفة غير مشروعة، وغدا متصوراً أن يكتسب الصفة نفسها نشاط شريكه في الجريمة، وأن يتوافر الركن الشرعي للمساهمة التبعية .
خضوع الفعل لنص التجريم، لا تتوافر المساهمة التبعية إلا إذا ثبت خضوع نشاط الفاعل لنص تجريم واكتسابه تبعا لذلك الصفة غير المشروعة وامتدادها إلى نشاط الشريك . أما إذا ثبت أن الفعل لا يدخل في نطاق تجريم القانون فمعنى ذلك أنه مشروع، فمن اشترك فيه قد أتي بدوره نشاطاً مشروعاً. فمن يحرض غيره على الانتحار أو يساعده عليه لا يتوافر بالنسبة له الركن الشرعي للمساهمة التبعية، لأن الانتحار لا يخضع النص تجريم . ومن يعين آخر في الأعمال التحضيرية للجريمة ثم لا يبدأ الفاعل في تنفيذها لا يعد في لغة القانون شريكاً، إذ لا عقاب على هذه الأعمال باعتبارها تحضيراً لجريمة معينة ؛ ولكن إذا جرمها القانون في ذاتها، فإن من يساهم فيها يسأل عن الجريمة التي تقوم بها . ومن ساهم في الأفعال التي يقوم بها الشروع في جريمة لا يعاقب القانون على الشروع فيها لا يسأل عن مساهمته . وإذا ساهم شخص في شروع يعاقب القانون عليه، ولكن عدل الفاعل باختياره عن المضي في تنفيذ الجريمة فاستفاد من هذا العدول، فإن الشريك بدوره يستفيد من ذلك العدول، إذ قد تجرد الشروع من صفته الإجرامية؛ ولكن ذلك لا يحول دون أن يسأل عن جريمة أخرى تقوم بأفعال الشروع وإذا نص القانون على جريمة اعتياد كان معنى ذلك أنه لا يجرم فعلاً في ذاته، وإنما يجرم العادة التي يكتسبها الجاني بتكراره نوعاً من الأفعال، ونتيجة لذلك فإن من يساهم في فعل واحد لا يعد شريكاً في هذه الجريمة، ولكن من يساهم في العدد الذي يتطلبه القانون لقيام العادة يسأل عن الجريمة.
وإذا خضع الفعل لنص تجريم فهو يصلح محلاً للإشتراك، ويستوي في ذلك أن تقوم به جريمة تامة أو مجرد شروع، ويعني ذلك أنه يتصور الاشتراك في الشروع ويتصور الإشتراك في جرائم الامتناع كما يتصور في جرائم الارتكاب.
عدم خضوع الفعل لسبب إباحة: تأثير سبب الإباحية على المساهمة التبعية واضح، فهو إذ يعرض لنشاط الفاعل فيجرده من الصفة غير المشروعة، يفقد المساهمة التبعية فيه المصدر الذي تستمد منه صفتها غير المشروعة، ومن ثم تفقد ركنها الشرعی فمن يقتل أو يجرح أو يضرب آخر دفاعاً شرعياً عن نفسه أو ماله يأتي نشاطاً مشروعاً، ومن يساعده في هذا الدفاع يساهم في فعل قد تجرد من الصفة غير المشروعة، فنشاطه بدوره مشروع، ومن ثم لا يقوم به اشتراك في جريمة.
الاستقلال بين المساهمين من حيث المسئولية والعقاب :
الحالات التي تفقد فيها المساهمة التبعية ركنها الشرعي يجمع بينها أن نشاط الفاعل قد فقد صفته غير المشروعة، فزال بذلك المصدر الذي تستمد منه المساهمة التبعية ركنها الشرعي؛ أما الأسباب التي لا تأثير لها على هذه الصفة فلا تأثير لها كذلك على الركن الشرعي للمساهمة التبعية، وإن كان من شأنها أن تحول دون أن يسأل عن فعله وأن يوقع عليه عقاب ؛ فبتوافر الركن الشرعي للمساهمة التبعية - بالإضافة إلى أركانها الأخرى - تستكمل وجودها، فلا يتأثر ذلك بالأسباب التي تحول دون توقيع العقاب على أحد المساهمين . ونعبر عن هذه القاعدة بالقول : « إذا كانت الجريمة واحدة على الرغم من تعدد المساهمين فيها، فإن المسئولية عنها تتعدد بتعددهم » : فإذا عرض الأحد المساهمين في الجريمة مانع من العقاب استفاد منه دون سواه، وتفسير ذلك أن مانع العقاب لا أثر له على أركان الجريمة : فمن يحرض زوجة على إخفاء زوجها الفار من وجه القضاء، يعاقب على الرغم من أن الزوجة لا تعاقب لتمتعها بمانع عقاب (المادة 144 من قانون العقوبات) .
الاستقلال بين المساهمين من حيث الإجراءات الجنائية : هذا الاستقلال في الأصل تام، ولا ترد عليه القيود إلا استثناء : فمن سلطة النيابة العامة أن تحرك الدعوى ضد أحد المساهمين أو بعضهم دون سائرهم، فيتصور أن يقدم الشريك إلى القضاء في حين لا تحرك الدعوى ضده الفاعل ؛ وقد تضطر النيابة العامة إلى ذلك كما لو انقضت الدعوى ض د الفاعل لوفاته أو كان تحريكها ضده غير ممكن لأنه مجهول، وقد ترى عدم جدوى ذلك لفراره فتقتصر على تحريكها ضد المتهم الحاضر .
وإذا أقيمت الدعوى ضد الفاعل والشريك فحظى كل منهما من حيث الإدانة أو البراءة مستقل عن حظ زميله، فيتصور أن يدان أحدهما دون الآخر، ولا يتقيد القاضي بغير التزامه بأن يحقق الإتساق بين أجزاء حكمه بحيث لا يكون بينها تناقض، أي لا تكون إدانة أحد المتهمين تناقض براءة الآخر ، فإذا ثبت أن نشاط الفاعل غير مشروع، وأن نشاط الشريك قد استمد منه هذه الصفة، فقد يتبين للقاضي توافر مانع من المسئولية أو مانع من العقاب لمصلحة أحدهما دون الآخر، أو يتبين له انتفاء القصد الجنائي لدى أحدهما، فيقضي ببراءة من انتفت مسئوليته أو امتنع عقابه أو انعدم القصد الجنائي لديه، ويحكم بإدانة من توافرت بالنسبة له أركان المسئولية والعقاب، ولكن لا يجوز للقاضي أن يقضي ببراءة الفاعل لأنه لم يبدأ في تنفيذ الجريمة أو لأن فعله لا يخضع لنص تجريم أو لأن سبب إباحة يسرى عليه، ثم يقرر في الوقت نفسه إدانة الشريك، إذ ينطوى هذا الحكم على تناقض، لأن براءة الفاعل لسبب من هذه الأسباب تعني انتفاء الركن الشرعي للمساهمة التبعية مما يستتبع حتماً براءة الشريك.
إذا حوكم أحد المساهمين في الجريمة وصدر في شأنه حكم بات، فإن التساؤل يثور لمعرفة مدى ما لهذا الحكم من قوة أو حجية إزاء مساهم آخر في ذات الجريمة يحاكم فيما بعد . وعلى سبيل المثال، إذا قضى بإدانة الفاعل وأثبت الحكم أن الفعل غير مشروع فهل يحظر على الشريك إثبات أن الفعل مشروع، وهل يوصم الحكم الذي يبرئه استنادا إلى ذلك الدفاع بأنه معيب المتناقضة مع الحكم الأول ؟ لا نعتقد ذلك : فقوة الحكم لا يجوز الاحتجاج بها إلا إذا اتحدت الدعويان (الدعوى التي صدر فيها الحكم والدعوى التي يراد الاحتجاج فيها بهذا الحكم) من حيث أطرافهما وموضوعهما وسببهما، وفي هذه الحالة لا يوجد اتحاد في الأطراف، إذ المتهم في الأولى غيره في الثانية . ولهذا الرأي ما يبرره من اعتبارات العدالة والمنطق القانوني، فمن غير السائغ أن يضار المتهم في الدعوى الثانية بحكم صدر في دعوى سابقة لم يكن طرفاً فيها ولم يتح له أن يدافع من نفسه، ومن غير المقبول أن يحظر على القاضي السعي وراء الحقيقة وإثباتها إذا تكشف له في الدعوى الثانية من السبل ما كان مغلقا في الدعوى الأولى . ولا تسلم محكمة النقض بالرأي الذي نقول به، وإنما تذهب إلى الاعتراف للحكم الصادر ببراءة أحد المساهمين في الجريمة استناداً إلى سبب موضوعي بقوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة إلى كل من ينسب إليه المساهمة في هذه الجريمة، فاعلاً كان أو شريكاً : نقض 5 يونية سنة 1939 مجموعة القواعد القانونية ج 4 رقم 404 ص 571 ؛ 17 نوفمبر سنة 1941 ج 5 رقم 305 ص 579؛ 27 أبريل سنة 1942 ج5 رقم 392 ص648؛ انظر في تفصيل ذلك مؤلفنا في المساهمة الجنائية، رقم 110 ص 245، وقوة الحكم الجنائي في إنهاء الدعوى الجنائية، رقم 59 ص 173، وشرح قانون الإجراءات الجنائية، رقم 260 ص 270.
ويثور التساؤل حول تأثير التقادم على المساهمة الجنائية، ونفصله على الوجه التالي :
تقادم الدعوى الجنائية يتعلق بالجريمة فيجردها من الدعوى التي نشأت عنها، ويجعله العقاب من أجلها مستحيلاً، إذ أن هذه الدعوى هي الطريق الوحيد لتوقيع العقاب من أجل الجريمة . ويعني ذلك أن أثر هذا التقادم يمتد إلى كل من يسأل عن الجريمة أيا كان نوع مساهمته . أما تقادم العقوبة فيتسم أثره بطابع شخصی، إذ يفترض صدور حكم نهائي بالعقوبة، والقاعدة أنه بصدور هذا الحكم يستقل كل مساهم في الجريمة بمصيره، فإذا اختلف تاریخ صدور الحكم ضد أحد المساهمين عن تاريخ صدوره ضد مساهم آخر، فإن استكمال التقادم مدته بالنسبة للأول لا يحول دون تنفيذ العقاب على الثاني إذا كانت مدة التقادم بالنسبة له لم تكتمل.
الجرائم التي لا يرتكبها إلا ذو صفة خاصة :
بعض الجرائم لا يرتكبها إلا من يحمل صفة معينة : فالاغتصاب جريمة لا يرتكبها إلا رجل، والزنا جريمة لا يرتكبها غير شخص متزوج، والرشوة جريمة لا يرتكبها إلا موظف عام : فإذا ارتكب الفعل الذي تقوم به الجريمة شخص تتوافر له الصفة التي يحددها القانون خضع هذا الفعل لنص التجريم، فيتصور أن يكون محلا للمساهمة التبعية، إذ يتوافر لها المصدر الذي تستمد منه رکنها الشرعي، وسواء لدى القانون أن يحمل الشريك هذه الصفة أو ألا يحملها، إذ لا يجرم الشارع نشاطه لذاته . وتطبيقاً لذلك، يتصور أن تكون امرأة شريكة في اغتصاب، ويتصور أن يكون شخص غير متزوج شريكاً في زنا، ويتصور أن يكون غير موظف شريكاً في رشوة .
2- الركن المادي للمساهمة التبعية
عناصر الركن المادي للمساهمة التبعية : نعني بالركن المادي للمساهمة التبعية النشاط الإجرامي الذي يأتيه الشريك وما يترتب عليه من آثار، ويقوم هذا الركن على عناصر ثلاثة : النشاط الإجرامي، وآثاره التي تتمثل فيها النتيجة الإجرامية، وعلاقة السببية التي تربط بينهما .
(أ) النشاط الإجرامي في المساهمة التبعية
وسائل النشاط الإجرامي : يحدد القانون وسائل النشاط الإجرامي في المساهمة التبعية على سبيل الحصر؛ ويفسر هذه الخطة حرص الشارع على تحديد نطاق هذه المساهمة بحيث لا يدخل فيه سوی الأفعال التي تمثل مساهمتها في الجريمة قدراً من الأهمية ينم عن خطرها وفي هذه الخطة ضمان للأفراد، إذ الأفعال التي تقوم بها المساهمة التبعية لا يجرمها القانون لذاتها، فلابد من تحديدها بصفة عامة كي يكون المرجع في تجريمها إلى القانون لا إلى تحكم القاضي . وقد حصر الشارع هذه الوسائل في التحريض والاتفاق والمساعدة (المادة 40 من قانون العقوبات)
التحريض
تعريف التحريض : التحريض هو خلق فكرة الجريمة لدى شخص ثم تدعيمها کی تتحول إلى تصميم على ارتكابها، ويتضح من هذا التعريف أن نشاط المحرض ذو طبيعة نفسية، فهو يتجه إلى نفسية الفاعل کی يؤثر عليه فيدفعه إلى الجريمة، والفرق بذلك واضح بين نشاطه ونشاط الفاعل، إذ يغلب أن تكون لنشاط الفاعل طبيعة مادية باعتباره يستعين بقوانين الطبيعة لكي يحقق فعله على نحو مباشر النتيجة الإجرامية.
وقد عرف الشارع الشريك بالتحريض في المادة 40 من قانون العقوبات التي نصت على أن « يعد شريكاً في الجريمة : كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض
ماهية نشاط المحرض: نشاط المحرض هو تعبير عن فكرة فهو يحبذ الجريمة ويبرز دوافعها ويغض من شأن العقبات التي تعترض تنفيذها وتستوي لدى القانون سبل التعبير، فلا فرق بين تحريض عن طريق القول وتحريض عن طريق الكتابة، بل أن الإيماء - إذا كانت له بالنظر إلى الظروف التي صدر فيها دلالة واضحة - يصلح تعبيراً عن الفكرة.
ويقرر القانون مساواة بين وسائل التحريض، بل أنه لم يحدد هذه الوسائل، وإنما ترك للقاضى القول بما إذا كان التحريض - بصرف النظر عن وسيلته - يعد متوافراً أو غير متوافر.
ويتعين أن يكون التحريض مباشراً، أي أن ينصب على فعل غير مشروع؛ ولكن القانون لا يتطلب أن ينصب التحريض على فعل واحد معين بكل ظروفه، فيتصور التحريض على جملة أفعال کی ترتكب جميعاً أو يرتكب الفاعل واحداً منها حسب اختياره أما التحريض غير المباشر، وهو ما كان موضوعه غير ذي صفة إجرامية، ولكنه أفضى إلى ارتكاب جريمة كان وقوعها لحظة التحريض متفقا مع السير العادي للأمور، فهو لا يصلح وسيلة للمساهمة التبعية، فمن يخلق العداوة بين شخصين فتمتلئ نفساهما بالحقد فيقدم أحدهما على جريمة ضد الآخر، هذا الوضع لا يعد تحريضاً لأن محله لم يكن جريمة، وإنما مجرد إفساد العلاقة بين شخصين، وليس هذا الافساد جريمة.
أنواع التحريض :
التحريض كوسيلة للمساهمة التبعية لا يعاقب القانون عليه إلا إذا أفضى إلى وقوع الجريمة، أي أن القانون لا يعاقب عليه في ذاته، وإنما يعاقب عليه بالنظر إلى تأثيره المفضى إلى وقوع الجريمة وإلى جانب هذا التحريض يعرف القانون نوعاً آخر يعاقب عليه في ذاته؛ ومثال ذلك التحريض على ارتكاب الجرائم المضرة بالحكومة من جهة الداخل المنصوص عليها في المواد من 86 إلى 94 الذي تعاقب عليه المادة 95 من قانون العقوبات؛ والتحريض على ارتكاب جنايات القتل أو النهب أو الحريق أو الجنايات المخلة بأمن الحكومة الذي تعاقب عليه المادة 172 من قانون العقوبات .
والتحريض كوسيلة للمساهمة التبعية هو في أصله تحريض فردی، أي يوجه إلى شخص أو أشخاص يعرفهم المحرض، فيتصل بهم ويقنعهم بالجريمة وإلى جانب هذا النوع من التحريض، يعرف القانون نوعاً آخر من التحريض العلني، وهو يوجه إلى جمهور من الناس عن طريق وسيلة من وسائل العلانية، والفرض أن المحرض لا يعرف أفراد الجمهور الذي يخاطبه ولا يعنيه أن يرتكب الجريمة أحدهم بالذات، وإنما يستوي عنده أن يقدم أيهم على ارتكابها، والتحريض العلني أكثر خطورة من التحريض الفردي، فوسائل العلانية باعتبار أثرها ممتداً إلى عدد كبير من الأشخاص، تضفي على عبارات الجاني حجية، ثم إن جماهير الناس أسرع تأثراً وأشد انفعالاً، ويوجد من بينهم على الأقل شخص يسرف في الحماسة ويضرب المثل لزملائه .
وقد نص قانون العقوبات على التحريض العلني في المادي 171 فقرر أن «كل من أغرى واحدا أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علناً أو بفعل أو إيماء صدر عنه علنا أو بكتابة أو رسم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية وبأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية يعد شريكاً في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر له إذا ترتب على الإغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل.
