1- ظرف الارتباط بين جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار وجريمة السرقة يتوافر متى كان قد وقع لأحد المقاصد المبينة بالفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات وهي التأهب لفعل جنحة أو تسهيل ارتكابها أو ارتكابها بالفعل ، وكان البين من المفردات المضمومة أن المتهم اعترف بتحقيقات النيابة العامة أنه نظراً لعدم إنفاق أبيه عليه اشتد الخلاف معه وما إن علم المتهم باحتفاظ والده بمبلغ مالي حتى فكر فى قتله فتظاهر بالنوم بجواره حتى استغرق والده فى النوم فتسلل من جواره وأحضر عصا غليظة وضربه فوق رأسه ثلاث ضربات ففارق الحياة فى الحال فقام بسرقة المبلغ المالي ، وساعة يد ، وفيزا كارت ، ومن ثم يكون القتل قد وقع بقصد السرقة الأمر الذي يوفر فى حق المتهم جريمة القتل العمد المرتبطة بجنحة سرقة فضلاً عن توافر ظرف سبق الإصرار فى حقه كظرف مشدد ولا ينال من ذلك ما قد يثار من أن تلك الجنحة غير معاقب عليها بموجب نص المادة 312 من قانون العقوبات لوقوعها بين الأصول والفروع وأن وفاة الأب يكون حائلاً دون تقديم الشكوى ومن ثم لا يصح تغليظ العقوبة عليه ، إذ إن ذلك لا يتفق وفلسفة المشرع الجنائي فى المادة 312 من قانون العقوبات التي تنص على أنه : " لا تجوز محاكمة من يرتكب سرقة إضراراً بزوجه أو زوجته أو أصوله أو فروعه إلا بناء على طلب المجنى عليه . وللمجنى عليه أن يتنازل عن دعواه بذلك فى أية حالة كانت عليها . كما له أن يوقف تنفيذ الحكم النهائي على الجاني فى أي وقت شاء " ، ومفاد ذلك أن هذه المادة تضع قيداً على حق النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية بجعله متوقفاً على طلب المجنى عليه ، كما تضع حداً لتنفيذها الحكم النهائي على الجاني بتخويل المجنى عليه وقف تنفيذ الحكم فى أي وقت شاء وذلك رغبة من المشرع فى التستر على أسرار العائلات صوناً لسمعتها وحفظاً لكيان الأسرة وهو ما أشير إليه فى تقرير لجنة الشئون التشريعية والمذكرة التفسيرية ، الأمر الذى يستفاد منه بحكم اللزوم العقلي والمنطقي أن يكون المضرور من الجريمة – المسروق ماله – باق على قيد الحياة ، كي يكون له الحق فى الإقدام على الشكاية أو الإحجام عنها وهو وشأنه فى الخيار بين هذا أو ذاك ، أما إذا قتل المجني عليه بقصد سرقة ماله وكان القاتل ابنه – كما هو الحال فى الدعوى الراهنة - فيزول هذا القيد لوفاة المضرور من السرقة وتسترد النيابة العامة حقها فى تحريك دعواها لأسباب ثلاثة : أولها :- أن الحق فى الشكوى قد انقضى لوفاة المجني عليه وأضحى ماله تركه تؤول لورثته يتوارثونها شرعاً ، عدا القاتل لقتله مورثه ، والسرقة التي حدثت تكون واقعة على مال للورثة ومن حق النيابة العامة تحريك دعواها دون توقف على تقديم شكوى من قبلهم . ثانيها :- أن المشرع رهن محاكمة السارق وفقاً لنص المادة 312 المار ذكرها بتقديم شكوى من المجني عليه شريطة أن تكون جريمة السرقة قائمة بذاتها ، أما إذا كانت مرتبطة بجريمة أخرى أو ظرفاً مشدداً لها – كما هو الحال فى الدعوى الراهنة – فلا لزوم لتقديمها ، وتضحى النيابة العامة طليقة من هذا القيد . ثالثها :- أن القول بغير ذلك يؤدي إلى نتيجة ينفر منها العقل وتأباها العدالة إذ يجعل من يجهز على أبيه قتلاً لسرقته أوفر حظاً ممن لا يجهز عليه تماماً حال سرقته لأنه فى الحالة الثانية يكون فى وسع الوالد شكاية ولده بينما يستحيل عليه ذلك فى الحالة الأولى لوفاته . فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه قد خلص فى منطق سائغ وتدليل صحيح ثبوت جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المرتبطة بجنحة السرقة المؤثمة بالمادة 234/2 عقوبات فى حق الطاعن وذلك على النحو آنف البيان وأوقع عليه عقوبة الإعدام وهى ذات العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ومن ثم فلا مصلحة للنعي بشأن واقعة السرقة .
( الطعن رقم 28565 لسنة 86 ق - جلسة 2017/05/06 )
2- ظرف الارتباط بين جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار وبين جريمة السرقة يتوافر متى كان القتل قد وقع لأحد المقاصد المبينة بالفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات ، وهي التأهب لفعل جنحة أو تسهيل ارتكابها أو ارتكابها بالفعل ، وكان البين من واقعة الدعوى وظروفها وأدلتها - كما حصلها الحكم - أن الطاعنين والمحكوم عليه غيابياً قد قارفوا فعل قتل المجني عليه بقصد سرقة نقوده وسيارته ، فإن القتل يكون قد وقع بقصد السرقة ، ومن ثم يتوافر فى حقهم جريمة القتل العمد المرتبط بجنحة سرقة ، فضلاً عن توافر ظرف سبق الإصرار .
( الطعن رقم 4007 لسنة 82 ق - جلسة 2014/05/15 س 65 )
3- شرط إنزال العقوبة المنصوص عليها فى المادة 234 من قانون العقوبات هو أن يكون وقوع القتل لأحد المقاصد المبينة بها ومن بينها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل ، وعلى محكمة الموضوع فى حالة ارتباط القتل بجنحة سرقة أنتبيِّن غرض المتهم من القتل وأن تقيم الدليل على توافر رابطة السببية بين القتل والسرقة ، وكان ما أورده الحكم على النحو سالف البيان يتحقق به ظرف الارتباط المشدِّد لعقوبة القتل العمد المرتبطة بجنحة سرقة كما هي معرَّفة به فى القانون ؛ إذ أوضح رابطة السببية بين القتل وارتكاب جنحة السرقة التي كانت الغرض المقصود منه ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن يكون غير سديد .
( الطعن رقم 17203 لسنة 83 ق - جلسة 2014/05/12 )
4- لما كان ما يثيره الطاعن من نعي على الحكم فى خصوص عدم توافر ظرف الاقتران مردوداً بأنه يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما وأن تكون الجنايتان قد ارتكبا فى وقت واحد أو فى فترة قصيرة من الزمن ، وتقدير ذلك مما يستقل به قاضى الموضوع ، فمتى قدر الحكم قيام رابطة المصاحبة الزمنية هذه لا تجوز إثارة الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض .
( الطعن رقم 3223 لسنة 82 ق - جلسة 2014/05/08 س 65 )
5- لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى فى قوله " أن المتهمين ..... و..... و..... توجهوا صوب مكان وجود المجنى عليه ..... ونقدوه عشرين جنيهاً لشراء مادة مخدرة يتعاطونها وانصرفوا على أن يعودوا إليه فى الموعد الذى حدده لهم لأخذها وبعد حوالى ساعة حضر ثلاثتهم ..... وتقابلوا معه ..... ولما لم يقدم إليهم المخدر طلبوا منه استرداد ذلك المبلغ النقدى فرفض إعادته إليهم بقصد الاستيلاء عليه وهو ما نجم عنه مشادة كلامية بينهم وبينه ولما استشعروا فى رفضه تحقيراً من شأنهم وتطور النزاع إلى مشاجرة تلاقت فيها إرادتهم على ضربه بالمطاوى والأيدى والأرجل بقصد المساس بسلامة جسمه حيث أخرج عليه المتهم الثانى مطواة قرن غزال كانت بحوزته وأخرج هو مطواة مماثلة ليرد بها اعتداء الجناة لكن تمكن المتهم الأول من انتزاعها منه بعد أن أحدث به وبالثالث إصابات طفيفة , وما أن جردوه من سلاحه الذى يحمله حتى انهالوا عليه ضرباً بأن طعنه الثانى بالمطواة فى الإلية اليسرى طعنه سطحية وضربة الثالث بالأيدى والأرجل وطعنه الأول طعنة غائرة بالمطواة القرن غزال فى ذات الإلية أدت إلى قطع لعموم سمك الجلد والعضلات أسفله والشريان المغذى لهما مما أدى إلى نزيف دموى غزير متخلل العضلات وانسكابات دموية وهو ما أودى بحياته , ولم يقصد المتهمون من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موته " ، واستند فى الإدانة إلى أقوال الشهود ونقل عن تقرير الصفة التشريحية " أن بجثة المجنى عليه إصابات حيوية حديثة هى جرح طعنى مستعرض الوضع بأعلى الإلية اليسرى وللأنسية قليلاً , وجرح طعنى مستعرض الوضع أسفل الجرح الطعنى وجد قاطعاً للطبقات السطحية من الجلد وتبين أن الجرح الطفى الأول بالإلية اليسرى قاطعاً لعموم سمك الجلد والعضلات أسفله والشريان المغذى لهما , وأنه يوجد نزيف دموى غزير متخلل العضلات وانسكابات دموية , والعضلات متشربة بالدماء , وأن كلا الإصابتين تنشأ عن نصل مطواة حاد , وتعزى وفاة المجنى عليه إلى إصابته الطعنية الحيوية الحديثة بالإلية اليسرى لما أحدثته من قطع بالأنسجة الرخوة والعضلات والشريان المغذى وما صاحب ذلك من نزيف دموى غزير " . لما كان ذلك , وكان الأصل ألا يسأل شخص بصفته فاعلاً أصلياً فى جريمة الضرب المفضى إلى الموت إلا إذا كان هو الذى أحدث الضربة أو الضربات التى سببت الوفاة أو التى ساهمت فى ذلك , أو إذا كان قد اتفق مع آخرين على ضرب المجنى عليه ثم باشر معهم الضرب فعلاً تنفيذاً للغرض الإجرامى الذى اتفق معهم على مقارفته , وفى هذه الحالة الأخيرة يستوى أن يكون هو محدث الضربات التى سببت الوفاة أو أن يكون قد أحدثها غيره ممن اتفقوا معه . وكان من المقرر أن الاتفاق يتطلب تقابل الإرادات تقابلاً صريحاً على أركان الواقعة الجنائية التى تكون محلاً له , وهو غير التوافق الذى لا يعدو مجرد توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين ينتويه كل واحد منهم فى نفسه مستقلاً عن الآخرين دون أن يكون بينهم اتفاق سابق ولو كان كل منهم على حدة قد أصر على ما تواردت الخواطر عليه وهو ما لا يستوجب مساءلة سائر من توافقوا على فعل ارتكبه بعضهم إلا فى الأحوال المبينة فى القانون على سبيل الحصر - كالشأن فيما نصت عليه المادة 234 من قانون العقوبات - أما فى غير تلك الأحوال فإنه يجب لمعاقبه المتهم عن فعل ارتكبه غيره أن يكون فاعلاً أصلياً فيه أو شريكاً بالمعنى المحدد فى القانون . لما كان ذلك , وكان الثابت من الحكم أنه سواء فيما أورده فى بيانه لواقعة الدعوى - على السياق المتقدم - أو ما أورده من مؤدى الأدلة وإن كان يدل على التوافق فهو لا يفيد الاتفاق , وكان مجرد التوافق لا يرتب فى صحيح القانون تضامناً بين المتهمين فى المسئولية الجنائية بل يجعل كل منهم مسئولاً عن نتيجة فعله الذى ارتكبه . لما كان الحكم قد خلا مما يفيد توفر ظرف سبق الإصرار , ولم ينسب للطاعن أنه خلا من سبق الإصرار ولم يثبت الحكم فى حق الطاعن الثالث أنه ساهم فى إحداث الإصابة أو الإصابات التى تسببت فى وفاة المجنى عليه فإنه يكون قاصراً قصوراً يعيبه بما يوجب نقضه بالنسبة للطاعن والطاعنين الآخرين ممن لم يقدما أسباباً لطعنهما لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة .
( الطعن رقم 1044 لسنة 81 ق - جلسة 2012/03/15 - س 63 ص 290 ق 45 )
6- لما كان ظرف الاقتران فى جريمة القتل العمد قد تحقق فى واقعة الدعوى من توافر الرابطة الزمنية بين جريمة القتل والجنايات الثلاث التي اقترنت بها وهي الشروع فى القتل والسرقة بإكراه والقبض بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً مع الاتصاف بصفة كاذبة التي ارتكبها المتهمين ، إذ وقعت جميعها فى فترة زمنية محددة دون فاصل زمنى بينها واستقلت كل جريمة منها بذاتيتها وأركانها وعناصرها القانونية عن الأخرى بما يكفي لتوافر هذا الظرف المنصوص عليه فى الشق الثاني من المادة 234 من قانون العقوبات كما هو معرف فى القانون .
( الطعن رقم 15382 لسنة 77 ق - جلسة 2010/05/03 - س 61 ص 352 ق 47 )
7- محكمة الموضوع قد أوردت فى حكمها المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى ما يشير إلى أن جريمة القتل التي ارتكبها المحكوم عليه بأحد المجنى عليهما قد اقترنت بجناية قتل المجنى عليها الأخرى ، وهى تعد عنصراً مشدداً لجناية القتل يعاقب عليها القانون بالإعدام طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات ، إلا أنها أوقعت على المحكوم عليه عقوبة السجن المشدد لمدة خمس سنوات عملاً بالفقرة الأولى من المادة 234 من القانون المشار إليه ملتفتة عن إعمال حكم الفقرة الثانية من المادة المذكورة على الواقعة كما استقرت فى وجدانها على النحو السالف البيان 0 لما كان ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون مما يتعين معه نقضه ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد حجب نفسه بهذا القضاء عن النظر فى موضوع الدعوى موصوفة بوصفها القانوني الصحيح فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإعادة ، وذلك دون حاجة لبحث أوجه الطعن المقدم من المحكوم عليه .
( الطعن رقم 30744 لسنة 76 ق - جلسة 2008/12/24 - س 59 ص 577 ق 101 )
8- لما كانت العقوبة المقررة للجريمة المار ذكرها طبقاً للفقرة الأولى من المادة 234 من قانون العقوبات هى السجن المؤبد أو المشدد ، وكانت المادة 17 من القانون آنف الذكر التى أعملها الحكم فى حق الطاعن تبيح النزول بالسجن المشدد إلى عقوبة السجن أو الحبس الذى لا تقل مدته عن سته أشهر ، وأنه وإن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى الجريمة التى أباح النزول إليها جوازياً ، إلا أنه يتعين على المحكمة إذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقاً للمادة 17 المشار إليها ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد فى هذه المادة باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة محل الاتهام. وإذ كان ذلك ، وكان الحكم قد أفصح عن معاملة الطاعن طبقا للمادة 17 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة السجن المشدد لمدة عشر سنوات ، وهى إحدى العقوبتين التخييريتين المقررتين لجريمة القتل العمد مجردة من أى ظروف مشددة التى دين بها الطاعن طبقاً للفقرة الأولى من المادة 234 من قانون العقوبات ، فإنه يكون قد خالف القانون إذ كان عليه أن ينزل بعقوبة السجن المشدد إلى عقوبة السجن أو الحبس الذى لاتقل مدته عن ستة أشهر مما يتعين معه تصحيحه وفقاً للقانون .
( الطعن رقم 10938 لسنة 77 ق - جلسة 2008/03/02 - س 59 ص 77 ق 29 )
9- المادة 234 من قانون العقوبات تنص على أن : " من قتل نفساً عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ...." وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن ارتكابه جناية القتل العمد المقترنة بجناية سرقة بالإكراه فإن فى ذلك حسبه كي يستقيم قضاؤه بالإعدام ، فضلاً عن أن ما يثيره المدافع عن الطاعن بوجه النعي من أن الحكم وقد انتهى إلى عقوبة مغلظة هي إعدامه على الرغم من عدم توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد فى حقه فإنه لما كان لا ينازع فيما أثبته الحكم من اقتران جريمة القتل المسندة إليه بجناية سرقة بالإكراه وكانت عقوبة الإعدام الموقعة عليه هي ذاتها المقررة لجريمة القتل العمد المقترن بجناية أخرى مجردة من ظرفي سبق الإصرار والترصد ، فإنه لا يكون له مصلحة فيما أثاره من تخلف هذين الطرفين ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بهذا الخصوص لا يكون له محل . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
( الطعن رقم 41101 لسنة 75 ق - جلسة 2006/02/27 - س 57 ص 355 ق 39 )
10ـ من المقرر أن مفهوم نص الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات من تشديد عقوبة القتل العمد إذا تقدمته أو اقترنت به أو تلته جناية أخرى أن تكون الجنايتان قد ارتكبتا فى وقت واحد أو فى فترة قصيرة من الزمن . وكان تقدير ذلك من شأن محكمة الموضوع وكانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم بمدوناته وعلى ما يبين من المفردات المضمومة تنبئ بذاتها عن توافر الرابطة الزمنية بين جناية القتل العمد وجناية السرقة بالإكراه ومن ثم يكون الحكم قد التزم صحيح القانون .
( الطعن رقم 41101 لسنة 75 ق - جلسة 2006/02/27 - س 57 ص 355 ق 39 )
11 ـ لما كان الحكم قد استظهر ظرف سبق الإصرار فى قوله :- أنه " متحقق فى حق المتهم ذلك أنه بعد عدوله عن سفره مع أصدقائه وعاد إلى مسكنه أخذ يعمل فكره فى هدوء وروية طيلة الليلة السابقة على الحادث لوضع خطة قتل المجني عليها لسرقة أموالها منتهزاً فرصة وجودها بمفردها بمسكنها وتناول لهذا الغرض أقراصاً من عقار الأبتريل ليستمد منه الجرأة على تنفيذ جريمته واضعاً فى خطته الأداة التي تحدث القتل وهي سكينة مطبخ يعلم سلفاً بوجودها فى شقة المجني عليها باعتبار أن تلك الأداة من مستلزمات المطبخ واستدعى صديقته لتؤنسه حتى إذا حان الميعاد الذي حدده لتنفيذ الجريمة انطلق إلى شقة المجني عليها فى وقت مبكر من الصباح لم يره فيه أحد وطرق الباب فلما فتحت المجني عليها لسابق معرفتها به بحسبانه صديقاً لأولادها دلف إلى داخل الشقة متعللاً برغبته فى اللعب على جهاز ألعاب الفيديو - البلاي استيشن - فنهرته المجني عليها مستنكرة سوء تصرفه الذي أصر عليه فى غير مبالاة ثم استل سكينة المطبخ وفاجأ المجني عليها وانهال بها عليها طعناً ولم يتركها إلا جثة هامدة تنفيذاً لخطته الإجرامية وتصميمه المحكم على قتل المجني عليها لسرقة أموالها مما يقطع بتوافر سبق الإصرار فى حقه كما هو معرف به قانوناً فدلت عليه وقائع الحادث والظروف الملابسة له " . كما استدل الحكم على توافر الارتباط بين القتل والسرقة بقوله : " أن الثابت من وقائع الدعوى وملابساتها أن المتهم قتل المجني عليها وبإصرار سابق بقصد التأهب لسرقة أموالها وهو ما تحقق له بالفعل إذ إنه بعد الإجهاز على المجني عليها والتخلص منها تأهب لسرقة أموالها وتمكن من سرقة مبلغ عشرة آلاف جنيه وجهاز هاتف محمول وشاحن لهذا الجهاز بعد بحث وبعثرة لمحتويات حجرة المجني عليها على نحو ما تبين من معاينة النيابة العامة ومن تقرير المعاينة الفنية بالمعمل الجنائي إدارة عمليات مسرح الجريمة فعثر المتهم على المبلغ النقدي بحقيبة يد المجني عليها وبجوارها على كوميدينو عثر على جهاز الهاتف المحمول والشاحن الخاص بهذا الجهاز فاستولى على هذه المنقولات المملوكة للمجني عليها واستقرت له حيازتها وأنفق فى شراء مخدر الهيروين وحاجيات أخرى مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً من المبلغ النقدي المسروق مما يوفر فى حقه أركان جريمة السرقة بما فيها القصد الخاص المتمثل فى نية تملك المال المسروق والظهور عليه بمظهر المالك فى التصرف ". ولما كان البحث فى توافر سبق الإصرار من إطلاقات محكمة الموضوع تستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وكان قيام علاقة السببية أو عدم قيامها وكذلك الارتباط السببي المشار إليه فى الفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات هو فصل فى مسألة موضوعية يستقل به قاضي الدعوى عند نظرها أمام محكمة الموضوع ولا معقب عليه فيه من محكمة النقض وكان الحكم قد استظهر توافر سبق الإصرار فى حق الطاعن بما ينتجه عقلاً واستخلصه من عناصر لها أصل ثابت فى الأوراق كما خلص إلى قيام الارتباط السببي بين القتل والسرقة ومن ثم فلا يقبل من الطاعن المنازعة فى توافر هذين الظرفين استناداً إلى ما أثاره فى أسباب طعنه لأن ذلك لا يعدو منازعة فى مسألة موضوعية لا يجوز الجدل فيها أمام محكمة النقض .
( الطعن رقم 47756 لسنة 75 ق - جلسة 2006/01/15 - س 57 ص 68 ق 8 )
12 ـ لما كان من المقرر أن الخطأ فى رقم مادة العقاب المطبقة لا يترتب عليه بطلان الحكم ، مادام قد وصف الفعل وبين واقعة الدعوى موضوع الإدانة بياناً كافياً وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها ، فإن خطأ الحكم بتخصيص المادة 234 من قانون العقوبات بفقرتها الأولى بدلاً من الفقرة الثانية لا يعيبه ، وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذى وقع فى أسباب الحكم المطعون فيه ، وذلك باستبدال الفقرة الثانية من المادة 234 المذكورة بالفقرة الأولى عملاً بنص المادة 40 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 .
( الطعن رقم 56397 لسنة 75 ق - جلسة 2005/12/07 - س 56 ص 761 ق 106 )
13 ـ لما كانت المادة 234 من قانون العقوبات فى شقها الأول بنصها على ظرف الاقتران أنه يكفى لانطباقها ومن ثم تغليظ العقاب أن يثبت استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما وأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا فى وقت واحد أو فترة قصيرة من الزمن , وإذ كان ذلك , وكان الثابت من التحقيقات أن المتهمين قد ارتكبوا جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التى استقلت تماماً عن جناية السرقة مع حمل السلاح ليلاً والتى تلتها ببرهة يسيرة فتحقق بذلك شرطا الاستقلال والمصاحبة الزمنية , الأمر المنطبق على نص الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات .
( الطعن رقم 23236 لسنة 74 ق - جلسة 2005/05/03 - س 56 ص 277 ق 42 )
14ـ لما كانت المادة 234 من قانون العقوبات بنصها فى الشق الأول من الفقرة الثانية منها على ظرف الاقتران فإنه يكفي لانطباقها ومن ثم تغليظ العقاب أن يثبت استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل العمد وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما وأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا فى وقت واحد أو فترة قصرية من الزمن وإذ كان ذلك وكان الثابت من التحقيقات أن المتهمين ارتكبوا جريمة قتل.... عمداً مع سبق الإصرار التي استقلت تماما عن جريمة قتل..... عمداً مع سبق الإصرار وجنايتي السرقة والشروع فيها مع حمل السلاح وتعدد الجناة والتي تلتها ببرهة يسيرة فتحقق بذلك شرطا الاستقلال والمصاحبة الزمنية الأمر المنطبق على نص الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات.
( الطعن رقم 23633 لسنة 70 ق - جلسة 2002/12/23 - س 53 ص 1200 ق 198 )
15ـ لما كان الحكم قد عرض لظرف الاقتران فى قوله وبما أن الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات الذي غلظ عقوبة جناية القتل العمد متى تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى فإن هذا النص ينصرف أيضا إلى جميع الأحوال التي يرتكب فيها الجاني علاوة على فعل القتل أي فعل مستقل متميز عنه يكون فى ذاته لجناية أخرى مرتبطة مع جناية القتل برابطة الزمنية حتى لو كانت الأفعال بناء على تصميم جنائي واحد أو تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة إذ العبرة بالأفعال وتميزها عن بعضها بالقدر الذي يعتبر به كلا منها مكونا لجريمة مستقلة فإذا كان ذلك وكان الثابت أن جناية قتل المجني عليه ....... قد تلتها جناية الشروع فى قتل المجني عليه ...... بعد فترة وجيزة لا تزيد على النصف ساعة وانتقال المتهم إلى مسكن المجني عليه الثاني الذي لا يبعد عن المسكن الذي ارتكب فيه جريمته الأولى بأكثر من مائتي وخمسين مترا تنفيذا لغرض إجرامي واحد هو تحقيق تهديده بقتل كل من المجني عليهما فإن عناصر الارتباط على نحو ما تقدم تكون متحققة وكان يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالمادة 234/ 2 عقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا فى وقت واحد وفي فترة قصيرة من الزمن وتقدير ذلك مما يستقل به قاضي الموضوع، وكان ما أورده الحكم فيما سلف يتحقق به توافر ظرف الاقتران كما هو معرف به فى القانون وبالتالي تغليظ العقاب فى جناية القتل العمد عملاً بالفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر ويكون الحكم قد أصاب صحيح القانون فى هذا الشأن، فضلاً عن ذلك فإن عقوبة الإعدام المقضي بها على المحكوم عليه هي ذاتها المقررة لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي أثبتها الحكم فى حقه مجرد من ظرف الاقتران .
( الطعن رقم 34413 لسنة 71 ق - جلسة 2002/04/03 - س 53 ص 581 ق 95 )
16ـ لما كان البطلان الذي لحق الحكم يندرج تحت حكم الحالة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض المشار إليه التي أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة 39, وكانت المادة 46 من ذلك القانون قد أوجبت على هذه المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بنقض الحكم إذا ما وقع فيه بطلان من هذا القبيل, فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية شكلا ونقض الحكم المعروض والإعادة بالنسبة للمحكوم عليه بالإعدام وكذلك بالنسبة للمحكوم عليه الآخر لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة ولا يغير من هذا النظر أن جناية الشروع فى القتل العمد مع سبق الإصرار قد اقترنت بجناية السرقة ليلا من شخصين مع حمل سلاح اعتباراً بأنه لا يجوز توقيع الإعدام طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات إلا إذا كان القتل تاما, أما إذا وقف القتل عند حد الشروع تعين تخفيف عقوبة الإعدام تطبيقا لنص المادة 46 من القانون آنف البيان إذ العبرة فى تكييف الواقعة فى مجموعها واعتبارها شروعا أو جريمة تامة إنما يكون بالنظر إلى الجريمة الأصلية وهي القتل دون الجناية المقترنة التي لا تعدو أن تكون مجرد ظرف مشدد له .
( الطعن رقم 21910 لسنة 71 ق - جلسة 2002/02/03 - س 53 ص 191 ق 33 )
17- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أسند إلى الطاعنيين إحرازهما للبندقيتين الآليتين على خلاف ما يزعمه الطاعنان بأسباب طعنهما ويكون نعيهما على الحكم فى هذا الشأن على غير سند، وكان يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل تميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا فى وقت واحد أو فى فترة قصيرة من الزمن وتقدير ذلك مما يستقل به قاضي الموضوع فمتى قدر الحكم قيام رابطة المعاصرة الزمنية هذه - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - فلا يجوز إثارة الجدل بشأنها أمام محكمة النقض فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الشأن يكون غير سديد .
( الطعن رقم 14136 لسنة 68 ق - جلسة 2001/01/04 - س 52 ع 1 ص 25 ق 1 )
18- لما كان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغة النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانونى السليم الذى ترى انطباقه على الواقعة ، وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتى كانت مطروحة بالجلسة هى بذاتها التى اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذى دان به الطاعنين ، وكان مرد التعديل هو استبعاد الحكم لركن الإكراه فى السرقة واعتبار ما وقع منهما من اعتداء على المجنى عليها يكون جريمة القتل العمد المسندة إليهما ، ومؤاخذتهما عن جريمة القتل العمد المرتبط بجنحة سرقة بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات بدلاً من الفقرة الثانية منها ، الواردة بأمر الإحالة ، وهو ما يدخل فى نطاق سلطة محكمة الموضوع دون حاجةإلى لفت نظر الدفاع ، ومن ثم فإن تعييب الحكم فى هذا الخصوص بأنه انطوى على إخلال بحق الدفاع لايكون مقبولاً .
( الطعن رقم 24963 لسنة 66 ق - جلسة 1998/12/15 - س 49 ص 1468 ق 208 )
19ـ لما كان مفهوم نص الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات من تشديد عقوبة القتل العمد إذا تقدمته أو اقترنت به أو تلته جناية أخرى أن تكون الجنايتان قد ارتكبتا فى وقت واحد أو فى فترة قصيرة من الزمن ، وكان تقدير ذلك من شأن محكمة الموضوع وكانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم بمدوناته وعلى ما يبين من المفردات المضمومة _ تنبىء بذاتها عن توافر الرابطة الزمنية بين جناية القتل العمد وجنايتى الخطف بالتحيل وهتك العرض بالقوة ومن ثم يكون الحكم قد التزم صحيح القانون فيما خلص إليه فى هذا الشأن .
( الطعن رقم 28462 لسنة 67 ق - جلسة 1998/05/07 - س 49 ص 666 ق 85 )
20ـ من المقرر أنه يكفى لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنه عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما كما أن شرط انزال العقوبة المنصوص عليها فى الفقرة الثالثة من المادة 234 المذكورة هو أن يكون وقوع القتل لأحد المقاصد المبينة بها ومن بينها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها وعلى محكمة الموضوع فى حالة ارتباط القتل بجنحة سرقة أن تبين غرض المتهم من القتل وأن تقيم الدليل على توافر رابطة السببية بين القتل والسرقة وكان ما أورده الحكم فيما سلف يتحقق به ظرفا الاقتران والارتباط المشددان لعقوبة القتل العمد كما هو معرفان به فى القانون فإنه يكون قد أصاب فى تطبيق الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات سالفة البيان .
( الطعن رقم 29653 لسنة 67 ق - جلسة 1998/03/10 - س 49 ص 388 ق 53 )
21 - من المقرر أنه يكفى لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات ان يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل العمد وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بان تكون الجنايتان قد ارتكبتا فى وقت واحد او فى فتره قصيره من الزمن ، وتقدير ذلك مما يستقل به قاضى الموضوع . واذ كان ما اورده الحكم فى مدوناته يتحقق به توافر القصد الجنائي فى جناية الحريق العمد ، كما يتوفر به ظرف الاقتران كما هو معروف به فى القانون . فان هذا حسبه ، ويضحى منعى الطاعنين فى هذا الخصوص غير سديد .
( الطعن رقم 16231 لسنة 65 ق - جلسة 1997/10/21 - س 48 ع 1 ص 1142 ق 172 )
22- المقرر أن ظرف الارتباط بين جريمة القتل العمد وبين جريمة السرقة يتوافر متى كان القتل وقع لأحد المقاصد المبينة بالفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات، وهي التأهب لفعل جنحة أو تسهيل ارتكابها أو ارتكابها بالفعل. لما كان ذلك، وكان البين من واقعة الدعوى وظروفها وأدلتها كما حصلها الحكم المعروض - على ما سلف بيانه - بأن المحكوم عليهما قد قارفا فعل قتل المجني عليه بقصد سرقة هاتفه المحمول والدراجة البخارية، فإن القتل يكون قد وقع بقصد السرقة، ومن ثم يتوافر في حق المتهمين جريمة القتل العمد المرتبط بجنحة سرقة وهو ما لم يقصر الحكم المعروض استظهاره، ومن ثم فقد سلم من الخطأ في القانون.
( الطعن رقم 2983 لسنة 91 ق - جلسة 14 / 11 / 2023 )
الركن المادي للقتل :
يقوم الركن المادي للقتل على عناصر ثلاثة : فعل الاعتداء على الحياة ، والنتيجة التي تتمثل في وفاة المجنى عليه ، وعلاقة السببية التي تربط بينهما .
فعل الاعتداء على الحياة :
ماهية فعل الاعتداء على الحياة : فعل الاعتداء على الحياة هو سلوك من شأنه إحداث وفاة المجني عليه ، أي أنه فعل صالح بطبيعته لتحقيق هذه النتيجة : فإن حققها كانت جريمة القتل تامة ، وإن لم يحققها الأسباب لا ترجع إلى إرادة المتهم الذي توافر لديه قصد القتل اقتصرت مسئوليته على الشروع .
وهذا التحديد لماهية فعل الاعتداء على الحياة يثير التساؤل عن الضابط في صلاحية الفعل لإحداث الوفاة : أهو ضابط موضوعي بحيث يتعين أن يكون الفعل صالحاً بطبيعته وفي ذاته لتحقيق هذه النتيجة ، أم هو ضابط شخصي بحيث يكفي أن يكون الفعل صالحاً في تقدير المتهم واعتقاده لإحداث الوفاة .
