1- الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تُسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم الذي ترى انطباقه على واقعة الدعوى ، وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة - الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد – هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به وكان مرد التعديل هو عدم توافر الدليل على ثبوت نية القتل لدى المحكوم عليهما دون أن يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الأولى فإن الوصف الذي نزلت إليه المحكمة في هذا النطاق حين اعتبرت الطاعن مرتكب لجريمة الضرب المفضي إلى العاهة المستديمة لا يُجافي التطبيق القانوني السليم في شيء ولا محل لما يثيره من دعوى الإخلال بحق الدفاع إذ المحكمة لا تلتزم في مثل هذه الحالة بتنبيه المتهم أو دفاعه إلى ما أجرته من تعديلٍ في الوصف نتيجة استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رُفعت بها الدعوى ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير قويم .
( الطعن رقم 19145 لسنة 92 ق - جلسة 21 / 2 / 2024 )
2ـ من المقرر فى تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الإصرار وهو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الانفعال مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى فى نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره ، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراضه ، وليست العبرة فى توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها طال هذا الزمن أو قصر بل العبرة هي بما يقع فى ذلك الزمن من التفكير والتدبير وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف ، بل ولو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة قصد بها شخصاً معيناً أو غير معين صادفه ، وتقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار من الموضوع الذى يستقل به قاضيه بغير معقب مادام استخلاصه سائغاً ، وإذ كان الحكم قد استدل على توافر هذا الظرف على نحو ما تقدم من ثبوت وجود ضغينة سابقة بين أسرة الطاعن والمجنى عليه ومن إعداد الطاعن وآخرون الآلات المستعملة فى الجريمة واستعانتهم ببعضهم البعض وقت الاعتداء ومبادرتهم المجنى عليه بالاعتداء دون أن يسبق هذا الاعتداء حديث أو مشادة ، فإن ما أورده الحكم من ذلك يعد سائغاً فى التدليل على توافر سبق الإصرار وكافياً لحمل قضائه وينأى به عن قالة القصور فى البيان التي يرميه بها الطاعن ، وفضلاً عن هذا فإنه لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعن وهى الأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً تدخل فى الحدود المقررة لجريمة القتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة فلا مصلحة له فيما يثيره من قصور الحكم فى استظهار ظرف سبق الإصرار .
( الطعن رقم 10226 لسنة 71 ق - جلسة 2009/01/22 )
3ـ ما كان الحكم قد دلل على توافر ظرف سبق الاصرار فى حق الطاعنة فى قوله : " وحيث إنه عن ظرف سبق الاصرار فلما كان المقرر قانوناً أن هذا الظرف يستلزم أن يكون لدى الجاني من الفرصة ما يسمح له بالتروي والتفكير فيما هو مقدم عليه وتدبر عواقبه وهو هادىء البال فظرف سبق الاصرار يتطلب القانون لقيامه توافر عنصرين أساسيين أولهما نفسي ويعني أن يكون الجاني قد أمعن فكره فيما هو عزم عليه ورتب وسائله وتدبر عواقبه ثم أقدم على فعله بعد أن زال منه الغضب وثورة النفس وهذا العنصر يمثل فى الواقع ذاتية الإصرار وثانيهما زمني وهذا يقتضي مرور فترة من الوقت بين نشوء سبب الجريمة فى ذهن الجاني وعزمه عليها وبين تنفيذها وقد أبرزت المادة 231 من قانون العقوبات هذا العنصر فى قولها إن الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل ومقدار هذه الفترة الزمنية رهن فى كل حالة بما يحقق العنصر الأول أي بما يهيىء للجاني حالة من الهدوء النفسي بما يقال إنه ارتكب الجريمة بعد تدبر وتروٍ وبعد أن زال عنه هياج النفس واضطرابها ، ومن ثم فإن هذه المدة قد تقصر وتطول تبعاً للظروف الملابسة ، وحيث إنه لما كان ما تقدم ، وكان الثابت من الأوراق أن المتهمة قد عقدت العزم وبيتت النية على قتل المجني عليه والتخلص منه وتدبرت أمر ذلك فى هدوء وروية فى تاريخ سابق على الحادث حيث رسمت وترسمت تنفيذ جريمتها النكراء بأسلوب محكم منظم بكل الممكنات العقلية حيث توجهت فى تاريخ سابق على الحادث إلى أحد محلات العطارة وقامت بشراء المبيد الحشري ( سم الفئران ) وتحفظت عليه فترة من الزمن داخل حقيبتها الجلدية حتى تحين لها الفرصة لتنفيذ جريمتها دون أن يشاهدها أحد وقامت بشراء أحد الأطعمة التي يشتهيها زوجها ( سندوتش مسقعة ) وبعدها دست السم القاتل بطبيعته فيها وقدمته له الذي التهمه لحبه الشديد لهذا النوع من الطعام ولشدة جوعه مما نجم عنه هبوط بالتنفس بقلب المجني عليه مما كان سبب فى وفاته ومن ثم يضحى ظرف سبق الإصرار بعنصريه النفسي والزمني متوافرين فى حق المتهمة " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن البحث فى توافر سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ، ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج ، وكان ما ساقه الحكم مما سلف سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار حسبما هو معرف به فى القانون ، فإن الحكم يكون قد أصاب صحيح القانون .
( الطعن رقم 42103 لسنة 75 ق - جلسة 2006/04/04 - س 57 ص 470 ق 55 )
4ـ من المقرر فى تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الإصرار هو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدا عن ثورة الانفعال مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها . فضلاً عن أنه حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصا ما دام موجب هذه الوقائع و الظروف لا يتنافر عقلا مع هذا الاستنتاج . وكان الترصد هو تربص الجاني للمجنى عليه فترة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه دون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد بغير استخفاء . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم بيانا لنية القتل لا يفيد فى مجموعه سوى الحديث عن الأفعال المادية التى قارفها الطاعنان والتى لا تنبئ بذاتها على توافر هذا القصد لديهما مما لم يكشف الحكم عن قيام هذه النية بنفس الجانيين . لما كان ما تقدم ، وكان الحكم لم يستظهر القصد الجنائي الخاص بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التى تدل عليه وتكشف عنه فإنه يكون مشوبا بالقصور بما يعيبه - وفضلا عن ذلك - فإن ما أورده الحكم فى مقام استظهار ظرفى سبق الإصرار والترصد فيما تقدم وإن توافرت لهما فى ظاهر الأمر مقومات هذين الظرفين كما هما معرفان بهما فى القانون إلا أن ما ساقه الحكم فى هذا الشأن من عبارات مرسلة ليس فى حقيقته إلا ترديدا لوقائع الدعوى .
( الطعن رقم 1013 لسنة 69 ق - جلسة 2004/03/06 - س 55 ع 1 ص 235 ق 29 )
5ـ لما كان الحكم قد دلل على ثبوت ظرف سبق الإصرار فى حق الطاعن فى قوله (إن المتهم عيل صبره فى استرداد المبلغ الذي اقترضته منه المجني عليها فصمم على قتلها, وأعد لذلك حبلا لخنقها, وبعد مرور وقت هدأت فيه نفسه بعيدا عن الانفعال وجماح الغضب توجه إليها فى مسكنها لمطالبتها برد ما اقترضته, فأبت فازداد تصميما على تنفيذ ما عقد العزم عليه حتى لاحت له الفرصة فباغتها من خلفها وشد وثاقها من رقبتها بالحبل ثم برباطها الحريمي (الإيشارب) بما تستدل منه المحكمة توفر ظرف سبق الإصرار فى حق المتهم) وكان من المقرر فى تفسير المادة 231 من قانون العقوبات, أن سبق الإصرار - وهو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل والجرح والضرب - يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدا عن ثورة الانفعال مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى من نفس جاشت باضطرابات وجمح بها الغضب حتى تخرج صاحبها عن طوره, وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراض قيامه, وليست العبرة بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع فى ذلك الزمن من التفكير والتدبير, فما دام لاستخلاصه وجه مقبول, وإذ كان ما استدل به الحكم فيما سلف على ثبوت سبق الإصرار إنما يسوغ به ما استنبطه من توافره ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن على الحكم فى هذا الشأن يكون لا محل له .