أما إذا ترتب على الإغراء مجرد الشروع في الجريمة فيطبق القاضي الأحكام القانونية في العقاب على الشروع »، ومظهر تشدد الشارع بالنسبة للمحرض علنا أنه يسأله عن الجناية أو الجنحة أو عن الشروع في إحداهما باعتباره شريكاً لمن ارتكبه، على الرغم من أنه قد لا تكون له علاقة خاصة به وإزاء هذا التشدد فقد قصر القانون نطاق التحريض العلني على الجنايات والجنح، فخالف بذلك خطته بالنسبة للتحريض الفردي الذي يتسع نطاقه للمخالفات. ويختلف نوعا التحريض أخيراً باعتبار أن الشارع يرى العلانية ركنا في أحدهما دون الآخر.
إثبات التحريض : يتجرد التحريض في أغلب حالاته من مظهر تلمسه الحواس، لذلك لم يكن بد من الاعتماد على القرائن لإثباته، ويجوز الركون إلى وقائع لاحقة على الجريمة لاستخلاص الدليل عليه.
الاتفاق
تعريف: الاتفاق انعقاد إرادتين أو أكثر على ارتكاب الجريمة ؛ ويفترض الاتفاق عرضاً من أحد الطرفين صادفه قبول الطرف الآخر. والاتفاق في جوهره حالة نفسية، إذ قوامه إرادتان أو أكثر، ولكن له مظهراً مادياً يستمده من وسائل التعبير عن الإرادة، وهذه الوسائل متنوعة، فقد تكون قولاً أو كتابة أو إيماء .
والفرق بين التحريض والاتفاق أن إرادة المحرض تعلو على إرادة من يحرضه، إذ الأول صاحب فكرة الجريمة، ثم هو الذي يبذل الجهد الإقناع الثاني وخلق التصميم الإجرامي لديه ؛ وعلى خلاف ذلك نجد إرادات المتفقين تتعادل أهمية، فكل منهم مقتنع بفكرة الجريمة، وإذا كانت فكرة الجريمة قد نبتت الدي أحدهم فإن عرضه يصادف قبولاً فورياً. ولذلك يتصور وجود الاتفاق دون التحريض، وبذلك تتضح أهمية اعتباره وسيلة مساهمة تبعية قائمة بذاتها، إذ يكفل ذلك توقيع العقاب على من اتفق مع الفاعل دون أن يحرضه.
وقد عرف الشارع الشريك بالاتفاق في المادة 40 من قانون العقوبات (الفقرة الثانية) في قوله « يعد شريكاً في الجريمة .. من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق ».
نوعا الاتفاق : الاتفاق كوسيلة للمساهمة التبعية في الجريمة لا يعاقب القانون عليه إلا إذا ارتكبت الجريمة بناء عليه . ولكن القانون يعرف نوعا آخر من الاتفاق يعاقب عليه في ذاته، أي ولو لم يرتكب أحد طرفيه الجريمة المتفق عليها (المادة 96 من قانون العقوبات).
الفرق بين الاتفاق والتوافق :
إن جوهر الاتفاق هو انعقاد إرادتين أو أكثر، أي تلافيها عند موضوع واحد؛ ولكن التوافق يعني مجرد اتجاه الإرادات نحو موضوع واحد دون أن تتلاقى، فهي إرادات تسير مستقلة في ذات الاتجاه، وقد عرفته محكمة النقض بأنه «قیام فكرة الإجرام بعينها عند كل من المتهمين، أي توارد خواطرهم على الإجرام واتجاه خاطر كل منهم اتجاهاً ذاتياً إلى ما تتجه إليه خواطر سائر أهل فريقه من تعمد إيقاع الأذى بالمجني عليه ». ويتضح بذلك عمق الفارق بين الاتفاق والتوافق، فجوهر الأول لا وجود له في الثاني؛ وهما يختلفان بعد ذلك في الأهمية، فالاتفاق وسيلة للمساهمة التبعية، ولكن التوافق ليس كذلك، فإذا خطرت لشخص فكرة قتل غريمه وخطرت لآخر فكرة قتل المجني عليه نفسه دون أن يكشف أحدهما للآخر عما انعقد عليه تصميمه ثم نفذ أحدهما عزمه، فالثاني لا يعد شريكاً له في جريمته، بل إنهما إذا نفذا الجريمة في ذات الوقت، فكل منهما فاعل لجريمة مستقلة .
وللتوافق أهمية قانونية محدودة : فهو سبب لاتساع نطاق المسئولية الجنائية بحيث تمتد إلى كل المتوافقين على الرغم من أنه قد يكون من بينهم من لم يقترف الفعل الذي تقوم به الجريمة ولم يساهم فيها بإحدى وسائل المساهمة التبعية التي يحددها القانون المادة 243 من قانون العقوبات) .
إثبات الاتفاق : الاتفاق في جوهره حالة نفسية، إذ هو انعقاد الإرادات ذاته، ولكن له مظهراً خارجياً يتمثل في وسائل التعبير عنه .
وللقاضي أن يستخلص الاتفاق بجميع طرق الإثبات، بما في ذلك القرائن، ولو كانت وقائع لاحقة على الجريمة . ويعتبر سبق إصرار المتهمين على الجريمة قرينة قاطعة على اتفاقهم عليها.
المساعدة
تعريفة المساعدة هي تقديم العون - أياً كانت صورته -إلى الفاعل، فيرتكب الجريمة بناء عليه .
ويتضح من هذا التعريف أن المساعد يقدم إلى الفاعل الوسائل والإمكانيات التي تهيئ له ارتكاب الجريمة أو تسهل له ذلك، أو هو يزيل عقبات كانت تعترض طريقه أو على الأقل يضعف منها.
وقد عرف الشارع الشريك بالمساعدة بأنه « من أعطى الفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها صور المساعدة : صور المساعدة عديدة، إذ تختلف باختلاف ظروف كل جريمة والنحو الذي يقدر مرتكبوها أن المساعدة تكون به مجدية، ومع ذلك فثمة صور يغلب أن تتحقق في العمل، ونرى أن نستعرضها فيما يلى :
إن أبسط صور المساعدة تتحقق بإعطاء تعليمات وإرشادات إلى الفاعل توضح له كيفية ارتكاب الجريمة أو التخلص من الصعوبات التي تعترض تنفيذها أو كيفية الحصول على ثمراتها . وأي قدر من التعليمات يكفي لتحقق المساعدة ؛ وسواء عند القانون مرحلة الجريمة التي يسعى المساعد إلى تسهيلها عن طريق تعليماته وإرشاداته : فتتحقق هذه المساعدة بإرشاد القاتل إلى كيفية صناعة المادة السامة، أو إرشاد السارق إلى كيفية تسور مسكن المجنى عليه أو تحطيم بأبه أو استعمال المفتاح المقلد، كما تتحقق بإرشاده إلى المكان الذي يخفى فيه المجنى عليه أمواله، أو بإرشاده إلى كيفية التخلص من مقاومته إذا حاول الدفاع عن ماله .
ومن صور المساعدة كذلك تقديم أسلحة أو آلات أو أي شيء آخر کي يستعمل في ارتكاب الجريمة . ولهذا الصورة مظهر مادی واضح، إذ تفترض شيئاً ذا كيان مادی يرد عليه التسليم من المساعد إلى الفاعل . وأهم هذه الأشياء هي الأسلحة أياً كان نوعها، سواء أكانت أسلحة بطبيعتها كالبنادق والسيوف، أم أدوات تستخدم عرضاً في الاعتداء كالفئوس والمطارق . وتتحقق المساعدة أيضاً بتقديم أي شيء آخر يمكن أن يعين في تنفيذ الجريمة، مثال ذلك تقديم مادة سامة لارتكاب قتل، أو مادة مخدرة الارتكاب سرقة أو هتك عرض، أو مادة مجهضة لارتكاب إجهاض ؛ ويدخل في هذه الصورة كذلك تقديم مفتاح مقلد کی يستعان به في ارتكاب سرقة، أو تقديم سند مزور کی يستعان به في ارتكاب نصب ومن الجائز أن يكون هذا الشيء عقاراً، كإعارة مسكن کی ترتكب فيه جريمة اغتصاب أو هتك عرض، أو إعارة قاعة کی تجرى فيها مبارزة، وتتميز المساعدة في هاتين الصورتين بأنها سابقة على بدء الفاعل في تنفيذ الجريمة، وتوصف بأنها « مساعدة في الأعمال المجهزة للجريمة ».
ولكن المساعدة قد تكون معاصرة لتنفيذ الجريمة، وتوصف حينئذ بأنها « مساعدة في الأعمال المسهلة أو المتممة للجريمة »، وهي تفترض تدخل المساعد حين يأتي الفاعل الأعمال التنفيذية للجريمة لتمكينه من الاستمرار فيها وإنهائها على النحو الذي يحقق النتيجة الإجرامية . والفرق بين المساعدة في الأعمال المسهلة للجريمة والمساعدة في الأعمال المتممة لها فرق زمني يتعلق بالوقت الذي يتدخل فيه المساعد بالنسبة إلى نشاط الفاعل، فالأولى تفترض وقتاً مبكراً عن الثانية وفي عبارة أوضح تتحقق المساعدة في الأعمال المسهلة والفاعل لا يزال في المراحل التنفيذية الأولى، وتستهدف تمكينه من الاستمرار في تنفيذ الجريمة؛ أما المساعدة في الأعمال المتممة فتتحقق والفاعل في المراحل الأخيرة لتنفيذ الجريمة، وتستهدف تمكينه من إنهاء هذا التنفيذ. وتحقيق النتيجة الإجرامية . وأمثلة المساعدة في الأعمال المسهلة للجريمة أن يترك خادم باب المسكن مفتوحاً کی يمكن اللصوص من الدخول فيه وارتكاب السرقة، أو أن يزكي المساعد الشخص الذي يرتكب النصب فيحمل بذلك المجني عليه على الثقة فيه وتسليمه بعض ماله، أما المساعدة في الأعمال المتممة للجريمة، فمثالها أن يشهد شخص على ورقة مزورة، إذ أنه يساهم بفعله في إعطائها شكل الورقة الصحيحة وإظهارها كأنها صادرة من المجني عليه، وفي عمله إعانة على إحكام التزوير؛ أو أن يعوق المساعد وصول الطبيب لإنقاذ المجني عليه الذي أصابه الفاعل بجراح مميتة فيزيل بذلك العقبات التي تعترض سير الأفعال التنفيذية في مرحلتها الأخيرة ويمكن بذلك لتحقق النتيجة الإجرامية ؛ أو أن يعير شخص السارق عربة نقل کی يمكنه من إخراج المسروقات من المكان الذي يحوزه المجنى عليه .
هل تتحقق المساعدة بأعمال لاحقة على الجريمة المساعدة «لا تعد اشتراكاً إلا إذا كانت سابقة أو معاصرة للجريمة، وإذن فلا اشتراك بأعمال لاحقة للجريمة ». وتطبيقاً لذلك، فإن إخفاء الأشياء المسروقة أو المتحصلة من جناية أو جنحة، أو استعمال المحرر المزور، أو إخفاء جثة القتيل، أو إيواء الفارين من العدالة ليس اشتراكاً بالمساعدة في جريمة سابقة؛ ولكنه جريمة مستقلة متميزة بأركانها، وتفسير ذلك أن المساعدة تفترض تقديم العون إلى الفاعل لتمكينه من تنفيذ الجريمة، فإذا ما انتهى التنفيذ لم يعد محل للعون أو التعضيد. ولتطبيق هذه القاعدة يتعين تحديد عناصر الركن المادي للجريمة، فإذا ثبت أن المساعد قد أتي نشاطه قبل اللحظة التي تكتمل فيها لهذا الركن عناصره كانت لمساعدته صفة المساهمة التبعية في الجريمة ؛ وغنى عن البيان أن الركن المادي للجريمة لا تكتمل له عناصره إلا إذا تحققت النتيجة بكل أجزائها . وتختلف الجرائم في ذلك : فالجرائم المستمرة تستغرق فترة من الزمن، ولذلك تتصور المساعدة حتى نهاية هذه الفترة، والجرائم الوقتية تختلف فيما بينها : فالسرقة مثلاً لا تنتهي إلا بدخول الشيء في حيازة الجاني بحيث يسعه أن يباشر عليه مظاهر السيطرة التي تفترضها الحيازة، ولذلك تتحقق المساعدة المعاصرة للجريمة بفعل من يعين السارق على نقل المسروقات بعد الاستيلاء عليها من المكان الذي يحوزه المجنى عليه إلى مكان يحوزه الجاني.
المساعدة عن طريق الامتناع : يذهب الرأي الراجح في الفقه والقضاء إلى القول بأن المساعدة في كل صورها تتطلب نشاطاً إيجابياً يبذله المساعد ويقدم عن طريقه العون إلى الفاعل . أما الموقف السلبي الذي يتمثل في مجرد الامتناع عن الحيلولة دون وقوع الجريمة على الرغم من استطاعة ذلك، أو الامتناع عن إبلاغ أمرها إلى السلطات العامة قبل وقوعها کی تعمل على درئها فهو غير كاف لتحقق المساعدة؛ ولا يغير من هذه القاعدة كون الجاني ملتزما بالعمل الذي امتنع عنه.
وهذه القاعدة موضع للنقد : فليس بشرط أن تكون المساعدة عن طريق إمداد الفاعل بالوسائل التي لم تكن متوافرة لديه، وإنما تتحقق كذلك بإزالة العقبات التي تعترض تنفيذ الجريمة، بل إن المساعدة السلبية قد تكون في بعض الظروف أجدى من المساعدة الإيجابية وغنى عن البيان أنه إذا كان المتهم ملتزماً طبقاً للقانون بالحيلولة دون وقوع جريمة معينة أو دون وقوع أية جريمة بصفة عامة - سواء بمجهوده المباشر أو بإبلاغ السلطات العامة عنها - فإن القانون يضع بهذا الإلتزام عقبة في طريق تنفيذ الجريمة، ولهذه العقبة وجود حقیقی باعتبار أن الأصل هو أن يطبق القانون التطبيق السليم، ولذلك فإن الامتناع عن القيام بالواجب الذي يفرضه القانون يعنی إزالة هذه العقبة وجعل تنفيذ الجريمة أسهل مما يكون في الوضع العادي، وفي هذا التسهيل مساعدة لا شك فيها، ولا يجدي في دحض هذا الرأي القول بأنه ليس لهذه العقبة وجود مادي : ذلك أن لها وجوداً قانونياً فعلياً، إذ يفترض الشارع في أحكامه أن تطبق وتنتج آثارها .
(ب) النتيجة الإجرامية لنشاط الشريك
ماهية النتيجة الإجرامية لنشاط الشريك : يترتب على اتبان الشريك نشاطه ارتكاب الفاعل جريمته، فهذه الجريمة ترتكب بناء على التحريض أو الاتفاق أو المساعدة، وتعد هذه الجريمة بعناصرها المتعددة النتيجة الإجرامية لنشاط الشريك . وتحديد ماهية هذه النتيجة لا يثير صعوبة، إذ يتعين الرجوع إلى نص القانون لتبين أركان الجريمة، وحصر هذه الأركان كفيل بتحديد عناصر هذه النتيجة .
ولكن دراسة النتيجة الإجرامية لنشاط الشريك تثير مشكلتين : الأولى، هي مشكلة الاشتراك في الاشتراك ؛ والثانية، هي مشكلة الشروع في الاشتراك.
الإشتراك في الاشتراك و محل البحث في هذه المشكلة أن يتجه نشاط الشريك إلى حمل شخص ثان على أن يأتي نشاطاً يقوم به الإشتراك في الجريمة، وفي النهاية تقع الجريمة كنتيجة مباشرة النشاط الشريك الثاني الذي يتوسط في العلاقة بين الشريك الأول والفاعل، فالجريمة نتيجة ثانية النشاط الشريك الأول، أما نتيجته الأولى فهي نشاط الشريك الثانی؛ ويدور التساؤل حول ما إذا كان العقاب يوقع على الشريك الأول ؟ مثال ذلك أن تطلب امرأة من صيدلي مادة مجهضة فيرفض، ولكن زوجها يحرضه على ذلك بإعطائه مبلغاً من المال فيعطيها المادة فترتكب الإجهاض، فالزوج هو الشريك الأول بالتحريض، والصيدلي هو الشريك الثاني بالمساعدة، والمرأة هي الفاعل، وفي عبارة أخرى: الزوج شريك الشريك، والصيدلى شريك، والمرأة فاعل .
انقسم الرأي في شأن شريك الشريك إلى مذهبين : فذهب رأي إلى القول بأن العقاب لا يوقع على شريك الشريك، لأن العلاقة ينبغي أن تكون مباشرة بين الشريك والفاعل، أما إذا توسط بينهما ثالث فقد وهنت العلاقة وأصبحت غير مباشرة . ويستند أنصار هذا الرأي إلى نصوص القانون، فيقولون إنها تعاقب « من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة »، أو « من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة »، أو « من أعطى الفاعل أو الفاعلين سلاحا أو آلات أو أي شيء آخر أو ساعدهم بأية طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها » . وكل هذه العبارات صريحة في أن القانون يفترض أن نشاط المحرض قد اتجه إلى الفعل الإجرامي مباشرة، وأن الاتفاق كان مع فاعل الجريمة نفسه، وأن إعطاء الأسلحة أو الآلات أو المساعدة بأية طريقة أخرى، كل ذلك كان للفاعل أو للفاعلين، ولا يتحقق هذا الوضع حينما يتجه التحريض إلى مجرد شريك أو يكون الاتفاق معه أو المساعدة له دون الفاعل.
