loading

موسوعة قانون العقوبات​

المذكرة الإيضاحية

موسوعة هرجة الجنائية ، للمستشار /  مصطفى مجدي هرجه ، المجلد / الأول ، دار محمود  

وقد جاء بتعليقات الحقانية تعليقاً على الفقرة الواردة بالمادة 41 من القانون 1904 والمقابلة لهذه الفقرة من قانون العقوبات الحالي بأن المراد من هذا الشرط هو النص عن أحوال متعلقة بالشركاء مماثلة للأحوال المنصوص عنها في النص المقابل لهذه الفقرة المختص بحالة تعدد الفاعلين وقد يجوز أن يترتب على هذا أن يعاقب الشريك بعقوبة أشد من عقوبة الفاعل ومثال ذلك أن يحرض الشريك الفاعل على التعدى بالضرب على شخص إنسان مصاب بمرض يعلمه الشريك ويجهله الفاعل فيفضي الضرب إلى الموت بسبب هذا المرض ويكون الشريك قد قصد حصول هذه النتيجة مع أنه لو لم يكن هذا المرض لما أفضى الضرب إلى هذه العاقبة القاتلة ففي هذه الحالة يكون الشريك مداناً بالقتل عمداً ويكون الفاعل مداناً بضرب أفضى إلى الموت.

الأحكام

1ـ من المقرر أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره من أنه يعد شريكاً فى الجريمة وليس فاعلاً أصلياً ، لكون العقوبة المقررة للفاعل الأصلى هي بذاتها للشريك   طبقاًلنص المادة 41 من قانون العقوبات .

(الطعن رقم 50721 لسنة 75 ق - جلسة 2006/02/13 س 57 ص 209 ق 27)
(الطعن رقم 1511 لسنة 57 ق - جلسة 1987/12/08 س 38 ع 2 ص 1065 ق 193)

2 ـ المستفاد من نصوص القانون العامة فى الأشتراك " المواد 40،41،42 من قانون العقوبات " أنها تتضمن أن قصد الاشتراك يجب أن ينصب على جريمة أو جرائم معينه ، فإذا لم يثبت الاشتراك فى جريمة معينه أو فى فعل معين فلا تعتبر الجريمة التى أرتكبها الفاعل نتيجة مباشرة للاشتراك لأنه لم يقع عليها . ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه قاصراً فى التدليل على أن الطاعن الثانى - متعهد النقل كان يعلم علما يقينيا بما انتواه المتهمان الأولان - المحافظ والمستشار الفنى له - من ارتكاب جريمة التربح ، وأنه قصد إلى الاشتراك فى هذه الجريمة وهو عالم بها وبظروفها وساعدهما فى الاعمال المجهزة والمسهلة لارتكابها إذ لم يكشف الحكم على أن الطاعن كان على علم بالخطابات والطلبات والتقارير المصطنعة والمطعون فيها بالتزوير والاتصالات والمكاتبات المتبادلة ومن ثم يكون الحكم قد خلا من بيان قصد الاشتراك فى الجريمة التى دان الطاعن الثانى بها وانه كان وقت وقوعها عالما بها قاصداً الاشتراك فيها فإن ذلك يكون من الحكم قصورا أيضا فى هذا الخصوص مما يعيبه .

(الطعن رقم 20743 لسنة 62 ق - جلسة 1994/10/11 س 45 ص 837 ق 132)

3 ـ من المقرر انه لا مصلحة للطاعن فيما اثاره من ان الحكم لم يبين دور كل متهم وما اذا كان فاعلا ام شريكا ، لكون العقوبة المقررة للفاعل الاصلى هى بذاتها العقوبة المقررة للشريك لان من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها طبقا لنص المادة 41 من قانون العقوبات 

(الطعن رقم 9886 لسنة 65 ق - جلسة 1997/12/02 س 48 ع 1 ص 1324 ق 202)

4 ـ إن المقرر طبقاً لنص المادة 41 من قانون العقوبات أن من إشتراك فى جريمة فعليه عقوبتها وإنه طبقاً لنص المادة 42 من ذات القانون أنه إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبات المنصوص عليها قانوناً . لما كان ذلك وكان ما أثبته الحكم يكفى لبيان أن الطاعنين قد تعمدا الإشتراك فى التزوير بقصد الحصول على بطاقة شخصية مزورة تحمل إسم .......... - زوجة الطاعن الثانى - وصورة الطاعنة الأولى - وكان ما أورده الحكم بياناً لوصف التهمة واضح المعنى فى أن التزوير قد قع من موظفة عمومية حسنة النية حال تحريرها المختص بوظيفته - وكان عدم توفر القصد الجنائي لدى الموظفة لا يحول دون قيام جريمة الإشتراك فى التزوير فى حق الطاعنين وهو ما أقام الدليل عليه قبلهما ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .

(الطعن رقم 86 لسنة 60 ق - جلسة 1991/01/21 س 42 ع 1 ص 147 ق 17)

5 ـ إن المادة 42 عقوبات إذ نصت على أنه " إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً قد جاءت بعبارة عامة يتناول حكمها الجرائم كافة ، و يسرى على الإشتراك بجميع الطرق التى يقع بها . و هذا هو الذى يتسق مع ما نصت عليه المادة 41 من قانون العقوبات من أن عقوبة الشريك هى العقوبة المقررة للجريمة دون ذكر الفاعل ، و مع ما نصت عليه المادة 40 التى عرفت الشريك فى الجريمة دون أن تشترط فى حقه أن تكون له علاقة مباشرة بالفاعل ، مما مفاده أن الشريك - بحسب الأصل - يستمد صفته من الجريمة التى وقعت و من فعل الإشتراك الذى إرتكبه و من قصده هو من فعلته ، و أنه لا يجب لمعاقبته أكثر من أن تكون الجريمة قد وقعت بناء على تحريضه على إرتكاب الفعل المكون لها أو إتفاقه على إرتكابها مع غيره أياً كان و مهما كانت صفته ، أو بناء على مساعدته فى الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لها . يستوى فى ذلك كله أن يكون إتصاله بالفاعل قريباً و مباشراً أو بعيداً و بالواسطة . فعلى مقتضى ذلك يصح أن يكون الشريك عالماً بالجريمة التى يشترك فيها و بجميع الظروف المحيطة بها ، و الفاعل الأصلى يباشر إرتكاب الفعل المادى المكون لها و هو حسن النية غير عالم بأنه يرتكب جريمة . و إذ كان يجوز فى العقل تصور ذلك فى جريمة الرشوة أو الشروع فيها فإن المحكمة إذا إستخلصت أن الشريك حين إتفق مع الفاعل و ساعده فى أن يقدم المبلغ الذى قدمه إلى الموظف كان فى الواقع و حقيقة الأمر يقصد هو و الموظف أن المبلغ إنما هو فى مقابل قيام الموظف بعمل من أعمال وظيفته لا للعمل الذى قدمه الفاعل من أجله معتقداً أنه عمل برئ - إذا إستخلصت ذلك ، و كانت الأدلة التى ذكرتها مؤدية إليه ، فإنها لا تكون قد خالفت القانون فى شيء . و إختلاف قصد فاعل الشروع فى الرشوة عن قصد الموظف ، و كون الأول لم يقصد عملاً من أعمال الوظيفة - ذلك ، و إن كان ينفى الجريمة عن الفاعل ، ليس من شأنه أن ينفيها عن الشريك متى كانت جميع عناصرها القانونية متوافرة فى حقه .

(الطعن رقم 965 لسنة 13 ق - جلسة 1943/06/07 س 6 ع 6 ص 279 ق 209)

شرح خبراء القانون

 

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة  35 .

 

(مادة 27) 

من اشترك في جريمة تعزيرية، فعليه عقوبتها، إلا ما استثني بنص خاص. 

(مادة 28) 

يستفيد جميع المساهمين في الجريمة من الظروف المادية المخففة ولو لم يعلموا بها، ولا يسأل عن الظروف المادية المشددة إلا من علم بها، ولا تأثير للأحوال والظروف الشخصية إلا بالنسبة لمن توافرت لديه، سواء كانت معفية أو مخففة أو مشددة للمسئولية أو مانعة للعقاب. 

