الأمن القومي الإلكتروني – القانون …والمواجهة (1-2)

المقال على : جريدة الجمهورية

إلحاقاُ لسلسة مقالاتنا العنونة الأمن القومي الإلكتروني (القانون… والمواجهة) والذى تناول فيها الجريمة الإلكترونية وتعريفها وبيان دور المشرع المصري في مواجهتها بالقوانين ذات الصلة والمنظمة للتقنيات الحديثة ووسائل الاتصال واستخدامها أو بالإشارة إلى عقوبات إساءة استخدام الوسائل الإلكترونية في العبث بما تنظمه تلك القوانين، هذا ولما كان استخدام تكنولوجيا المعلومات قد ذاع صيته بالتزامن مع الألفية الجديدة  ودخول التكنولوجيا في شتى مجالات الحياه واصبح استخدام الوسائل الإلكترونية والتكنولوجية امر لابد منه لقياس تقدم الدول وانضمامها لركب الحضارة الحديثة، ومع حرية تبادل المعلومات وسرعة انتشارها وتسهيل وسائل الاتصال والتواصل انتج معه جرائم حديثة تختلف عن نظيرتها التقليدية تسمى الجرائم الإلكترونية أو التقنية  لما لها من الجدة وصعوبة اكتشافها وتعددها بتعدد الوسائل والتقنيات التكنولوجية والتي شكلت خطراً وشيكا للأمن القومي الإقليمي والدولي،مما دفعنا إلى أن ننادى المشرع من خلال الجمعيات والمؤتمرات المعنية مع رجال القانون في مصر بضرورة إصدار قانون لمجابهة تلك الجرائم وان يحدد فيه ماهية تلك الجريمة وتحديد الإجراءات والالتزامات على مقدمي الخدمات ومستخدمى تلك الوسائل التكنولوجية حتى يمكن الحد من خطورة تلك الجرائم على الامن القومى وما اثرت به بالسلب على سلوكيات المجتمع والنشء والشباب في مصرنا الحبيبة،  وقد أحسن المشرع صنعاً واستجاب لكل الأفكار والآراء بإصدار القانون رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨ بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والذي خلق بيئة تشريعه مميزة عن القوانين المقارنة والتي سنلقى الضوء على اهم ما يميز هذا القانون بهذه السلسة، وتنتاول في مقالنا الماثل أحكام المسئولية الجنائية الناشئة عن جرائم تقنية المعلومات المتعلقة بمقدم الخدمة لما نراها من الأهمية لخطورة الجرائم التي قد ترتكب من هؤلاء وما تسببه من اضرار يتعذر تداركها، وقد عرف المشرع المصري مقدم الخدمة بانه “أي شخص طبيعي أو اعتباري يزود المستخدمين بخدمات تقنيات المعلومات والاتصالات، ويشمل ذلك من يقوم بمعالجة أو تخزين المعلومات بذاته أومن ينوب عنه في أي من تلك الخدمات أو تقنية المعلومات”، وقد بين المشرع الالتزامات والواجبات الملقاة على عاتق مقدم الخدمة والتي نجملها في:

أولاً: التزام مقدم الخدمة بحفظ وتخزين سجل النظام المعلوماتى أو أي وسيلة لتقنية المعلومات، لمدة مائة وثمانين يوما متصلة، ثانياً: المحافظة على سرية البيانات التي تم حفظها وتخزينها، وعدم إفشائها أو الإفصاح عنها بغير أمر مسبب من إحدى الجهات القضائية المختصة، ويشمل ذلك البيانات الشخصية لأي من مستخدمي خدمته، أو أي بيانات أو معلومات متعلقة بالمواقع والحسابات الخاصة التي يدخل عليها هؤلاء المستخدمون، أو الأشخاص والجهات التي يتواصلون معها، ثالثاً: تأمين البيانات والمعلومات بما يحافظ على سريتها، وعدم اختراقها أو تلفها، رابعاً: التزام مقدم الخدمة تجاه المستخدم أو أية جهة حكومية مختصة بتقديم البيانات والمعلومات المنصوص عليها بالبند ثانياً من المادة الثانية من القانون من اسم مقدم الخدمة وعنوانه ومعلومات الاتصال المتعلقة به وعنوان الاتصال الإلكتروني وبيانات الترخيص لتحديد هوية مقدم الخدمة وتحديد الجهة التي يخضع لإشرافها مع مراعاة أن يتم ذلك بالشكل والطريقة التي يمكن الوصول إليها بطريقة مباشرة وسريعة وميسرة ومستمرة، خامساً: التزام مقدم الخدمة بتقديم الدعم الفني وتوفير الإمكانيات اللازمة لجهات الأمن القومي وذلك مع مراعاة حرمة الحياة الخاصة التي يكفلها الدستور، بتوفير كافة الإمكانيات الفنية المطلوبة من تلك الجهات والتي تتيح لتلك الجهات ممارسة اختصاصاتها وفقا للقانون، سادساً: التزام مقدم الخدمة ووكلائهم وموزعوهم التابعون لهم المنوط بهم تسويق تلك الخدمات بالحصول على بيانات المستخدمين، ويحظر على غيرهم القيام بذلك.