ويذهب رأي ثان مذهباً مختلفاً : فيقرر أنصاره أن القانون لم يتطلب أن تكون العلاقة مباشرة بين الشريك والفاعل، بل كل ما تقتضيه القواعد العامة هو أن تتوافر علاقة السببية بين نشاط الشريك والجريمة، وهذه العلاقة قد توافرت، إذ لولا هذا النشاط ما صدر عن الشريك نشاطه، وما ارتكبت الجريمة على النحو الذي ارتكبت به، والحجة المستمدة من نصوص القانون إنما تقوم على تفسير حرفي لها يستتر فيه القصد الحقيقي الشارع خلف ألفاظها : فإذا كان الشارع قد اشار إلى الوضع المألوف، فليس معنى ذلك أنه أراد أن يقصر حكمه عليه ؛ بل كل ما استهدفه أن يحدد أركان المساهمة التبعية، فإن ثبت توافرها لم يكن بد من التسليم بقيامها . ولذلك يكون الحكم الصحيح في مشكلة الإشتراك في الاشتراك رهنا بالبحث في أركان المساهمة التبعية، ولا جدال في أنها متوافرة : فنشاط شريك الشريك يتخذ صورة إحدى وسائل المساهمة التبعية، إذ هو تحريض أو اتفاق أو مساعدة، وعلاقة السببية متوافرة بينه وبين الجريمة، والقصد الجنائي متوافر لديه كذلك، والعلاقة بين نشاطه والجريمة تجعله يستمد منها صفته غير المشروعة التي يقوم بها الركن الشرعي للمساهمة التبعية ؛ بل اننا نستطيع القول بأن نشاط الشريك باعتباره قد استمد الصفة غير المشروعة من الجريمة، فهو بدوره يصلح مصدراً يستمد منه نشاط شريك الشريك صفته غير المشروعة، وهذا الرأي هو الصحيح وقد أخذت به محكمة النقض.
الشروع في الاشتراك : يتحقق الشروع في الإشتراك إذا أتى الشريك نشاطه، ولكن لم ترتكب الجريمة بناء عليه . ولذلك صورتان : فقد لا ترتكب الجريمة على الإطلاق، وقد ترتكب بناء على أسباب ليس من بينها نشاط الشريك . وحكم الشروع في الاشتراك هو عدم العقاب عليه. وتعليل ذلك أنه إذا لم ترتكب الجريمة أو لم تتوافر علاقة السببية بينها وبين نشاط الشريك، فإن هذا النشاط يفقد المصدر الذي يستمد منه صفته غير المشروعة، فينتفى بذلك الركن الشرعي للمساهمة التبعية.
عدول الشريك : هذا العدول يفيد الشريك إذا كان من شأنه نفي أحد أركان الإشتراك ؛ أما إذا لم يكن من شأنه ذلك فليس له تأثير على مسئوليته. : فإذا عدل الشريك عن غرضه الإجرامي ولكن الفاعل لم يحفل بذلك فمضى في تنفيذ الجريمة، فالشريك مسئول عنها على الرغم من عدوله، ذلك أن جميع أركان الاشتراك قد توافرت : إذ قد أتى النشاط الذي يقوم به، وارتكبت الجريمة نتيجة له، ولنشاطه صفة غير مشروعة استمدها من الجريمة . أما إذا استطاع بعدوله أن يحول دون توافر أحد أركان الإشتراك فهو يستفيد من هذا العدول : فمن أمد آخر بسلاح لينفذ به جريمة ثم استطاع بعد عدوله أن يسترد هذا السلاح أو يعلمه أو يجعله غير صالح للاستعمال فی تنفيذ الجريمة فلم ترتكب فلا محل لعقابه ؛ بل إنه لا يعاقب إذا استطاع الفاعل تنفيذ الجريمة على الرغم من ذلك بوسائل غير التي قدمها له الشريك، إذ علاقة السببية غير متوافرة بين الجريمة وما صدر عن الشريك من نشاط .
(ج) علاقة السببية بين نشاط الشريك والجريمة
أهمية علاقة السببية بين نشاط الشريك والجريمة : أهمية هذه العلاقة أنها عنصر في الركن المادي للمساهمة التبعية، فإن انتفت انهار ذلك الركن ولم يعد لمسئولية الشريك محل، إذ يعني انتفاؤها أن نشاطه لم يكن له شأن في الجريمة، فهو أجنبي عنها، فلا محل لأن يسأل عن عمل غيره . وقد حرص القانون على تطلب هذه العلاقة صراحة : فحينما تكلم عن التحريض على الفعل المكون للجريمة اشترط وقوعه بناء على هذا التحريض، وحينما تكلم عن الاتفاق على ارتكاب الجريمة اشترط وقوعها بناء عليه، وحينما تكلم عن المساعدة على ارتكاب الجريمة اشترط أن تكون الأسلحة أو الآلات قد استعملت في ارتكابها، ثم تطلب بصفة عامة وقوع الجريمة بناء على المساعدة .
معيار علاقة السببية: تعد علاقة السببية متوافرة بين نشاط الشريك والجريمة إذا ثبت أنه إذا لم يأت نشاطه فإن الجريمة ما كانت ترتكب على النحو الذي ارتكبت به، أي ما كان الفاعل يأتي نشاطه وما كانت النتيجة تتحقق بالصورة التي تحققت بها . فإذا ثبت أن الجريمة ما كانت ترتكب إطلاقاً إذا لم يأت الشريك نشاطه، فإن علاقة السببية تعد متوافرة بين الجريمة وهذا النشاط ولكن مجال علاقة السببية ليس مقتصراً على هذا الوضع : فإذا ثبت أنه بغير نشاط الشريك فإن الجريمة كانت ترتكب، ولكن في صورة مختلفة عن الصورة التي ارتكبت بها، فإن علاقة السببية تعد على الرغم من ذلك متوافرة بين هذا النشاط والجريمة، إذ كان له دور في اتخاذها صورة معينة وتعد علاقة السببية منتفية إذا ثبت أنه إذا لم يأت الشريك نشاطه، فإن الجريمة كانت على الرغم من ذلك ترتكب على ذات النحو الذي ارتكبت به.
أثر علاقة السببية في تحديد الوقت الذي يأتي فيه الشريك نشاطه : يترتب على اعتبار هذه العلاقة عنصراً من عناصر الركن المادي للمساهمة التبعية وجوب کون نشاط الشريك سابقا على لحظة تمام الجريمة بتحقق نتيجتها وفي عبارة أخرى، يجب أن يكون هذا النشاط سابقاً على بعض المراحل التنفيذية للجريمة، وسواء أن يكون سابقاً على البدء في تنفيذ الجريمة أو معاصراً له وتعليل ذلك أن السبب لا يتصور في المنطق إلا سابقاً على المسبب.
٣- الركن المعنوي للمساهمة التبعية .
يجري الفقه على التعبير عن الركن المعنوي للمساهمة التبعية « بالقصد الجنائي للشريك »؛ ولكنا نرى هذا التعبير غير جامع : فقد يتخذ هذا الركن في بعض الجرائم صورة غير القصد الجنائي . ويذهب الرأي السائد في الفقه إلى استبعاد الجرائم غير العمدية من نطاق المساهمة التبعية، وتلك نتيجة حتمية لقصر ركنها المعنوي على صورة القصد الجنائي، ولكنا نرى هذا المذهب محلاً للنظر.
الركن المعنوي للمساهمة التبعية في الجرائم العمدية: إذا كانت الجريمة عمدية فركنها المعنوي يتخذ صورة القصد الجنائي، وتوافر هذا الركن شرط المسئولية المتهم عنها، سواء أكانت مساهمته فيها أصلية أم كانت تبعية : فإذا انتفى القصد الجنائي لدى الشريك فهو غير مسئول عن الجريمة، ولو كانت أفعاله قد ساهمت من الناحية المادية في وقوعها. ولا يغني عن القصد الجنائي أن يتوافر الخطأ غير العمدي في أجسم صورة : فالخادم الذي يدلي بمعلومات عن المكان الذي يخفي فيه مخدومه ماله، فيستعين بها شخص في سرقة ذلك المال لا يعد شريكاً في هذه الجريمة إذا لم بدر شيئاً عن النوايا الإجرامية لمن استمع إلى حديثه عناصر القصد الجنائي في المساهمة التبعية، القصد الجنائي قوامه عنصران : العلم والإرادة . فالعلم ينصرف إلى أركان الجريمة، والإرادة تتجه إلى الفعل الذي تقوم به والنتيجة التي تترتب عليه، وقد قدمنا أن الشريك جريمته، وماديات هذه الجريمة قوامها النشاط الذي يأتيه ويتخذ صورة إحدى الوسائل التي يحددها القانون، ولهذا النشاط نتيجته التي تتمثل في جريمة الفاعل باعتبارها قد ارتكبت بناء عليه، ولهذه الجريمة عناصرها العديدة التي تقوم عليها، وبين النشاط والنتيجة علاقة سببية تصل بينهما وغني عن البيان أن القصد الجنائي للشريك يتطلب علما محيطاً بكل هذه الماديات التي تقوم عليها جريمته أما الإرادة فيتعين أن تتجه إلى الفعل الذي تقوم به وسيلة المساهمة وإلى نتيجته المتمثلة في الجريمة التي يرتكبها الفاعل . ونوضح فيما يلي هذين العنصرين .
علم الشريك : يتطلب القصد الجنائي لدى الشريك علماً بماهية نشاطه وإدراكا لاتجاهه نحو المساهمة في جريمة : فمن ساعد على جريمة ينبغي أن يعلم أن من شأن الوسيلة التي يقدمها أن تعين على ارتكابها، فيدرك مثلاً أن المادة التي يعطيها للقاتل هي مادة سامة، فإن اعتقد أنها غير ضارة فلا يعد القصد الجنائي متوافراً لديه ؛ ومن قدم محرراً مزوراً إلى شخص استعان به في ارتكاب نصب ينبغي أن يعلم بتزويره وبأن من شأنه خداع من يطلع عليه، أما إذا كان يعتقد أنه محرر صحيح لا يتضمن غير ما يطابق الحقيقة، فلا ينسب إليه القصد الجنائي كشريك في النصب .
ويتطلب القصد الجنائي لدى الشريك علماً بنتيجة نشاطه، وهذه النتيجة هي الجريمة التي يرتكبها الفاعل، ويطلق على العلم إذا ما انصرف إلى واقعة مستقبلة تعبير «التوقع» : فالشريك يتعين أن يتوقع أن من آثار فعله إقدام شخص على ارتكاب جريمة، وهذا العلم مركب، إذ ينصرف إلى وقائع متعددة، ذلك أن جريمة الفاعل عديدة العناصر، وكلها ينبغي أن يحيط العلم بها، فمن أعطى غيره سلاحاً لا ينسب إليه قصد الإشتراك في القتل إلا إذا توقع أن من تسلم السلاح سوف يستخدمه في الاعتداء على حياة إنسان، وأن وفاة المجنى عليه سوف تتحقق كنتيجة لهذا الفعل، ومن أعطى غيره أداة للكسر لا ينسب إليه قصد الإشتراك في السرقة إلا إذا توقع أن مسلم هذه الآلة سوف يستعملها في الكسر ليتبعه باختلاس مال الغير . فإن انتفى العلم فلا يتوافر القصد : فمن سلم غيره سلاحاً ليستعمله في الصيد لا يسأل كشريك في القتل الذي يرتكب به، ومن أعطى غيره أداة متوقعاً أن يستعملها في إصلاح قطعة أثاث لا يسأل كشريك في السرقة التي ترتكب عن طريقها .
إرادة الشريك : يتعين أن تتجه إرادة الشريك إلى الماديات التي تقوم عليها المساهمة التبعية، ويعني ذلك وجوب اتجاهها إلى النشاط الذي تتمثل فيه وسيلة هذه المساهمة وإلى نتيجته، وهي كما قدمنا الجريمة التي يرتكبها الفاعل فالشريك ينبغي أن يريد فعله الذي ساهم به في الجريمة، فمن يعطى غيره سلاحاً فيستعمله في قتل يجب أن تكون إرادته قد اتجهت إلى التخلي عن حيازته وإدخاله في حيازة القاتل، أما إذا كان القاتل قد انتزعه أو استولى عليه خلسة فلا ينسب إلى حائز السلاح قصد الإشتراك في القتل؛ ولا يغير من هذا الحكم أن يثبت علمه وقت انتزاع السلاح من حيازته باحتمال أن يستعان به في قتل شخص معين وبالإضافة إلى ذلك يتعين أن تتجه إرادة الشريك إلى الجريمة التي ترتكب بناء على نشاطه، ويعني ذلك أن إرادته ينبغي أن تتجه إلى الفعل الذي تقوم به هذه الجريمة وإلى نتيجته، فهو يريد أن يتمكن فاعل الجريمة من اقترافها بعناصرها جميعاً : فمن أعطى أدوات الكسر إلى السارق لا يتوافر لديه قصد الإشتراك في السرقة إلا إذا ثبت أنه كان يريد أن يتمكن السارق من الكسر والاستيلاء على مال المجني عليه؛ ومن أعطى القاتل سلاحاً لا يتوافر لديه ذلك القصد إلا إذا ثبت أنه كان يريد أن يتمكن القاتل من الاعتداء على حياة المجني عليه وإحداث وفاته . وغني عن البيان أن إرادة الجريمة لا يجوز أن تقتصر على إرادة الفعل الذي تقوم به، بل ينبغي أن تمتد إلى نتيجته : فلا يكفي لمسئولية الشريك عن القتل أن يثبت اتجاه إرادته إلى أن يتمكن الفاعل من إطلاق النار على المجنى عليه، بل يجب أن يثبت أنه أراد إحداث وفاته عن طريق ذلك الفعل . وتطبيقاً لذلك فإن من يصنع مفاتيح مقلدة ويبيعها لأشخاص يعلم أنه من المحتمل أن يستخدموها في ارتكاب سرقة لا يعد القصد المتطلب للاشتراك في السرقة متوافراً لديه، لأن إرادته لم تتجه إلى ارتكابها، إذ لا يعنيه أمرها في شيء، وإنما كل ما اتجهت إليه إرادته هو تسليم المفاتيح نظير الثمن. ولذات العلة، فإنه لا يعد شريكاً في قتل صانع السلاح الذي يبيعه لشخص يعلم أنه قد يستعين به في ارتكاب هذه الجريمة.
وتطبيقاً لهذه القاعدة كذلك، فإن رجل الشرطة الذي يعلم بعزم شخص على ارتكاب جريمة، فيريد القبض عليه متلبساً بها فيشجعه عليها حتى إذا ما ارتكب الفعل المكون لها كشف عن شخصيته وحال بينه وبين تحقيق النتيجة الإجرامية، هذا الرجل لا يتوافر لدية قصد الإشتراك في الجريمة، لأن إرادته لم تتجه إلى نتيجتها، إذ الفرض أنه عازم على الحيلولة دون حدوثها، وهو لذلك غير مسئول عنها على الرغم من تحريضه عليها وعلمه بها واتجاه إرادته إلى الفعل الذي تقوم به، ويطلق على رجل الشرطة في هذه الحالة تعبير « المحرض الصوري».
وتطبيقا للقاعدة نفسها، فمن يعلم بنية شخص قتل آخر، فيريد التحقق من ذلك وتكون نيته أن يحول بينه وبين غايته فيمده بالمادة السامة حتى إذا ما وضعها في الطعام المعد للمجنى عليه أبلغ أمره إلى السلطات العامة لا يتوافر لديه قصد المساهمة في هذه الجريمة وإذا لم يستطع « المحرض الصوري » أن يحول دون تحقق النتيجة، فكان حدوثها ثمرة لإهماله في الاحتياط لدرئها، فهو مسئول عن الجريمة مسئولية غير عمدية، إذا كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف .
الخطأ غير العملي في المساهمة التبعية : انقسم الرأي حول صلاحية الجرائم غير العملية محلاً للمساهمة التبعية : فيذهب رأي إلى استبعاد هذه الجرائم من نطاق المساهمة التبعية محتجاً بأن القصد الجنائي ركن في هذه المساهمة، وهو ركن يستحيل توافره بالنسبة لهذه الجرائم . والحجة في اعتبار القصد ركنا في المساهمة التبعية أنها تتطلب اتفاقاً - أو على الأقل - تفاهما بين المساهمين، والاتفاق أو التفاهم يقتضي علماً وإرادة منصرفين إلى عناصر الجريمة، وبالعلم والإرادة يقوم القصد الجنائي .
