موسوعة هرجة الجنائية ، للمستشار / مصطفي مجدي هرجه ، المجلد / الأول ، دار محمود
جاء بتعليقات الحقانية أن مثال أنواع الأحوال الواردة في هذه المادة وهي أن يذهب سارقان زيد وعمرو ليلاً ليسرقا مكاناً مسكوناً ومعهما سلاح فيقاومهما السكان فيطلق عليهم النار ويقتل أحدهم فيجوز للقاضي ولو أن السرقة لا القتل هي المقصودة في هذه الحالة أن يعتبر أن القتل كانت نتيجة محتملة لعملهما معاً ويحكم على عمرو من أجل قتل بمقتضى هذه المادة ولا غرض من هذه المادة في الحقيقة سوى تقرير قاعدة أن الجاني لا يمكن أن يدافع عن نفسه بقوله أنه لم يقصد النتائج التي كان من المحتمل أن يؤدي إليها عمله.
شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية
وقد ذكرت تعليقات الحقانية على المادة 43 من قانون العقوبات العبارات التالية : « ومثال أنواع الأحوال الواردة في هذه الحالة الآتية وهي : أن يذهب سارقان زید وعمرو ليلاً - ليسرقا مكاناً مسكوناً ومعهما سلاح فيقاومهما السكان فيطلق عليهم زيد النار ويقتل أحدهم فيجوز اللقاضي ولو أن السرقة لا القتل في المقصودة في هذه الحالة أن يعتبر أن القتل كان نتيجة محتملة لعملها معاً ويحكم على عمرو من أجل قتل بمقتضى هذه المادة . ولا غرض من هذه المادة في الحقيقة سوى تقرير قاعدة أن الجاني لا يمكن أن يدافع عن نفسه بقوله إنه لم يقصد النتائج التي كان من المحتمل أن يؤدي إليها عمله » .
1 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لموقف الطاعن الثاني فى الدعوى من جريمة قتل المجني عليه بقوله :- " ... لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق ومما قرره شاهدا الإثبات أن المتهم الثاني وقد أثار حفيظته ما أبلغه به صديقه المتهم الأول من مشاهدته المجني عليه يتحدث هاتفياً مع خطيبته على رقم هاتفها المنزلي يولجها حباً وغراماً فقد اتفق معه على ضرب المجني عليه تأديباً له وانتقاماً منه على أن يقوم المتهم الأول بتنفيذ الجريمة نظراً لكونه من رجال الشرطة ، وقد تسبب له مساهمته فى تنفيذها حرجاً لدى جهة عمله فسعى والأخير مساء يوم ... بحثا عنه لتنفيذ جريمتهما وقد تسلح المتهم بسلاح أبيض - مطواة قرن 1 غزال - حسب اتفاقه مع المتهم الثاني وتوجه المتهم الأول إلى مسكنه فلم يجده فانتظره والمتهم الثاني بالطريق المؤدي إلى مسكنه وما إن ظفرا به فى الساعة ... من صباح يوم ... وبصحبته الشاهد الأول " خطيب شقيقته " حتى طلب منه المتهم الأول الانفراد به بالطريق بينما طلب المتهم الثاني من الشاهد الأول أن يبقى إلى جواره حتى يفرغ المتهم الأول من تنفيذ ما اتفقا عليه وما إن شاهد الشاهد الأول الأخير وقد أشهر سلاحه الأبيض فى وجه المجني عليه إثر احتدام الحوار بينهما وحاول أن يلحق به ليمنعه من الاعتداء على المجني عليه فقد منعه المتهم الثاني بالقوة وأمسكه من ذراعه حتى يتسنى للمتهم الأول ضرب المجني عليه وكان له ما أراد فلم يلحق الشاهد الأول بالمتهم الأول إلا بعد أن كان قد نفذ جريمته على النحو السالف بيانه وهو الأمر الذي يؤكد فى يقين المحكمة على الصراط المتقدم أن المتهم الثاني قد اتفق مع المتهم الأول على ضرب المجني عليه لتأديبه والانتقام منه لمغازلته خطيبته هاتفياً على النحو الذي أبلغه به صديقه المتهم الأول وأنه كلفه بتنفيذ هذه الجريمة وهو يعلم أن صديقه الأخير مسلح بسلاح أبيض وأن من المتصور فى المنطق والعقل والمجرى العادي للأمور أن يقاوم المجني عليه المتهم الأول دفاعاً عن نفسه أو أن تفوق قوته العضلية قوة الأخير فيعمل على سحقه فيعقد الأخير حفاظاً على كرامته العزم على قتله أو أن يستهزىْ به المجني عليه أو أن ينال بالسب من كرامته أو تتطور المشاجرة بينهما إلى أن تدفع المتهم الأول إلى قتله تلك أمور يتصور فى العقل والمنطق والمجرى العادي للأمور حدوثها فى مثل هذه الأحوال كان فى مقدور المتهم الثاني وهو من رجال الشرطة ومن واجبه أن يتوقع حدوثها ، ومن ثم تكون إرادته قد توجهت إلى ارتكاب جريمة ضرب المجني عليه التي اتفق عليها مع المتهم الأول وإلى كافة نتائجها الطبيعية ، ومن ثم فإن المتهم الثاني يتحمل قانوناً مع المتهم الأول المسئولية الجنائية عن جريمة قتله عمداً المجني عليه باعتبارها نتيجة محتملة لجريمة ضرب المجني عليه المتفق عليها على النحو السالف بيانه ومن ثم تلتفت المحكمة عما أثاره دفاع المتهم الثاني على النحو السالف بيانه " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن اعتبار جريمة معينة نتيجة محتملة للاتفاق على جريمة أخرى طبقاً لنص المادة 43 من قانون العقوبات هو أمر موضوعي تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب ولا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دام حكمها يساير التطبيق السليم للقانون وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه إنما عاقب الطاعن الثاني على أساس أن القتل كان نتيجة محتملة لاتفاقه مع الأول على ارتكاب جريمة ضرب المجني عليه بما يجعله فى صحيح القانون مسئولاً عن فعل القتل المرتكب ولو لم يكن باشره بنفسه بل ارتكبه الطاعن الأول المتفق معه على ارتكاب جريمة الضرب فإن ما ينعاه الطاعن الثاني على الحكم من خطأ فى تطبيق القانون فى هذا الخصوص يكون غير سديد .
(الطعن رقم 26156 لسنة 75 ق - جلسة 2007/01/17 س 58 ص 80 ق 15)
2 ـ لما كان من المقرر أن اعتبار جريمة معينة نتيجة محتملة للاتفاق على جريمة أخرى طبقاً لنص المادة 43 من قانون العقوبات هو أمر موضوعى تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب ولارقابة لمحكمة النقض عليها مادام حكمها يساير التطبيق السليم للقانون . وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه إنما عاقب المطعون الثالث على الاشتراك فى قتل المجنى عليها على أساس أن القتل كان نتيجة محتملة لاتفاقه مع الطاعنين الأول والثانى على ارتكاب السرقة بظروفها التى وقعت فيها ولم تقع إلا تسهيلاً لارتكابها أثناء قيام الطاعنين بتنفيذها بما يجعله فى صحيح القانون مسئولاً عن فعل القتل المرتكب ولو لم يكن باشر بنفسه بل ارتكبه أخر من المتفقين معه على ارتكاب جريمة السرقة . وهو مالا ينازع الطاعن فى صحة ما أوردة الحكم فى شأنه .
(الطعن رقم 24963 لسنة 66 ق - جلسة 1998/12/15 س 49 ص 1468 ق 208)
3 ـ من المقرر أن اعتبار جريمة معينة نتيجة محتملة للاتفاق على جريمة أخرى طبقاً لنص المادة 43 من قانون العقوبات هو أمر موضوعى تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب ولا رقابة لمحكمة النقض عليها مادام حكمها يساير التطبيق السليم للقانون . وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه إنما عاقب الطاعن الثانى والمتهم الثالث على أساس أن القتل كان نتيجة محتملة لا تفاقمها مع الأول على ارتكاب السرقة بظروفها التى وقعت فيها بما يجعلهما فى صحيح القانون مسئولين عن فعل القتل المرتكب ولو لم يكون باشراه بنفسيهما بل ارتكبه الطاعن الأول المتفق معهما على ارتكاب جريمة السرقة ، فإن ما ينعاه الطاعن الثانى على الحكم من خطأ فى تطبيق القانون فى هذا الخصوص يكون غير سديد .
(الطعن رقم 10143 لسنة 64 ق - جلسة 1996/04/21 س 47 ع 1 ص 556 ق 78)
(الطعن رقم 1587 لسنة 48 ق - جلسة 1979/01/18 س 30 ع 1 ص 118 ق 21)
4 ـ لما كانت المادة 43 من قانون العقوبات و إن جاءت على خلاف الأصل فى المسئولية الجنائية من أن الجاني لا يسأل إلا عن الجريمة التى إرتكبها أو إشترك فيها بإحدى الطرق المنصوص عليها فى المادة 40 من القانون ذاته ، إلا أن الشارع إذ تصور حالات تقع فيها نتائج غير مقصودة و إنما تقع نتيجة محتملة للمساهمة فى الجريمة الأصلية المقصودة إبتداء وفقاً للمجرى العادى للأمور ، قد خرج عن ذلك الأصل و جعل المتهم مسئولاً أيضاً عن النتائج المحتملة لجريمته الأصلية متى كان فى مقدوره أو كان من واجبه أن يتوقع حدوثها ، على أساس إفتراض أن إرادة الجاني لابد أن تكون قد توجهت نحو الجرم الأصلى و نتائجه الطبيعية ، و هو ما نص عليه فى المادة 43 من قانون العقوبات ، التى و إن كانت قد وردت فى باب الإشتراك إلا أنها قد وردت فى باب الأحكام الإبتدائية فدل الشارع بذلك و بعبارتها الصريحة المطلقة على أنها إنما تقرر قاعدة عامة هى أن مناط تقدير الإحتمال إنما يكون بالنظر إلى الجريمة التى إتجهت إليها إرادة الفاعل إبتداء و بالذات و ما يحتمل أن ينتج عنها عقلاً و بحكم المجرى العادى للأمور .