( الطعن رقم 7981 لسنة 70 ق - جلسة 2001/02/08 - س 52 ع 1 ص 243 ق 39 )
6ـ لما كان الحكم قد عرض لظرف سبق الإصرار وأثبت توافره فى حق الطاعنين بقوله " وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فإنه لما كان الثابت من أقوال شهود الواقعة وتحريات المباحث أن نزاعاً وقع بين عائلة المتهمين الثلاث الأول وبين عائلة المجنى عليه وأن المتهمين المذكورين عقدوا العزم فيما بينهم فى هدوء وروية وبعيداً عن الانفعال وبمنأى عن جماع الغضب على قتل أحد افراد عائلة المدعو ................... فخططوا لجريمتهم بقتل المجنى عليه فأعد الأول مطواة قرن غزال والثانى سكين والثالث قطعة من الحديد وما أن ظفروا بالمجنى عليه حتى انهال عليه المتهمين الأول والثانى بالطعن فى أجزاء عدة من جسده وبدون مقدمات ، بما تستدل معه المحكمة ومن جماع ما تقدم على توافر ظرف سبق الاصرار فى حق المتهمين المذكورين وتلتفت بالتالى عن منازعة الدفاع فى هذا الصدد" . لما كان ذلك، وكان من المقرر فى تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الاصرار _ وهو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل والجرح والضرب _ يتحقق باعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن سورة الانفعال ، مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابه ، لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى فى نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره ، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراضه ، وليست العبرة فى توافر ظرف سبق الاصرار بمضى الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها _ طال هذا الزمن أو قصر _بل العبرة هى بما يقع فى ذلك الزمن من التفكير والتدبير ، وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف ، بل ولو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة قصد بها شخصاً معيناً أو غير معين صادفه , وتقدير الظروف التى يستفاد منها توافر سبق الاصرار من الموضوع الذى يستقل به قاضيه بغير معقب مادام استخلاصه سائغاً ، وإذ كان الحكم قد استدل على توافر هذا الظرف _على نحو ما تقدم _من ثبوت وجود ضغينة سابقة بين أسرة الطاعنين وأسرة المجنى عليه ومن إعداد الطاعنين الآلات المستعملة فى الجريمة واستعانتهم ببعضهم البعض وقت الاعتداء ومبادرتهم المجنى عليه بالاعتداء دون أن يسبق هذا الاعتداء حديث أو مشادة ، فإن ما أورده الحكم من ذلك يعد سائغاً فى التدليل على توافر سبق الإصرار وكافياً لحمل قضائه وينأى به عن قالة القصور فى البيان التى يرميه به الطاعنون .
( الطعن رقم 12365 لسنة 66 ق - جلسة 1998/06/03 - س 49 ص 798 ق 105 )
7- من المقرر فى تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الإصرار - وهو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن صورة الانفعال، مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها، لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى فى نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراضه، وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة، قصد بها شخصاً معيناً أو غير معين صادفه حتى ولو أصاب بفعله شخصاً وجده غير الشخص الذي قصده وهو ما ينفي المصادفة أو الاحتمال وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن تقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام لاستخلاصه وجه مقبول - لما كان ذلك - وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم يسوغ به ما استنبطه من توافره، وكان القول بوجود إصابات رضية بالفريقين أو الزعم بأن فريق المجني عليه هم الذين بدأوا بإطلاق النار لا شأن له بنفوس المتهمين التي كانت مهيأة من قبل للاعتداء بعدته وأدواته وسعوا إليه بجمعهم وأسلحتهم إلى حيث المجني عليهم بالحقل مكان الحادث، سواء تشابكت الحوادث فى رباط زمني متصل، أو وقعت بينها فرجة من الوقت تفسح لسبق الإصرار ولا تنفيه، هذا فضلاً عن أن ما أثبته الحكم كاف بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم فى الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة فى تنفيذها وأن كلا منهم قصد قصد الآخر فى إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ويصح من ثم طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين فى جناية القتل العمد والشروع فيه ويرتب بينهم فى صحيح القانون تضامناً فى المسئولية الجنائية عرف محدث الإصابات القاتلة منهم أو لم يعرف .
( الطعن رقم 826 لسنة 48 ق - جلسة 1978/02/06 - س 29 ع 1 ص 136 ق 25 )
8- من المقرر فى تفسير المادة 231 من قانون العقوبات، أن سبق الإصرار - وهو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل والجرح والضرب - يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الانفعال مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى من نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراض قيامه، وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية اقتراف الجريمة لدى الجاني غير محددة، قصد بها شخصاً معيناً أو غير معين صادفه حتى ولو أصاب بفعله شخصاً وجده غير الشخص الذي قصده وهو ما لا ينفي المصادفة أو الاحتمال، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن تقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار هو من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام لاستخلاصه وجه مقبول .
( الطعن رقم 252 لسنة 47 ق - جلسة 1977/12/26 - س 28 ع 1 ص 1076 ق 219 )
9- من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها إستخلاصاً ، وكان يكفى لتحقيق ظرف الترصد مجرد تربص الجاني للمجنى عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من كان يتوقع قدوما إليه أو وجوده به ليتوصل بذلك إلى مفاجأته والإعتداء عليه ، وكان البحث فى توافر سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج .
( الطعن رقم 5124 لسنة 52 ق - جلسة 1983/04/14- س 34 ص 515 ق 106 )
سبق الإصرار :
سبق الإصرار هو التفكير الهادئ في الجريمة قبل التصميم عليها وتنفيذها ، فهو يعني أن فكرة الجريمة قد خطرت للجاني قبل أن ينفذها بوقت كاف أتيح له فيه أن يفكر بهدوء وسيطرة على نفسه ، وأن ينتهي إلى التصميم على ارتكابها بعد تقليب الأمر على وجوهه المختلفة . وقد عرف الشارع سبق الإصرار في المادة 231 من قانون العقوبات بقوله « الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جناية أو جنحة يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقاً على حدوث أمر أو موقوفاً على شرط .
عناصر سبق الإصرار : يقوم سبق الإصرار على عنصرين : عنصر زمني يقتضي أن يكون التفكير في الجريمة قد سبق الإقدام على تنفيذها بوقت كاف ؛ وعنصر نفسی نعني به حالة الهدوء والسيطرة على النفس التي يجب أن تتوافر للجاني حينما يفكر في ارتكاب جريمته بحيث يتاح له أن يقلب الأمر على وجوهه المختلفة والعنصر النفسي أهم من العنصر الزمني ، لأن علة التشديد ترجع إلى اعتبارات متعلقة بالعنصر النفسي بل إن العنصر الزمني ليست له أهمية ذاتية ، وإنما هو متطلب من أجل العنصر النفسي : ذلك أن التفكير الهادئ يستغرق زمناً ، فهو غير متصور إذا صمم الجاني على الجريمة ونفذها بمجرد أن خطرت له فكرتها والعنصر الزمني غير كاف في ذاته ، فإذا ثبت مضى فترة من الزمن بين التفكير في الجريمة والتصميم عليها وتنفيذها ، ولكن ثبت كذلك أنه لم يتوافر للجاني خلال هذا الوقت الهدوء في التفكير والسيطرة على النفس فإن سبق الإصرار لا يعد متوافراً وقد تتضاءل أهمية العنصر الزمني إذا اقتنع القاضي بهدوء التفكير على الرغم من قصر الزمن الذي فصل بين فكرة الجريمة والتصميم عليها ثم تنفيذها ، ويعني ذلك أن الضابط في تحديد هذا الزمن هو صلاحيته - بالنظر إلى ظروف كل واقعة – للتفكير الهادئ المطمئن .
علة تشديد العقاب :
علة تشديد العقاب أن من يصمم على الجريمة وينفذها بعد أن فكر فيها تفكيراً هادئا أتاح له أن يقدر ما يترتب عليها من أضرار ومخاطر - سواء بالنسبة له أو بالنسبة للمجني عليه - هو أكثر خطورة ممن صمم على جريمته ونفذها تحت تأثير انفعالات قوية حرمته هذا التقدير ، فلم يدرك ما تنطوي عليه الجريمة من أضرار ومخاطر، وبالإضافة إلى ذلك ، فإن من توافر لديه سبق الإصرار تكشف جريمته عن شخصيته في حالتها الطبيعية وعن مقدار ما تنطوي عليه من خطورة ، ولكن من يرتكب جريمته تحت تأثير انفعالات قوية فقد أخرجته هذه الانفعالات عن طبيعته وأظهرت خطورة تجاوز ما تنطوي عليها شخصيته .
يتوافر سبق الإصرار ولو كان القصد غير محدود أوكان ثمة غلط في شخصية المجنى عليه أو خطا في توجيه الفعل : سبق الإصرار نوع موصوف من القصد الجنائي ، أو هو في عبارة أدق عنصر يضاف إلى القصد فيجعله قصداً مشدداً ، والنتيجة التي تترتب على ذلك أن ما لا ينفي القصد لا ينفي كذلك سبق الإصرار .