ولكن ليس معنى ذلك أن ينجو المساهم في جريمة غير عمدية من المسئولية الجنائية، بل إنه إذا ثبت أن فعله كان من بين العوامل التي أدت إلى حدوث النتيجة وتحقق الخطأ لديه، كان مسئولاً عنها كفاعل لها مع غيره : فاستبعاد المساهمة التبعية يعني أن تحل المساهمة الأصلية محلها ؛ ولا تناقض في ذلك : فالأولى تتطلب القصد الجنائي والثانية لا تتطلبه . ويدعم هذا الرأي العبارات الواسعة التي استعملها القانون في النصوص الخاصة بالجرائم غير العمدية، وخاصة جريمتي القتل غير العمدي والإصابة غير العمدية، فهي تقرر صفة الفاعل لمن ارتكب القتل أو الجرح ولمن تسبب فيه (المادتان 238، 244 من قانون العقوبات)، وهذه العبارات تتسع لكل درجات المساهمة في الجريمة، ويسود هذا الرأي في الفقه، والقضاء.
وهذا الرأي معيب : فليس صحيحاً القول بأن القصد الجنائي ركن في المساهمة التبعية، إذ لا يدعم هذا القول سند من نصوص القانون أو من القواعد العامة في المسئولية الجنائية : فلم يرد في القانون نص يتطلب توافر القصد الجنائي لدى الشريك، وكل ما يمكن أن يفسر في هذا المعنى هو تطلب الشارع أن يكون إعطاء الفاعل أو الفاعلين الأسلحة أو الآلات التي استعملت في ارتكاب الجريمة مصحوبا بالعلم بها (المادة 40 من قانون العقوبات، الفقرة ثالثاً) . والحقيقة أن تطلب العلم لا يعني تطلب القصد الجنائي، فقد قدمنا أن القصد لا يقوم بالعلم وحده، وإنما يتطلب الإرادة إلى جانبه . وليس صحيحاً القول بأن طبيعة المساهمة التبعية تقتضي توافر القصد الجنائي : فالحجة التي يستند إليها هذا القول مجملها أن الاتفاق أو التفاهم ركن في المساهمة الجنائية، وكل منهما يقتضي علماً وإرادة . منصرفين إلى عناصر الجريمة . ولكن هذه الحجة غير حاسمة ذلك أن طبيعة المساهمة الجنائية لا تقتضي الاتفاق أو التفاهم، وإنما تقنع بالرابطة الذهنية التي تجمع بين المساهمين، ولا نفترض هذه الرابطة سوى شمول عناصر الركن المعنوي لدى كل مساهم أركان الجريمة محل المساهمة بحيث تشترك هذه العناصر في محل واحد تتعلق به، وهذا الرأي يهدر الضوابط التي وضعها القانون التمييز بين الفاعلين والشركاء، إذ تستند هذه الضوابط إلى نوع الأفعال التي يرتكبها المساهم في الجريمة، ويؤدي تطبيقها إلى أن من يقتصر نشاطه على التحريض أو الاتفاق أو المساعدة لا يعد فاعلاً ؛ وعلى هذا النحو يكون من غير السائغ في المنطق القانوني أن يعد فاعلاً للجريمة غير العمدية من اقتصر نشاطه على مجرد التحريض عليها أو الاتفاق على ارتكابها أو المساعدة فيها . وهذا الرأي يعيبه بالإضافة إلى ذلك كونه مستنداً إلى تناقض، إذ أنه ينكر المساهمة التبعية ويعترف بالمساهمة الأصلية، على الرغم من أن الثانية تفترض إجراما أبعد مدى، أي تفترض نشاطاً ونوايا جاوزت القدر الذي كان كافياً لقيام المساهمة التبعية.
والرأي الصحيح في اعتقادنا أن المساهمة التبعية متصورة في الجرائم غير العمدية : ذلك أن نصوص القانون الخاصة بالمساهمة التبعية قد صيغت بحيث تتسع لجميع الجرائم دون تفرقة بين العملية منها وغير العمدية، فمن غير المقبول أن يقيد مطلق النص دون سند من القانون، وبالإضافة إلى ذلك، فليس في طبيعة الجرائم غير العمدية ما يجعلها تأبى المساهمة التبعية، إذ كل ما يتطلبه القانون هو أن تتوافر في شخص الشريك العناصر المعنوية المتطلبة لقيام الجريمة، فإن توافرت إلى جانبها العناصر المادية للمساهمة التبعية فلا سند يبرر إنكارها، وتتوافر العناصر المعنوية للجريمة إذا توافر الخطأ غير العمدي، ونحن لا نستطيع أن تتطلب القصد الجنائي لديه لأن طبيعة الجريمة تأبى ذلك، ثم أنه ليس من المقبول أن تتطلب لدى الشريك ما لا تتطلبه لدى الفاعل.
عناصر الخطأ غير العمدي في المساهمة التبعية : تفترض المساهمة التبعية في الجرائم غير العمدية توافر الخطأ بعناصره لدى الشريك، وتفترض بالإضافة إلى ذلك أن هذا الخطأ لم يقتصر على فعله وآثاره المباشرة، وإنما امتد فشمل الفعل الذي تقوم به الجريمة والنتيجة الإجرامية التي ترتبت عليه . ولتفصيل ذلك نقرر أن الشريك يتعين أن يعلم بفعله ويريده، وأن يعلم كذلك بالفعل الذي تقوم به الجريمة ويريده، وأن يكون في استطاعته توقع النتيجة الإجرامية ولكنه لا يتوقعها، أو يتوقعها وتتجه إرادته إلى الحيلولة دون حدوثها معتمداً على احتياط غير كاف لدرئها : فمن يأمر قائد سيارة بالإسراع فيقتل أحد المارة يعلم بدلالة أمره ويريدها، ويعلم كذلك أن قائد السيارة يسرع في قيادتها، وهو يريد ذلك، وإذا كان لم يتوقع وفاة أحد المارة فقد كان ذلك في استطاعته؛ ونلاحظ في هذا المثال أن ثمة قدراً مشتركاً من الخطأ يجمع بين من أمر بالقيادة المسرعة ومن قاد السيارة بسرعة، هذا القدر هو العلم بالفعل المكون للجريمة وإرادته واستطاعة توقع النتيجة، وفي هذا القدر المشترك من الخطأ تتحقق الرابطة الذهنية بين المساهمين في الجريمة . (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 475)
أركان الاشتراك هي :
أولاً : حدوث الاشتراك بتحريض أو اتفاق أو مساعدة.
ثانياً : وجود فعل أصلي معاقب عليه.
ثالثاً : وقوع الفعل المعاقب عليه بناءا على التحريض أو الاتفاق أو المساعدة علاقة السببية بين نشاط الشريك والجريمة .
رابعاً : توافر القصد الجنائي.
أولاً : النشاط الإجرامي (التحريض – الاتفاق – المساعدة):
نشاط الشريك يستمد إجرامه من تجريم النشاط المادي للفاعل، لأن نشاط الشريك بحسب الأصل غير معاقب عليه قانونا لأنه لا يدخل في النموذج القانوني للجريمة، ولهذا لا يجعل المشرع أي نشاط يصدر عن الشريك مجرماً بالتبعية النشاط المادي للفاعل، وإنما نص على صور محددة لهذا النشاط هي التي تخضع التجريم وحدها إذا ما ساهمت في التسلسل السببي للنشاط المادي الذي يقع من الفاعل. ويطلق علي هذه الصور أفعال الاشتراك.
وقد حدد المشرع هذه الأفعال في المادة (40) عقوبات بأنها التحريض والاتفاق والمساعدة.
وأفعال الاشتراك هذه محددة على سبيل الحصر فلا يجوز القياس عليها. وكل فعل لا يندرج تحت هذه الأفعال لا يقوم به الاشتراك، ولذلك يجب علي المحكمة أن تبين في قضائها عند إدانة الشريك أن النشاط الذي قام به يدخل تحت أحد الأفعال المحددة في القانون وأن تبين الأسانيد الدالة على ذلك.
ولا يشترط أن تقع هذه الأفعال مجتمعة من الشريك، وإنما يكفي لتحقق الاشتراك وقيام مسئولية الشريك أن يرتكب إحداها فقط، أي أن نشاط الشريك يتحقق بالتحريض وحده أو بالاتفاق وحده أو بالمساعدة وحدها.
ولكن ليس هناك ما يمنع من أن تجتمع هذه الأفعال أو بعضها في نشاط الشريك، ويعتبر بسبها مجتمعة شريكاً في الجريمة ويسأل عنها بهذه الصفة.
ونبين فيما يلي المقصود بكل فعل من أفعال الاشتراك على حدة :
أ- التحريض:
لم يرد في نص المادة (1/40) عقوبات تعريف التحريض، ويمكن تعريفه بأنه" التأثير الحاسم علي المحرض بارتكاب جناية أو جنحة أو مخالفة. أي هو دفعة أو حمله على ارتكابها، أو إقناعه بارتكابها (1).
ويتضح من هذا التعريف أن التحريض نشاط ذو طبيعة نفسية يتوجه به المحرض إلي ذهن الفاعل، ويستوي أن يكون الذهن خالياً تماماً من فكرة الجريمة أو أن يكون معبأ بتلك الفكرة من قبل ولكنه يتردد في الإقدام علي تنفيذها ففي الحالة الأولي يخلق المحرض فكرة الجريمة والتصميم عليها، وفي الحالة الثانية يحبذ فكرتها ويزيل التردد في تنفيذها ويخلق التصميم عليها، فيتحقق التحريض في الحالتين ويسأل المحرض كشريك إذا وقعت الجريمة فعلاً بناءاً على هذا التحريض. وهذا يعني أن نشاط المحرض يكون سابقاً علي البدء في تنفيذ الجريمة، لأن البدء في التنفيذ يسبقه منطقاً التصميم عليه، والتصميم من عمل المحرض، ولهذا يتعين أن يكون نشاطه سابقاً علي تنفيذ.
ويتوجه نشاط المحرض إلى نفسية الفاعل فيزين له ارتكاب الجريمة ويحبذ فكرتها ويبرر دوافعها وأهميتها ويقلل من شأن العقبات التي تعترض تنفيذها.
والتحريض الذي يعتد به في مجال الاشتراك هو التحريض المباشر. وهو يكون كذلك إذا انصب على فعل معين غير مشروع. أو علي أفعال معينة غير مشروعة، أي يكون موضوعه الفعل أو الأفعال التي تتكون منها جريمة أو جرائم محددة، ولا يشترط بعد ذلك أن يرتكب الفاعل كل هذه الأفعال أو بعضه.
أما التحريض غير المباشر فلا يتحقق به الاشتراك، وهو يكون كذلك إذا كان محله فعلاً مشروعاً حتى ولو أدي إلي ارتكاب جريمة بسبب الظروف التي وقع فيها. فمن يزرع العداوة والحقد بين شخصين فيقدم أحدهما على قتل الآخر لا يعتبر محرضة. لأن التحريض لم ينصب علي فعل القتل، وإنما على مجرد إثارة الفتن ونوازع الحقد بين شخصين ولا يعد هذا أو ذاك جريمة في نظر القانون.
والتحريض نوعان:
فردي أو خاص والآخر عام أو موجه إلى الجمهور.
والتحريض الفردي أو الخاص هو التحريض الذي نصت عليه المادة (40/ أولا عقوبات). وطبقاً لهذه المادة لا يتحقق بالتحريض المساهمة التبعية إلا إذا كان موجها إلي شخص معين أو إلى أشخاص معينين يعرفهم المحرض يتصل بهم ويمارس تأثيره عليهم، ولكن لا يشترط أن يوجد اتفاق أو تفاهم سابق بينهم وبين المحرض لوقوع هذا النوع من التحريض، لأن المشرع نص على التحريض وعلى الاتفاق باعتبار كل منهما وسيلة مستقلة وكافية عن الأخرى لتحقق الاشتراك، كما لا يشترط أن يكون علنية، فيصح أن يكون غير علني وهذا هو الغالب.
وطبقاً للمادة (40) أولاً عقوبات فإن التحريض يعد وسيلة اشتراك ويعاقب عليه أياً كانت الجريمة التي خلق المحرض التصميم عليها وارتكبها الفاعل نتيجة لذلك، أي سواء أياً كانت جناية أم جنحة أم مخالفة.
التحريض على ارتكاب الجريمة كوسيلة لضبط الجناة:
يلجأ أحياناً بعض رجال السلطة العامة إلى تحريض من يشكون في ممارستهم النشاط إجرامي على ارتكاب جريمة، حتى يتمكنوا في الإيقاع بهم وضبطهم متلبسين.
ويثير هذا الموضوع نقاطاً عديدة منها: مدى مشروعية هذا الإجراء، وما هي مسئولية فاعل الجريمة في هذه الحالة ؟ وهل يعد رجل السلطة العامة الذي حرض على ارتكاب شريكاً فيها.
يتعين بداءة التفرقة بين صورتين:
الأولي: وهي حالة افتعال الجريمة، أي العمل على إيجاد فكرتها لدى الشخص ودفعه إلي ارتكبها ولولا هذا التحريض لكان من الجائز ألا يقدم عليها.
والثانية: هي الحالة التي يلجأ فيها رجل السلطة العامة إلى حمل الجاني على تقديم ما يفيد في كشف الجريمة وإثباتها.
فمناط التفرقة بين الصورتين أنه في الحالة الأولى يكون وقوع الجريمة نتيجة سلوك رجل السلطة العامة، بينما لا يتعدى دوره في الحالة الثانية مجرد الاستقصاء المشروع لكشفها دون العمل على خلق فكرتها إلى الجاني.
ومن أمثله الحالة الثانية أن يخفي رجل السلطة شخصيته ويذهب في التعامل مع مروج النقود المزيفة أو التاجر الذي ينبع بأكثر من السعر المحدد قانوناً. ففي هذا المثال لا مطعن على ما قام به رجل السلطة لأن الجريمة كانت ستقع لا محالة دون تدخله، ولذلك لا يجاوز اعتباره محرضاً عليها.
أما في حالة افتعال الجريمة بأن يقوم رجال السلطة العامة بتحريض فرد على ارتكابها من أجل ضبطه أثناء ذلك فالرأي المجمع عليه أن هذا التحريض يعتبر أمراً غير مشروع.
إثبات التحريض :
طالما أن القانون لم يبين ما هو المراد من كلمة التحريض، فإن تقدیر قیام التحريض أو عدم قيامه من الظروف التي تتعلق بالوقائع تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب، ويكفي أن يثبت الحكم تحقق التحريض وليس عليه أن يبين الأركان المكونة له.
وإذا كان الغالب أن التحريض لا يترك أثراً مادياً ملموساً يمكن الاستناد إليه لإثباته، إلا أنه ليس هناك ما يمنع من إثباته مباشرة عن طريق شهادة الشهود أو الاعتراف أو الكتابة كلما أمكن ذلك. ولكن ليس على المحكمة أن تدلل على حصوله بأدلة مادية محسوسة بل يكفيها أن تستخلص حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون في وقائع الدعوى نفسها ما يسوغ الاعتقاد بوقوعه.
ووسيلة المحكمة في ذلك هو الإثبات عن طريق القرائن، ولكن يجب أن تكون القرائن منصبة علي واقعة التحريض في ذاته وأن يكون استخلاص الدليل منها سائغاً لا يتنافي مع المنطق أو القانون، وإلا فإن محكمة النقض بما لديها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون. وليس هناك ما يحول دون استنتاج التحريض من أعمال لاحقه على الجريمة.
الإتفاق:
هو تلاقي أو اتحاد إرادتين أو أكثر وعقدهما العزم على ارتكاب الجريمة. فإذا اتحدت إرادات المتفقين وانعقد العزم بينهم على ارتكاب الجريمة ثم ارتكبها أحدهم يكون من ارتكبها فاعل لهذه الجريمة ويكون الباقون شركاء لهذا الفاعل.
ويفترض الاتفاق إرادات متساوية أو متكافئة تعبر كل منها عن نفسها بنشاط يتحد في الأهمية والدرجة أشبه بالإيجاب والقبول في العقد. على عكس التحريض الذي تكون فيه إرادة المحرض أعلي أو أهم من إرادة من يوجه إليه. فالمحرض يدفع ويحبذ أي يسعى إلى أمر، أما من يوجه إليه التحريض فهو مجرد متلقي لهذا الأمر. فلا يوجد تساوى أو تكافؤ بين الإرادات في التحريض.
ولا يشترط لقيام الاتفاق مضي وقت معين بينه وبين تنفيذ الجريمة موضوع الاتفاق فقد يتراخي تنفيذ الجريمة إلى ما بعد الاتفاق بفترة طويلة أو قصيرة. وقد تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو حتى لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين المساهمين هو الغاية النهائية من الجريمة. وهذا يعني أن الاتفاق لا يتحقق إلا إذا كان سابقاً علي تنفيذ الجريمة ولو بلحظات.
الفرق بين الاتفاق والتوافق :
يتضمن الاتفاق كما بينا من قبل تلاقي الإرادات وعقدها العزم على ارتكاب الجريمة. أما التوافق فهو مجرد خواطر تتجه فيه إرادات مستقلة غير متقابلة إلي هدف واحد وتجمعهم الصدفة وحدها على هذا الهدف.
إثبات الاتفاق :
الاتفاق نشاط ذو طبيعة نفسية يعبر عنه بمظاهر خارجية، ولهذا من المتصور إثباته بدليل مباشر مثل الاعتراف أو شهادة الشهود أو الكتابة، فإذا لم يقم عليه دليل مباشر ثبت بطريق غير مباشر بأن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن بشرط أن يكون هذا الاستدلال سائغة وله من ظروف الدعوى ما يبرره. فيكفي في ثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم.