(الطعن رقم 6007 لسنة 58 ق - جلسة 1988/12/08 س 39 ع 1 ص 1261 ق 195)
5 ـ من المقرر أن يسأل الجاني بصفته فاعلاً أصلياً فى جريمة إحداث عاهة مستديمة إذا كان قد اتفق مع غيره على ضرب المجني عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذاً لهذا الغرض الإجرامي الذي اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت العاهة بل كان غيره ممن اتفق معهم هو الذي أحدثها ولما كان يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه وإن نفى توافر ظرف سبق الإصرار فى حق الطاعنين إلا أن ما ساقه من ثبوت اقتحامهما سوياً مكتب المجني عليه يحمل أولهما آلة حديدية والثاني شاطوراً انها لا بهما ضرباً عليه - وذلك بسبب تجدد نزاع قديم محتدم بين الطرفين على ملكية المدبغة - مما يقطع بتوافر اتفاقهما على التعدي على المجني عليه بما يتعين معه مساءلة كل منهما عن جريمة إحداث عاهة مستديمة بصرف النظر عمن باشر منهما الضربة التي نجمت عنها العاهة - فيكون منعاهما على الحكم فى صدد اعتبارهما فاعلين أصليين فى الجريمة غير سديد، فضلاً عن عدم جدواه ما دامت العقوبة المقررة للشريك طبقاً لنص المادة 43 من قانون العقوبات هي نفس عقوبة الفاعل الأصلي.
(الطعن رقم 767 لسنة 43 ق - جلسة 1973/12/04 س 24 ع 3 ص 1150 ق 235)
6 ـ متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أن محكمة إعادة المحاكمة ساقت فى حكمها المطعون فيه وهي بصدد بيانها لواقعة الدعوى أن المطعون ضدهما الأول والثاني والمجني عليه توجهوا ليلاً لسرقة أحد المحال، وكان المطعون ضده الأول يحمل سلاحاً نارياً "فرد خرطوش" وأنه والمجني عليه تقدما إلى المحل وحاولا فتح نافذته بينما وقف المطعون ضده الثاني يرقب الطريق وعندما شعر بهم صاحب المحل وأطل عليهم من النافذة معنفاً إياهم، أطلق عليه المطعون ضده الأول عياراً نارياً من السلاح الناري بقصد قتله فأخطأه وأصاب المجني عليه وأودى بحياته، ثم حصلت المحكمة أقوال المطعون ضده الثاني بما يفيد إقراره بأنه أثناء سيره مع المطعون ضده الأول والمجني عليه شعر باتفاقهم على ارتكاب جريمة سرقة ثم خلصت المحكمة إلى عدم مساءلة المطعون ضده الثاني وبراءته مما أسند إليه لعدم مقارفته أي فعل من الأفعال المكونة للجريمة واطمئنانها منها لتصويره وأن نيته لم تكن قد انعقدت مع المطعون ضده الأول والمجني عليه على ارتكاب جناية السرقة. وإذ كان هذا الاستخلاص ينبئ بذاته عن أن المحكمة كانت على بينة من أن المطعون ضده الثاني لم يكن مساهماً فى ارتكاب الجريمة سواء بطريق الاشتراك أو كفاعل أصلي، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد جانب صحيح القانون حين انتهى إلى تبرئة ذلك المطعون ضده. ومن ثم فإن ما تثيره النيابة العامة من أن الحكم المطعون فيه فاته مساءلة المطعون ضده الثاني طبقاً لنص المادة 43 من قانون العقوبات على اعتبار أن جناية القتل كانت نتيجة متوقعة لجناية الشروع فى السرقة مع حمل سلاح التي قصد ارتكابها، يكون غير سديد.
(الطعن رقم 1297 لسنة 38 ق - جلسة 1968/11/04 س 19 ع 3 ص 916 ق 182)
7 ـ إعتبار جريمة معينة نتيجة محتملة للإتفاق على جريمة أخرى طبقاً لنص المادة 43 من قانون العقوبات ، هو أمر موضوعى تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب و لا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دام حكمها يساير التطبيق السليم لحكم القانون .
(الطعن رقم 657 لسنة 25 ق - جلسة 1955/12/27 س 6 ع 2 ص 1561 ق 461)
8 ـ إن الاتفاق الجنائي بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جريمة ضرب يجعل كلاً منهم مسئولاً بصفته شريكاً بالاتفاق عما يقع من الباقين تنفيذاً لهذا الاتفاق، كما يجعله مسئولاً أيضاً عن المضاعفات الناتجة عن الضرب. وذلك لأن القانون نص على تشديد العقاب فى حالة هذه المضاعفات لمجرد حصولها ولو لم تكن مقصودة بذاتها من الضارب، فتستوي فى ذلك مسئولية الفاعل الأصلي والشريك. وما دام ما وقع من الفاعل الأصلي لم يخرج عما حصل الاتفاق عليه مع الشركاء فلا محل مع هذا للرجوع إلى المادة 43 من قانون العقوبات، لأن هذه المادة تفترض وقوع جريمة أخرى غير التي تناولها فعل الاشتراك. فإذا قدم متهمون إلى قاضي الإحالة لمحاكمتهم بالمادتين 240/1 و2 و242/1 و2 من قانون العقوبات لإحداثهم بالمجني عليه إصابات تخلفت عن إحداها عاهة مستديمة وكان ذلك منهم عن سبق الإصرار، وقرر قاضي الإحالة أن لا وجه لإقامة الدعوى ضدهم فى جناية الضرب الذي نشأت عنه العاهة لعدم معرفة محدثه من بين المتهمين وبإحالتهم إلى النيابة لإجراء اللازم لمحاكمتهم جميعاً على جنحة ضربهم المجني عليه مع سبق الإصرار طبقاً للمادة 241/2، واستند فى قراره هذا إلى أن المتهم الذي أحدث العاهة بالمجني عليه غير معروف، فإن ما أثبته فى قراره من توافر ظرف سبق الإصرار فى الجريمة المسندة إلى المتهمين يلزم عنه وحده أنهم اتفقوا جميعاً على الاعتداء على المجني عليه بالضرب، وهذا يقتضي اعتبار كل منهم مسئولاً كشريك بالاتفاق مع كل من الباقين عما وقع منه من ضرب وعن مضاعفات هذا الضرب.
(الطعن رقم 986 لسنة 9 ق - جلسة 1939/04/24 س ع ع 4 ص 540 ق 380)
9 ـ إن ظرف حمل السلاح ظرف مادي يؤخذ به جميع الشركاء وتشدد عليهم العقوبة بسببه، ولو لم يثبت أنهم كانوا يعلمون به أو أنهم اتفقوا على حمله. وإذا استعمل حامل السلاح سلاحه فى جرح أو قتل وجبت مؤاخذة جميع الشركاء بهذا الفعل على اعتبار أنه نتيجة محتملة للجريمة الأصلية المتفق على ارتكابها، وذلك عملاً بأحكام المادة 43 من قانون العقوبات.
(الطعن رقم 1611 لسنة 4 ق - جلسة 1934/10/29 س ع ع 3 ص 375 ق 282)
10 ـ الاتفاق على ارتكاب جريمة ما كاف وحده، بحسب المادة 43 من قانون العقوبات، لتحميل كل من المتفقين نتيجة ذلك الاتفاق، ولو كانت الجريمة التي وقعت بالفعل غير تلك التي اتفق على ارتكابها، متى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة لذلك الاتفاق الذي تم على ارتكاب الجريمة الأخرى. ذلك بأن الشريك مفروض عليه قانوناً أن يتوقع كافة النتائج التي يحتمل عقلاً وبحكم المجرى العادي للأمور أن تنتج عن الجريمة التي اتفق مع شركائه على ارتكابها. فإذا اتفق شخص مع آخرين على سرقة منزل شخص معين، فإن القانون يفرض, بحكم المادة 43 عقوبات، على هذا الشخص وعلى غيره من الشركاء أن يتوقعوا أن يستيقظ المجني عليه عند دخولهم منزله فيقاوم دفاعاً عن ماله فيحاول اللصوص إسكاته خشية الافتضاح، فإذا عجزوا عن إسكاته قضوا على حياته ليأمنوا شره. تلك حلقات متسلسلة تتصل أخراها بأولاها اتصال العلة بالمعلول، فكل من كانت له يد فى أولى الحوادث - وهي حادثة السرقة- يجعله القانون مسئولاً بصفته شريكاً عن الحادثة الأخيرة وهي حادثة القتل، باعتبارها نتيجة محتملة للأولى. وإذا لم يكن فى الاستطاعة مؤاخذة ذلك الشخص على اعتبار أنه شريك فى القتل بنية مباشرة، لعدم قيام الدليل على ذلك، فإن وجوده فى مكان جريمة السرقة كاف وحده لمؤاخذته قانوناً بقصده الاحتمالي فيما يتعلق بجريمة القتل، على اعتبار أنه كان يجب عليه أن يتوقع كل ما حصل إن لم يكن توقعه فعلاً. ومسئوليته فى القتل بنية احتمالية تتحقق ولو ثبت أنه لم يكن يحمل سكيناً أو ساطوراً أو أية أداة أخرى.
(الطعن رقم 10 لسنة 4 ق - جلسة 1934/01/08 س ع ع 3 ص 234 ق 180)
يشترط لتقرير مسئولية الشريك عن الجرائم الأخرى التي يرتكبها الفاعل ثلاثة شروط وهي :
۱) توافر أركان الاشتراك.
۲) ارتكاب الفاعل لجريمة مختلفة عما قصده الشريك.
۳) أن تكون الجريمة الأخرى المرتكبة نتيجة محتملة لأفعال الاشتراك.
وفيما يلي تفصيل لكل شرط :
1- توافر أركان الاشتراك يتعين أن يتوافر في جانب الشريك أركان الاشتراك وهذا يقتضي أن تكون إرادته قد انصرفت إلى تحقيق فعل معاقب عليه. أما إذا كان ما انصرفت إليه الإرادة لا عقاب عليه فإن المادة 43 لا تنطبق وينبني على ذلك أنه إذا أمر شخص عاملاً لديه بالسعي لدى جهة الإدارة الحفظ مخالفة وقعت عليه فلجأ العامل في سبيل ذلك إلى عرض الرشوة على الموظف المختص فلا شأن لرب العمل بهذه الجريمة وإذا تنازع اثنان على حيازة عقار فأقام أحدهما حارساً وكلفه بمنع الغير من البناء فاعتدى الحارس بالضرب على الخصوم فلا شأن لمن عهد إليه بالحراسة بهذه الجريمة ولا يختلف الحكم في الحالين ولو كان رب العمل يعرف عن العامل في المثال الأول سوء السلوك وعن الحارس في المثال الثاني حدة الطبع لأن كليهما لم يحرض تابعه على ارتكاب فعل معاقب عليه ولهذا فإنه ينفي عند تطبيق المادة 43 أن يبين حكم الإدانة الجريمة التي اتجهت إليها إرادة الشريك وإلا كان قاصراً.