يتطلب الضابط الموضوعي أن يمثل الفعل لحظة ارتكابه خطراً على حياة المجنى عليه بحيث لو سارت الأمور سيرها المعتاد لحدثت وفاته بناء عليه ، وهذا الخطر يقاس بالنظر إلى الآثار المحتملة للفعل ، ومدى ما يكمن فيه من میل واتجاه نحو إحداث الوفاة أما الضابط الشخصي فيجعل العبرة بنية الجاني التي يحددها في ضوء علمه بخصائص فعله ، وهو علم قد لا يتفق مع حقائق الأمور نعتقد أن الضابط الموضوعي هو الأجدر بالترجيح : ذلك أن خطورة الفعل على الحق الذي يحميه القانون هي علة تجريمه ، فصيانة الحق في الاعتبار الذي يوجه سياسة الشارع إلى تجريم الفعل الذي من شأنه الاعتداء ، وعلى هذا النحو كان تجريم الفعل مفترضاً صلة موضوعية مجردة بينه وبين النتيجة الإجرامية ، وجوهر هذه الصلة هو الخطورة الكامنة في طائفة معينة من الأفعال على نوع معين من الحقوق، وتطبيق ذلك على القتل يقتضى القول بأن الفعل لا يوصف بأنه اعتداء على الحياة ولا يصطبغ بالصفة غير المشروعة وفق النصوص التي تجرم القتل إلا إذا قامت هذه الصلة الموضوعية المجردة بينه وبين وفاة المجنى عليه ، فكان في ذاته خطراً على حياة المجني عليه ولا يعني الأخذ بهذا الضابط اشتراط أن يكون الفعل قاتلاً بطبيعته ، وإنما يعني تقدير صلاحيته لإحداث الوفاة في ضوء الظروف التي عاصرت ارتكابه : فهذه الظروف تتمثل فيها عوامل ذات آثار محتملة ، وإضافة هذه الآثار إلى الفعل هي التي تحدد صلاحيته لتكوين الركن المادي للقتل ، وبناءً على ذلك فإن فعلاً معيناً قد لا تكون له هذه الصلاحية بالنظر إلى ظروف معينة ، وتكون له بالنظر إلى ظروف مختلفة : فضرب شخص بعصا رفيعة أو لطمه لطمة يسيرة أو إيذاؤه نفسياً هي أفعال لا تصلح في الظروف العادية لإحداث الوفاة ، ولكن تتوافر لها هذه الصلاحية إذا كان المجني عليه طفلاً أو مريضاً أو طاعناً في السن ولا يشترط أن يكون المتهم عالماً بالظروف التي تؤخذ في الاعتبار التقدير خطورة فعله ، بل يكفي أن يكون في استطاعته العلم بها وقاضي الموضوع هو المنوط باستظهار هذه الظروف وإضافتها إلى الفعل وتحديد مدى خطورته .
وتميل محكمة النقض في صدد مشكلة الجريمة المستحيلة - وهی مشكلة يثيرها البحث في خطورة الفعل ومدى صلاحيته ليقوم به الشروع في القتل - إلى الآراء التي تقول بالتفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية فقد قضت المحكمة أنه متى كانت المادة المستعملة للتسميم صالحة بطبيعتها لإحداث النتيجة المبتغاة فلا محل للأخذ بنظرية الجريمة المستحيلة ، لأن مقتضى القول بهذه النظرية ألا يكون في الإمكان تحقيق النتيجة مطلقاً لإنعدام الغاية التي ارتكبت من أجلها الجريمة أو لعدم صلاحية الوسيلة التي استخدمت لإرتكابها ، ويعني ذلك أنها تقر نظرية الجريمة المستحيلة إذا لم يكن في الإمكان تحقق الجريمة مطلقاً ، سواء أرجع ذلك إلى إنعدام الغاية أو عدم صلاحية الوسيلة ، وفي غير حالات عدم إمكان تحقق الجريمة مطلقاً ، أي حيث يكون عدم الإمكان نسبياً ، كما لو كانت المادة المستعملة في القتل تؤدي في بعض الصور إلى النتيجة المقصودة منها، فإن العقاب على الشروع يكون متعيناً .
سواء وسائل الاعتداء على الحياة : يخضع القتل للقاعدة العامة في التجريم التي توضع بمقتضاها جميع الوسائل على قدم المساواة ، طالما كان من شأنها الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون : فلا تفرقة بين وسائل الاعتداء على الحياة ، فهي سواء من حيث الصلاحية التكوين الركن المادي للقتل أو من حيث مقدار العقاب، ولا استثناء لذلك إلا إذ كانت الوسيلة هي السم ، فيعد استعمالها ظرفاً مشدداً للقتل (المادة 233 من قانون العقوبات)، وتطبيقاً لهذه القاعدة ، فإنه لا تفرقة بين قتل عن طريق أداة كسلاح ، وذلك هو الغالب في جرائم القتل ، وقتل دون استعانة بأداة كما لو خنقه بيديه، وهو ما يتصور إذا كان طفلاً أو محتضراً ولا تفرقة بين أدوات القتل : فسواء إطلاق الرصاص أو الطعن بآلة حادة أو الضرب بآلة راضية أو الإحراق أو الإغراق أو الصعق بتيار كهربائي وغير ذلك مما يمكن للعقل أن يتصوره من وسائل الاعتداء على الحياة وليس بشرط أن يصيب الجاني جسم المجني عليه مباشرة ، بل يكفي أن يهيئ الوسائل بحيث تفضی حسب المجرى العادي للأمور إلى حدوث الوفاة : فيعد قاتلاً من يضع في طريق المجني عليه مواد مفرقعة أو يحطم جسراً يعلم أنه سيمر عليه أو يحبسه في غرفة ويمنع الطعام عنه ولا يتطلب القانون أن يؤدي الفعل إلى إحداث الموت فوراً : فالفعل اعتداء على الحياة على الرغم من أن الموت لم يترتب عليه إلا بعد فترة من الوقت ، طالما أن الشك لا يثور حول توافر علاقة السببية بينهما ، فإعطاء شخص بطيء المفعول يصلح ليقوم به الركن المادي للقتل وسواء أن يحدث الموت بفعل واحد أو أن يحدث بجملة أفعال كل منها على حدة لا يكفي لإحداث الموت ، ولكن تعاقبها واجتماع آثارها جعلها في مجموعها كافياً لإحداثه ، ومثال ذلك توجيه عدد من الضربات إلى المجنى عليه أو اعطاؤه جملة جرعات من مادة سامة .
القتل بالامتناع : الامتناع هو إحجام الجاني عن إتيان فعل إيجابي معين كان الشارع ينتظره منه في ظروف معينة بشرط أن يوجد واجب قانوني يلزم بهذا الفعل وأن يكون في استطاعة الممتنع عنه إرادته .
وقد يعقب امتناع الجاني وفاة المجنى عليه ، فهل نستطيع القول بتوافر عناصر الركن المادي لجريمة القتل بهذا الامتناع ؟ فالأم مثلاً امتنعت عن إرضاع طفلها أو عن قطع حبل السري فمات ، ومن عهد إليه برعاية مريض عاجز عن الحركة امتنع عن تقديم الطعام والدواء إليه فمات ، ومعلم السباحة امتنع عن إنقاذ تلميذة فغرق ، فهل يعد الامتناع في هذه الأمثلة اعتداء على الحياة فيسأل الممتنع عن قتل .
لبيان الرأي الصحيح في هذا الموضوع يتعين تحديد نطاقه باستبعاد الحالات التي لا تدخل فيه : يتعين في المقام الأول استبعاد الحالات التي لا يكون الممتنع فيها محملاً بواجب قانونی ، إذ أحجم عنه ، ذلك أن الواجب القانونی عنصر في فكرة الممتنع ، إذ الإمتناع في دلالته القانونية لا يتصور به إلا بالنسبة لعمل إيجابي كان الممتنع ملزماً قانوناً بإتيانه وتطبيقاً لذلك ، فإنه لا يعد قاتلاً من يشهد شخصاً لا تربطه به صلة - وتبعا لذلك لا يحمل واجباً قانونياً قبله - يوشك أن يموت غرقاً أو حرقاً فلا ينقذه ، على الرغم من استطاعته ذلك ، ولو توافرت لديه الرغبة في أن تحدث وفاته وتستبعد كذلك الحالات التي لا يكون في استطاعة الممتنع فيها إتيان العمل الإيجابي الذي من شأنه إنقاذ الحياة ، فلا تكليف بما لا يستطاع ، ولا يغير من هذا الحكم أن يحمل واجباً قانونياً بإتيانه وتطبيقاً لذلك لا يعد قاتلاً الأب الذي يشهد ابنه يصارع الموت غرقاً فلا ينقذه لأنه لا يستطيع السباحة ، وليس في وسعه أن يستعين بمن ينقذه بدلاً منه وتستبعد الحالات التي يكون الامتناع فيها مسبوقاً بعمل إيجابي من شأنه إحداث الوفاة ، فهذا الامتناع لا ينسب إليه أنه سبب الموت ، وإنما تنسب هذه النتيجة إلى العمل الإيجابي ، ولا تثور عندئذ الصعوبات التي تثيرها سببية الامتناع ، إذ تعد علاقة السببية متوافرة بين الوفاة والعمل الإيجابي ، ويقتصر دور الامتناع على كونه تدعيما لآثار ذلك العمل ومحافظة عليها وتمكيناً لها من أن تتابع حلقاتها حتى تفضي في النهاية إلى الموت ،وتستبعد من نطاق البحث في النهاية الحالات التي تنفي فيها قاعدة قانونية عن الامتناع الصفة الإجرامية ، إذ هي بذلك تنفي عنه صلاحيته ليقوم به الركن المادي للقتل : فمن يمتنع عن الحيلولة بين شخص وبين انتحاره لا يعتبر قاتلاً له ، وإن كانت بينهما صلة تفرض عليه رعايته ، كزوج أو أب لا يحول بين زوجته أو ابنه وبين الانتحار ، ذلك أن الانتحار غير ذي صفة إجرامية ، ومن ثم كانت المساعدة عليه في جميع صورها متجردة بدورها من الصفة الإجرامية .
وتطبيقاً لذلك فإن من يحبس شخصاً ثم يحرمه الغذاء بنية إزهاق روحه فيموت يسأل عن قتل عمد، ومن يقود عربة ويتعمد قتل أحد المارة فيوجه عربته نحوه حتى إذا أصبحت قريبة منه امتنع عن إيقاف الحيوانات التي تجرها مما أدى إلى موته يسأل عن قتل عمد وعلى هذا النحو ، فإن الحكم الذي أصدرته محكمة النقض وقضت فيه بأن تعجيز شخص عن الحركة بضربه ضرباً مبرحاً ثم تركه في مكان منعزل محروماً من وسائل الحياة يعد قتلاً عمداً متی اقترن ذلك بنية القتل وكانت الوفاة بنتيجة مباشرة لهذه الأفعال 28 ديسمبر سنة 1936 مجموعة القواعد القانونية ج4 رقم 28 ص 27، هذا الحكم لا يعني الاعتراف بصلاحية الامتناع لتكوين الركن المادي للقتل ، ولا يقرر الاعتراف بعلاقة السببية بينه وبين الوفاة ، ذلك أن سلوك المتهم لم يمكن امتناعاً فحسب ، وإنما سبقه عمل إيجابي تمثل في الضرب المبرح والتعجيز عن الحركة والنقل إلى مكان منعزل ، وهذا العمل الإيجابي هو الذي يحمل وزر النتيجة وتتوافر بينهما علاقة السببية ، ويقتصر دور الامتناع على مجرد تدعيم آثار هذا العمل .
ونعتقد أن الامتناع يصلح - بعد استبعاد الحالات السابقة - لتكوين الركن المادي للقتل ، ولا عقبة من المنطق القانوني تحول دون الإعتراف يتوافر علاقة السببية بينه وبين الوفاة : فالامتناع صورة للسلوك الإنساني ، ويضم عنصرا إيجابيا هو الإرادة المتجهة على نحو معين ، والامتناع بالإضافة إلى ذلك تعبير عن هذه الإرادة ، وهو من الناحية المادية وسيلة لبلوغ غاية في العالم الخارجي ، وكل ذلك يحول دون أن يوصف الامتناع بأنه ظاهرة سلبية ، إذ يصدم المنطق أن تضم ظاهرة سلبية من بين عناصرها ظاهرة إيجابية وليس الامتناع مجرداً من الكيان المادي ، وباعتباره سلوكاً فهو يصدر إزاء ظروف مادية معينة ، ويمثل تصرف صاحبه في مواجهتها ولما كان السلوك السلبي في كل صوره واعياً مدركاً ، فهو بفضل هذه الصفة يكتسب سيطرة على الظروف المادية المحيطة به ويوجهها إلى غايته ، فيكون مؤدى ذلك القول بأن هذه الظروف تنسب إليه باعتبارها بعض وسائله لإدراك هذه الغاية ، ويصل ذلك إلى حد إندماج هذه الظروف فيه واكتسابه منها طابعاً مادياً ، فالأم تمتنع عن إرضاع طفلها في ظروف معينة ، منها على سبيل المثال : عدم وجود شخص يستطيع في الوقت الملائم إطعام الطفل وعجز الطفل عن إطعام نفسه وبلوغ جوعه الحد الذي يهدد حياته ، والأم تعلم بهذه الظروف أو على الأقل تستطيع هذا العلم ، فإذا ما صدر عنها الامتناع فهي تسيطر به على هذه الظروف وتوجهها إلى غايتها ، ويصبح هذا المجموع من العوامل منسوباً إليها ولا صعوبة في الإعتراف للامتناع بسببيته القانونية ، فهو سبب للعدوان الذي نال مصلحة أو حقاً جديراً بحماية القانون ، وبيان ذلك أن الشارع ينتظر من الممتنع إتيان فعل إيجابي ويوجب ذلك عليه ، ويفترض أن من شأن هذا الفعل صيانة الحق ، فإذا خالف سلوك الممتنع ما توقعه الشارع فنال العدوان الحق ، فلا شك في أن سبب هذا العدوان هو ذلك السلوك، والسببية القانونية تحمل الدليل على السببية المادية ، وهذه نستظهرها إذا ما وضعنا في اعتبارنا الفعل الإيجابي الذي ينتظره الشارع ، وثبتت لنا علاقته بالنتيجة الإجرامية ، إذ يعد ذلك في الوقت نفسه إثباتاً للعلاقة بين الامتناع وهذه النتيجة فإذا تحقق لدينا أنه لو أتى المتهم ذلك الفعل ما حدثت النتيجة الإجرامية ، فمعنى ذلك أن هذا الفعل سبب لعدم حدوث النتيجة ، ويقتضي ذلك بطريق اللزوم العقلى أن نقرر أن الامتناع سبب لحدوث النتيجة : فإذا كان من شأن إرضاع الأم طفلها ألا تحدث وفاته ، فمعنى ذلك أن عدم إرضاعه هو سبب وفاته، وغنى عن البيان أن مسئولية الممتنع عن القتل منوطة بتوافر جميع أركانه : فبالإضافة إلى ما تقتضيه فكرة الامتناع من وجود واجب قانوني يلزم بالعمل الإيجابي الذي كان من شأنه إنقاذ حياة المجني عليه ومن كون إتيان هذا العمل ممكناً، فإنه يتعين أن تتوافر علاقة السببية بين الامتناع والوفاة ، ويجب أن يثبت توافر القصد الجنائي أو الخطأ لدى الممتنع .
القتل بالوسائل ذات الأثر النفسي : هل تصلح الوسائل ذات الأثر النفسي ليقوم بها الركن المادي للقتل ؟ مثال ذلك توجيه الإهانات الشديدة أو التهديدات المتكررة أو سرد الأخبار السيئة إذا ترتب عليها انزعاج أو ألم نفسى قاس أساء إلى الصحة فحدثت الوفاة ، أو إطلاق عيار ناري في مكان به جمع من الناس بحيث أفزع واحداً منهم فمات من الفزع وغنى عن البيان أن هذا التساؤل لا يثور إلا إذا ثبت توافر قصد القتل لدي من صدرت عنه هذه الوسائل ، أو ثبت توافر الخطأ المنصرف إلى الوفاة .
يذهب الرأي الراجح في الفقه إلى نفي قيام القتل بالوسائل النفسية ، وحجته في ذلك أن عبارات القانون يفهم منها تطلب فعل ذي أثر مادی يمس جسم المجني عليه ؛ وبالإضافة إلى ذلك ، فإن من العسير إثبات علاقة السببية بين الأفعال ذات الأثر النفسي والوفاة ، إذ كيف يمكن القطع - عن طريق الخبرة الطبية - بأن ما ترتب على الفعل من أثر نفسي هو الذي أحدث في أجهزة الجسم الاضطراب الذي أفضى إلى الوفاة ولكننا نعتقد أن هذا الرأي يتضمن تعميماً مجافياً للصواب ، إذ من الأصوب أن تبحث ظروف كل حالة على حدة ، فإن تبين من ظروف حالة معينة أن الموت لم يحدث إلا بسبب هذه الأفعال التي اكتسبت خطورة خاصة بإنضمام آثار الظروف السابقة إليها، فإن الاعتراف بعلاقة السببية لا تعترضه عقبة من القانون وهذه الظروف عديدة ، واستخلاص دلالتها وتحديد آثارها ، والقول بما إذا كان إنضمامها إلى الأفعال السابقة قد جعل من شأنها إحداث الوفاة وأدى إلى توافر علاقة السببية ، كل ذلك من اختصاص قاضي الموضوع ومثال هذه الظروف مرض المجني وحساسيته ومقدار ثقته في أقوال الجاني والتكرار الملح لهذه الأفعال وبالإضافة إلى ذلك ، فإن هذه الوسائل ليست ذات أثر نفسي فحسب ، إذ أن التأثير السيئ على الحالة النفسية للمجني عليه يفضي إلى آثار ضارة تنال الجهاز العصبي ، وقد تنعكس على غيره من أجهزة الجسم ، فتسيء إلى الصحة على نحو لا يختلف عن الوسائل ذات الأثر المادي .
هل يعتبر الانتحار فعل اعتداء على الحياة : التعريف القانوني للقتل أنه إعتداء على حياة الغير وهو ما يفترض أن من يصدر عنه فعل الاعتداء هو شخص مختلف عمن يقع عليه هذا الفعل ، أما إذا اتحد الشخصان - وهو ما يتحقق في الانتحار - فقد انتفى معنى القتل ويعني ذلك أن الانتحار لا يخضع للأنموذج القانوني للقتل ولم يضع الشارع نص تجريم خاص به ، فيكون مؤدى ذلك تجرده من الصفة غير المشروعة وعدم قيام جريمة به ويترتب على نفي الصفة الإجرامية عن الإنتحار نفي هذه الصفة كذلك عن الشروع فيه ، إذ الشروع يفترض انصراف البدء في التنفيذ إلى فعل ذي صفة إجرامية ويترتب على ذلك أيضا نفي الصفة الإجرامية عن الإشتراك في الانتحار .
ولكن قاعدة عدم العقاب على الإشتراك في الانتحار لا يجوز أن يساء فهمها ، فتشمل صوراً من القتل يتعين العقاب عليها : فلهذه القاعدة حدودها التي تقف عندها .
فمن ناحية يتعين رسم الحدود الفاصلة بين الإشتراك في الانتحار وبين القتل بالرضاء : فمن قتل غيره برضائه يعاقب ، ولا يستطيع أن يلتمس في رضاء المجني عليه ما ينفى مسئوليته والتفرقة بين القتل بالرضاء والإشتراك في الإنتحار تعتمد على ذات الضوابط التي تميز بين نشاط الفاعل الأصلي ونشاط الشريك ؛ ففي الحالة الأولى يوجد قتل بالرضاء ، وفي الحالة الثانية يتحقق الإشتراك في الانتحار ، ولنا أن نقارن بين حالة شخص يسمح لغيره بأن يطلق الرصاص عليه وحالة آخر يمسك بيده المسدس فيطلقه على نفسه .
ومن ناحية ثانية ، فإن قاعدة العقاب على الإشتراك في الانتحار لا تطبق حيث تنتفي الفكرة الأساسية في الانتحار ، وهي تفترض أن شخصاً قد أقبل على الموت عن رغبة ، وأن انتحاره كان صورة لاستعماله حريته فإذا كان من شأن نشاط المتهم أن صار المجنى عليه مجرد أداة في يديه يوجهه إلى الموت وهو على غير بينة من أمره أو غير محتفظ بحريته ، فإن هذا المتهم يعد فاعلاً معنوياً للقتل وتطبيقاً لذلك ، فإن من يكره شخصاً على قتل نفسه ، ومن يحرض مجنوناً أو صغيراً غير مميز على الموت ، ومن يوقع ضحيته في غلط يتعلق بطبيعة الفعل الذي يحمله عليه فيوهمه أن المادة السامة التي يحمله على تناولها هي دواء ، أو أن السلك الذي يحمل التيار الصاعق لا خطر منه ويحمله بذلك على لمسة ، كل أولئك فاعلون لقتل .
ومن ناحية ثالثة ، فإن الحامل التي تشرع في الانتحار فتفشل ، ولكن يترتب على محاولتها إجهاضها ، تسأل عن إجهاضها نفسها ، ولا يستبعد قصد الانتحار قصد الإجهاض ، بل أنه يتضمنه على الأقل في صورته الاحتمالية : فإذا توقعت الحامل حدوث الإجهاض - وهو ما يتحقق غالباً فرضيت بهذا الاحتمال كان قصد الإجهاض متوافراً لديها .
وفاة المجنى عليه :
الأهمية القانونية لوفاة المجني عليه : تعد وفاة المجني عليه النتيجة الإجرامية في القتل ، وهي على هذا النحو أحد عناصر ركنه المادي ، وفيها يتمثل الاعتداء على الحق في الحياة ، وحرص الشارع على توقيتها هو علة تجريمه القتل وحدوث الوفاة شرط لاستكمال الركن المادي كيانه : فإذا لم تحدث على الرغم من ارتكاب فعل الاعتداء على الحياة وتوافر القصد .
اقتصرت المسئولية على الشروع في القتل ؛ أما إذا كان الفعل مقترناً بالخطأ فإن حلول الموت بالمجنى عليه شرط لتوافر جريمة القتل غير العمدي ، فإن لم يحدث الموت ولكن أدى الفعل إلى مساس بسلامة جسم المجني عليه اقتصرت المسئولية على الإصابة غير العمدية .
وتتحقق الوفاة بإنتهاء النفس الأخير الذي يلفظه المجنى عليه وغير ذي أهمية أن تحدث الوفاة فور ارتكاب الفعل ، أو أن تتراخى زمناً طالما أن الشك لا يثور حول توافر علاقة السببية بينها وبين الفعل .
إثبات الوفاة : تثبت الوفاة بجميع الطرق ، بما في ذلك القرائن البسيطة . وليس من شروط المحاكمة من أجل القتل العثور على جثة المجني عليه أو تقديم شهادة بموته؛ بل إنه لا يشترط أن تعين شخصيته ولكن مجرد اختفاء شخص ليس دليلاً على موته والنيابة العامة هي المكلفة بإقامة الدليل على وفاة المجنى عليه ، فلا يجوز تكليف المتهم بإثبات حياة المجني عليه ولو كان هو المكلف برعايته ولا يصلح دليلاً على ارتكاب شخص قتلاً أنه كان آخر من اجتمع بالمجنى عليه قبل اختفائه .
علاقة السببية بين فعل الاعتداء على الحياة ووفاة المجنى عليه
الأهمية القانونية لعلاقة السببية في جرائم القتل : العلاقة السببية أهميتها في كل جريمة يتطلب ركنها المادي نتيجة إجرامية ، إذ تسند هذه النتيجة إلى الفعل الذي ارتكبه المتهم وتقيم بذلك وحدة الركن المادي ، وتقرر توافر شرط المسئولية مرتكب الفعل عن النتيجة وتطبيق ذلك على القتل أنه إذا انتفت علاقة السببية اقتصرت مسئولية مرتكب الفعل على الشروع في القتل إذا كانت جريمته عمدية ، أما إذا كانت غير عمدية ، فلا مسئولية عن القتل ، إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية ، وإنما تقتصر المسئولية على الإصابات التي نالت المجنى عليه ، وثبت توافر علاقة السببية بينها وبين الفعل .
معيار علاقة السببية : السبب في الرأي الراجح من وجهة المنطق المجرد هو « مجموعة العوامل الإيجابية والسلبية التي يستتبع تحققها حدوث النتيجة على نحو لازم » ويؤدي تطبيق هذا الرأي على المشكلة القانونية العلاقة السببية إلى القول بأن سبب النتيجة الإجرامية ليس عاملاً بمفرده ، ولكنه مجموعة عديدة من العوامل تتضامن فيها بينها فتحدث النتيجة وعلى سبيل المثال ، فإنه إذا أعطى شخص آخر مادة سامة فمات ، فليس سبب الوفاة هو فعل الإعطاء وحده ، ولكنه كذلك الظروف الصحية للمجني عليه التي جعلت السم ينتج أثره على نحو معين وعدم إسعافه بالعلاج الطبي في الوقت الملائم ، وقد يكون من عوامل الوفاة تقصير المجني عليه في علاج نفسه أو خطأ الطبيب المعالج .
ولكن تطبيق هذه النظرية المنطقية المجردة لا يؤدي إلى معيار قانونی مقبول : ذلك أن اعتبار السبب مجموعة من العوامل لا يمثل فعل المتهم إلا أحدها يعنى إنكار علاقة السببية بين هذا الفعل والنتيجة الإجرامية واستحالة قيام المسئولية تبعاً لذلك من أجل ذلك تنحصر الأهمية القانونية لهذه النظرية في تحديد أساس البحث القانوني في علاقة السببية : فإذا كان فعل المتهم واحداً من العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة ، فالمشكلة القانونية تدور حول معرفة ما إذا كان من السائغ القول بتوافر علاقة السببية - في المعنى القانوني - بين الفعل والنتيجة لمجرد كونه عاملاً أياً كانت أهميته من بين عواملها أم أنه يتعين التحقق من أنه بالقياس إلى سائرها يمثل أهمية خاصة .
تصنيف النظريات القانونية في معيار علاقة السببية : يمكن تأصيل هذه النظريات بردها إلى قسمين : قسم يرى الإعتراف بعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة لمجرد كونه عاملاً أياً كانت أهميته بين العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة ، وقسم يتطلب أن يمثل هذا الفعل - بالقياس إلى سائر العوامل - أهمية أو فاعلية خاصة ، أو أن يتصف بخصائص معينة تجعله متميزاً عن العوامل الأخرى فالقسم الأول تمثله نظرية التعادل بين الأسباب ، والقسم الثاني تمثله نظريات عديدة تختلف فيما بينها من حيث الضابط الذي تأخذ به للتمييز بين العوامل والمفاضلة بينها والقول بأن الفعل ترجح أهميته عليها على نحو تقوم معه علاقة السببية بينه وبين النتيجة ، وأهم هذه النظريات هي نظرية السببية الملائمة .
نظريات التعادل بين الأسباب : تقرر هذه النظرية المساواة بين جميع العوامل التي أسهمت في إحداث النتيجة ، فكل منها تقوم بينه وبين النتيجة علاقة السببية وتطبيق ذلك على جريمة القتل يقتضى القول بأن علاقة السببية تقوم بين فعل الجاني ووفاة المجني عليه إذا ثبت أنه عامل ساهم في إحداثها ، ولو كان نصيبه من المساهمة محدوداً ، وشاركت معه في ذلك عوامل تفوقه في الأهمية على نحو ملحوظ وتقود هذه النظرية إلى النتائج الآتية : إذا ساهمت مع فعل الجاني عوامل طبيعية كضعف صحي أو مرض سابق كان المجني عليه يعاني فعلاقة السببية تظل قائمة بين هذا الفعل والوفاة ؛ وإذا ساهمت في إحداث الوفاة أفعال أخرى فعلاقة السببية لا تنتفي بذلك : فخطأ المجني عليه وإن كان جسيماً ونشاط مجرم ثان اتجه إلى ذات النتيجة لا ينفيان علاقة السببية ؛ بل إن العوامل التي تتدخل في التسلسل السببي بعد ارتكاب الجاني فعله فتزيد من جسامته وتقود إلى إحداث الوفاة لا تحول دون القول بتوافر هذه العلاقة : فخطأ الطبيب المعالج وإن كان فاحشاً أو إصابة المجنى عليه بمرض لاحق أو احتراقه في المستشفى الذي نقل إليه لعلاجه ، كل ذلك لا ينفي علاقة السببية .
نظرية السببية الملائمة وتذهب هذه النظرية إلى التفرقة بين عوامل النتيجة الإجرامية والاعتداد ببعضها دون بعض ؛ فإن كانت جميعاً اللازمة لإحداث النتيجة على النحو الذي حدثت به ، فإن بعضها فقط يتضمن إتجاها إليها ويعبر عن ميل نحوها ويمثل خطورة في اتجاهها ، وتكمن فيه تبعاً لذلك « الإمكانيات الموضوعية » التي من شأنها إحداثها وترى هذه النظرية أن علاقة السببية تقوم بين النتيجة وهذه العوامل دون سواها ويقتضي تطبيق هذه النظرية تجريد التسلسل السببي من ملابساته الواقعية غير ذات الأهمية : وللتجريد مرحلتان : استبعاد بعض عوامل النتيجة، وهي العوامل الشاذة غير المألوفة ، والاقتصار على الاعتداد بالعوامل الطبيعية المألوفة ، وهذه العوامل وحدها يضاف تأثيرها إلى آثار الفعل التحديد ما ينطوي عليه من إمكانيات ؛ أما المرحلة الثانية من التجريد فتقتضي أن تستبعد من النتيجة ظروفها الواقعية لكي تحدد باعتبارها نوعاً معيناً من النتائج الإجرامية ، ولكن هذا التجريد لا يستتبع إغفال الوسيلة التي حدثت بها النتيجة الإجرامية وللتحقق من توافر علاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة ينبغي التساؤل عما إذا كان الفعل - مقترناً بالعوامل العادية المألوفة - يتضمن القدرة على تحريك القوانين الطبيعية التي من شأنها إحداث النتيجة عن طريق الوسيلة التي حدثت بها ، فإن كانت الإجابة إثباتاً فعلاقة السببية متوافرة ، وإن كانت نفيا فهي غير متوافرة : فإذا أصاب شخص آخر بجروح قاصداً قتله ولكن المجني عليه لم يمت بجروحه، وإنما مات في حريق المستشفى الذي نقل إليه ، فإن تحديد ما إذا كانت علاقة السببية متوافرة أم غير متوافرة يختلف باختلاف ما إذا أخذنا بنظرية تعادل الأسباب أم قلنا بنظرية السببية الملائمة فطبقاً للأولى تعد هذه العلاقة متوافرة ، إذ لولا الجروح ما نقل المجني عليه إلى المستشفى وما هلك في حريقها ، ويعني ذلك أن هذه النظرية تضيف إلى فعل الجاني جميع العوامل التي ساهمت في إحداث الوفاة ومن بينها الحريق فتتضخم بذلك آثاره ويغدو منطقياً القول بأنه سبب الوفاة أما إذا أخذنا بنظرية السببية الملائمة ، فيتعين أن يستبعد حريق المستشفى من التسلسل السببي ، وأن تستبعد من النتيجة ظروفها ، فتحدد باعتبارها « وفاة إنسان عن طريق الحريق » ، وبعد ذلك نضع السؤال الآتي : هل إحداث جروح بشخص فعل ينطوي على الإمكانيات الموضوعية التي تجعل من شأنه إحداث الوفاة عن طريق الحريق ؟ من البديهي أن الإجابة هي بالنفي ، فيكون مقتضى ذلك اعتبار علاقة السببية غير متوافرة .
معيار علاقة السببية لدى القضاء : اجتهدت محكمة النقض في صياغة معيار لعلاقة السببية ، فقالت إن « العلاقة السببية علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما كان يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمداً ، أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير » ويعني هذا القضاء أن المحكمة تقرر قيام معیار علاقة السببية على عنصرين :عنصر مادي وعنصر معنوي فالعنصر المادي قوامه العلاقة المادية التي تصل ما بين الفعل والنتيجة ، وهي علاقة تقرر - في تطبيقها على القتل - أن فعل الجاني كان أحد العوامل التي أسهمت في إحداث الوفاة أما العنصر المعنوي فترى المحكمة اختلافه باختلاف ما إذا كانت الجريمة عمدية أو غير عمدية : فإن كانت عمدية فإن علاقة السببية تقف عند النتائج المألوفة للفعل التي يجب على الجاني أن يتوقعها ؛ أما إذا كانت غير عمدية فإن هذا العنصر يقتضي « خروج الجاني فيما يرتكبه بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير »، وأهمية العنصر المعنوي أنه يحدد من تلك العلاقة المادية الجزء الذي تكون له أهمية قانونية ، ونرى تفصيلاً للمعيار الذي تأخذ به محكمة النقض التمييز بين القتل العمدي والقتل غير العمدی .
معيار علاقة السببية في القتل العمدي : تتطلب علاقة السببية في القتل العمدى توافر عنصرها المادي الذي سلفت الإشارة إليه ، وهو عنصر تشترك فيه مع علاقة السببية في القتل غير العمدي وبالإضافة إلى ذلك يتعين أن يتوافر عنصرها المعنوي الذي يفترض أن كيفية حدوث الوفاة مألوفة وأنه كان يجب على الجاني توقعها ، والأمران غير منفصلين : إذ أن وجوب التوقع يفترض استطاعته ، لأنه لا تكليف بما لا يستطاع ، واستطاعة التوقع لا محل لها إلا بالنسبة للنتائج المألوفة المعتادة ، أما النتائج الشاذة غير العادية فليس في استطاعة الجاني توقعها وليس ذلك واجباً عليه ، ونستطيع التعبير عن هذا العنصر بقولنا : إنه يقوم « باستطاعة الجاني توقع وفاة المجني عليه ووجوب ذلك عليه » ، ومن السائغ اعتبار الصفة المألوفة للنتيجة قرينة على استطاعة توقعها ووجوبه وتطبيقاً لهذا المعيار قضت المحكمة بأن المتهم بالقتل العمد مسئول عن وفاة المجني عليه التي لم تحدث إلا بعد علاج دام ثمانية وخمسين يوما طالما أنه كان في استطاعته ومن واجبه أن يتوقع هذه النتيجة وقضت بمسئولية الضارب عن الفعل ولو ساهم في إحداث الوفاة تسمم معوي نتج عن الحمرة ، إذ هي من الأمراض التي تنشأ عادة عن الجروح وقضت بأن إهمال العلاج أو حدوث مضاعفات تؤدي إلى الوفاة لا يقطع علاقة السببية بين الإصابة والوفاة .
