1ـ إن المادة 42 عقوبات إذ نصت على أنه " إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً قد جاءت بعبارة عامة يتناول حكمها الجرائم كافة ، و يسرى على الإشتراك بجميع الطرق التى يقع بها . و هذا هو الذى يتسق مع ما نصت عليه المادة 41 من قانون العقوبات من أن عقوبة الشريك هى العقوبة المقررة للجريمة دون ذكر الفاعل ، و مع ما نصت عليه المادة 40 التى عرفت الشريك فى الجريمة دون أن تشترط فى حقه أن تكون له علاقة مباشرة بالفاعل ، مما مفاده أن الشريك - بحسب الأصل - يستمد صفته من الجريمة التى وقعت و من فعل الإشتراك الذى إرتكبه و من قصده هو من فعلته ، و أنه لا يجب لمعاقبته أكثر من أن تكون الجريمة قد وقعت بناء على تحريضه على إرتكاب الفعل المكون لها أو إتفاقه على إرتكابها مع غيره أياً كان و مهما كانت صفته ، أو بناء على مساعدته فى الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لها . يستوى فى ذلك كله أن يكون إتصاله بالفاعل قريباً و مباشراً أو بعيداً و بالواسطة . فعلى مقتضى ذلك يصح أن يكون الشريك عالماً بالجريمة التى يشترك فيها و بجميع الظروف المحيطة بها ، و الفاعل الأصلى يباشر إرتكاب الفعل المادى المكون لها و هو حسن النية غير عالم بأنه يرتكب جريمة . و إذ كان يجوز فى العقل تصور ذلك فى جريمة الرشوة أو الشروع فيها فإن المحكمة إذا إستخلصت أن الشريك حين إتفق مع الفاعل و ساعده فى أن يقدم المبلغ الذى قدمه إلى الموظف كان فى الواقع و حقيقة الأمر يقصد هو و الموظف أن المبلغ إنما هو فى مقابل قيام الموظف بعمل من أعمال وظيفته لا للعمل الذى قدمه الفاعل من أجله معتقداً أنه عمل برئ - إذا إستخلصت ذلك ، و كانت الأدلة التى ذكرتها مؤدية إليه ، فإنها لا تكون قد خالفت القانون فى شيء . و إختلاف قصد فاعل الشروع فى الرشوة عن قصد الموظف ، و كون الأول لم يقصد عملاً من أعمال الوظيفة - ذلك ، و إن كان ينفى الجريمة عن الفاعل ، ليس من شأنه أن ينفيها عن الشريك متى كانت جميع عناصرها القانونية متوافرة فى حقه .
( الطعن رقم 965 لسنة 13 ق ، جلسة 1943/6/7 )
(الطعن رقم 2346 لسنة 55 ق - جلسة 1986/03/03 س 37 ع 1 ص 329 ق 68)
2 ـ المستفاد من نصوص القانون العامة فى الأشتراك " المواد 40،41،42 من قانون العقوبات " أنها تتضمن أن قصد الاشتراك يجب أن ينصب على جريمة أو جرائم معينه ، فإذا لم يثبت الاشتراك فى جريمة معينه أو فى فعل معين فلا تعتبر الجريمة التى أرتكبها الفاعل نتيجة مباشرة للاشتراك لأنه لم يقع عليها . ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه قاصراً فى التدليل على أن الطاعن الثانى - متعهد النقل كان يعلم علما يقينيا بما انتواه المتهمان الأولان - المحافظ والمستشار الفنى له - من ارتكاب جريمة التربح ، وأنه قصد إلى الاشتراك فى هذه الجريمة وهو عالم بها وبظروفها وساعدهما فى الاعمال المجهزة والمسهلة لارتكابها إذ لم يكشف الحكم على أن الطاعن كان على علم بالخطابات والطلبات والتقارير المصطنعة والمطعون فيها بالتزوير والاتصالات والمكاتبات المتبادلة ومن ثم يكون الحكم قد خلا من بيان قصد الاشتراك فى الجريمة التى دان الطاعن الثانى بها وانه كان وقت وقوعها عالما بها قاصداً الاشتراك فيها فإن ذلك يكون من الحكم قصورا أيضا فى هذا الخصوص مما يعيبه .
(الطعن رقم 20743 لسنة 62 ق - جلسة 1994/10/11 س 45 ص 837 ق 132)
3 ـ لما كان من المقرر أن المادة 42 من قانون العقوبات إذ نصت على أن " إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي لديه ، أو لأحوال أخرى خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً " فقد جاءت بحكم عام شامل للجرائم كلها ، فمتى ثبت وقوع جريمة السرقة بالإكراه و ثبت إشتراك المتهم فى إرتكابها بإحدى طرق الإشتراك ، و توافرت سائر أركان الجريمة المذكورة فى حقه وجبت معاقبته و لو كان الفإعلان الأصليان غير معاقبين ما دام عدم عقابهما راجعاً إلى سبب خاص بهما .