فلا ينفي سبق الإصرار أن يكون مضافاً إلى قصد غير محدود : فإذا كان هدف الجاني مجرد الإخلال بالأمن فصمم بعد تفكير هادئ على قتل أي شخص تسوقه الظروف أمامه كان سبق الإصرار متوافراً لديه ، مثال ذلك أن يريد شخص من أنصار عمدة معزول أن يثبت عجز العمدة الجديد عن حفظ الأمن فيصمم على أن يقتل أي شخص يقابله دليلاً ، أو الفوضوي أو الإرهابي الذي يصمم على قتل أي شخص تسوقه الظروف أمامه وقد صرح الشارع بذلك ، فقرر أن سبق الإصرار يتوافر إذا كان غرض المصر « إيذاء شخص معين أو غير معين » (المادة 231 من قانون العقوبات) .
ولا ينفي الغلط في شخصية المجنى عليه سبق الإصرار ولا ينفيه كذلك الخطأ في توجيه الفعل : فمن صمم على قتل شخص بعد تفكير هادئ ، فأودى فعله بحياة شخص آخر خلط بينه وبين غريمه ، أو أصابه لأنه لم يحسن توجيه فعله ، فهو مسئول في الحالتين عن قتل مصحوب بسبق الإصرار .
ولا ينفي سبق الإصرار تعليق تنفيذ القتل على شرط ، فالقصد يجوز أن يكون مشروطاً ، وتبعاً لذلك فإن سبق الإصرار - باعتباره نوعاً من القصد - لا ينتفي بتعليق تنفيذ القتل على شرط : فيسأل عن قتل مصحوب بسبق الإصرار من صمم بعد تفكير هادئ على قتل شخص إذا بدر منه اعتداء على كرامته أو طالبه بدين في ذمته وقد صرح الشارع بذلك ، فاعتبر سبق الإصرار متوافراً سواء كان « القصد معلقاً على حدوث أمر أو موقوفاً على شرط » (المادة 231 من قانون العقوبات ) .
سبق الإصرار والمساهمة الجنائية : لسبق الإصرار طبيعة شخصية باعتباره يقوم على عناصر نفسية ، ويمثل صورة من القصد ، ومقتضى ذلك أنه قد يتوافر لدى بعض المساهمين في الجريمة دون أن يتوافر لدى مساهمين آخرين في ذات الجريمة ، وفي هذه الحالة يتأثر بالتشديد من توافر لديه دون من لم يتوافر عنده باعتباره ظرفاً شخصياً ( المادتان 39، 41 من قانون العقوبات ) .
والأصل أنه إذا ثبت الاتفاق بين المساهمين كان ذلك قرينة على توافر سبق الإصرار لديهم جميعاً ، ذلك أن ما يقتضيه انعقاد الإرادات من وقت قد يطول يفترض مناقشة المشروع الإجرامي وتقليبه على وجوهه المختلفة بما يوفر عناصر سبق الإصرار ، ولكن هذه القرينة غير مطلقة : فقد يتفق المساهمون على القتل في وقت لا تكون نفوسهم خلاله هادئة أو يكون الاتفاق فجائياً سابقاً على تنفيذ القتل بلحظات فلا تتوافر عناصر سبق الإصرار .
يثور التساؤل عما إذا كان الوضع العكسي بدوره صحيحاً : هل يعني ثبوت سبق الإصرار لدى المتهمين تحقق الاتفاق بينهم في الوقت ذاته ؟ ذهبت إلى ذلك محكمة النقض فقضت بأن «مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الإشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصريين عليها وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينه من الوقائع المفيدة لسبق الإصرار » : نقض 16 نوفمبر سنة 1931 مجموعة القواعد القانونية ج 2 رقم 289 ص 358 ؛ انظر كذلك نقض 10 مايو سنة 1937 ج4 رقم 82 ص 72 ، 13 يناير سنة 1969 مجموعة أحكام محكمة النقض س 20 رقم 18 ص 85 ؛ 26 مارس سنة 1973 س 24 رقم 89 ص 427؛ 13 مارس سنة 1978 س 29 رقم 52 ص 275 ؛ 14 أبريل سنة 1983 س 34 رقم 108 ص 544 ، وقالت المحكمة كذلك إن ثبوت توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حق أحد المتهمين يرتب بينه وبين المتهم الآخر تضامناً في المسئولية الجنائية بحيث يكون كل منهما مسئولاً عن جريمة القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه باعتبارهما فاعلين أصليين يستوي في هذا أن يكون محدث الإصابة التي أدت إلى الوفاة معلوماً ومعيناً من بينهما أو غير معلوم : نقض 13 يونية سنة 1985 س 36 رقم 139 ص 789 ولكن هذا القضاء أن عبر عن الوضع الغالب ، فهو لا يعبر عن وضع مطلق الصحة : فالغالب أنه إذا اتحد موضوع التفكير والتصميم تحقق بذلك الاتفاق ، ومع ذلك فمن المتصور أن يصر شخصان كل على حدة - على تنفيذ القتل دون أن يكون بينهما اتفاق ، كما لو أصر شخصان على قتل عدو مشترك بينهما ثم قارفا فعليهما في ذات الوقت أو في وقتين متقاربين .
إثبات سبق الإصرار : يخضع إثبات سبق الإصرار لقواعد قريبة من قواعد إثبات القصد الجنائي ، ذلك أنه نوع منه أو وصف له ، فهو مسألة موضوعية يدخل البحث فيه والقول بتوافره أو عدم توافره فى سلطة قاضى الموضوع دون معقب عليه من محكمة النقض طالما أن موجب الوقائع والظروف التي استخلصه منها لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، ولا ينطوي على تشويه لمدلول سبق الاصرار وسبق الإصرار حالة ذهنية نفسية ، فلا يمكن إثباته على نحو مباشر ، إذ ليس له كيان مادي ملموس يمكن أن ترد عليه وسائل الإثبات ، وإنما يستفاد من وقائع خارجية تكون بمثابة القرائن التي تكشف عن وجوده وهذه القرائن عديدة : فقد تكون أقوالاً صدرت عن المتهم وأعلن فيها خطته الإجرامية أو تهدیدات صدرت عنه؛ وقد تكون هذه القرائن أعمالاً تحضيرية سابقة على تنفيذ الجريمة ودالة على التفكير فيها بهدوء كشراء سلاح ناري أو شحذ سكين، وقد يستنتج سبق الإصرار كون الجريمة قد نفذت دون أن يكون ثمة سبب واضح يفسر الإقدام عليها وقد يستخلص من كون بيئة المتهم تسود فيها عادة الأخذ بالثأر ولكن هذه جميعاً قرائن بسيطة ، فقد لا يثبت سبق الإصرار على الرغم منها .
ولا تلتزم المحكمة بأن تذكر سبق الإصرار بصريح اللفظ ، بل يكفي أن تسرد من الوقائع أو الملابسات والظروف ما يستخلص منه عقلاً توافر عناصر سبق الإصرار .
واعتبار سبق الإصرار متوافراً لدى المتهم يعني استبعاد دفعه بأنه كان في حالة دفاع شرعي ، إذ الدفاع يفترض المفاجأة بالاعتداء والإضطرار العاجل إلى إتيان فعل الدفاع في حين يعني سبق الإصرار التدبير الهادئ غير المتعجل للفعل الإجرامي وثمة تنافر بين الاستفزاز وسبق الإصرار : فمن عناصر سبق الإصرار ألا يكون المتهم واقعاً تحت تأثير الاستفزاز ، وهو ما يفترضه التفكير الهادئ .
عقوبة القتل المصحوب بسبق الإصرار : إذا ثبت اصطحاب القتل بسبق الإصرار كانت العقوبة الإعدام (المادة 230 من قانون العقوبات) . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة : 412 )
يقع القتل اعتداء على حق الإنسان في الحياة . ولذلك فإن محل الاعتداء في جريمة القتل هو الإنسان الحي، فالمشرع يتطلب أن تتوافر في محل الاعتداء صفة الإنسانية وشروط الحياة، فإن تخلف أحدهما لا تقع جريمة القتل، وإن أمكن أن تقع بالفعل جريمة أخرى .
ولا تثير لحظة انتهاء الحياة صعوبة ما ، إذ هي اللحظة التي يلفظ فيها الإنسان نفسه الأخير ، حيث تتوقف كل وظائف الجسم توقفاً تاماً وإنما يثور التساؤل حول تحديد اللحظة التي تبدأ فيها الحياة ؟ وترجع أهمية التحديد إلى اختلاف نطاق الحماية القانونية التي يسبغها المشرع على الإنسان قبل هذه اللحظة عنه بعدها. فقبل هذه اللحظة يعتبر الإنسان جنيناً فتحميه النصوص التي تعاقب على الإجهاض ، بينما تحميه منذ أن تبدأ الحياة النصوص التي تعاقب على القتل ، وكذلك النصوص المتعلقة بالجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة، والحماية التي تقررها نصوص الإجهاض أضيق نطاقاً من تلك التي تتضمنها نصوص القتل ، فالمشرع لا يعاقب على الإجهاض إلا إذا كان عمدياً ، بينما يعاقب عن القتل سواء كان عمدياً أو غير عمدي، كذلك لا عقاب على الشروع في الإجهاض بينما يوقع العقاب على الشروع في القتل، وبالإضافة إلى ذلك فإن المشرع لا يجرم إيذاء الجنين بينما يجرم الإيذاء البدني الواقع على الإنسان الحي .