2- ارتكاب الفاعل لجريمة مختلفة عما قصده الشريك ومعنى ذلك أن تكون الجريمة التي وقعت بالفعل " جريمة أخرى غير التي اشترك الجاني مع الفاعل في ارتكابها مثلاً اتفق على سرقة فوقع القتل أو حرض على القتل فوقع اغتصاب أو ضرب أفضى إلى عاهة أو إجهاض. ومعنى ذلك أن الجريمة التي وقعت قد تناولت " بالعدوان" مصلحة قانونية أخرى غير المصلحة محل الحماية القانونية في الجريمة التي أسهم فيها بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة يستوي في ذلك أن تكون الجريمة المغايرة مساوية للجريمة التي اشترك فيها أو أقل منها أو أشد منها جسامة ومثال الجريمة المساوية الاتفاق على قتل شخص فيقتل الفاعل شخصاً آخر ومثال الجريمة الأقل جسامة التحريض على القتل فيرتكب القاتل ضرباً أو جرحاً ومثال الجريمة الأشد جسامة أن يساعد الشريك الفاعل في جريمة سرقة بأن يترك له البيت مفتوحاً فيرتكب الفاعل جريمة قتل.
3- أن تكون الجريمة الأخرى نتيجة محتملة لفعل الاشتراك:
ولقد استقر الفقه والقضاء على اعتبار النتيجة المحتملة إذا كانت نتيجة متوقعة دفعاً للمجرى الطبيعي أو العادي للأمور بمعنى أن الشريك يسأل عنها إذا كانت تعتبر نتيجة متوقعة لأفعال الاشتراك وفقاً لسير الأمور العادي معنى ذلك أنه لا يشترط أن يكون الشريك قد توقعها فعلاً كما لا تنتفي مسئوليته لمجرد عدم توقعه لها فهو يسأل عنها مادامت هي تكون بذاتها نتيجة متوقعة تطبيقاً لسير الأمور العادية بمعنى أن المشرع اكتفى بإمكان التوقع لكى يسأل الشريك لبيان ما إذا قد قام لديه من عدمه وإنما هو معيار موضوعي ينظر فيه إلى الشخص المعتاد لبيان ما إذا كان يمكنه في الظروف التي تصرف فيها الجاني أن يتوقع ارتكاب حدوث النتيجة التي حققها الفاعل من عدمه .
وخلاصة ما سلف هو أن الشريك مفروض عليه قانوناً أن يتوقع كافة النتائج التي يحتمل عقلاً وبحكم المجرى العادي للأمور أن تنتج عن الجريمة التي أراد المساهمة في أركانها فهو مسكول سواء توقع النتيجة أم لم يتوقعها مادامت هي متوقعة في ذاتها. ويلاحظ أن مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة وفقاً للمادة 43 عقوبات تستلزم أن يكون الفعل الأصلي المتفق على ارتكابه جريمة في ذاته فإذا لم يكن كذلك فلا يسأل عن نتائجه المحتملة إلا من يحدثها فعلاً. ومن المستقر عليه أن القتل يعد نتيجة محتملة للاشتراك في السرقة أو الإتلاف هذا وتقدير كون الجريمة نتيجة محتملة للإشتراك الحاصل بين المتهمين أمر موضوعى تفصل فيه محكمة الموضوع على ضوء ظروف الواقعة وملابساتها .
مسئولية الفاعل في حالة ارتكاب فاعل آخر جريمة محتملة :
جاء نص المادة 43 عقوبات مقصوراً على الشريك ومع ذلك جرى قضاء النقض على تطبيقه على الفاعل الأصلي الذي يرتكب الجريمة مع فاعل آخر فيما لو ارتكب الأخير جريمة محتملة. (موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار / مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول، دار محمود الصفحة / 452)
مسئولية الشريك في حالة ارتكاب جريمة غير التي أرادها:
تمهيد : قد لا يرتكب الفاعل الجريمة التي أرادها الشريك وإنما يرتكب جريمة أخرى، فهل يسأل الشريك عنها ؟ وتضم هذه الحالة صورتين : فقد تكون الجريمة التي يرتكبها الفاعل أقل جسامة من الجريمة التي أرادها الشريك، وقد تكون أشد جسامة، وإذا قلنا بمسئولية الشريك عن جريمة الفاعل، فهل يكون للأخير نفس الحكم إذا ارتكب فاعل آخر أو شريك جريمة غير التي كانت موضوعاً للمساهمة الجنائية ؟
مسئولية الشريك في حالة ارتكاب الفاعل جريمة أقل جسامة، قد يرتكب الفاعل جريمة أقل جسامة من تلك التي أرادها الشريك، مثال ذلك أن يحرض شخص على قتل فيرتكب الفاعل ضرباً بسيطاً أو يقتصر نشاطه على الشروع في القتل، أو أن يحرض على تزوير في أوراق رسمية فلا يرتكب الفاعل غير تزوير في أوراق عرفية، فهل يسأل الشريك عن الجريمة التي أراد المساهمة فيها، وهي الجريمة الجسيمة، أم تقتصر مسئوليته على الجريمة التي ارتكبت فعلاً، وهي أقل جسامة ؟
تصادفنا في هذا الشأن قاعدة استمداد الشريك إجرامه من نشاط الفاعل وتقرر هذه القاعدة أن مصدر الصفة غير المشروعة النشاط الشريك هو الصفة غير المشروعة النشاط الفاعل، فإذا لم يوجد هذا المصدر لأن نشاط الفاعل مشروع أو لأن هذا النشاط لم يصدر عنه إطلاقاً، فإن نشاط الشريك يتجرد بدوره من الصفة غير المشروعة، وإذا تضاءل نصيب نشاط الفاعل من هذه الصفة عما توقعه الشريك وأراده تضاءل تبعاً لذلك نصيب نشاط الشريك من هذه الصفة . ويعني ذلك أنه بقدر ما تتضاءل الصفة غير المشروعة لنشاط الفاعل وتقل تبعاً لذلك مسئوليته تتضاءل في الوقت نفسه الصفة غير المشروعة لنشاط الشريك وتقل مسئوليته، فالشريك يسأل عما ارتكب فعلاً لا عما أراد أن يرتكب : فإذا أراد الشريك أن يساهم في جريمة جسيمة فارتكب الفاعل جريمة أقل جسامة سئل الشريك عن الثانية دون الأولى، إذ أن مصدر إجرامه وسبب مسئوليته كامن في الجريمة الثانية وحدها، وتطبيقاً لذلك، فإذا حرض الشريك على قتل فارتكب الفاعل ضرباً أو جرحاً أو اقتصر نشاطه على الشروع في القتل، فالشريك مسئول عن الضرب أو الجرح أو الشروع في القتل، ولا محل لأن يسأل عن قتل تام وإذا حرض الشريك على تزوير في محررات رسمية فلم يقترف الفاعل غير تزوير في محررات عرفية، فالشريك مسئول عن هذا الأخير، لا عن التزوير الذي حرض عليه .
ولكن هل هذه القاعدة مطلقة ؟ يحد من إطلاقها كون القصد الجنائي من أركان الإشتراك في الجريمة العمدية، فلا يسأل الشريك عن جريمة إلا إذا اتجه قصده إليها . ويتجه قصد الشريك بداهة إلى الجريمة التي أراد المساهمة فيها، وهو لا يتوقع في الغالب أن يقتصر نشاط الفاعل علي جريمة أقل منها جسامة، ولكن ذلك لا يعني أنه لا يسأل إطلاقا عن هذه الأخيرة، وإنما يعني أن مسئوليته عنها مشروطة بأن يشملها قصده، أي أن يكون قصده شاملاً للجريمتين : الجريمة التي أراد المساهمة فيها والجريمة التي ارتكبت فعلاً، ويتحقق هذا الشمول إذا اشتركت الجريمتان في أغلب مادياتهما، أي توافرت للجريمة الأشد العناصر المادية التي توافرت للجريمة الأقل ثم امتازت الأولى بماديات لم تتوافر للثانية؛ واشتراك الجريمتين في ماديتها على هذا النحو يؤدي إلى أن يكون القصد الجنائي المتجه إلي الجريمة الأشد جسامة شاملاً في الوقت نفسه الجريمة الأقل جسامة . وعلى هذا النحو، فالقصد المتجه إلى القتل يشمل في الوقت نفسه الشروع في القتل كما يشمل الضرب أو الجرح، والقصد الجنائي المتجه إلى التزوير في محرر رسمي يشمل التزوير في المحرر العرفي، ولذلك يسأل من أراد الإشتراك في قتل عن الشروع فيه أو عن الضرب أو الجرح، ويسأل من أراد الاشتراك في تزوير في محرر رسمي عن تزوير في محرر عرفي . فإذا انتفى هذا الشرط، فلم يكن قصد الشريك متجها إلى الجريمة التي ارتكبت فعلاً، فلا يسأل الشريك عن أيهما : لا يسأل عن الأولى لأنها لم ترتكب، ولا يسأل عن الثانية لانتفاء قصد الإشتراك فيها : فإذا أعار شخص سيارته لتهريب مخدرات فارتكبت بها إصابة غير عمدية ولم ترتكب جريمة تهريب المخدرات فلا يسأل الشريك عن أيهما، وإذا حرض شخص على قتل فارتكب الفاعل قذفاً أو سباً ضد المجنى عليه ولم يرتكب القتل فلا يسأل الشريك كذلك عن أيهما .
مسئولية الشريك في حالة ارتكاب الفاعل جريمة أشد جسامة : قد يرتكب الفاعل جريمة أشد جسامة من التي أرادها الشريك، فهل يسأل عنها في جميع الحالات أو بعضها، وما القواعد التي تحدد مسئوليته ؟ مثال ذلك أن يحرض شخص على سرقة أو إتلاف، فيقتل الفاعل المجني عليه أو شخصا آخر حاول مقاومة تنفيذ الجريمة، أو يشعل النار في مكان الجريمة الإخفاء معالمها، أو تسنح له فرصة اغتصاب امرأة صادفها في مسكن المجني عليه فيفعل ذلك؛ أو أن يحرض على تزوير محرر عرفي فيضيف إليه الفاعل تزويراً في محرر رسمى . حدد الشارع حكم هذا الوضع في المادة 43 من قانون العقوبات التي تقرر أن « من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها ولو كانت غير التي تعمد ارتكابها متى كانت الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتمله للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة التي حصلت .