وإذا اختلف قصد مساهم في الجريمة عن قصد غيره من المساهمين، فإن كلا منهم يعتبر مسئولاً حسب قصده. 

وقد نصت المادة (27) على أن: «من اشترك في جريمة تعزيرية فعليه عقوبتها إلا ما استثني بنص خاصه ويتفق هذا النص مع القاعدة في الشريعة من أن العقوبات الحدية جعلت في الأصل المباشر الجريمة - أي فاعلها الأصلي - دون الشريك المتسبب، وتطبيق هذا مع القاعدة يقتضي أن من اشترك في جريمة حدية لا يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة وإنما يعاقب بالتعزير. 

وقد نصت المادة (28) من المشروع على تأثير الظروف المادية والشخصية في مسئولية المساهمين في الجريمة. 

تعدد الجناة 

مادة (246): 

1- إذا تعدد الجناة في جريمة موجبة للقصاص فللمجني عليه الحق في طلب القصاص منهم متى توافرت شرائطه في حق كل منهم، كما له الحق في العفو عنهم أو عن بعضهم على دية أو بدونها. 

2- فإذا عفا عنهم على الدية قسمت عليهم بالتساوي، وإن عفا عن بعضهم فعلى 

المعفو عنه قسطه من الدية. 

مادة (247): إذا لم يكن الاشتراك بالمباشرة في الجريمة الموجبة للقصاص - يكتفى 

بتوقيع العقوبة التعزيرية على الشريك وفقا لأحكام الاشتراك المقررة في هذا القانون. 

مادة (248): إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده . 

مادة (249): لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص أو 

المسئولية أو تخفيفها أو القصد الجنائي على بقية الجناة. 

الإيضاح 

انتهج المشروع في أحكام تعدد الجناة ذات الأسس التي سبق إقرارها في باب الجناية على النفس، إذ إن القصاص فيها دون النفس يقوم - في أغلب أحكامه الأساسية - على ذات الأحكام التي يقوم عليها القصاص في النفس، فالمادة (246) تناولت أحكام تعدد الجناة في جريمة الاعتداء على ما دون النفس الموجبة للقصاص، وهذا التعدد هو من قبيل ما يطلق عليه تعدد الفاعلين المنصوص عليه في المادة (26) من هذا القانون ويعبر عنه في الشريعة الإسلامية عادة «بالاشتراك بالمباشرة»، وقد أخذ المشروع بالرأي القائل بالقصاص من الجماعة بالواحد، وذلك متى توافرت شروط القصاص بالنسبة إلى كل منهم، على غرار ما تم الأخذ به في مشروع الجناية على النفس، نزولا على قاعدة: «قتل الجماعة بالواحدة؛ لأن كل جناية على ما دون النفس وجب بها القصاص على الواحد وجب - بها على الجماعة کالنفس (نهاية المحتاج ج (7) ص (249) وما بعدها، المغني جـ (8) ص (271))، وغني عن البيان أن تعدد الفاعلين في ارتكاب الجريمة يقتضي بطبيعته الاتفاق عليها، وهو ما يعرف في الشريعة الإسلامية بالتمالؤ» وخاصة بمفهومه عند المالكية. هذا ويلاحظ أن المذهب الحنفي وإن أخذ بقاعدة قتل الجماعة بالواحد (بدائع الصنائع ج (7) ص (238))، إلا أنه لم يأخذ بالقاعدة المقابلة لها في جرائم الاعتداء على ما دون النفس وهي القصاص من الجماعة بالواحد؛ إذ يرى الأحناف أن المماثلة فيها دون النفس معتبرة، ولا مماثلة بين طرف وأطراف ومن ثم يمتنع - فيها دون النفس - القصاص من الجماعة بالواحد، وإنما يجب الأرش (المرجع السابق ص (299)، على أن الذين رأوا القصاص من الجماعة بالواحد فيما دون النفس، استندوا إلى أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده، ثم جاءا بآخر فقالا: هذا هو السارق وأخطأنا في الأول. فرد شهادتها على الثاني، وغرمها دية الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما. فأخبر بذلك أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة، ولأنه أحد نوعي القصاص (أي القصاص في النفس والقصاص فيها دون النفس)، فتؤخذ الجماعة بالواحد کالأنفس. ولذلك وجب القصاص على المشتركين في الظرف على وجه لا يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر كأن يشهدوا عليه عمدا بغير حق با یوجب قطعه فيقطع، ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا إنساناً على قطع طرف، أو يلقوا صخرة على طرف إنسان فتقطعه، أو يقطعوا أيد أو يقلعوا علينا بضربة واحدة، أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا عليها جميعا، أو يمدوها فتبين اليد، بخلاف ما إذا قطع كل واحد منهم من جانب، أو قطع أحدهم بعد المفصل وأتمه غيره أو ضرب كل واحد ضربة، أو وضعوا منشارا على مفصله ثم مده كل واحد إليه مرة حتى بانت اليد، فلا قصاص فيه؛ لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها. 

وفي مذهب مالك أنه إذا تعدد العضو المجني عليه بأن قلع واحد عينه، وواحد قطع رجله وكانا متمالئين على قلع عينه وقطع رجله - تقلع عين كل واحد منهما وتقطع رجله، وإذا اتحد العضو المجني عليه كما إذا تمالأت جماعة على قطع شخص - فإنه يقطع كل واحد، والتمالؤ عند المالكية هو الاتفاق على ارتكاب الجريمة. 

هذا وقد آثرت اللجنة الأخذ برأي الذين قالوا بالقصاص من الجماعة بالواحد کما سبق القول، وهي القاعدة التي التقى عليها الجمهور الأعظم من الفقهاء، ولا وجه للمغايرة بين القصاص في النفس وبين القصاص فيما دون النفس، وما أخذت به اللجنة هو الذي يتفق مع مذهب مالك والشافعي والظاهرة في مذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور. 

حاشية الدسوقي ج (4) ص (245) و(250) و(251)، نهاية المحتاج ج- (7) ص (275)، المغني ج (8) ص (268) وما بعدها). 

كذلك فإن المشروع أخذ في أحكام الاشتراك في جريمة الاعتداء على ما دون النفس، إذا تم هذا الاشتراك بالتسبب لا بالمباشرة - بذات النهج الذي سبق إقراره في صدد أحكام حد السرقة، فنص المشروع في المادة (247) على حكم من مقتضاه أنه إذا لم يكن الاشتراك في الجريمة الموجبة للقصاص اشتراگا بالمباشرة - كما إذا اقتصر الأمر على مجرد التحريض أو الاتفاق أو المساعدة دون ارتكاب الأفعال التنفيذية - فلا قصاص، وإنما يعاقب الشريك بالعقوبة التعزيرية التي تتحدد وفقا لأحكام هذا القانون وبحسب وصف الجريمة فيه. 

وعالج المشروع في المادة (248) حالة الأمر بجريمة اعتداء على ما دون النفس موجبة للقصاص، فنص فيها على أنه إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده (المغني ج (8) ص (350)). 

وهنا نجد الآمر مسئولا، والمأمور ليس أهلاً للمسئولية الجنائية، فلا يؤاخذ بفعله، والمسئولية كلها على الأمر، والحنابلة والمالكية وبعض الشافعية يرون أن الأمر هو الذي يقتص منه، إذ إن غير المسئول کالآلة في يد الآمر، ولا يذهب الدم هدراً (العقوبة ص (548)). 

كما نص المشروع في المادة (249) على أنه لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص، أو المسئولية، أو تخفيفها، أو القصد الجنائي على بقية الجناة. وقد استخلصت أحكام هذه المادة من اتجاهات بعض المذاهب والفقهاء في صدد الفروض التي تندرج تحت حكم هذه المادة وخاصة في جرائم القتل، ومثال ذلك أنه إذا وقعت الجريمة من أب على ابنه واشترك مع الأب غيره - فإن امتناع القصاص بالنسبة إلى الأب لا يؤثر على وجوب القصاص من شريكه إذا توافرت شروط القصاص، وكذلك الشأن بالنسبة إلى اشتراك المكلف مع غير المكلف.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس  ، الصفحة / 195

إِعَانَةٌ

التَّعْرِيفُ:

الإْعَانَةُ لُغَةً: مِنَ الْعَوْنِ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الأَْمْرِ.