وتطبيقاً لهذا المعيار فإن علاقة السببية في القتل العمدى تنتفي في حالتين : إذا لم يكن فعل الجاني أحد العوامل التي أسهمت في إحداث الوفاة ؛ وإذا ثبت أنه أحد هذه العوامل ، ولكن لم يكن في استطاعة المتهم أن يتوقع بعض العوامل الأخرى التي أسهمت كذلك في إحداث الوفاة ، لأنها شاذة غير مألوف تدخلها في التسلسل السببي ، وبناءً على ذلك لم يكن في استطاعته : توقع الوفاة ، لأن كيفية حدوثها هي على هذا النحو غير مألوفة .
سلطة القضاء في إثبات علاقة السببية : تلتزم محكمة الموضوع بأن تثبت في حكمها بالإدانة توافر هذه العلاقة ، فإن لم تفعل كان حكمها قاصر التسبيب وإذا كان البحث في علاقة السببية مقتضياً خبرة فنية ، فإن المحكمة تلتزم بأن تسند قولها بتوافرها إلى واقع التقرير الفني ، وغالباً ما يكون في جرائم القتل تقريراً طبياً وعلاقة السببية مسألة موضوعية يستخلصها قاضي الموضوع من وقائع الدعوى ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك ولكن لمحكمة النقض أن تراقب قاضي الموضوع من حيث فصله في أن أمراً معيناً يصلح قانوناً لأن يكون سبباً لنتيجة معينة أو لا يصلح ويعني ذلك أن لها الرقابة على المعيار الذي يأخذ به القاضي ، فإن أخذ بمعيار غير صحيح ، فلها أن ترده إلى المعيار القانوني في تقديرها .
القتل العمدى فى صورته البسيطة .
القصد الجنائي في القتل :
عناصر القصد الجنائي في القتل : يقوم القصد الجنائي على عنصرين : العلم والإرادة ، فالعلم يتعين أن يحيط بأركان الجريمة وعناصر كل ركن ، ولا يشذ عنصر على هذه القاعدة إلا استثناء والإرادة يتعين أن تتجه إلى الفعل الذي تقوم به الجريمة وإلى النتيجة التي تترتب عليه ، ونتكلم في كل من عنصري القصد في القتل ، ثم نعقب ذلك بعرض لأهم الأحكام العامة التي يخضع لها .
العلم بأركان القتل : يتعين أن يعلم المتهم أنه يوجه فعله إلى جسد حي ، ويتعين أن يعلم بخطورة فعله على حياة المجني عليه ، ويتعين أن يتوقع وفاته ويثير البحث في علاقة السببية بعض الصعوبات .
فيتعين أن يعلم بوجود جسد حي يتجه إليه فعله ، فإن اعتقد أن فعله ينصب على جثة فارقتها الحياة ، فالقصد لا يعد متوافراً لديه : فالطبيب الذي يعتقد أنه يشرح جثة فإذا بصاحبها لا يزال حياً ، وإذا بالوفاة تحدث نتيجة الفعله ، لا يعد القصد متوافراً لديه ، وأن أمكن نسبة الخطأ إليه .
ويتعين أن يعلم المتهم بخطورة فعله على حياة المجنى عليه ، أي أن يعلم أن من شأن فعله إحداث وفاته ، فإن ثبت جهله ذلك انتفى القصد لديه فمن ينظف سلاحاً وهو يجهل وجود عیار به لا يعد قاتلاً عمداً إذا ترتب على فعله انطلاق العيار وموت من أصيب به ؛ ومن يطلق النار للإرهاب أو فض مشاجرة فيكون معتقداً أنه ليس من شأن فعله إصابة أحد ، لا يعد القصد متوافراً لديه إذا أصيب بالرصاص شخص ومات .
ويتعين أن يتوقع المتهم وفاة المجنى عليه كأثر لفعله : فمن أعطى آخر مادة سامة متوقعاً أن يستعملها في إبادة الحشرات ، فإذا به قد تناولها ظناً منه أنها مادة شافية لا يعد القصد متوافراً لديه .
والأصل أن يتوقع المتهم علاقة السببية التي تربط ما بين فعله والوفاة ولكن الغلط في علاقة السببية لا ينفي القصد : فإذا توقع الجانی أن تحدث وفاة المجنى عليه بوسيلة معينة ، فإذا بها تحدث بوسيلة مختلفة فإن القصد يظل متوافراً لديه ، وتفسير ذلك أن القانون يضع على قدم المساواة كل الوسائل التي تفضي إلى حدوث الوفاة : فإذا أراد شخص أن يقتل آخر بضربه على رأسه لإفقاده الوعي ثم ذبحه ولكن حدثت الوفاة نتيجة لضربة الرأس وحدها ، أو أطلق شخص النار على غريمه الذي يقف على سطح بناء متوقعا أن يصيبه الرصاص إصابة مميتة تقضى عليه ولكنه أصيب إصابة بسيطة أدت مع ذلك إلى اختلال توازنه وسقوطه من السطح وارتطامه بالأرض ووفاته ، فالقصد الجنائي متوافر لديه .
إرادة الفعل والنتيجة : اتجاه الإرادة إلى فعل الاعتداء على حياة المجني عليه و إلى إحداث وفاته هو جوهر القصد الجاني في القتل ، ولا يتطلب القانون العلم بأركان القتل إلا باعتبار ذلك شرطاً لتصور هذا الاتجاه الإرادي .
تفترض فكرة القصد الجنائي أن إرادة المتهم قد اتجهت إلى ارتكاب فعل الاعتداء على حياة المجنى عليه ، وهو على بينة من خطورة هذا الفعل على حياته ، وأن من شأنه إحداث وفاته واتجاه الإرادة إلى الفعل قدر يشترك فيه القصد والخطأ ، وهما يفترقان بعد ذلك باتجاه الإرادة إلى النتيجة في أولهما دون ثانيهما .
ويتطلب القصد الجنائي كذلك اتجاه إرادة المتهم إلى إحداث وفاة المجني عليه : فلا يغني عن ذلك أنه توقع وفاته وأن إرادته اتجهت إلی الفعل الذي من شأنه إحداث الوفاة وتطبيقاً لذلك فإن الطبيب إذا أجرى عملية جراحية خطيرة لشخص اشتد عليه مرضه وتوقع أن تحدث وفاته نتيجة لها ، ولكنه لم يرد هذه النتيجة ، بل كان راغباً عنها محاولاً تفاديها وإنقاذ حياة المريض فحدثت على الرغم من ذلك ، لا يتوافر لديه القصد .
وإذا ثبت توافر إرادة إحداث الوفاة ، أي نية إزهاق الروح في تعبير آخر توافر القصد الجنائي المتطلب في القتل وسواء أن تتوافر هذه النية لحظة الإقدام على الفعل أو قبل ذلك بقليل، أو أن تسبق هذه اللحظة بوقت طويل نسبياً ، وسواء أن يتاح للجاني خلال هذا الوقت التفكير الهادئ أو ألا يتاح له ذلك ، فسبق التصميم على التنفيذ ، والهدوء في التفكير خلال الفترة الفاصلة بينهما عناصر في سبق الإصرار ، وليست من عناصر نية القتل .
وتثير إرادة الوفاة مشكلة التمييز بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي ، ومدى كفاية كل منهما ليقوم به قصد القتل .
القصد المباشر في القتل :
العنصر الجوهرى للقصد المباشر هو الإرادة التي اتجهت على نحو يقيني إلى الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون ، فهي إرادة اتجهت مباشرة إلى مخالفة القانون ، ومن ثم كان القصد مباشراً ، ولا يتاح للإرادة هذا الاتجاه إلا إذا استندت إلى علم يقيني ثابت يتوافر عناصر الجريمة ؛ وأهم عناصر الجريمة التي يتجه إليها تفكير الجاني هو النتيجة الإجرامية ، إذ يتوقعها كأثر لفعله ، ومجال القصد المباشر مقتصر على الحالات التي يتوقع فيها الجاني النتيجة الإجرامية كأثر حتمی لازم لفعله وتطبيق ذلك على القتل يقتضي أن يكون الجاني قد توقع وفاة المجني عليه كأثر حتمي لازم لفعله وللقصد المباشر صورتان : صورة تكون الوفاة فيها هي الغرض الذي يستهدف الجاني تحقيقه بفعله ، فهو قد ارتكبه من أجل إحداث الوفاة ، مثال ذلك من يطلق النار على عدوه في مقتل ويكون غرضه من ذلك إزهاق روحه أما الصورة الثانية للقصد المباشر فتفترض أن الوفاة ترتبط على نحو لازم بالغرض الذي استهدف الجاني تحقيقه بفعله ، فالجاني يسعى إلى تحقيق واقعة معينة ولكن هذه الواقعة ترتبط بها الوفاة ارتباطاً لازماً بحيث لا يتصور بلوغ الجاني غرضه دون أن تتحقق الوفاة : مثال ذلك أن يريد مالك سفينة أن يحصل على مبلغ التأمين عليها ، فيضع فيها قبيل أن تغادر الميناء قنبلة زمنية تنفجر إذا أصبحت في عرض البحر ، فإذا حدث الإنفجار كما توقعة وترتب عليه غرق السفينة وهلاك بحارتها والمسافرين عليها فإن القصد المباشر يعد متوافراً لديه ولم يثر شك في كفاية القصد المباشر في صورتيه ليقوم به قصد القتل .
القصد الاحتمالي في القتل :
يفترض القصد الاحتمالى أن الجاني قد توقع الوفاة كأثر ممكن لفعله يحتمل في تقديره أن تحدث أو ألا تحدث ، ولكنه رحب باحتمال حدوثها ، وأبصر فيه غرضاً آخر - إلى جانب الغرض الذي ارتكب الفعل من أجل تحقيقه - يستهدفه بفعله : مثال ذلك من يشوه جسد آخر لكي يعده الاحتراف التسول فيتوقع وفاته ثم يمضي في فعله راضياً بهذا الاحتمال العداوة يحملها له ، أو أن يسرع شخص بسيارته في مكان مزدحم بأشخاص يؤلفون مظاهرة سياسية فيتوقع أن يؤدي ذلك إلى إصابة أحد المتظاهرين ووفاته ، فيقبل هذا الاحتمال ليتخلص من بعض خصومه الذي يؤلفون هذه المظاهرة .
والقصد الاحتمالي - محدداً على هذا النحو - يعادل القصد المباشر في القيمة القانونية ، ويكفي مثله ليقوم به القتل العمد ، ذلك أنه قد توافر له عنصرا القصد ، وهما : العلم والإرادة، فالعلم قد توافر بتوقع الوفاة كأثر ممكن للفعل ، والإرادة قد توافرت بقبول هذه النتيجة ، ذلك أن القبول هو إرادة متجهة إلى النتيجة ، فمن ارتكب الفعل کی يحقق به غرضاً معيناً ، ثم تبين له أنه من المحتمل أن يؤدي إلى نتيجة أخرى ، فقبل هذه النتيجة واكتشف فيها غرضاً يمكن أن يتجه إليه بفعله ، فارتكب الفعل من أجل تحقيق أي من الغرضين ، فإن القصد الجنائي يعد متوافراً لديه بالنسبة لكل منهما .
هل القصد الجنائي في القتل قصد عام أم قصد خاص و القصد العام هو ما توافر بالعلم المحيط بأركان الجريمة والإرادة المتجهة إلى الفعل والنتيجة ، أما القصد الخاص فيتميز بأن العلم والإرادة لا يقتصران على أركان الجريمة وعناصرها ، وإنما يمتدان – بالإضافة إلى ذلك - إلى وقائع ليست في ذاتها من أركان الجريمة ، ولتوضيح ذلك نقرر أنه إذا تطلب القانون في جريمة توافر القصد الخاص ، فمعنى ذلك أنه يتطلب أولاً انصراف العلم والإرادة إلى أركان الجريمة ، وبذلك يتوافر القصد العام ، ثم يتطلب بعد ذلك انصراف العلم والإرادة إلى وقائع لا تعد طبقاً للقانون من أركان الجريمة ، وبهذا الإتجاه الخاص للعلم والإرادة يقوم القصد الخاص .
وتذهب محكمة النقض إلى القول بأن القصد الجنائي في القتل هو قصد خاص ، فتقول : تتميز جرائم القتل العمد والشروع فيه قانوناً بنية خاصة هي انتواء القتل وإزهاق الروح وهذه تختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم العمدية .
وهذا القول محل نظر : ذلك أن « نية إزهاق الروح » التي تقيم عليها محكمة النقض القصد الخاص لا تعدو أن تكون الإرادة المتجهة إلى إحداث الوفاة ، أى إحداث النتيجة التي تعد أحد عناصر الركن المادي في القتل ، وإرادة النتيجة عنصر يقوم به القصد العام ، وهي لا تكفي کی تجعل منه قصداً خاصاً .
الأحكام العامة التي يخضع لها القصد الجنائي في القتل : يخضع القصد الجنائي في القتل للأحكام العامة التي تقررها النظرية العامة للقصد الجنائي وفيما يلي بيان أهم هذه الأحكام .
الغلط في شخصية المجنى عليه ، وهو ما يفترض أن المتهم قد خلط بين شخصين ، فقتل أحدهما أو شرع في قتله معتقدا أنه الآخر لا ينفي القصد الجنائي ، ولا ينفي القصد الجنائي كذلك الخطأ في توجيه الفعل أو الحيدة في الهدف ، وهو ما يفترض أن المتهم لم يحسن توجيه فعله العدم دقته في إصابة هدفه ، كما لو انتوي إزهاق روح شخص معين فوجه إليه فعله أطلق عليه الرصاص مثلاً ولكنه لم يصبه و إنما أصاب شخصاً يمر إلى جواره .
ويستوي أن يكون القصد محدوداً أو غير محدود ويفترض القصد المحدود أن إرادة المتهم اتجهت إلى إزهاق روح شخص أو أكثر معينين بذواتهم ؛ أما القصد غير المحدود ، فيفترض أن إرادة المتهم اتجهت إلى إزهاق روح شخص أو أشخاص أياً كانوا ، أي اتجهت إلى مجرد إزهاق الروح دون أن تعنيه شخصيات من يكونون ضحايا لفعله ، كما لو أطلق شخص الرصاص على جمع من الناس أو ألقي عليهم قنبلة مريداً أن يصيب أي عدد منهم دون أن تكون شخصياتهم معينة لديه .
ويتعين أن يعاصر القصد الفعل ، وسواء بعد ذلك توافر وقت تحقق النتيجة أم لم يكن متوافراً وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا توافر القصد وقت الفعل ثم انتفى وقت تحقق النتيجة فلا جدال في مسئولية المتهم عمداً : فمن وضع السم عمداً في طعام آخر ثم ندم على فعله فهو مسئول عن جريمة التسميم ، ولا يجديه غير سعيه لتخييب آثار فعله ، أي عدوله اختياراً ، فلا تحدث النتيجة ، وينتفي بذلك أحد أركان الشروع أما إذا لم يتوافر القصد وقت الفعل ، ولكن توافر وقت تحقق النتيجة ، أي كان قصدا لاحقا على الفعل ، فلا اعتداد به : فمن أصاب دون عمد شخصاً بجراح خطيرة ثم اكتشفت أنه عدو له ، فرحب باحتمال وفاته ، بحيث ثبت توافر القصد لديه وقت تحققها ، فهو لا يسأل إلا مسئولية غير عمدية .
البواعث على القتل : يخضع القتل للقاعدة العامة التي تقرر أن البواعث التي حركت إرادة المتهم إلى ارتكاب جريمته لا تعتبر من عناصر القصد الجنائي ، فسواء أن يبعث على الجريمة باعث سئ أو باعث نبیل : فالقصد الجنائي يعد متوافراً لدى من أقدم على القتل لتخليص المجني عليه من آلام مرض لا أمل في شفائه أو من عار محاكمة جنائية ، ولدى من استهدف بالقتل تأييد مبدأ سياسي ، أو دفعه إلى القتل استفزاز ونتيجة لذلك فإن عدم معرفة الباعث لا يحول دون اعتبار القصد متوافراً ، وسكوت الحكم عن بيان الباعث على ارتكاب الجريمة لا يعيبه ولكن للباعث غیر السيء اعتبار يحق للقاضي أن يراعيه في حدود سلطته التقديرية عند تحديده العقوبة التي يقضي بها على المتهم : فله أن يعتبره مبرراً للحكم بالحد الأدنى للعقوبة ، ولا أن يعتبره من قبيل الظروف المخففة .
إثبات القصد الجنائي : أهم عناصر القصد الجنائي التي يثور البحث في إثباتها هو « نية إزهاق الروح » أى « نية القتل »، والقاعدة أن القول بتوافر نية القتل أو انتفائها من شأن قاضي الموضوع ، فهي مسألة موضوعية؛ وعلة ذلك أنها - باعتبارها ظاهرة نفسية - لا يستدل عليها إلا بالمظاهر الخارجية التي تفترضها ، ويعني ذلك أنها تستخلص من الوقائع التي يختص بتقديرها والبت فيها نهائياً قاضى الموضوع ومتى قال قاضی الموضوع كلمته في شأن نية القتل إثباتاً أو نفياً فلا تعقيب لمحكمة النقض عليه إلا إذا كان ثمة تناقض بين ما قرره وبين الوقائع التي استنتجه منها ، أو كان العقل لا يتصور إمكان دلالة هذه الوقائع على الخلاصة التي انتهى إليها .
ولما كانت نية القتل عنصراً جوهرياً في القتل العمد ، فإنه يجب على المحكمة أن تثبت توافرها صراحة واستقلالاً، وإلا كان حكمها قاصر التسبيب .
ونية القتل يستدل عليها بالمظاهر الخارجية ، وهي عديدة : فقد تكون استعمال آلة أو إصابة المجني عليه في موضع من جسمه يعد مقتلاً، وقد تكون شدة الطعن وتعدد مراته ، أو وجود ضغينة مشهورة بين الجاني والمجنى عليه أو سبق تهديده له بالقتل ولكن هذه المظاهر مجرد قرائن بسيطة : فلا يكفي أن تثبت المحكمة أحدها لكى تستخلص منه على نحو ضرورة توافر نية القتل ، فقد تستعمل آلة قاتلة أو تكون الإصابة في مقتل دون أن يعني ذلك توافر نية القتل ، إذ قد يكون قصد الجاني مقتصراً على مجرد إحداث إصابات بالمجنى عليه وتحديد ما إذا كانت الآلة قاتلة أو الإصابة في مقتل من شأن قاضي الموضوع ، وقد قضى بأن الفخذ والعضد وراحة اليد لا تعد مقاتل .
القتل العمد استعمالاً لسلطة : أهم صورة لقتل يرتكب استعمالاً للسلطة تتمثل في القتل الذي يأتيه الجلاد تنفيذاً لحكم صادر بالإعدام ، ويمتد نطاق الإباحة إلى كل من أصدروا الأمر بتنفيذ الإعدام ولكن شرط الإباحة به أن تتبع بدقة جميع القواعد والإجراءات التي يعلق عليها القانون صلاحية في الحكم بالإعدام للتنفيذ، ويصدر الأمر بالتنفيذ ممن خولهم القانون هذا الاختصاص : فإن خولفت بعض هذه القواعد انتفت الإباحة ، وكان فعل الجلاد قتلاً معاقباً عليها ، وسئل عنه كذلك من أصدروا إليه الأمر كشركاء .
ويثير البحث في القتل استعمالاً للسلطة التساؤل عن مدى مشروعية أفعال رجال الشرطة التي تصدر عنهم أثناء مطاردة المجرمين أو من أجل الحيلولة بينهم وبين ارتكاب الجرائم، والقاعدة أن القانون لا يعترف بفعل يصدر عن رجل الشرطة « بنية القتل » ، وإنما يتعين أن يصدر من أجل التعجيز عن الهرب أو عن الاعتداء ، وهو ما تكفي فيه « نية الإصابة »، ولذلك يتعين أن يوجه الفعل إلى غير مقتل ومن ثم يكون التكييف الحقيقي للفعل إذا أفضى إلى موت المجرم أنه جرح مفض إلى موت ، ويشمله على هذا النحو نطاق الإباحة وشرط هذه الإباحة أن تتبع بدقة القواعد التي يقررها القانون لجواز استعمال رجال الشرطة الأسلحة النارية ، وخاصة أن يسبق ذلك الإنذار ثم إطلاق الرصاص للإرهاب ثم توجيهه إلى غير مقتل .
ولكننا نضيف إلى ذلك أنه إذا سمح القانون لرجل الشرطة بتعريض حياة بعض المجرمين للخطر ، كالوضع إذا حدث تمرد في سجن ولم يعد ممكناً السيطرة عليه بغير هذا الفعل ، وورد إلى توقع رجل الشرطة احتمال أن يفضي الفعل إلى الوفاة ، فقبل هذا الاحتمال - أى توافر لديه القصد الاحتمالي في القتل - فإنه لا مناص من إباحة هذا القتل .
القتل العمد استعمالاً لحق الدفاع الشرعي : يعتبر القتل من أهم الصور التي يتخذها فعل الدفاع عن النفس أو المال ، ولذلك يعد الدفاع الشرعي مجالاً هاماً لإباحة القتل العمد ولكن الشارع - تقديراً منه لخطورة القتل العمد - قد حد من الحالات التي يجوز الالتجاء فيها إليه دفاعاً عن النفس أو المال : فلا يجيزه دفاعاً عن النفس إلا في حالات ثلاث : فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة ؛ و إتيان امرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة ؛ واختطاف إنسان (المادة 249 من قانون العقوبات)، ولا يجيزه دفاعاً عن المال إلا في حالات أربع : الحريق العمد ؛ وسرقة من السرقات المعدودة من الجنايات ؛ والدخول ليلاً في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته ؛ وفعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة (المادة 250 من قانون العقوبات)، فالشارع يحظر الالتجاء إلى القتل العمد استعمالا لحق الدفاع الشرعي في غير الحالات السابقة التي حددها على سبيل الحصر ، ولو ثبت أن القتل لازم لرد الخطر ومتناسب معه، ولكن ذلك لا يعني أن الشارع يسمح بالقتل لمجرد توافر إحدى الحالات السابقة ، وإنما يتعين أن تتوافر بالإضافة إلى ذلك جميع شروط الدفاع الشرعي ، ومن بينها تناسب القتل مع الخطر .
القتل العمد أثناء الحرب : الحرب كفاح مسلح بين دولتين ، وهي من ثم صورة للعلاقة بين دولتين ، والقتل العمد من مستلزماتها، وعلى الرغم من الجهود التي بذلت للحد من الحروب ، بل وتحريمها ، فإن القانون الدولي ما زال يعترف بها ، ويتضح ذلك من وضعه القواعد لتنظيمها ، وتقوم خطة هذا القانون على تحريم بعض الأساليب الحربية لبشاعتها أو تجاوزها الحدود التي تمثل فيها الحرب صورة للعلاقات الدولية ، ويلزم من ذلك أن ما عدا الأساليب المحرمة يكون مباحاً والإباحة التي يقررها القانون الدولي القتل العمد أثناء الحرب (ومن باب أولى يقررها للإصابة والإتلاف) تمتد بالضرورة إلى القانون الداخلي استناداً إلى واجب الدولة في أن تحقق الإتساق بين تشريعها والقواعد الدولية : فما يبيحه القانون الدولى يبيحه القانون الداخلي ، ولا يجوز مساءلة قاتل عمداً ولو كان من الأعداء طالما أباح القانون الدولي فعله .
والقاعدة هي وجوب التمييز بين القواعد التي تحدد مشروعية الحرب في ذاتها والقواعد التي تحدد مشروعية الأعمال الحربية : فمخالفة الأولى لا تحول دون الإباحة في حين تحول مخالفة الثانية دون ذلك : فشن حرب عدوانية - أي مخالفة للقواعد الدولية التي تحظر الحرب - تثير مسؤولية الدولة التي شنتها ، بل والمسئولية الجنائية الدولية لمن أمروا بشنها (على مثال ما جرى في محاكمات نورمبرج وطوكيو) ، ولكن ذلك لا يحول دون أن تباح الأفعال التي تمارس بها هذه الحرب أما إذا خولفت القواعد التي تحدد كيفية ممارسة الحرب ، فتحظر بعض الأسلحة أو تحرم الاعتداء على بعض الأشخاص أو الأموال كانت الأفعال المخالفة لهذه القواعد غير مشروعة ، وساغ محاكمة مرتكبيها أمام محاكم دولتهم أو محاكم الدولة المعادية وأهم القواعد المنظمة لممارسة الحرب تتضمنها اتفاقية لاهاي في شأن الحرب البرية المبرمة في 18 أكتوبر سنة 1907 واتفاقيات جنيف الأربع المنعقدة في 21 أغسطس سنة 1949 ، وتتضمن هذه الأخيرة معاملة الجرحى والمرضى في ميدان المعركة ، وتحسين معاملة الأسرى ، ومعاملة الجرحى والمرضى في الحرب البحرية ، وحماية المدنيين في زمن الحرب .
وتبيح قواعد الحرب قتل العدو المسلح في ميدان المعركة ، وتبيح إرسال فرق فدائية لتعمل خلف خطوط العدو قتلاً وتخريباً بشرط أن يرتدي أفرادها زيهم العسكري الوطني ، ويجوز تكليفهم بقتل قائد الجيش المعادي ولكن هذه القواعد تحظر قتل العدو غير المسلح أو الذي ألقى سلاحه ، وتحظر قتل العدو الذي استسلم أو أسر ولا يجوز أن يقتل الأسرى ولو كان نقلهم إلى ما خلف الخطوط الحربية يهدد سلامة الجيش بالخطر ، ولا يجوز قتلهم على سبيل المعاملة بالمثل ويتمتع بالحماية المقررة للأسرى رعايا العدو الذين يكلفون بالعمل الجبري، وتحمي القواعد الدولية المدنيين الذين لا يشاركون في العمليات الحربية حماية شاملة : فلا يجوز الاعتداء عليهم بقتل أو إيذاء ولو وقع الإقليم الذي يقيمون فيه تحت احتلال قوات الأعداء ، ولكن يستثنى من ذلك حالة تنظيمهم فرقاً عسكرية تحارب قوات الاحتلال ، إذ يعاملون معاملة العسكريين .
عقوبة القتل العمدى :
نوع العقوبة ومقدارها : يحدد القانون للقتل العمدي في صورته البسيطة عقوبة السجن المؤبد أو المشدد (المادة 234 من قانون العقوبات ، الفقرة الأولى)، ويستطيع القاضي أن يحكم بعقوبة أقل من ذلك إذا قدر توافر ظروف مخففة لمصلحة المتهم وهبط بالعقوبة على النحو الذي تقضي به المادة 17 من قانون العقوبات .
القتل العمدي في صوره المشددة :
أسباب التشديد في القتل العمدي : نص الشارع على أسباب تشديد عقاب القتل العمدي ، وهذه الأسباب ترد إلى الأنواع التالية : أولاً : التشديد الذي يرجع إلى نفسية الجاني وقصده ، ونعني به « سبق الإصرار » ( المادة 230 من قانون العقوبات )، ثانياً : التشديد الذي يتعلق بكيفية تنفيذ القتل ، ويندرج في هذا النوع الترصد (المادة 230 من قانون العقوبات) ، واستعمال السم في القتل (المادة 233 من قانون العقوبات)، ثالثاً : التشديد الذي يرجع إلى اقتران القتل بجناية (المادة 234 من قانون العقوبات ، الفقرة الثانية) .
رابعاً : التشديد الذي يقوم على ارتباط القتل بجناية أو جنحة (المادة 234 من قانون العقوبات ، الفقرة الثانية) .
خامساً : التشديد الذي يرجع إلى تنفيذ القتل لغرض إرهابي (المادة 234 من قانون العقوبات ، الفقرة الثالثة) .
سادساً : التشديد الذي يرجع إلى صفة المجنى عليه ، ونعني به القتل الذي يقع على جريح حرب (المادة 251 مکرراً من قانون العقوبات) .
وجميع أسباب التشديد تفترض ابتداء توافر أركان القتل العمدی فی صورته البسيطة ، فجرائم القتل المشدد ليست جرائم خاصة ، وإنما هي جرائم قتل اقترنت بظروف مشددة من شأنها تغيير وصف الجريمة .
وجميع أسباب التشديد وجوبية ، فليست للقاضي السلطة التقديرية في أن يحكم بالعقوبة المقررة للقتل العمدي البسيط على الرغم من توافر الظروف المشددة ، إلا إذا قرر تطبيق الظروف المخففة وأسباب التشديد ترتفع بعقوبة القتل العمدي إلى الإعدام ، عدا حالة ارتباط القتل بجناية أو جنحة التي ترتفع فيها العقوبة إلى الإعدام أو السجن المؤبد .
وغالبية أسباب التشديد لها طابع مادي أو عيني ، ومن ثم تسری على كل المساهمين في القتل ، ويستثنى من ذلك ظروف سبق الإصرار وارتباط القتل بجناية أو جنحة ، وتنفيذ القتل لغرض إرهابي إذ تتميز بطابع شخصی ، فلا يتأثر بها من المساهمين غير من ثبت توافرها لديه .
اقتران القتل بجناية :
تمهيد : نص الشارع على هذا الظرف المشدد في الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات في قوله « ومع ذلك يحكم على فاعل تلك الجناية (أى جناية القتل العمد) بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى »، وقوام هذا الظرف المشدد تعدد الجرائم وتوافر صلة زمنية بينها : فقد ارتكب المتهم إلى جانب القتل جناية أخرى ، وقد ارتكبهما في خلال فترة زمنية محدودة .
والعقوبة التي يقررها القانون عند توافر هذا الظرف تتضمن خروجاً على القواعد العامة في تعدد الجرائم : فلم يقرر الشارع تعدد العقوبات ، ولم يقتصر على توقيع العقوبة الأشد من بين عقوبات الجرائم المتعددة ، وإنما قرر توقيع عقوبة واحدة أشد من تلك العقوبة الأشد .
علة التشديد : شدد الشارع العقاب عند اقتران القتل بجناية لأن الشخص الذي لا يحجم عن ارتكاب جريمتين خطيرتين خلال فترة محدودة يكشف بذلك عن شخصية إجرامية خطيرة لا تبالي بارتكاب أشد الجرائم خلال وقت قصير .
شروط التشديد : يتطلب التشديد توافر شرطين يستخلصان من طبيعة الظرف المشدد : أولهما ، أن ترتكب إلى جانب القتل جناية ؛ وثانيهما أن تتوافر صلة زمنية بين الجنايتين، وإلى جانب هذين الشرطين يفترض الظرف المشدد أمرين يقضي المنطق بهما : أن يكون القتل المرتكب جناية مما نص عليه في الفقرة الأولى من المادة 234من قانون العقوبات ؛ وأن يكون المسئول عن الجنايتين شخصاً واحداً .
کون القتل جناية : افتراض أن القتل جناية مستخلص من إضافة الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات التشديد الذي نصت عليه إلى الحكم الذي قررته فقرتها الأولى التي تنص على القتل العمدی البسيط ؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن التشديد في صورة الحكم بالإعدام غير متصور إلا إذا كانت العقوبة التي تشدد على هذا النحو عقوبة جسيمة كالسجن المؤبد أو المشدد، ويترتب على ذلك أنه لا محل لهذا التشديد إذا كان القتل المسند إلى المتهم قد اقترن به العذر القانوني الذي تنص عليه المادة 237 من قانون العقوبات أو كان قتلاً غير عمدي ، وإنما تطبق في الحالتين القواعد العامة في تعدد العقوبات .
الجناية الأخرى : لا يتوافر التشديد إلا إذا كانت الجريمة التي أضافها الجاني إلى القتل جناية ، فإن كانت جنحة فلا محل للتشديد بل إن التشديد لا يتوافر إذا كانت الجريمة في أصلها جناية ولكنها اقترنت بعذر قانونی ، كالقتل المنصوص عليه في المادة 237 من قانون العقوبات وكل الجنايات لدى القانون سواء : فقد تكون جناية سرقة أو هتك عرض بالقوة أو اغتصاباً أو ضرباً أفضى إلى الموت أو إلى العاهة ، بل يجوز أن تكون قتلاً ثانياً وقد تطلب بعض الفقهاء ألا تكون الجناية الأخرى قتلاً ، محتجين بأن عبارة « جناية أخرى » التي وردت في النص يفهم منها أن تكون جناية من نوع مختلف عن القتل ولكن هذا الرأي لم يرجح : فالعبارة السابقة يراد بها أن يضيف المتهم إلى جناية القتل التي ارتكبها جناية أخرى دون تحديد لنوعها ، وكما تقول محكمة النقض فإن النص إنما ذكر « جناية أخرى » لا « جناية من نوع آخر » ، وبالإضافة إلى ذلك فإن علة التشديد متحققة حين تكون الجناية الأخرى قتلاً بل إن هذه الجناية قد تكون مجرد شروع ، فالشروع في الجناية جناية بدوره، ولا يحول دون توافر الظرف المشدد أن يقف القتل ذاته (وهو الجريمة الأصلية) عند مرحلة الشروع .