ج- المساعدة :
نصت المادة (40/ثالثة عقوبات على أنه يعد شريكا في الجريمة " من أعطي للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخري في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها"، فالمساعدة تعني تسهيل ارتكاب الفاعل للجريمة أو تقديم العون له لارتكابها أو تمكينه من ذلك.
ولم يحدد المشرع وسائل المساعدة، فقد تكون تلك الوسائل مادية أو معنوية وقد تكون مجهزة أو مسهلة أو متممة، وقد تكون سابقة علي تنفيذ الجريمة أو معاصرة لهذا التنفيذ ولا تكون لاحقة علي تنفيذه.
فقد يلجأ الشريك المساعد إلى تقديم وسائل مادية للفاعل يستعين بها في ارتكاب الجريمة. وهذه الوسائل لا تقع تحت حصر، وهي تختلف باختلاف الجريمة، بل بالنسبة للجريمة الواحدة حسب طريقة تنفيذه. ففي جريمة القتل مثلاً قد تكون المساعدة بتقديم سلاح قاتل بطبيعته أو أداة قاطعة أو مادة سامة. وفي جريمة السرقة قد تكون المساعدة المادية في صورة مفتاح مصطنع يستعين به السارق لفتح المكان المراد سرقته أو سلم يمكنه من تسور جدار أو أداة يحطم بها باب أو نافذة، ولا تقتصر المساعدة المادية علي تقديم منقولات بل قد تكون في صورة عقار كتقديم منزل لارتكاب جريمة هتك العرض فيه أو إخفاء المخدرات به.
وتكون المساعدة في صورة معنوية كما إذا قدم الشريك المساعد للفاعل معلومات أو إرشادات تمكنه من تنفيذ الجريمة مثل خريطة تحتوي علي تفصيلات تتعلق بالمكان الذي يراد سرقته أو معلومات تتعلق بكيفية الدخول إليه. أو أوقات غياب أهله عنه، أو أفضل موقع يمكن الدخول منه أو الخروج منه بعد تنفيذ الجريمة.
والمساعدة قد تكون مجهزة لارتكاب الجريمة، والمساعدة المجهزة هي التي تسبق تنفيذ الجريمة وتتضمن التحضير لها كتحضير المادة السامة لارتكاب جريمة القتل وتحضير الأوراق والحبر الذي يستخدم في التزوير وشراء الآلات التي يستعان بها في جريمة السرقة.
أما المساعدة المسهلة فهي تلك التي تقدم في المراحل الأولى من تنفيذ الجريمة. أي هي التي تعاصر تنفيذ الجريمة عند بدايتها، ومثال ذلك أن يترك خادم باب مسکن مخدومة مفتوحاً حتى يتمكن اللصوص من الدخول فيه وارتكاب جريمة السرقة.
والمساعدة المتممة هي التي تقدم في المراحل النهائية من تنفيذ الجريمة، أي هي التي تعاصر تنفيذ الجريمة عند نهايتها ومثالها أن يشهد شخص على ورقة مزورة. إذا يساهم بفعله في إعطائها شكل الورقة الصحيحة وإظهارها كأنها صادرة من المجني عليه، وفي عمله إعانة على إحكام التزوير.
وعلى الرغم من أن وسائل المساعدة لا تقع تحت حصر، إلا أنها تتخذ دائماً مظاهر مادية ملموسة مما يجعل إثباتها سهلاً.
المساعدة اللاحقة لا تعد اشتراكاً :
من المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أن الاشتراك في الجريمة لا يتحقق إلا إذا كان التحريض أو الاتفاق سابقاً علي وقوعها، أو كانت المساعدة سابقة أو معاصرة لها. معني ذلك أن المساعدة اللاحقة لتمام تنفيذ الجريمة أي بعد اكتمال الركن المادي كما وصفه نموذجها القانوني سواء أكانت تامة أو شروعاً لا تعتبر اشتراكاً. وإن كان يمكن اعتبارها جريمة مستقلة. فإخفاء الأشياء المسروقة أو المتحصلة من جناية أو جنحة أو إخفاء جثة القتيل، أو إخفاء الفارين من العدالة أو استعمال المحرر المزور لیس اشتراكاً بالمساعدة في جريمة السرقة أو القتل أو في الجريمة التي ارتكبها الفار من وجه العدالة أو التزوير، وإنما هي جريمة مستقلة متميزة بأركانها ويعاقب عليها القانون..
وعدم اعتبار المساعدة اللاحقة في الصور السابقة اشتراكاً أمر منطقي لأن المساعدة التي تعد اشتراكاً هي تلك التي من شأنها تسهيل ارتكاب الجريمة أو المعاونة علي ارتكابها، وهي لا تكون كذلك إذا كانت الجريمة قد وقعت بالفعل. فاستبعاد المساعدة اللاحقة من صور الاشتراك يبرره أنها تقع بعد تمام الجريمة ولا تساهم مادياً في تحقيقها إذا لا توجد بينها وبين تلك الجريمة أي علاقة سببية.
ثانياً : وجود فعل أصلي معاقب عليه :
الأصل أن أفعال الاشتراك السابقة (التحريض والاتفاق والمساعدة) أفعال مشروعة لا يعاقب عليها القانون إذا وجدت استقلالاً. اللهم إلا إذا نص المشرع علي العقاب عليها باعتبارها جريمة مستقلة في حالات معينة، ولكنها تصبح غير مشروعة إذا ساهمت في وقوع فعل غير مشروع، إذ هي تتبع هذا الفعل وتستجد منه الصفة غير المشروعة ويعاقب عليها القانون تبعاً لذلك.
فتجريم نشاط الشريك إذن يرتبط بوقوع الفعل غير المشروع من الفاعل. وهذا هو ما يستفاد من المادة (40) عقوبات، فإذا لم يرتكب الفاعل الجريمة أو الفعل المعاقب عليه فلا عقاب على الشريك، ولا يعاقب الشريك كذلك إذا كان الفعل الذي ارتكبه الفاعل بناءاً على اشتراك غير معاقب عليه، فلا يتحقق الاشتراك إذا كان كل ما صدر من الفاعل مجرد أعمال تحضيرية لم تصل بعد إلي البدء في التنفيذ فهذه الأعمال غير معاقب عليها في القانون كما هو معلوم، أو إذا كان ما أتاه الفاعل شروعاً غير معاقب عليه بمقتضى القانون مثل الشروع في الضرب أو الشروع في الإسقاط (مادة 264 عقوبات)، أو إذا صدر عفو شامل عن الجريمة التي ارتكبها الفاعل فأصبحت غير معاقب عليها، أو إذا صدر قانون أصلح للمتهم بمحو صفة التجريم عن الفعل فيصير غير معاقب عليه.
ولا يعد شريكاً من يحرض شخصاً أو يساعده علي الانتحار، لأن الانتحار غير معاقب عليه في القانون بشرط ألا يصل فعل الشريك إلي حد البدء في التنفيذ، وإلا كان فاعلاً في جريمة القتل كما إذا ربط عنق المنتحر بحبل أو فتح له أنبوبة الغاز.
ولا يكون شريكاً كذلك من يحرض آخر علي الإقراض بالربا فيعقد قرضاً ربوياً واحدة لا يكفي لقيام جريمة الإقراض بالربا التي يلزم لتحققها الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش لا مجرد فعل القرض الواحد.
ولا يتحقق الاشتراك إذا توافر سبب إباحة في جريمة الفاعل كمن يساعد شخصاً في حالة دفاع شرعي بأن يقدم له سلاحاً. أو من يحرض أو يساعد طبيباً علي إجراء عملية جراحية لمريض. لأن فعل كل من المدافع والطبيب مباح قانوناً.
وعلي ذلك فإنه يشترط لتوافر الاشتراك وقوع فعل معاقب عليه من الفاعل بناءاً علي الاشتراك. ويستوي بعد ذلك أن يكون هذا الفعل جريمة تامة أم مجرد شروع معاقب عليه. كما يستوي أن يكون له وصف الجناية أو الجنحة أو المخالفة.
ويكفي لتوافر الاشتراك أن يكون الفعل الذي وقع بناءاً على الاشتراك معاقباً عليه في ذاته، ولو كان فاعله لا يعاقب لسبب يرجع إلى شخصه. أي سبب خاص به، كأن يتخلف لدى الفاعل الركن المعنوي للجريمة، أو أن يكون الفاعل غير مسئول عن الجريمة لانتفاء أهليته الجنائية (بسبب الجنون أو صغر السن مثلاً) أو أن يقوم به مانع من موانع العقاب مثل الزوجة التي تعين زوجها على الفرار من وجه القضاء (المادتان 144، 145 عقوبات) ففي جميع هذه الحالات لا يعاقب الفاعل، ولكن ذلك لا يمنع من معاقبة الشريك الأن الفعل الذي حدث الاشتراك فيه معاقب عليه في ذاته، بصرف النظر عن صفة الفاعل الذي ارتكبه.
ولا يشترط لمعاقبة الشريك أن تكون محاكمة الفاعل ممكنة، فتجوز محاكمة الشريك ولو كان فاعل الجريمة مجهولاً أو كان قد توفي.
الشروع في الاشتراك (الاشتراك الخائب) :
الشروع المعاقب عليه هو البدء في تنفيذ جريمة وعدم إتمام هذا التنفيذ لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه. وهذا يعني أن الشروع يفترض البدء في تنفيذ فعل غير مشروع. أي البدء في تنفيذ جريمة. ولما كانت أفعال الاشتراك في حد ذاتها وبحسب الأصل مشروعة، وأنها لا تصبح غير مشروعة إلا إذا ارتكب الفاعل الفعل غير المشروع الذي تستمد منه تلك الصفة فيكون نتيجة لذلك أن الاشتراك في ذاته لا يعد جريمة. ولا يعاقب علي الشروع في الاشتراك تبعا لذلك لأنه شروع في عمل لا يعد جريمة. فلا يعاقب الشريك إذا بدأ المفاوضات مع آخر على ارتكاب الجريمة ولكنها لم تنته إلي اتفاق بينهما على الجريمة، أو بدء في التحريض ولكنه لم يصل إلي حد خلق التصميم على ارتكاب الجريمة أو أرسل السلاح الذي ترتكب به الجريمة عن طريق ثالث الذي لم يسلمه إلى الفاعل. ولا يعاقب الشريك أيضاً إذا قام بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة على ارتكاب الجريمة ولكن الفاعل عدل عن المشروع الإجرامي ولم يرتكب الجريمة ولم يبدأ في تنفيذها أصلاً. أو إذا ارتكب الجريمة ولكن لأسباب أخرى غير تلك التي صدرت عن الشريك كأن يكون الشريك أمد الفاعل بسلاح يرتكب به القتل ولكن الفاعل ارتكب الجريمة بخنجر أو عن طريق السم.
وواضح أن عدم عقاب الشريك يرجع إما إلى عدم وقوع فعل غير مشروع من الفاعل، وإما لعدم توافر علاقة السببية بين نشاط الشريك والجريمة التي ارتكبها الفاعل. ومع ذلك يجب أن يلاحظ أن فعل الشريك قد يكون في حالات خاصة ورد النص عليها جريمة مستقلة. وأن الشريك في مثل هذه الحالات الخاصة يكون فاعلاً لهذه الجريمة المستقلة.
الإشتراك في الشروع:
الاشتراك في الشروع متصور ويعاقب عليه، لأن الاشتراك يتحقق ويعاقب الشريك إذا ارتكب الفاعل بناءاً على الاشتراك فعلاً غير مشروع سواء أكان شروعاً معاقباً عليه أم جريمة تامة. ولكن الأمر يحتاج إلي تفصيل في حالة عدول الشريك أو عدول الفاعل عدولا اختيارية.
عدول الشريك :
فبالنسبة لعدول الشريك فإن القاعدة هي أنه لا أثر لهذا العدول إذ يتحقق الاشتراك ويعاقب الشريك إذا وقع من الفاعل فعل غير مشروع وذلك لتوافر أركان الاشتراك في حق الشريك وبصفة خاصة علاقة السببية بين نشاطه والفعل غير المشروع الذي وقع من الفاعل.
فعدول الشريك إذن لا يفيده إذا وقع هذا الفعل لأن مركزه يكون قد تحدد نهائياً ويستحق العقاب عن الاشتراك في الفعل غير المشروع الذي وقع.
عدول الفاعل :
أما عن عدول الفاعل وأثره علي الشريك، فإذا تحقق هذا العدول أثناء مرحلة الأعمال التحضيرية أو قبل البدء في تنفيذ الجريمة، فإن هذا العدول يفيد منه الفاعل والشريك معاً لأنه لم يقع من الفاعل حتى هذه اللحظة فعلا غير مشروع، فلا عقاب على أي منهما لأن الأعمال التحضيرية لا عقاب عليها كما هو معلوم.
فإذا بدأ الفاعل في التنفيذ فعلاً ثم حدث العدول الاختياري بعد ذلك، فقد يكون هذا العدول من جانب كل من الفاعل والشريك معاً وقد يكون من جانب أحدهما دون الأخر. فإذا عدل كل منهما عن الاستمرار في تنفيذ الجريمة بعد البدء في تنفيذها بأن أقنع كل منهما الآخر بذلك، كما إذا كان الشريك يعلم بالوقت والمكان الذي يقدم فيه الفاعل المادة السامة التي أعطاها له إلي المجني عليه وذهب إليه وأقنع كل منهما الآخر بإعطاء المجني عليه ترياقاً يزيل أثر المادة السامة بعد أن تناولها المجني عليه بالفعل. ففي هذه الحالة لا عقاب على الشروع في قتل المجني عليه بالنسبة للفاعل لعدوله الاختياري. وبالنسبة للشريك لعدوله الاختياري أيضاً الذي ترتب عليه إزالة أثر تدخله في نشاط الفاعل.
فإذا تحقق العدول في المثال السابق من قبل الشريك وحده وبدون علم الفاعل أو رغم إرادته فإن الشريك لا يعاقب في هذا الفرض لأنه نجح في إزالة أثر تدخله في نشاط الفاعل، بينما يعاقب الفاعل.
أما إذا تحقق العدول الاختياري من قبل الفاعل وحده فلا شك في أن هذا الفاعل لن يعاقب علي الشروع في القتل بالسم. أما الشريك فيتحدد موقفه على أساس أثر العدول الاختياري على جريمة الشروع.
ففي الفقه رأي يذهب إلي أن العدول الاختياري ينفي الصفة غير المشروعة عن أفعال البدء في التنفيذ بسبب انتفاء أحد عناصر الشروع وانتفاء جريمة المشروع بالتالي. ووفقا لهذا الرأي فإن الشريك يستفيد من عدول الفاعل الاختياري ولا يعاقب لأن ما أتاه الفاعل في هذا الفرض لا يعد جريمة بل عمل مشروع.
بينما يوجد في الفقه رأي آخر يري أن العدول الاختياري مانع من موانع العقاب وهو سبب شخصي لا يؤثر على الصفة غير المشروعة لأفعال مرتكبة تحت وصف الشروع. ومعني ذلك أن عدول الفاعل لا يحول دون عقاب الشريك.
ونحن نرى أن الرأي الثاني هو الأقرب للمنطق كما أنه يتفق ووظيفة العدول الاختياري في السياسة الجنائية.
الاشتراك في الاشتراك :
تقوم هذه الحالة على أساس العلاقة بين الفاعل والشريك، فهل يجب أن تكون هذه العلاقة مباشرة حتى يعاقب الشريك أم يجوز أن يتوسط بينهما شريك آخر أو أكثر؟ مثال ذلك: الصيدلي الذي يمتنع عن إعطاء امرأة مادة تجهض بها نفسها، فيحرضه زوجها على ذلك ويعطيه مبلغا من المال فيعطيها المادة فترتكب الإجهاض. فالصيدلي شريك مباشر بالمساعدة والمرأة فاعل وزوجها شريك غير مباشر بالتحريض للصيدلي، أي أنه شريك الشريك. وإذا كان عقاب المرأة وشريكها المباشر (الصيدلي) عن جريمة الإجهاض لا جدال فيه، فإن عقاب الزوج ( شريك الشريك) ليس محل اتفاق.
فذهب رأي إلي عدم عقاب شريك الشريك، لأن فعل شريك الشريك لا يتصل مباشرة بفعل الفاعل وإنه يرتبط فقط بفعل الشريك المباشر، وإن فعل هذا الأخير في ذاته لا يعاقب عليه إلا لارتباطه مباشرة بنشاط الفاعل. وقد استند هذا الرأي إلي ظاهر نص المادة (40 عقوبات) ما يؤيده في قولها: "من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة" و "من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة" و "من أعطي للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر ..... أو ساعدهم بأي طريقة أخرى" وكل هذه العبارات توحي بضرورة توافر العلاقة المباشرة بين الشريك والفاعل حتى يعاقب الشريك. بينما يتجه رأي آخر وهو الذي نرجحه إلى معاقبة شريك الشريك، لأن نصوص القانون ليست قاطعة في تطلب وجود العلاقة المباشرة بين الشريك والفاعل، وكل ما تقضي به القواعد العامة هو أن تتوافر علاقة السببية بين نشاط الشريك والجريمة، ولا أهمية بعد ذلك أن تكون العلاقة مباشرة أو غير مباشرة. ولقد سایرت محكمة النقض هذا الاتجاه وقضت في العديد من أحكامها بما يتوافق مع هذا الرأي وهو معاقبة شريك الشريك.