يُقَالُ: أَعَنْتُهُ إِعَانَةً، وَاسْتَعَنْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فَأَعَانَنِي. كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ مِعْوَانٌ، وَهُوَ الْحَسَنُ الْمَعُونَةِ، وَكَثِيرُ الْمَعُونَةِ لِلنَّاسِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الإْغَاثَةُ:

- الإْغَاثَةُ: هِيَ الإْعَانَةُ وَالنُّصْرَةُ فِي حَالِ شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.

أَمَّا الإْعَانَةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.

الاِسْتِعَانَةُ: هِيَ طَلَبُ الْعَوْنِ. يُقَالُ: اسْتَعَنْتُ بِفُلاَنٍ فَأَعَانَنِي وَعَاوَنَنِي وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ».

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإْعَانَةِ بِحَسَبِ أَحْوَالِهَا، فَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُبَاحَةً أَوْ مَكْرُوهَةً أَوْ مُحَرَّمَةً.

الإْعَانَةُ الْوَاجِبَةُ:

أ - إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ:

 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ إِعَانَةِ الْمُضْطَرِّ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِإِعْطَائِهِ مَا يَحْفَظُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَكَذَلِكَ بِإِنْقَاذِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُعَرِّضُهُ لِلْهَلاَكِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَتِ الإْعَانَةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا عَيْنِيًّا، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا كِفَائِيًّا عَلَى الْقَادِرِينَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِلاَّ أَثِمُوا جَمِيعًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُمْ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. ؟،

وَمِثْلُ ذَلِكَ إِعَانَةُ الأْعْمَى إِذَا تَعَرَّضَ لِهَلاَكٍ، وَإِعَانَةُ الصَّغِيرِ لإِنْقَاذِهِ مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهِ.

ب - الإْعَانَةُ لإِنْقَاذِ الْمَالِ:

تَجِبُ الإْعَانَةُ لِتَخْلِيصِ مَالِ الْغَيْرِ مِنَ الضَّيَاعِ قَلِيلاً كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا، حَتَّى أَنَّهُ تُقْطَعُ الصَّلاَةُ لِذَلِكَ. وَفِي بِنَاءِ الْمُصَلِّي عَلَى صَلاَتِهِ أَوِ اسْتِئْنَافِهَا خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُبْطِلاَتِ الصَّلاَةِ.

ج - الإْعَانَةُ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ:

يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُسْلِمِينَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ عَنْهُمْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَىالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإْثْمِ وَالْعُدْوَانِ ). وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمْهُ وَلاَ يُسْلِمْهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ». وَكُلَّمَا كَانَ هُنَاكَ رَابِطَةُ قَرَابَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ كَانَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمْ أَوْجَبَ. (ر: عَاقِلَةٌ).

د - إِعَانَةُ الْبَهَائِمِ:

صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ إِعَانَةِ الْبَهَائِمِ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عَلَفٍ وَإِقَامَةٍ وَرِعَايَةٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما  أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأْرْضِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ وَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟، فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».

الإْعَانَةُ الْمَنْدُوبَةُ:

وَتَكُونُ الإْعَانَةُ مَنْدُوبَةً إِذَا كَانَتْ فِي خَيْرٍ لَمْ يَجِبْ.

الإْعَانَةُ الْمَكْرُوهَةُ

: - الإْعَانَةُ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً، مِثْلُ الإْعَانَةِ  عَلَى الإْسْرَافِ  فِي الْمَاءِ، أَوِ الاِسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمٍ، أَوْ عَلَى الإْسْرَافِ  فِي الْمُبَاحِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فَوْقَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا. مِثْلُ إِعْطَاءِ السَّفِيهِ الْمَالَ الْكَثِيرَ، وَإِعْطَاءِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الرَّاشِدِ مَا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.

الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ:

- تَأْخُذُ الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ حُكْمَهُ، مِثْلُ الإْعَانَةِ  عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِعَانَةِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  يَقُولُ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْتَقِيَهَا».

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - فِي إِعَانَةِ الظَّالِمِ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ».

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما  «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَهُوَ يَنْزِعُ مِنْهَا بِذَنَبِهِ». وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».

 وَحَدِيثُ «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ».

إِعَانَةُ الْكَافِرِ:

أ - الإْعَانَةُ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ:

يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ لِلْكَافِرِ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (صَدَقَةٌ).

ب - الإْعَانَةُ بِالنَّفَقَةِ:

صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ - مَعَ اخْتِلاَفِ الَّذِي - لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلاَدِ أَعْلَى وَأَسْفَلَ، لإِطْلاَقِ النُّصُوصِ، وَلأِنَّ  نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الاِحْتِبَاسِ، وَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينِ.

وَأَمَّا قَرَابَةُ الْوِلاَدِ فَلِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، إِذِ الْجُزْئِيَّةُ فِي مَعْنَى النَّفْسِ، وَنَفَقَةُ النَّفْسِ تَجِبُ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا الْجُزْءُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ).

ج - الإْعَانَةُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:

- يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ بِبَذْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْصُومًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا، فَإِنِ امْتَنَعَ مَنْ لَهُ فَضْلُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ - وَلَوْ كَافِرًا - جَازَ لَهُ قِتَالُهُ بِالسِّلاَحِ أَوْ بِغَيْرِ السِّلاَحِ. عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (اضْطِرَارٌ).

آثَارُ الإْعَانَةِ :

يَتَرَتَّبُ عَلَى الإْعَانَةِ  آثَارٌ مِنْهَا:

أ - الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ :

- الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ  إِمَّا أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ مِنْهَا، وَإِمَّا دُنْيَوِيٌّ. فَإِنَّ الإْعَانَةَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا أَجْرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِرًّا لِلْوَالِدَيْنِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، أَمْ لِلنَّاسِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْمُحْتَاجِ بِالْقَرْضِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَالَةِ.

وَقَدْ يَأْخُذُ الْمُعِينُ أَجْرًا عَلَى بَعْضِ الأْعْمَالِ الَّتِي يُؤَدِّي فِيهَا فِعْلاً مُعَيَّنًا مِثْلُ الْوَكَالَةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى تِلْكَ الأْبْوَابِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِي مُصْطَلَحَاتِهَا.

ب - الْعِقَابُ عَلَى الإْعَانَةِ :

لَمْ يَذْكُرِ الْعُلَمَاءُ عُقُوبَاتٍ مُعَيَّنَةً لِلإْعَانَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِالتَّعْزِيرِ عَلَى الذُّنُوبِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْحُدُودُ لأِنَّ  دَرْءَ الْمُفْسِدِينَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْعُقُولِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ دَرْءُ الْفَسَادِ بِرَدْعِ الْمُفْسِدِينَ وَمَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَعْزِيرِهِمْ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ تِلْكَ الإْعَانَةِ  الْمُحَرَّمَةِ.

أَمَّا عَنِ الإْثْمِ الأْخْرَوِيِّ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الإْعَانَةِ  فِي الْحَرَامِ، فَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما  أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه: «أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ. قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لاَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلاَ يَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ. يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: النَّاسُ غَادِيَانِ، فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا».

- نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُعِينَ عَلَى الْجَرِيمَةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الأْصِيلِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ، كَالرَّبِيئَةِ، وَمُقَدِّمِ السِّلاَحِ، وَالْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ، وَالرِّدْءِ وَنَحْوِهِمْ. وَيُرْجَعُ إِلَى ذَلِكَ فِي مَبَاحِثِ الْجِنَايَاتِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِهَا.

ج - الضَّمَانُ:

- مَنْ تَرَكَ الإْعَانَةَ الْوَاجِبَةَ قَدْ يَلْحَقُهُ الضَّمَانُ. قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا تَرَكَ إِنْسَانٌ إِعَانَةَ مُضْطَرٍّ فَمَنَعَ عَنْهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ قَصَدَهُ فَعَمْدٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، بِجَوَازِ قِتَالِ الْمَانِعِينَ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ - غَيْرِ الْمَحُوزِ - عَنِ الْمُضْطَرِّينَ لَهُ وَالْمُشْرِفِينَ عَلَى الْهَلاَكِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه. فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْمَاءِ، لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِالسِّلاَحِ عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ فِي هَلاَكِ الْعَطْشَانِ وَالْجَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُهُمْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (ر: صِيَالٌ).