ويدق الأمر إذا كان القتل هو الذي حال دون أن تستوفي الجناية الأخرى أركانها ، وموضع ذلك أن تكون هذه الجناية مفترضة بقاء المجني عليه حياً باعتبار جسده موضوعها ، مثال ذلك جناية الاغتصاب : فإذا قتل المتهم امرأة ثم فسق بها بعد موتها فلا يتوافر الظرف المشدد لأنه لم يرتكب اغتصاباً ، إذ الجثة لا تصلح موضوعاً لهذه الجناية ولكن إذا اغتصب المجني عليها ثم قتلها توافر الظرف المشدد ويتوافر هذا الظرف كذلك إذا ارتكب الاغتصاب خلال الفترة التي كانت المجني عليها تتلقى فيها الضربات القاتلة ، ولو ثبت ابتداء ارتكابه في اللحظات الأخيرة من حياتها ، ولا عبرة باستمراره بعد وفاتها .
ويقتضي التشديد توافر شرطين في الجناية : الأولى ، كونها معاقباً عليها؛ والثاني ، استقلالها عن القتل .
کون الجناية معاقباً عليها : يعني هذا الشرط أن يكون القاتل مستحقاً للعقاب من أجل الجناية التي أضافها إلى القتل ، فإن لم يكن عليه عقاب من أجلها لتوافر سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب فلا يشدد عقابه وتعليل ذلك أن التشديد هو بمثابة عقوبة تضاف إلى عقوبة القتل ، وسببها ارتكاب فعل يستوجب العقاب ، فإذا كان لا يستوجبه فلا محل لأن يزداد مقدار العقاب ، والقول بغير ذلك معناه أن يعاقب المتهم من أجل جريمة لا عقاب عليها، وإذا علق القانون تحريك الدعوى الناشئة عن الجناية على تقديم شكوى من المجني عليه ، فلا يكون للتشديد محل إلا إذا قدمت الشكوى على الوجه الصحيح .
استقلال الجناية عن القتل : يعني هذا الشرط كون الجناية ذات كيان مستقل عن القتل بحيث تتوافر لها جميع أركانها ولو صرفنا النظر عن القتل ، أي ولو افترضنا أن القتل لم يرتكب ؛ وبغير هذا الشرط لن يكون لدينا إلى جانب القتل جناية : فإذا لم يأت المتهم غير فعل واحد ترتبت عليه نتيجتان ، كل منهما تقوم به في حكم القانون جناية ، وكانت إحداهما أو كلتاهما قتلاً فلا يتوافر التشديد على الرغم من ذلك ، كما لو كانت الجريمتان قد حدثنا من فعل واحد غير متجزئ في ذاته كرصاصة أطلقت فأصابت رجلين أو قنبلة قذفت فأصابت عدة أشخاص أو خشبة أسقطت على أناس فقتلتهم أو سهم رمى فاخترق صدر اثنين . ولا يعدو الأمر في الحالات السابقة أن يكون تعدداً معنوياً وتكون وحدة الفعل مانعة من تطبيق الظرف المشدد .
وإذا كان القتل عنصراً في الجناية الأخرى بحيث لا تقوم حين نصرف النظر عنه ، وإنما تكون مجرد جنحة فلا يتوافر سبب التشديد : مثال ذلك أن يرتكب شخص سرقة بإكراه ويكون القتل هو عنصر الإكراه في هذه السرقة ، فالسرقة بإكراه في هذا المثال ليست مستقلة في أركانها عن القتل ، إذا قتل أحد عناصرها ، ولو صرفنا النظر عنه لما كانت السرقة غير مجرد جنحة ، وهي بهذا الوصف غير كافية لتوافر الظرف المشدد ، والقول بغير ذلك يعني مساءلة الجاني عن القتل مرتين : مرة باعتباره جناية مستقلة ، ومرة باعتباره رکناً في جريمة أخرى .
أما إذا تعددت الأفعال توافر الظرف المشدد ، كما لو طعن شخصاً قاصداً قتله فأصابه إصابات أودت بحياته ، ثم شرع في قتل شخص آخر فأحدث به جروحاً لم تؤد إلى وفاته ، أو أطلق عدة أعيرة نارية على جماعة من الناس قاصداً قتلهم جميعاً ، أو قتل بعضهم فأصاب أحدهذه الأعيرة واحداً منهم فأراده قتيلاً ولم تصب الأعيرة الأخرى أحداً ، إذ قد تعددت الأفعال الإجرامية بتعدد مرات إطلاق الرصاص ولا يحول دون توافر الظرف المشدد أن ترتكب الأفعال المتعددة بناءً على تصميم جنائی واحد أو لغرض واحد أو في سورة غضب واحدة متصلة أو في أثناء مشاجرة .
رابطة الزمنية : تعني رابطة الزمنية ارتكاب القتل والجناية الأخرى خلال فترة زمنية واحدة ، بحيث تتقارب الجنايتان زمناً وهذا الشرط مستمد مباشرة من علة التشديد ، وهي التغليظ على من يرتكبون جرائم متعددة خلال فترة من الزمن قصيرة ، فيكشفون بذلك عن شخصية إجرامية خطيرة ولا تعني رابطة الزمنية ارتكاب إحدى الجنايتين عقب الأخرى على الفور أو ارتكابهما في يوم واحد ، فمن الجائز ارتكابهما في يومين متتاليين ، إذ لا يعني ذلك حتماً وجود فاصل زمني ملحوظ بينهما وبالنظر إلى عدم تحديد الشارع ضابطاً للرابطة الزمنية ، فإن القول بتوافرها من شأن قاضي الموضوع ولا يتطلب القانون ترتيباً معيناً في تعاقب الجنايتين ، فسواء أن يتقدم القتل الجناية الأخرى أو أن يعقبها، وقد صرح بذلك : فالعقاب يشدد على فاعل جناية القتل « إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى » .
يجب أن يكون المسئول عن الجنايتين شخصاً واحداً : يحمل القانون المتهم المسئولية عن جنايتين : القتل والجناية الأخرى المقترنة به ، فلا بد أن تسمح القواعد العامة بقيام هذه المسئولية : ويسأل المتهم عن الجنايتين إذا كان فاعلاً لهما أو كان فاعلاً لإحداهما وشريكاً في الأخرى أو كان شريكاً فيهما معاً أو كان فاعلاً أو شريكاً في إحداهما وكانت الثانية نتيجة محتملة لها وفقاً للمادة 43 من قانون العقوبات ، أما إذا لم تكن نتيجة محتملة اقتصرت مسئوليته على الجناية التي ارتكبها أو ساهم فيها ولم يكن مسئولاً عن الجناية الأخرى ، ويعني ذلك أن ينتفي ظرف الإقتران بالنسبة له، إذا يفترض هذا الظرف المسئولية عن الجنايتين معاً .
ما لا يتطلبه الظرف المشدد : لا يتطلب الإقتران أن ترتبط الجنايتان برابطة السببية ، بأن يكون القصد من القتل تسهیل ارتكاب الجناية الأخرى أو أن ترتكب الجنايتان لغرض واحد ، فقد تستقلان تماماً من هذه الوجهة وتتوافر على الرغم من ذلك رابطة الزمنية بينهما، كما لو قتل الجاني عدواً له ثم صادف بعد برهة يسيرة امرأة فهتك عرضها أو صادف عدواً ثانياً لا علاقة له بالأول فقتله كذلك ولا يتطلب الإقتران أن ترتكب الجنايتان في مكان واحد : فقد تختلفان مكاناً دون أن يباعد الزمن بينهما ، ولكن في الغالب يتحد مكان الجريمتين إذا توافرت رابطة الزمنية بينهما ، إذا أن الفترة القصيرة التي ترتكب الجريمتان خلالها لا تسمح للجاني بأن ينتقل من مكان ارتكاب إحداهما إلى مكان بعيد عنه حيث يرتكب الثانية .
عقوبة القتل المقترن بجناية : إذا ثبت اقتران القتل بجناية كانت العقوبة الإعدام ويعد الإعدام عقوبة عن القتل والجناية الأخرى معاً ، فقد أدمج الشارع الجنايتين في وحدة قانونية غير قابلة للتجزئة ، وقرر لهما عقوبة واحدة لكل منهما نصيب منها ، بل إن الجناية الأخرى تفقد استقلالها وتتحول إلى مجرد ظرف للقتل ، ومن ثم لا يجوز توقيع عقوبة هذه الجناية إلى جانب عقوبة القتل ، ولو توافر للقتل ظرف آخر کسبق الإصرار أو الترصد يكفى بذاته لتوقيع عقوبة الإعدام ولكن إذا لم يثبت ارتكاب المتهم القتل أو ثبت انتفاء أحد أركانه استردت الجناية الأخرى كيانها القانوني ، وتعين أن يوقع العقاب من أجلها ، إذ لا يعقل أن تظل ظرفاً مشدداً إذا لم تثبت الجريمة أو لم تستوف جميع أركانها .
وتوقع عقوبة الإعدام ولو وقفت الجناية المقترنة عند مرحلة الشروع طالما كان القتل تاماً ، ولا محل لتخفيف العقاب طبقاً للمادة 46 من قانون العقوبات ، إذ أن تكييف الواقعة في مجموعها واعتبارها شروعاً أو جريمة تامة إنما يكون بالنظر إلى الجريمة الأصلية (وهي القتل) دون الجناية المقترنة به، أما إذا وقف القتل عند الشروع ، تعين تخفيف الإعدام تطبيقاً للمادة 46 من قانون العقوبات ، ولو ارتكبت الجريمة المقترنة تامة ، إذ قد صارت الواقعة في مجموعها شروعاً .
ارتباط القتل بجناية أو جنحة :
نص الشارع على هذا السبب للتشديد في الشق الأخير من الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات في قوله وأما إذا كان القصد منها (أي من جناية القتل) التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو بالسجن المؤبد .
ويفترض هذا السبب للتشديد أن القتل قد ارتكب من أجل التمكن من ارتكاب جريمة أخرى أو من أجل التخلص من المسئولية الناشئة عنها ، أي أن ثمة صلة سببية نفسية تربط في ذهن الجاني بين القتل والجريمة الأخرى ، فهو قد ارتكب القتل من أجل مقصد معين حدده القانون .
والعقوبة المشددة التي قررها الشارع في هذا النص تتضمن خروجاً على القواعد العامة في تعدد الجرائم والعقوبات ، وقد جعل الشارع من القتل والجريمة الأخرى وحدة قانونية غير قابلة للتجزئة بحيث لا يجوز أن توقع من أجلهما معاً غير عقوبة واحدة .
علة التشديد : شدد الشارع العقاب لأن الجاني اتخذ القتل وسيلة لارتكاب جريمة أقل منه خطورة ، فهو يكشف بذلك عن شخصية خطيرة ، إذ لا يبالي بإزهاق الروح في سبيل تحقيق غاية إجرامية قد تكون في ذاتها قليلة الأهمية، ومن أمثلة الحالات التي يتوافر فيها هذا التشديد أن يقتل الجاني حارس منزل لكي يسرق أمتعة فيه ، أو يقتل المجني عليه في السرقة ليتمكن من الفرار بالمسروقات ، أو يقتل من شاهده يرتكب السرقة کی يتخلص من شاهد إثبات ضده .
نطاق التشديد : يدل ظاهر النص أن الشارع أراد أن يقصر التشديد على حالة ارتباط القتل بجنحة ، مما يعني استبعاده إذا كان القتل مرتبطاً بجناية وقد أخذ بهذا الرأي بعض الفقهاء ، وقد يبرر هذا الرأي بخطورة الجاني الذي يستهين بالقتل في سبيل جريمة قليلة الخطورة ؛ وهذه العلة لا تتوافر إذا كان يستهدف بالقتل جريمة خطيرة ولكن هذا الرأي يعيبه أنه يؤدي إلى معاملة من ارتكب القتل ثم أضاف إليه جريمة جسيمة معاملة أخف ممن ارتكبة ثم أضاف إليه جريمة قليلة الجسامة ، على الرغم من أن الأول أكثر خطورة على المجتمع من الثاني : فلا يعقل مثلاً أن يشدد العقاب على من ارتكب القتل تخلصاً من مسئولية سرقة بسيطة ، ولا يشدد على من ارتكب القتل تخلصاً من مسئولية سرقة بإكراه ، وبالإضافة إلى ذلك ، فإن علة التشديد متوافرة في الحالتين : فإذا كانت الجريمة الأخرى جناية فهي في تقدير الشارع أقل جسامة من القتل الذي يستمد خطورته من كونه إزهاقاً لروح ، لذلك يصدق على الجاني أنه ارتكب القتل من أجل جريمة أقل منه خطورة .
شروط التشديد : يتطلب التشديد شرطين أساسيين : ارتكاب جناية أو جنحة إلى جانب القتل ، وتوافر صلة سببية تربط بينهما، وثمة شرط تفرضه طبيعة الأشياء : هو أن يكون المتهم قد ارتكب جناية قتل عمدی غیر مخفف ، فلا تشديد إذا كان القتل مقترناً بعذر أو كان قتلاً غير عمدی .
ولا يتطلب هذا التشديد أن يرتبط القتل والجريمة الأخرى برابطة زمنية أو مكانية ، وفي ذلك ما يميز بينه وبين ظرف الإقتران ؛ ولكن إذا توافرت هاتان الرابطتان أو أحدهما إلى جانب صلة السببية تحقق التشديد من باب أولى، ولا يتطلب هذا التشديد كذلك أن يكون مرتكب القتل والجريمة الأخرى شخصاً واحداً ، فمن الجائز أن يرتكب القتل شخص تمكيناً لشخص آخر من ارتكاب جريمة أو الفرار من مسئوليتها .
ارتكاب جناية أو جنحة : جوهر الظرف المشدد هو التعدد المادي في الجرائم شأنه في ذلك شأن الإقتران، ويقتضي ذلك أن تكون الجريمة الأخرى معاقباً عليها بصفتها جناية أو جنحة ، وأن تكون مستقلة عن القتل .
فاشتراط أن يكون معاقباً عليها بوصفها جناية أو جنحة يعني استبعاد التشديد إذا كان معاقباً عليها بوصفها مخالفة ، ويعني استبعاده كذلك إذا لم يكن معاقباً على الفعل لسريان سبب إباحة عليه أو استفادة مرتكبه من مانع مسئولية أو مانع عقاب، ولا يتوافر التشديد كذلك إذا أخفى القاتل جثة القتيل ، إذ الإخفاء من ذيول القتل وتصرف طبيعي للقاتل ، فلا عقاب عليه إلا إذا صدر عن شخص سواه وإذا علق القانون تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن الجريمة الأخرى على شكوى المجنى عليه ، فإن التشديد لا يكون له محل إلا إذا قدمت الشكوى ولم ينزل عنها مقدمها حتى صدور الحكم البات في الدعوى، ولكن إذا انقضت مدة تقادم الدعوى الناشئة عن الجريمة الأخرى فلا يحول ذلك دون التشديد ، إذ هذه الجريمة تندمج مع القتل في وحدة قانونية لا تقبل التجزئة ، وتكون مدة التقادم التي تسري عليهما معاً هي مدة تقادم الدعوى الناشئة عن القتل .
أما اشتراط استقلال الجناية أو الجنحة عن القتل ، فيعني تعدد الأفعال التي صدرت عن المتهم بحيث يقوم القتل بأحد هذه الأفعال وتقوم الجريمة الأخرى بفعل ثان مستقل ويقتضي ذلك بداهة أن يرتكب الفعل الذي تقوم به هذه الجريمة ، وعلى خلاف ذلك ، فقد ذهب رأي إلى أنه يكفي في التشديد أن يرتكب القتل بقصد تسهيل ارتكاب الجريمة الأخرى ولو لم ترتكب بالفعل ، كما لو قتل شخص حارس بيت لسرقة محتوياته ثم قبض عليه قبل أن يتمكن من ارتكاب السرقة ، وحجة هذا الرأي مستمدة من ظاهر النص ، وخاصة قوله أن القصد من القتل هو « التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها ... » مما يفهم منه اكتفاء الشارع بمجرد اصطحاب تنفيذ القتل بقصد أو باعث معین وهذا الرأي مرجوح : ذلك أن الشارع لا يقيم التشديد على توافر باعث سيء فحسب ، ولكن يقيمه على تعدد الجرائم كذلك ، وهو يفترض علاقة سببية بين طرفين ، فإذا كانت الجريمة الأخرى لم ترتكب ، فلا وجود للطرف الثاني الذي تربط هذه العلاقة بينه وبين القتل، ومن ناحية ثانية فإن الجريمة التي لم تنفذ - ولو في صورة شروع معاقب عليه - ليس لها وجود قانونی ، فلا يجوز أن يعتد بها الشارع على أية صورة ، خاصة وأن تشدید عقاب القتل هو بمثابة عقوبة إضافية مستمدة من عقوبة الجريمة الأخرى ، فإذا كانت هذه الأخيرة لم تنفذ ، فلا عقوبة من أجلها يمكن أن يستمد منها تشديد عقوبة القتل وعلى هذا النحو ، فإن الحد الأدنى المتطلب للتشديد هو أن يصدر عن المتهم شروع في هذه الجريمة معاقب عليه ؛ أما إذا كان ما صدر عنه هو عمل تحضيري أو شروع غير معاقب عليه فلا يقوم بذلك التشديد .
فإذا ثبت العقاب على هذه الجريمة واستقلالها عن القتل توافر الظرف المشدد أياً كان نوعها أو مقدار عقوبتها : فقد تكون جريمة غير عمدية كما لو أصاب المتهم عن غير عمد شخصاً ثم قتل عمداً رجل الشرطة الذي حاول القبض عليه ، وقد تكون مجرد شروع معاقب عليه .
رابطة السببية : رابطة السببية التي يتطلبها الشارع بين القتل والجريمة الأخرى ذات طبيعة نفسية ، وهي تقوم على توافر باعث معين أو مقصد معين لدى القاتل حينما ارتكب جريمته، وقد حدد الشارع صورتين تتوافر فيهما هذه الرابطة : الأولى ، تفترض أن القصد من القتل هو ارتكاب الجريمة الأخرى ، أو حسب تعبير الشارع « التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل »، والثانية ، تفترض أن القصد من القتل هو التخلص من المسئولية الناشئة عن ارتكاب الجريمة الأخرى ، أو حسب تعبير الشارع « مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة »، فمثال الصورة الأولى أن يقتل السارق المجني عليه کی يتمكن من إتمام تنفيذ السرقة ، ومثال الصورة الثانية أن يقتل السارق عقب إتمامه جريمته رجل الشرطة الذي حاول القبض عليه ، أو يقتل من شهد جريمته تخلصا من شاهد إثبات ضده .
ولا تغني عن رابطة السببية رابطة من نوع آخر ، كصلة زمنية ، أو صلة مكانية : وإذا توافرت رابطة السببية كانت كافية لتوافر الظرف المشدد ، فلا يشترط أن تتوافر بالإضافة إليها رابطة من نوع آخر، فقد يباعد الزمن بين الجريمتين دون أن تنفك رابطة السببية بينهما: فيتوافر التشديد في حق من قتل شخصاً كي يسهل سرقة سوف ترتكب بعد عدة أيام إضراراً بتركه المقتول ، وفي حق من سرق ثم لقي بعد وقت طويل من خشى أن يكون شاهد إثبات ضده فقتله .
وتعني رابطة السببية أن القتل كان الوسيلة ، وأن الجريمة الأخرى كانت الغاية ، إذا لا تتوافر علة التشديد إلا في هذا الوضع، أما إذا انعكس الوضع ، فكان القتل هو الغاية والجريمة الأخرى هي الوسيلة فلا يتوافر الظرف المشدد : فلا تشديد على من سرق سلاحاً ثم قتل به ، أو من حمل بدون ترخيص سلاحاً ثم قتل به .
لا يشترط أن يكون المسئول عن الجريمتين شخصاً واحداً : بالنظر إلى الطبيعة النفسية للارتباط فإنه لا يشترط أن يسأل عن الجريمتين شخص واحد ، فيكفي أن يتوافر لدى القاتل القصد الذي حدده القانون ، ولو كان متجهاً إلى تسهيل جريمة اقترفها شخص سواه لا تربطه به صلة مساهمة جنائية : فإذا شهد المتهم شخصاً يحاول السرقة ويتعرض لمقاومة المجني عليه فقتله تمكيناً للسارق من إتمام جريمته توافر بالنسبة له الظرف المشدد ، ذلك أن كل عناصر التشديد قد تحققت ، فقد توافر لدى القاتل القصد الذي حدده القانون ثم تحقق التعدد في الجرائم .
تحديد الجناة : إذا تعدد الجناة وساهموا في الجريمتين معاً كفاعلين ، فإنه يتعين فحص ظرف الإرتباط بالنسبة لكل منهم على حده ، فبالنظر إلى طبيعته النفسية يتصور أن يتوافر بالنسبة لبعضهم دون بعض ، فيسأل من توافر القصد السيء لديه عن الظرف المشدد دون من لم يتوافر لديه وإذا كان بعض المساهمين شركاء فإن الشريك الذي ساهم في الجريمتين معاً وتوافر لديه القصد السيء يكون مسئولاً عن الظرف المشدد أما إذا ساهم الشريك في إحدى الجريمتين فحسب ، فالحكم يختلف باختلاف ما إذا كانت هذه الجريمة هي القتل أم الجريمة الأخرى : فإن كانت القتل وكان يعلم بالغرض منه طبق عليه الظرف المشدد أما إذا كانت الجريمة الأخرى فلا يسأل عن القتل إلا إذا كان نتيجة محتملة لها ، وفي هذه الحالة تطبق عليه القواعد العامة في تعدد الجرائم والعقوبات ، فلا يسأل عن الظرف ، إذ المسئولية عن هذا الظرف تفترض المساهمة في القتل كفاعل أو شريك مع توافر القصد الذي حدده القانون ، لا مجرد المساءلة عنه كنتيجة محتملة .
عقوبة القتل المرتبط بجناية أو جنحة : حدد الشارع هذه العقوبة بالإعدام أو السجن المؤبد (المادة 234من قانون العقوبات ، الفقرة الثانية) .
وتعتبر الجناية أو الجنحة مجرد ظرف مشدد للقتل : فإن كان المسئول عن القتل والجريمة المرتبطة به شخصاً واحداً فلا توقع عليه سوی عقوبة واحدة ، هي التي سلفت الإشارة إليها ، وتعد عقوبة عن الجريمتين معاً ولا يعدل القاضي عن ذلك إلا إذا امتنع العقاب من أجل القتل فاستردت الجريمة الأخرى كيانها كجريمة مستقلة وغدا توقيع العقاب من أجلها واجباً وتوقع هذه العقوبة ولو وقفت الجريمة الأخرى عند الشروع طالما أن القتل قد وقع تاماً أما إذا وقف القتل عند الشروع ، فإن العقوبة السابقة تخفف تطبيقاً المادة 46 من قانون العقوبات ولو كانت الجريمة الأخرى تامة : فالعبرة في تحديد ما إذا كانت الواقعة تامة أم مجرد شروع إنما يكون بالنظر إلى القتل دون الجريمة الأخرى : ذلك أن القتل هو الجريمة الأصلية ، أما هذه فمجرد ظرف مشدد لها .
القتل تنفيذاً لغرض إرهابي :
مضمون التشديد وعلته : نصت المادة 234 من قانون العقوبات في فقرتها الثالثة على أن : تكون عقوبة القتل العمد هي الإعدام إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي ، ويرجع تشديد العقوبة في هذه الحالة إلى توافر قصد خاص إلى جانب قصد القتل يتمثل في نية الإرهاب فالجاني لا تقف إرادته عند حد إزهاق روح المجني عليه ، وإنما تمتد إلى أبعد من ذلك وهو تحقيق الإرهاب من وراء هذا القتل ، كإلقاء الرعب بين جمع من الناس .
المقصود بالإرهاب : نصت المادة 86 من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 97 لسنة 1992 على أنه : « يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع ، يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر ، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر ، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها ، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة : 371 )
عقوبة القتل العمدی :
تختلف العقوبات المقررة للقتل العمدي بحسب ما إذا كان قتلاً عمدياً بسيطاً ، أو صاحبته ظروف ارتأى المشرع أنها تقتضي تشديد العقاب ، أو إذا ارتكب في حالة معينة اقتضت تخفيف العقوبة .
العقوبة المقررة للقتل العمدى البسيط :
يقرر المشرع للقتل العمدي في صورته البسيطة عقوبة السجن المؤبد - أو المشدد (المادة 1/234 من قانون العقوبات)، ومن الواضح أن سلطة القاضي التقديرية في ظل هذا النص سلطة واسعة إذ يستطيع أن يصل بالعقوبة إلى السجن المؤبد ، وأن يهبط بها إلى السجن المؤبد لمدة ثلاث سنوات ، بل إن له - فضلاً عن ذلك – إذا اقتضت أحوال الجريمة الرأفة أن يهبط بالعقوبة إلى السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور تطبيقاً للمادة 17 من قانون العقوبات .
اقتران القتل بجناية
مضمون التشديد وعلته :
يمثل هذا النص خروجاً على القواعد العامة في تعدد الجرائم والعقوبات - المنصوص عليها في المادتين 32، 33 من قانون العقوبات - التي تقضي بتوقيع عقوبة الجريمة الأشد إذا كان بين الجريمتين ارتباط لا يقبل التجزئة ، أو بتعدد العقوبات عند تعدد الجرائم دون أن يتحقق بينها الارتباط - فيقرر توقيع عقوبة أخرى غير عقوبة كل من الجريمتين هي عقوبة الإعدام .
وترجع علة التشديد إلى أن المجرم الذي لا يتورع عن ارتكاب جنايتين خطيرتين إحداهما القتل العمد خلال فترة زمنية قصيرة يعتبر شخصا شديد الخطورة جديراً بالاستئصال .
شروط التشديد :
يتطلب المشرع لتشديد العقاب أن تتحقق عدة شروط :
أولاً : أن يكون القتل جناية :
وهذا شرط يستخلص من سياق نص المادة 234 التي تكلمت في فقرتها الأولى عن عقوبة جناية القتل العمد، البسيط ثم أشارت إلى هذه «الجناية» في فقرتها الثانية التي تضمنت التشديد محل البحث بقولها : ومع ذلك يحكم على فاعل «هذه الجناية»، فالتشديد يفترض ابتداء تحقق جناية قتل .
وإذا وقف فعل الجاني عند حد الشروع واقترن هذا الشروع بجناية أخرى فماذا يكون الحكم ؟ ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الجاني يعاقب هنا بعقوبة السجن المؤبد تطبيقاً للمادة 46 من قانون العقوبات كما ذهب إليه بعض أحكام القضاء .
ويؤدي هذا الحل إلى نتيجة خطيرة وغير منطقية ، وهي أن ظرف الاقتران يصبح في بعض الحالات ظرفاً مخففاً للعقوبة، لأنه لو اقترن الشروع في القتل بجناية أخرى يعاقب عليها القانون بعقوبة الإعدام وترك الأمر للقواعد العامة فلا يوجد سوى فرضين لا ثالث لهما : إما أن يوجد بين الجريمتين ارتباط غير قابل للتجزئة وحينئذ توقع عقوبة الجريمة الأشد وهی الإعدام ، وإما ألا يوجد هذا الارتباط فتوقع على الجاني كلتا العقوبتين ومنهما الإعدام أما وفقا لهذا الرأي فيستفيد المجرم من الإقتران إذ توقع عليه عقوبة واحدة هي السجن المؤبد .
لذلك نرى أنه إذا لم تتحقق جناية القتل التام ووقف الأمر عند حد الشروع في القتل ينحسر الظرف المشدد ويعود الحكم خاضعاً للقواعد العامة .
وإذا كان ما وقع من المتهم هو القتل العمدي الذي تعتبره المادة 237 ع جنحة لتوافر العذر القانوني الذي نصت عليه ، أو إذا كانت الجريمة جنحة قتل غير عمدي ، فإن اقترانه بجناية أخرى لا يتحقق به ظرف التشديد ، وإنما تطبق عليه القواعد العامة في تعدد العقوبات .
ثانياً : أن يرتكب الجاني جناية أخرى :
يجب لتوافر الظرف المشدد أن يكون الجاني قد ارتكب ، فضلاً عن جناية القتل ، جناية أخرى من أي نوع ، كضرب أفضى إلى الموت ، أو جناية من جنايات السرقة ، أو حتى جناية قتل أخرى وسواء أكانت جريمة تامة أم مجرد شروع مادام الشروع يعتبر جناية أما إذا كانت الجريمة الأخرى جنحة فلا يتحقق هذا الشرط حتى ولو كانت الجريمة الأخرى في أصلها جناية ولكنها في ظروف الواقعة اعتبرت جنحة لتوافر عذر قانوني ، كجنحة القتل المنصوص عليها في المادة 237 من قانون العقوبات .
ويجب أن تكون الجناية الأخرى معاقباً عليها ، ذلك أن سبب التشديد هو ارتكاب الجاني جنايتين واستحقاق العقاب عن كل منهما ، فقرر المشرع لهما معاً عقوبة واحدة مشددة يدخل في نطاقها عقابه عن الجريمتين ، وعلی ذلك ، فإذا كانت الجناية الأخرى لا عقاب عليها لسبب يتعلق بالمتهم ، كتوافر سبب إباحة أو مانع من موانع المسئولية الجنائية أو مانع عقاب ، أو كانت الجناية الأخرى مما يعلق القانون تحريك الدعوى الناشئة عنها على شكوى المجني عليه ، ولم تقدم الشكوى أو قدمت وتنازل عنها الشاكي قبل أن يصبح الحكم نهائياً ، في جميع هذه الأحوال لا تتحقق شروط الظرف المشدد .
كذلك يجب أن تكون الجناية الأخرى مستقلة بجميع عناصرها عن جناية القتل ، وبناءً على ذلك لا يتحقق ظرف التشديد إذا قام الجاني بفعل واحد ترتبت عليه نتیجتان، كما لو أطلق رصاصة فأصابت رجلين ، إذ نكون في هذه الحالة بصدد تعدد معنوی فتوقع العقوبة الأشد تطبيقاً للفقرة الأولى من المادة 33 من قانون العقوبات ، كذلك لا يتحقق الظرف المشدد إذا كان الجاني قد ارتكب عدة أفعال لم تقع بها إلا جريمة واحدة ، فإذا كان القتل عنصراً من عناصر جريمة أخرى كما لو كان هو وسيلة الإكراه في جناية السرقة بالإكراه فإن الظرف المشدد لا يتوافر ذلك أن جناية السرقة بالإكراه هنا ليست مستقلة بجميع عناصرها عن جناية القتل بحيث يمكن القول بارتكاب الجاني جناية أخرى إلى جانب القتل العمد ، وإنما يعتبر القتل ركناً من أركانها .
وإذا تحقق وجود الجناية الأخرى إلى جانب جناية القتل ، فإنه لا يحول دون توافر الظرف المشدد أن يكون كل من الجريمتين قد ارتكب تنفيذاً لمشروع إجرامي واحد أو لتحقيق غرض واحد ، أو بناءً على تصميم جنائية واحد ، أو تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة .
ثالثاً : الإقتران بين الجنايتين :
لا تكتمل شروط الظرف المشدد إلا إذا كانت هناك صلة تربط بين جناية القتل والجناية الأخرى وهذه الصلة تتمثل في الارتباط الزمني بينهما بأن تكونا قد ارتكبتا في فترة زمنية واحدة ، أي لا يفصل بينهما غير وقت قصير وهذا الشرط يستند إلى علة التشديد وهي خطورة الجاني الذي لا يتورع عن ارتكاب جنايتين في زمن قصير .
التشديد في حالة تعدد الجناة :
الفرض أن من يرتكب الجريمتين المقترنتين شخص واحد ، ولكن قد يحدث أن يتعدد المساهمون في كل من الجريمتين أو في إحداهما فيثور التساؤل عن مدى تحقق الظرف المشدد بالنسبة لكل منهما .
لا صعوبة في الأمر إذا كان كل من المساهمين قد ساهم في كل من الجريمتين إذ يتحقق الظرف المشدد بالنسبة لكل منهم ، أياً كانت صورة مساهمته في كل من الجريمتين ، فيستوي أن يكون فاعلاً أو شريكاً في كل منهما أو أن يكون فاعلاً في جريمة وشريكاً في أخرى .
ولكن الصعوبة تثور إذا كان أحد المساهمين قد ساهم في إحدى الجريمتين دون الأخرى ، فهل يتوافر بالنسبة له ظرف الاقتران ؟ يتحقق هذا الظرف إذا كانت الجريمة الأخرى نتيجة محتملة للجريمة الأولى ، فإذا لم تكن كذلك اقتصرت مسئوليته على الجريمة التي ساهم فيها، وعلى ذلك إذا دخل عدة أشخاص يحملون سلاحاً في أحد المنازل ليلاً لإرتكاب السرقة فقاوم صاحب المنزل أحدهم فقتله ، فإن ظرف الاقتران يتوافر بين القتل وجناية السرقة بالنسبة للقائل باعتباره قد ارتكب كلاً من الجريمتين، كذلك يتوافر بالنسبة للمساهمين معه في السرقة لأن القتل كان نتيجة محتملة للسرقة، أما إذا دخل عدة أشخاص إلى منزل القتل صاحبه، وبعد ارتكاب الجريمة ارتكب أحدهم جريمة هتك عرض بالقوة فإنه وحده الذي يتحقق بالنسبة له ظرف الاقتران ، أما الباقون فلا يتوافر بالنسبة إليهم هذا الظرف نظرا لأن هتك العرض لم يكن نتيجة محتملة للقتل .