ولا يثير هذا التحديد صعوبة إذا وقع إعدام الجنين قبل بدء عملية الولادة، إذ يخضع عندئذ لنصوص الإجهاض ، أو بعد انتهاء عملية الولادة ، إذ تطبق عندئذ نصوص القتل ؛ ولكن الصعوبة تثور حول ما إذا كانت صفة الإنسان الحي تتحقق في الفترة التي تنحصر بين بدء عملية الولادة ونهايتها أم أنه يعتبر جنيناً ؟ استقر الفقه الجنائي على أن الحياة التي يعنيها المشرع في نصوص جريمة القتل تبدأ منذ اللحظة التي تبدأ فيها عملية الولادة ، وهي اللحظة التي يصبح عندها الجنين صالحاً للحياة خارج جسم أمه ، وقابلاً للتأثر تأثراً مباشراً بالعالم الخارجي ويترتب على هذا التحديد أنه إذا أخطأ الطبيب أثناء إجراء عملية الولادة خطأ أدى إلى وفاة المولود فإنه يسأل عن جريمة القتل غير العمدي ، بينما لا يسأل الطبيب إطلاقاً إذا اعتبرنا أن المولود لا يزال جنيناً في هذه الفترة، حيث أن جريمة الإجهاض لا تكون إلا عمدية .
وإذا تحقق في محل الاعتداء أنه إنسان حي فإن ذلك يكفى لقيام هذا الركن، فيستوي بعد ذلك سن المجني عليه أو جنسه أو مستواه الاجتماعي ، فالمجتمع يحمي حق المجنى عليه في الحياة سواء كان غنياً أو فقيراً متعلماً أو جاهلاً مفيداً للمجتمع أو ضاراً به فتقع جريمة القتل ولو كان المجني عليه مجرماً خطيراً بل ولو كان محكوماً عليه بالإعدام ذلك أن حق هذا الشخص في الحياة يظل محلاً لحماية القانون إلى أن ينفذ فيه الإعدام بالطريق القانونی .
كذلك يستوي في نظر المشرع أن يكون المجني عليه معافي أو معانياً من مرض خطير ، بل ولو كان هذا المرض يسبب له آلاماً مبرحة فيسأل الطبيب عن جريمة القتل إذا أنهي حياة المريض إشفاقاً عليه من الآلام التي يعانيها ولو كان ذلك بناء على رجاء المريض أو أهله بل ولو كان هذا المرض يؤدي به حتماً إلى الموت .
ويستوي في نظر المشرع أيضاً أن يكون المجني عليه عادياً أو مشوهاً فتقع جريمة القتل إذا كان المجني عليه قد ولد في صورة غير طبيعية ، ولو كان تشويهه ينذر بموت عاجل كذلك يستوي أن يكون المجني عليه متخلفاً من الناحية الذهنية أو كان أحد العباقرة .
ويلاحظ على هذا النص عدة ملاحظات :
أولاً : أن استعماله عبارة «لارتكاب جنحة أو جناية» يفيد أنه لا يقتصر على جناية القتل العمد وإنما قد يتحقق في بعض الجرائم التي تعد جنحاً كما هو الشأن في جنح الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة .
ثانياً : أن عبارة «سواء كان ذلك القصد معلقاً على حدوث أمر أو موقوفاً على شرط» تفيد لغوياً أن القصد لا يكون قائماً إلا في إحدى هاتين الحالتين، وهذا مخالف لحقيقة قصد المشرع ، ومرجع ذلك إلى أن هذه العبارة ترجمة غير دقيقة للعبارة الفرنسية التي تعني «حتى ولو كان القصد ... إلخ» .
ثالثاً : أن التعريف الذي تضمنه النص لسبق الإصرار يفيد الاقتصار على عنصر واحد هو العنصر الزمني المستفاد من عبارة القصد المصمم عليه قبل الفعل ، وهو يعني مرور فترة من الزمن بين تحقق نية القتل لدى الجاني وبين ارتكابه الجريمة، والواقع أن هذا العنصر غير كاف في ذاته لتوافر سبق الإصرار ، وإنما هو متطلب كشرط لا غنى عنه لتحقق عنصر آخر أكثر أهمية هو العنصر النفسي ، الذي يقتضي أن يكون الجاني قد فكر في الجريمة في هدوء وروية وخطط لارتكابها وتدبر في عواقبها بعيداً عن ثورة الانفعال .
والعنصر النفس هو الذي يبرر تشديد العقاب عند تحقق سبق الإصرار ، ذلك أن المجرم الذي يقدم على ارتكاب جريمة القتل بعد أن فكر فيها تفكيراً هادئاً مطمئناً يعبر عن شخصية أشد خطورة من شخصية من ينفذ القتل تحت تأثير ثورة انفعال وغضب .
وإذا كنا ننتهي - بهذا التحديد - إلى القول بأن سبق الإصرار يقوم على كلا العنصرين الزمني والنفسي ، فإننا نرى أن تحقق العنصر النفسي يفترض تحقق العنصر الزمني ، فإذا كان الجاني قد أقدم على تنفيذ الجريمة بعد تفكير هادئ وتدبر وروية ، فإن سبق الإصرار يكون متوافراً مهما قصر الزمن بين العزم على الجريمة وتنفيذها ، ولكن العكس غير صحيح ، فمرور فترة من الزمن - وإن طالت - بين العزم على ارتكاب جريمة القتل وبين تنفيذها لا يعني حتماً توافر التفكير الهادئ المطمئن الذي يكون العنصر النفسي ، فمناط قيام سبق الإصرار هو أن يرتكب الجاني الجريمة وهو هاديء البال بعد إعمال فكر وروية فليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضى الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها ، طال هذا الزمن أو قصر ، بل العبرة بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير .
وقد قضت محكمة النقض بأن سبق الإصرار يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الإنفعال ، مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها ، لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث وبين وقوعها صح افتراضه، ( نقض 25 يناير سنة 1921 مجموعة القواعد القانونية ج 2 رقم 169 ص 322 ) .
وإذا تحقق العنصران الزمني والنفسى توافر سبق الإصرار ، فلا يؤثر في قيامه أن يكون الجاني قد أخطأ في توجيه الفعل ، أو أخطأ في شخصية المجني عليه فأصاب شخصاً آخر غير من صمم على قتله ، ذلك أن سبق الإصرار « حالة قائمة بنفس الجاني وملازمة له سواء أصاب الشخص الذي أصر على قتله أم أخطأه وأصاب غيره » .
كما لا يؤثر في قيام سبق الإصرار أن يكون قصد الجاني محدوداً أو غير محدود ، فيستوي أن يصمم الجاني على قتل شخص معين أو غير معين ، كأن يصمم على قتل أي شخص يعترض عملاً سيقوم به ، وقد صرحت بذلك المادة 231 بقولها «أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه» .
سبق الإصرار وتعدد الجناة :
سبق الإصرار ظرف شخصي يتعلق بنفسية الجاني ، ولذلك فإنه لا يتأثر به إلا من توافر لديه دون غيره من المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء (المادتان 2/39 ، 41 (ثانياً) من قانون العقوبات)، وإذا كان الغالب أن يكون الاتفاق السابق بين المساهمين في الجريمة قرينة على توافر سبق الإصرار لديهم جميعاً، إلا أن التلازم بين الاتفاق السابق وسبق الإصرار ليس أمراً حتمياً ، فقد يتم الاتفاق بين المساهمين على ارتكاب جريمة قتل فجأة وفي ثورة غضب دون ترو أو تفكير هادئ فلا يتوافر سبق الإصرار، فانتفاء سبق الإصرار لا ينفي الاتفاق الذي يكفي لتحققه بين المتهمين تقابل إرادتهم ؛ وقد يتم الاتفاق بين شخص أو عدة أشخاص فكروا في الجريمة تفكيراً هادئاً وآخرين لم يكن لديهم فرصة كافية للتفكير المطمئن، فيتوافر سبق الإصرار لدى الأولين دون الآخرين .