وَمَنْ رَأَى خَطَرًا مُحْدِقًا بِإِنْسَانٍ، أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْقَاذِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ الَّذِينَ رَبَطُوا الضَّمَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ.

كَمَا يَضْمَنُ، حَامِلُ الْحَطَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَرَكَ تَنْبِيهَ الأَْعْمَى وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُ أَوْ لِثِيَابِهِ.

هَذَا وَقَدْ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي بَعْضِ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ مِثْلُ الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ، فَيَضْمَنُ عِنْدَ عَجْزِ الْمَكْفُولِ الْمَدِينِ.

وَفِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ التَّفْرِيطِ أَوِ التَّعَدِّي وَهِيَ مِنَ الإِْعَانَاتِ. ر: (كَفَالَةٌ، وَكَالَةٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السابع عشر ، الصفحة /  158

حُكْمُ الرِّدْءِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرِّدْءِ أَيْ الْمُعِينِ لِلْقَاطِعِ بِجَاهِهِ أَوْ بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ أَوْ بِتَقْدِيمِ أَيِّ عَوْنٍ لَهُمْ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْقَطْعَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ، لأِنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِالْكُلِّ، وَلأِنَّ مِنْ عَادَةِ الْقُطَّاعِ أَنْ يُبَاشِرَ الْبَعْضُ، وَيَدْفَعَ عَنْهُمُ الْبَعْضُ الآْخَرُ، فَلَوْ لَمْ يُلْحَقِ الرِّدْءُ بِالْمُبَاشِرِ

فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى انْفِتَاحِ بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُحَدُّ الرِّدْءُ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ كَسَائِرِ الْجَرَائِمِ الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة / 91 

حُكْمُ الرَّبِيئَةِ فِي الْقِصَاصِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْوَاحِدِ إِذَا اشْتَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْفِعْلِ الْمُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ جَمِيعًا إِذَا تَحَقَّقَتْ سَائِرُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص).

وَإِذَا كَانَ مَعَهُمْ رَبِيئَةٌ وَلَمْ يَشْتَرِكْ مَعَهُمْ فِي الْفِعْلِ الْمُفْضِي لِلْمَوْتِ وَلَمْ يُبَاشِرْهُ فَالْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَّفِقًا مَعَهُمْ فِي قَصْدِ الْقَتْلِ أَمْ لاَ؛ لأِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ فِي الْقِصَاصِ الْمُبَاشَرَةَ مِنَ الْكُلِّ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُقْتَصُّ مِنْهُ إِذَا كَانَ مُتَمَالِئًا مَعَهُمْ، بِأَنْ قَصَدَ الْجَمِيعُ الْقَتْلَ وَحَضَرُوا وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ إِلاَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوِ اسْتُعِينَ بِهِ أَعَانَهُ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ فِي الرِّدْءِ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 329

الاِشْتِرَاكُ فِي الأْخْذِ:

يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ فِي مَسَائِلِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ بَيْنَ الشَّرِيكِ الْمُبَاشِرِ وَالشَّرِيكِ بِالتَّسَبُّبِ فَأَمَّا الشَّرِيكُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ أَحَدَ الأْفْعَالِ الَّتِي تُكَوِّنُ الأْخْذَ التَّامَّ، وَهِيَ: إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِرْزِهِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ.

وَأَمَّا الشَّرِيكُ بِالتَّسَبُّبِ فَهُوَ الَّذِي لاَ يُبَاشِرُ أَحَدَ هَذِهِ الأْفْعَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلأْخْذِ الْمُتَكَامِلِ، وَإِنَّمَا تَقْتَصِرُ فِعْلُهُ عَلَى مَدِّ يَدِ الْعَوْنِ لِلسَّارِقِ، بِأَنْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقَاتِ، أَوْ بِأَنْ يَقِفَ خَارِجَ الْحِرْزِ لِيَمْنَعَ اسْتِغَاثَةَ الْجِيرَانِ، أَوْ لِيَنْقُلَ الْمَسْرُوقَاتِ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَهَا السَّارِقُ مِنَ الْحِرْزِ.

وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ، أَمَّا الْمُتَسَبِّبُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ.

وَيَبْدُو مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ فِي الاِشْتِرَاكِ: أَنَّهُمْ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْمُعَيَّنِ فَيَعْتَبِرُونَ الشَّرِيكَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مَعَ غَيْرِهِ بِعَمَلٍ مِنَ الأْعْمَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلسَّرِقَةِ، وَخَاصَّةً: هَتْكُ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَهُوَ مَنْ يُسَاعِدُ السَّارِقَ، فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ فِي خَارِجِهِ، وَلَكِنْ عَمَلُهُ لاَ يَصِلُ إِلَى دَرَجَةٍ يُمْكِنُ مَعَهَا نِسْبَةُ السَّرِقَةِ إِلَيْهِ .

وَكَانَ هَذَا أَسَاسَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي تَطْبِيقِ الْحَدِّ عَلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:

1 - الْحَنَفِيَّةُ:

- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ، كَأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ قَامَ بِعَمَلٍ مَعْنَوِيٍّ، كَأَنْ وَقَفَ لِلْمُرَاقَبَةِ أَوْ لِلإْشْرَافِ عَلَى نَقْلِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْجَمِيعِ إِذَا بَلَغَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصَابًا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ لاَ تَكْفِي لِيُصِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابًا، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ، بَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى التَّعْزِيرِ. وَيَنْطَبِقُ نَفْسُ الْحُكْمِ عَلَى الشُّرَكَاءِ إِذَا أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَعْضُ الآْخَرُ مَا قِيمَتُهُ دُونَ النِّصَابِ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ مَا يَكْفِي لأَنْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ، قُطِعُوا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا، قُطِعَ مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا، وَعُزِّرَ الآْخَرُونَ.

أَمَّا إِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَبَقِيَ الآْخَرُ خَارِجَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ مَنْ بِالدَّاخِلِ يَدَهُ بِالْمَسْرُوقِ إِلَى خَارِجِ الْحِرْزِ فَتَنَاوَلَهَا شَرِيكُهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ الأَْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ، لأِنَّهُ أَخْرَجَ الْمَسْرُوقَ مِنَ الْحِرْزِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي حِيَازَةِ نَفْسِهِ، بَلْ فِي حِيَازَةِ الْخَارِجِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَيَرَى كَذَلِكَ أَنَّ الأْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَارِجِ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ لاَ مِنْ حِرْزِهِ وَلاَ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الأْخْذَ تَامٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ دُونَ الْخَارِجِ؛ لأِنَّ  الْمَسْرُوقَ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، حَيْثُ أَقَامَ شَرِيكَهُ الْخَارِجَ مَقَامَهُ عِنْدَمَا سَلَّمَهُ الْمَسْرُوقَ. وَتَفْصِيلُ الْحُكْمِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يُمْكِنُ حُدُوثُهَا يُبْنَى عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَتْكِ الْمُتَكَامِلِ وَمَسْأَلَةِ «الْيَدِ الْمُعْتَرِضَةِ» الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهُمَا. فِي ف 43، 47.