شروط مسئولية الشريك عن جريمة الفاعل : لا يسأل الشريك عن جريمة الفاعل إذا كانت مختلفة عما قصده الشريك إلا إذا اجتمع شرطان : الأول، توافر أركان الإشتراك؛ والثاني، كون الجريمة المرتكبة نتيجة محتملة لأفعال الإشتراك.
فالشرط الأول يبرره أن نصوص القانون الخاصة بالمسئولية عن النتيجة المحتملة إنما تطبق على الشريك، ولا يعد المتهم شريكاً إلا إذا توافرت أركان الإشتراك التي يتطلبها القانون وأهم هذه الأركان أن يتجه نشاط الشريك إلى فعل غير مشروع، فإن لم يتوافر هذا الركن، فكان اتجاهه إلى فعل مشروع ثم ارتكبت جريمة تعد نتيجة محتملة له، فلا يسأل عنها غير من ارتكبها، ذلك أن من صدر عنه هذا النشاط ليست له صفة الشريك في نظر القانون، فلا محل لأن تطبق عليه أحكام وضعت للشريك : فإذا طلب شخص إلى آخر أن يمنع ثالثاً من دخول عقار فارتكب الشخص الذي طلب إليه ذلك قتلاً لينفذ هذا الأمر، فلا يعد الأمر مسئولاً عن القتل ولو كان نتيجة محتملة للأمر. أما الأركان الأخرى للإشتراك فلا يثير التحقق منها صعوبة .
ويتطلب الشرط الثانى کون الجريمة التي يرتكبها الفاعل نتيجة محتملة لأفعال الإشتراك، ويبرر هذا الشرط وجوب قيام علاقة وثيقة بين نشاط الشريك والجريمة التي يسأل عنها، إذ بغير هذه العلاقة لا يكون وجه المسئولية الشريك عن جريمة لا صلة بينها وبين نشاطه وتقتضي دراسة هذا الشرط تحديد معيار الاحتمال ثم استخلاص طبيعته لمعرفة ما إذا كان معياراً موضوعياً أم شخصياً : استقر في الفقه والقضاء القول بأن جريمة الفاعل تعد نتيجة محتملة لأفعال الإشتراك إذا كانت متوقعة وفقاً للمجرى العادي للأمور، أي كان في استطاعة الشريك ومن واجبه أن يتوقعها ولو لم يكن قد توقعها فعلاً، « ذلك أن الشريك مفروض عليه قانوناً أن يتوقع كافة النتائج التي يحتمل عقلاً وبحكم المجرى العادي للأمور أن تنتج عن الجريمة التي أراد المساهمة في ارتكابها.
وعلى هذا النحو، فإن معيار الاحتمال ليس شخصياً، إذ لا يعتمد على فحص النفسية الشريك لتحديد ما إذا كان قد توقع النتيجة فعلاً أم لم يتوقعها، وهو كذلك ليس معياراً موضوعياً خالصاً، إذ لا يقصر بحثه على العلاقة المادية بين أفعال الإشتراك والجريمة، وإنما يتساءل عن مدى استطاعة الشريك توقع الجريمة ووجوب ذلك عليه، وبديهي أننا لا نستطيع تحديد الاستطاعة والوجوب إلا إذا تبيناً الظروف التي اقترف الشريك فيها نشاطه، وما إذا كانت تسمح له باستطاعة التوقع وتجعله واجباً عليه . وفي عبارة أخرى، فنحن نتساءل وفقا لهذا المعيار عما إذا كان شخص معتاد أحاطت به ظروف الشريك يستطيع أن يتوقع - حينما يقترف الفعل المسند إلى الشريك – ارتكاب الجريمة التي أقدم الفاعل عليها . فالمعيار موضوعی في أصله، ولكن تدخل في تكوينه عناصر شخصية . وتطبيقاً لهذا المعيار، فإن القتل يعد نتيجة محتملة للإشتراك في السرقة أو الإتلاف أو الإغتصاب؛ ولكن لا يعد القذف أو السحب أو هتك العرض نتيجة محتملة للإشتراك في السرقة أو الإتلاف.
الأساس القانوني المسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة: نريد بالبحث في الأساس القانوني لهذه المسئولية معرفة ما إذا كان الشارع قد خرج على المبادىء القانونية العامة أم التزمها حينما أقر هذه المسئولية . وفي تعبير آخر : هل توافرت أركان الإشتراك بالنسبة للنتيجة المحتملة ؟ وعلى وجه التخصيص : هل توافر لدى الشريك القصد الجنائي بالنسبة لهذه النتيجة ؟
يذهب الرأي المستقر في الفقه والقضاء إلى القول بتوافر القصد الاحتمالي بالنسبة إلى النتيجة المحتملة. وهذا الرأي معيب : ذلك أنه يغفل التحديد الدقيق لفكرة القصد الاحتمالي : فإذا كان القصد الاحتمالي نوعاً من القصد الجنائي فإن له حتما طبيعته، والقصد الجنائي في كل حالاته إرادة واعية اتجهت إلى مخالفة القانون بالإعتداء على حق أو أكثر يحميه، ولا تتصور هذه الإرادة إلا إذا قامت على أساس من العلم اليقيني بأركان الجريمة وعناصرها، ومن ثم كانت استطاعة العلم وحدها غير كافية، إذ استطاعة العلم تعني انتفاءه فعلاً. وعلى هذا النحو، كان التوقع الفعلي النتيجة الإجرامية عنصراً للقصد الجنائي، فكيف يستساغ القول بأن قصد الشريك قد توافر بالنسبة للنتيجة المحتملة على الرغم من أنه لم يتوقعها، أي على الرغم من انتفاء أحد عنصری القصد الجنائي لديه، و إنعدام التوقع يؤدي إلى انتفاء الإرادة المتجهة إلى النتيجة، إذ لا ينسب إلى شخص أنه أراد واقعة لم تدر بخاطره على الإطلاق، ويعني ذلك انعدام العنصر الثاني القصد الجنائي بالنسبة إلى النتيجة المحتملة . ونحن إذ نفي قيام مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة على أساس من القصد الاحتمالي، فنحن ننفي تبعاً لذلك اتساقها مع القواعد العامة في القانون، ونرى أن الشارع قد أقر مسئولية استثنائية، ولولا النص الخاص بها ما كان في الوسع إقرارها .
والرأي عندنا أن هذه المسئولية تقوم على أساس من القصد الجنائي المتجه إلى الجريمة التي أراد الشريك المساهمة فيها مضافاً إلى خطأ غير عمدي قد توافر بالنسبة للجريمة المحتملة، ويجمع الشارع بين القصد والخطأ ويقيم عليهما ركناً معنوياً مزدوج التكوين تعتمد عليه هذه المسئولية . وسندناً في هذا التكييف هو المبادىء العامة في القانون : فاستطاعة الشريك توقع النتيجة المحتملة ووجوب ذلك عليه واستطاعته تبعاً لذلك أن يحول دون حدوث هذه النتيجة فيقف المشروع الإجرامي عند القدر من الخطورة الذي يريده ووجوب ذلك عليه، هما جوهر الخطأ غير العمدي وفق التحديد الذي استقر له في الفقه. ولا يعدو التكييف الذي نقول به غير أن يكون استعمالاً لتعبير قانوني في موضعه الصحيح . ونحن لا ننكر بعد ذلك أن هذه الصورة للركن المعنوي شاذة، ومن ثم لم يكن محل للاعتراف بها إلا حيث يقررها القانون صراحة .
نقد مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة: إن النصوص التي تقرر مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة يعيبها تناقضها و المبادئ الأساسية في القانون: إذ لا يجوز أن يسأل شخص عمداً عن جريمة إلا إذا توافر لديه القصد الجنائي المتجه إليها، في حين أن هذه النصوص تجعل الشريك مسئولاً عمداً عن جريمة لم يتجه إليها قصده . ويعد التمييز بين المسئولية العمدية والمسئولية غير العمدية من المبادئ الأساسية في القانون، ولذلك كان الخلط بينهما واعتبار شخص مسئولاً عمداً عن نتيجة لم يتوقعها ولكن كان ذلك في استطاعته ومن واجبه أمراً غير متفق مع هذه المبادئ.
ولم تفلح المحاولات التي بذلت لتبرير هذه المسئولية : فهي ليست قائمة على أساس من القصد الاحتمالي، وليست الجريمة المحتملة مجرد ظرف عيني للجريمة التي أراد الشريك المساهمة فيها. وليس مقنعا قول تعليقات الحقانية على المادة 43 من قانون العقوبات أنه «لا غرض من هذه المادة في الحقيقة سوى تقرير قاعدة أن الجاني لا يمكن أن يدافع عن نفسه بقوله إنه لم يقصد النتائج التي كان من المحتمل أن يؤدي إليها عمله »، إذ لا يتضمن هذا القول تبريرا، وإنما يتضمن مجرد إفصاح عن قصد الشارع التوسع في نطاق المسئولية الجنائية وحرمان المتهم من وسيلة دفاع يتصور التجاؤه إليها دون بيان السند القانوني لذلك .