كذلك قد يتوافر سبق الإصرار لدى المساهمين في الجريمة دون أن يكون بينهم اتفاق سابق ، فقد يبيت كل من أ، ب النية على قتل المجني عليه ، فيطلق عليه عياراً نارياً ثم يطلق عليه ب عيار آخر قاصداً التداخل مع أ في ارتكاب جريمته .
وتذهب محكمة النقض المصرية إلى القول بأن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصريين عليها .
( نقض 16 نوفمبر سنة 1931 مجموعة القواعد القانونية ج 2 رقم 289 ص 358؛ ونقض 13 يناير سنة 1969 مجموعة أحكام محكمة النقض س 20 رقم 18 ص 85 ؛ ونقض 26 مارس سنة 1973 س 24 رقم 89 ص 427 ) .
وهذا القول وإن كان يمثل الوضع الغالب إلا أنه ليس صحيحاً على إطلاقه ، فقد يتوافر سبق الإصرار لدى شخصين أو أكثر على قتل المجني عليه دون أن يوجد بينهم اتفاق سابق ، وترجع أهمية هذا التحديد إلى أنه لو سلمنا بأن توافر الإصرار السابق يتضمن حتماً تحقق الاتفاق لترتب على ذلك مسئولية كل مساهم عن الجريمة التي ارتكبها المساهم معه مهما ضؤل نصيبه من الأفعال المادية المكونة لها أما إذا رفضنا هذه الوجهة وتطلبنا : لتحقق المساهمة ضرورة تحقق الاتفاق ، فإنه إذا ثبت توافر القصد ولم يثبت توافر الاتفاق فإن كل من ارتكب فعلاً يسأل عن فعله فحسب إذ لا نكون عندئذ بصدد جريمة واحدة تعدد المساهمون فيها ، وإنما بصدد عدة جرائم ، فيسأل كل فاعل عن جريمته فحسب ، وعلى ذلك فإذا توافر سبق الإصرار لدى كل من أ، ب على قتل المجنى عليه دون أن يتفقا على ذلك وطعنه أ وهو نائم فأغمي عليه ، وبعد ذلك دخل عليه ب وطعنه طعنة أخرى فمات ، يسأل الأول عن شروع في القتل فحسب ، ويسأل الثاني عن جريمة قتل تامة، بينما لو قلنا بأن سبق الإصرار لدى كل منهما يفترض الاتفاق بينهما لسئل أ عن فعل ب أي عن قتل تام .
بیان سبق الإصرار في الحكم :
تأخذ الظروف المشددة حكم أركان الجريمة من حيث وجوب أن تقيم المحكمة الدليل على توافرها، والقول بتوافر هذه الظروف يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، وهي تستشف قيامها من ظروف الدعوى، وعلى ذلك فإذا ارتأت المحكمة تحقق سبق الإصرار وحكمت على المتهم على هذا الأساس وجب أن تبين في حكمها الظروف التي استخلصت منها توافره ، وإن لم تذكره صراحة في الحكم ولا رقابة لمحكمة النقض عليها إلا إذا كانت الظروف التي أثبتتها لا تؤدي عقلاً إلى استخلاصه ، أو إذا كانت تتنافر مع تعريف سبق الإصرار قانوناً .
( نقض 24 أكتوبر سنة 1932 مجموعة القواعد القانونية ج 2 رقم 371 ص 606 ؛ ونقض 23 أبريل سنة 1934 ج 3 رقم 235 ص 312 ؛ ونقض 23 أكتوبر سنة 1977 مجموعة أحكام محكمة النقض س 28 رقم 181 ص 875 ؛ ونقض 8 مايو سنة 1978 س 29 رقم 91 ص 492 ؛ ونقض 11 ديسمبر سنة 1978 س 29 رقم 190 ص 916 ونقض 15 فبراير سنة 1990 س 41 رقم 62 ص 383 ) . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية ، الصفحة : 362 )
ويلاحظ على هذا التعريف أنه قد اقتصر على بيان أن يكون تفكير الجاني قد سبق إقدامه على التنفيذ، بينما يتطلب سبق الإصرار أن يكون الجاني هادئاً متروياً قبل الإقدام على ارتكاب الجريمة، فهنا تبدو علة التشديد، فالجاني الذي يفكر هادئاً في الجريمة ويزنها مقدراً احتمالاتها، ثم ينتهي إلى التصميم على السير في غيه يعد بحسب الأصل أخطر من المجرم الذي يرتكب جريمته دون ترو وتدبر جراء تأثير انفعال أو عاطفة هوجاء .
ويتعين عدم الخلط بين نية القتل وسبق الإصرار، فقد يقرر الجاني قتل المجني عليه فور تأثره بأمر معين، لكنه لا يقدم على تنفيذ جريمته إلا بعد فترة هدوء يتأمل فيها العواقب والاحتمالات .
وسبق الإصرار بوصفه حالة ذهنية قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة، ولكنه يستفاد من وقائع وظروف خارجية وتستخلصه المحكمة على نحو لا يتنافر مع العقل والمنطق .
ويتطلب هدوء نفس الجاني مضي فترة زمنية طالت أو قصرت، يستطيع فيها أن يقلب أوجه الجريمة التي أزمع المضي فيها . وهذا العنصر الزمني أمر يقتضيه العنصر النفسي، فبدون هذا الأخير لا تقوم لسبق الإصرار قائمة . لكن العنصر الزمني لا يكفي وحده للقول بسبق الإصرار ما لم يقترن به هدوء في حالة الجاني النفسية، فقد يثبت أنه رغم مضي فترة زمنية معينة فإن الجاني كان ما يزال خاضعاً لثورة غضب أو عاطفة هو جاء فالعبرة إذا هي بصلاحية الفترة الزمنية في ظروف واقعة للروية ، والهدوء في التفكير .
سبق الاصرار وتعدد الجناة :
سبق الإصرار ظرف شخصي، ومن ثم فلا يؤاخذ به سوی من توافر لديه هذا القصد دون غيره من الجناة فاعلين كانوا أو شركاء . فإذا توافر سبق الإصرار لدى المساهمين في الجريمة أمكن الاستدلال على توافر الاتفاق فيما بينهم ومساءلتهم جميعاً - فاعلين كانوا أو شركاء .
يعاقب على القتل العمد المصحوب بسبق الإصرار بالإعدام (المادة 230 عقوبات ) .
ويلاحظ أنه لا جدوى للطاعن من التمسك أمام محكمة النقض بعدم توافر ظرف سبق الإصرار في جريمة القتل المنسوبة إليه مادامت العقوبة المحكوم بها مقررة لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار .
ومع ذلك، فإنه إذا استخلصت محكمة الموضوع توافر الاتفاق بين الجناة من سبق الإصرار لديهم، فإن للمتهمين مصلحة أمام محكمة النقض في الطعن بعدم توافر سبق الإصرار توصلا لهدم توافر الاتفاق فيما بينهم وهدم علاقة السببية بين الاتفاق والنتيجة . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة : 77 )
التعريف بسبق الإصرار :
إن سبق الإصرار يفيد الوجود للمشروع الإجرامي هذا هو الحد الأدنى الذي يثقل عليه معنى سبق الإصرار سواء في المحيط الاجتماعي أو في المحيط النفسي والقانوني، فما من شك في أن المشرع الجنائي في العمد أخذ المفهوم النفسي لسبق الإصرار وإعطاء قيمة قانونية في التشديد .
فسبق الإصرار يفترض عن الجريمة الانفعالية من هذه الزاوية إذ ينقض فيها الوجود السابق للمشروع الإجرامي في ذهن الجاني .
ومن أجل ذلك فإن سبق الإصرار يرتبط بالقصد الجنائي أي إرادة تحقيق السلوك والنتيجة مع العلم بالعناصر المكونة لهما، ولكنه ليس هو القصد الجنائي ذاته، فهو يتصل بدرجة جسامة القصد الجنائي وتدرجه .
فالقصد الجنائي يتدرج من قصد الانفعال إلى القصد العادي الذي يتسم بالتفكير السريع ثم إلى سبق الإصرار الذي يتطلب قدراً أكبر من التفكير والتدبير في تنفيذ المشروع الإجرامي، أي تفكير معتمد من حيث الزمن .
ولتوضيح ذلك يلاحظ أنه إذا كان الفرق بين القصد الجنائي الانفعالي يتوقف على وجود فترة من الزمن للتفكير تسمح بالتدبير أو التفكير في المشروع الإجرامي الذي ينوي الجاني ارتكابه، بينما في القصد الانفعالي هذه الفترة الزمنية تتعارض مع فكرة الجريمة بحيث يمر الجاني بسرعة من مرحلة التفكير إلى مرحلة التنفيذ، فإن القصد الجنائي المقترن بسبق إصرار الجريمة من المعتاد، وإن كان هذا لا يمنع من التجانس في الطبيعة بين الدرجات الثلاث من القصد الجنائي .