2 - الْمَالِكِيَّةُ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ إِذَا قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، سَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ وَهُوَ فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ حَدَثَتْ وَهُوَ فِي خَارِجِ الْحِرْزِ، بِأَنْ مَدَّ يَدَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ وَأَخَذَ الْمَسْرُوقَ مِنْ يَدِ زَمِيلِهِ الَّذِي فِي الدَّاخِلِ، بِحَيْثُ تُصَاحِبُ فِعْلاَهُمَا فِي حَالِ الإْخْرَاجِ، أَوْ بِأَنْ يَرْبِطَ الدَّاخِلُ الْمَسْرُوقَ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ فَيَجُرُّهُ الْخَارِجُ، بِحَيْثُ لاَ يُعْتَبَرُ الدَّاخِلُ مُسْتَقِلًّا بِالإْخْرَاجِ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الإْعَانَةُ بِأَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ كَأَنْ يَدْخُلَ الْحِرْزَ أَوْ يَبْقَى خَارِجَهُ لِيَحْمِيَ السَّارِقَ أَوْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، بَلْ يُعَزَّرُ.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ لَمْ يَخْرُجْ إِلاَّ بِعَمَلٍ جَمَاعِيٍّ، وَجَبَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مَنْ شَارَكَ فِي هَذَا الْعَمَلِ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، سَوَاءٌ بَاشَرَ السَّرِقَةَ، بِأَنْ تَعَاوَنَ مَعَ زَمِيلِهِ فِي حَمْلِ الْمَسْرُوقِ حَتَّى خَرَجَا بِهِ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ لَمْ يُبَاشِرِ السَّرِقَةَ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ صَاحِبِهِ فَخَرَجَ بِهِ وَحْدَهُ، مَا دَامَ كُلُّ وَاحِدٍ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ تَعَاوُنٌ بِأَنِ اسْتَقَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلاً، وَذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورِ التَّعَاوُنِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِِثْبَاتِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ.

3 - الشَّافِعِيَّةُ:

- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ لاَ تُطْلَقُ إِلاَّ عَلَى مَنْ قَامَ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ مَعَ غَيْرِهِ، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، كَأَنْ يَتَعَاوَنَ السَّارِقُونَ فِي حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَيُخْرِجُونَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا وَيَخْرُجَ بِهِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْطَبِقُ وَصْفُ السَّارِقِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ أَثَرُ الاِشْتِرَاكِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا إِذَا خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ مِنْ قِيمَةِ مَا أَخْرَجُوهُ، دُونَ نَظَرٍ إِلَى قِيمَةِ مَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ. أَمَّا إِذَا كَانَ كُلُّ سَارِقٍ يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِهِ وَقَصْدِهِ عَنِ الآْخَرِينَ، فَلاَ اشْتَرَاكَ بَيْنَهُمْ، وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ نِصَابًا كَامِلاً، وَيُعَزَّرُ الآْخَرُونَ.

وَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ، سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنْ دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ مِنْ خَارِجِهِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ، بَلْ يُعَزَّرُ.

4 - الْحَنَابِلَةُ:

- يَرَى الْحَنَابِلَةُ إِطْلاَقَ صِفَةِ الشَّرِيكِ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، قَامَ بِهِ وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ أَوْ كَانَ خَارِجَهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى كُلِّ مَنِ اشْتَرَكَ فِي السَّرِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الاِشْتِرَاكُ فِي الإْخْرَاجِ، أَوْ كَانَ بِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ وَإِعَانَةِ الْبَعْضِ الآْخَرِ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنَ الدَّاخِلِ أَوْ مِنَ الْخَارِجِ، بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ كَالإْعَانَةِ عَلَى حَمْلِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ بِفِعْلٍ مَعْنَوِيٍّ كَالإْرْشَادِ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِعَمَلٍ مَا، كَمَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ مَعَ السَّارِقِ لِتَنْبِيهِهِ إِذَا انْكَشَفَ أَمْرُهُ. لأِنَّ  فِعْلَ السَّرِقَةِ يُضَافُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 35  .

 

(مادة 26) 

يكون شريكاً في الجريمة:

 1- من حرض على ارتكابها، فوقعت بناء على هذا التحريض. 

2- من اتفق مع غيره على ارتكابها، فوقعت بناء على هذا الاتفاق. 

3- من ساعد الفاعل بأية طريقة في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها مع علمه بالجريمة، فوقعت بناء على هذه المساعدة. 

وقد نصت المادة (26) على من يكون شريكاً للجريمة بما يتفق مع المادة (40) من القانون الحالي، وتحديد حالات الاشتراك على هذا النحو لا يتعارض مع أحكام الشريعة، فقد تكلم الفقهاء عن المحرض على الجريمة، وعن عمن يساعد المباشر بتقديم السلاح، أو الإرشاد عن المسروقات، أو إمساك المجني عليه في جريمة القتل يراجع (بدائع الصنائع جـ (19)، ص (4174)، ج (10) ص (4616) مذاهب جـ (6)، ص (242). 

وقد تكلم فقهاء الشريعة عن الاتفاق كوسيلة من وسائل المساهمة في الجريمة، ويبدو من أقوالهم أنه لا عبرة بانعقاد الإرادة وحدها على ارتكاب الجريمة إذا لم يصطحب به حضور على مسرح الجريمة أو عون لمرتكبها، فقد جاء في الموافقات: لو تمنى رجل أن يقتل آخر أو يسرقه ولم يفعل، فلا عقاب عليه في الدنيا. (الموافقات، جـ (2)/ ص (173)). أما إذا تحالفوا جميعاً على قتله وحضروا جميعاً وضربوه أو ضربه واحد منهم، يقتص منهم: (المرجع السابق ص (356)). ويلاحظ أن التمالؤ عند الإمام أبي حنيفة يعبر عن التوافق في القانون، أي توافق إرادة الجناة وقت وقوع الجريمة، بينما يرى الإمام مالك أن التمالؤ هو الاتفاق السابق، أما التحريض فقد عبر عنه فقهاء المسلمين بالإغراء، وكذلك بعبارة الأمر من غير السلطان، ويقصد به التحريض العادي وهو بعث فكرة الجريمة وتزيينها لدى من يرتكبها، ويؤخذ من مجموع آراء الفقهاء أن المحرض مساهم ويستحق عقوبة التعزير وإن أجاز البعض القصاص منه. (يراجع الفتاوى الكبرى، ج (4) ص (224). بداية المجتهد ج (2)/ ص (396)، المغني جـ (7)/ ص (757)). 

تعدد الجناة 

مادة (246): 

1- إذا تعدد الجناة في جريمة موجبة للقصاص فللمجني عليه الحق في طلب القصاص منهم متى توافرت شرائطه في حق كل منهم، كما له الحق في العفو عنهم أو عن بعضهم على دية أو بدونها. 

2- فإذا عفا عنهم على الدية قسمت عليهم بالتساوي، وإن عفا عن بعضهم فعلى 

المعفو عنه قسطه من الدية. 

مادة (247): إذا لم يكن الاشتراك بالمباشرة في الجريمة الموجبة للقصاص - يكتفى 

بتوقيع العقوبة التعزيرية على الشريك وفقا لأحكام الاشتراك المقررة في هذا القانون. 

مادة (248): إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده . 

مادة (249): لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص أو 

المسئولية أو تخفيفها أو القصد الجنائي على بقية الجناة. 