ثالثا: وقوع الفعل المعاقب عليه بناءاً علي التحريض أو الاتفاق أو المساعدة (علاقة السببية بين نشاط الشريك والجريمة):
يجب أن تتوافر علاقة السببية بين نشاط الشريك وبين الجريمة التي وقعت من الفاعل، فهذه العلاقة هي العنصر الثالث في الركن المادي للمساهمة التبعية وبها تتحقق وحدة هذا الركن في الجريمة التي ساهم فيها الفاعلون والشركاء معا، فيجب أن يثبت أن كلاً منهم قد ساهم بفعله نحو إحداث الجريمة، أي يجب أن تتوافر علاقة سببية مادية بين فعل كل مساهم والجريمة.
وقد جاء نص المادة (40) عقوبات واضحاً في تطلب تلك الرابطة فهو يعتبر شريكاً في الجريمة من حرض الفاعل علي ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع" بناءاً علي هذا التحريض وهو يعتبر شريكاً من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة " فوقعت بناءاً علي هذا الاتفاق " وهو يعتبر شريكاً بالمساعدة " من أعطى للفاعل أو للفاعلين سلاحا أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة......"
والمعيار الذي يعتمد عليه في بيان رابطة السببية المادية هنا هو ذاته المعيار الذي يعتمد على نظرية السبب الملائم أو الكافي. .
ووفقاً لهذه النظرية فإن فعل الشريك يصلح لأن يكون سبباً في الجريمة التي وقعت من الفاعل إذا كان ينتج عنه وبالإضافة إلي أفعال غيره من المساهمين - وفقاً للسير العادي للأمور والمألوف بين الناس - وقوع الجريمة التي ارتكبها الفاعل، ويكفي للتثبت من قيام تلك الرابطة البحث في أثر تخلف نشاط الشريك، فإذا كان يترتب على تخلف نشاط الشريك عدم وقوع الجريمة أصلاً من الفاعل، أو وقوعها بغير الصورة التي وقعت بها بأن كان سيتغير زمان أو مكان أو كيفية وقوعها، فإن ذلك يعني قيام تلك الرابطة بين نشاط الشريك وجريمة الفاعل. وتتحقق مسئولية الشريك عن تلك الجريمة.
ولا تقوم علاقة السببية إذا انعدم تأثير سلوك الشريك على نشاط الفاعل الذي تتكون منه الجريمة أو إذا تدخل عامل شاذ فقطع تلك العلاقة.
رابعاً : توافر القصد الجنائي
يجب أن يكون الشريك عالماً بالجريمة ولديه نية ارتكاب الفاعل لها. فلا يعتبر المحرض شريكاً إلا إذا تعمد إقناع الفاعل بارتكاب الجريمة، أي يجب أن يكون لديه علم بأن تدخله من شأنه أن يقنع الفاعل بارتكاب الجريمة.
ويشترط أيضاً أن يكون لديه علم بالجريمة ونية ارتكاب الفاعل لها تامة وهذا من طبيعة الاتفاق.
ولا يعتبر المساعد شريكاً إلا إذا كان قد قدم مساعدته عامداً مع علمه بالجريمة.
ولما كان من المنصور في المساعدة أن تكون غير عمدية وبغير علم، لذلك نص الشارع على شرط العلم بالجريمة في الفقرة الثالثة من المادة (40) دون الفقرتين الأولي والثانية الخاصتين بالتحريض والاتفاق لأن من طبيعتهما العلم بالجريمة فنصت المادة (40/ ثالثة) على أنه يعد شريكا في الجريمة " من أعطي للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها.
فالمساعدة طبقاً للمادة (40/ ثالثاً لا تكون إلا عمدية ولا يعتبر شريكاً بالمساعدة إلا من قدم مساعدته بعلم وإرادة مع قصد مساعدة الفاعل الأصلي في إتمام الجريمة. فلا يعتبر شريكاً بالمساعدة من يترك سلاحه المحشو بالرصاص سهو، ويذهب فيجده الفاعل فيقتل به ثالثاً ولكنه قد يسأل عن التسبب في قتل الغير خطأ.
ولا يعد شريكا بالمساعدة من يعير سلاحه الآخر ليصطاد به فيقتل به إنسان وتاجر الأسلحة الذي يبيع سلاحاً لآخر لا يعلم أنه يشتريه ليقتل به ثالثاً. والخادم الذي يترك باب المنزل مفتوحاً سهواً منه أو إهمالاً فيسهل بذلك سرقة المنزل. أما إذا ترك الخادم باب المنزل مفتوحاً عامداً ليسهل السرقة الآخر فيعتبر شريكاً بالمساعدة في الأعمال المسهلة لارتكاب الجريمة.
ويجب أن يكون قصد الشريك مقترناً مع تنفيذ الأعمال المادية التي يقوم بها ولا عبرة بالدوافع أو الغايات مادام القصد متوافراً، فإذا حرض زید عمرو علي ضرب خالد فضربه بناءاً على ذلك التحريض إلا أنه كان يريد من وراء هذا التحريض ضبط عمرو وسجنه فإن هذا يعتبر غاية والقصد متوفر، ويسأل زید باعتباره شريكاً بالتحريض.
الاشتراك في الجرائم غير العمدية :
هل يمكن أن يقع اشتراك عمدي في جرائم غير عمدية.........؟
يرى بعض الفقه والقضاء ذلك، على أن يكون الاشتراك العمدي في الأفعال التي تؤدي إلى النتائج غير العمدية. أي أن يكون لدى الشريك قصد المساهمة في السلوك الخاطئ الذي يؤدي إلى النتيجة غير العمدية خصوصاً وأن نصوص القانون في الاشتراك عامة لا تفرق بين الجرائم العمدية وغير العمدية) فمن يحرض آخر على زيادة سرعة السيارة فيترتب على ذلك إصابة إنسان أو قتله، يرى هؤلاء الفقهاء أن هذا المحرض يعتبر شريكاً في جريمة الإصابة الخطأ أو القتل الخطأ.
والواقع أن هذا الرأي قد جانبه الصواب ولا نؤيده. ذلك أن المساهمة العمدية في السلوك الإرادي الخاطئ الذي يؤدي إلى نتائج غير عمدية يعاقب عليها القانون إنما هي مساهمة في الخطأ وكل من يساهم في الخطأ المؤدي إلى تلك النتائج يعتبر فاعلا أصليا في الجرائم غير العمدية لا شريكا، كما أنه يجب أن يكون الشريك لديه فضلاً عن العلم بالجريمة قصد المساهمة في ارتكاب الفاعل لها تامة مع نتيجتها التي يشترطها المشرع للعقاب عليها. وهذا القصد لا يمكن أن يكون متوافراً في حالة الجريمة غير العمدية، وعلى ذلك لا يتصور الاشتراك العمدي في الجرائم غير العمدية.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 388)
فقد حددت المادة 40 سلوك الاشتراك في أفعال ثلاث هي: التحريض والاتفاق - والمساعدة في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها.
وقد حصرت المادة 40 أفعال الاشتراط نظراً لأنها أفعال في ذاتها غير معاقب عليها إلا حينما يحقق الفاعل سلوكاً غير مشروع وفقا لقاعدة تجريمية من قواعد القسم الخاص. فأفعال الاشتراك في حد ذاتها لا تبيح التدخل التشريعي بالتجريم إلا تبعا لفعل أصلي غير مشروع.
ومن هنا كان من الضروري حصر وسائل الاشتراك تحقيقاً للشرعية وحتى لا يترك الأمر لتحكم القاضي، ولا يكفي الاستناد إلى معيار السببية في هذا الشأن، لأن أنماط السلوك غير المطابق متعددة ومتنوعة، ومنها ما هو ضئيل القيمة بالنسبة لسلوك الفاعل الأصلي وهذا ما فعله المشرع المصري في المادة 40 من قانون العقوبات.
غير أنه لا يكفي لتوافر الاشتراك المعاقب عليه قانوناً تحقيق سلوك يأخذ شكل التحريض أو الاتفاق أو المساعدة، وإنما يلزم أن يرتبط هذا السلوك بالجريمة التي وقعت برابطة السببية المادة. ولذلك فإن من يباشر تحريضاً أو اتفاقاً أو مساعدة دون تفاعل سببي مع الجريمة المرتكبة لا يمكن اعتباره شريكاً في الجريمة.
وإذا كان الأمر كذلك فإن سلوك الاشتراك المتحقق بعد تمام الجريمة ليست له تلك الفاعلية السببية نظراً للتحقق الفعلي للجريمة والسابق علي مباشرة سلوك الاشتراك. ولهذا السبب فإن المساعدة اللاحقة لا تعتبر وسيلة من وسائل الاشتراك في الجريمة وإنما يمكن أن تشكل جريمة مستقلة قائمة بذاتها.
وبالإضافة إلى ما سبق يلزم أن يتوافر لدى الشريك الركن المعنوي في الاشتراك، ويتحقق هذا العنصر إذا ما توافر العلم والإرادة في تلك المساهمة أن إرادة تحقيق الجريمة عن طريق سلوك المساهمين الأصليين في الجريمة.
والعلم ينصرف إلى ماهية السلوك المرتكب من قبل الشريك وبفاعليته السببية بالنسبة للسلوك اللاحق من الفاعل. ولذلك يجب أن ينصرف العلم أيضاً إلى سلوك الآخرين المساهمين في الجريمة والتي تحقق الجريمة مباشرة بسلوكهم. فمن يقدم سلاحاً لآخر دون أن يعلم باتجاهه إلى ارتكاب جريمة قتل به لا يعتبر شريكاً في الجريمة التي وقعت لانتفاء الركن المعنوي لديه.
كذلك من يعطي معلومات لأخر دون علمه باستخدامها في تسهيل ارتكاب الجريمة لا يعتبر شريكاً بالمساعدة لانتفاء الركن المعنوي، وفضلاً عن العلم يلزم توافر الإرادة بالنسبة للسلوك المرتكب من الشويك وإرادة المساهمة بهذا السلوك في سلوك الآخرين لتحقيق النتيجة غير المشروعة. وهذا بالنسبة للمساهمة في الجرائم غير العمدية فتكفي إرادة السلوك مع العلم بسلوك الغير المتصف بالإهمال وعدم الاحتياط أو بأية صورة أخرى من صور الخطأ غير العمدي.(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 47)
يشترط لتوافر العنصر المادي للمساهمة التبعية أن يحقق الشخص سلوكاً يندرج تحت وسيلة من وسائل الاشتراك وأن تقوم علاقة السببية بينه وبين الجريمة المرتكبة.
١- عنصر وسائل الاشتراك
اتبع المشرع المصري نظام حصر وسائل الاشتراك في الجريمة فقد نصت المادة 40 عقوبات على أن يعد شريكاً في الجريمة:
(أولاً) كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض.
ثانياً) من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق.
(ثالثاً) من أعطى الفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها.
ويلاحظ أن نظام حصر وسائل الاشتراك له ما يبرره، نظرا لأن أفعال الاشتراك في ذاتها غير معاقب عليها لارتباطها بذلك السلوك حتى لا يترك الأمر لتحكم القاضي . ولا يكفي الاستناد إلى معيار السببية في هذا الشأن، لأن أنواع السلوك غير المطابق متعددة ومتنوعة، ومنها ما هو ضئيل القيمة بالنسبة لسلوك الفاعل الأصلي، ولذلك فإن الأمر يقتضي التدخل التشريعي لبيان الأفعال المعاقب عليها بطريق غير مباشر أي لارتباطها بسلوك الفاعل الأصلي. وهذا ما فعله المشرع المصري.
ويستفاد من نص المادة 40 عقوبات سالفة الذكر أن الشخص لا يكتسب صفة الشريك في الجريمة إلا إذا اتخذ اشتراكه صورة من الصور المنصوص عليها وهي التحريض أو الاتفاق أو المساعدة.
(أ) التحريض :
يقصد بالتحريض دفع الغير على ارتكاب الجريمة، ويستوي بعد ذلك أن يكون خالقاً لفكرة الجريمة لدى الغير والتي لم تكن موجودة من قبل: أو كان التحريض متمثلاً في تشجيع الغير على تحقيق فكرة الجريمة التي كانت موجودة لديه قبل التحريض .
والتحريض نوعين: تحريض فردي وتحريض جماعي :
والتحريض يكون فردياً إذا كان موجهاً إلى فرد أو أفراد معينين بأشخاصهم. ولم يحدد المشرع وسيلة معينة يقع بها التحريض. فقد يكون بالقول أو بالإشارة أو بأية وسيلة تنتج أثرها في خلق فكرة الجريمة لدى الغير أو التشجيع عليها. ولكن يلزم أن يكون التحريض واضحاً ومباشراً في الوقت ذاته. بمعنى أن يكون وسيلة واضحة في دفع الغير مباشرة إلى ارتكاب الجريمة. ولذلك فإن تدبير وقيعة بين شخصين حتى يقتل أحدها الآخر لا يشل تحرياً وبالتالي لا يعد الشخص شريكاً في الجريمة، إذ معنى أن يكون التحريض مباشراً أن يكون نصاً في ارتكاب الجريمة.
وأيا كانت وسيلة التحريض فإنه يباشر أثره في ذهن ونفس الجاني بحيث يدفعه إلى تنفيذ المشروع الإجرامي. ولكن ليس معنى ذلك أن يكون المحرض له السيطرة على من بوشر حياله التحريض .
أما التحريض الجماعي فهو الموجه إلى الجمهور. والتحريض الفردي هو الذي عناه المشرع بالمادة 40 عقوبات واعتبره وسيلة من وسائل الاشتراك (2) أما التحريض الجماعي فقد تكلفت بالنص عليه المادة 171 عقوبات وحدث له وسائل معينة، فهذه المادة تنص على أن كل من أغري واحدة أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علناً أو بفعل أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلنية يعد شريكاً في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر له إذا ترتب على هذا الإغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل. أما إذا ترتب على الإغراء مجرد الشروع في الجريمة فيطبق القاضي الأحكام القانونية في العقاب على الشروع.
والواقع أن التفرقة بين التحريض الفردي والعام لها أهميتها من حيث الخطورة الإجرامية الفعل. ومع ذلك، فإن الحكم القانوني لكلا النوعين من التحريض واحد. وكان يمكن أن يندرج التحريض العام تحت نص المادة 40 عقوبات دون حاجة لنص خاص. وكل ما لنص المادة 171 عقوبات من قيمة هو أن المشرع حدد وسائل التحريض العام وقصرها على وسائل العلنية، كما أنه حدد الجرائم بالجنايات والجنح دون المخالفات، على خلاف الحال بالنسبة للمادة 40 التي تسري بالنسبة لأي جريمة بما فيها المخالفات.
الاتفاق :
الوسيلة الثانية من وسائل الاشتراك في الاتفاق، وفقاً للمادة 40 عقوبات يعد شريكا في الجريمة من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق.
والاتفاق هو تقابل إرادتين أو أكثر على ارتكاب الجريمة. ولذلك فهو يفترض وجود فكرة الجريمة في ذهن كل من دخل في هذا الاتفاق، وكما يفترض أيضاً أن هناك تساويات في الإرادات دون أن تكون أحدها مؤثرة على الأخرى وهو في هذا يختلف عن التحريض.
ويجب التفرقة بين الاتفاق والتوافق على ارتكاب الجريمة. فالاتفاق هو اتحاد الإرادات على ارتكاب الجريمة، بينما التوافق هو تعاصر الإرادات في ارتكابها دون تقابل بينهما ولذلك ففي التوافق يرتكب كل شخص الجريمة بمفردها ولحسابه الخاص. فإذا توجه (أ) لمنزل (ب) لسرقته وتصادف حضور (هـ) أيضا للسرقة وقام كل منهما بسرقة ما أمكن سرقته من منقولات المجني عليه فلا نكون بصدد جريمة متعددة المساهمين وإنما بصدد جريمتين مستقلتين يسأل كل منهما عما حققه. كذلك لو أطلق (أ) النار على (ب) بقصد قتله في الوقت الذي أطلق فيه (ج) النار على ذات المجني عليه بقصد قتله دون اتفاق بينهما تحددت مسئولية كل منهما بحسب ما حققه، فإذا ثبت أن المجني عليه قتل. بمقذوف الأول دون الثاني كان الأول مسئولا عن قتل والثاني عن شروع في قتل. على حين لو كان هناك اتفاق بينهما سئل كلاهما عن قتل عمد بوصفه جريمة تعدد المساهمين الأصليون فيها.
ويلاحظ أن الاتفاق لا يلزم فيه أن يكون سابقاً على ارتكاب الجريمة بفترة معقولة، بل يجوز أن يقع في اللحظة السابقة مباشرة على ارتكابها.
ولذلك فليس من عناصره الإعداد والتدبير لارتكابها، فيتحقق الاتفاق باتحاد الإرادات حتى دون تدبير لكيفية ارتكاب الجريمة.
(ج) المساعدة :
نصت المادة 40 على أن يعد شريكاً في الجريمة من أعطى للفاعل أو للفاعلين سلاحاً أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها.