إرتباط القتل بجناية أو جنحة
مضمون التشديد وعلته :
نص المشرع على هذا الظرف المشدد لعقوبة القتل العمد في الشق الثاني من الفقرة الثانية من المادة 234 ع بقوله : « وأما إذا كان القصد منها - أي من جناية القتل العمد - التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو بالسجن المؤبد»، ويمثل هذا التشديد خروجاً على القواعد العامة في تعدد الجرائم والعقوبات ، إذ قرر المشرع توقيع عقوبة واحدة مشددة على القاتل ، ويلتقي الارتباط مع ظرف الاقتران من هذه الوجهة .
وترجع علة تشديد العقاب إلى أن الجاني وقد استهان بجريمة القتل إلى الحد الذي جعله يقدم عليها كوسيلة لارتكاب جريمة أخرى أقل خطورة أو تسهيلها أو الفرار منها ، إنما يعتبر شخصاً شديد الخطورة جديراً بتشديد العقاب .
شروط التشديد :
يتطلب المشرع لتشديد العقاب توافر عدة شروط :
أن يكون القتل جناية :
يؤدي سياق نص المادة 234 إلى أن المشرع يتطلب لتشديد العقاب أن يكون القتل المرتكب جناية ، ويترتب على ذلك أنه إذا كان القتل مقترناً بالعذر المنصوص عليه في المادة 237 ع أو كان القتل غير عمدي ، فإن هذا الشرط يتخلف إذ يعتبر القتل في هاتين الحالتين جنحة فيخضع التعدد للقواعد العامة في تعدد الجرائم والعقوبات .
جناية أخرى أو جنحة :
تكلم المشرع في الشق الثاني من الفقرة الثانية من المادة 234 عن القتل المرتبط بجنحة وقد ذهب بعض الفقهاء إلى الأخذ بظاهر النص والقول بأن التشديد لا يتحقق إلا إذا كان القتل مرتبطاً بجنحة أما إذا كان مرتبطاً بجناية فلا مجال للتشديد ، وحجتهم في ذلك أن علة التشديد ترجع إلى خطورة الجاني الذي يستهين بالقتل في سبيل ارتكاب جنحة ويؤخذ على هذا الرأى أنه يؤدي إلى أن يكون المشرع أكثر رفقاً بالقاتل الذي يرتكب القتل تخلصاً من المسئولية عن جناية منه بالنسبة للقاتل الذي يرتكب القتل تخلصاً من المسئولية عن جنحة .
ويذهب الفقه السائد – بحق - إلى القول بأن ظرف التشديد يتحقق سواء كانت الجريمة الأخرى جنحة أو جناية ، استناداً إلى أن علة التشديد تتوافر في الحالتين وهي خطورة مسلك القاتل الذي يرتكب القتل العمد كوسيلة لارتكاب جرائم أخرى أو للتخلص من المسئولية عنها .
هل يشترط أن تقع الجناية أو الجنحة فعلاً :
يثور التساؤل بصدد هذا الظرف عما إذا كان المشرع يتطلب لتوافره أن تكون الجريمة الأخرى قد وقعت فعلاً ، أم يكفي أن يكون القاتل قد استهدف بالقتل وقوعها ولو لم تقع ؟
يذهب الرأي الغالب إلى اشتراط وقوع الجناية أو الجنحة التي ارتكب من أجلها القتل ، سواء وقعت تامة أو في صورة شروع معاقب عليه وسواء كانت عمدية أو غير عمدية ، ويرتبون على هذا الرأي عدة نتائج هي :
أولاً : أن تكون الجريمة الأخرى مستقلة عن جريمة القتل ومتميزة عنها ، فلا يتوافر الظرف المشدد في حالة إخفاء القاتل جثة القتيل إذ أن الإخفاء يعتبر من ذيول القتل ولا يعاقب عليه إلا إذا وقع ممن لا يسأل عن القتل .
ثانياً : أن تكون الجريمة الأخرى معاقباً عليها ، فلا يتحقق الظرف إذا كانت غير معاقب عليها لتوافر سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب ، فلا يشدد العقاب إذا ارتكب شخص جريمة القتل ليسهل عليه إخفاء زوجه أو أصله أو فرعه من وجه القضاء (م 144 ع) ، كذلك لا يتحقق الظرف ولو كانت الجريمة معاقباً عليها إذا كان تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عنها معلقاً على شكوى المجنى عليه ولم تقدم الشكوى ، أو قدمت وتنازل عنها الشاكي قبل صدور الحكم البات في الدعوى .
ولكن الظرف يظل قائماً ولو انقضت الدعوى الناشئة عن الجريمة الأخرى بمضي المدة لأن العبرة بوقت ارتكاب الجناية .
ونحن نرفض هذا الرأي ونرى - مع فريق من الفقه أن المشرع لم يتطلب وقوع الجريمة الأخرى حتماً وإنما اكتفى بأن يثبت اتجاه قصد الجاني - بارتكاب القتل - إلى تسهيل ارتكاب الجريمة الأخرى ولو لم ترتكب فعلاً ، مثال ذلك أن يقتل شخص حارس منزل بقصد ارتكاب السرقة ثم يقبض عليه قبل أن يبدأ في تنفيذها ونحن نستند في تدعيم هذه الوجهة إلى عدة أمور :
الأول : أن نص المادة 234 صريح في كون التشديد متعلقاً بتوافر قصد التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها .. إلخ . والمقصود بلفظ القصد هنا الدافع إلى ارتكاب القتل أو الباعث عليه فالشارع هنا يعتد بالباعث استثناء ، ويجعل من توافره ظرفاً مشدداً للعقوبة ، ولا يحول دون ذلك كونه أمراً نفسياً داخلياً، فسبق الإصرار حالة ذهنية داخلية ومع ذلك اعتبره المشرع ظرفاً مشدداً العقوبة القتل العمد، كذلك لا يحول دون اعتبار الباعث ظرفاً مشدداً صعوبة إقامة الدليل عليه ، فصعوبة الإثبات لا يصح أن تكون حجة لإهدار حكم قانونی .
الثاني : أن المشرع اكتفى لتوافر الظرف بأن يكون القصد من القتل التأهب لفعل جنحة ، والتأهب لا يعني أكثر من الاستعداد أو التحضير للجنحة ، وهو أمر سابق على ارتكابها بالفعل أو حتى الشروع فيها ، ففي هذا الفرض يتحقق الظرف المشدد دون أن ترتكب الجريمة الأخرى فعلاً أو يشرع فيها .
الثالث : أن المشرع عبر عن توافر الظرف المشدد بقوله : إذا كان القصد منها - أي جناية القتل - التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل ولما كانت أو تفيد المغايرة فإن هذا يعني أن ارتكابها بالفعل يغاير ما قبله وهو التأهب أو التسهيل ، مما يعني أن الظرف يتوافر ولو لم ترتكب الجنحة بالفعل .
ويترتب على هذا الرأي أن يتوافر الظرف المشدد بتحقق الباعث المحدد قانوناً ، ولو وجد مانع من موانع المسئولية أو مانع عقاب ، أو كانت الدعوى الناشئة عن الجريمة مما يتوقف تحريكها على شكوى المجني عليه ولم تقدم الشكوى أو قدمت وتنازل عنها الشاكي ، أو كانت الدعوى الناشئة عن الجريمة الأخرى قد انقضت بمضي المدة ، ولكن الظرف المشدد ينتفي إذا توافر سبب من أسباب الإباحة لأن أسباب الإباحة تنفي عن الفعل صفة عدم المشروعية مثال ذلك أن يقتل الجاني شخصاً كان يحول بين المعتدي عليه وبين الدفاع عن نفسه تمكيناً للمعتدى عليه من الدفاع ، إذ لا يتوافر حينئذ لدى القائل «قصد التأهب لفعل جريمة أو تسهيلها أو ارتكابها» .
رابطة السببية :
يتطلب المشرع لتحقق الظرف المشدد قیام علاقة سببية بين القتل وأحد الأمور التي عددتها المادة 234 وهي التأهب للجريمة وتسهيلها وارتكابها ومساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة، وهذه العلاقة ذات طبيعة نفسية إذ تقوم على باعث الجاني إلى القتل .
وتتخذ السببية إحدى صورتين : الأولى : أن يقع القتل قبل ارتكاب الجريمة الأخرى إما للتأهب لها أو لتسهيلها أو لإرتكابها بالفعل، الثانية : أن يقع القتل بعد ارتكاب الجريمة الأخرى بغية مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة، مثال الحالة الأولى أن يقتل الجاني حارس المنزل حتى يسهل عليه دخوله للسرقة، ومثال الحالة الثانية أن يرتكب شخص جناية أو جنحة ثم يقتل شاهد الإثبات الوحيد ليتجنب شهادته وبالتالي يتخلص من العقاب .
وغني عن البيان أن المشرع يتطلب أن يكون القتل هو وسيلة الجاني إلى الجريمة الأخرى وليس العكس ، وعلى ذلك فلا يتوافر الظرف المشدد إذا ارتكب شخص جريمة حمل سلاح بدون ترخيص لاستخدامه في جريمة قتل ، أو من يضرب الحارس الذي لاحقه ليهرب بعد ارتكابه جريمة قتل .
كذلك ينتفى الظرف المشدد إذا لم تتوافر رابطة السببية بين القتل والجريمة الأخرى ، وذلك إذا لم يكن قصد الجاني من القتل ارتكابها أو التخلص من عقوبتها ، كما إذا ارتكب الجاني القتل انتقاما من المجني عليه ، ثم خطر له أن يسرق ما معه ففعل .
وتحقق صلة السببية يكفى لقيام الظرف المشدد ، فلا يشترط أن تقوم إلى جانب ذلك صلة زمنية أو مكانية ، فقد يفصل بين الجريمتين زمن طويل ، كما قد تقع كل منهما في مكان مختلف .
فإذا تحقق إلى جانب الارتباط السببي رابطة زمنية وكانت الجريمة الأخرى المقصودة بالقتل جناية ارتكبت فعلاً يتوافر ظرفا الاقتران والارتباط فتوقع على الجاني العقوبة الأشد وهي العقوبة التي يقررها المشرع في حالة الاقتران .
ولما كانت صلة السببية شرطاً من شروط توافر الظرف المشدد فإنه يجب على المحكمة أن تعنى باستظهارها ، فتثبت أن ارتكاب القتل كان لأحد المقاصد المبينة في النص ، وإلا كان الحكم قاصراً متعيناً نقضه .
هل يشترط أن يكون مرتكب القتل والجريمة الأخرى شخص واحد :
لما كان أساس هذا الظرف المشدد عاملاً نفسياً يتمثل في الباعث على القتل ، فإنه لا يشترط أن يكون القاتل هو نفسه الذي ارتكب الجريمة الأخرى ، فقد يرتكب شخص القتل ليسهل لغيره ارتكاب السرقة مثلاً أو ليمكنه من الهرب بعد ارتكابها .
أثر ظرف الارتباط :
رتب المشرع على توافر ظرف، الارتباط تشديد عقوبة القتل العمد فجعلها الإعدام أو السجن المؤبد ، ويلاحظ أن ظرف الارتباط - على العكس من طرف الاقتران - ظرف شخصی لاتصاله بباعث الجاني على القتل ، وعلى ذلك فإنه إذا تعدد المساهمون في القتل - فاعلين أو شركاء - فإن العقوبة لا تشدد إلا على من يثبت منهم أنه قد توافر لديه أحد المقاصد المبينة في النص دون غيره .
وإذا كان مرتكب الجريمة الأخرى شخصاً آخر غير القاتل ، فإنه لا يسأل عن القتل إلا إذا كان نتيجة محتملة لفعله، وهو يسأل عنه وفقاً للقواعد العامة في التعدد ، فلا يسأل عن الظرف المشدد إذ المسئولية عن القتل المشدد لا تقع إلا على عاتق من ساهم فيه كفاعل أو كشريك مع تحقق الباعث المنصوص عليه .
ارتكاب القتل تنفيذاً لغرض إرهابي :
وتشديد العقوبة في هذه الحالة يرجع إلى توافر قصد خاص إلى جانب قصد القتل يتمثل في نية الإرهاب فالجاني لا تقتصر إرادته على الاتجاه إلى إزهاق روح المجني عليه وإنما تمتد إلى أبعد من ذلك فهي تتجه إلى تحقيق الإرهاب من وراء هذا القتل ، كإلقاء الرعب بين أفراد فئة من الناس .
المقصود بالإرهاب :
نصت المادة 86 من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 97 لسنة 1992 على أنه : «يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع ، يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر ، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة ، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة ، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها ، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح» . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 398 )
شروط الاقتران :
يتطلب القانون لتوافر الاقتران ارتكاب جناية أخرى مستقلة عن جريمة القتل، وتعاصرها مع القتل، ووحدة الجاني .
أولاً : ارتكاب جناية أخرى :
يتعين لتوافر هذا الظرف المشدد أن يقترن القتل بارتكاب جناية أخرى ولا يتطلب القانون نوعاً معيناً من الجنايات ، فيستوي اقتران القتل بجناية من الجنايات التي تنطوي على اعتداء على المصلحة العامة أو تلك التي تنطوي على اعتداء على مصالح الأشخاص .
كما قد تكون الجناية المقترنة قتلاً ويستوي في هذه الجناية أن تكون تامة أو شروعاً. وكل ما يشترط أن تقع هذه الجناية بالفعل، فلا يكفي مجرد ارتكاب القتل بباعث ارتكاب الجناية .
والعبرة في وصف الجناية هي بما تنتهي إليه المحكمة لا بما يرد في أمر الإحالة ، فإذا رأت المحكمة أن الجناية المقترنة هي في حقيقتها جنحة لا يتوافر هذا الظرف المشدد، دون إخلال بتوافر ظرف القتل المرتبط بجنحة .
ثانياً : وجوب ألا تكون الجناية المقترنة مشتركة مع القتل في أحد عناصره :
ويشترط ألا تكون الجناية المقترنة بالقتل مشتركة معه في أي عنصر من عناصره ولا في أي ظرف من ظروفه التي يعتبرها القانون عاملاً مشدداً للعقاب وبعبارة أخرى يتعين أن تتعدد الأفعال المادية التي قارفها الجاني ولو كانت الأفعال قد وقعت أثناء مشاجرة واحدة، بل ولو كانت لم ترتكب إلا لغرض واحد أو بناءً على قصد جنائي واحد أو تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة ، إذ العبرة هي بتعدد الأفعال وتميزها بعضها عن بعض بالقدر الذي يعد به كل منها مكوناً لجريمة مستقلة، بحيث يوصف أحدها بأنه جناية قتل والآخر جناية أخرى، فلا يكون القتل مستقلاً عن الجناية الأخرى في حالة ما إذا كانت الجريمتان قد وقعتا بفعل واحد، وهي حالة التعدد المعنوي، كمن يطلق عياراً نارياً واحداً فيودي بحياة أكثر من شخص، أو من يلقي حجراً من عل فيقتل عدة أشخاص، أو يلقي بقنبلة فتصيب أكثر من شخص كما لا يتحقق الاستقلال بين الجريمتين إذا كان القتل عنصراً من عناصر الجناية الأخرى، كما هي الحال في جناية السرقة بالإكراه حين تكون وسيلة الإكراه فيها هي القتل .
وعلة اشتراط استقلال الجناية عن القتل هي عدم محاسبة الجاني مرتين عن فعل واحد وفي هذه الحالة إذا تجردت السرقة من عنصر الإكراه قد تصبح جنحة إذا لم يتوافر ظرف مشدد آخر يرفعها إلى مصاف الجنايات، فتعد الواقعة قتلاً عمداً مرتبطاً بجنحة مما تنطبق عليه المادة 234/ 2 عقوبات .
ثالثاً : التعاصر الزمني :
يتعين توافر تعاصر زمني بين القتل والجناية الأخرى ولا يتطلب القانون فترة زمنية معينة لتوافر الاقتران، بل كل ما يشترط هو أن يقع القتل والجناية الأخرى في فترة زمنية يصح معها القول بأنهما متعاصرتان وفي هذا المعنى تقول محكمة النقض إن معنى الاقتران هو المصاحبة الزمنية، وهي لا تتطلب أن يكون بين الجنايتين أي فارق زمني على الإطلاق ويستوي أن تكون الجناية قد تقدمت القتل أو تلته أو وقعت معه في وقت واحد .
وتقدير توافر هذه الرابطة الزمنية أمر متروك لتقدير محكمة الموضوع، وتسترشد في تقديرها بمدى جرأة الجاني على القتل حين يقدم في وقت واحد على ارتكاب أكثر من جناية إحداها جناية قتل .
رابعاً : وحدة الجاني :
يتعين بطبيعة الحال أن يكون المسئول عن الجريمتين شخصاً واحداً ، سواء بوصفه فاعلاً أصلياً أو شريكاً في الجريمتين أو فاعلاً في إحداهما وشريكاً في الأخرى، فعلى ذلك لا يتحقق الاقتران إذا ارتكب الجاني القتل لتمكين شخص آخر من الهرب عقب ارتكابه جناية، أو إذا توجه الجاني مع آخر لقتل المجني عليه وبعد ارتكاب القتل هتك زميله عرض ابنة المجني عليه بالقوة، فهنا لا يسأل الأول إلا عن قتل عمد، بينما يسأل الثاني عن قتل مقترن بجناية هتك عرض .
وقد يتعدد المسئولون عن الجريمتين، إذا ما أثبت الحكم على نحو كاف صدور القتل المقترن بجناية من الجناة من الناحيتين المادية والمعنوية ولا يعد المساهمون في القتل مسئولين عن القتل المقترن بجناية أخرى ما لم يكونوا في ذات الوقت مساهمين في هذه الجناية .
ما لا يشترط :
يكفي لتغليظ العقاب، عملاً بهذا الظرف المشدد أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المعاصرة الزمنية بينهما .
ولا يتطلب القانون فوق هذا اشتراط نوع معين من الارتباط السببي بين الجناية والقتل، أو ارتكاب الجريمتين في مكان واحد، أو وحدة المجني عليه فيهما، أو ارتكابهما تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة .
كذلك لا محل للنص في منطوق الحكم على الجريمة المقترنة، إذ العبرة بالجريمة الأصلية التي اقترنت بها، ذلك لأن الجريمة الأولى هي ظرف مشدد للجريمة الثانية .
أثر الظرف المشدد :
إذا توافر هذا الظرف المشدد كانت العقوبة هي الإعدام (المادة 234/ 2 عقوبات)، ويلاحظ أن الجناية المقترنة تذوب في جناية القتل المقترن فتصبح مجرد ظرف مشدد فيها، فلا يجوز بعد ذلك توقيع عقوبة مستقلة لها ومع ذلك فإذا لم تثبت جريمة القتل استردت الجناية المقترنة استقلالها ويتعين معاقبة المتهم عليها، وتعد الدعوى الجنائية مرفوعة على المتهم بشأن هذه الجناية، مما يجب معه على المحكمة أن تفصل فيها وهذه القاعدة تنطوي على خروج عن القواعد العامة في تعدد الجرائم، حيث يتعين توقيع عقوبة الجريمة الأشد في حالة الارتباط الذي لا يقبل التجزئة .
ارتباط القتل بجنحة :
يشترط لتوافر هذا الظرف المشدد فضلاً عن وقوع جناية القتل أن يكون هناك ارتباط سببي بين قتل عمد أو جنحة أو جناية .
شروط التشديد :
أولاً : ارتكاب جنحة (أو جناية) : اقتصر النص على تشديد عقوبة القتل المرتبط بجنحة، ولكن يتعين - تفسيراً للنص - مد نطاق التشديد إلى القتل المرتبط بجناية من باب أولى مادام لم يتوافر فيها شرط الاقتران بالقتل، وخاصة أن هذا التفسير لا ينحرف عن حكمة التشديد، وهي استهتار الجاني بالأرواح في سبيل جريمة أخرى ولا يشترط في هذه الجريمة أن تكون من نوع معين، ويستوي أن تكون عمدية أو غير عمدية ومهما كانت جسامة هذه الجريمة فهي أقل جسامة من القتل بوصفه اعتداء على الحق في الحياة فخطورة الجاني متوافرة من إقدامه على إزهاق الأرواح لارتكاب أية جريمة مهما كانت جسامتها في نظر القانون .
ويستوي أن تقع الجنحة المرتبطة كجريمة تامة أو كشروع فيها، فالخطورة الإجرامية المتوافرة لدى الجاني في حالة الارتباط مستمدة من تعدد الجرائم لا من مجرد النوايا، فإذا انصرفت نية الجاني إلى ارتكاب جريمة من وراء القتل دون أن يقدم على البدء في تنفيذها - أصبحنا في نطاق البواعث على الجريمة دون أن نصل إلى حد القتل المرتبط بجريمة أخرى .
على أنه يشترط في الجناية أو الجنحة سواء وقعت تامة أو في حالة الشروع أن تكون معاقباً عليها، فلا محل للتشديد إذا كانت غير معاقب عليها لسبب من أسباب الإباحة أو المانع من موانع المسئولية أو المانع من موانع العقاب .
ويلاحظ أنه متى وقعت الجريمة المعاقب عليها المرتبطة بالقتل فقدت استقلالها وامتزجت مع القتل بحيث أصبحت تكون معه حركة إجرامية واحدة غير قابلة للتجزئة، وبناء على ذلك، فإن التنازل عن الشكوى (كما في السرقة بين الأصول والفروع) أو الطلب عن هذه الجريمة بعد وقوع القتل لا يؤثر على توافر الظرف المشدد، لأن القيد الإجرائي ليس قيداً على الجريئة كواقعة إجرامية، وإنما مجرد قید على مباشرة الدعوى الجنائية .
ثانياً : الارتباط السببي : لا يتوافر الظرف المشدد إلا إذا ارتبطت الجنحة أو جناية بالقتل ارتباطاً سببياً معيناً، بأن يرتكب القتل من أجل الجنحة أو الجناية، لا أن ترتكب هذه الجريمة من أجل القتل، فيجب قيام رابطة السببية بين القتل والجنحة، ولا تكفي العلاقة الزمنية بينهما .
ويتحقق الارتباط السببي إذا اتجه قصد الجاني إلي القتل نحو أمرين :
الأول : التأهب لارتكاب جنحة أو جناية أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل .
مثال ذلك حارس الطريق الذى يقتل أحد رجال الشرطة بقصد تمكين زملائه من ارتكاب السرقة ، أو قتل بواب المنزل من أجل التمكن من دخوله وسرقته . ويقتضي هذا الشرط أن يكون الجاني قد توافر لديه القصد الجنائي اللازم لارتكاب الجنحة أو الجناية ، وأنه قد ارتكب القتل تنفيذاً لهذا القصد ، مما مؤداه أن يكون القتل قد ارتكب في سبيل جريمة عمدية .
وليس محتماً أن يكون القتل نتيجة محتملة لارتكاب الجنحة وفقاً للمجرى العادي للأمور .
الثاني : مساعدة مرتكبي الجنحة أو الجناية أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة : مثال ذلك من يقتل أحد رجال الشرطة لمنعه من القبض علي المتهم بجناية أو جنحة .
والفصل في تقدير قيام الارتباط من عدمه مسألة موضوعية تستقل بحسمها محكمة الموضوع.
ما لا يشترط
لا يتطلب القانون توافر رابطة مكانية أو زمنية معينة بين القتل والجريمة الأخرى اكتفاء بتوافر الارتباط السببي المذكور، ولكن إذا توافرت الرابطة الزمنية وكان الارتباط السببي متوافراً بين القتل وجناية أخرى، فإنه يتعين مساءلة الجاني عن قتل بالاقتران بالارتباط، ويبين من ذلك أن فائدة القول بجواز حصول القتل مرتبطاً بجناية أسوة بالجنحة لا تتحقق إلا إذا لم يتوافر التعاصر الزمني بين القتل والجناية .
كما لا يتطلب القانون وحدة الجناة، خلافاً لما قررنا بشأن القتل بالاقتران، فقد يرتكب الجاني القتل من أجل تمكين غيره من ارتكاب جنحة أو جناية أو الفرار منها . وبعبارة أخرى فإنه لا يشترط لمسائلة القاتل عن القتل بالارتباط أن يكون مساهماً في ارتكاب الجنحة أو الجناية المرتبطة، فإذا ارتكب الجاني جناية القتل لمنع مقاومة شخص آخر ارتكب سرقة ولاذ بالفرار، فإن القتل المرتبط يكون متوافراً، وذلك أن علة التشديد لا ترجع إلى مساهمته في ارتكاب هذه الجريمة الأخيرة وإنما إلى باعثه السيئ الذي ينبئ عن حالة الإستهتار التي تكمن في ارتكابه القتل في سبيل جريمة أخرى .
إذا توافر الظرف المشدد كانت العقوبة هي الإعدام أو السجن المؤبد (المادة 234/ 2عقوبات)، وغني عن البيان أنه إذا كان الجاني قد ارتكب القتل والجريمة المرتبطة معاً فإنه لن توقع عليه غير العقوبة المذكورة، هذا بخلاف من يرتكب الجريمة المرتبطة وحدها، فإنه يسأل عن هذه الجريمة دون القتل، إلا إذا كان قد ساهم فيه سواء بوصفه فاعلاً أو شريكاً، أو كان شريكاًمع القاتل في ارتكاب الجريمة المرتبطة وكان القتل نتيجة محتملة لهذه الجريمة الأخيرة (المادة 43 عقوبات) . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة : 89 )
عناصر التشديد :
يلزم لتوافر الظرف المشدد محل البحث مما يأتي :
أولاً : أن يرتكب الجاني جناية قتل عمد وأن يثبت مسئوليته عنها، وعليه فلا مجال لإعمال الظرف المشدد إذا كانت الواقعة المرتكبة هي جنحة قتل خطأ أو جنحة قتل عمد لتوافر عذر قانوني مخفف وجوبي كما هو الشأن بالنسبة لجريمة القتل المنصوص عليها في المادة 237 عقوبات .
غير أن التشديد بالنسبة للقتل العمد المرتكب من حدث تزيد سنه عن الخامسة عشرة وتقل عن الثامنة عشرة، باعتبار أن عذر صغر السن لا يؤثر على طبيعة الجناية المرتكبة بعكس العذر الوارد في المادة 237 مع ملاحظة أن عذر صغر السن من شأنه أن يخفف أيضاً العقوبة المشددة من الإعدام إلى السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات .
ويلزم أيضاً أن يكون الجاني قد ثبت مسئوليته العمدية عن جريمة القتل، ولذلك لا محل للتشدد إذا انتفت المسئولية الجنائية لأي سبب من الأسباب وانتفاء القصد الجنائي بالنسبة للنتيجة المتمثلة في إزهاق الروح .
ويلزم أيضاً أن تكون جناية القتل تامة، فإذا وقفت عند حد الشروع المعاقب عليه عوقب الجاني بالتطبيق للمادة 46 عقوبات على أساس أن العقوبة للجريمة التامة هي الإعدام .
ويكفي أن يكون الجاني له صفة المساهم في جناية القتل والجناية الأخرى دون تطلب أن تكون له صفة الفاعل في الاثنين معاً أو في أحداهما .
ثانياً : ارتكاب جناية أخرى :
يلزم لتوافر الظرف المشدد أن يحقق الجاني إلى جانب القتل العمد جناية أخرى أياً كان نوعها .
وسواء كانت تامة أم وقعت في شكل شروع معاقب عليه، فقد تكون هذه الجناية الأخرى هي قتل عمد أو جناية ضرب مفض إلى موت أو إلى عاهة مستديمة، أو جناية حريق عمد، أو سرقة بإكراه أو غير ذلك .
ولكن يجب أن تكون تلك الجناية قد توافرت لها أركانها المستوجبة للعقاب، ولذلك لا يتحقق هذا الشرط إذا كانت تلك الجناية غير معاقب عليها لانتقاء المسئولية عنها، أو لوجود مانع من موانع العقاب كتزوج الخاطف بمن خطفها والإبلاغ بالنسبة لبعض الجرائم .
ويكفي أن يكون الجاني مساهماً في الجناية تحت أي وصف، وتثبت مسئوليته بهذا الوصف عن الجنايتين سواء بوصفه فاعلاً في إحداهما أو شريكاً في الأخرى أو العكس .
ثالثاً : التعاصر الزمني :
يشترط لإعمال التشديد أن يكون هناك اقتران زمني بين جناية القتل والجناية الأخرى، ويقصد بالاقتران التعاصر الزمني الذي يقوم على وجود رابطة زمنية بين الجنايتين .
وتتوافر تلك الرابطة إذا كانت الجنايتان قد وقعتا في وقت واحد دون أن يفصل بينهما فاصل زمني كبير وتقدير ذلك منوط بمحكمة الموضوع تحت رقابة محكمة النقض .
ويستوي في تحقيق التعاصر الزمني أن تكون إحدى الجنايتين أسبق من الأخرى، أو يكون الجاني قد حققهما في لحظة واحدة، ولذلك نص المشرع على توافر الظرف المشدد إذا تقدم القتل أو اقترن به أو تلاه جناية أخرى .
ومؤدي الاقتران الزمني بين الجنايتين هو أن تكون الجناية الأخرى مستقلة في وجودها القانوني عن جناية القتل ولذلك لا مجال لإعمال الظرف المشدد في محيط التعدد المعنوي بين الجرائم حيث يحقق الجاني بسلوك واحد أكثر من جريمة .
كذلك لا مجال لإعمال التشديد في صدد التوحيد القانوني بين الجرائم حيث يجمع المشرع في نموذج تجريمي واحد أكثر من جريمة تدخل أحداها كعنصر من عناصر تكوينها كما في حالة السرقة بالإكراه إذا تمثل الإكراه في القتل .
ومتى كانت الجنايتان تستقل كل منهما عن الأخرى في العناصر المكونة لها فيكفي للتشديد التعاصر الزمني بغض النظر عن وجود أي عنصر من عناصر الارتباط الأخرى خلاف الزمن، ولذلك يتحقق التشديد ولو كانت الجناية الأخرى مرتبطة بالقتل ارتباطاً لا يقبل التجزئة، أو كانت غير مرتبطة .
العقوبة :
إذا توافرت الظرف المشدد الخاص بالاقتران فإن عقوبة القتل العمد تكون الإعدام، ولا يعاقب على الجناية الأخرى المقترنة باعتبار أن المشرع قد أخذها كظرف مشدد لعقوبة القتل وبالتالي فإن العقوبة المغلظة تستغرق العقوبة المقررة للجناية المقترنة .
ويراعي بالنسبة للشريك أن المشرع نص في المادة 235 عقوبات على أن المشاركين في القتل الذي يستوجب الحكم على فاعله بالإعدام يعاقبون بالإعدام أو بالسجن المؤبد .
ونظراً لأن التشديد يؤدي إلى وجوب الحكم بالإعدام فإن الشريك يمكن الحكم عليه بالإعدام أو بالسجن المؤبد بالتطبيق للمادة 41 و 235 عقوبات .
القتل المرتبط بجنحة :
جاء بالمادة 234 في الشق الأخير من الفقرة الثانية :
« وأما إذا كان الغرض منها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو بالسجن المؤبد » .
ومؤدي ذلك أن المشرع اعتد بالباعث أو الهدف من جناية في تشديد العقوبة متى تمثل ذلك في التأهب لإرتكاب جنحة أو ارتكابها بالفعل أو تخليص مرتكبيها من القبض أو العقوبة .
ولا شك أن قتل إنسان في سبيل ارتكاب جنحة أو التخلص من آثارها القانونية إنما يعبر عن استخفاف الجاني بحياة الآخرين كما يعبر عن دناءة الباعث على القتل وهو ما يعكس درجة قصوى من الإنحطاط المعنوي للقاتل، مما يستوجب تشديد العقوبة .
ويشترط لإعمال التشديد ما يأتي :
أولاً : أن تقع جريمة القتل عمداً، فلا مجال لإعمال التشديد إذا انتفى القصد الجنائي لأي سبب من الأسباب كما يشترط أن تكون الواقعة جناية ولو رافقها ظروف مخففة جوازية أو وجوبية . ولذلك لا مجال للتشديد إذا كان الظرف المخفف الوجوبي من شأنه أن يقلب الجناية إلى جنحة، كما هو الشأن في القتل للاستفزاز في حالة الزوج الذي يفاجئ زوجته متلبسة بالزنا فيقتلها أو يقتل شريكها .
أما عذر صغر السن أو عذر تجاوز الدفاع الشرعي فلا يتأثر بهما الوصف القانوني للجريمة، ومن ثم فإن تخفيف العقوبة يكون على أساس أن العقوبة الأصلية هي العقوبة المشددة .
وإذا وقعت جناية القتل غير تامة أي في شكل الشروع فإن العقوبة المقررة للشروع تتحدد على أساس العقوبة المشددة .
ثانياً : أن يقع القتل العمد أو الشروع فيه مرتبطاً بجنحة ارتباطاً غير قابل للتجزئة، بمعنى أن جناية القتل ما كانت لترتكب لولا ارتكاب الجنحة أو التأهب لإرتكابها، ولا يتوافر التشديد إذا كانت الجنحة هي المرتبطة بالقتل كما في حالة ارتكاب جنحة ضرب أو جرح في سبيل تمام القتل أو في سبيل الهروب بعد ارتكاب القتل .
وعلى ذلك فلا يكفي مجرد الارتباط البسيط أو الاقتران الزمني فمن يقتل آخر ثم بعد ذلك ينتهز الفرصة ويسرق نقوده فلا نكون بصدد قتل مرتبط بجنحة، فالظرف المشدد لا يتوافر إلا إذا كان القتل قد وقع بسبب الجنحة .