الإيضاح 

انتهج المشروع في أحكام تعدد الجناة ذات الأسس التي سبق إقرارها في باب الجناية على النفس، إذ إن القصاص فيها دون النفس يقوم - في أغلب أحكامه الأساسية - على ذات الأحكام التي يقوم عليها القصاص في النفس، فالمادة (246) تناولت أحكام تعدد الجناة في جريمة الاعتداء على ما دون النفس الموجبة للقصاص، وهذا التعدد هو من قبيل ما يطلق عليه تعدد الفاعلين المنصوص عليه في المادة (26) من هذا القانون ويعبر عنه في الشريعة الإسلامية عادة «بالاشتراك بالمباشرة»، وقد أخذ المشروع بالرأي القائل بالقصاص من الجماعة بالواحد، وذلك متى توافرت شروط القصاص بالنسبة إلى كل منهم، على غرار ما تم الأخذ به في مشروع الجناية على النفس، نزولا على قاعدة: «قتل الجماعة بالواحدة؛ لأن كل جناية على ما دون النفس وجب بها القصاص على الواحد وجب - بها على الجماعة کالنفس (نهاية المحتاج ج (7) ص (249) وما بعدها، المغني جـ (8) ص (271))، وغني عن البيان أن تعدد الفاعلين في ارتكاب الجريمة يقتضي بطبيعته الاتفاق عليها، وهو ما يعرف في الشريعة الإسلامية بالتمالؤ» وخاصة بمفهومه عند المالكية. هذا ويلاحظ أن المذهب الحنفي وإن أخذ بقاعدة قتل الجماعة بالواحد (بدائع الصنائع ج (7) ص (238))، إلا أنه لم يأخذ بالقاعدة المقابلة لها في جرائم الاعتداء على ما دون النفس وهي القصاص من الجماعة بالواحد؛ إذ يرى الأحناف أن المماثلة فيها دون النفس معتبرة، ولا مماثلة بين طرف وأطراف ومن ثم يمتنع - فيها دون النفس - القصاص من الجماعة بالواحد، وإنما يجب الأرش (المرجع السابق ص (299)، على أن الذين رأوا القصاص من الجماعة بالواحد فيما دون النفس، استندوا إلى أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده، ثم جاءا بآخر فقالا: هذا هو السارق وأخطأنا في الأول. فرد شهادتها على الثاني، وغرمها دية الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما. فأخبر بذلك أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة، ولأنه أحد نوعي القصاص (أي القصاص في النفس والقصاص فيها دون النفس)، فتؤخذ الجماعة بالواحد کالأنفس. ولذلك وجب القصاص على المشتركين في الظرف على وجه لا يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر كأن يشهدوا عليه عمدا بغير حق با یوجب قطعه فيقطع، ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا إنساناً على قطع طرف، أو يلقوا صخرة على طرف إنسان فتقطعه، أو يقطعوا أيد أو يقلعوا علينا بضربة واحدة، أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا عليها جميعا، أو يمدوها فتبين اليد، بخلاف ما إذا قطع كل واحد منهم من جانب، أو قطع أحدهم بعد المفصل وأتمه غيره أو ضرب كل واحد ضربة، أو وضعوا منشارا على مفصله ثم مده كل واحد إليه مرة حتى بانت اليد، فلا قصاص فيه؛ لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها. 

وفي مذهب مالك أنه إذا تعدد العضو المجني عليه بأن قلع واحد عينه، وواحد قطع رجله وكانا متمالئين على قلع عينه وقطع رجله - تقلع عين كل واحد منهما وتقطع رجله، وإذا اتحد العضو المجني عليه كما إذا تمالأت جماعة على قطع شخص - فإنه يقطع كل واحد، والتمالؤ عند المالكية هو الاتفاق على ارتكاب الجريمة. 

هذا وقد آثرت اللجنة الأخذ برأي الذين قالوا بالقصاص من الجماعة بالواحد کما سبق القول، وهي القاعدة التي التقى عليها الجمهور الأعظم من الفقهاء، ولا وجه للمغايرة بين القصاص في النفس وبين القصاص فيما دون النفس، وما أخذت به اللجنة هو الذي يتفق مع مذهب مالك والشافعي والظاهرة في مذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور. 

حاشية الدسوقي ج (4) ص (245) و(250) و(251)، نهاية المحتاج ج- (7) ص (275)، المغني ج (8) ص (268) وما بعدها). 

كذلك فإن المشروع أخذ في أحكام الاشتراك في جريمة الاعتداء على ما دون النفس، إذا تم هذا الاشتراك بالتسبب لا بالمباشرة - بذات النهج الذي سبق إقراره في صدد أحكام حد السرقة، فنص المشروع في المادة (247) على حكم من مقتضاه أنه إذا لم يكن الاشتراك في الجريمة الموجبة للقصاص اشتراگا بالمباشرة - كما إذا اقتصر الأمر على مجرد التحريض أو الاتفاق أو المساعدة دون ارتكاب الأفعال التنفيذية - فلا قصاص، وإنما يعاقب الشريك بالعقوبة التعزيرية التي تتحدد وفقا لأحكام هذا القانون وبحسب وصف الجريمة فيه. 

وعالج المشروع في المادة (248) حالة الأمر بجريمة اعتداء على ما دون النفس موجبة للقصاص، فنص فيها على أنه إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده (المغني ج (8) ص (350)). 

وهنا نجد الآمر مسئولا، والمأمور ليس أهلاً للمسئولية الجنائية، فلا يؤاخذ بفعله، والمسئولية كلها على الأمر، والحنابلة والمالكية وبعض الشافعية يرون أن الأمر هو الذي يقتص منه، إذ إن غير المسئول کالآلة في يد الآمر، ولا يذهب الدم هدراً (العقوبة ص (548)). 

كما نص المشروع في المادة (249) على أنه لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص، أو المسئولية، أو تخفيفها، أو القصد الجنائي على بقية الجناة. وقد استخلصت أحكام هذه المادة من اتجاهات بعض المذاهب والفقهاء في صدد الفروض التي تندرج تحت حكم هذه المادة وخاصة في جرائم القتل، ومثال ذلك أنه إذا وقعت الجريمة من أب على ابنه واشترك مع الأب غيره - فإن امتناع القصاص بالنسبة إلى الأب لا يؤثر على وجوب القصاص من شريكه إذا توافرت شروط القصاص، وكذلك الشأن بالنسبة إلى اشتراك المكلف مع غير المكلف. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس  ، الصفحة / 195

إِعَانَةٌ

التَّعْرِيفُ:

الإْعَانَةُ لُغَةً: مِنَ الْعَوْنِ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الأَْمْرِ.

يُقَالُ: أَعَنْتُهُ إِعَانَةً، وَاسْتَعَنْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فَأَعَانَنِي. كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ مِعْوَانٌ، وَهُوَ الْحَسَنُ الْمَعُونَةِ، وَكَثِيرُ الْمَعُونَةِ لِلنَّاسِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الإْغَاثَةُ:

- الإْغَاثَةُ: هِيَ الإْعَانَةُ وَالنُّصْرَةُ فِي حَالِ شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.

أَمَّا الإْعَانَةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.

الاِسْتِعَانَةُ: هِيَ طَلَبُ الْعَوْنِ. يُقَالُ: اسْتَعَنْتُ بِفُلاَنٍ فَأَعَانَنِي وَعَاوَنَنِي وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ».

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإْعَانَةِ بِحَسَبِ أَحْوَالِهَا، فَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُبَاحَةً أَوْ مَكْرُوهَةً أَوْ مُحَرَّمَةً.

الإْعَانَةُ الْوَاجِبَةُ:

أ - إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ:

 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ إِعَانَةِ الْمُضْطَرِّ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِإِعْطَائِهِ مَا يَحْفَظُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَكَذَلِكَ بِإِنْقَاذِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُعَرِّضُهُ لِلْهَلاَكِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَتِ الإْعَانَةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا عَيْنِيًّا، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا كِفَائِيًّا عَلَى الْقَادِرِينَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِلاَّ أَثِمُوا جَمِيعًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُمْ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. ؟،

وَمِثْلُ ذَلِكَ إِعَانَةُ الأْعْمَى إِذَا تَعَرَّضَ لِهَلاَكٍ، وَإِعَانَةُ الصَّغِيرِ لإِنْقَاذِهِ مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهِ.

ب - الإْعَانَةُ لإِنْقَاذِ الْمَالِ:

تَجِبُ الإْعَانَةُ لِتَخْلِيصِ مَالِ الْغَيْرِ مِنَ الضَّيَاعِ قَلِيلاً كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا، حَتَّى أَنَّهُ تُقْطَعُ الصَّلاَةُ لِذَلِكَ. وَفِي بِنَاءِ الْمُصَلِّي عَلَى صَلاَتِهِ أَوِ اسْتِئْنَافِهَا خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُبْطِلاَتِ الصَّلاَةِ.

ج - الإْعَانَةُ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ:

يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُسْلِمِينَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ عَنْهُمْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَىالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإْثْمِ وَالْعُدْوَانِ ). وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمْهُ وَلاَ يُسْلِمْهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ». وَكُلَّمَا كَانَ هُنَاكَ رَابِطَةُ قَرَابَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ كَانَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمْ أَوْجَبَ. (ر: عَاقِلَةٌ).

د - إِعَانَةُ الْبَهَائِمِ:

صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ إِعَانَةِ الْبَهَائِمِ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عَلَفٍ وَإِقَامَةٍ وَرِعَايَةٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما  أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأْرْضِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ وَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟، فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».

الإْعَانَةُ الْمَنْدُوبَةُ:

وَتَكُونُ الإْعَانَةُ مَنْدُوبَةً إِذَا كَانَتْ فِي خَيْرٍ لَمْ يَجِبْ.