(الطعن رقم 820 لسنة 54 ق - جلسة 1984/10/24 س 35 ص 685 ق 149)
4 ـ إنه إذا كانت الأحكام الجنائية الصادرة بالبراءة بناء على أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى العمومية لم تقع أصلاً أو على أنها فى ذاتها ليست من الأفعال التى يعاقب القانون عليها تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة للمتهمين الذين قضى لهم بالبراءة فيها أو لسواهم ممن ينسب إليهم ، و لو فى إجراءات لاحقة ، المساهمة فى تلك الواقعة عينها فاعلين أو شركاء - إذا كانت هذه الأحكام تعتبر كذلك فالعلة إنما هى وحدة الواقعة الجنائية و إرتباط الأفعال المنسوبة لكل متهم إرتباط غير قابل بطبيعته لأية تجزئة و مقتضياً إنتفاء كل تفرقة بين هؤلاء المتهمين فى صوالحهم المستمدة من ذلك العامل المشترك بينهم ، و هو الواقعة المتهمون هم فيها ، بل مقتضياً حتماً أن تكون تلك الصوالح متحدة إتحاداً يستوجب أن يستفيد كل متهم من أى دفاع مشترك . و هذه العلة أساسها ما تمليه المصلحة العامة من وجوب تجنب ما تتأذى به الجماعة من قيام أى تناقض فى الأحكام الجنائية المتعلقة بالأرواح و الحريات الأمر الذى يقتضى إعتبار تلك الأحكام ، و هذا شأنها ، حجة فى حق الناس كافة ما دام ذلك لا يكون فيه مساس بما هو مقرر لكل متهم عند محاكمته من كامل الحق فى الدفاع . و هذا هو الذى حدا بالشارع إلى أن يسن للمحاكم التى تصدر هذه الأحكام نظاماً خاصاً يغاير ما وضعه للمحاكم المدنية إذ يسر لها السبيل لأن تتحرى الحقائق مجردة بغض النظر عن أشخاص الخصوم الماثلين أمامها دون تقيد بأقوالهم أو طلباتهم التى يدلون بها إليها . و إذن فلا يصح عند محاكمة أى متهم عن واقعة أن يحتج بسبق صدور حكم بالبراءة لمتهم آخر بذات الواقعة بصفته فاعلاً معه أو شريكاً له فيها إلا إذا كانت الأسباب التى أقيمت عليها البراءة مؤدية بذاتها إلى براءة المتهم المطلوب محاكمته أيضاً بحيث لو أن محاكمة المتهمين الإثنين كانت قد حصلت فى دعوى واحدة لرمى الحكم فيها بالتناقض البين إذا هو أدان أحدهما و برأ الآخر . و هذا هو الشأن فى أحكام البراءة التى يكون أساسها عدم صحة الواقعة أو عدم العقاب عليها فى حد ذاتها مهما كانت أشخاص المتهمين بها . أما الأحوال الأخرى التى يمكن أن يتصور فيها قانوناً براءة متهم و إدانة آخر فى ذات الواقعة فإنه لإنعدام التناقض فيها يكون حكم البراءة مقصوراً أثره على من قضى له بها دون غيره . و من ذلك القبيل الأحكام الصادرة ببراءة الفاعل لإنعدام القصد الجنائي لديه ، فهى لا تصلح لأن يحتج بها بالنسبة للشريك المقدم للمحاكمة على أساس توافر الثقصد الجنائي عنده ، إذ أن المادة 42 من قانون العقوبات قد نصت على أنه إذا كان الفاعل غير معاقب لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به فذلك لا يمنع من معاقبة الشريك . و هذا صريح فى أن القانون نفسه لا يعتبر الإدانة متعارضة مع البراءة فى هذه الحالة ، و ناطق بأن الشارع لا يجيز أن يتعدى أثر الحكم ببراءة الفاعل إلى الشريك ، إذ التعدية يلزم عنها حتماً تعطيل مقتضى ذلك النص بمنع النيابة العمومية بصفة مطلقة من تقديم الدليل على ثبوت نية الإجرام لدى الشريك فى واقعة إرتكبها الفاعل دون أن يكون عنده القصد الجنائي كما يتطلبه القانون .
(الطعن رقم 1162 لسنة 12 ق - جلسة 1942/04/27 س ع ع 5 ص 648 ق 392)
5 ـ إن المادة 42 من قانون العقوبات إذ نصت على أنه إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي لديه أو لأحوال أخرى خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً فقد جاءت بحكم عام شامل للجرائم كلها . فمتى ثبت حصول تغيير فى الحقيقة فى ورقة رسمية ، و ثبت إشتراك المتهم فى هذا الفعل بإحدى طرقه ، و توافرت سائر أركان جريمة التزوير فى حقه ، وجبت معاقبته و لو كان الفاعل الأصلى غير معاقب ما دام عدم عقابه راجعاً إلى سبب خاص به هو . و إذن فإذا كان الفاعل الأصلى فى جريمة تزوير شهادة إدارية بتاريخ وفاة قد قضى ببراءته لجهله حقيقة تاريخ الوفاة فلا جناح على المحكمة إذا هى عاقبت الشريك فى هذه الجريمة على أساس أنه هو كان يعلم حقيقة ذلك التاريخ .
(الطعن رقم 157 لسنة 12 ق - جلسة 1941/12/22 س ع ع 5 ص 602 ق 330)
الأثر المترتب على إعفاء الفاعل من العقاب في تحديد المركز القانوني للشريك:
القاعدة التي قررها الشارع في هذا الشأن قد ضمنها المادة 42 من قانون العقوبات التي تقضي بأنه « إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً» وتقرر هذه القاعدة استقلال الشريك في مصيره عن الفاعل: فإذا عرض للثاني سبب يحول دون توقيع العقاب عليه لم يكن حائلاً دون توقيع العقاب على الأول وتشير القاعدة إلى حالات ثلاث لا يوقع فيها العقاب على الفاعل هي: أسباب الإباحة، وعدم وجود القصد الجنائي، والأحوال الأخرى الخاصة بالفاعل.
ونحدد فيما يلي المقصود بكل منها :
أسباب الإباحة : إن الإشارة إلى أسباب الإباحة في النص السابق تبدو غير متسقة والمبادئ الأساسية في القانون : ذلك أن السبب الإباحة أثراً موضوعياً ينعكس على الفعل ذاته فيجرده من صفته غير المشروعة، فإذا صار الفعل مباحاً فقدت الجريمة ركنها الشرعي، وفقد الإشتراك كذلك أحد أركانه، إذ لا يتصور الإشتراك إلا في فعل غير مشروع . وإذا كان من العسير أن تفهم « أسباب الإباحة » في مدلولها الحقيقي، فقد حاول الفقه أن يؤول دلالة هذا التعبير ويحدد له المعنى الذي يجعل حكمه منسقاً والمبادئ الأساسية في القانون .
ونحن نرى أن تحديد ما يعنيه القانون بأسباب الإباحة يقتضي الرجوع إلى تعليقات الحقانية على المادة 42 من قانون العقوبات التي تضمنت العبارة التالية : « ... وعلى حسب عبارة المادة 58 الجديدة لا تقع جريمة من فاعل في الأحوال المنصوص عنها في المادة المذكورة فلولا وجود المادة 42 الجديدة لترتب بالضرورة على ذلك بمقتضى المادة 41 الجديدة أن لا يعاقب الشريك ». وتوضيحا لهذه العبارة نلاحظ أنها تشير إلى استعمال الموظف العام سلطته الذي تنص عليه المادة 63 من قانون العقوبات الحالي (وهي المقابلة للمادة 58 من قانون العقوبات الصادر سنة 1904)، التي تشير على وجه التخصيص إلى حالة ما إذا كان الموظف العام قد أتى عملاً غیر قانونی وكان حسن النية يعتقد شرعية نشاطه، ولكن شريكه كان سيء النية وتريد التعليقات بذلك أن تقرر أن إباحة فعل الموظف لا يجوز أن تكون عائقاً يحول دون توقيع العقاب على شريكه، وعبارة التعليقات تتسق مع الآراء والاصطلاحات التي كانت سائدة في الفقه، إذ كان من المسلم به أن الموظف يستفيد في الحالة السابقة من سبب للإباحة، ولم يكن من المنطق القانوني في شيء أن يستفيد من الإباحة شريك له يعلم أنه يساهم في نشاط غير مشروع. وقد تغير التكييف الذي يقرره الفقه الحديث الفعل الموظف وإن لم يتغير الحكم المقرر لشريكه، ففعل الموظف غير مشروع لأنه في ذاته مخالف للقانون، وأسباب الإباحية ذات طبيعة موضوعية فلا يمكن أن تنشأ بمجرد اعتقاد مخالف للحقيقة قام لدى الموظف، ولكن مسئوليته تنتفي، لأن اعتقاده شرعية فعله ينفي القصد الجنائي لديه وتوصف حالته بأنها « غلط في الإباحة »، فإذا لم يتوافر هذا الغلط لدى من يساهمون معه في فعله، فالقصد الجنائي متوافر لديهم، فيسألون عن هذا الفعل وعلى هذا النحو، نعتقد أن الشارع يريد بأسباب الإباحة الإشارة إلى حالة « الغلط في الإباحة »، وإذا كان التعبير عن هذه الحالة بأنها من قبيل « أسباب الإباحة » تعبيراً غير دقيق في الفقه الحديث، فقد كان تعبيراً صحيحاً وقت أن وضع القانون .