مسئولية الفاعل عن الجريمة المحتملة التي يرتكبها فاعل آخر: إذا تعدد الفاعلون في جريمة وارتكب أحدهم جريمة أخرى تعد نتيجة محتملة للأولى، فهل يسأل عن هذه النتيجة المحتملة سائر الفاعلين أم تقتصر المسئولية على من ارتكبها ؟ مثال ذلك أن يساهم فاعلان في سرقة ثم يقتل أحدهما المجنى عليه الذي قاوم تنفيذها، فهل يسأل عن القتل من اقترفه أم يسأل عنه كذلك الفاعل معه ؟ لا شك في أن مسئولية شخص عمدًا عن جريمة لم يتجه إليها قصده هي مسئولية استثنائية، ولذلك لا يكون للإعتراف بها محل إلا إذا وضع الشارع نصاً خاصاً يقرر ذلك، ومثل هذه النصوص يتعين أن تفسر تفسيراً ضيقاً لورودها على خلاف الأصل . وقد اقتصرت عبارة المادة 43 من قانون العقوبات على الإشارة إلى الشريك، فهل يعني ذلك أن يستبعد الفاعل من نطاقها ؟
استقر الرأي في الفقه والقضاء على تطبيق المادة 43 من قانون العقوبات على الفاعل إذا ارتكب فاعل آخر جريمة تعد نتيجة محتملة لمساهمتها . بل إن منطق هذا الرأي يقتضى القول بمسئولية الفاعل إذا ارتكب الشريك جريمة تعد نتيجة محتملة لأفعال المساهمة، والحجج التي يستند إليها هذا الرأي متعددة : فيرى البعض أن مسئولية الفاعل عن الجريمة المحتملة تقوم على أساس من القصد الاحتمالي، وهي بذلك لا تطلب نصاً خاصاً تعتمد عليه . ويرى آخرون أن الجريمة المحتملة هي ظرف مادی للجريمة محل المساهمة، فيسأل عنها كل الفاعلين والشركاء، تطبيقاً للقواعد العامة التي تطلق تأثير هذه الظروف على كل من ساهم في الجريمة . ويقرر بعض أنصار هذا الرأي أن الفاعل هو في الحقيقة شريك، أي أنه يجمع على هذا النحو بين صفتي الفاعل والشريك، لأن بلوغه مرتبة الفاعل . يعني أنه قد بلغ أولا مرتبة الشريك ثم جاوزها، باعتبار أن الفاعل أمعن إجراماً من الشريك ويستندون في النهاية إلى أن المثال الذي ذكرته تعليقات الحقانية لتوضيح المادة 43 من قانون العقوبات خاص بفاعلين لا بفاعل وشريك، إذ يفترض ذهاب السارقين ليلاً إلى مسكن لسرقته وقتل أحدهما من قاوم السرقة، ويستخلصون من ذلك أن الشارع قد أراد إقرار قاعدة مسئولية الفاعل عن الجريمة المحتملة. (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 526)
مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة لمساهمته:
الأصل أن مسئولية الشريك تتحدد بما قصد المشاركة فيه، غير أنه لما كانت جريمة الشريك تابعة لجريمة الفاعل الأصلي لذلك فإن الشريك لا يعاقب إذا عدل الفاعل عن إتمام الجريمة ولو كان هذا العدول على غير إرادة الشريك. كما أنه لا يسأل إلا عن الجريمة التي وقعت فعلاً ولو كان قد قصد الاشتراك في جريمة أشد منها، كأن يحرض شخص آخر على سرقة بإكراه، فيسرق بدون إكراه أو يتفق مع آخر على قتل خصم له فيكتفي الفاعل بضربه.
ولكن قد يحدث أن يرتكب الفاعل جريمة أشد من تلك التي قصد الشريك المساهمة فيها فهل يسأل عنها؟
الأصل أن مسئولية الشريك تتحدد بما قصد المشاركة فيه، فبهذا تقضي أحكام القصد الجنائي، غير أن المشرع خرج على هذا الأصل في المادة التي نحن بصددها والتي تقرر "من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها، ولو كانت غير التي تعمد ارتكابها متى كانت الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة التي حصلت". وعلى هذا فإذا حرض أحدهم آخر على سرقة بسيطة فارتكبها الفاعل مع الإكراه، وإذا أعطى أحدهم لآخر عصا لضرب خصمه فترتب على الضرب عاهة أو موت وإذا اتفق أحدهم مع أخر على اختلاس أموال عمومية فارتكب تزويراً لإخفاء اختلاسه، ففي جميع هذه الحالات يسأل الشريك عن الجريمة التي وقعت باعتبارها نتيجة محتملة لتحريضه أو مساعدته أو اتفاقه.
وتكون النتيجة محتملة إذا كان من الممكن توقع حصولها، فالمادة (43) عقوبات تفرض على الشريك أن يتوقع كافه النتائج التي يحتمل عقلاً وبحكم المجرى العادي للأمور أن تنتج عن مساهمته، سواء توقع هو هذه النتيجة أو لم يتوقعها، ما دامت هي متوقعة في ذاتها. أما إذا كانت النتيجة التي حدثت لا يتوقع حدوثها عادة وفقا للمجرى العادي للأمور، فان الشريك لا يسأل عنها .فإذا حرض أحدهم آخر على السرقة فارتكب الفاعل جناية هتك عرض أو مواقعه في المنزل المراد سرقته، فإن الشريك لا يسأل عن هذه الجناية لأنها ليست نتيجة محتملة لتحريضه.
و يتعين لمساءلة الشريك عن النتيجة المحتملة أن يكون الفعل الذي قصد أصلاً المساهمة فيه جريمة، فإذا لم يكن كذلك، فلا يسأل عن النتيجة التي تحدث إلا من يقوم بها فعلاً. ولذلك يجب أن يبين الحكم الجريمة التي قصد المساهمون ارتكابها حتى يكونوا مسئولين عن النتيجة التي تحدث.
وتقدير كون الجريمة يحتمل وقوعها نتيجة لأفعال الاشتراك أم لا، أمر موضوعي تستقل به محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض.
مسئولية الفاعل عن النتيجة المحتملة لمساهمته :
بالرغم من أن المادة (43) عقوبات جاءت بصدد مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة. إلا أننا نرى أنها تسري على الفاعل أيضاً. فإذا ساهم فاعلان في ارتكاب جريمة ووقعت نتيجة اشد من تلك التي كان يقصد ان اتيانها. فانهما يسألان عنها، إذا كان من المحتمل وفقاً للمجرى العادي للأمور أن يحدث نتيجة لسلوك أي منهما. وتبرير ذلك أن الفاعل يتقدم في طريق تنفيذ الجريمة خطوات أكثر من تلك التي يقطعها الشريك، ولا يقبل عدلاً ولا منطقاً أن يسأل الشريك عن النتيجة الاحتمالية وجريمته تابعة لجريمة الفاعل، بينما لا يسأل الفاعل عن هذه النتيجة وهو أكثر منه ولوغا في طريق الجريمة. وقد حدا ذلك بالبعض إلى القول بأن الفاعل يجمع بين صفتي الفاعل والشريك، الأمر الذي يجعله بالضرورة مسئولاً عن النتيجة الاحتمالية.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 447 )
المقصود بالجريمة المختلفة عن قصد الشريك :
وقبل بیان شروط تحمل المسئولية عن النتيجة المحتملة يتعين علينا توضيح المقصود بتعبير «جريمة غير التي تعمد ارتكابها» هل يشترط أن تكون الجريمة المختلفة هي فقط التي وقعت من الفاعل أم يشترط على العكس أن يكون الفاعل قد اقترف الجريمة المتفق عليها مع باقي الشركاء وزيادة عليها ارتكب جريمة مختلفة لم تكن محلا للاتفاق السابق أو لم يتجه إليها (قصد) الشريك؟
إن المتفق عليه هو انصراف حكم المادة 43 عقوبات إلى الفرض الذي يرتكب فيه الفاعل جريمة واحدة خلاف الجريمة التي اتجه إليها قصد المساهمين الآخرين كان ساهم شخص بإحدى الطرق المبينة بالقانون مع آخر لارتكاب جريمة سرقة فيرتكب الفاعل جريمة قتل أو هتك عرض فقط.
وفي هذه الحالة يتحمل الشريك مسئولية الجريمة التي وقعت مغايرة إذا ما توافرت الشروط التي تطلبتها المادة سالفة الذكر.
إلا أن المشكلة تثور في حالة ما إذا ارتكب الفاعل الجريمة التي انصرف إليها قصد المساهمين الآخرين وزاد عليها جريمة أخرى لم تكن محل قصد باقي المساهمين. مثال ذلك أن يكون اتفاق المساهمين على ارتكاب سرقة من أحد المنازل فيتم الفاعل فعل السرقة وينتهز فرصة وجود المجني عليها بفردها فيواقعها كرها عنها. فهل يمكن اعتبار تلك الجريمة الأخيرة تدخل في مضمون تعبير المادة 43 ع «جريمة غير التي تعمد ارتكابها» ويتعين مساءلة الشريك عنها متى توافرت مستلزمات الشريك التي تحدثت عنها المادة سالفة الذكر.
الواقع أن ظاهر النص قد يدعو إلى الاعتقاد بأن المشرع قد قصد الصورة التي ترتكب فيها جريمة واحدة تكون غير التي قصدها المساهمون الآخرون ومحافظة من الشارع على وحدة الجريمة التي تقع بالمساهمة من أكثر من شخص فقد وضع لها نصة استثنائية عالج فيه صورة المساهمة في الجريمة اكتفاء بركنها المادي دون الركن المعنوي ولذا اكتفى بتوافر رابطة سببية بين محل المساهمة لكي يمكن مساءلة الشخص عن تلك النتيجة التي لم ينصرف إليها قصده والتي اشترك مع الفاعل لا لتحقيقها وإنما لتحقيق الجريمة التي كان على الفاعل ارتكابها ولم يرتكبها بالفعل. هذا بالإضافة إلى أن ارتكاب الفاعل للجريمة محل الاتفاق أو المساعدة أو التحريض ثم ارتكابه زيادة عليها جريمة أخرى هو من قبيل استغلال الفرص التي أتاحها ارتكاب الجريمة محل المساهمة وقن ثم يتعين مساءلته عنها هو وحده دون باقي المساهمين الذين لم ينصرف قصدهم إليها وهذا نظراً لاعتبار مساءلة الشريك عن الجريمة المحتملة هو من قبيل الاستثناءات على القواعد العامة ولذلك فلا يتوسع في تفسيره .
غير أن تلك الاعتبارات وإن كان لها قوتها إلا أنها تخالف صريح المادة 43 عقوبات. فالجريمة التي وقعت ولم يقصد ارتكابها الشريك يمكن أن تشمل كلا الفرضين سالفي الذكر وهي حالة ارتكاب الجريمة محل الاشتراك بالإضافة إلى جريمة أخرى جديدة لم ينصرف إليها قصد الشريك كما يشمل أيضاً حالة ارتكاب جريمة واحدة غير التي قصد الشريك ارتكابها فالتعبير الذي استخدمه الشارع في المادة 43 عقوبات يشمل في مفهومه ومدلوله كلتا الحالتين.