ومن الملاحظ أن سبق الإصرار يعتبر ظرفاً مشدداً في جرائم القتل خاصة وفي بعض التشريعات يطبق هذا الظرف بالنسبة لبعض جرائم الاعتداء على الأشخاص .
وقد أثار ذلك تساؤلاً حول الأسباب التي من أجلها يعد سبق الإصرار ظرفاً مشدداً في جرائم الأشخاص فقط دون بقية الجرائم الأخرى .
وإذا نظرنا إلى سبق الإصرار من حيث مقوماته نجد أنه يرتبط بعملية نفسية للفرد تعبر عن خطورة إجرامية كبيرة جديرة بأن يأخذها المشرع الجنائي بعين الاعتبار في جميع أنواع الجرائم وليس فقط جرائم الاعتداء على الأشخاص، فلماذا إذن جرائم القتل والاعتداء على الأشخاص هي التي تحظى فقط بالتشديد إزاء سبق الإصرار .
غير أنه يبدو أن جرائم الدم تثير في النفوس الكراهية والاشمئزاز من أجل ذلك فإن الإصرار السابق علي ارتكابها يشير إلي صيانة السلوك من وجهة النظر الاجتماعية والتي يأخذها المشرع بعين الاعتبار .
سبق الإصرار ودرجة جسامة القصد الجنائي :
من القدرة على تجاوز الدوافع المانعة للسلوك، ومن أجل ذلك فإن خطورة سبق الإصرار والاعتداد به في التشديد تستفاد من عملية التقييم المتعلقة بالتفكر والتدبر في المشروع الإجرامي منظوراً إليها في الفترة ما بين اتخاذ القرار، وما بين التنفيذ الفعلي وليس منظوراً فيها إلى المرحلة السابقة على اتخاذ هذا القرار .
ففي هذه المرحلة الأخيرة والمتسمة بالتردد أو بتطور الشعور الإجرامي لا يوجد سبق إصرار وإنما توجد البواعث والأسباب للإجرام، فسبب الجريمة قد يكون بعيداً عن القتل الفعلي دون أن يسمح هذا بتقرير توافر سبق الإصرار .
فقد يقدم الشخص على القتل نتيجة لقرار اتخذه في لحظة لاحقة على الأسباب الدافعة على الجريمة وسابقة مباشرة للسلوك الإجرامي، ومثال ذلك الحالات التي يقدم فيها الشخص على ارتكاب القتل في اللحظة التي يتقابل فيها مع المجني عليه والتي تثير في نفسه الانفعالات المختلفة نتيجة إهانات سابقة، ففي حين أن الإصرار السابق يتطلب إرادة القتل أولاً، ويمكن أن يعتبر الشخص قد أراد القتل إذا لم يكن قد قرره في نفسه، فيجب التفرقة دائماً بين الميل نحو الجريمة وإرادة الجريمة .
فتلك الإرادة تبدأ في اللحظة التي تتغلب فيها الدوافع المتجهة للسلوك الإجرامي على الدوافع المانعة له، هذه اللحظة يستمد سبق الإصرار جذوره .
أما الأسباب والجريمة فهي وإن كانت تدلل على وجود أو عدم وجود سبق الإصرار تبعاً لبعدها أو قربها من قرار الجريمة إلا أن ذلك يقبل دائماً العكس وذلك إذا أثبت الجاني أنه في خلال الفترة ما بين الأسباب والجريمة قد أتي أمثالاً تتعارض وفكرة الجريمة ذاتها .
ونتيجة لذلك فإن سبق الإصرار على لحظة اتخاذ قرار الجريمة فإذا كانت سابقة بوقت كاف عن التنفيذ الفعلي لجريمة استمد سبق الإصرار أسباب وجوده، أما إذا كانت تلك الأسبقية محل شك استبعد سبق الإصرار لنكون بصدد الجريمة المفاجئة أو الانفعالية .
ومفاد ذلك أن تحديد سبق الإصرار لا يتوقف على الفترة ما بين استقرار فكرة الجريمة وقرار اتخاذها أو تنفيذها . ذلك أن قرار تنفيذ الجريمة ليس هو التنفيذ الفعلي لها وإنما هو حالة نفسية سابقة عليه. وقد يتم أو لا يتم .
فسبق الإصرار يبدأ في الاحتساب من وقت اتخاذ القرار بتنفيذ الجريمة وينتهي بالتنفيذ الفعلي أو البدء في تنفيذها وفقاً لمعايير المشروع .
والفكر السابق يتفق واعتبار سبق الإصرار ظرفاً مشدداً باعتبار أنه يعكس أعلى درجة من درجات القصد الجنائي .
فالوجود السابق للنية الإجرامية وامتدادها حتى تنفيذ الجريمة إنما يدل على أعلى درجات الأذناب، فالركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي يمر بمراحل نفسية متعددة .
فهناك أولاً فكرة الجريمة وهي عبارة عن عرض نفسي لهدف معين وهو القتل، ويعقب ذلك الموازنة النفسية المتمثلة في تقييم العوامل الدافعة إلى الجريمة، والعوامل المانعة لها، فإذا ما تغلبت العوامل الدافعة وجد قرار الجريمة، وعلى قدر الفترة الزمنية ما بين القرار السابق والتنفيذ الفعلي نكون بصدد سبق إصرار من عدمه إذا ما توافرت بقية العناصر الأخرى المكونة لسبق الإصرار .
أسباب التشديد فى سبق الإصرار :
إن أساس التشديد في سبق الإصرار إنما يتوقف على دلالته لدرجة الانحطاط النفسي لشخص، فهو يعبر عن اتجاه أو ميل الشخص نحو الجريمة بتغلب العوامل الدافعة على تلك المانعة مع استمرار ذلك حتى لحظة ارتكاب الجريمة .
وكما أن المشرع يقرر للعدول الاختياري أثراً معيناً بالنسبة للعقوبة فهو يقرر أثراً مشدداً بالنسبة لاستمرارية تغلب العوامل الدافعة على تلك المانعة في فترة زمنية محددة، أي ما بين قرار الجريمة وبين تنفيذها .
وبعبارة واحدة فإن التشديد في سبق الإصرار يجد مصدره في أن الشخص قد يتوافر له الوقت اللازم ليناقش الفكرة الإجرامية التي قررها على ضوء القيم والمثل الاجتماعية والدينية والقانونية في المجتمع الذي يعيش فيه .
وعلى ذلك فالذي يتميز به سبق الإصرار ليس هو كيفية ارتكاب الجريمة وإنما كيفية إرادتها .
الإعداد السابق وسبق الإصرار :
يتجه البعض إلى اعتبار الإعداد السابق لكيفية التنفيذ والتخطيط له من ضمن العناصر التي تكمل سبق الإصرار في وجوده القانوني والنفسي .
ومثال ذلك التخطيط المتعلق بوقت ومكان التنفيذ والوسائل المختلفة له وطريقته، وذلك تأسيساً على أن سبق الإصرار كموقف نفسي لابد له من جوانب مادية يظهر بها في العالم الخارجي .
فسبق الإصرار لابد أن يعكس المشروع الإجرامي كما قرره الجاني، ولذلك فلا يوجد سبق إصرار إذا لم يكن المشروع الإجرامي قد أكتمل في نفس الجاني من جميع جوانبه التي تكفل له التحقيق .
وعليه فمادام الجاني لم يقرر بعد ما إذا كان يقتل المجني عليه بسلاح ناري أو بالسم أو بالطعن بالسلاح الأبيض فلا يوجد سبق إصرار .
غير أن الإعداد السابق والتخطيط للمشروع الإجرامي وإن كان دليلاً على توافر سبق الإصرار إلا أنه ليس جوهرياً لوجوده .
فسبق الإصرار قد يوجد بالرغم من عدم الإعداد السابق لجريمة لتنفيذها بما يكفل تحققها كاملة، ذلك أن سبق الإصرار يتوافر حتى مع وجود إعداد وتخطيط سابق إلا أن التنفيذ قد تحقق بشكل مختلف عما رسمه الجاني في ذهنه كشكل للتنفيذ وقت اتخاذه القرار .
وإذا كان الأمر كذلك فإن الإعداد السابق لا يدخل كعنصر كامل لوجود سبق الإصرار من الناحية النفسية والقانونية على السواء .
ومن ناحية أخرى إذا تم تنفيذ الجريمة وفقاً للخطة الموضوعة إلا أن الهدف اختلف فإن هذا لا يؤثر في توافر سبق الإصرار كما لو أخطأ الهدف التصويب .