انتفاء القصد الجنائي : توقيع العقاب على الشريك في فعل لم يتوافر القصد الجنائي لدى مرتكبه هو نتيجة حتمية الاستقلال الشريك عن الفاعل في قصده، وهي القاعدة التي قررها الشارع صراحة حينما جعل كلاً منهما مسئولاً حسب قصده : فإذا كانت مسئولية كل منهما تختلف باختلاف القصد المتوافر لديه، فإن هذه المسئولية يتعين أن تختفي لدى من انتفى قصده وتقوم لدى من توافر القصد عنده ؛ ومثال ذلك أن يملي شخص على كاتب محرر بيانات مخالفة للحقيقة دون أن يكون الكاتب عالماً بذلك، فلا عقاب عليه لانتفاء القصد لديه، ولكن يوقع العقاب على من أملى هذه البيانات إذا كان القصد متوافراً لديه؛ أو أن يشترك شخص في رشوة عالماً بأن المال يقدم إلى الموظف العام من أجل عمل من أعمال وظيفته في حين يعتقد الفاعل أنه يقدم من أجل عمل بريء، إذ ينتفى العقاب بالنسبة إلى فاعل الرشوة الانتفاء القصد لديه، ولكن يوقع على شريكه الذي توافر لديه القصد.
عدم توقيع العقاب على الفاعل لأحوال أخرى خاصة به: يشير الشارع بهذه العبارة إلى «موانع العقاب »، ويقرر أنه إذا توافر هذا المانع لدى الفاعل فلم يوقع عليه عقاب وجب مع ذلك توقيعه على الشريك : فإذا كان الفاعل زوجة أخفت زوجها الذي فر بعد القبض عليه أو إعانته على الفرار من وجه القضاء، فإن العقاب يتعين توقيعه على الشريك في هذه الجريمة، على الرغم من أنه لا يوقع على فاعلها . ويبرر هذا الحكم أن موانع العقاب تستند إلى اعتبارات من السياسة الجنائية تجعل مصلحة المجتمع في عدم توقيع العقاب راجحة على مصلحته في توقيعه، وهذه الاعتبارات تتحقق على النحو الذي يريده الشارع إذا لم يوقع العقاب على الشخص الذي يعينه القانون، ولو وقع على غيره من المساهمين معه .
الأثر المترتب على إعفاء الشريك من العقاب في تحديد المركز القانوني للفاعل :
إذا كان البحث في إعفاء الشريك من العقاب يرجع إلى أنه قد توافرت في شخصه الصفة التي يتطلبها القانون القيام سبب إباحة، كأن كان أبا أو زوجاً يحرض أو يساعد في ضرب ابنه أو زوجته تأديباً، أو كان طبيباً يساعد في إجراء عملية جراحية، فإن تحديد المركز القانوني للفاعل يتطلب البحث فيما إذا كانت شروط الإباحة قد توافرت فانعكس تأثيرها على الفعل فجعله مشروعاً، إذ لا يوقع عندئذ عقاب على الفاعل لأنه ارتكب فعلاً مشروعاً، ومن أهم هذه الشروط معرفة ما إذا كان من حق الشريك أن ينيب عنه غيره في إتيان الفعل المباح له، وفي عبارة أخرى : هل يحق للأب أو الزوج أن ينيب عنه غيره في تأديب ابنه أو زوجته، وهل يحق للطبيب أن ينيب عنه غيره في إجراء عملية جراحية؟ فإن كان للشريك ذلك فالإنابة في حدود القانون والفعل مباح، فمن ساهم فيه يستفيد من الإباحة؛ وإن لم يكن له ذلك فقد انتفى أحد شروط الإباحة وكان الفعل غير مشروع، واستتبع ذلك عقاب المساهمين فيه وتحديد ما إذا كان سبب الإباحة قابلاً للإنابة أم غير قابل لها يتطلب الرجوع إلى قواعد القانون التي تحدد شروط هذا السبب .
وإذا أعفى الشريك من العقاب لتوافر مانع من المسئولية أو مانع من العقاب، فإن تأثير هذا المانع مقتصر على شخصه، لأن لهذه الموانع نطاقاً شخصياً، ويعني ذلك أن العقاب يوقع على سائر المساهمين الذين لم يتوافر لديهم مانع من المسئولية أو مانع من العقاب .(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 522)
وهذه المادة تؤكد قاعدة التبعية المقيدة بالنسبة للاشتراك الجنائي. فالمشرع أراد أن يعبر عن استقلال المساهمين فيما يتعلق بالمسئولية الجنائية وغير ذلك من الأحوال الخاصة المعفية من العقوبة. فمتى تحقق من الفاعل الركن المادي للجريمة موضوع المساهمة استقل كل مساهم عن الآخر في نطاق مسئوليته الجنائية عن تلك الواقعة وأيضاً استقل في ظروفه الشخصية المعفية من العقوبة.
وقد عدد المشرع بعض الأسباب الخاصة المؤثرة في المسئولية ثم أطلق الأسباب الأخرى التي يترتب عليها عدم عقاب الفاعل.