ومثال ذلك من يقتل المجني عليه لتسهيل إتمام السرقة، ومن يقتل رجل البوليس الذي حاول القبض عليه بعد ارتكابه لجنحة ضرب أو جرح أو قتل خطأ .
ويلاحظ أن المشرع بالنص على الظرف المشدد الخاص بارتباط القتل بجنحة قد خرج على قواعد الارتباط غير القابل للتجزئة إذا ارتكب أكثر من جريمة تحقيقاً لغرض واحد ، وكانت مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً غير قابل للتجزئة ، بدلاً من إعمال المادة 32 عقوبات .
فقد شدد المشرع عقوبة القتل . بمعنى ذلك أن الجنحة المرتبطة بقتل ارتباطاً غير قابل للتجزئة يطبق بصددهما حكم المادة 32 عقوبات ويحكم بعقوبة القتل باعتبارها الجريمة ذات الوصف الأشد .
أما التشديد الوارد بالمادة 234 / 2 فيطبق فقط فى حالة ارتباط القتل بجنحة وليس العكس .
ويشترط لإعمال التشديد المنصوص عليه بالجزء الأخير من الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات أن تكون الجنحة المرتبط القتل بهما مستقلة فى عناصرها المادية المكونة لها من القتل .
ومن ثم يخرج عن نطاق التشديد حالات التعدد المعنوى بين الجنحة وجناية القتل .
ومن ناحية أخرى يلزم أن تكون الجنحة مكتملة الأركان مستوجبة للعقوبة ، ولذلك لا تشدد عقوبة القتل إذا كان هناك سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسئولية أو مانع من موانع العقاب تعلق بالجنحة .
ومثال ذلك القتل المرتكب فى سبيل جنحة إخفاء أحد الفارين من العدالة ، وذلك إذا ما وقع القتل من الزوج أو الزوجة ، حيث يتوافر بالنسبة للقاتل مانع عقاب فيما يتعلق بالجنحة ، ولكن إذا كان مانع العقاب جوازى التطبيق وليس وجوبياً فالقتل المرتبط بجنحة ، يتوافر ذلك أن التشديد الخاص بارتباط القتل بجنحة إنما روعى فيه التوحيد القانونى للعقوبة لأكثر من جريمة .
وقد ثار التساؤل حول ما إذا كان التشديد يتوافر ولو لم تقع الجنحة أم يلزم وقوع الجنحة أو الشروع المعاقب عليه فيها ؟
ذهب البعض إلى أنه يكفى للتشديد أن يتوافر لدى الجانى القصد الخاص المتمثل فى التأهب لفعل الجنحة أو تسهيل ارتكابها أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب ، ولو لم تقع الجنحة .
غير أن الرأى السابق لا يتفق وخطة المشرع فى عدم الاعتداد بالبواعث والأهداف فى القتل سواء كانت تافهة أو غير ذلك .
حقاً أن القتل فى سبيل الجنحة يعبر عن الاستهانة بأرواح الناس ، ومن ثم يكشف عن قدر كبير من الانحطاط النفسى والمعنوى للجانى ، إلا أن هناك بواعث ودوافع أكثر تعبيراً عن هذا الانحطاط المعنوى ، ومع ذلك لم يعتد بها المشرع .
ولذلك فإن التشديد للارتباط بجنحة إنما روعى فيه الخروج على قواعد الارتباط القابل للتجزئة والذى يفترض تعدداً فى الجرائم . وبدلاً عن توقيع عقوبة الجريمة الأشد فإن المشرع شدد عقوبة جريمة القتل استناداً إلى أن الجنحة مستوجبة بدورها للعقوبة .
غير أن اشتراط وقوع الجنحة أو الشروع المعاقب عليها مستقلة فى أركانها عن القتل لا يتطلب الاستقلال فى رفع الدعوى عن كل منها بمعنى أن التشديد يتوافر حتى ولو كانت الجنحة قد علق رفع الدعوى الجنائية فيها على شكوى أو إذن أو طلب .
فالقيود الاجرائية لا علاقة لها بالأركان المكونة للجريمة ، ولذلك يتوافر التشديد بالنسبة لمن يقتل والدة لتسهيل سرقة أمواله ، كذلك يتوافر التشديد ولو كانت الدعوى الجنائية الخاصة بالجنحة قد سقطت لأى سبب من الأسباب ولو كان التقادم ، ومع ذلك فهناك من يرى عكس ذلك ويذهب إلى عدم التشد\يد فى حالة تعلق رفع الدعوى فى الجنحة على شكوى إلا إذا رفعت الشكوى ، وهذا الرأى يؤدى إلى نتائج يصعب التسليم بها ، فضلاً عن أن التفسير المنطقى للنصوص لا يدعمه .
ويكفي لتشديد عقوبة القتل العمد للارتباط مع الجنحة أن يتوافر الارتباط السببي ولو لم يتوافر الارتباط الزمني، فإذا وقع القتل بعد ارتكاب الجنحة بمدة وثبت أن القتل ارتكب لمساعدة مرتكب الجنحة على الهرب أو التخلص من العقوبة، فإن التشديد يتوافر .
ومثال ذلك من يقتل شاهد الإثبات الوحيد على ارتكاب الجنحة وذلك قبل توجهه لأداء الشهادة أمام المحكمة .
ولا يلزم للتشديد أن يكون مرتكب القتل هو مرتكب الجنحة أو أحد المساهمين فيها، فعقوبة القتل العمد تشدد على جميع من ساهم فيها ما دامت ارتبطت بالجنحة، وأما مرتكب الجنحة أو المساهمين فيها فلا يسألون عن القتل المشدد إلا إذا كان قد توافر في حقهم أحكام المساهمة الجنائية الأصلية أو التبعية في جريمة القتل مع ملاحظة أن المساهم الأصلي أو التبعي في الجنحة يتحمل بالنتيجة المحتملة ولو لم تتجه إليها إرادته متى كانت محتملة ومتوقعة وفقاً للمجرى العادي للأمور بالتطبيق للمادة 43 عقوبات ولذلك يسأل عن القتل المرتبط بجنحة الشريك في جنحة السرقة إذا وقع من الفاعل قتلاً لإتمام السرقة ولو لم يقع من الشريك أي مساهمة مادية أو معنوية في القتل وذلك اكتفاء برابطة السببية ولا يشترط بطبيعة الحال أن يكون المجني عليه في القتل هو ذاته المجني عليه في جريمة الجنحة .
ارتباط القتل بجناية أخرى :
تحدث المشرع في المادة 234 / 2 عن القتل المرتبط بجنحة والقتل المقترن بجناية، والقتل المقترن بجناية يتطلب الاقتران الزمني دون الارتباط السببي .
ولذلك ثار التساؤل حول حكم القتل المرتبط ارتباطاً سببياً بجناية أخرى .
واضح أن التساؤل السابق لا يثور إذا كان هناك ارتباط سببي وزمني في الوقت ذاته بأن ارتكب القتل والجناية الأخرى في وقت واحد أو مع توافر التعاصر الزمني .
ففي هذه الحالة يتوافر ظرف الاقتران والذي فيه تشدد عقوبة القتل بذات التشديد المقرر للارتباط بجنحة .
ولكن أهمية التساؤل تبدو في حالة انتفاء الاقتران الزمني بين القتل والجناية الأخرى، وإنما الذي توافر هو الارتباط السببي .
ومثال ذلك من يقتل شاهد الإثبات الوحيد على ارتكاب جناية أخرى سبق ارتكابها قبل القتل بوقت كبير؟
إن ظاهر النص قد يوحي بأن التشديد للارتباط قاصر على الجنحة ولا يشمل الجناية إلا أن هذا يؤدي إلى نتائج يستحيل أن تتفق وخطة المشرع في التجريم والعقاب .
فمن غير المتصور أن تشدد عقوبة القتل المرتبط بجنحة ولا تشدد عقوبة القتل المرتبط بجناية، ولذلك فإن المستقر عليه فقهاً وقضاء هو أن عقوبة القتل العمد تشدد للارتباط السببي بجناية أخرى وذلك استناداً إلى قواعد التفسير من باب أولى .
العقوبة :
العقوبة المقررة للقتل المرتبط بجنحة أو جناية هي الإعدام .
السجن المؤبد . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني، الصفحة : 73 )
يعاقب القانون من قتل نفساً عمداً بالسجن المؤبد أو المشدد (الفقرة الأولى من المادة التي نحن بصددها) .
ولكن الفاعل يعاقب بالإعدام إذا اقترن الفعل بجناية أخرى، وإذا كان القتل مرتبطاً بجنحة فإن عقوبة القاتل تكون الإعدام أو السجن المؤبد (الفقرة الثانية من المادة) .
وأخيراً تكون العقوبة وجوبياً ، أي ليس للقاضي سلطة تقديرية حين إنزال العقوبة على الجاني وذلك إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي .
وإذا كنا قد تعرضنا بالشرح والتعليق لجريمة القتل العمد أثناء شرحنا للمادة (230) عقوبات، فلا يسعنا الآن إلا التعرض لنص الفقرة الثانية والثالثة من المادة التي نحن بصددها .
أولاً : اقتران القتل بجناية وارتباطه بجنحة (الفقرة الثانية من المادة) :
اقتران القتل بجناية :
يعاقب على القتل العمد بالإعدام إذا تقدمته أو اقترنت به أو تلته جناية أخرى، وقد جاء حكم القانون في هذه الصورة والصورة التالية استثناء من القواعد العامة المنصوص عليها في المادتين (32، 339) عقوبات؛ فبدلاً من تطبيق عقوبة الجريمة الأشد أي القتل العمد عند ارتباط هذه الجريمة بجريمة أخرى أو تعدد العقوبات عند عدم الارتباط، رأى المشرع أن يشدد العقوبة المقررة للقتل العمد، فجعلها الإعدام في حالة الاقتران والإعدام أو السجن المؤبد في حالة الارتباط .
ويشترط لتوقيع عقوبة الإعدام في حالة الاقتران ثلاثة شروط :
الأول : أن تقع جناية قتل، فلو وقف فعل الجاني عند حد الشروع وأقترن الشروع في القتل بجناية أخرى فإنه يعاقب بالسجن المؤبد تطبيقاً للمادة (46) من قانون العقوبات، الشرط الثاني : أن يقترن القتل بجناية أخرى، والثالث : أن يكون بين الجناينين رابطة زمنية. وفيما يلي بيان الشرطين الثاني والثالث :
الجناية المقترنة بالقتل :
لم يشترط القانون أن تكون هذه الجناية من نوع خاص، فيجوز أن تكون هي أيضاً جناية قتل، كما يجوز أن تكون جناية ضرب أفضى إلى موت أو نشأت عنه عاهة مستديمة أو سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات أو اغتصاب أنثى، وما إلى ذلك .
ولا يشترط أن تكون الجناية المقترنة بالقتل تامة، بل يجوز أن تكون شروعاً، وفي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالإعدام لو تم القتل، إذ العبرة به أما الجناية الأخرى ظرف مشدد فقط .
ولكن يشترط أن تكون الجريمة المقترنة مستقلة عن القتل ومتميزة عنه، فلا تنطبق الفقرة الثانية من المادة التي نحن بصددها إذا كانت الجريمتين قد حدثتا من فعل واحد، كرصاصة أطلقت فأصابت رجلين، أو قنبلة قذفت فأصابت عدة أشخاص، فالقانون يوجب في هذه الصورة تطبيق الفقرة الأولى من المادة (32) من قانون العقوبات مكتفياً بتوقيع العقوبة الأشد، وكذلك لا يتوافر الاقتران ولو تعددت الأفعال إذا كان القانون يعتبرها جريمة واحدة .
ويشترط أيضاً لتوافر الشرط المشدد أن تكون الجناية الأخرى معاقب عليها، فالقانون حين نص على تغليظ عقوبة القتل إذا تقدمته أو اقترنت به أو تلته جناية أخرى قد قدر أن الجاني ارتكب جريمتين لكل منهما عقوبتها بالنسبة إليه فقرر لهما معاً عقوبة واحدة مغلظة ينطوي فيها عقابه عن الجريمتين، ومقتضى ذلك أنه إذا كانت الجناية الأخرى لا عقاب عليها بسبب خاص بالمتهم فإن التغليظ لا يكون له من مبرر، مثال ذلك جرائم الشكوى .
رابطة الزمنية :
ويشترط لتوقيع عقوبة الإعدام أن تتوافر بين جريمة القتل والجناية الأخرى رابطة زمنية، ولم يحدد القانون هذه الرابطة، ولا نزاع في أنه لا يشترط أن يكون بين الجنايتين زمن مذكور، فالقانون صريح في تغليظ العقاب عندما تكون الجنایتان مقترنتين، فإذا ارتكب الجاني إحدى الجنايتين ثم أعقبها بالأخرى فإنه يعاقب بالعقوبة المشددة، ولكن تقوم الصعوبة في حالة الفصل بين الجنايتين بحيز من الزمن إذ أن القانون لم يحدد مقدار الزمن الذي تتوافر في حدوده هذه الرابطة، بل ترك الأمر لتقدير محكمة الموضوع، على أنه يشترط بصفة عامة أن ترتكب الجنايتان في فترة قصيرة بحيث يصح القول بأنهما - لتقارب الأوقات التي وقعتا فيها - مرتبط بعضها ببعض من جهة الظرف الزمني .
ولم يستلزم القانون لتغليظ العقاب هنا سوى تلك الرابطة الزمنية، فلم يشترط أن تقع الجريمتان في مكان واحد، ولا أن يكون بينهما رابطة أخرى كإتحاد الغرض أو السبب، ولا أن تتقدم إحداهما على الأخرى، فيصح أن يكون القتل سابقاً أو تالياً للجناية الأخرى .
ارتباط القتل بجنحة :
شروط التشديد :
نص في الشق الثاني من الفقرة الثانية للمادة التي نحن بصددها على أن القتل العمد يعاقب عليه بالإعدام أو السجن المؤبد إذا كان القصد منه التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو إرتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة .
فيشترط لهذا التشديد : أولاً - أن يرتكب الجاني قتلاً عمداً فإذا وقع منه مجرد شروع مرتبط بجنحة فإنه يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد، طبقاً للمادة (46) من قانون العقوبات، ويشترط ثانياً - أن ترتكب جنحة، وثالثاً – أن يكون بين القتل والجنحة رابطة سببية، وفيما يلي بيان الشرطين الثاني والثالث .
الجنحة المرتبطة بالقتل :
يشترط أن تقع جنحة مستقلة عن القتل ومتميزة عنه، فلا يتوافر هذا الشرط في حالة ما إذا أخفى القاتل جثة القتيل، إذ أن الإخفاء من ذيول القتل ولا يعاقب عليه إلا إذا وقع ممن لا يسأل عن القتل .
ولا يهم نوع الجنحة المرتبطة بالقتل، فقد تكون سرقة كمن يقتل بواب المنزل لسرقة ما فيه من متاع، وقد تكون قتلاً بإهمال كمن يقتل إنسان خطأ ثم يقتل عمداً رجل البوليس أو الشاهد الذي رآه بقصد التخلص من عقوبة القتل الخطأ .
وليس بشرط أن تكون الجنحة تامة، فيصح أن تكون شروعاً متى كان الشروع معاقباً عليه كما في السرقة .
وإنما يشترط أن تكون الجنحة المرتبطة بالقتل مما يعاقب عليها القانون، فإخفاء الجاني (المادة 144 عقوبات) إذا وقع من زوج أو زوجة أو من أصل أو فرع لا يصلح ظرفاً مشدداً لجناية القتل العمد، وتسري القاعدة في حالة ما إذا سقطت الدعوى العمومية في جنحة بمضي المدة، وقد تكون الجنحة معاقباً عليها ولكن تحريك الدعوى الجنائية عنها يكون متوقفاً على شكوى من المجني عليه أو ممن يمثله، كما في الزنا والقذف والسب والسرقة من الأصول والفروع والأزواج، وفي هذه الأحوال لا تعد الجنحة ظرفاً مشدداً إلا إذا قدمت الشكوى، فإذا لم تقدم أو قدمت ثم تنازل عنها مقدمها فلا تصح معاقبة الفاعل عن الجنحة وبالتالي لا تدخل عقوبتها في حساب التشديد .
رابطة السببية :
لا يعتبر إجتماع الجنحة مع القتل ظرفاً مشدداً لعقوبة القتل إلا إذا توافرت بين الجريمتين رابطة السببية على الصورة التي بينها القانون، أي أن تكون الغاية من ارتكاب القتل هي التأهب لارتكاب جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فلا ينطبق النص إذا لم يكن بين الجريمتين سوى مجرد إرتباط زمني، أو مكاني ولا تشدد العقوبة على من يرتكب الفعل ثم يخطر له بعد ذلك أن يسرق مالاً للمجني عليه، إذ أن القانون يشترط رابطة معينة أساسها أن تكون الجنحة هي الهدف الأصلي والقتل يرتكب من أجلها، فبهذا تتوافر حكمة التشديد على من يستهين بالقتل في سبيل جنحة فإذا كان الجاني قد إرتكب الجنحة لتسهيل القتل أو للفرار من عقوبته فلا تشدد عليه العقوبة وإنما تطبق عليه العقوبة الأشد وفقاً للمادة ( 32 / 2 ) من قانون العقوبات، ومثل ذلك من يحمل سلاح بدون رخصة ليستعين به على قتل شخص، ومن يرتكب قتلاً عمداً ثم يفر بسيارة يداهم بها آخر فيقتله خطأ في مثل هذه الأحوال تطبق القواعد العامة بمعنى أن الفاعل يعاقب بأشد عقوبتي الجريمتين إذا كان يجمعهما وحدة الغرض وإلا فتتعدد العقوبات، وفقاً لما تقضي به المادتان ( 32 / 2 ، 33) من قانون العقوبات، ولم يشترط المشرع لقيام هذا الظرف سوى توافر رابطة السببية على الوجه الذي حدده، فليس بشرط أن يكون بين الجريمتين رابطة زمنية أو مكانية، بمعنی أنه لا يحول دون قيام وقوع الجريمتين في زمنين أو مكانين مختلفين، بل ولو كان الزمن الفاصل بينهما طويلاً، فالشخص الذي يرتكب سرقة وبعد زمن ما يقتل الشاهد الذي رآه وهو يسرق رغبة في التخلص من العقوبة يعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد كما يستوي في توقيع العقوبة المغلظة أن ترتكب الجريمتان من شخص واحد أو من شخصين يسأل كل منهما عن جريمة الآخر بوصفه شريكاً وكذلك يستوي أن يكون المجني عليه في الجريمتين مختلفة أو يكون هو بعينه في الجريمتين، فتشدد العقوبة على من ارتكب سرقة فتبعه المجني عليه بقصد القبض عليه فأطلق عليه عياراً نارياً للتمكن من الهرب .
تعدد الجناة :
قد يساهم عدد من الأشخاص بصفة فاعلين أصليين في إرتكاب القتل والجناية المقترنة أو الجنحة المرتبطة، وعندئذ تطبق عليهم جميعاً الفقرة الثانية من المادة التي نحن بصددها وقد يقع القتل من شخص وتقع الجناية المقترنة أو الجنحة المرتبطة من شخص آخر ولا مشاركة بينهما، وعندئذ لا يسري حكم الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة التي نحن بصددها بلا خلاف، ولو توافرت رابطة زمنية بين الجنايتين اللتين إرتكبتا ولكن الشبهة تقوم في حالة الإرتباط، فقد يحصل أن يرتكب زيد قتلاً تمهيداً لسرقة إرتكبها بكر أو لتخلصه من عقوبتها دون أن يكون هناك اتفاق سابق بين الفاعلين فمرتكب الجنحة لا يسأل عن جناية القتل لأنه لم يشترك فيها، أما فاعل القتل فالسائد بين الشراح أنه يخضع لحكم الشطر الثاني من الفقرة الثانية للمادة التي نحن بصددها لأنه ينص على تشديد العقاب متى كان القصد من القتل التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو إرتكابها بالفعل، ولا يشترط شيئاً زيادة على ذلك، فيجوز أن يكون غرض القاتل تسهيل جنحة يرتكبها غيره، وهذا الرأي وإن تمشي مع ظاهر النص إلا أنه لا يتفق وقصد الشارع، فبدلاً من تطبيق القواعد العامة نص على عقوبة واحدة مغلظة لا توقع بطبيعة الحال إلا إذا كان الجاني مسئولاً عن الجريمتين بصفته فاعلاً أو شريكاً، إذ كيف يتصور أن تشدد العقوبة على شخص بسبب جريمة لم يساهم فيها .
وقد يرتكب فاعل جريمة القتل ويرتكب شريكه فيها الجناية المقترنة أو الجنحة المرتبطة دون أن يكون لفاعل القتل يد فيها، فعندئذ يعاقب الشريك في القتل بمقتضى الفقرة الثانية من المادة التي نحن بصددها، أما فاعل القتل فلا تشدد عليه العقوبة بسبب الجناية أو الجنحة ومثال ذلك أن يعطي زيد سلاحاً لبكر ليقتل به عمر فيقتله به ويفر هارباً، ثم يقوم زيد إثر ذلك بارتكاب جناية أخرى أو يرتكب سرقة كان يقصد تسهيلها بقتل عمر على غير اتفاق مع بكر .
ثانياً : إرتكاب القتل تنفيذاً لغرض إرهابي (الفقرة الثالثة من المادة التي نحن بصددها) :
فإذا كان إرتكاب القتل تنفيذاً لغرض من الأغراض التي إعتبرها المشرع من قبيل الإرهاب، كانت عقوبة القتل العمد هي الإعدام وهذا الظرف المشدد وجوبي، فلا يجوز للقاضي أن يحكم بغير عقوبة الإعدام إذا ثبت لديه أن الجاني قد استهدف من القتل تحقيق غرض إرهابي ويعتبر ذلك من قبيل الاعتداد بالباعث على القتل كظرف مشدد للعقاب بنص القانون .
وعلة تشديد عقاب القتل في هذه الحالة هي ما يكشف غرض الجاني من خطورة إجرامية، فهو يرتكب أشد الجرائم جسامة، ويقدم على إزهاق الروح بقصد الإرهاب وترويع الناس والإخلال بالنظام العام وأمن المجتمع وسلامته ويعد غرض الإرهاب ظرفاً شخصياً، ومن ثم لا يسري على جميع المساهمين في جريمة القتل، وإنما يسري بالنسبة لمن يثبت توافره لديه فإذا تعدد المساهمون في الجريمة، وتوافر قصد الإرهاب لدى أحدهم دون غيره من المساهمين، فلا يشدد العقاب إلا بالنسبة له دون غيره . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 380 )
يتمثل الركن المادي في جريمة القتل في النشاط الذي يبذله الجاني في سبيل الوصول إلى النتيجة التي يجرمها القانون ويعني ذلك اتيان فعل أو امتناع من شأنه أن يؤدي إلى الموت وبناءً على ذلك يتكون الركن المادي في جريمة القتل من فعل (السلوك) والنتيجة التي تتمثل في الوفاة والرابطة السببية بين السلوك والنتيجة .
أما القصد الجنائي في جريمة القتل العمد فهو كما ذهبت محكمة النقض يتميز عن القصد الجنائي العام في سائر جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكاب الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه وهذا العنصر بطبيعته أمر داخلي في نفس الجاني ويجب لصحة الحكم بإدانة متهم في هذه الجريمة أن تعني المحكمة بالتحدث عنه استقلالاً وإيراد الأدلة التي تكون قد استخلصت منها أن الجاني حين ارتكب الفعل المادي المسند إليه قد كان في الواقع يقصد به إزهاق روح المجنى عليه .
ملحوظة :
يراجع في شرح أركان القتل العمد التعليق على المادة 230 عقوبات .
الاقتران والارتباط :
تتناول الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات حالتين متميزتين :
الحالة الأولى :
ارتكاب جناية القتل العمد مع جناية أخرى تقع معها في زمن واحد وهو ما يطلق عليه اقتران القتل بجناية .
الحالة الثانية :
ارتباط جناية القتل العمد بجنحة واشترط الشارع للتشديد أن تكون الجناية والجنحة بينهما علاقة السبب بالنتيجة .
الحالة الأولى
اقتران القتل بجناية
شرطا الاقتران :
يجعل القانون عقوبة القتل العمد الإعدام إذا تقدمته أو اقترنت به أو تلته جناية أخرى ولتحقق هذا الظرف يجب أن يوجد شرطان الأول هو رابطة الزمنية بين الجريمتين والثاني هو أن تكون الجريمة الأخرى جناية ولا يشترط فوق ذلك أن يكون بين القتل والجناية المقترنة به ارتباط لا يقبل التجزئة أو أن تكون قد وقعتا تنفيذاً لغرض إجرامي واحد ومفاد ذلك أن اتصال القتل بالجناية الأخرى قائم على وحدة الزمن فقط فليس بلازم أن تربطهما وحدة الغرض كما أنه ليس بلازم أن تقع جناية القتل قبل الجناية الأخرى أو بعدها فعبارة النص قد سوت بين الحالتين :
أ - الاقتران الزمنى أو رابطة الزمنية :
ليس شرطاً أن تكون الجناية الأخرى وقعت مباشرة قبل أو عقب القتل فالنص خال من هذه القيود ويكفي أن تكون بين الجنايتين رابطة زمنية بحيث تكون الجنايتان وقعتا في فترة من الوقت محدودة تبدأ بأحد الفعلين الجنايتين وتنتهي بالآخر وليس بلازم أن يتحدد مكان وقوع الجنايتين فقد يقع القتل في مكان غير مكان وقوع الجناية الأخرى ومادامت الجنايتان متتابعتين تربطهما رابطة الزمن ووحدته فالنص واجب التطبيق .
والواقع أن القانون لم يحدد الفترة الزمنية التي ينبغي أن تقع الجناية الأخرى في خلالها حتى تعتبر مقترنة بالقتل إلا أن بعض الفقهاء يرى بحق أن المصاحبة الزمنية التي يقوم بها الاقتران تتوفر بحدوثها أثناء تتابع نشاط إجرامي واحد لكن لا يشترط أن يكون بينهما ارتباط لا يقبل التجزئة أو أن تكون الجنايتان قد وقعتا تنفيذاً لغرض إجرامی واحد أو أن تقعا في مكان واحد أو على مجني عليه واحد أو أن تكون بينهما رابطة سببية لأن كل ما يستلزمه القانون ألا تفصل بين الجريمتين فترة طويلة من الزمن تقطع مصاحبتها الزمنية وتتحقق تلك المصاحبة الزمنية في حالة تتابع الجرائم أثناء ثورة إجرامية واحدة كما يحدث في المشاجرات كأبلغ مثال .
(ب) الجناية الأخرى :
أما عن الجريمة الأخرى فيشترط فيها أن تكون جناية ولكن لا يلزم أن تكون من نوع معين فلا يشترط أن تكون من نوع آخر غير القتل بل يجوز أن تكون هي أيضاً جريمة قتل أو شروع فيه كما يجوز أن تكون سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات أو غير ذلك .
والجريمة المقترنة بالقتل يجب أن تكون مستقلة عن جريمة القتل ومتميزة عنها فلا تنطبق الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات إذا كانت الجريمتان حدثتا عن فعل واحد كرصاصة أطلقت فأصابت رجلين أو قنبلة قذفت فأصابت عدة أشخاص أو خشبة أسقطت على ناس فقتلتهم أو سهم رمى فاخترق صدر اثنين إذ الإطلاق والقذف والإسقاط والرمي كل منهم فعل واحد غير متجزئي في ذاته ومن ثم فإن من الخطأ تطبيق الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات في حالة ما إذا أطلق الجاني عياراً بقصد القتل فأصاب شخصين لأن القتل واحد لم يتعدد أما إذا تعدد الفعل وتعددت الجرائم بتعدده فلا شك أن الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات تكون هي المنطبقة ولا يمنع من انطباقها أن تكون تلك الأفعال المتعددة ونتائجها حدثت في وقت واحد وتحت تأثير ثورة إجرامية واحدة لأن الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات بنصه على تغليظ العقاب في جناية القتل العمد إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى يتناول جميع الأحوال التي يرتكب فيها الجاني علاوة على الفعل المكون لجناية القتل أي فعل مستقل ومتميز عنه ومكون في ذاته لجناية أخرى مرتبطة مع جناية القتل برابطة الزمنية ولو كان هذان الفعلان قد ارتكبا أثناء مشاجرة واحدة بل ولو كانا لم يقعا إلا لغرض واحد أو بناءً على تصميم جنائی واحد أو تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة إذ العبرة في ذلك هي بتعدد الأفعال ويميزها بعضها عن بعض بالقدر الذي يكون به كل منهما جريمة مستقلة فتنطبق هذه الفقرة إذا كان الجاني ضرب شخصاً بسكين ضربات قاتلة أودت بحياته ثم ضرب شخصاً آخر بالسكين نفسها فقتله لأن المجنى عليهما متعددان ولأن كل جريمة استدعت عملاً من المتهم يجعلها منفصلة عن الأخرى وإذا كان الجاني أطلق عيارين ناريين فقتل شخصاً وشرع في قتل آخر لأنه بذلك ارتكب جريمتين لا جريمة واحدة .
ويشترط فضلاً عما تقدم أن تكون الجناية المقترنة معاقباً عليها لأن القانون في تشديده العقاب قدر أن الجاني قد أتي في فترة من الزمن قصيرة جنايتين لكل منهما عقوبتها بالنسبة إليه فقرر لهما عقوبة واحدة مغلظة ينطوى فيها عقابه عن الجريمتين ومقتضى ذلك أنه إذا كانت الجناية الأخرى لا عقاب عليها بسبب خاص بالمتهم فإن تشديد العقاب لا يكون له من مبرر .
الحالة الثانية
ارتباط القتل بجنحة
ينص الجزء الأخير من الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات على أنه وأما إذا كان القصد منها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو بالسجن المؤبد ولإنطباق هذا الحكم يجب أن يتوفر شرطان الأول أن يقوم بين القتل والجريمة المتصلة به رابطة السببية لا رابطة الزمنية والثانى أن تكون الجريمة المرتبطة جنحة خلافاً لما سبق في الاقتران حيث يجب أن تكون الجريمة الأخرى جناية تامة أو شروعاً فيها وذلك على التفصيل التالي :
أولاً : رابطة السببية :
يتعين أن تتوافر علاقة السببية بين جناية القتل وبين الجنحة بمعنى أنه لابد من أن تكون الغاية من ارتكاب جريمة القتل الوصول إلى أحد الأهداف التي بينها المشرع في الحالة الثانية من الفقرة الثانية للمادة 234 عقوبات ومتى توافرت هذه الرابطة فلا أهمية للوقت الذي يمضي بين الجريمتين أي لا اعتداد بالاقتران الزمني كما هو الشأن بالنسبة للحالة المنصوص عليها في صدر الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات كما لا يشترط إطلاقاً ارتباطاً مكانياً أي وحدة مكان كل من جناية القتل والجنحة المرتبطة بها .
وعلى ذلك فإذا كل القتل قد وقع بغير قصد تسهيل جنحة أو ارتكابها أو التخلص من عقابها وبعبارة أخرى إذا انتفت علاقة السببية بين القتل والجنحة فإن النص لا ينطبق ولو قامت بينهما علاقة الزمنية ومثال ذلك من قتل شخصاً متعمداً ثم يطرأ له بعد قتله أن يجرد القتيل من ثيابه ونقوده فحينئذ تكون رابطة السببية المقصودة بين القتل والسرقة مفتقدة وبالتالي لا يتوافر هذا الظرف .
ثانياً : الجنحة الأخرى المرتبطة بالقتل :
يشترط أن تقع جنحة مستقلة عن القتل ومتميزة عنه فلا يتوافر هذا الشرط في حالة ما إذا أخفى القاتل جثة القتيل إذ أن الإخفاء من ذيول القتل ولا يعاقب عليه إلا إذا وقع ممن لايسأل عن القتل ولا يهم نوع الجنحة المرتبطة بالقتل فقد تكون سرقة كمن يقتل بواب المنزل لسرقة ما فيه من متاع وقد تكون قتلاً بإهمال يقتل إنسان خطأ ثم يقتل عمداً رجل البوليس أو الشاهد الذي رآه بقصد التخلص من عقوبة القتل الخطأ وليس بشرط أن تكون الجنحة تامة فيصح أن تكون شروعاً متى كان الشروع معاقباً عليه كما في السرقة وتوقع العقوبة المشددة على القاتل ولو كانت الجنحة التي ارتكبت القتل من أجلها قد وقعت من غيره متى كان كل منهما يعد في الوقت ذاته شريكاً في الجريمة التي ارتكبها الأخر بأن يكون القاتل شريكاً في الجنحة ومرتكب الجنحة شريكاً في القتل من هذا القبيل أن اثنين من قطاع الطرق يرتكب أحدهما السرقة على عابر سبيل ثم يقتل ثانيهما رجلاً أصر على مطاردتهما وتستحق العقوبة المشددة من باب أولى حين يكون الفاعل في القتل هو نفسه الفاعل في الجنحة كما إذا ارتكب شخص سرقة وتبعه المجني عليها فيها، فأطلق عليه عياراً نارياً للتمكن من الهرب تاركاً إياه قتيلاً وكما يصح أن تقع جناية القتل والجنحة التي سببتها على المجنى عليه واحد يصح أن يكون المجني عليه في القتل غيره في الجنحة كما إذا ارتكب شخص سرقة من منزل ولاحقة أحد الخفراء فأطلق على الخفير عياراً قضى عليه .