ويستفاد من النص أن المشرع لم يحصر وسيلة المساعدة. فهي قد تكون بسلاح أو آلات أو آخر يستعمل في ارتكاب الجريمة، كما قد تكون بأي عون في التجهيز لها أو تسهيل ارتكابها أو في إتمامها بعد البدء في تنفيذها.
ومن أمثلة المساعدة في الأعمال المجهزة تقديم المعلومات الجاني ليدبر كيفية ارتكاب الجريمة. إعطاء الجاني أسلحة أو آلات لاستخدامها كإعطائه مفاتيح مصطنعة أو إعارة سيارة أو منزله لاستدراج المجني عليه تمهيداً لارتكاب الجريمة.
أما المساعدة في الأعمال المسهلة فمثالها قيام الخادم بإعطاء المجني عليه مادة منومة حتى لا يشعر بالجناة وقت ارتكابهم للسرقة، وترك الحارس مكان حراسته وقت ارتكاب الجريمة ليمكن للجناة من تنفيذها. في الأعمال المتممة كمن يرشد الجاني الذي دخل مسكن المجني عليه مكان إخفاء مجوهراته أو نقوده، وكمن يشهد على صحة ورقة مزورة يتم علمه بتزويرها.
والمساعدة كوسيلة للاشتراك قد تكون سابقة على ارتكاب الجريمة كما قد تكون معاصرة لذلك، أما المساعدة الملاحقة على تمام الجريمة فليست وسيلة من وسائل الاشتراك وإنما يمكن أن تشكل جريمة قائمة بذاتها كما سنرى. ومع ذلك قد يعتبر الشخص شريكاً بالرغم من قيامه بنشاطه بعد ارتكاب الجريمة إذا كان هناك اتفاق سابق على مباشرة ذلك النشاط، وفي هذه الحالة يعتبر الشخص شريكاً بالاتفاق وليس بالمساعدة. ومثال ذلك قيام الشخص بتدبير الوسائل اللازمة لهروب الجناة أو لإخفاء معالم الجريمة بعد ارتكابها بناء على اتفاق سابق على ارتكابها. أما إذا لم يكن هناك اتفاق سابق فلا يعد الشخص شريكاً في الجريمة التي وقعت وإنما يعد فاعلاً أصلياً لجريمة خاصية كإخفاء الشيء متحصلة من جناية أو جنحة أو إخفاء التمارين أو أية جريمة أخري يعاقب عليها المشرع استقلالاً.
والذي ينبغي ملاحظته هو أن المساعدة اللاحقة إذا كانت لا تعتبر وسيلة للاشتراك فإن ذلك لا ينصرف إلا إلى الأعمال التي تباشر بعد تمام الجريمة. أما إذا بوشرت المساعدة قبل تمام الجريمة وبعد قيام الفاعل الأصلي بنشاطه الإجرامي فإننا نكون بصدد المساعدة في الأعمال المتممة للجريمة. فمن يباشر المساعدة بعد إتيان الفاعل لسلوكه التنفيذي وقبل النتيجة يعتبر شريكاً بالمساعدة. ومثال ذلك قيام الشخص بمنع الناس من إسعاف المجني عليه بعد طعنه عدة طعنات بقصد قتله بمعرفة الفاعل، وذلك حتى تتحقق الوفاة. ففي هذا الفرض يعتبر الشخص شريكاً بالمساعدة في جريمة القتل العمد.
ومع ذلك فقد ثار خلاف حول ما إذا كانت المساعدة التي تباشر بعد تحقق النتيجة وقبل حدوث شرط من شروط العقاب، في الجرائم التي تتطلب ذلك، يعد مرتكبها شريكاً بالمساعدة أم تعتبر من قبيل المساعدة اللاحقة التي يعاقب عليها بوصفها جريمة مستقلة.
ذهب البعض إلى جواز المساعدة كوسيلة للاشتراك في الجرائم التي تتطلب للعقاب عليها تحقق شرط العقاب طالما أنها بوشرت قبل تحقق الشرط ولو وقوع النتيجة بينما يرى آخرون عدم جواز ذلك.
والواقع أن الذي يحدد الإجابة على التساؤل السابق هو طبيعة شروط العقاب ووضعها القانوني بالنسبة للجريمة. فمن يرى أنها تعتبر عنصر من عناصر الجريمة بدونه لا تتواجد قانوناً، ينتهي إلى أنه طالما لم يتحقق الشرط فلا تكون الجريمة تامة وبالتالي يجوز المساعدة في الأعمال المتممة لها بينما إذا اعتبرناً شرط العقاب يفترض سلفاً وجود جريمة تامة ومكتملة الأركان، فلا يمكن قبول المساعدة كوسيلة للاشتراك إذا ما تحققت النتيجة حتى قبل تحقق المساعدة كوسيلة للاشتراك إذا ما تحققت النتيجة حتى قبل تحقق الشرط، وتعتبر تلك المساعدة لاحقة على تمام الجريمة وبالتالي تستبعد من وسائل الاشتراك فيها. والحقيقة هي أن لحظة تمام الجريمة ذات شرط العقاب هي في الوقت الذي تتحقق فيه جميع العناصر القانونية المكونة لها دون أن يدخل فيها شرط العقاب، وبالتالي يجب استبعاد المساعدة اللاحقة على تحقق النتيجة وقبل تحقق شرط العقاب من صورة الاشتراك في الجريمة.
ويلاحظ أن صور استبعاد المساعدة اللاحقة من صور الاشتراك في الجريمة هو نتيجة منطقية الشرط لفاعلية السببية لفعل الاشتراك، كما سنرى ونظراً لأن المساعدة اللاحقة تقع بعد تمام الجريمة فمعنى ذلك أنها لم تساهم مادياً في تحقيقها وفقاً لمعايير السببية المادية.(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 551).
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 35 .
(مادة 26)
يكون شريكاً في الجريمة:
1- من حرض على ارتكابها، فوقعت بناء على هذا التحريض.
2- من اتفق مع غيره على ارتكابها، فوقعت بناء على هذا الاتفاق.
3- من ساعد الفاعل بأية طريقة في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها مع علمه بالجريمة، فوقعت بناء على هذه المساعدة.
وقد نصت المادة (26) على من يكون شريكاً للجريمة بما يتفق مع المادة (40) من القانون الحالي، وتحديد حالات الاشتراك على هذا النحو لا يتعارض مع أحكام الشريعة، فقد تكلم الفقهاء عن المحرض على الجريمة، وعن عمن يساعد المباشر بتقديم السلاح، أو الإرشاد عن المسروقات، أو إمساك المجني عليه في جريمة القتل يراجع (بدائع الصنائع جـ (19)، ص (4174)، ج (10) ص (4616) مذاهب جـ (6)، ص (242).
وقد تكلم فقهاء الشريعة عن الاتفاق كوسيلة من وسائل المساهمة في الجريمة، ويبدو من أقوالهم أنه لا عبرة بانعقاد الإرادة وحدها على ارتكاب الجريمة إذا لم يصطحب به حضور على مسرح الجريمة أو عون لمرتكبها، فقد جاء في الموافقات: لو تمنى رجل أن يقتل آخر أو يسرقه ولم يفعل، فلا عقاب عليه في الدنيا. (الموافقات، جـ (2)/ ص (173)). أما إذا تحالفوا جميعاً على قتله وحضروا جميعاً وضربوه أو ضربه واحد منهم، يقتص منهم: (المرجع السابق ص (356)). ويلاحظ أن التمالؤ عند الإمام أبي حنيفة يعبر عن التوافق في القانون، أي توافق إرادة الجناة وقت وقوع الجريمة، بينما يرى الإمام مالك أن التمالؤ هو الاتفاق السابق، أما التحريض فقد عبر عنه فقهاء المسلمين بالإغراء، وكذلك بعبارة الأمر من غير السلطان، ويقصد به التحريض العادي وهو بعث فكرة الجريمة وتزيينها لدى من يرتكبها، ويؤخذ من مجموع آراء الفقهاء أن المحرض مساهم ويستحق عقوبة التعزير وإن أجاز البعض القصاص منه. (يراجع الفتاوى الكبرى، ج (4) ص (224). بداية المجتهد ج (2)/ ص (396)، المغني جـ (7)/ ص (757)).
تعدد الجناة
مادة (246):
1- إذا تعدد الجناة في جريمة موجبة للقصاص فللمجني عليه الحق في طلب القصاص منهم متى توافرت شرائطه في حق كل منهم، كما له الحق في العفو عنهم أو عن بعضهم على دية أو بدونها.
2- فإذا عفا عنهم على الدية قسمت عليهم بالتساوي، وإن عفا عن بعضهم فعلى
المعفو عنه قسطه من الدية.
مادة (247): إذا لم يكن الاشتراك بالمباشرة في الجريمة الموجبة للقصاص - يكتفى
بتوقيع العقوبة التعزيرية على الشريك وفقا لأحكام الاشتراك المقررة في هذا القانون.
مادة (248): إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده .
مادة (249): لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص أو
المسئولية أو تخفيفها أو القصد الجنائي على بقية الجناة.
الإيضاح
انتهج المشروع في أحكام تعدد الجناة ذات الأسس التي سبق إقرارها في باب الجناية على النفس، إذ إن القصاص فيها دون النفس يقوم - في أغلب أحكامه الأساسية - على ذات الأحكام التي يقوم عليها القصاص في النفس، فالمادة (246) تناولت أحكام تعدد الجناة في جريمة الاعتداء على ما دون النفس الموجبة للقصاص، وهذا التعدد هو من قبيل ما يطلق عليه تعدد الفاعلين المنصوص عليه في المادة (26) من هذا القانون ويعبر عنه في الشريعة الإسلامية عادة «بالاشتراك بالمباشرة»، وقد أخذ المشروع بالرأي القائل بالقصاص من الجماعة بالواحد، وذلك متى توافرت شروط القصاص بالنسبة إلى كل منهم، على غرار ما تم الأخذ به في مشروع الجناية على النفس، نزولا على قاعدة: «قتل الجماعة بالواحدة؛ لأن كل جناية على ما دون النفس وجب بها القصاص على الواحد وجب - بها على الجماعة کالنفس (نهاية المحتاج ج (7) ص (249) وما بعدها، المغني جـ (8) ص (271))، وغني عن البيان أن تعدد الفاعلين في ارتكاب الجريمة يقتضي بطبيعته الاتفاق عليها، وهو ما يعرف في الشريعة الإسلامية بالتمالؤ» وخاصة بمفهومه عند المالكية. هذا ويلاحظ أن المذهب الحنفي وإن أخذ بقاعدة قتل الجماعة بالواحد (بدائع الصنائع ج (7) ص (238))، إلا أنه لم يأخذ بالقاعدة المقابلة لها في جرائم الاعتداء على ما دون النفس وهي القصاص من الجماعة بالواحد؛ إذ يرى الأحناف أن المماثلة فيها دون النفس معتبرة، ولا مماثلة بين طرف وأطراف ومن ثم يمتنع - فيها دون النفس - القصاص من الجماعة بالواحد، وإنما يجب الأرش (المرجع السابق ص (299)، على أن الذين رأوا القصاص من الجماعة بالواحد فيما دون النفس، استندوا إلى أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده، ثم جاءا بآخر فقالا: هذا هو السارق وأخطأنا في الأول. فرد شهادتها على الثاني، وغرمها دية الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما. فأخبر بذلك أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة، ولأنه أحد نوعي القصاص (أي القصاص في النفس والقصاص فيها دون النفس)، فتؤخذ الجماعة بالواحد کالأنفس. ولذلك وجب القصاص على المشتركين في الظرف على وجه لا يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر كأن يشهدوا عليه عمدا بغير حق با یوجب قطعه فيقطع، ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا إنساناً على قطع طرف، أو يلقوا صخرة على طرف إنسان فتقطعه، أو يقطعوا أيد أو يقلعوا علينا بضربة واحدة، أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا عليها جميعا، أو يمدوها فتبين اليد، بخلاف ما إذا قطع كل واحد منهم من جانب، أو قطع أحدهم بعد المفصل وأتمه غيره أو ضرب كل واحد ضربة، أو وضعوا منشارا على مفصله ثم مده كل واحد إليه مرة حتى بانت اليد، فلا قصاص فيه؛ لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها.
وفي مذهب مالك أنه إذا تعدد العضو المجني عليه بأن قلع واحد عينه، وواحد قطع رجله وكانا متمالئين على قلع عينه وقطع رجله - تقلع عين كل واحد منهما وتقطع رجله، وإذا اتحد العضو المجني عليه كما إذا تمالأت جماعة على قطع شخص - فإنه يقطع كل واحد، والتمالؤ عند المالكية هو الاتفاق على ارتكاب الجريمة.
هذا وقد آثرت اللجنة الأخذ برأي الذين قالوا بالقصاص من الجماعة بالواحد کما سبق القول، وهي القاعدة التي التقى عليها الجمهور الأعظم من الفقهاء، ولا وجه للمغايرة بين القصاص في النفس وبين القصاص فيما دون النفس، وما أخذت به اللجنة هو الذي يتفق مع مذهب مالك والشافعي والظاهرة في مذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور.
حاشية الدسوقي ج (4) ص (245) و(250) و(251)، نهاية المحتاج ج- (7) ص (275)، المغني ج (8) ص (268) وما بعدها).
كذلك فإن المشروع أخذ في أحكام الاشتراك في جريمة الاعتداء على ما دون النفس، إذا تم هذا الاشتراك بالتسبب لا بالمباشرة - بذات النهج الذي سبق إقراره في صدد أحكام حد السرقة، فنص المشروع في المادة (247) على حكم من مقتضاه أنه إذا لم يكن الاشتراك في الجريمة الموجبة للقصاص اشتراگا بالمباشرة - كما إذا اقتصر الأمر على مجرد التحريض أو الاتفاق أو المساعدة دون ارتكاب الأفعال التنفيذية - فلا قصاص، وإنما يعاقب الشريك بالعقوبة التعزيرية التي تتحدد وفقا لأحكام هذا القانون وبحسب وصف الجريمة فيه.
وعالج المشروع في المادة (248) حالة الأمر بجريمة اعتداء على ما دون النفس موجبة للقصاص، فنص فيها على أنه إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده (المغني ج (8) ص (350)).
وهنا نجد الآمر مسئولا، والمأمور ليس أهلاً للمسئولية الجنائية، فلا يؤاخذ بفعله، والمسئولية كلها على الأمر، والحنابلة والمالكية وبعض الشافعية يرون أن الأمر هو الذي يقتص منه، إذ إن غير المسئول کالآلة في يد الآمر، ولا يذهب الدم هدراً (العقوبة ص (548)).
كما نص المشروع في المادة (249) على أنه لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص، أو المسئولية، أو تخفيفها، أو القصد الجنائي على بقية الجناة. وقد استخلصت أحكام هذه المادة من اتجاهات بعض المذاهب والفقهاء في صدد الفروض التي تندرج تحت حكم هذه المادة وخاصة في جرائم القتل، ومثال ذلك أنه إذا وقعت الجريمة من أب على ابنه واشترك مع الأب غيره - فإن امتناع القصاص بالنسبة إلى الأب لا يؤثر على وجوب القصاص من شريكه إذا توافرت شروط القصاص، وكذلك الشأن بالنسبة إلى اشتراك المكلف مع غير المكلف.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 195
إِعَانَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الإْعَانَةُ لُغَةً: مِنَ الْعَوْنِ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الأَْمْرِ.
يُقَالُ: أَعَنْتُهُ إِعَانَةً، وَاسْتَعَنْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فَأَعَانَنِي. كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ مِعْوَانٌ، وَهُوَ الْحَسَنُ الْمَعُونَةِ، وَكَثِيرُ الْمَعُونَةِ لِلنَّاسِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الإْغَاثَةُ:
- الإْغَاثَةُ: هِيَ الإْعَانَةُ وَالنُّصْرَةُ فِي حَالِ شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.
أَمَّا الإْعَانَةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.
الاِسْتِعَانَةُ: هِيَ طَلَبُ الْعَوْنِ. يُقَالُ: اسْتَعَنْتُ بِفُلاَنٍ فَأَعَانَنِي وَعَاوَنَنِي وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ».
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإْعَانَةِ بِحَسَبِ أَحْوَالِهَا، فَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُبَاحَةً أَوْ مَكْرُوهَةً أَوْ مُحَرَّمَةً.
الإْعَانَةُ الْوَاجِبَةُ:
أ - إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ:
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ إِعَانَةِ الْمُضْطَرِّ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِإِعْطَائِهِ مَا يَحْفَظُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَكَذَلِكَ بِإِنْقَاذِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُعَرِّضُهُ لِلْهَلاَكِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَتِ الإْعَانَةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا عَيْنِيًّا، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا كِفَائِيًّا عَلَى الْقَادِرِينَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِلاَّ أَثِمُوا جَمِيعًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُمْ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. ؟،
وَمِثْلُ ذَلِكَ إِعَانَةُ الأْعْمَى إِذَا تَعَرَّضَ لِهَلاَكٍ، وَإِعَانَةُ الصَّغِيرِ لإِنْقَاذِهِ مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهِ.