هذا بالإضافة إلى أن مراد الشارع من النص لا يقتصر فقط على الحفاظ على وحدة الجريمة التي تقع بالمساهمة من أكثر من شخص بل قصد أيضاً عدم إفلات الشريك من المسئولية عن فعل الاشتراك الذي تسبب في وقوع الجريمة التي ارتكبها الفاعل حتى ولو كان الشريك لم يشملها بقصده، مكتفيا في ذلك بتوافر علاقة السببية بين وسيلة الاشتراك والنتيجة التي وقعت. ولسنا هنا بصدد توسع في تفسير نص يقرر استثنائياً على القواعد العامة، وبالتالي فيحظر التوسع في التفسير. حقاً أن النصوص التي تحدد حالات المسئولية الاستثنائية يتعين عدم التوسع في تفسيرها. ولكن يراعى من ناحية أخرى أن كون النص استثنائية ليس معناه تضييق تفسيره إلى الحد الذي يبتعد به عن مضمونه. فمضمون النص هنا يشمل الحالتين المشار إليهما دون حاجة إلى القول بأننا بصدد توسع في التفسير.
وسواء أكانت الجريمة المحتملة أشد جسامة أم أقل جسامة فيسأل عنها الشريك متى توافرت الشروط التي استلزمتها المادة لتلك المسئولية .
شروط مساءلة الشريك عن النتيجة المحتملة :
لكي يمكن مساءلة الشريك عن النتيجة المحتملة التي وقعت من الفاعل يتعين توافر شرطين أساسيين استقر عليهما الفقه والقضاء وهما توافر صفة الشريك أي قيام الاشتراك بأركانه في حق الشخص وكون الجريمة المرتكبة تعتبر نتيجة محتملة لفعل الاشتراك.
ولكن قبل فحص هذين الشرطين وبيان ما إذا كان من الممكن الاستغناء عنها بشرط واحد ألا وهو قيام رابطة السببية بين فعل الشريك والجريمة متى وقعت ولم يقصد ارتكابها، ينبغي التثبت من قيام صفة معينة في الجريمة المحتملة. فليست كل نتيجة محتملة يحققها الفاعل يسأل عنها الشريك بالتبعية وفقا للمادة 43 عقوبات بل ينبغي لامكان تلك المساءله ان تتحقق من أن النتيجة المحتملة قد حققها الفاعل عمداً . وبعبارة أخرى يشترط في الجريمة التي يرتكبها الفاعل ولم يتجه إليها قصد الشريك أن تكون جريمة عمدية وهذا ما يستفاد من ظاهر النص. فلا تقوم مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة إذا كانت تلك الأخيرة قد حققها الفاعل عن غير عمد كما هو شأن جرائم الخطأ والجرائم المتعدية القصد. فإذا ارتكب الفاعل جريمة يقوم عنصرها المعنوي على الخطأ غير العمدي فإنه يسأل عنها وحده كما يسأل عنها باقي المساهمين الذين توافر في حقهم الاشتراك أو المساهمة الأصلية وفقا للقواعد العامة، والحال كذلك بالنسبة للجرائم المتعدية القصد، فلو أحدث الفاعل نتيجة متعدية لقصده و قصد باقي الشركاء فإنهم جميعاً يسألون عنها ليس تطبيقاً للمادة 43 عقوبات في فقرتها التي تقرر المسئولية الاستثنائية التي نحن بصددها وإنما تطبيقاً للقواعد العامة للاشتراك والمساهمة في الجرائم المتعدية القصد. إذ تقتضي تلك القواعد أنه في مجال ذلك النوع من الجرائم ينصرف قصد المساهمين جميعاً والفاعلين إلى النتيجة الأقل جسامة ويسألون جميعاً عن النتيجة الأكثر جسامة متى قامت رابطة السببية بين فعل كل منهم والنتيجة كل هذا تطبيقاً للقواعد العامة في المساهمة الجنائية والتي تتناسب مع نوع الجريمة محل المساهمة، ولذلك فشرط مساءلة الشريك عن النتيجة المحتملة يفترض سلفاً إنها ارتكبت عمد من قبل الفاعل.
متى ارتكب الفاعل الجريمة غير التي قصدها الشريك فقد اشترط القانون لمساءلة الأخير شرطين أساسيين: الأولى قيام علاقة سببية بين فعل الاشتراك والنتيجة التي وقعت، والثاني توافر صفة الاحتمال في النتيجة. والواقع أن اشتراط توافر علاقة السببية بين فعل الشريك والنتيجة المحتملة يستخلص من صفة الشريك فتلك الصفة تستلزم رابطة سببية بين فعل الاشتراك والنتيجة، وبدون ذلك الرباط يستحيل القول بقيام الاشتراك. ويلاحظ أن المشرع اكتفى بتوافر الركن المادي للاشتراك وبنى عليه مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 598)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 35 ، 36 .
(مادة 27)
من اشترك في جريمة تعزيرية، فعليه عقوبتها، إلا ما استثني بنص خاص.
(مادة 30)
ينص القانون على الأحوال التي يعاقب فيها على التحريض أو الاتفاق أو المساعدة، ولو لم تقع الجريمة التي أريد ارتكابها.
وقد نصت المادة (27) على أن: «من اشترك في جريمة تعزيرية فعليه عقوبتها إلا ما استثني بنص خاصه ويتفق هذا النص مع القاعدة في الشريعة من أن العقوبات الحدية جعلت في الأصل المباشر الجريمة - أي فاعلها الأصلي - دون الشريك المتسبب، وتطبيق هذا مع القاعدة يقتضي أن من اشترك في جريمة حدية لا يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة وإنما يعاقب بالتعزير.
وقد نصت المادة (28) من المشروع على تأثير الظروف المادية والشخصية في مسئولية المساهمين في الجريمة.
وقد نصت المادة (30) على التنبيه إلى أن القانون قد نص على أحوال يعاقب فيها على التحريض أو الاتفاق أو المساعدة، ولو لم تقع الجريمة التي أريد ارتكابها.
تعدد الجناة
مادة (246):
1- إذا تعدد الجناة في جريمة موجبة للقصاص فللمجني عليه الحق في طلب القصاص منهم متى توافرت شرائطه في حق كل منهم، كما له الحق في العفو عنهم أو عن بعضهم على دية أو بدونها.
2- فإذا عفا عنهم على الدية قسمت عليهم بالتساوي، وإن عفا عن بعضهم فعلى
المعفو عنه قسطه من الدية.
مادة (247): إذا لم يكن الاشتراك بالمباشرة في الجريمة الموجبة للقصاص - يكتفى
بتوقيع العقوبة التعزيرية على الشريك وفقا لأحكام الاشتراك المقررة في هذا القانون.
مادة (248): إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده .
مادة (249): لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص أو
المسئولية أو تخفيفها أو القصد الجنائي على بقية الجناة.
الإيضاح
انتهج المشروع في أحكام تعدد الجناة ذات الأسس التي سبق إقرارها في باب الجناية على النفس، إذ إن القصاص فيها دون النفس يقوم - في أغلب أحكامه الأساسية - على ذات الأحكام التي يقوم عليها القصاص في النفس، فالمادة (246) تناولت أحكام تعدد الجناة في جريمة الاعتداء على ما دون النفس الموجبة للقصاص، وهذا التعدد هو من قبيل ما يطلق عليه تعدد الفاعلين المنصوص عليه في المادة (26) من هذا القانون ويعبر عنه في الشريعة الإسلامية عادة «بالاشتراك بالمباشرة»، وقد أخذ المشروع بالرأي القائل بالقصاص من الجماعة بالواحد، وذلك متى توافرت شروط القصاص بالنسبة إلى كل منهم، على غرار ما تم الأخذ به في مشروع الجناية على النفس، نزولا على قاعدة: «قتل الجماعة بالواحدة؛ لأن كل جناية على ما دون النفس وجب بها القصاص على الواحد وجب - بها على الجماعة کالنفس (نهاية المحتاج ج (7) ص (249) وما بعدها، المغني جـ (8) ص (271))، وغني عن البيان أن تعدد الفاعلين في ارتكاب الجريمة يقتضي بطبيعته الاتفاق عليها، وهو ما يعرف في الشريعة الإسلامية بالتمالؤ» وخاصة بمفهومه عند المالكية. هذا ويلاحظ أن المذهب الحنفي وإن أخذ بقاعدة قتل الجماعة بالواحد (بدائع الصنائع ج (7) ص (238))، إلا أنه لم يأخذ بالقاعدة المقابلة لها في جرائم الاعتداء على ما دون النفس وهي القصاص من الجماعة بالواحد؛ إذ يرى الأحناف أن المماثلة فيها دون النفس معتبرة، ولا مماثلة بين طرف وأطراف ومن ثم يمتنع - فيها دون النفس - القصاص من الجماعة بالواحد، وإنما يجب الأرش (المرجع السابق ص (299)، على أن الذين رأوا القصاص من الجماعة بالواحد فيما دون النفس، استندوا إلى أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده، ثم جاءا بآخر فقالا: هذا هو السارق وأخطأنا في الأول. فرد شهادتها على الثاني، وغرمها دية الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما. فأخبر بذلك أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة، ولأنه أحد نوعي القصاص (أي القصاص في النفس والقصاص فيها دون النفس)، فتؤخذ الجماعة بالواحد کالأنفس. ولذلك وجب القصاص على المشتركين في الظرف على وجه لا يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر كأن يشهدوا عليه عمدا بغير حق با یوجب قطعه فيقطع، ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا إنساناً على قطع طرف، أو يلقوا صخرة على طرف إنسان فتقطعه، أو يقطعوا أيد أو يقلعوا علينا بضربة واحدة، أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا عليها جميعا، أو يمدوها فتبين اليد، بخلاف ما إذا قطع كل واحد منهم من جانب، أو قطع أحدهم بعد المفصل وأتمه غيره أو ضرب كل واحد ضربة، أو وضعوا منشارا على مفصله ثم مده كل واحد إليه مرة حتى بانت اليد، فلا قصاص فيه؛ لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها.
وفي مذهب مالك أنه إذا تعدد العضو المجني عليه بأن قلع واحد عينه، وواحد قطع رجله وكانا متمالئين على قلع عينه وقطع رجله - تقلع عين كل واحد منهما وتقطع رجله، وإذا اتحد العضو المجني عليه كما إذا تمالأت جماعة على قطع شخص - فإنه يقطع كل واحد، والتمالؤ عند المالكية هو الاتفاق على ارتكاب الجريمة.