ولكن ما الحكم إذا كان القتل قد ارتكب بقصد تسهیل جناية أو ارتكابها بالفعل؟ أو بعبارة أخرى ما الحكم إذا كان القتل سبباً لجناية أخرى؟ ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 234 لا تشترط إلا رابطة زمنية (اقتران بجناية) فلو أن الجاني ارتكب القتل في يوم 31 يناير مثلاً حتى يتمكن من ارتكاب جناية سرقة أو حريق وقعت بعد القتل بعشرة أيام فظاهر عبارة الفقرة الثانية لا يتناول هذا الجاني بالتشديد ولكن رغم صمت النص فلا خلاف بين الشراح في وجوب تشديد العقاب في هذه الحالة من باب أولى وإلا أفضى التفسير الحرفي للنص إلى نتيجة غير معقولة ولا مقبولة ذلك بأن من يرتكب القتل تسهيلاً لارتكاب جنحة تشدد عقوبته دون من يرتكبه تسهيلاً لجناية تقع منه بعد ذلك مع أن إجرام الأول أخف من إجرام الثاني وتكون عقوبة القاتل تأهبا للسرقة البسيطة أغلظ من عقوبة القاتل تسهيلاً لإرتكاب سرقة بإكراه وهي نتيجة ينتج عنها المنطق والعقل وعلى ذلك فالرأي مستقر على وجوب تشديد العقاب .
تعدد الجناة :
إذا اشترك عدة أشخاص بصفة فاعلين أصليين في ارتكاب كل من القتل والجناية المقترنة به طبق عليهم جميعاً الجزء الأول من الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات وكذلك يكون الحكم إذا ارتكب بعضهم القتل والبعض الآخر لجناية الأخرى .
أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من الفقرة المذكورة وهو الخاص بالقتل المرتبط بجنحة فلا يطبق النص إلا إذا ثبت أنهم جميعاً يعلمون برابطة السببية فإذا كان بعضهم لا يعلم أن القتل يرتكب تمهيداً لجنحة واشتراك في إحدى الجريمتين دون الأخرى فلا يسأل إلا عن الجريمة التي ارتكبها .
أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من الفقرة المذكورة وهو الخاص بالقتل المرتبطة بجنحة فلا يطبق النص إلا إذا أثبت أنهم جميعاً يعلمون برابطة السببية فإذا كان بعضهم لا يعلم أن القتل يرتكب تمهيداً لجنحة واشترك في إحدى الجريمتين دون الأخرى فلا يسأل إلا عن الجريمة التي ارتكبها .
أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من الفقرة المذكورة وهو الخاص بجناية القتل المرتبط بجنحة فلا يطبق النص إلا إذا أثبت أنهم جميعاً يعلمون برابطة السببية فإذا كان بعضهم لا يعلم أن القتل يرتكب تمهيداً لجنحة واشترك في إحدى الجريمتين دون الأخرى فلا يسأل إلا عن الجريمة التي ارتكبها .
وأما إذا تعدد الفاعلون ولم يكن بينهم صلة أو اتفاق فلا يمكن تصور إمكان تطبيق الجزء الأول من الفقرة الثانية على أحد منهم بل يسأل كل عما ارتكبه وحده لكن يمكن تطبيق الجزء الثاني من الفقرة في هذه الحالة فمن يعلم أن سرقة سترتكب بمعرفة آخرين ويمهد لها بقتل الحارس يعاقب بالمادة 234 ولو لم يكن على اتصال أو تفاهم مع السارقين متى وقعت السرقة بالفعل وأما إذا وقعت الجريمتان من فاعل وشريك اشترك في كلتيهما بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة عوقب الشريك بالمادة 234 فقرة ثانية كالفاعل الأصلي مع مراعاة حكم المادة 235 أما إذا اشترك في إحدى الجريمتين فقط فلا تطبق عليه المادة 234 فقرة ثانية إلا إذا كانت الجريمة الثانية نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة التي حصلت وأما إذا ارتكب الفاعل الأصلي القتل وحده وارتكب شريكه في القتل الجريمة الثانية وحده فلا يعاقب الفاعل الأصلي إلا على القتل فقط أما الشريك فتطبق عليه الفقرة الثانية من المادة 234 متى توفرت شروطها بالنسبة إليه وكذلك يكون الحكم إذا ارتكب شخص بصفته فاعلاً أصلياً جريمة أخرى غير القتل فقط ثم جاء شريكه في هذه الجريمة وارتكب وحده جريمة القتل المقترنة أو المرتبطة بهذه الجريمة فإن المادة 234 فقرة ثانية تطبق على الشريك دون الفاعل .
العقوبة :
إعمالاً لنص المادة 234 عقوبات فإن عقوبة القتل العمد البسيط هي السجن المؤبد أو المشدد ولم يحظر القانون على القاضي استخدام المادة 17 عقوبات المقررة لرأفة القضاة وهذا معناه أن عقوبة القتل العمد البسيطة الأصلية هي السجن المؤبد أو المشدد والتي لاتقل عن ثلاث سنوات بل أن القاضي يستطيع أكثر من هذا أن ينزل بالعقوبة مستخدماً المادة 17 عقوبات إلى السجن والحبس الذي لا تنقص مدته عن ستة أشهر إذا رأى في ظروف ارتكابها أو ظروف فاعلها ما يستوجب استخدام الرأفة معه .
أما إذا كان القتل مقترناً بجناية أخرى فإن العقوبة تكون في الإعدام وبوسع القاضى إذا صح لديه استخدام المادة 17 عقوبات أن ينزل بالعقوبة إلى السجن المشدد في حديها العامين أما إذا كان القتل العمد مرتبطاً بجنحة فتكون العقوبة هي الإعدام أو السجن المؤبد إلا إذا استخدم القاضي المادة 17 عقوبات ونزل بالعقوبة إلى السجن ثلاث سنوات .
ويلاحظ أن عقوبة القتل العمد- حتى مع استخدام المادة 17 عقوبات تظل من العقوبات المقررة للجنايات . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 259 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 251 ، 252 ، 254 ، 255 ، 31
( مادة 512 ) :
يعاقب بالسجن المؤبد من قتل نفساً عمداً بغير سبق إصرار أو ترصد ، وتكون العقوبة الإعدام في أي من الحالات الآتية :
1- إذا كانت وسيلة القتل مادة سامة أو مفرقعة .
2- إذا اقترنت جناية القتل بجناية أخرى تقدمتها أو تلتها مباشرة .
3- إذا وقعت جناية القتل على أحد أصول الجاني ، أو على موظف عام ، أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء أو بسبب تأدية الوظيفة أو الخدمة .
4- إذا كان الباعث على جناية القتل دنيئاً ، أو اصطحب القتل بأعمال تعذيب ، أو مثل بجثة المجني عليه .
وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد ، إذا كان الغرض من جناية القتل التأهب لإرتکاب جنحة ، أو تسهيلها ، أو إرتكابها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة .
( مادة 513 ) :
تستبدل بعقوبة الإعدام المنصوص عليها في المادتين (510) و (512) من هذا القانون - عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت إذا أجمع أولياء الدم على العفو عن القاتل ، والتصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني .
ولا يسري حكم هذه المادة إلا بالنسبة للجاني الذي حصل العفو عنه ، أو التصالح معه .
( مادة 522 ) :
كل شخص يلتزم برعاية آخر عاجز عن أن يحصل لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه ، أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ إلتزامه القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع إمتنع عمداً عن القيام بإلتزامه ، وأفضى ذلك إلى موت المجني عليه أو إصابته - يعاقب بحسب قصده ودرجة الإصابة بالعقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (515)، (516)، (517) من هذا القانون .
فإذا كان الإمتناع عن خطأ يعاقب على حسب الأحوال بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين (520)، (521) من هذا القانون .
الجرائم الواقعة على الأشخاص
الفصل الأول
المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه
المواد من (510) - (529) :
أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي :
١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب، أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) .
وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة .
2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة .
3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح .
4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع .
والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل .
5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .
6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .
7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر .
واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .
8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع .
9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم .
10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع .
(مادة 19 ) :
يتوافر العمد إذا ارتكب الجاني السلوك الإجرامي بإرادته وعلمه وبنية إحداث نتيجته، ولا عبرة في توافر العمد بالباعث على ارتكاب الجريمة، إلا إذا نص القانون على غير ذلك .
ويتحقق العمد أيضاً إذا توقع الجاني لتيجة لسلوكه، فأقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها .
أما بالنسبة إلى الفصل الثالث الخاص بأركان الجريمة المواد (17) - (20)) : فقد عالج المشروع الركن المادي للجريمة والعمد والخطأ غير العمدي، بوصفها جوهر الركن المعنوي للجريمة الذي يفترض بالإضافة إلى ذلك توافر الأهلية الجنائية للشخص .
وبالنسبة إلى الركن المادي للجريمة فقد عبر عنه المشروع في المادة (17) التي نصت على أنه: «لا تسند الجريمة إلى شخص ما لم تكن قد وقعت نتيجة لسلوكه فعلاً وامتناعاً» .
وهذا النص يوضح عناصر الركن المادي للجريمة، وهي السلوك الإجرامي ممثلاً في الفعل أو الامتناع، والنتيجة، وعلاقة السببية .
ويساند القرآن الكريم في مواضع عدة شرط توافر علاقة السببية بين السلوك والنتيجة، مثل قوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) [النجم: 39]، وقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [المدثر: 38]، والسبب في الشريعة الإسلامية هو نشاط الجاني الذي تترتب عليه النتائج الجنائية التي تتضمن انتهاكاً للمصالح والمقاصد الشرعية، وذلك أن الشرع الإسلامي يحرص على الضروريات لحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، كما يحمي الحاجات التي تيسر للناس سبل حياتهم، فالفعل الإجرامي يعد إضراراً بالمقاصد الشرعية مع حفظ الضروريات أو الحاجيات، كإزهاق الروح المسبب عن حز الرقبة، والسكر الناشئ عن الشرب عند أبي حنيفة، وقد أشار فقهاء المسلمين إلى توفر علاقة السبية وضرورتها، فإذا جرح رجل آخر عمدا وصار ذا فراش ومات يقتص منه؛ لأن الجرح سبب ظاهر لموته، فيحمل الموت عليه ما لم يوجد ما يقطعه. (تبيين الحقائق للزيلعي، جـ (6) ص (109)، ويراجع المغني لابن قدامة، ج (7) ص (683)، (684)) .
وتتوافر علاقة السببية سواء باشر الجاني الفعل والنتيجة بنفسه دون توافر عوامل أخرى، أو إذا قام بالفعل إلا أن النتيجة اشتركت في إحداثها عوامل أخرى غير فعل الجاني، ويطلق الشرعيون على الحالة الأولى تعبير المباشرة، ويسمون الحالة الثانية التسبب .
ومثال المباشرة: أن يقتل شخص آخر بسكين فيموت على الفور أما التسبب، فمثاله: أن يطلق شخص ناراً على شخص آخر فينقل إلى المستشفى، ويخطى الطبيب في علاجه، ويموت متأثراً بجراحه وإهمال الطبيب .
إلا أنه في الشريعة الإسلامية لا تجب عقوبة الحد أو القصاص إلا في حالة المباشرة دون التسبب فلا يعاقب المتسبب بعقوبة الحد، وإنما يعاقب بعقوبة تعزيرية، فتدخل عوامل وسيطة مؤثرة في إحداث النتيجة يعد شبهة يدرأ معها الحد أو القصاص .
وقد حاول الفقهاء المسلمون الاحتياط ما أمكن في توقيع عقوبات الحدود فجعلوها على المباشر وحده، وقد جاء في الفتاوى الكبرى: إذا اشترك جماعة في قتل معصوم عمداً ، يجب عليهم القصاص إذا باشروا جميعاً قتله، وإن كان بعضهم باشر والبعض كان قائماً يحرس، ففي ذلك قولان يرى مالك أن القصاص على الجميع، ويرى أبو حنيفة والشافعي وأحمد أن القصاص على المباشر (الفتاوى الكبرى، ج (4)، ص (222)). كما ورد في السرقة أنه إذا دخل جماعة من اللصوص منزلاً وأخذوا متاعاً ، وحملوه على ظهر واحد، وأخرجوه من المنزل، فألقياه، فالقول ألا تقطع يد الحامل وهو قول زفر، وقيل: يقطعون جميعاً استحساناً. (البدائع جـ (7) ص (65)، (66)). غير أن الفقهاء قد راعو طبيعة بعض الجرائم التي تحتاج إلى تعاون عدد من الناس، مثل جريمة الحرابة، فنجد أن الحد يطبق على المباشر وعلى المعين كمن يحرس الطريق أثناء ارتكاب جريمة الحرابة. (المبسوط جـ (9) ص (146)) .
ومعنى ذلك أن المساهمة في الجريمة بطريق التسبب هو نشاط إجرامي مؤثم شرعاً وغاية الفرق هو القول بامتناع توقيع عقوبة الحد أو القصاص إلا على المباشر، والمباشر من يرتكب فعلاً أو أفعالاً تؤدي إلى النتيجة الإجرامية دون تدخل عوامل أخرى أو وساطة كمن يقتل شخصاً بطلق ناري أو بضربات متلاحقة من عصا غليظة على رأسه، أما المتسبب فهو من يأتي فعلاً أو أفعالاً تؤدي مع غيرها من العوامل أو الوسائط إلى حصول النتيجة على نقيض جري العادة (المسئولية المدنية والجنائية للشيخ شلتوت، ص (19)، وما بعدها) ومثال ذلك من يحفر بئراً في الطريق قاصداً أن يتردى فيه إنسان فيموت، وقد سبق أن ذكرنا أن بعض الفقهاء في خصوص الحدود قد يسوون في العقوبة بين المباشر والمتسبب، كما في جريمة الحرابة، وذلك كما يبدو في التعليل لأسباب عملية تتعلق بهذه الجريمة بالذات، واعتمادها في الغالب على التضافر بين مرتكبيها (بدائع الصنائع، ج (9) ص (4226)) .
وتأكيداً لأهمية توافر علاقة السببية بين السلوك والنتيجة نصت المادة (18) من المشروع على أن تنتفي رابطة السببية بين السلوك والنتيجة، إذا توافر سبب كافي بذاته لإحداث النتيجة، وفي هذه الحالة تقتصر مسئولية الشخص على سلوكه إذا كان معاقباً عليه مستقلاً عن النتيجة ومثال انقطاع علاقة السببية ما لم لو كان فعل أحد الجناة قد وقع مع استحالة الجريمة ذاتها، كما لو جنى رجل على آخر جناية أخرجته عن حكم الحياة مثل ذبحه ثم ضرب آخر عنقه، فالأول هو القاتل، أما إذا كان جرح الأول للمجني عليه يؤدي إلى الموت لا محالة، ولكنه مع ذلك لم يخرجه عن حكم الحياة، ثم ضربه الجاني فيكون قاتلاً ؛ لأنه فوت حياة مستقرة. (المغني لابن قدامة، جـ (7) ص (684)) .
ويتفق هذا النص مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي لا تشترط أن يكون سلوك الجاني هو السبب الوحيد المحدث للنتيجة، بل يكفي أن يكون سلوك الجاني سبباً فعالاً في إحداث النتيجة وقد اختلفت في هذا الشأن نظريات القانون الوضعي، فمنها ما يأخذ بتعادل الأسباب سواء أكانت فعالة في إحداث النتيجة أو غير فعالة، ومنها ما يأخذ بنظرية السبب الأقوى، ومنها ما يأخذ بنظرية السبب الملائم أما الشريعة الإسلامية فإنها تشترط أن يفضي السلوك الإجرامي إلى النتيجة، ولو تدخلت عوامل أخرى، طالما كان العرف يعتبر السلوك - رغم هذه العوامل - مؤدياً إلى النتيجة، وبناء على ذلك فإن كفاية السبب وفقاً المجريات الأمور أو مقتضى العادة، هو معیار توافر رابطة السببية في الشريعة الإسلامية مهما توافرت عوامل أخرى ساهمت في إحداث النتيجة وقد عبرت المادة (18) من المشروع عن ذلك حين نصت على انتقاء رابطة السببية إذا توافر سبب کافي بذاته لإحداث النتيجة .
فالكفاية صفة موضوعية في السبب تقدر وفقاً للمجرى العادي للأمور بحسب ما تعارف عليه الناس .
وقد عني المشروع بعد ذلك ببحث جوهر الركن المعنوي للجريمة، وهو العمد أو الخطأ غير العمدي فلا يكفي إسناد الفعل مادياً إلى الشخص، وإنها يجب أن يقترن بالإثم الجنائي هذا الإثم الذي يأخذ إما صورة العمد أو صورة الخطأ غير العمدي فبدون توافر هذا الإثم لا يكون الشخص مسئولاً وقد فرق القرآن الكريم بين العمد وبين الخطأ غير العمدي، فقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) .
والمقصود هو عدم تسوية المخطئ بالعامد، وقد ثبت هذا في القرآن الكريم بالتفرقة الواضحة بين القتل العمد وبين القتل الخطأ في العقوبة الدنيوية والأخروية، ذلك أن القاتل عمداً جزاؤه عدا القصاص جهنم خالدا فيها أبداً ، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً أليهما وأما القتل الخطأ فإن العقوبة هي الكفارة والدية، ومن الأصول المستقرة في الشرع الإسلامي بوجه عام أن النية أو القصد لها أثرها في الجزاء على العمل سواء كان دنيوياً أو أخروياً وذلك طبقاً للحديث الشريف: «إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى»، وهو متفق عليه .
وبالنسبة للعمد فقد نصت المادة (19) من المشروع على أن يتوافر العمد إذا ارتكب الجاني السلوك الإجرامي بإرادته وعلمه وبنية إحداث نتيجته، ولا عبرة في توافر العمد بالباعث على ارتكاب الجريمة، إلا إذا نص القانون على غير ذلك .
ويتحقق العمد أيضاً إذا توقع الجاني النتيجة لسلوكه فأقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها .
وقد فرقت الشريعة الإسلامية بين العمد والباعث، أي بين قصد العدوان (العمد)، وبين الدوافع التي دفعت الجاني للعدوان، ولم تجعل الشريعة للباعث على ارتكابه الجريمة أي تأثير على تكوين الجريمة أو على العقوبة المقررة لها، على أن للباعث من الوجهة العملية أثراً على عقوبات التعازير دون غيرها من العقوبات الحدية أو عقوبة القصاص، وذلك أن عقوبة الحدود أو القصاص قدرها الشارع، ولا مجال لزيادة عنها، أو التخفيض من قدرها عند ثبوت الجريمة أياً كان الباعث على ارتكابها، ويلاحظ أن جرائم الحدود والقصاص التي لا أثر للباعث عليها في تقدير العقوبة، تشمل الجرائم العادية أي التي تحدث في كل مجتمع، والتي تنتهك أهم مقاصد الشارع، وهي حفظ الدين والنفس والمال كما يستند ذلك إلى مبدأ أصيل في الشرع الإسلامي، وهو تساوي النفوس في حرمتها، ووجوب حفظها من العدوان الذي لا يبرره سوى الحق وحده، لا ما يتصوره بعض الناس مبرراً لارتكاب العدوان على النفس أو المال .
وقد عني المشروع في تعريف العمد بأن يتسع للعمد الاحتمالي، حيث يتوقع الجاني النتيجة لسلوكه فيقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها وهذا العمد الاحتمالي يختلف عن شبه العمد، ومعناه: إتيان السلوك دون أن تتجه نية الجاني إلى إحداث النتيجة (دون أن يقبل حدوثها)، مثال ذلك: إلى الضرب المفضي إلى الموت، تعريض الأطفال للخطر المفضي إلى الموت وفي صورة شبه العمد لا تكون حيال عمد محض ولا خطأ محض، وإنما يوجد جمع بين العمد والخطا، إذ يكون فيه الضرب متعمداً والوفاة غير متعمدة وقد أوضح بعض فقهاء المسلمين ذلك، كما ورد في المغني لابن قدامة في جريمة القتل شبه العمد: کا لو ضربه بها يقتل غالباً ، إما بقصد العدوان عليه، أو بقصد التأديب كالضرب بالسوط والعصا والحجر الصغير والوكز باليد، ولكنه مات - فإنه شبه عمد ؛ لأنه قصد الضرب دون القتل (ج (7) ص (650))، ويراجع تبيين الحقائق (جـ (6) ص (100)، (101)، والمجموع جـ (17) ص (331)) .
الجناية على النفس :
يعرف الشرع الإسلامي للنفس الإنسانية منزلتها؛ تحقيقا لقوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء، آية: 70]، ولذلك كان من مقاصد الشريعة حفظ النفس كإحدى الضروريات الخمس إلى جانب حفظ الدين والعقل والنسل والمال، ومن ثم كان التشريع الجنائي الإسلامي في مجال جرائم الاعتداء على النفس بالقتل أو بها دونه - صادرا عن الاحتفال بالنفس الإنسانية ومعرفة قدرها، وعن العدل المطلق في تحديد عقوبات هذه الجرائم والاحتياط في إنزالها على من يستحقها، كما يصدر عن إدراك كامل الأحوال الناس وحاجاتهم ومدى اختلافهم بحسب تنوع المجتمعات وتغير المكان أو الزمان .
ولقد شدد الشرع الإسلامي النكير على من يقتل النفس الإنسانية بغير حق، يقول تعالى: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء، آية: 93]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم بغير حق». حتى لقد رأى بعض علماء المسلمين أن قاتل النفس بغير حق لا تقبل له توبة، وكل ذلك بسبب استعظام الشرع الإسلامي لهذا الجرم حتى لا يستهين به الناس، ولا يكون ثمة مجال لشيوعه في مجتمع مسلم .
وجوب شريعة القصاص :
ومن أجل حفظ النفس الإنسانية وصيانتها كانت شريعة القصاص في جرائم الاعتداء على النفس، ولقد كانت شريعة لبني إسرائيل في التوراة، يقول تعالى: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ [المائدة، آية: 45]، وظلت باقية حتى فرضها الله على المسلمين، بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ. [البقرة، آية: 178]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتله. ولا خلاف بين علماء المسلمين في وجوب تطبيق شريعة القصاص في جرائم القتل العمد العدوان .
معنى القصاص وحكمته :
القصاص معناه : المساواة بين الجريمة وبين العقوبة، فالقتل العمد يعاقب عليه بالقتل أصلا، إلا أن يعفو ولي الدم عن القاتل نظير الدية أو بلا مقابل، وهذه التسوية بين الجريمة والعقوبة تجعل قدر العقاب بعيداً عن التحكم ويظهر فيه العدل، ولا يغلق باب الفضل مع مراعاة مصالح الناس وحاجاتهم .
والقصاص في جرائم القتل العمد يقضي على فكرة الانتقام الشخصي من الجاني، ويعاون في القضاء على ظاهرة الثأر المنتشرة في بعض المجتمعات، ذلك أن الشرع الإسلامي قد راعى اعتباراً عملياً لا يمكن إنكاره أو حتى التقليل من شأنه، وهو أن جريمة القتل تقع على إنسان بعينه وتصيب أقرب الناس إليه بالأذى، سواء أكان معنوياً أم مادياً، ولا ريب أن المجتمع كله يتأذى من قتل النفس بغير حق، ولكن مساس الجريمة بأولياء دم المجني عليه أبلغ من مساسها بالمجتمع، ومن ثم فإن لأولئك في الشرع سلطان يستطيعون به أن يشفوا أنفسهم من الجاني عن طريق القضاء، ويستطيعون أن يدركوا به مصلحتهم إن رضيت نفوسهم بالدية أو بالعفو مطلقا، ولا ترد فكرة الانتقام أو الثأر البتة؛ لأن شريعة القصاص تقضي على جذورها التي ترجع إلى أن أقرب الناس إلى القتيل لا يجدون في عقوبة السجن التي توقع على الجاني شفاء للنفوس، فضلا عن إدراكهم أن السلطان الذي أولاهم إياه الشرع في طلب القصاص من القاتل قد انتزع منهم بلا حق، وهو السلطان الذي نصت عليه الآية الكريمة: وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا (33) [الإسراء، آية: 33). وينبغي التنويه في هذا المقام إلى أن المجني عليه أو ولي دمه مخير بين طلب القصاص أو العفو المجاني، والدية، أو الصلح على مال، وإن كلا من هذه الخيارات رهينة بمشيئته ورضائه الحر، يتخير من بينها ما يرى فيه شفاء لنفسه، وفي ذلك ما يقطع دابر التفكير في أي ثأر من بعد هذا التخيير الرضائي المحض .
وقد يظن البعض ممن لم يعرفوا الشريعة حق المعرفة أن القصاص متروك أمره لأولياء الدم، فيكون فيه أثر من فكرة الانتقام الشخصي، وذلك وهم باطل؛ لأن القصاص من القاتل بإعدامه يصدر به حكم من القضاء بعد أن يقوم الدليل الشرعي على ثبوت جريمة القتل على الجاني، وأولياء الدم يقف سلطانهم عند اختيار ما يشفي نفوسهم، أو تتحقق به مصلحتهم من طلب القصاص من القاتل أو الرضاء بالدية أو العفو، فشريعة القصاص تصون حياة الجاني حتى يصدر الحكم عليه بقتله قصاصاً بناء على طلب ولي الدم، بينما لا يعرف الانتقام سوى حكم النفس وشهوة الثأر بلا دلیل قائم، وإذا كانت شريعة القصاص أصلها وعمادها المساواة، فإن الانتقام لا يعرف تسوية ولا يرضى العدل في العقاب، ويكفي أن الله تعالى قد قرن السلطان الذي أولاه لولي الدم بالنهي عن الإسراف في القتل؛ لأن شريعة القصاص أصلها كما ذكرنا التسوية والعدل في الجزاء، بينما الانتقام يقوم على الظلم والإسراف في العقاب .
وجدير بالذكر أن مسلك التشريعات الجنائية الوضعية قد شابه التردد في شأن عقوبة الإعدام كجزاء لجريمة قتل النفس عمداً، وارتفعت دعوات تنادي بأنه ليس من حق المجتمع أن يوقع هذه العقوبة بأحد أفراده وأن يسلبه حياته، بينما بقي جانب كبير من العلماء والمفكرين على وجوب إبقاء عقوبة الإعدام لما يظهر فيها من عدل كجزاء على جرائم القتل العمد، ولما يتحقق بها من ردع للقتلة وزجر لغيرهم في أخطر جريمة تقع على الإنسان، ووسط هذا التردد يقف الشرع الإسلامي - الشريعة القصاص - موقفاً لا تردد فيه ولا يمكن أن يتوجه إليه نقد من كلا الطرفين؛ لأنه أبقى على العقوبة - وهي القصاص من القاتل - حين يكون إعدامه محققاً للجزاء العادل وللمصلحة من إبعاد فكرة الانتقام والنار، وفتح الطريق لعدم إعمال هذه العقوبة حين يكون أقرب الناس إلى المجني عليه وأولاهم بطلب العدل في مقتله - قد شفیت نفوسهم، وتحققت مصلحتهم بعد أن مارسوا الحق الذي أعطاه الشارع لهم، وأبقى الشرع الإسلامي بعد ذلك للحاكم حق تعزير القاتل الذي عفا عنه أولياء الدم، أو رضیت نفوسهم بالدية منعا للفساد في الأرض، وقياماً بحق المجتمع في الأمن وحفظ النفس وصيانتها، وبذلك تنأى شريعة القصاص عن الإفراط أو التفريط في حق الفرد أو المجتمع، وليس أدل على تردد التشريعات الوضعية في الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغائها من أن عقوبة الإعدام بعد أن ألغيت في بعض الدول كإيطاليا ورومانيا والبرتغال - أعيدت إلى توقيعها .
وفي عام 1955 رفض مجلس العموم البريطاني اقتراحاً بإلغاء عقوبة الإعدام لفترة معينة على سبيل التجربة، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن المحكمة الدستورية العليا قد اتخذت قرارا بتاريخ (29) من يونية سنة 1972 بأغلبية خمسة أصوات ضد أربعة باعتبار عقوبة الإعدام غير دستورية .
وذلك فإن الشرع الإسلامي يبدو وسط هذه التشريعات الوضعية وقد أدرك العدل بتقريره القصاص أصلا عقوبة لجريمة القتل العمد، ويفتح باب العدول فيها إلى الدية، الإدراك مصلحة محققة لأقرب الناس إلى المجني عليه أو للمجتمع، وصدق الله العظيم إذ يقول: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ [البقرة، الآية: 179]
قال ابن القيم :
لولا القصاص لفسد العالم، وأهلك الناس بعضهم بعضاً ابتداءً واستيفاءً، فكان في القصاص دفقا لمفسدة التحري على الدماء بالجناية وبالاستيفاء، وقد قالت العرب في جاهليتها: القتل أنفي للقتل، وبسفك الدماء تحقن الدماء. فلم تغسل النجاسة بالنجاسة بل الجناية نجاسة، والقصاص طهره، وإذا لم يكن بد من موت القاتل ومن استحق القتل فموته بالسيف أنفع له في عاجلته وآجلته، والموت به أسرع الموتات وأرجاها وأقلها ألم، فموته به مصلحة له ولأولياء القتيل ولعموم الناس، وجرى ذلك مجرى إتلاف الحيوان بذبحه لمصلحة الآدمي، فإنه حسن وإن كان في ذبحه إضرار بالحيوان، فالمصالح المرتبة على ذبحه أضعاف أضعاف مفسدة إتلافه .
وخلاصة القول : أن شريعة القصاص في جريمة القتل العمد يتمثل فيها العدل بالتسوية بين الجريمة وعقوبتها، كما تتلاقى هذه الشريعة مع النفس الإنسانية التي تعتبر جريمة القتل واقعة بها أو بأقرب الناس إليها أولا ثم بالمجتمع - وهي النظرة العملية السليمة، وفضلا عن ذلك تقضي شريعة القصاص على كل نزعة للانتقام الشخصي أو الثأر من الجاني، ما دام حكم الشرع هو القصاص أصلاً - ما لم يرض أولياء الدم بالدية أو بغيرها، وأخيرا فإن إنزال القصاص بالجاني قد أحاطه الشارع بضمانات لا يعرفها القانون الوضعي في مجال الإثبات وفي مجال التنفيذ؛ إذ إن إثبات الجريمة التي تستوجب الإعدام قصاصاً لا يكون إلا بالدليل الشرعي، وتنفيذ العقوبة فعلاً يكون بعد القضاء بها وبعد انتفاء العفو من أولياء الدم .
المبادئ العامة في تقنين شريعة القصاص :
راعى مشروع القانون أن شريعة القصاص في أحكامها تستند إلى قواعد أصلية في التشريع الجنائي الإسلامي الذي يعرف كل ما أوردته القوانين الوضعية من قواعد التجريم والعقاب، وقد ارتأت اللجنة أن المبادئ العامة التي وردت في قانون العقوبات تستند إلى أساس شرعي فأبقت عليها، فقد بحث الفقهاء المسلمون على هدي ما ورد من نصوص في القرآن الكريم أو السنة النبوية حكم المساهمة الجنائية، وعرفوا تعدد الفاعلين وطرق الاشتراك من التحريض أو الاتفاق أو المساعدة، وكذلك تعدد الجرائم والعقوبات، وبحثوا كذلك أساس المسئولية الجنائية، وأسباب انتفائها، وأوردوا حكم الضرورة التي تلجئ وأثره في المسئولية، وتناولوا أسباب الإباحة بحالاتها الواردة في القانون الوضعي من استعمال الحق، أو أداء الواجب، أو الدفاع الشرعي - وهو ما يطلق عليه في الشريعة دفع الصائل -، وصغر السن، ومن الجنون أو العاهة في العقل، ولا نكاد نجد في المبادئ العامة في هذا القانون موضوعا إلا ونجده في الشرع الإسلامي، ولذلك وبعد أن تبين أن ما نص عليه هذا القانون من هذه المبادئ لا يعدم سنداً من الفقه الإسلامي؛ لتعدد مذاهبه وغناها بالبحث والتأصيل - فإنه يتعين الرجوع إلى هذه المبادئ .
واختارت اللجنة من مذاهب الفقه الإسلامي في أحكام المشروع - أقرب المذاهب والآراء إلى حياة الناس في هذا العصر، سواء أقوال المتقدمين أو المتأخرين من فقهاء المذاهب الإسلامية، كما استعانت بها كتبه المحدثون من الفقهاء في هذه الموضوعات دون التقيد بمذهب معين يجري على كل الأحكام، وهي خطة سليمة سبق أن أتبعها المشروع المصري من قديم في نصوص قوانين الأحوال الشخصية .
وقد رأت اللجنة أن تعالج في هذا المشروع أحكام القتل شبه العمد، وهو ما يسمى في القانون الوضعي الضرب المفضي إلى الموت، وتجب فيه الدية أصلاً في الشرع الإسلامي، كما تناول المشروع أحكام جريمة القتل الخطأ، وتجب فيه الدية، وأحكام إسقاط الجنين وما يستحق لذويه من غرة مقدرة (الغرة نصف عشر الدية). ولا شك أن هذه الجرائم يجمعها أنها قتل نفس عمداً أو شبه عمد أو خطأ، ويجمعها كذلك أن الدية قد تجب في القتل العمد إذا لم يكن مستوجباً لعقوبة القتل قصاصاً، وأن الدية تستحق لأولياء الدم في حالتي القتل شبه العمد والقتل الخطأ في كل حال .