وأول الأسباب التي ذكرها المشرع بالمادة 42 هي إذا كان الفاعل غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة. وهذا السبب يستوقف النظر باعتبار أن أسباب الإباحة إذا ما توافرت للفاعل استفاد منها الشريك كما سبق أن رأينا في موضعه، حتى بالنسبة لأسباب الإباحة النسبية. وقد يكون للنص ما يبرره لو كان يعالج المساهمة الأصلية باعتبار أن أسباب الإباحة النسبية لا تبيح الفعل إلا بالنسبة لمن توافرت في حقه من الفاعلين، أما غيره من الفاعلين الآخرين فلا يستفيد منه. ولكن المشرع نص صراحة على مدى تأثر الشريك بأسباب الإباحة التي توافرت في حق الفاعل. ولذلك فإن النص صراحة على عدم استفادة الشريك من عدم عقاب الفاعل لسبب من أسباب الإباحة إنما قصد به معالجة أحوال الغلط في الإباحة والتي عالجها المشرع بنص صريح كما لو كان سبباً للإباحة. ومثال ذلك تجاوز الموظف العمومي لحدود وظيفته بحسن نية معتقداً بمشروعية فعله متى كان اعتقاده مبنياً على أسباب معقولة وكان قد تثبت وتحري (م 63 عقوبات). ولعل الذي يبرر مسلك المشرع هذا هو أن هناك جانباً من الفقه يعتبر تنفيذ الأمر غير المشروع من المرؤوس حسن النية هو سبب للإباحة بالنسبة للمرؤوس، على حين يعاقب الرئيس عن الجريمة المرتكبة والذي هو في واقع الأمر يعتبر شريكاً في جريمة المرؤوس. بمعنى أننا نكون هنا في حالة ازدواج في التكييف بالنسبة للفعل الواحد. فهو يكون مشروعاً بالنسبة للموظف المرؤوس وغير مشروع بالنسبة للرئيس الأمر.
أما السبب الثاني الذي ذكرته المادة 42 لعدم عقاب الفاعل والذي لا يؤثر على عقوبة الشريك فهو انتقاء القصد الجنائي لدى الفاعل. وهذا يتحقق في الفروض التي يكون فيها الفاعل حسن النية أو حدث له غلط في الوقائع مما ينفي القصد الجنائي. فالشريك في هذه الحالة يعاقب على الجريمة التي حققها الفاعل في ماديتها. فمن يعطي طعاماً مسموماً لأخر حسن النية ويطلب منه توصيله للمجني عليه الذي يتناوله ويموت بالسم يكون الفاعل حسن النية وبالتالي ينتفي لديه القصد الجنائي ويعاقب الشريك بالعقوبة المقررة لجريمة العمد. كذلك الزوج الذي يدلي ببيانات كاذبة أمام المأذون فيحرر عقد الزواج بناء على المعلومات التي أدلي بها يكون شريكاً في جريمة تزوير في محرر رسمي الفاعل فيها ومن المأذون حسن النية وبالتالي غير معاقب لانعدام القصد الجنائي لديه.
وأخيراً أطلق المشرع الأسباب الأخرى التي من شأنها عدم عقاب الفاعل لأحوال خاصة به دون أن يستفيد منها الشريك. ويندرج تحت عبارة أو الأحوال أخرى خاصة به الأسباب الخاصة بانعدام الأهلية كصغر السن أو الجنون وعاهة العقل. فالشريك في جريمة معدوم الأهلية يعاقب بالرغم من عدم عقاب الفاعل. كذلك أيضاً الأسباب التي تنفي الركن المعنوي للجريمة كإكراه وحالة الضرورة و الغلط في الوقائع فلا يستفيد منها الشريك إلا إذا كانت إرادته تأثرت فعلاً بتلك الظروف.
والحال كذلك بالنسبة لتوافر مانع من موانع العقاب بالنسبة للفاعل فلا يستفيد منه الشريك. ومثال ذلك الشريك في جريمة إخفاء الفارين من قبل الزوج أو الزوجة أو الأب أو الابن فصلة القربي هذه تعتبر مانعاً للعقاب في جريمة الإخفاء لا يستفيد منه الشريك. كذلك في جريمة الرشوة لا يستفيد من مانع العقاب في حق الراشي الذي يخبر السلطات أو يعترف بالرشوة.
كانت هذه هي القواعد التي تحكم مدى تأثر الشريك بالظروف الخاصة بالفاعل، ويمكن القول إجمالاً بأن الشريك لا يتأثر بظروف الفاعل إلا ما كان منها مؤثراً على وصف الجريمة وبشرط العلم بها من قبل الشريك باستثناء الظروف التي تغير الوصف بالنظر إلى قصد الفاعل أو كيفية علمه، فهذه تخضع للقاعدة العامة في استقلال الشريك عن الفاعل في مسئوليته عن الجريمة المرتكبة. وتطبيقاً أيضاً لتلك القاعدة في استقلال الشريك عن الفاعل يلاحظ أن الظروف الشخصية البحتة التي تؤثر في العقوبة بالتشديد للعود والتخفيف لصغر السن.(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 592)
الظروف التي تشير إليها المادة 42 عقوبات ثلاثة ظروف تبيح الفعل - وظروف تنفي القصد- وظروف تمنع العقاب فحسب وهذه الظروف على اختلافها سواء في حكمها فأثرها لايتعدى شخص الفاعل الذي قامت به إلى شريكه ولو كان عالما بها.
ويذكر النص " أسباب الإباحة" وهو خطأ في التعبير فليس المقصود به الأسباب التي تبيح الفعل كالدفاع الشرعي واستعمال الحق فإنها ترفع الصفة الجنائية للفعل مما يجعل الاشتراك فيه غير معاقب عليه لأنه لا يكون إلا في جريمة بل أن المقصود هو الأسباب الشخصية التي تمنع مسئولية الفاعل مع بقاء الفعل جريمة في ذاته كالجنون (المادة 62 ) وصغر السن (المادة 64) وقيام الموظف بعمل غير قانوني تنفيذاً لأمر اعتقد أن طاعته واجبة أو اعتقاداً بأنه قانونی (المادة 63). ففي هذه الأحوال لا تمنع عدم مسئولية الفاعل من عقاب الشريك.
وكذلك يعاقب الشريك ولو امتنع عقاب الفاعل " لعدم وجود القصد الجنائي" كما لو دعي كاتب إلى تحرير عقد مزور وهو لا يعلم بأن ما يكتبه تزوير فإنه الا عقوبة عليه لعدم وجود القصد الجنائي ولكن الذي دعاه وأحضر له أدوات الكتابة وذكر له الأسماء المزورة يعد شريكاً تناله العقوبة.
وتنص المادة أخيراً على حالة ما إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب أحوال أخرى خاصة به وهو نص عام يدخل فيه كل موانع العقاب كالزوجة التي تخفي زوجها الذي فر بعد القبض عليه (المادة 144 من قانون العقوبات) و تعينه على الفرار من وجه القضاء (المادة 145).
أثر النص :
ينتج عن هذا النص أن الشريك تجب معاقبته حتى ولو لم يحاكم الفاعل الأصلي أو حوكم ولكن حكم ببراءته أو بإعفائه من العقوبة.( موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار / مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول، دار محمود الصفحة / 448 )
تشير هذه المادة إلى ثلاثة أنواع من الظروف لا يوقع فيها العقاب على الفاعل وهي:
1) أسباب الإباحة.