الإْعَانَةُ الْمَكْرُوهَةُ

: - الإْعَانَةُ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً، مِثْلُ الإْعَانَةِ  عَلَى الإْسْرَافِ  فِي الْمَاءِ، أَوِ الاِسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمٍ، أَوْ عَلَى الإْسْرَافِ  فِي الْمُبَاحِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فَوْقَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا. مِثْلُ إِعْطَاءِ السَّفِيهِ الْمَالَ الْكَثِيرَ، وَإِعْطَاءِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الرَّاشِدِ مَا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.

الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ:

- تَأْخُذُ الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ حُكْمَهُ، مِثْلُ الإْعَانَةِ  عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِعَانَةِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  يَقُولُ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْتَقِيَهَا».

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - فِي إِعَانَةِ الظَّالِمِ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ».

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما  «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَهُوَ يَنْزِعُ مِنْهَا بِذَنَبِهِ». وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».

 وَحَدِيثُ «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ».

إِعَانَةُ الْكَافِرِ:

أ - الإْعَانَةُ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ:

يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ لِلْكَافِرِ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (صَدَقَةٌ).

ب - الإْعَانَةُ بِالنَّفَقَةِ:

صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ - مَعَ اخْتِلاَفِ الَّذِي - لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلاَدِ أَعْلَى وَأَسْفَلَ، لإِطْلاَقِ النُّصُوصِ، وَلأِنَّ  نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الاِحْتِبَاسِ، وَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينِ.

وَأَمَّا قَرَابَةُ الْوِلاَدِ فَلِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، إِذِ الْجُزْئِيَّةُ فِي مَعْنَى النَّفْسِ، وَنَفَقَةُ النَّفْسِ تَجِبُ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا الْجُزْءُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ).

ج - الإْعَانَةُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:

- يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ بِبَذْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْصُومًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا، فَإِنِ امْتَنَعَ مَنْ لَهُ فَضْلُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ - وَلَوْ كَافِرًا - جَازَ لَهُ قِتَالُهُ بِالسِّلاَحِ أَوْ بِغَيْرِ السِّلاَحِ. عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (اضْطِرَارٌ).

آثَارُ الإْعَانَةِ :

يَتَرَتَّبُ عَلَى الإْعَانَةِ  آثَارٌ مِنْهَا:

أ - الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ :

- الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ  إِمَّا أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ مِنْهَا، وَإِمَّا دُنْيَوِيٌّ. فَإِنَّ الإْعَانَةَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا أَجْرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِرًّا لِلْوَالِدَيْنِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، أَمْ لِلنَّاسِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْمُحْتَاجِ بِالْقَرْضِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَالَةِ.

وَقَدْ يَأْخُذُ الْمُعِينُ أَجْرًا عَلَى بَعْضِ الأْعْمَالِ الَّتِي يُؤَدِّي فِيهَا فِعْلاً مُعَيَّنًا مِثْلُ الْوَكَالَةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى تِلْكَ الأْبْوَابِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِي مُصْطَلَحَاتِهَا.

ب - الْعِقَابُ عَلَى الإْعَانَةِ :

لَمْ يَذْكُرِ الْعُلَمَاءُ عُقُوبَاتٍ مُعَيَّنَةً لِلإْعَانَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِالتَّعْزِيرِ عَلَى الذُّنُوبِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْحُدُودُ لأِنَّ  دَرْءَ الْمُفْسِدِينَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْعُقُولِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ دَرْءُ الْفَسَادِ بِرَدْعِ الْمُفْسِدِينَ وَمَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَعْزِيرِهِمْ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ تِلْكَ الإْعَانَةِ  الْمُحَرَّمَةِ.

أَمَّا عَنِ الإْثْمِ الأْخْرَوِيِّ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الإْعَانَةِ  فِي الْحَرَامِ، فَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما  أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه: «أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ. قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لاَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلاَ يَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ. يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: النَّاسُ غَادِيَانِ، فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا».

- نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُعِينَ عَلَى الْجَرِيمَةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الأْصِيلِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ، كَالرَّبِيئَةِ، وَمُقَدِّمِ السِّلاَحِ، وَالْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ، وَالرِّدْءِ وَنَحْوِهِمْ. وَيُرْجَعُ إِلَى ذَلِكَ فِي مَبَاحِثِ الْجِنَايَاتِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِهَا.

ج - الضَّمَانُ:

- مَنْ تَرَكَ الإْعَانَةَ الْوَاجِبَةَ قَدْ يَلْحَقُهُ الضَّمَانُ. قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا تَرَكَ إِنْسَانٌ إِعَانَةَ مُضْطَرٍّ فَمَنَعَ عَنْهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ قَصَدَهُ فَعَمْدٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، بِجَوَازِ قِتَالِ الْمَانِعِينَ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ - غَيْرِ الْمَحُوزِ - عَنِ الْمُضْطَرِّينَ لَهُ وَالْمُشْرِفِينَ عَلَى الْهَلاَكِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه. فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْمَاءِ، لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِالسِّلاَحِ عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ فِي هَلاَكِ الْعَطْشَانِ وَالْجَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُهُمْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (ر: صِيَالٌ).

وَمَنْ رَأَى خَطَرًا مُحْدِقًا بِإِنْسَانٍ، أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْقَاذِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ الَّذِينَ رَبَطُوا الضَّمَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ.

كَمَا يَضْمَنُ، حَامِلُ الْحَطَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَرَكَ تَنْبِيهَ الأَْعْمَى وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُ أَوْ لِثِيَابِهِ.

هَذَا وَقَدْ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي بَعْضِ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ مِثْلُ الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ، فَيَضْمَنُ عِنْدَ عَجْزِ الْمَكْفُولِ الْمَدِينِ.

وَفِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ التَّفْرِيطِ أَوِ التَّعَدِّي وَهِيَ مِنَ الإِْعَانَاتِ. ر: (كَفَالَةٌ، وَكَالَةٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السابع عشر ، الصفحة /  158

حُكْمُ الرِّدْءِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرِّدْءِ أَيْ الْمُعِينِ لِلْقَاطِعِ بِجَاهِهِ أَوْ بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ أَوْ بِتَقْدِيمِ أَيِّ عَوْنٍ لَهُمْ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْقَطْعَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ، لأِنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِالْكُلِّ، وَلأِنَّ مِنْ عَادَةِ الْقُطَّاعِ أَنْ يُبَاشِرَ الْبَعْضُ، وَيَدْفَعَ عَنْهُمُ الْبَعْضُ الآْخَرُ، فَلَوْ لَمْ يُلْحَقِ الرِّدْءُ بِالْمُبَاشِرِ

فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى انْفِتَاحِ بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُحَدُّ الرِّدْءُ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ كَسَائِرِ الْجَرَائِمِ الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة / 91 

حُكْمُ الرَّبِيئَةِ فِي الْقِصَاصِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْوَاحِدِ إِذَا اشْتَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْفِعْلِ الْمُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ جَمِيعًا إِذَا تَحَقَّقَتْ سَائِرُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص).

وَإِذَا كَانَ مَعَهُمْ رَبِيئَةٌ وَلَمْ يَشْتَرِكْ مَعَهُمْ فِي الْفِعْلِ الْمُفْضِي لِلْمَوْتِ وَلَمْ يُبَاشِرْهُ فَالْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَّفِقًا مَعَهُمْ فِي قَصْدِ الْقَتْلِ أَمْ لاَ؛ لأِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ فِي الْقِصَاصِ الْمُبَاشَرَةَ مِنَ الْكُلِّ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُقْتَصُّ مِنْهُ إِذَا كَانَ مُتَمَالِئًا مَعَهُمْ، بِأَنْ قَصَدَ الْجَمِيعُ الْقَتْلَ وَحَضَرُوا وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ إِلاَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوِ اسْتُعِينَ بِهِ أَعَانَهُ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ فِي الرِّدْءِ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 329

الاِشْتِرَاكُ فِي الأْخْذِ:

يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ فِي مَسَائِلِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ بَيْنَ الشَّرِيكِ الْمُبَاشِرِ وَالشَّرِيكِ بِالتَّسَبُّبِ فَأَمَّا الشَّرِيكُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ أَحَدَ الأْفْعَالِ الَّتِي تُكَوِّنُ الأْخْذَ التَّامَّ، وَهِيَ: إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِرْزِهِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ.