أما لو تغيرت الواقعة الإجرامية ذاتها فلن يؤثر وجود سبق الإصرار بالنسبة للواقعة الأولى على الواقعة الثانية، فلو صمم الجاني على ضرب المجني عليه بآلة حادة فصادفه وهو يحمل سلاحاً نارياً فأطلق عليه عياراً نارياً قاصداً إصابته فقط، فأصابه في مقتل، فإن الواقعة تشكل ضرباً أو جرحاً أفضى إلى الموت ولا يمكن اعتبارها قتلاً عمدياً مع سبق الإصرار .
وإذا كان الإعداد أو التخطيط السابق ليس عنصراً من عناصر سبق الإصرار، بمعنى أن التخطيط لكيفية ارتكاب الجريمة والوسائل التي تستخدم في ذلك وإن كان يمكن أن يستفاد منه توافر سبق الإصرار إلا أنه ليس ضرورياً أن يكون هذا التخطيط السابق دليلاً على توافر سبق الإصرار فقد لا يتوافر بالرغم من الإعداد والتخطيط السابق .
فالدليل على توافر سبق الإصرار يجب أن يستفاد من الظروف التي يؤثر فيها السلوك الإجرامي، وشأن سبق الإصرار في ذلك شأن القصد الجنائي وباقي العناصر التنفسية التي يتكون منها الركن المعنوي، ذلك أن ما يعتمل بالنفس البشرية من صراعات نفسية حول القرار الإرادي، والدوافع المانعة والوعي والإدراك، كل هذه العمليات النفسية لا يمكن أن يأخذها القانون الجنائي بعين الاعتبار إلا حينما تتجسم في شكل سلوك خارجي يمكن إدراكه عن طريق الحواس .
ومن أجل ذلك لا يمكن أن يعتبر دليلاً قاطعاً على وجود تلك العمليات النفسية وقائع أو سلوك محدد، ولهذا فإن الترصد ليس دليلاً قاطعاً على سبق الإصرار، وكذلك التحايل على المجني عليه واقتياده إلى مكان مهجور لارتكاب الجريمة .
وأيضاً التحريض وغير ذلك من المواقف والأفعال لا يمكن اعتبارها أدلة قاطعة على سبق الإصرار . وإنما هو الأخير يستفاد من ظروف كل واقعة على حدة .
وما يمكن اعتباره دليلاً على سبق الإصرار في واقعة معينة قد لا يعتبر كذلك في واقعة أخرى والعكس صحيح . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني، الصفحة : 46 )
عناصر سبق الإصرار :
لسبق الإصرار عنصران : الأول - التصميم السابق، فسبق الإصرار يقتضي فترة من الزمن تمضي بين العزم على إرتكاب الجريمة وبين تنفيذها، وهو ما عنته المادة التي نحن بصددها بقولها "الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل"، ولكن التصميم السابق لا يكفي وحده لتوافر سبق الإصرار وإنما يشترط لذلك عنصر ثاني لم ينص عليه المشرع ولكنه أهم العنصرين بل إن شرط المدة متفرع عنه، هذا العنصر هو أن يكون الجاني قد فكر فيما عزم عليه ورتب وسائله وتدبر في عواقبه ثم أقدم على مقارفته وهو هادي البال بعد أن زال عنه تأثیرالغضب، فليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها، طال هذا الزمن أو قصر، بل العبرة بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير .
ولا يشترط أن تكون النية المبينة على الإعتداء محدودة، بل يصح أن تكون غير محدودة، فيكفي أن يدبر الجاني الإعتداء على من يعترض عمله، كائناً من كان ذلك المعترض، ونص المادة التي نحن بصددها صريح في ذلك بقوله " أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه "، ونص المادة التي نحن بصددها صريح أيضاً في أن الجريمة تعد واقعة بسبق إصرار ولو كان ارتكابها موقوفاً على حدوث أمر أو معلقاً على شرط .
كذلك لا عبرة بالغلط في الشخص أو الشخصية، فالقتل يعتبر مقترن بسبق الإصرار ولو أصاب القائل شخصاً غير الذي صمم على قتله، لأن ظرف سبق الإصرار حالة قائمة بنفس الجاني وملازمة له سواء أصاب الشخص الذي أصر على قتله أم أخطأه وأصاب غيره .
سبق الإصرار وتعدد المتهمين :
سبق الإصرار ظرف شخصى يرجع إلى القصد، فإذا تعدد الفاعلون أو كان في الجريمة شركاء فإن كل منهم يؤاخذ على قصده وفقاً للمادتين (39، 41) من قانون العقوبات ولا تناقض إطلاقاً بين إعتبار الجريمة وحدة وبين توافر سبق الإصرار لدى بعض المساهمين فيها دون البعض الآخر .
بیان سبق الإصرار في الحكم :
تعد الظروف القانونية المشددة في حكم أركان الجريمة من حيث تخويل محكمة الموضوع سلطة الفصل فيها ووجوب بيانها في الحكم بياناً كافياً، فلمحكمة الموضوع أن تستنتج توافر سبق الإصرار مما يحصل لديها من ظروف الدعوى وقرائنها وعلى المحكمة أن تبين في حكمها الظروف والقرائن التي تستند إليها في استظهار سبق الإصرار وإن كان لا يلزم أن تذكره بصريح اللفظ، ومتى قالت بوجوده فلا رقابة لمحكمة النقض عليها، اللهم إلا إذا كانت تلك الظروف والقرائن التي أثبتتها لا تصلح عقلاً لهذا الإستنتاج أو كانت تتنافر مع تعریف سبق الإصرار قانوناً . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 301 )
تنص المادة 231 عقوبات على أن الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقاً على حدوث أمر أو موقوفاً على شرط ومن نص القانون يتضح أن سبق الإصرار هو ظرف متعلق بالقصد ووصف من أوصافه ويمكن تعريفه بأنه تروي الجاني وتدبره قبل إقدامه على ارتكاب الجريمة وتفكيره فيها تفكيراً هادئاً لا يشوبه اضطراب فإذا سبق إيقاع القتل وقت يفكر فيه الجاني ويتدبر في هدوء وسكينه ثم يعمد إلى ارتكابه بعد هذا التروي والتفكير الهادئ قيل حينئذ أنه ارتكب القتل أو الضرب مع سبق الإصرار فسبق الإصرار يقوم على عنصرين :
الأول نفسانی : ويعني أن يكون الجاني قد أمعن فكرة فيما عزم عليه ورتب وسائله وتدبر عواقبه ثم أقدم على فعله بعد أن زال عنه الغضب وثورة النفس وهذا العنصر يمثل في الواقع ذاتية الإصرار .
والثاني زمنی : فإن سبق الإصرار يقتضي مرور فترة من الوقت بين نشوء سبب الجريمة في ذهن الجاني وعزمه عليها وبين تنفيذها وقد أبرزت المادة 231 هذا العنصر في قولها أن الإصرار السابق (هو القصد المصمم عليه قبل الفعل) ومقدار هذه الفترة الزمنية رهن في كل حالة بما يحقق العنصر الأول أي بما يهيئ للجاني حالة من الهدوء النفسي تسمح بأن يقال أنه ارتكب الجريمة بعد تدبر وتروي وبعد أن زال عنه هياج النفس واضطرابها ومن ثم فإن هذه المدة قد تقصر وتطول تبعاً للظروف الملابسة .
وعلى ذلك فسبق الإصرار إذن يعد ظرفاً مشدداً للعقوبة لأنه ينم على نفسية خطيرة في الجاني الذي كانت ميسرة أمامه فرصة العدول عن ارتكاب الجريمة ومع ذلك ظل متمسكاً بعزمه عليها فهو أشد خطراً من الجاني الذي ينزلق إلى ارتكاب الجريمة تحت تأثير ثورة من الغضب طارئة تضعف قوة ضبطه ويسهل معها أن تذعن النفس لنداء الشر .
ولا يحول دون توافر سبق الإصرار أن يكون معلقاً على شرط كما إذا اعتزم الجاني قتل المجني عليه إذا حضر إلى مسكنه أو تعرض له في زراعته أو منعه من عمل معين كما لايشترط لتحقيق هذا الظرف المشدد أن يكون قصد الجاني في القتل محدد بل يستوي أن يكون غير محدد كأن يصمم الجاني على قتل من يعترض سبيله كائناً من كان ولايؤثر في توفر هذا الظرف المشدد خطأ الجاني في التصويب أو في شخصية المجنى عليه أو أن تكون الوسيلة المستعملة لم تخصص أصلاً للقتل .