2) انتفاء القصد الجنائي.
3) أحوال أخرى خاصة بالفاعل "موانع العقاب".
وحكم هذه الظروف أن أثرها يقتصر على الفاعل وحده ولا يمتد إلى الشريك. بمعنى أنه إذا كان الفاعل لا يعاقب بسبب هذه الظروف فإن هذا لا يحول دون معاقبة الشريك.
أسباب الإباحة:
والواقع أن النص على أسباب الإباحة ضمن ظروف الفاعل الشخصية فيه غرابة لأن توافر سبب الإباحة لدى الفاعل يعني أن فعله صار مشروعاً وتفقد المساهمة التبعية تبعاً لذلك أحد شروطها وهو ضرورة أن يقع من الفاعل فعل غير مشروع. ونتيجة لذلك لا يعاقب الفاعل ولا يعاقب الشريك أيضاً. فالشريك يستمد اجرامة من الفاعل غير المشروع للفاعل. فإذا كان فعل الفاعل مشروعاً كان نشاط الشريك هو الآخر مشروعاً، ولهذا تبدو غرابة النص على أسباب الإباحة في المادة التي نحن بصددها. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 441)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 36 .
(مادة 29)
يسأل الشريك عن الجريمة التي وقعت بالفعل ولو كانت غير التي تعمد ارتكابها متى كانت هذه الجريمة نتيجة محتملة لما حصل من تحريض أو اتفاق أو مساعدة.
كما نصت المادة (29) على مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة للجريمة التي اشترك في ارتكابها، وأساس هذه المسئولية هو شبه العمد کا يعبر الفقهاء المسلمون.
تعدد الجناة
مادة (246):
1- إذا تعدد الجناة في جريمة موجبة للقصاص فللمجني عليه الحق في طلب القصاص منهم متى توافرت شرائطه في حق كل منهم، كما له الحق في العفو عنهم أو عن بعضهم على دية أو بدونها.
2- فإذا عفا عنهم على الدية قسمت عليهم بالتساوي، وإن عفا عن بعضهم فعلى
المعفو عنه قسطه من الدية.
مادة (247): إذا لم يكن الاشتراك بالمباشرة في الجريمة الموجبة للقصاص - يكتفى
بتوقيع العقوبة التعزيرية على الشريك وفقا لأحكام الاشتراك المقررة في هذا القانون.
مادة (248): إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده .
مادة (249): لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص أو
المسئولية أو تخفيفها أو القصد الجنائي على بقية الجناة.
الإيضاح
انتهج المشروع في أحكام تعدد الجناة ذات الأسس التي سبق إقرارها في باب الجناية على النفس، إذ إن القصاص فيها دون النفس يقوم - في أغلب أحكامه الأساسية - على ذات الأحكام التي يقوم عليها القصاص في النفس، فالمادة (246) تناولت أحكام تعدد الجناة في جريمة الاعتداء على ما دون النفس الموجبة للقصاص، وهذا التعدد هو من قبيل ما يطلق عليه تعدد الفاعلين المنصوص عليه في المادة (26) من هذا القانون ويعبر عنه في الشريعة الإسلامية عادة «بالاشتراك بالمباشرة»، وقد أخذ المشروع بالرأي القائل بالقصاص من الجماعة بالواحد، وذلك متى توافرت شروط القصاص بالنسبة إلى كل منهم، على غرار ما تم الأخذ به في مشروع الجناية على النفس، نزولا على قاعدة: «قتل الجماعة بالواحدة؛ لأن كل جناية على ما دون النفس وجب بها القصاص على الواحد وجب - بها على الجماعة کالنفس (نهاية المحتاج ج (7) ص (249) وما بعدها، المغني جـ (8) ص (271))، وغني عن البيان أن تعدد الفاعلين في ارتكاب الجريمة يقتضي بطبيعته الاتفاق عليها، وهو ما يعرف في الشريعة الإسلامية بالتمالؤ» وخاصة بمفهومه عند المالكية. هذا ويلاحظ أن المذهب الحنفي وإن أخذ بقاعدة قتل الجماعة بالواحد (بدائع الصنائع ج (7) ص (238))، إلا أنه لم يأخذ بالقاعدة المقابلة لها في جرائم الاعتداء على ما دون النفس وهي القصاص من الجماعة بالواحد؛ إذ يرى الأحناف أن المماثلة فيها دون النفس معتبرة، ولا مماثلة بين طرف وأطراف ومن ثم يمتنع - فيها دون النفس - القصاص من الجماعة بالواحد، وإنما يجب الأرش (المرجع السابق ص (299)، على أن الذين رأوا القصاص من الجماعة بالواحد فيما دون النفس، استندوا إلى أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده، ثم جاءا بآخر فقالا: هذا هو السارق وأخطأنا في الأول. فرد شهادتها على الثاني، وغرمها دية الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما. فأخبر بذلك أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة، ولأنه أحد نوعي القصاص (أي القصاص في النفس والقصاص فيها دون النفس)، فتؤخذ الجماعة بالواحد کالأنفس. ولذلك وجب القصاص على المشتركين في الظرف على وجه لا يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر كأن يشهدوا عليه عمدا بغير حق با یوجب قطعه فيقطع، ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا إنساناً على قطع طرف، أو يلقوا صخرة على طرف إنسان فتقطعه، أو يقطعوا أيد أو يقلعوا علينا بضربة واحدة، أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا عليها جميعا، أو يمدوها فتبين اليد، بخلاف ما إذا قطع كل واحد منهم من جانب، أو قطع أحدهم بعد المفصل وأتمه غيره أو ضرب كل واحد ضربة، أو وضعوا منشارا على مفصله ثم مده كل واحد إليه مرة حتى بانت اليد، فلا قصاص فيه؛ لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها.
وفي مذهب مالك أنه إذا تعدد العضو المجني عليه بأن قلع واحد عينه، وواحد قطع رجله وكانا متمالئين على قلع عينه وقطع رجله - تقلع عين كل واحد منهما وتقطع رجله، وإذا اتحد العضو المجني عليه كما إذا تمالأت جماعة على قطع شخص - فإنه يقطع كل واحد، والتمالؤ عند المالكية هو الاتفاق على ارتكاب الجريمة.
هذا وقد آثرت اللجنة الأخذ برأي الذين قالوا بالقصاص من الجماعة بالواحد کما سبق القول، وهي القاعدة التي التقى عليها الجمهور الأعظم من الفقهاء، ولا وجه للمغايرة بين القصاص في النفس وبين القصاص فيما دون النفس، وما أخذت به اللجنة هو الذي يتفق مع مذهب مالك والشافعي والظاهرة في مذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور.