وَأَمَّا الشَّرِيكُ بِالتَّسَبُّبِ فَهُوَ الَّذِي لاَ يُبَاشِرُ أَحَدَ هَذِهِ الأْفْعَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلأْخْذِ الْمُتَكَامِلِ، وَإِنَّمَا تَقْتَصِرُ فِعْلُهُ عَلَى مَدِّ يَدِ الْعَوْنِ لِلسَّارِقِ، بِأَنْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقَاتِ، أَوْ بِأَنْ يَقِفَ خَارِجَ الْحِرْزِ لِيَمْنَعَ اسْتِغَاثَةَ الْجِيرَانِ، أَوْ لِيَنْقُلَ الْمَسْرُوقَاتِ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَهَا السَّارِقُ مِنَ الْحِرْزِ.

وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ، أَمَّا الْمُتَسَبِّبُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ.

وَيَبْدُو مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ فِي الاِشْتِرَاكِ: أَنَّهُمْ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْمُعَيَّنِ فَيَعْتَبِرُونَ الشَّرِيكَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مَعَ غَيْرِهِ بِعَمَلٍ مِنَ الأْعْمَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلسَّرِقَةِ، وَخَاصَّةً: هَتْكُ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَهُوَ مَنْ يُسَاعِدُ السَّارِقَ، فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ فِي خَارِجِهِ، وَلَكِنْ عَمَلُهُ لاَ يَصِلُ إِلَى دَرَجَةٍ يُمْكِنُ مَعَهَا نِسْبَةُ السَّرِقَةِ إِلَيْهِ .

وَكَانَ هَذَا أَسَاسَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي تَطْبِيقِ الْحَدِّ عَلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:

1 - الْحَنَفِيَّةُ:

- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ، كَأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ قَامَ بِعَمَلٍ مَعْنَوِيٍّ، كَأَنْ وَقَفَ لِلْمُرَاقَبَةِ أَوْ لِلإْشْرَافِ عَلَى نَقْلِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْجَمِيعِ إِذَا بَلَغَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصَابًا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ لاَ تَكْفِي لِيُصِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابًا، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ، بَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى التَّعْزِيرِ. وَيَنْطَبِقُ نَفْسُ الْحُكْمِ عَلَى الشُّرَكَاءِ إِذَا أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَعْضُ الآْخَرُ مَا قِيمَتُهُ دُونَ النِّصَابِ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ مَا يَكْفِي لأَنْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ، قُطِعُوا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا، قُطِعَ مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا، وَعُزِّرَ الآْخَرُونَ.

أَمَّا إِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَبَقِيَ الآْخَرُ خَارِجَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ مَنْ بِالدَّاخِلِ يَدَهُ بِالْمَسْرُوقِ إِلَى خَارِجِ الْحِرْزِ فَتَنَاوَلَهَا شَرِيكُهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ الأَْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ، لأِنَّهُ أَخْرَجَ الْمَسْرُوقَ مِنَ الْحِرْزِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي حِيَازَةِ نَفْسِهِ، بَلْ فِي حِيَازَةِ الْخَارِجِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَيَرَى كَذَلِكَ أَنَّ الأْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَارِجِ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ لاَ مِنْ حِرْزِهِ وَلاَ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الأْخْذَ تَامٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ دُونَ الْخَارِجِ؛ لأِنَّ  الْمَسْرُوقَ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، حَيْثُ أَقَامَ شَرِيكَهُ الْخَارِجَ مَقَامَهُ عِنْدَمَا سَلَّمَهُ الْمَسْرُوقَ. وَتَفْصِيلُ الْحُكْمِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يُمْكِنُ حُدُوثُهَا يُبْنَى عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَتْكِ الْمُتَكَامِلِ وَمَسْأَلَةِ «الْيَدِ الْمُعْتَرِضَةِ» الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهُمَا. فِي ف 43، 47.

2 - الْمَالِكِيَّةُ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ إِذَا قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، سَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ وَهُوَ فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ حَدَثَتْ وَهُوَ فِي خَارِجِ الْحِرْزِ، بِأَنْ مَدَّ يَدَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ وَأَخَذَ الْمَسْرُوقَ مِنْ يَدِ زَمِيلِهِ الَّذِي فِي الدَّاخِلِ، بِحَيْثُ تُصَاحِبُ فِعْلاَهُمَا فِي حَالِ الإْخْرَاجِ، أَوْ بِأَنْ يَرْبِطَ الدَّاخِلُ الْمَسْرُوقَ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ فَيَجُرُّهُ الْخَارِجُ، بِحَيْثُ لاَ يُعْتَبَرُ الدَّاخِلُ مُسْتَقِلًّا بِالإْخْرَاجِ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الإْعَانَةُ بِأَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ كَأَنْ يَدْخُلَ الْحِرْزَ أَوْ يَبْقَى خَارِجَهُ لِيَحْمِيَ السَّارِقَ أَوْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، بَلْ يُعَزَّرُ.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ لَمْ يَخْرُجْ إِلاَّ بِعَمَلٍ جَمَاعِيٍّ، وَجَبَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مَنْ شَارَكَ فِي هَذَا الْعَمَلِ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، سَوَاءٌ بَاشَرَ السَّرِقَةَ، بِأَنْ تَعَاوَنَ مَعَ زَمِيلِهِ فِي حَمْلِ الْمَسْرُوقِ حَتَّى خَرَجَا بِهِ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ لَمْ يُبَاشِرِ السَّرِقَةَ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ صَاحِبِهِ فَخَرَجَ بِهِ وَحْدَهُ، مَا دَامَ كُلُّ وَاحِدٍ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ تَعَاوُنٌ بِأَنِ اسْتَقَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلاً، وَذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورِ التَّعَاوُنِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِِثْبَاتِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ.

3 - الشَّافِعِيَّةُ:

- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ لاَ تُطْلَقُ إِلاَّ عَلَى مَنْ قَامَ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ مَعَ غَيْرِهِ، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، كَأَنْ يَتَعَاوَنَ السَّارِقُونَ فِي حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَيُخْرِجُونَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا وَيَخْرُجَ بِهِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْطَبِقُ وَصْفُ السَّارِقِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ أَثَرُ الاِشْتِرَاكِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا إِذَا خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ مِنْ قِيمَةِ مَا أَخْرَجُوهُ، دُونَ نَظَرٍ إِلَى قِيمَةِ مَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ. أَمَّا إِذَا كَانَ كُلُّ سَارِقٍ يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِهِ وَقَصْدِهِ عَنِ الآْخَرِينَ، فَلاَ اشْتَرَاكَ بَيْنَهُمْ، وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ نِصَابًا كَامِلاً، وَيُعَزَّرُ الآْخَرُونَ.

وَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ، سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنْ دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ مِنْ خَارِجِهِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ، بَلْ يُعَزَّرُ.

4 - الْحَنَابِلَةُ:

- يَرَى الْحَنَابِلَةُ إِطْلاَقَ صِفَةِ الشَّرِيكِ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، قَامَ بِهِ وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ أَوْ كَانَ خَارِجَهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى كُلِّ مَنِ اشْتَرَكَ فِي السَّرِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الاِشْتِرَاكُ فِي الإْخْرَاجِ، أَوْ كَانَ بِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ وَإِعَانَةِ الْبَعْضِ الآْخَرِ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنَ الدَّاخِلِ أَوْ مِنَ الْخَارِجِ، بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ كَالإْعَانَةِ عَلَى حَمْلِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ بِفِعْلٍ مَعْنَوِيٍّ كَالإْرْشَادِ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِعَمَلٍ مَا، كَمَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ مَعَ السَّارِقِ لِتَنْبِيهِهِ إِذَا انْكَشَفَ أَمْرُهُ. لأِنَّ  فِعْلَ السَّرِقَةِ يُضَافُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.