سبق الإصرار وتعدد الجناة :
وسبق الإصرار ظرف شخصي ولذلك فلو تعدد المساهمون في الجريمة فإنه لا يسرى إلا على من يقوم لديه منهم وفقاً للمادتين 39 ، 41 من قانون العقوبات والواقع أن قيام التفاهم السابق بين الجناة في الجريمة يدل في الغالب على توفر سبق الإصرار لديهم غير أنه يتصور وجود التفاهم مع انتفاء سبق الإصرار كما لو حدث الاتفاق على القتل وكانت نفوس من عزموا عليه هائجة وتم تنفيذه في الحال وعندئذ يؤاخذ الجناة عن القتل العمد مجرداً عن ظرف سبق الإصرار ومن المتصور مع قيام الاتفاق على إتيان الجريمة أن يتوافر سبق الإصرار لدى بعض الجناة دون البعض إذ لايستبعد أن يكون من بينهم من ساهم فيها وقت تنفيذها مباشرة أو من هو في حال من الغضب لا تسمح له بالتدبر والتفكير وعندئذ يؤاخذ كل من الجناة على حسب قصده وفقاً للمادتين 39 ، 41 عقوبات .
وعلى ذلك فإن سبق الإصرار بين المتهمين يستمد منه بالذات اتفاقهم كفاعلين وشركاء على ارتكاب الجريمة ومن ثم لا يلزم لإثبات هذا الاتفاق في حق الشركاء منهم أي دليل آخر غير الأدلة التي استخلص منها سبق الإصرار ويعني ثبوت الاتفاق بين المتهمين تضامنهم في المسئولية عن وفاة المجني عليه بدون حاجة إلى تحديد من الذي أحدث منهم الإصابة فيسألون جميعاً عن قتل عمد وشروع فيه أن لم تكن الإصابة قاتلة وإذا كان كل سبق إصرار اتفاقاً فإنه ليس ملزم في كل اتفاق وجود سبق الإصرار .
إثبات سبق الإصرار :
سبق الإصرار شأنه شأن نية القتل من ناحية كونه حالة ذهنية لا تثبت مباشرة من شهادة الشهود بل تثبت عادة بالاعتراف أو تستنتج من القرائن ومن أمثلتها بعث القتل كوجود ضغائن سابقة بل قد يكون انعدام البواعث الظاهرة مشيراً ذاته إلى الإصرار السابق كما قد يشير إلى إعداد السلاح مقدماً أو تدبير وسائل الهرب أو مراقبة المجنى عليه أو استدراجه أو تهديده أو مطاردته قبل الجناية بفترة كافية. وكثيراً ما يكون تعدد الجناة نتيجة تفاهم سابق أو اتفاق وكذلك مجرد الترصد دليلاً يدل عليه وغني عن البيان أن إثباته من واجبات سلطة الاتهام وأن تقدير أدلته تخضع لسلطة محكمة الموضوع بغير أن يخضع لرقابة محكمة النقض إلا في الحدود العامة التي تراقب فيها هذه الأخيرة كافة المسائل الموضوعية . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث ، الصفحة : 231 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة : 251
( مادة 511 ) :
سبق الإصرار هو التصميم على إرتكاب الفعل قبل تنفيذه بوقت كاف يتاح فيه للجاني التفكير في هدوء وروية .
والترصد هو تربص الجاني للمجني عليه في مكان يقدر ملاءمته لتنفيذ الفعل مباغتة ، طالت مدة التربص أو قصرت .
ويتوافر كل من ظرفي سبق الإصرار والترصد ولو كان تنفيذ الفعل معلقاً على حدوث أمر ، أو موقوفاً على شرط .
الجرائم الواقعة على الأشخاص
الفصل الأول
المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه
المواد من (510) - (529) :
أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي :
١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب، أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) .
وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة .
2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة .
3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح .
4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع .
والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل .
5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .
6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .
7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر .
واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .
8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع .
9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم .
10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 54
إِصْرَارٌ
التَّعْرِيفُ :
الإْصْرَارُ لُغَةً : مُدَاوَمَةُ الشَّيْءِ وَمُلاَزَمَتُهُ وَالثُّبُوتُ عَلَيْهِ .
وَاصْطِلاَحًا : الإْصْرَارُ: هُوَ الْعَزْمُ بِالْقَلْبِ عَلَى الأْمْرِ وَعَلَى تَرْكِ الإِْقْلاَعِ عَنْهُ. وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الإْصْرَارُ فِي الشَّرِّ وَالإْثْمِ وَالذُّنُوبِ .
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ :
الإْصْرَارُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ جَهْلٍ، أَوْ عَنْ عِلْمٍ. فَإِذَا كَانَ الإْصْرَارُ عَنْ جَهْلٍ فَقَدْ يُعْذَرُ مَنْ لاَ يَعْلَمُ حُرْمَةَ الْفِعْلِ الَّذِي أَصَرَّ عَلَيْهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ عَنْ عِلْمٍ بِالْحُكْمِ فَإِنَّ الْفَاعِلَ يَكُونُ آثِمًا إِذَا كَانَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَيَتَضَاعَفُ إِثْمُهُ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ جُرْمٍ، لأِنَّ الإْصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَبِيرَةٌ، وَالإْصْرَارُ عَلَى الْكَبَائِرِ يُؤَدِّي إِلَى عِظَمِ ذَنْبِهَا وَزِيَادَةِ وِزْرِهَا. وَأَمَّا إِذَا كَانَ الإْصْرَارُ عَلَى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ، كَالإْصْرَارِ عَلَى عَدَمِ إِفْشَاءِ أَسْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ رَغْمَ مَا يُلاَقِيهِ مِنْ عَنَتِ الأْعْدَاءِ .
وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، كَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمَعَاصِي .
أَمَّا الإْصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ دُونَ تَحَقُّقِهَا فَفِيهِ رَأْيَانِ :
الأْوَّلُ : يُؤَاخَذُ بِهِ الإْنْسَانُ لقوله تعالي : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ، قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» .
الثَّانِي : لاَ يُؤَاخَذُ بِهِ الإْنْسَانُ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ» .
وَقَدْ ضَعَّفَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الرَّأْيَ، وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى «فَلَمْ يَعْمَلْهَا» فَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى عَمَلِهَا .
مُبْطِلاَتُ الإْصْرَارِ :
أ - يَبْطُلُ الإْصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ، حَيْثُ لاَ إِصْرَارَ مَعَ التَّوْبَةِ، لِمَا رُوِيَ: «مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» وَلِلْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ: «لاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاِسْتِغْفَارِ، وَلاَ صَغِيرَةَ مَعَ الإْصْرَارِ» .
ب - يَبْطُلُ الإْصْرَارُ بِتَرْكِ الْمُصَرِّ عَلَيْهِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِهِ .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ :
أ - قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الإِْصْرَارَ عَلَى الصَّغَائِرِ مُسْقِطٌ لِلْعَدَالَةِ - انْظُرْ (شَهَادَةٌ، وَتَوْبَةٌ) .
ب - إِصْرَارُ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ يُوجِبُ الْقَتْلَ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» اُنْظُرْ (رِدَّةٌ).
ج - إِصْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَلَى جَوَابِ الدَّعْوَى يُعَدُّ مِنْهُ إِنْكَارًا وَنُكُولاً. انْظُرْ (دَعْوَى).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 307
عَمْد
التَّعْرِيفُ :
1 - الْعَمْدُ فِي اللُّغَةِ : قَصْدُ الشَّيْءِ وَالاِسْتِنَادُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّيَّةِ يُقَالُ: تَعَمَّدَ وَتَعَمَّدَ لَهُ وَعَمَدَ إِلَيْهِ وَلَهُ، أَيْ قَصَدَهُ .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الْقَصْدُ :
2 - يُقَالُ : قَصَدْتُ الشَّيْءَ وَلَهُ وَإِلَيْهِ قَصْدًا: إِذَا طَلَبْتَهُ بِعَيْنِهِ، وَقَصَدَ الأَْمْرَ: تَوَجَّهَ إِلَيْهِ عَامِدًا، وَالْمَقْصِدُ: مَوْضُوعُ الْقَصْدِ، وَقَصَدَ فِي الأَْمْرِ: تَوَسَّطَ وَلَمْ يُجَاوِزِ الْحَدَّ فِيهِ، وَقَصَدَ الطَّرِيقَ: أَيِ: اسْتَقَامَ.
وَالْقَصْدُ أَعَمُّ مِنَ الْعَمْدِ .
ب - الْعَزْمُ :
3 - الْعَزْمُ فِي اللُّغَةِ : عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى إِمْضَاءِ الأَْمْرِ، يُقَالُ: عَزَمَ فُلاَنٌ عَزْمًا أَيْ: جَدَّ وَصَبَرَ، وَعَزَمَ الأَْمْرَ أَيْ: عَقَدَ نِيَّتَهُ وَضَمِيرَهُ عَلَى فِعْلِهِ.