حاشية الدسوقي ج (4) ص (245) و(250) و(251)، نهاية المحتاج ج- (7) ص (275)، المغني ج (8) ص (268) وما بعدها).
كذلك فإن المشروع أخذ في أحكام الاشتراك في جريمة الاعتداء على ما دون النفس، إذا تم هذا الاشتراك بالتسبب لا بالمباشرة - بذات النهج الذي سبق إقراره في صدد أحكام حد السرقة، فنص المشروع في المادة (247) على حكم من مقتضاه أنه إذا لم يكن الاشتراك في الجريمة الموجبة للقصاص اشتراگا بالمباشرة - كما إذا اقتصر الأمر على مجرد التحريض أو الاتفاق أو المساعدة دون ارتكاب الأفعال التنفيذية - فلا قصاص، وإنما يعاقب الشريك بالعقوبة التعزيرية التي تتحدد وفقا لأحكام هذا القانون وبحسب وصف الجريمة فيه.
وعالج المشروع في المادة (248) حالة الأمر بجريمة اعتداء على ما دون النفس موجبة للقصاص، فنص فيها على أنه إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده (المغني ج (8) ص (350)).
وهنا نجد الآمر مسئولا، والمأمور ليس أهلاً للمسئولية الجنائية، فلا يؤاخذ بفعله، والمسئولية كلها على الأمر، والحنابلة والمالكية وبعض الشافعية يرون أن الأمر هو الذي يقتص منه، إذ إن غير المسئول کالآلة في يد الآمر، ولا يذهب الدم هدراً (العقوبة ص (548)).
كما نص المشروع في المادة (249) على أنه لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص، أو المسئولية، أو تخفيفها، أو القصد الجنائي على بقية الجناة. وقد استخلصت أحكام هذه المادة من اتجاهات بعض المذاهب والفقهاء في صدد الفروض التي تندرج تحت حكم هذه المادة وخاصة في جرائم القتل، ومثال ذلك أنه إذا وقعت الجريمة من أب على ابنه واشترك مع الأب غيره - فإن امتناع القصاص بالنسبة إلى الأب لا يؤثر على وجوب القصاص من شريكه إذا توافرت شروط القصاص، وكذلك الشأن بالنسبة إلى اشتراك المكلف مع غير المكلف.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 195
إِعَانَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الإْعَانَةُ لُغَةً: مِنَ الْعَوْنِ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الأَْمْرِ.
يُقَالُ: أَعَنْتُهُ إِعَانَةً، وَاسْتَعَنْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فَأَعَانَنِي. كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ مِعْوَانٌ، وَهُوَ الْحَسَنُ الْمَعُونَةِ، وَكَثِيرُ الْمَعُونَةِ لِلنَّاسِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الإْغَاثَةُ:
- الإْغَاثَةُ: هِيَ الإْعَانَةُ وَالنُّصْرَةُ فِي حَالِ شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.
أَمَّا الإْعَانَةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.
الاِسْتِعَانَةُ: هِيَ طَلَبُ الْعَوْنِ. يُقَالُ: اسْتَعَنْتُ بِفُلاَنٍ فَأَعَانَنِي وَعَاوَنَنِي وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ».
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإْعَانَةِ بِحَسَبِ أَحْوَالِهَا، فَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُبَاحَةً أَوْ مَكْرُوهَةً أَوْ مُحَرَّمَةً.
الإْعَانَةُ الْوَاجِبَةُ:
أ - إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ:
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ إِعَانَةِ الْمُضْطَرِّ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِإِعْطَائِهِ مَا يَحْفَظُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَكَذَلِكَ بِإِنْقَاذِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُعَرِّضُهُ لِلْهَلاَكِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَتِ الإْعَانَةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا عَيْنِيًّا، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا كِفَائِيًّا عَلَى الْقَادِرِينَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِلاَّ أَثِمُوا جَمِيعًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُمْ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. ؟،
وَمِثْلُ ذَلِكَ إِعَانَةُ الأْعْمَى إِذَا تَعَرَّضَ لِهَلاَكٍ، وَإِعَانَةُ الصَّغِيرِ لإِنْقَاذِهِ مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهِ.
ب - الإْعَانَةُ لإِنْقَاذِ الْمَالِ:
تَجِبُ الإْعَانَةُ لِتَخْلِيصِ مَالِ الْغَيْرِ مِنَ الضَّيَاعِ قَلِيلاً كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا، حَتَّى أَنَّهُ تُقْطَعُ الصَّلاَةُ لِذَلِكَ. وَفِي بِنَاءِ الْمُصَلِّي عَلَى صَلاَتِهِ أَوِ اسْتِئْنَافِهَا خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُبْطِلاَتِ الصَّلاَةِ.
ج - الإْعَانَةُ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ:
يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُسْلِمِينَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ عَنْهُمْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَىالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإْثْمِ وَالْعُدْوَانِ ). وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمْهُ وَلاَ يُسْلِمْهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ». وَكُلَّمَا كَانَ هُنَاكَ رَابِطَةُ قَرَابَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ كَانَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمْ أَوْجَبَ. (ر: عَاقِلَةٌ).
د - إِعَانَةُ الْبَهَائِمِ:
صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ إِعَانَةِ الْبَهَائِمِ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عَلَفٍ وَإِقَامَةٍ وَرِعَايَةٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأْرْضِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ وَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟، فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».
الإْعَانَةُ الْمَنْدُوبَةُ:
وَتَكُونُ الإْعَانَةُ مَنْدُوبَةً إِذَا كَانَتْ فِي خَيْرٍ لَمْ يَجِبْ.
الإْعَانَةُ الْمَكْرُوهَةُ
: - الإْعَانَةُ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً، مِثْلُ الإْعَانَةِ عَلَى الإْسْرَافِ فِي الْمَاءِ، أَوِ الاِسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمٍ، أَوْ عَلَى الإْسْرَافِ فِي الْمُبَاحِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فَوْقَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا. مِثْلُ إِعْطَاءِ السَّفِيهِ الْمَالَ الْكَثِيرَ، وَإِعْطَاءِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الرَّاشِدِ مَا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.
الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ:
- تَأْخُذُ الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ حُكْمَهُ، مِثْلُ الإْعَانَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِعَانَةِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْتَقِيَهَا».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - فِي إِعَانَةِ الظَّالِمِ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ».
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَهُوَ يَنْزِعُ مِنْهَا بِذَنَبِهِ». وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».
وَحَدِيثُ «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ».