هذا وقد آثرت اللجنة الأخذ برأي الذين قالوا بالقصاص من الجماعة بالواحد کما سبق القول، وهي القاعدة التي التقى عليها الجمهور الأعظم من الفقهاء، ولا وجه للمغايرة بين القصاص في النفس وبين القصاص فيما دون النفس، وما أخذت به اللجنة هو الذي يتفق مع مذهب مالك والشافعي والظاهرة في مذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور.
حاشية الدسوقي ج (4) ص (245) و(250) و(251)، نهاية المحتاج ج- (7) ص (275)، المغني ج (8) ص (268) وما بعدها).
كذلك فإن المشروع أخذ في أحكام الاشتراك في جريمة الاعتداء على ما دون النفس، إذا تم هذا الاشتراك بالتسبب لا بالمباشرة - بذات النهج الذي سبق إقراره في صدد أحكام حد السرقة، فنص المشروع في المادة (247) على حكم من مقتضاه أنه إذا لم يكن الاشتراك في الجريمة الموجبة للقصاص اشتراگا بالمباشرة - كما إذا اقتصر الأمر على مجرد التحريض أو الاتفاق أو المساعدة دون ارتكاب الأفعال التنفيذية - فلا قصاص، وإنما يعاقب الشريك بالعقوبة التعزيرية التي تتحدد وفقا لأحكام هذا القانون وبحسب وصف الجريمة فيه.
وعالج المشروع في المادة (248) حالة الأمر بجريمة اعتداء على ما دون النفس موجبة للقصاص، فنص فيها على أنه إذا ارتكبت جريمة موجبة للقصاص بطريق الأمر وكان المأمور صبياً لم يتم السابعة من عمره، أو مجنوناً، أو به عاهة في العقل - اقتص من الآمر وحده (المغني ج (8) ص (350)).
وهنا نجد الآمر مسئولا، والمأمور ليس أهلاً للمسئولية الجنائية، فلا يؤاخذ بفعله، والمسئولية كلها على الأمر، والحنابلة والمالكية وبعض الشافعية يرون أن الأمر هو الذي يقتص منه، إذ إن غير المسئول کالآلة في يد الآمر، ولا يذهب الدم هدراً (العقوبة ص (548)).
كما نص المشروع في المادة (249) على أنه لا أثر للظروف الخاصة بأحد الفاعلين من حيث امتناع القصاص، أو المسئولية، أو تخفيفها، أو القصد الجنائي على بقية الجناة. وقد استخلصت أحكام هذه المادة من اتجاهات بعض المذاهب والفقهاء في صدد الفروض التي تندرج تحت حكم هذه المادة وخاصة في جرائم القتل، ومثال ذلك أنه إذا وقعت الجريمة من أب على ابنه واشترك مع الأب غيره - فإن امتناع القصاص بالنسبة إلى الأب لا يؤثر على وجوب القصاص من شريكه إذا توافرت شروط القصاص، وكذلك الشأن بالنسبة إلى اشتراك المكلف مع غير المكلف.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 195
إِعَانَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الإْعَانَةُ لُغَةً: مِنَ الْعَوْنِ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الأَْمْرِ.
يُقَالُ: أَعَنْتُهُ إِعَانَةً، وَاسْتَعَنْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فَأَعَانَنِي. كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ مِعْوَانٌ، وَهُوَ الْحَسَنُ الْمَعُونَةِ، وَكَثِيرُ الْمَعُونَةِ لِلنَّاسِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الإْغَاثَةُ:
- الإْغَاثَةُ: هِيَ الإْعَانَةُ وَالنُّصْرَةُ فِي حَالِ شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.
أَمَّا الإْعَانَةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.
الاِسْتِعَانَةُ: هِيَ طَلَبُ الْعَوْنِ. يُقَالُ: اسْتَعَنْتُ بِفُلاَنٍ فَأَعَانَنِي وَعَاوَنَنِي وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ».
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإْعَانَةِ بِحَسَبِ أَحْوَالِهَا، فَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُبَاحَةً أَوْ مَكْرُوهَةً أَوْ مُحَرَّمَةً.
الإْعَانَةُ الْوَاجِبَةُ:
أ - إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ:
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ إِعَانَةِ الْمُضْطَرِّ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِإِعْطَائِهِ مَا يَحْفَظُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَكَذَلِكَ بِإِنْقَاذِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُعَرِّضُهُ لِلْهَلاَكِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَتِ الإْعَانَةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا عَيْنِيًّا، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا كِفَائِيًّا عَلَى الْقَادِرِينَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِلاَّ أَثِمُوا جَمِيعًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُمْ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. ؟،
وَمِثْلُ ذَلِكَ إِعَانَةُ الأْعْمَى إِذَا تَعَرَّضَ لِهَلاَكٍ، وَإِعَانَةُ الصَّغِيرِ لإِنْقَاذِهِ مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهِ.
ب - الإْعَانَةُ لإِنْقَاذِ الْمَالِ:
تَجِبُ الإْعَانَةُ لِتَخْلِيصِ مَالِ الْغَيْرِ مِنَ الضَّيَاعِ قَلِيلاً كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا، حَتَّى أَنَّهُ تُقْطَعُ الصَّلاَةُ لِذَلِكَ. وَفِي بِنَاءِ الْمُصَلِّي عَلَى صَلاَتِهِ أَوِ اسْتِئْنَافِهَا خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُبْطِلاَتِ الصَّلاَةِ.
ج - الإْعَانَةُ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ:
يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُسْلِمِينَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ عَنْهُمْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَىالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإْثْمِ وَالْعُدْوَانِ ). وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمْهُ وَلاَ يُسْلِمْهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ». وَكُلَّمَا كَانَ هُنَاكَ رَابِطَةُ قَرَابَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ كَانَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمْ أَوْجَبَ. (ر: عَاقِلَةٌ).
د - إِعَانَةُ الْبَهَائِمِ:
صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ إِعَانَةِ الْبَهَائِمِ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عَلَفٍ وَإِقَامَةٍ وَرِعَايَةٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأْرْضِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ وَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟، فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».
الإْعَانَةُ الْمَنْدُوبَةُ:
وَتَكُونُ الإْعَانَةُ مَنْدُوبَةً إِذَا كَانَتْ فِي خَيْرٍ لَمْ يَجِبْ.
الإْعَانَةُ الْمَكْرُوهَةُ
: - الإْعَانَةُ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً، مِثْلُ الإْعَانَةِ عَلَى الإْسْرَافِ فِي الْمَاءِ، أَوِ الاِسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمٍ، أَوْ عَلَى الإْسْرَافِ فِي الْمُبَاحِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فَوْقَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا. مِثْلُ إِعْطَاءِ السَّفِيهِ الْمَالَ الْكَثِيرَ، وَإِعْطَاءِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الرَّاشِدِ مَا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.
الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ:
- تَأْخُذُ الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ حُكْمَهُ، مِثْلُ الإْعَانَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِعَانَةِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْتَقِيَهَا».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - فِي إِعَانَةِ الظَّالِمِ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ».
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَهُوَ يَنْزِعُ مِنْهَا بِذَنَبِهِ». وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».
وَحَدِيثُ «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ».
إِعَانَةُ الْكَافِرِ:
أ - الإْعَانَةُ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ:
يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ لِلْكَافِرِ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (صَدَقَةٌ).
ب - الإْعَانَةُ بِالنَّفَقَةِ:
صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ - مَعَ اخْتِلاَفِ الَّذِي - لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلاَدِ أَعْلَى وَأَسْفَلَ، لإِطْلاَقِ النُّصُوصِ، وَلأِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الاِحْتِبَاسِ، وَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينِ.
وَأَمَّا قَرَابَةُ الْوِلاَدِ فَلِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، إِذِ الْجُزْئِيَّةُ فِي مَعْنَى النَّفْسِ، وَنَفَقَةُ النَّفْسِ تَجِبُ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا الْجُزْءُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ).
ج - الإْعَانَةُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:
- يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ بِبَذْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْصُومًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا، فَإِنِ امْتَنَعَ مَنْ لَهُ فَضْلُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ - وَلَوْ كَافِرًا - جَازَ لَهُ قِتَالُهُ بِالسِّلاَحِ أَوْ بِغَيْرِ السِّلاَحِ. عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (اضْطِرَارٌ).
آثَارُ الإْعَانَةِ :
يَتَرَتَّبُ عَلَى الإْعَانَةِ آثَارٌ مِنْهَا:
أ - الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ :
- الأْجْرُ عَلَى الإْعَانَةِ إِمَّا أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ مِنْهَا، وَإِمَّا دُنْيَوِيٌّ. فَإِنَّ الإْعَانَةَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا أَجْرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِرًّا لِلْوَالِدَيْنِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، أَمْ لِلنَّاسِ مِثْلُ إِعَانَةِ الْمُحْتَاجِ بِالْقَرْضِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَالَةِ.
وَقَدْ يَأْخُذُ الْمُعِينُ أَجْرًا عَلَى بَعْضِ الأْعْمَالِ الَّتِي يُؤَدِّي فِيهَا فِعْلاً مُعَيَّنًا مِثْلُ الْوَكَالَةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى تِلْكَ الأْبْوَابِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
ب - الْعِقَابُ عَلَى الإْعَانَةِ :
لَمْ يَذْكُرِ الْعُلَمَاءُ عُقُوبَاتٍ مُعَيَّنَةً لِلإْعَانَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِالتَّعْزِيرِ عَلَى الذُّنُوبِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْحُدُودُ لأِنَّ دَرْءَ الْمُفْسِدِينَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْعُقُولِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ دَرْءُ الْفَسَادِ بِرَدْعِ الْمُفْسِدِينَ وَمَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَعْزِيرِهِمْ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ تِلْكَ الإْعَانَةِ الْمُحَرَّمَةِ.
أَمَّا عَنِ الإْثْمِ الأْخْرَوِيِّ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الإْعَانَةِ فِي الْحَرَامِ، فَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه: «أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ. قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لاَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلاَ يَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ. يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: النَّاسُ غَادِيَانِ، فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا».
- نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُعِينَ عَلَى الْجَرِيمَةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الأْصِيلِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ، كَالرَّبِيئَةِ، وَمُقَدِّمِ السِّلاَحِ، وَالْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ، وَالرِّدْءِ وَنَحْوِهِمْ. وَيُرْجَعُ إِلَى ذَلِكَ فِي مَبَاحِثِ الْجِنَايَاتِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِهَا.