وقد رتب المشرع على إخلال مقدمو الخدمة بتلك الالتزامات المسئولية الجنائية بالمواد من ٣٠:٣٣ من القانون بمعاقبة مقدم الخدمة إذا ما أهمل، أو أخل بأحد الالتزامات والواجبات الملقاة على عاتقه والملزم بمراعاتهافقرر حال امتناع مقدم الخدمة عن تنفيذ القرار الصادر من المحكمة الجنائية المختصة بحجب أحد المواقع أو الروابط أو المحتوى الالكترونى بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تجاوز مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، أما إذا ترتب على هذا الامتناع أضرار تمثلت في وفاة شخص أو أكثر، أو الإضرار بالأمن القومي، ففي هذه الحالة تشدد المشرع وضاعف من العقوبة المقررة وجعلها السجن المشدد، والغرامة التي لا تقل عن ثلاثة ملايين جنيه ولا تجاوز عشرين مليون جنيه، وتقضي المحكمة فضلا عن ذلك بإلغاء ترخيص مزاولة النشاط وقرر عقوبة الحبس مدة لا تقل سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتتعدد عقوبة الغرامة بتعدد المجني عليهم من مستخدمي الخدمة إذا خالف مقدم الخدمة الأحكام المتعلقة بالمحافظة على سرية البيانات التي تم حفظها وتخزينها، وعدم إفشائها أو الإفصاح عنها بغير أمر مسبب من إحدى الجهات القضائية المختصة، ويشمل ذلك البيانات الشخصية لأي من مستخدمي خدمته، أو أي بيانات أو معلومات متعلقة بالمواقع والحسابات الخاصة التي يدخل عليها هؤلاء المستخدمون، أو الأشخاص والجهات التي يتواصلون معها ، وإذا امتنع مقدم الخدمة عن تنفيذ القرار الصادر إليه من جهة التحقيق المختصة بتسليم ما لديه من البيانات أو المعلومات والتي تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقنى موجود تحت يديه وسيطرته، أو مخزن لديه، أو بيانات مستخدمي خدمته وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو النظام التقني يعاقب الممتنع بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كما تدرج المشرع  في العقوبات وجعل الخيار للقاضى في انزال الجزاء المناسب اذا خالف مقدم الالتزامات والواجبات المفروضة عليه في القانون، وذلك على النحو التالي: بعقوبة الغرامة لا تقل عن خمسة ملايين جنيه ولا تجاوز عشرة ملايين جنيه، اذا أخل بأي من التزاماته المنصوص عليها في البند (1) من الفقرة (أولاً) من المادة (٢) من القانون. وتضاعف عقوبة الغرامة في حالة العود، وللمحكمة أن تقضي بإلغاء الترخيص، وقرر عقوبة الغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه، كل مقدم خدمة خالف أحكام الفقرة (ثانيا) و (رابعاً) من المادة ذاتها، ومقرراً عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وبالغرامة التي لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تجاوز مليون جنيه، كل مقدم خدمة خالف أحكام الفقرة (ثالثاً) من المادة ذاتها.

هذا ويبرز من السرد السابق تميز المشرع المصري عن العديد من تشريعات القانون المقارن والتي كانت قاصرة فى التنظيم التشريعي للمسئولية الجنائية لمقدم الخدمة الناشئة عن جرائم تقنية المعلومات، وان ما سلكه المشرع المصرى كان مسلكاً محمودا.

وللحديث بقية.