إِعَانَةُ الْكَافِرِ:
أ - الإْعَانَةُ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ:
يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ لِلْكَافِرِ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (صَدَقَةٌ).
ب - الإْعَانَةُ بِالنَّفَقَةِ:
صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ - مَعَ اخْتِلاَفِ الَّذِي - لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلاَدِ أَعْلَى وَأَسْفَلَ، لإِطْلاَقِ النُّصُوصِ، وَلأِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الاِحْتِبَاسِ، وَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينِ.
وَأَمَّا قَرَابَةُ الْوِلاَدِ فَلِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، إِذِ الْجُزْئِيَّةُ فِي مَعْنَى النَّفْسِ، وَنَفَقَةُ النَّفْسِ تَجِبُ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا الْجُزْءُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ).
ج - الإْعَانَةُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:
- يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ بِبَذْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْصُومًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا، فَإِنِ امْتَنَعَ مَنْ لَهُ فَضْلُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ - وَلَوْ كَافِرًا - جَازَ لَهُ قِتَالُهُ بِالسِّلاَحِ أَوْ بِغَيْرِ السِّلاَحِ. عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (اضْطِرَارٌ).
آثَارُ الإْعَانَةِ :
يَتَرَتَّبُ عَلَى الإْعَانَةِ آثَارٌ مِنْهَا:
أ - الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ :
- الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ إِمَّا أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ مِنْهَا، وَإِمَّا دُنْيَوِيٌّ. فَإِنَّ الإْعَانَةَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا أَجْرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِرًّا لِلْوَالِدَيْنِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، أَمْ لِلنَّاسِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْمُحْتَاجِ بِالْقَرْضِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَالَةِ.
وَقَدْ يَأْخُذُ الْمُعِينُ أَجْرًا عَلَى بَعْضِ الأْعْمَالِ الَّتِي يُؤَدِّي فِيهَا فِعْلاً مُعَيَّنًا مِثْلُ الْوَكَالَةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى تِلْكَ الأْبْوَابِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
ب - الْعِقَابُ عَلَى الإْعَانَةِ :
لَمْ يَذْكُرِ الْعُلَمَاءُ عُقُوبَاتٍ مُعَيَّنَةً لِلإْعَانَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِالتَّعْزِيرِ عَلَى الذُّنُوبِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْحُدُودُ لأِنَّ دَرْءَ الْمُفْسِدِينَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْعُقُولِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ دَرْءُ الْفَسَادِ بِرَدْعِ الْمُفْسِدِينَ وَمَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَعْزِيرِهِمْ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ تِلْكَ الإْعَانَةِ الْمُحَرَّمَةِ.
أَمَّا عَنِ الإْثْمِ الأْخْرَوِيِّ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الإْعَانَةِ فِي الْحَرَامِ، فَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه: «أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ. قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لاَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلاَ يَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ. يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: النَّاسُ غَادِيَانِ، فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا».
- نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُعِينَ عَلَى الْجَرِيمَةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الأْصِيلِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ، كَالرَّبِيئَةِ، وَمُقَدِّمِ السِّلاَحِ، وَالْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ، وَالرِّدْءِ وَنَحْوِهِمْ. وَيُرْجَعُ إِلَى ذَلِكَ فِي مَبَاحِثِ الْجِنَايَاتِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِهَا.
ج - الضَّمَانُ:
- مَنْ تَرَكَ الإْعَانَةَ الْوَاجِبَةَ قَدْ يَلْحَقُهُ الضَّمَانُ. قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا تَرَكَ إِنْسَانٌ إِعَانَةَ مُضْطَرٍّ فَمَنَعَ عَنْهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ قَصَدَهُ فَعَمْدٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، بِجَوَازِ قِتَالِ الْمَانِعِينَ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ - غَيْرِ الْمَحُوزِ - عَنِ الْمُضْطَرِّينَ لَهُ وَالْمُشْرِفِينَ عَلَى الْهَلاَكِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه. فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْمَاءِ، لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِالسِّلاَحِ عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ فِي هَلاَكِ الْعَطْشَانِ وَالْجَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُهُمْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (ر: صِيَالٌ).
وَمَنْ رَأَى خَطَرًا مُحْدِقًا بِإِنْسَانٍ، أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْقَاذِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ الَّذِينَ رَبَطُوا الضَّمَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ.
كَمَا يَضْمَنُ، حَامِلُ الْحَطَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَرَكَ تَنْبِيهَ الأَْعْمَى وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُ أَوْ لِثِيَابِهِ.
هَذَا وَقَدْ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي بَعْضِ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ مِثْلُ الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ، فَيَضْمَنُ عِنْدَ عَجْزِ الْمَكْفُولِ الْمَدِينِ.
وَفِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ التَّفْرِيطِ أَوِ التَّعَدِّي وَهِيَ مِنَ الإِْعَانَاتِ. ر: (كَفَالَةٌ، وَكَالَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 329
الاِشْتِرَاكُ فِي الأْخْذِ:
يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ فِي مَسَائِلِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ بَيْنَ الشَّرِيكِ الْمُبَاشِرِ وَالشَّرِيكِ بِالتَّسَبُّبِ فَأَمَّا الشَّرِيكُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ أَحَدَ الأْفْعَالِ الَّتِي تُكَوِّنُ الأْخْذَ التَّامَّ، وَهِيَ: إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِرْزِهِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ.
وَأَمَّا الشَّرِيكُ بِالتَّسَبُّبِ فَهُوَ الَّذِي لاَ يُبَاشِرُ أَحَدَ هَذِهِ الأْفْعَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلأْخْذِ الْمُتَكَامِلِ، وَإِنَّمَا تَقْتَصِرُ فِعْلُهُ عَلَى مَدِّ يَدِ الْعَوْنِ لِلسَّارِقِ، بِأَنْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقَاتِ، أَوْ بِأَنْ يَقِفَ خَارِجَ الْحِرْزِ لِيَمْنَعَ اسْتِغَاثَةَ الْجِيرَانِ، أَوْ لِيَنْقُلَ الْمَسْرُوقَاتِ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَهَا السَّارِقُ مِنَ الْحِرْزِ.
وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ، أَمَّا الْمُتَسَبِّبُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ.