ج - الضَّمَانُ:
- مَنْ تَرَكَ الإْعَانَةَ الْوَاجِبَةَ قَدْ يَلْحَقُهُ الضَّمَانُ. قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا تَرَكَ إِنْسَانٌ إِعَانَةَ مُضْطَرٍّ فَمَنَعَ عَنْهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ قَصَدَهُ فَعَمْدٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، بِجَوَازِ قِتَالِ الْمَانِعِينَ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ - غَيْرِ الْمَحُوزِ - عَنِ الْمُضْطَرِّينَ لَهُ وَالْمُشْرِفِينَ عَلَى الْهَلاَكِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه. فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْمَاءِ، لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِالسِّلاَحِ عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ فِي هَلاَكِ الْعَطْشَانِ وَالْجَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُهُمْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (ر: صِيَالٌ).
وَمَنْ رَأَى خَطَرًا مُحْدِقًا بِإِنْسَانٍ، أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْقَاذِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ الَّذِينَ رَبَطُوا الضَّمَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ.
كَمَا يَضْمَنُ، حَامِلُ الْحَطَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَرَكَ تَنْبِيهَ الأَْعْمَى وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُ أَوْ لِثِيَابِهِ.
هَذَا وَقَدْ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي بَعْضِ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ مِثْلُ الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ، فَيَضْمَنُ عِنْدَ عَجْزِ الْمَكْفُولِ الْمَدِينِ.
وَفِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ التَّفْرِيطِ أَوِ التَّعَدِّي وَهِيَ مِنَ الإِْعَانَاتِ. ر: (كَفَالَةٌ، وَكَالَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 329
الاِشْتِرَاكُ فِي الأْخْذِ:
يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ فِي مَسَائِلِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ بَيْنَ الشَّرِيكِ الْمُبَاشِرِ وَالشَّرِيكِ بِالتَّسَبُّبِ فَأَمَّا الشَّرِيكُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ أَحَدَ الأْفْعَالِ الَّتِي تُكَوِّنُ الأْخْذَ التَّامَّ، وَهِيَ: إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِرْزِهِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ.
وَأَمَّا الشَّرِيكُ بِالتَّسَبُّبِ فَهُوَ الَّذِي لاَ يُبَاشِرُ أَحَدَ هَذِهِ الأْفْعَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلأْخْذِ الْمُتَكَامِلِ، وَإِنَّمَا تَقْتَصِرُ فِعْلُهُ عَلَى مَدِّ يَدِ الْعَوْنِ لِلسَّارِقِ، بِأَنْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقَاتِ، أَوْ بِأَنْ يَقِفَ خَارِجَ الْحِرْزِ لِيَمْنَعَ اسْتِغَاثَةَ الْجِيرَانِ، أَوْ لِيَنْقُلَ الْمَسْرُوقَاتِ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَهَا السَّارِقُ مِنَ الْحِرْزِ.
وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ، أَمَّا الْمُتَسَبِّبُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ.
وَيَبْدُو مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ فِي الاِشْتِرَاكِ: أَنَّهُمْ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْمُعَيَّنِ فَيَعْتَبِرُونَ الشَّرِيكَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مَعَ غَيْرِهِ بِعَمَلٍ مِنَ الأْعْمَالِ الْمُكَوِّنَةِ لِلسَّرِقَةِ، وَخَاصَّةً: هَتْكُ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَهُوَ مَنْ يُسَاعِدُ السَّارِقَ، فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ فِي خَارِجِهِ، وَلَكِنْ عَمَلُهُ لاَ يَصِلُ إِلَى دَرَجَةٍ يُمْكِنُ مَعَهَا نِسْبَةُ السَّرِقَةِ إِلَيْهِ .
وَكَانَ هَذَا أَسَاسَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي تَطْبِيقِ الْحَدِّ عَلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:
1 - الْحَنَفِيَّةُ:
- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ، كَأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ قَامَ بِعَمَلٍ مَعْنَوِيٍّ، كَأَنْ وَقَفَ لِلْمُرَاقَبَةِ أَوْ لِلإْشْرَافِ عَلَى نَقْلِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْجَمِيعِ إِذَا بَلَغَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصَابًا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ لاَ تَكْفِي لِيُصِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابًا، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ، بَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى التَّعْزِيرِ. وَيَنْطَبِقُ نَفْسُ الْحُكْمِ عَلَى الشُّرَكَاءِ إِذَا أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَعْضُ الآْخَرُ مَا قِيمَتُهُ دُونَ النِّصَابِ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ مَا يَكْفِي لأَنْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ، قُطِعُوا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا، قُطِعَ مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا، وَعُزِّرَ الآْخَرُونَ.
أَمَّا إِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَبَقِيَ الآْخَرُ خَارِجَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ مَنْ بِالدَّاخِلِ يَدَهُ بِالْمَسْرُوقِ إِلَى خَارِجِ الْحِرْزِ فَتَنَاوَلَهَا شَرِيكُهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ الأَْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ، لأِنَّهُ أَخْرَجَ الْمَسْرُوقَ مِنَ الْحِرْزِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي حِيَازَةِ نَفْسِهِ، بَلْ فِي حِيَازَةِ الْخَارِجِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَيَرَى كَذَلِكَ أَنَّ الأْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَارِجِ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ لاَ مِنْ حِرْزِهِ وَلاَ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الأْخْذَ تَامٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ دُونَ الْخَارِجِ؛ لأِنَّ الْمَسْرُوقَ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ، حَيْثُ أَقَامَ شَرِيكَهُ الْخَارِجَ مَقَامَهُ عِنْدَمَا سَلَّمَهُ الْمَسْرُوقَ. وَتَفْصِيلُ الْحُكْمِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يُمْكِنُ حُدُوثُهَا يُبْنَى عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَتْكِ الْمُتَكَامِلِ وَمَسْأَلَةِ «الْيَدِ الْمُعْتَرِضَةِ» الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهُمَا. فِي ف 43، 47.
2 - الْمَالِكِيَّةُ:
- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ إِذَا قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، سَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ وَهُوَ فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ حَدَثَتْ وَهُوَ فِي خَارِجِ الْحِرْزِ، بِأَنْ مَدَّ يَدَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ وَأَخَذَ الْمَسْرُوقَ مِنْ يَدِ زَمِيلِهِ الَّذِي فِي الدَّاخِلِ، بِحَيْثُ تُصَاحِبُ فِعْلاَهُمَا فِي حَالِ الإْخْرَاجِ، أَوْ بِأَنْ يَرْبِطَ الدَّاخِلُ الْمَسْرُوقَ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ فَيَجُرُّهُ الْخَارِجُ، بِحَيْثُ لاَ يُعْتَبَرُ الدَّاخِلُ مُسْتَقِلًّا بِالإْخْرَاجِ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الإْعَانَةُ بِأَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ كَأَنْ يَدْخُلَ الْحِرْزَ أَوْ يَبْقَى خَارِجَهُ لِيَحْمِيَ السَّارِقَ أَوْ يُرْشِدَهُ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، بَلْ يُعَزَّرُ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ لَمْ يَخْرُجْ إِلاَّ بِعَمَلٍ جَمَاعِيٍّ، وَجَبَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مَنْ شَارَكَ فِي هَذَا الْعَمَلِ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، سَوَاءٌ بَاشَرَ السَّرِقَةَ، بِأَنْ تَعَاوَنَ مَعَ زَمِيلِهِ فِي حَمْلِ الْمَسْرُوقِ حَتَّى خَرَجَا بِهِ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ لَمْ يُبَاشِرِ السَّرِقَةَ، بِأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ صَاحِبِهِ فَخَرَجَ بِهِ وَحْدَهُ، مَا دَامَ كُلُّ وَاحِدٍ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِإِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ تَعَاوُنٌ بِأَنِ اسْتَقَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلاً، وَذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورِ التَّعَاوُنِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ لإِِثْبَاتِ الاِشْتِرَاكِ فِي السَّرِقَةِ.
3 - الشَّافِعِيَّةُ:
- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّرِيكِ لاَ تُطْلَقُ إِلاَّ عَلَى مَنْ قَامَ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ مَعَ غَيْرِهِ، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، كَأَنْ يَتَعَاوَنَ السَّارِقُونَ فِي حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَيُخْرِجُونَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا وَيَخْرُجَ بِهِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْطَبِقُ وَصْفُ السَّارِقِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ أَثَرُ الاِشْتِرَاكِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا إِذَا خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ مِنْ قِيمَةِ مَا أَخْرَجُوهُ، دُونَ نَظَرٍ إِلَى قِيمَةِ مَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ. أَمَّا إِذَا كَانَ كُلُّ سَارِقٍ يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِهِ وَقَصْدِهِ عَنِ الآْخَرِينَ، فَلاَ اشْتَرَاكَ بَيْنَهُمْ، وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ نِصَابًا كَامِلاً، وَيُعَزَّرُ الآْخَرُونَ.
وَلاَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ، سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنْ دَاخِلِ الْحِرْزِ أَوْ مِنْ خَارِجِهِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ، بَلْ يُعَزَّرُ.
4 - الْحَنَابِلَةُ:
- يَرَى الْحَنَابِلَةُ إِطْلاَقَ صِفَةِ الشَّرِيكِ عَلَى مَنْ يُعِينُ السَّارِقَ بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، قَامَ بِهِ وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ أَوْ كَانَ خَارِجَهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَاحِدًا، أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى كُلِّ مَنِ اشْتَرَكَ فِي السَّرِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الاِشْتِرَاكُ فِي الإْخْرَاجِ، أَوْ كَانَ بِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ وَإِعَانَةِ الْبَعْضِ الآْخَرِ، وَسَوَاءٌ حَدَثَتِ الإْعَانَةُ مِنَ الدَّاخِلِ أَوْ مِنَ الْخَارِجِ، بِفِعْلٍ مَادِّيٍّ كَالإْعَانَةِ عَلَى حَمْلِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ بِفِعْلٍ مَعْنَوِيٍّ كَالإْرْشَادِ إِلَى مَكَانِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِعَمَلٍ مَا، كَمَنْ دَخَلَ الْحِرْزَ مَعَ السَّارِقِ لِتَنْبِيهِهِ إِذَا انْكَشَفَ أَمْرُهُ. لأِنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ يُضَافُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.