ب - الإْعَانَةُ لإِنْقَاذِ الْمَالِ:
تَجِبُ الإْعَانَةُ لِتَخْلِيصِ مَالِ الْغَيْرِ مِنَ الضَّيَاعِ قَلِيلاً كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا، حَتَّى أَنَّهُ تُقْطَعُ الصَّلاَةُ لِذَلِكَ. وَفِي بِنَاءِ الْمُصَلِّي عَلَى صَلاَتِهِ أَوِ اسْتِئْنَافِهَا خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُبْطِلاَتِ الصَّلاَةِ.
ج - الإْعَانَةُ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ:
يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُسْلِمِينَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ عَنْهُمْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَىالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإْثْمِ وَالْعُدْوَانِ ). وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمْهُ وَلاَ يُسْلِمْهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ». وَكُلَّمَا كَانَ هُنَاكَ رَابِطَةُ قَرَابَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ كَانَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمْ أَوْجَبَ. (ر: عَاقِلَةٌ).
د - إِعَانَةُ الْبَهَائِمِ:
صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ إِعَانَةِ الْبَهَائِمِ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عَلَفٍ وَإِقَامَةٍ وَرِعَايَةٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأْرْضِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ وَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟، فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».
الإْعَانَةُ الْمَنْدُوبَةُ:
وَتَكُونُ الإْعَانَةُ مَنْدُوبَةً إِذَا كَانَتْ فِي خَيْرٍ لَمْ يَجِبْ.
الإْعَانَةُ الْمَكْرُوهَةُ
: - الإْعَانَةُ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً، مِثْلُ الإْعَانَةِ عَلَى الإْسْرَافِ فِي الْمَاءِ، أَوِ الاِسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمٍ، أَوْ عَلَى الإْسْرَافِ فِي الْمُبَاحِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فَوْقَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا. مِثْلُ إِعْطَاءِ السَّفِيهِ الْمَالَ الْكَثِيرَ، وَإِعْطَاءِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الرَّاشِدِ مَا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.
الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ:
- تَأْخُذُ الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ حُكْمَهُ، مِثْلُ الإْعَانَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِعَانَةِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْتَقِيَهَا».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - فِي إِعَانَةِ الظَّالِمِ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ».
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَهُوَ يَنْزِعُ مِنْهَا بِذَنَبِهِ». وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».
وَحَدِيثُ «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ».
إِعَانَةُ الْكَافِرِ:
أ - الإْعَانَةُ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ:
يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ لِلْكَافِرِ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (صَدَقَةٌ).
ب - الإْعَانَةُ بِالنَّفَقَةِ:
صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ - مَعَ اخْتِلاَفِ الَّذِي - لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلاَدِ أَعْلَى وَأَسْفَلَ، لإِطْلاَقِ النُّصُوصِ، وَلأِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الاِحْتِبَاسِ، وَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينِ.
وَأَمَّا قَرَابَةُ الْوِلاَدِ فَلِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، إِذِ الْجُزْئِيَّةُ فِي مَعْنَى النَّفْسِ، وَنَفَقَةُ النَّفْسِ تَجِبُ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا الْجُزْءُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ).
ج - الإْعَانَةُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:
- يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ بِبَذْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْصُومًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا، فَإِنِ امْتَنَعَ مَنْ لَهُ فَضْلُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ - وَلَوْ كَافِرًا - جَازَ لَهُ قِتَالُهُ بِالسِّلاَحِ أَوْ بِغَيْرِ السِّلاَحِ. عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (اضْطِرَارٌ).
آثَارُ الإْعَانَةِ :
يَتَرَتَّبُ عَلَى الإْعَانَةِ آثَارٌ مِنْهَا:
أ - الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ :
- الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ إِمَّا أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ مِنْهَا، وَإِمَّا دُنْيَوِيٌّ. فَإِنَّ الإْعَانَةَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا أَجْرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِرًّا لِلْوَالِدَيْنِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، أَمْ لِلنَّاسِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْمُحْتَاجِ بِالْقَرْضِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَالَةِ.
وَقَدْ يَأْخُذُ الْمُعِينُ أَجْرًا عَلَى بَعْضِ الأْعْمَالِ الَّتِي يُؤَدِّي فِيهَا فِعْلاً مُعَيَّنًا مِثْلُ الْوَكَالَةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى تِلْكَ الأْبْوَابِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
ب - الْعِقَابُ عَلَى الإْعَانَةِ :
لَمْ يَذْكُرِ الْعُلَمَاءُ عُقُوبَاتٍ مُعَيَّنَةً لِلإْعَانَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِالتَّعْزِيرِ عَلَى الذُّنُوبِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْحُدُودُ لأِنَّ دَرْءَ الْمُفْسِدِينَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْعُقُولِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ دَرْءُ الْفَسَادِ بِرَدْعِ الْمُفْسِدِينَ وَمَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَعْزِيرِهِمْ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ تِلْكَ الإْعَانَةِ الْمُحَرَّمَةِ.
أَمَّا عَنِ الإْثْمِ الأْخْرَوِيِّ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الإْعَانَةِ فِي الْحَرَامِ، فَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه: «أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ. قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لاَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلاَ يَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ. يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: النَّاسُ غَادِيَانِ، فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا».
- نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُعِينَ عَلَى الْجَرِيمَةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الأْصِيلِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ، كَالرَّبِيئَةِ، وَمُقَدِّمِ السِّلاَحِ، وَالْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ، وَالرِّدْءِ وَنَحْوِهِمْ. وَيُرْجَعُ إِلَى ذَلِكَ فِي مَبَاحِثِ الْجِنَايَاتِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِهَا.
ج - الضَّمَانُ:
- مَنْ تَرَكَ الإْعَانَةَ الْوَاجِبَةَ قَدْ يَلْحَقُهُ الضَّمَانُ. قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا تَرَكَ إِنْسَانٌ إِعَانَةَ مُضْطَرٍّ فَمَنَعَ عَنْهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ قَصَدَهُ فَعَمْدٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، بِجَوَازِ قِتَالِ الْمَانِعِينَ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ - غَيْرِ الْمَحُوزِ - عَنِ الْمُضْطَرِّينَ لَهُ وَالْمُشْرِفِينَ عَلَى الْهَلاَكِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه. فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْمَاءِ، لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِالسِّلاَحِ عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ فِي هَلاَكِ الْعَطْشَانِ وَالْجَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُهُمْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (ر: صِيَالٌ).
وَمَنْ رَأَى خَطَرًا مُحْدِقًا بِإِنْسَانٍ، أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْقَاذِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ الَّذِينَ رَبَطُوا الضَّمَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ.
كَمَا يَضْمَنُ، حَامِلُ الْحَطَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَرَكَ تَنْبِيهَ الأَْعْمَى وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُ أَوْ لِثِيَابِهِ.
هَذَا وَقَدْ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي بَعْضِ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ مِثْلُ الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ، فَيَضْمَنُ عِنْدَ عَجْزِ الْمَكْفُولِ الْمَدِينِ.
وَفِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ التَّفْرِيطِ أَوِ التَّعَدِّي وَهِيَ مِنَ الإِْعَانَاتِ. ر: (كَفَالَةٌ، وَكَالَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع عشر ، الصفحة / 158
حُكْمُ الرِّدْءِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرِّدْءِ أَيْ الْمُعِينِ لِلْقَاطِعِ بِجَاهِهِ أَوْ بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ أَوْ بِتَقْدِيمِ أَيِّ عَوْنٍ لَهُمْ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْقَطْعَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ، لأِنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِالْكُلِّ، وَلأِنَّ مِنْ عَادَةِ الْقُطَّاعِ أَنْ يُبَاشِرَ الْبَعْضُ، وَيَدْفَعَ عَنْهُمُ الْبَعْضُ الآْخَرُ، فَلَوْ لَمْ يُلْحَقِ الرِّدْءُ بِالْمُبَاشِرِ
فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى انْفِتَاحِ بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُحَدُّ الرِّدْءُ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ كَسَائِرِ الْجَرَائِمِ الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 91
حُكْمُ الرَّبِيئَةِ فِي الْقِصَاصِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْوَاحِدِ إِذَا اشْتَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْفِعْلِ الْمُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ جَمِيعًا إِذَا تَحَقَّقَتْ سَائِرُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص).
وَإِذَا كَانَ مَعَهُمْ رَبِيئَةٌ وَلَمْ يَشْتَرِكْ مَعَهُمْ فِي الْفِعْلِ الْمُفْضِي لِلْمَوْتِ وَلَمْ يُبَاشِرْهُ فَالْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَّفِقًا مَعَهُمْ فِي قَصْدِ الْقَتْلِ أَمْ لاَ؛ لأِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ فِي الْقِصَاصِ الْمُبَاشَرَةَ مِنَ الْكُلِّ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُقْتَصُّ مِنْهُ إِذَا كَانَ مُتَمَالِئًا مَعَهُمْ، بِأَنْ قَصَدَ الْجَمِيعُ الْقَتْلَ وَحَضَرُوا وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ إِلاَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوِ اسْتُعِينَ بِهِ أَعَانَهُ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ فِي الرِّدْءِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 329
الاِشْتِرَاكُ فِي الأْخْذِ:
يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ فِي مَسَائِلِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ بَيْنَ الشَّرِيكِ الْمُبَاشِرِ وَالشَّرِيكِ بِالتَّسَبُّبِ فَأَمَّا الشَّرِيكُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ أَحَدَ الأْفْعَالِ الَّتِي تُكَوِّنُ الأْخْذَ التَّامَّ، وَهِيَ: إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِرْزِهِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ.
وَأَمَّا الشَّرِيكُ بِالتَّسَبُّبِ فَهُوَ الَّذِي لاَ يُبَاشِرُ أَحَدَ هَذِهِ الأْفْعَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلأْخْذِ الْمُتَكَامِلِ، وَإِنَّمَا تَقْتَصِرُ فِعْلُهُ عَلَى مَدِّ يَدِ الْعَوْنِ لِلسَّارِقِ، بِأَنْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقَاتِ، أَوْ بِأَنْ يَقِفَ خَارِجَ الْحِرْزِ لِيَمْنَعَ اسْتِغَاثَةَ الْجِيرَانِ، أَوْ لِيَنْقُلَ الْمَسْرُوقَاتِ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَهَا السَّارِقُ مِنَ الْحِرْزِ.
وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ، أَمَّا الْمُتَسَبِّبُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ.
وَيَبْدُو مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ فِي الاِشْتِرَاكِ: أَنَّهُمْ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْمُعَيَّنِ فَيَعْتَبِرُونَ الشَّرِيكَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مَعَ غَيْرِهِ بِعَمَلٍ مِنَ الأْعْمَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلسَّرِقَةِ، وَخَاصَّةً: هَتْكُ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَهُوَ مَنْ يُسَاعِدُ السَّارِقَ، فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ فِي خَارِجِهِ، وَلَكِنْ عَمَلُهُ لاَ يَصِلُ إِلَى دَرَجَةٍ يُمْكِنُ مَعَهَا نِسْبَةُ السَّرِقَةِ إِلَيْهِ .
وَكَانَ هَذَا أَسَاسَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي تَطْبِيقِ الْحَدِّ عَلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:
1 - الْحَنَفِيَّةُ:
- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ، كَأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ قَامَ بِعَمَلٍ مَعْنَوِيٍّ، كَأَنْ وَقَفَ لِلْمُرَاقَبَةِ أَوْ لِلإْشْرَافِ عَلَى نَقْلِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْجَمِيعِ إِذَا بَلَغَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصَابًا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ لاَ تَكْفِي لِيُصِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابًا، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ، بَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى التَّعْزِيرِ. وَيَنْطَبِقُ نَفْسُ الْحُكْمِ عَلَى الشُّرَكَاءِ إِذَا أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَعْضُ الآْخَرُ مَا قِيمَتُهُ دُونَ النِّصَابِ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ مَا يَكْفِي لأَنْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ، قُطِعُوا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا، قُطِعَ مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا، وَعُزِّرَ الآْخَرُونَ.
أَمَّا إِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَبَقِيَ الآْخَرُ خَارِجَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ مَنْ بِالدَّاخِلِ يَدَهُ بِالْمَسْرُوقِ إِلَى خَارِجِ الْحِرْزِ فَتَنَاوَلَهَا شَرِيكُهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ الأَْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ، لأِنَّهُ أَخْرَجَ الْمَسْرُوقَ مِنَ الْحِرْزِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي حِيَازَةِ نَفْسِهِ، بَلْ فِي حِيَازَةِ الْخَارِجِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَيَرَى كَذَلِكَ أَنَّ الأْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَارِجِ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ لاَ مِنْ حِرْزِهِ وَلاَ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الأْخْذَ تَامٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ دُونَ الْخَارِجِ؛ لأِنَّ الْمَسْرُوقَ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، حَيْثُ أَقَامَ شَرِيكَهُ الْخَارِجَ مَقَامَهُ عِنْدَمَا سَلَّمَهُ الْمَسْرُوقَ. وَتَفْصِيلُ الْحُكْمِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يُمْكِنُ حُدُوثُهَا يُبْنَى عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَتْكِ الْمُتَكَامِلِ وَمَسْأَلَةِ «الْيَدِ الْمُعْتَرِضَةِ» الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهُمَا. فِي ف 43، 47.
2 - الْمَالِكِيَّةُ:
- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ إِذَا قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، سَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ وَهُوَ فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ حَدَثَتْ وَهُوَ فِي خَارِجِ الْحِرْزِ، بِأَنْ مَدَّ يَدَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ وَأَخَذَ الْمَسْرُوقَ مِنْ يَدِ زَمِيلِهِ الَّذِي فِي الدَّاخِلِ، بِحَيْثُ تُصَاحِبُ فِعْلاَهُمَا فِي حَالِ الإْخْرَاجِ، أَوْ بِأَنْ يَرْبِطَ الدَّاخِلُ الْمَسْرُوقَ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ فَيَجُرُّهُ الْخَارِجُ، بِحَيْثُ لاَ يُعْتَبَرُ الدَّاخِلُ مُسْتَقِلًّا بِالإْخْرَاجِ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الإْعَانَةُ بِأَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ كَأَنْ يَدْخُلَ الْحِرْزَ أَوْ يَبْقَى خَارِجَهُ لِيَحْمِيَ السَّارِقَ أَوْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، بَلْ يُعَزَّرُ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ لَمْ يَخْرُجْ إِلاَّ بِعَمَلٍ جَمَاعِيٍّ، وَجَبَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مَنْ شَارَكَ فِي هَذَا الْعَمَلِ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، سَوَاءٌ بَاشَرَ السَّرِقَةَ، بِأَنْ تَعَاوَنَ مَعَ زَمِيلِهِ فِي حَمْلِ الْمَسْرُوقِ حَتَّى خَرَجَا بِهِ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ لَمْ يُبَاشِرِ السَّرِقَةَ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ صَاحِبِهِ فَخَرَجَ بِهِ وَحْدَهُ، مَا دَامَ كُلُّ وَاحِدٍ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ تَعَاوُنٌ بِأَنِ اسْتَقَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلاً، وَذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورِ التَّعَاوُنِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِِثْبَاتِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ.
3 - الشَّافِعِيَّةُ:
- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ لاَ تُطْلَقُ إِلاَّ عَلَى مَنْ قَامَ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ مَعَ غَيْرِهِ، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، كَأَنْ يَتَعَاوَنَ السَّارِقُونَ فِي حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَيُخْرِجُونَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا وَيَخْرُجَ بِهِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْطَبِقُ وَصْفُ السَّارِقِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ أَثَرُ الاِشْتِرَاكِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا إِذَا خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ مِنْ قِيمَةِ مَا أَخْرَجُوهُ، دُونَ نَظَرٍ إِلَى قِيمَةِ مَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ. أَمَّا إِذَا كَانَ كُلُّ سَارِقٍ يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِهِ وَقَصْدِهِ عَنِ الآْخَرِينَ، فَلاَ اشْتَرَاكَ بَيْنَهُمْ، وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ نِصَابًا كَامِلاً، وَيُعَزَّرُ الآْخَرُونَ.
وَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ، سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنْ دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ مِنْ خَارِجِهِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ، بَلْ يُعَزَّرُ.
4 - الْحَنَابِلَةُ:
- يَرَى الْحَنَابِلَةُ إِطْلاَقَ صِفَةِ الشَّرِيكِ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، قَامَ بِهِ وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ أَوْ كَانَ خَارِجَهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى كُلِّ مَنِ اشْتَرَكَ فِي السَّرِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الاِشْتِرَاكُ فِي الإْخْرَاجِ، أَوْ كَانَ بِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ وَإِعَانَةِ الْبَعْضِ الآْخَرِ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنَ الدَّاخِلِ أَوْ مِنَ الْخَارِجِ، بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ كَالإْعَانَةِ عَلَى حَمْلِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ بِفِعْلٍ مَعْنَوِيٍّ كَالإْرْشَادِ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِعَمَلٍ مَا، كَمَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ مَعَ السَّارِقِ لِتَنْبِيهِهِ إِذَا انْكَشَفَ أَمْرُهُ. لأِنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ يُضَافُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.