وَيَبْدُو مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ فِي الاِشْتِرَاكِ: أَنَّهُمْ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْمُعَيَّنِ فَيَعْتَبِرُونَ الشَّرِيكَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مَعَ غَيْرِهِ بِعَمَلٍ مِنَ الأْعْمَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلسَّرِقَةِ، وَخَاصَّةً: هَتْكُ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَهُوَ مَنْ يُسَاعِدُ السَّارِقَ، فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ فِي خَارِجِهِ، وَلَكِنْ عَمَلُهُ لاَ يَصِلُ إِلَى دَرَجَةٍ يُمْكِنُ مَعَهَا نِسْبَةُ السَّرِقَةِ إِلَيْهِ .
وَكَانَ هَذَا أَسَاسَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي تَطْبِيقِ الْحَدِّ عَلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:
1 - الْحَنَفِيَّةُ:
- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ، كَأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ قَامَ بِعَمَلٍ مَعْنَوِيٍّ، كَأَنْ وَقَفَ لِلْمُرَاقَبَةِ أَوْ لِلإْشْرَافِ عَلَى نَقْلِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْجَمِيعِ إِذَا بَلَغَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصَابًا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ لاَ تَكْفِي لِيُصِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابًا، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ، بَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى التَّعْزِيرِ. وَيَنْطَبِقُ نَفْسُ الْحُكْمِ عَلَى الشُّرَكَاءِ إِذَا أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَعْضُ الآْخَرُ مَا قِيمَتُهُ دُونَ النِّصَابِ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ مَا يَكْفِي لأَنْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ، قُطِعُوا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا، قُطِعَ مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا، وَعُزِّرَ الآْخَرُونَ.
أَمَّا إِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَبَقِيَ الآْخَرُ خَارِجَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ مَنْ بِالدَّاخِلِ يَدَهُ بِالْمَسْرُوقِ إِلَى خَارِجِ الْحِرْزِ فَتَنَاوَلَهَا شَرِيكُهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ الأَْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ، لأِنَّهُ أَخْرَجَ الْمَسْرُوقَ مِنَ الْحِرْزِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي حِيَازَةِ نَفْسِهِ، بَلْ فِي حِيَازَةِ الْخَارِجِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَيَرَى كَذَلِكَ أَنَّ الأْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَارِجِ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ لاَ مِنْ حِرْزِهِ وَلاَ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الأْخْذَ تَامٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ دُونَ الْخَارِجِ؛ لأِنَّ الْمَسْرُوقَ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، حَيْثُ أَقَامَ شَرِيكَهُ الْخَارِجَ مَقَامَهُ عِنْدَمَا سَلَّمَهُ الْمَسْرُوقَ. وَتَفْصِيلُ الْحُكْمِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يُمْكِنُ حُدُوثُهَا يُبْنَى عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَتْكِ الْمُتَكَامِلِ وَمَسْأَلَةِ «الْيَدِ الْمُعْتَرِضَةِ» الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهُمَا. فِي ف 43، 47.
2 - الْمَالِكِيَّةُ:
- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ إِذَا قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، سَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ وَهُوَ فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ حَدَثَتْ وَهُوَ فِي خَارِجِ الْحِرْزِ، بِأَنْ مَدَّ يَدَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ وَأَخَذَ الْمَسْرُوقَ مِنْ يَدِ زَمِيلِهِ الَّذِي فِي الدَّاخِلِ، بِحَيْثُ تُصَاحِبُ فِعْلاَهُمَا فِي حَالِ الإْخْرَاجِ، أَوْ بِأَنْ يَرْبِطَ الدَّاخِلُ الْمَسْرُوقَ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ فَيَجُرُّهُ الْخَارِجُ، بِحَيْثُ لاَ يُعْتَبَرُ الدَّاخِلُ مُسْتَقِلًّا بِالإْخْرَاجِ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الإْعَانَةُ بِأَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ كَأَنْ يَدْخُلَ الْحِرْزَ أَوْ يَبْقَى خَارِجَهُ لِيَحْمِيَ السَّارِقَ أَوْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، بَلْ يُعَزَّرُ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ لَمْ يَخْرُجْ إِلاَّ بِعَمَلٍ جَمَاعِيٍّ، وَجَبَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مَنْ شَارَكَ فِي هَذَا الْعَمَلِ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، سَوَاءٌ بَاشَرَ السَّرِقَةَ، بِأَنْ تَعَاوَنَ مَعَ زَمِيلِهِ فِي حَمْلِ الْمَسْرُوقِ حَتَّى خَرَجَا بِهِ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ لَمْ يُبَاشِرِ السَّرِقَةَ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ صَاحِبِهِ فَخَرَجَ بِهِ وَحْدَهُ، مَا دَامَ كُلُّ وَاحِدٍ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ تَعَاوُنٌ بِأَنِ اسْتَقَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلاً، وَذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورِ التَّعَاوُنِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِِثْبَاتِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ.
3 - الشَّافِعِيَّةُ:
- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ لاَ تُطْلَقُ إِلاَّ عَلَى مَنْ قَامَ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ مَعَ غَيْرِهِ، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، كَأَنْ يَتَعَاوَنَ السَّارِقُونَ فِي حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَيُخْرِجُونَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا وَيَخْرُجَ بِهِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْطَبِقُ وَصْفُ السَّارِقِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ أَثَرُ الاِشْتِرَاكِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا إِذَا خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ مِنْ قِيمَةِ مَا أَخْرَجُوهُ، دُونَ نَظَرٍ إِلَى قِيمَةِ مَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ. أَمَّا إِذَا كَانَ كُلُّ سَارِقٍ يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِهِ وَقَصْدِهِ عَنِ الآْخَرِينَ، فَلاَ اشْتَرَاكَ بَيْنَهُمْ، وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ نِصَابًا كَامِلاً، وَيُعَزَّرُ الآْخَرُونَ.
وَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ، سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنْ دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ مِنْ خَارِجِهِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ، بَلْ يُعَزَّرُ.
4 - الْحَنَابِلَةُ:
- يَرَى الْحَنَابِلَةُ إِطْلاَقَ صِفَةِ الشَّرِيكِ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، قَامَ بِهِ وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ أَوْ كَانَ خَارِجَهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى كُلِّ مَنِ اشْتَرَكَ فِي السَّرِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الاِشْتِرَاكُ فِي الإْخْرَاجِ، أَوْ كَانَ بِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ وَإِعَانَةِ الْبَعْضِ الآْخَرِ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنَ الدَّاخِلِ أَوْ مِنَ الْخَارِجِ، بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ كَالإْعَانَةِ عَلَى حَمْلِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ بِفِعْلٍ مَعْنَوِيٍّ كَالإْرْشَادِ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِعَمَلٍ مَا، كَمَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ مَعَ السَّارِقِ لِتَنْبِيهِهِ إِذَا انْكَشَفَ أَمْرُهُ. لأِنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ يُضَافُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.