وتعزيزاً لحق المجتمع في العقاب، وتمكيناً للدولة من مقاومة الإجرام - وهما من المقررات الإسلامية - فرق المشروع بين القتل العمد الذي يستوجب بحسب الشرع عقوبة الإعدام قصاصا، وبين الجرائم التي لا تستوجب هذا القصاص، فأبقى على أحكام القانون الوضعي في شأنها، كما أحال إليه في شأن عقوبة القتل شبه العمد والقتل الخطأ، وقد راعی المشروع في الجملة أن يضيف - ما أوجبته الشريعة الإسلامية من ميزات تتعلق بحقوق أولياء الدم في الدية، أو بحقوق الجاني في الضمانات التي تتاح له قبل الحكم عليه أو قبل تنفيذ العقوبة - إلى ما ورد بصفة عامة في القانون الوضعي، وجمعا بين ما جرى عليه العمل وما ينتظره الناس من أمل عند العمل بهذا التشريع .
وأضاف المشروع أحكاما مستحدثة أصلها تجريم القتل بالترك، سواء أكان قتلاً عمداً أم قتلاً شبه عمد، وهو تقدم في سياسة التجريم يجد سنده في أحكام الشرع الإسلامي، كما جرم واقعة تستوي مع الشهادة الزور التي تؤدي إلى الحكم بالإعدام وينفذ الحكم، وهي إكراه متهم على الإقرار على نفسه بجريمة استوجبت الحكم عليه بالإعدام ونفذ عليه الحكم، وأضاف المشروع في حكم العذر المخفف عند قتل الزوج زوجته المتلبسة بالزنا بأن مد حكم العذر إلى الأب والابن والأخت، ولذلك سنده من الشرع وأخذت به بعض التشريعات الوضعية كالقانون الإيطالي والقانون الليبي، مما يجعل هذه الأحكام وغيرها مما أضافه المشروع استكمالا لنقص واتجاها إلى الأفضل في السياسة الجنائية .
ونظراً لأن أحكام المشروع كلها روعي فيها أن تدخل في التطبيق في ظل أحكام قانون الإجراءات الجنائية، فقد أحيل إليه عمداً ما نص عليه من أحكام مستحدثة لا نظير لها في ذلك القانون، وفيما يلي التعليق على أحكام المشروع .
الفصل الأول
في القتل وإسقاط الجنين
مادة (189) : کل بالغ قتل نفساً عمداً يعاقب بالإعدام قصاصاً إذا كان المقتول معصوم الدم وليس فرعاً للقاتل، ونفس الذكر والأنثى والمسلم وغير المسلم سواء .
الإيضاح
(1) في القتل العمد :
قال في المصباح : قتلته قتلاً أزهقت روحه فهو قتيل، والمرأة قتيل أيضاً إذا كان وصفاً، والجمع قتلى (المصباح المنير (2)/ (70)) .
وفي مادة عمد: عمدت للشيء عمداً من باب ضرب، وعمدت إليه قصدته وتعمدته وقصدت إليه أيضا، والحاصل أن معنى القتل العمد لغة إزهاق الروح قصداً .
في مذهب الحنفية
قال أبو حنيفة :
القتل العمد الموجب للقصاص ما تعمد فيه ضرب المقتول بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح (الهداية مع تکملة فتح القدير (8)/ (245))، أو هو: تعمد ضرب الآدمي بالحديد - سواء كان له حد كالسيف والسكين، أو طعن کالرمح أو الإبرة - في مقتل، أو با كان الحديد في تفريق الأجزاء المحدد من الخشب، والحجر، والزجاج، والليطة - قشر القصب - وكالنار، ومثل الحديد في ذلك غيره من المعادن كالنحاس، والرصاص، والذهب، والفضة. أما آلة القتل المتخذة من الحديد وما يشبهه إذا كانت غير محددة کالعمود و صنجة الميزان فقد اختلف الحكم فيها، فعلى ظاهر الرواية: يكون القتل بها عمداً، ولا يشترط في الحديد وما يشبهه الجرح لوجوب القصاص. وعلى رواية الطحاوي: العبرة للجرح نفسه حديداً كان أو غيره. وهذه الرواية أصح .
هذا معنى القتل العمد عند أبي حنيفة - وقد جعله في الحديد أو المحدد -، فإذا قتل الجاني المقتول «المجني عليه» بأحد هذه المذكورات وجب أن يقتص منه، وإذا كان القتل بغيره لم يكن عمداً فلا يوجب القصاص، بل يعتبر عنده شبه عمد فتجب الدية .
والواقع أن حصر أبي حنيفة للعمد فيما ذكره يؤدي إلى قتل أناس والقاتل آمن على نفسه من القصاص. وقد اشتهرت هذه المسألة في مقابلة رأي أبي حنيفة بعدم القتل بالمثقل، یعني من قتل غيره بحجر ثقيل أو عصاً غليظة فليس عليه قصاص، ولا شك أن الحجر الكبير والخشبة الغليظة تزهق الروح بضربة أو ضربتين بلا نزاع، وهو آمن على نفسه من الإعدام، وقد خالف كل الفقهاء في ذلك حتى صاحبيه أبي يوسف ومحمد .
والعمد عند صاحبي أبي حنيفة :
ما تعمد فيه القاتل ضرب المقتول بها لا تطيق النفس احتاله، سواء كان بسلاح أو بها أجري مجرى السلاح، أم بغيرهما مما فيه تعمد ضرب الآدمي با يقتل غالباً کسیف وحجر عظيم وخشبة ثقيلة .
ويقتضي تعريف القتل العمد في مذهب الحنفية في قول الإمام خروج القتل بالمثقل عند الإمام فلا يوجب القصاص، وهذه الصورة معروفة في القانون «ضرب أفضى إلى موت» وعقوبتها غير القصاص، ولو ألقى شخص شخصاً آخر من الجبل أو من سطح أو غرقه في الماء، أو خنقه إلى أن مات كل ذلك غير عمد بل شبه عمد لا قصاص فيه عند الإمام، وعند صاحبيه يكون القتل عمداً إذا قتله بما يقتل غالباً، فإن كان لا يقتل غالبا يكون شبه عمد، ولا جزاؤه الدية المغلظة، ويسمى خطأ العمد .
ولا يشمل القتل بالتسبب ولو كان معه قصد الجناية على المقتول بها يقتل غالبا؛ لأن تعمد الضرب إنما يفيد المباشرة، والقتل بالتسبب قسم خاص عنده، وكذلك لا يشمله تعريف الصاحبين، ولا يشمل تعريفهم القتل الناشئ من موالاة الضرب بعصا صغيرة، وهو عندهم قتل شبه عمد؛ لأنه مما تطيق النفس احتماله .
ولا يشمل تعريفهم أيضاً ما إذا قصد الجاني قتل إنسان معصوم فأصاب معصوماً مثله، فإنه لا يعتبر من القتل الخطأ عندهم، ولأنهم يرون أن التعمد الملاحظ في التعريف هو القصد المعتبر يجعلان عمد الصبي والمجنون من القتل الخطأ وشبهة أبي حنيفة في رأيه ما أخرجه البيهقي من حديث النعمان بن عاشور قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل شيء خطأ إلا السيف». فهذه قصرت العمد في السيف أي المحدد، وفي رواية: «كل شيء سوى الحديدة خطأ». وهذه قصرت العمد على الحديد. وهما معاً يقتضيان أن كل ما كان بغير المحدد والحديد ولا يعمل عمله يكون من الخطأ .
وردت استدلالات الحنفية بالطعن في الرواية بوجود رواة لا تصلح رواياتهم للاحتجاج بها، بل ضعفت الأحاديث بهؤلاء الرواة ووجهة نظر المذهب الحنفي في اعتبارهم العمد - أن العمد هو القصد والقصد أمر باطني لا سبيل إلى الاطلاع عليه إلا باستعمال الآلة الخاصة بالقتل وهي المحدد أو ما يعمل عمله، فنسب إليها الحكم وعلل بها؛ لأنها هي التي يمكن ضبطها ولكنها تحمل الشك في قصد القتل .
ولكن يرد هذا بأن القصد إذا وقف عليه بالسلاح وما يعمل عمله يوقف عليه باستعمال ما يقتل غالباً، کالمثقل الكبير، وأقيم ما يقتل غالباً مقام القصد تيسيراً، كما أقيم السفر مقام المشقة، و أقيم النوم مضطجعاً مقام الخروج من السبيلين، والبلوغ مقام اعتدال العقل تيسيراً، والآلة القاتلة غالباً هي المحددة؛ لأنها هي المعدة للقتل، وما ليس له حد فليس بمتعمد .
ولأبي حنيفة نص حديث آخر: «ألا إن قتيل العمد الخطأ - قتيل السوط والعصا والحجر - فيه دية مغلظة مائة من الإبل، بينها أربعون خلفة في بطونها أولادها». ففي الحديث تسمية القتل بغير المحدد عمد الخطأ، وأوجب فيه الدية دون القصاص .
ووجهة الصاحبين أن معنى العمدية يتقاصر باستعمال آلة لا تقتل غالباً؛ لأنه يقصد به التأديب أو إتلاف العضو، ولا يتقاصر باستعمال آلة تقتل غالباً، فتكون كالسيف في تحقيق العمد، وبها روي أنه صلى الله عليه وسلم رض رأس يهودي بين حجرين لرضه رأس جارية بين حجرين، وأنه صلى الله عليه وسلم قتل المرأة بمسطح وهو عمود الفسطاط .
ولكن قيل : إن الرسول رض رأس اليهودي؛ لأنه علم أنه مفسد في الأرض قاطع طريق، فهو مقتول حداً لا قصاصاً، وحديث المرأة التي قتلت امرأة بعمود لم يصح .
(في مذهب المالكية)
في كتاب المدونة في مذهب مالك :
إن كل ما تعمده الإنسان من ضرية بلطمة أو بلكزة أو ببندقة أو حجر أو بقضيب أو بعصا قتل عمد فيه وفيه، القصاص إذا مات المجني عليه، سواء قصد الجاني القتل أو لم يقصده ما دام الفعل عمداً وعدواناً، وليس على وجه اللعب أو التأديب لمن له ذلك .
وعند ابن عرفة المالكي: القتل العمد: ما قصد به إتلاف النفس بآلة تقتل غالباً ولو بمثقل أو بإصابة المقتل، کعصر الأنثيين، وشدة الضغط والخنق ، فمعناه أن القتل العمد ما قصد به إتلاف معصوم بها يقتل غالبا، فهو بذلك يثبت شبه العمد، أي لا يقتصر على التقسيم الثنائي للقتل - العمد والخطأ - وهو المشهور عن أمامة بالقيود التي ذكرها ابن عرفة في عبارته هذه .
وعلى رواية نفي شبه العمد، فالقتل العمد: هو قصد المكلف ضرب المعصوم بمحدد أو مثقل بقضيب وسوط مما يقتل غالباً، وإن لم يقصد قتلاً، أو قصد زيداً فإذا هو يصيب عما إذا فعله لعداوة أو غضب لغير تأديب .
وإن كان على وجه التأديب أو اللعب فهو من الخطأ إن كان بقضيب لا بنحو سيف (في غير الأب) أما الأب فلا يقتل بولده ولو قصد وما لم يقصد إزهاق روحه أو بسبب في إهلاك معين .
في مذهب الشافعية
وعند الإمام الشافعي القتل العمد :
قصد الفعل وعين الشخص بما يقتل غالباً جارح أو مثقل، فيتحقق بالآلة الجارحة وبالمثقل الذي يقتل في الغالب، واستند هذا الرأي إلى قوله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) (سورة الإسراء، آية: 33)، ولا شك أن من قتل بغير الجارحة مظلوم، وممن جعل الله لوليه سلطاناً .
وبخبر الجارية التي رض رأسها بين حجرين، وقد اقتص لها الرسول من اليهودي الذي قتلها بالرض، واقتص منه بنفس الفعل. وهذا الرأي يؤدي إلى تحقيق حكمة مشروعية القصاص عن رأي أبي حنيفة، ولكن يبقى بعد ذلك ما يحقق صيانة الدم بأعظم من هذا وذاك، فإن غرز إبرة في مقتل مزهق للروح لا يقتص منه عند هذا القائل، وكذلك إذا نزع شخص أنملة إنسان فسرت الجراحة إلى النفس حيث يجب القصاص مع أنه لا يقتل غالبا، وقد نصوا على غرز الإبرة في مقتل على أنها عمد يوجب القصاص، و أضافوها إلى ما يشمله التعريف عندهم .
وقد أخذ الشافعية من «القصد» اعتبار الصبي والمجنون من القاصدين التعمد، وصرحوا بأن القتل الحاصل منهما عمداً والحق أن قصدهما لا يعتبر صحيحاً؛ لانعدام الأهلية فيها للحديث الذي أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يكبر، والمجنون حتى يفيق» .
والدية تسقط عنهما وتتحملها العاقلة مثل دية الخطا، ولذلك قرر جماهير أهل العلم أن عمدهما خطأ .
ولا يزال تعريف الشافعية للقتل العمد قاصرا عن استغراق كل ما يعتبر عمداً، كما إذا أراد شخص قتل شخص معين فأصاب غيره .
والتقيد بعين الشخص يقتضي عدم تحقق العمد إلا بقصد شخص بعينه ، مع أن قصد شخص لا يعنيه قصد للماهية، أي للقدر المشترك بين جميع الأفراد، وإذا لم يعتبر من قصد شخصاً لا يعنيه قاتلاً عمداً لأمكن لكل عدو قتل عدوه، ويدعي أنه لم يقصده بعينه، وينجو من القصاص، ثم إن الوقوف على معرفة قصده عسير، فيكفي أن يكون القاتل قاصداً القتل، ويكون المقتول مقصوداً في الجملة .
(في مذهب الحنابلة)
القتل العمد عندهم أن يقتل قصداً بما يغلب على الظن موته به، عالماً بكونه آدمياً معصوماً، ومقتضاه أن يقتص من القاتل إذا قتل بألة لا تقتل غالباً، وفي ذلك ما قدمنا من الشخص الذي يوالي الضرب على آخر حتى يموت .
والتعريف لا يشمل عمد الصبي والمجنون؛ لأن القصد المعتبر في القتل هو القصد الصحيح، ولا يتحقق منها قصد صحيح؛ إذ هما من غير أهله، والأصل في هذا حديث: «رفع القلم»، وهو نص في إخراجها من العمد ومؤاخذته، ويخرج عن هذا التعريف عند الحنابلة من قصد شخصاً معصوماً فأصاب معصوماً آخر؛ إذ التعريف يقتضي أن يقصد القاتل قتل المقتول، والتعريف في جملته يبين: أن القتل الموجب للقصاص لا بد فيه من :
(1) أن يكون قاصداً بالقتل شخصاً يعلمه أنه آدمي معصوم، فإذا لم يقصد القتل، أو قصد قتل إنسان غير معصوم الدم، فأصاب غيره - لم يكن قاتلاً عمداً في الحالتين. (عدم القصد للقتل - وقصده غير معصوم، ولا قصاص عليه في أيها) .
2- وأن يكون الفعل الذي أدى إلى القتل من الأفعال التي تقتل غالبا، سواء كان مباشرة أو تسبباً .
3- وأن يكون الفعل اعتداءً، فلو كان بقصد التأديب لم يكن عمداً موجباً للقصاص، وذلك إذا لم يتجاوز الحد، فمن قصد تأديب ولده أو امرأته أو صبيه أو تلميذه أو أحد رعيته، ولم يسرف الأب أو الزوج أو المعلم أو الأستاذ أو السلطان، ولكن التأديب أفضى إلى القتل وتلف المؤدب - فلا ضمان على المؤدب؛ لأنه مأذون فيه شرعاً، فلا ضمان لما تلف بفعله المأذون فيه كالحد .
فإذا زاد في التأديب وأسرف فيما أذن له فيه بأن زاد على المعتاد، أو زاد على ما يتحقق به المقصود، أو أوقع الضرب على من لا يحصل منه المقصود، بأن ضرب من لا عقل له غير صالح للتأديب من صبي ومجنون ومعتوه؛ لأنه غير مأذون شرعاً في ذلك؛ لأن الشارع لا يأذن بالعبث .
وقد وضح صاحب المغني معنى القتل العمد عند الحنابلة فقال: إن ذلك نوعان :
1- أن يضرب القاتل المقتول بمحدد، وهو ما يقطع ويغوص في البدن، كالسيف والسكين، وهذا ما رآه أبو حنيفة. ثم قال .
2- النوع الثاني من العمد: أن يقتل القاتل المقتول بغير محدد مما يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله، فذاك عمد موجب للقصاص أيضاً، وبذلك قال النخعي، والزهري، وابن سيرين، وحماد، وعمرو بن دينار، وابن أبي ليلى، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد .
وقال الحسن : لا قود في ذلك. وروى ما رآه الحسن عن الشعبي .
وقال سعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس: العمد: ما كان بالسلاح .
وقال أبو حنيفة كما سبق عنه: لا قود في ذلك، إلا أن يكون القتل بالنار، وعنه في حكم القتل بالمثقل روايتان .
(في مذهب الظاهرية)
بين الظاهرية القتل العمد بأنه :
ما تعمد به المرء مما قد یمات من مثله، وقد لا يمات من مثله .
وبالتأمل القريب يتضح شمول تعريف ابن حزم لبعض صور العمد عند الجمهور وأهل الظاهر کالك في المشهور عنه ينفون شبه العمد .
فالجريمة عندهم وعند كل من أنكر القسم الثالث: إما عمد - أو خطأ ولا ثالث لها - وأن القتل يتميز باعتبار آلة القتل، وهو بهذا الاعتبار نوعان :
1- ما تعمد به المرء مما قد یمات من مثله، وقد لا يهات من مثله، قال أبو محمد: هذا عمد وفيه القود أو الدية كسائر هذا النوع، وهو القتل العمد؛ لأنه عدوان، قال تعالى:(فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ) .
2- والثاني: ما تعمد به مما لا يموت أحد أصلاً من مثله ، فهذا ليس قتلاً عمداً، ولا خطأ، ولا شيء فيه إلا الأدب .
وقال أبو محمد: إن القصاص واجب في كل ما كان بعمد من جرح أو كسر؛ لإيجاب القرآن ذلك في كل تعمد، وفي كل حرمة، وفي كل عقوبة، وفي كل سيئة، وورود السنن الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم .
وبالتأمل فيما ذكرنا من هذه التعاريف يتبين :
أولاً: من ناحية القصد :
فلأجل أن يتحقق القتل العمد الموجب للقصاص اشترط الحنفية والشافعية والحنابلة قصد القتل في الفعل العمد للعدوان .
وأما عند المالكية : فلا يشترط القصد ما دام الفعل عمداً عدواناً ، وقد أدى إلى موت المجني عليه .
ثمرة الخلاف :
(أ) والخلاف في القصد تظهر ثمرته فيما إذا جنى شخص على آخر بفعل عمد عدوان، أدى إلى موت المجني عليه، ولم يكن عند الجاني قصد القتل، أي أنه خلا عن القصد .
فعند المالكية يجب القصاص عليه، ولا يجب عند غيرهم؛ إذ لا يعتبر عمداً فلا قصاص فيه بل هو شبه عمد تجب فيه دية مغلظة، وهذا أيضا مما يتفرع على نفس القسم
(1) سورة البقرة، آية: (194).
(2) ابن حزم في المحلى جـ (10) ص (403) .
الثالث وهو شبه العمد، فمن لا يقول به يدخل الصورة في العمد، وغيرهم شبه العمد واقع تدخل في مفهومه أي صورة خلت عن قيد أو قيود العمد .
(ب) إذا رمى القاتل معصوماً فأصاب غيره، عند غير المالكية كما تدل تعاريفهم تقتضي إبعاد ذلك عن القتل العمد؛ لأنه لم يقصده عينا، وعند مالك تدخل هذه الصورة في العمد، فيجب عنده القصاص فيها - ولا قصاص عند الجمهور .
والخطأ في القصد - ويسمى الخطأ في الشخصية - لم يكن في حساب غير المذهبين الشافعي والمالكي، وعند الشافعية والمالكية هي من العمد الموجب للقصاص .
(جـ) القتل بها قد يمات من مثله عمد في مذهب الظاهرية إذا تعمد القاتل المقتول، فوجب القصاص، واعتبره الجمهور غير الظاهرية شبه عمد تجب فيه الدية المغلظة، كما هو حکم شبه العمد عند من يقول به .
(د) عمد الصبي والمجنون من القتل العمد عند الشافعية كما يؤخذ من تعريفهم، وعند الجمهور أخذا من تعاريفهم للقتل العمد، يعتبر عمدهما من باب الخطأ في الجزاء، وهي ظاهرة تحت العلم بالتكليف وصلاحيتها له .
ثانياً: من ناحية آلة القتل : يشترط عند أبي حنيفة في تحقق القتل العمد أن يحصل القتل بمحدد كالسيف، وعنه في غير المحدد من الحديد کالعمود وصنجة الميزان، فعلى ظاهر الرواية يكون القتل عمداً ، وعلى رواية الطحاوي العبرة عنده بالجرح نفسه سواء كان حديداً أو غير حديد، ومثل الحديد في ذلك غيره من سائر المعادن كالنحاس والذهب والفضة، والرصاص، فإن كان القتل بالمثقل غير المحدد وما يشبهه کالحجر الكبير، فهو شبه عمد عند أبي حنيفة. وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد يشترط في آلة القتل أن تكون مما يقتل غالباً من محدد ومثقل .
وعند مالك لا يشترط في الآلة شيئاً ، فلا يلزم أن تكون مما يقتل غالباً إذا أدى الفعل إلى الوفاة، ما دام الفعل عمداً عدواناً .
ثمرة الخلاف وما يترتب على الأراء :
بمقتضى اختلاف التعاريف المذكورة للقتل العمد تظهر آثار ذلك فيما يأتي من حيث آلة القتل :
(أ) لو تعمد شخص ضرب شخص آخر بعمود من حديد أو ما يشبه الحديد من المعادن کالنحاس أو الرصاص أو الذهب أو الفضة وغيرها فقتله، فعند أبي حنيفة على ظاهر الرواية يكون القتل عمداً یوجب القصاص، وعلى رواية الطحاوي يكون القتل شبه عمد تجب فيه الدية المغلظة . وعند الصاحبين أبي يوسف ومحمد، والإمام الشافعي وأحمد ومالك: يكون القتل عمداً يجب فيه القصاص .
(ب) وإذا تعمد شخص ضرب آخر بالمثقل من غير المحدد وما يشبهه، کالحجر الكبير والخشبة الكبيرة فقتله، فعند أبي حنيفة هذا القتل شبه عمد تجب فيه الدية المغلظة، وعند غيره من جمهور الفقهاء يكون عمداً موجباً للقود .
(ج) وإذا تعمد شخص ضرب آخر بعصا صغيرة فيات المضروب، وكان الفعل عمداً عدواناً - عند مالك يكون عمدا موجبا للقصاص، وعند غيره يكون شبه عمد موجباً للدية المغلظة .
العمد وشبه العمد عند الأئمة :
من جعل القتل الموجب للأحكام قسمين عمداَ وخطأ - يدرج ما هو شبه عمد عند باقي الأئمة في العمد نفسه، وقد يدخل في الخطأ على القول الآخر غير المشهور عند المالكية، والفرق بين الإلحاقين واضح، وهو إيجاب القصاص على الأول، وإيجاب الدية على القول الآخر غير المشهور .
وعند باقي الأثمة غير مالك وهم الذين قالوا بأن القتل ثلاثة أقسام، اعتمدوا في ذلك على حديث عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعلى ما ورد عن أصحاب السنن - إلا الترمذي - فقد جاء في هذه الروايات: «ألا إن في قتیل عمد الخطأ - قتيل السوط والعصا - مائة من الإبل مغلظة، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها». (نيل الأوطار للشوكاني (7)/ (18)) .
وقد روى أبو هريرة كما أخرج الشيخان: «اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها ومن في بطنها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عائلتها، أي الضاربة». فهذا ليس عمداً ؛ لأن العاقلة لا تحمل في العمد، وليس خطأ بأتفاق ؛ للقصد، فلم يبق إلا أنه شبه عمد .
ويحمل الحجر المذكور على الحجر الصغير للأدلة الدالة على وجوب القصاص في القتل بالمثقل، ثم إن مفهوم العمد يقوى باعتبار شبه العمد قسماً شاملاً للصور التي قالوا: إنها شبه عمد ، وفيها الدية المغلظة. فالأفعال بالنيات، والقصد إلى القتل هو الأساس المميز للعمد، والقصاص ينبني عليه ؛ لأنه أهم أجزاء العلة في التأثير، ولكنه باطن خفي لا سبيل إلى الاطلاع عليه، فاحتاج كشفه إلى شواهد الحال، فإذا دلت الشواهد على أن القاتل لم يقصد هذا المقتول بعينه، بل قصد غيره فأصابه، كمن صوب الرصاص إلى شجرة فأصابت إنسانا، أو ظنه صيدا فأصاب المقتول، أو اعتقد أنه قاتل أبيه، فقصده فأصاب سواه، أو دلت الشواهد على أنه قصد القتيل بعينه، ولكن لم يقصد الفعل الذي قضى عليه، كمن يطلق مسدسا لظنه فارغا، فإذا هو عامر بالطلقات، فإذا دلت الشواهد على أنه قصد الشخص بعينه أو الفعل الذي قتله، فإن ذلك لا يكفي لإثبات قصد القتل، فالآلة المستعملة قد لا تكون قاتلة، ومن يرد أن يقتل يستخدم آلة تحقق غرضه، ومن هنا وجب النظر إلى الآلة إن كانت مما تقتل غالبا، كالسلاح الأبيض أو الناري تبين قصد القتل، فیدارعلى ذلك حكمه وهو القصاص. (وقد نص الحنفية على أنه إذا عمد إنسان سلاحه إلى يد رجل فأخطأها وأصاب عنقه، فأطاح بها - كان عمدا وفيه القصاص). (فتح القدير (8)/ (299)، ومجمع الأنهر (2)/ (617). وهذا إهدار لخصوص الموضع المقصود بالإصابة من أنه مقتل أو غير مقتل) .
فإذا كانت الآلة مما لا تقتل غالباً كلطمة أو لكمة في غير مقتل، علمنا أنه لم يقصد القتل فلا قصاص لانتفاء مظنة القصد التي أقيمت مقامه للخفاء الباطن .
ولكن لمكان الشبه بالعمد لتوفر القصدين: قصد القتيل بعينه، وقصد الفعل الذي أودى بحياته - كان أغلظ وأفحش، فيا انتفى فيه أحدهما فيصير ذا مرتبة بين المرتبتين، وبذلك أخذ حكماً خاصاً به ناشئاً من حقيقته، ولذلك أخذ نوع تغليظ في الدية الخاصة به بالتثبت (مغني المحتاج (4)/ (14)، المغني لابن قدامة (2)/ (249)، فتح القدير (8)/ (252)) .
(القتل بالمثقل)
نشات مسألة سميت : القتل بالمثقل من تعريف الإمام أبي حنيفة للقتل العمد الموجب للقصاص بالضرب بالمحدد كالسيف والسكين، وهو ممن قالوا بالقسمة الثلاثية، يعني: المثبتون لقسم «شبه العمد»، أو عمد الخطأ، أو خطأ العمد، وساقوا فيه الحديث المروي عن ابن عمر وابن عمرو، وفيه أن الفاعل عمد الفعل وأخطأ القتل، والمراد أنه تعمد الفعل الذي ترتب عليه القتل (زهوق الروح)، واستعمل آلة لا تقتل غالباً .
فأبو حنيفة قال: إن شبه العمد هو القتل بغير النار والآلة الحادة من كل ما لا يفرق أجزاء البدن، مع توافر القصدين: قصد الفعل، وقصد الشخص، وبذلك التفسير الذي التزمه أبو حنيفة - اعتبر القتل بالعصا الغليظة أو الحجر الكبير شبه عمد .
ولا شك في أن العصا الغليظة والحجر الكبير هما قتل بالمثقل، فعنده أنه لا يوجب القصاص، وقد نشأ من تقييد الإمام العمد بالنار أو المحدد - أن خرج القتل بالمثقل، فلا يوجب القصاص، بل يوجب الدية الغليظة. (المحلى لابن حزم (7)/ (466) - مغني المحتاج (4)/ (4) - مجمع الأنهر (2)/ (622) - فتح القدير (8)/ (250) - ملا مسكين (2) / (260)) .
فالحاصل أن أبا حنيفة وحده انفرد باعتبار القتل بالمثقل من قبيل شبه العمد، فلا يوجب قصاصاً ، واستند إلى حديث عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو، حيث نص فيه على أن قتيل السوط والعصا مطلقاً شبه عمد، ولم يفرق الحديث بين ما خف وما ثقل، ويعتبر العمد وهو فعل القتل لا يوقف عليه إلا بالآلة القاتلة غالباً ، وهي المحدد؛ لأنها هي المعدة للقتل فيا ليس له حد فليس بعمد، وبذلك خرج القتل بالعصا الغليظة والحجر الثقيل، وسمي بالمثقل خرج عن العمد إلى أنه شبه عمد، وفيه الدية المغلظة لا القصاص. (تبيين الحقائق ج (6) ص (98) - ص (100)) .
وغير أبي حنيفة يدخل ذلك في العمد الموجب للقصاص ؛ عملاً بالعموم في نصوص القصاص، ولم تفرق بين محدد ومثقل، فتخصيص العمد بالمحدد تخصيص لا دليل عليه .
من المقرر أنه يلزم كأصل عام توافر شروط عامة للعقاب على أية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المشروع، ومن هذه الشروط أن يكون الجاني مكلفاً، ومناط التكليف البلوغ والعقل، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق». ومن ثم نصت المادة (189) على شرط البلوغ للمساءلة، وقد أجمع الفقهاء على وجوب القصاص في القتل العمد العدوان بغير حق، غير أنهم اختلفوا فيما بعد كذلك، وما لا يعد:
(أ) ذهب الزيلعي من الحنفية إلى أن القتل العمد هو ما تعمد ضربه بسلاح ونحوه في تفريق الأجزاء، کالمحدد من الحجر والخشب والليطة والنار، وهذا تعريف أبي حنيفة .
وذكر قاضيخان رحمه الله: (أن الجرح لا يشترط في الحديد وما يشبه الحديد كالنحاس وغيره في ظاهر الرواية ؛ لوجوب القصاص). وفي رواية الطحاوي: العبرة بالجرح نفسه حديدا كان أو غيره ، وقد اختار الزيلعي ذلك. (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق جـ (6) ص (97) / (98) منه، وهامش الطبعة الأولى ، المطبعة الأميرية) .
أما القتل العمد عند أبي يوسف ومحمد فهو ما تعمد فيه ضرب المقتول بما لا تطيق النفس احتماله، سواء كان بسلاح، أو ما أجري مجرى السلاح، أو بغيرهما مما فيه تعمد ضرب الآدمي بما يقتل غالباً کسیف و حجر عظيم وخشبة ثقيلة. (المبسوط للسرخسي جـ (26) ص (152)، (153)) .
(ب) بينما ذهب الشافعية إلى أن العمد في النفس بما فيه القصاص أن يعمد الرجل الرجل فيصيبه بالسلاح الذي يتخذ لينهر الدم ويذهب في اللحم، كالسيف والسكين وما أشبهه، وكذلك كل ما كان في معناه من شيء له صلابة محدد، حتى صار إذا وجئ به أو رمي به يخرق جلده، مثل: العود يحدد، والنحاس والفضة، فكل من أصاب أحدا بشيء من هذا فجرحه فيات من الجرح - ففيه القصاص، وإن ضربه بعرض سيف أو عرض خنجر أو مخيط، فلم يجرحه فيات - فلا قود فيه حتى يكون الحديد جارحا أو شارا، مثل: الحجر الثقيل يفتح به رأسه، وعمود الحديد وما أشبهه، وكذلك لو ضربه بعمود خفیف من الحديد لا يشرخ مثله أو بشيء من الحديد لا يشرخ، وما كان لا يجرح أو كان خفيفا لا يشرخ، وكذلك لو ضربه بحد السيف، فلم يجرحه ومات، ففيه العقل ولا قود فيه. وإذا كانت الآلة خفيفة وتابع الضربات مما الأغلب أنه لا يعاش من مثله، ويعقب ذلك الوفاة أو الإغماء ثم الوفاة ففيه القود. (الأم للإمام الشافعي ج (6) ص (4) / (5) طبعة الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر)، وانتهى الإمام الشافعي إلى وضع المعيار التالي الذي فيه القصاص، فيما عدا ما يقطع أو يشرخ (أن ينظر إلى من قتل بشيء مما وصفت غير السلاح المحدد، فإن كان الأغلب أن من نيل منه يقتله ويقتل مثله في مثل سنه وصحته وقوته أو حاله إن كانت مخالفة لذلك قتلا وحياة، كقتل السلاح - ففيه القود وإن كان الأغلب أن من نيل منه بمثل ما نيل منه يسلم، ولا يأتي ذلك على نفسه، فلا قود فيه) (الأم جـ (6) ص (6)) .
(جـ) أما الحنابلة فيرون أن العمد الموجب للقود: أولهما: (أن يضربه بمحدد، وهو ما يقطع ويدخل في البدن كالسيف والسكين). وثانيها: (القتل بغير المحدد مما يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله). ونقل ابن قدامة أن النوع الثاني هو الموجب للقود، قال به النخعي والزهري وابن سیرین و حماد وعمرو بن دینار وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد المغني ج(9) ص (322)/ (323)) .
(د) وذهب المالكية إلى أن الجناية الموجبة للقصاص (إن قصد ضربا للمعصوم، أي: مع علمه بذلك، احترازاً مما إذا قصد ضرب شيء معتقدا أنه غير آدمي، أو أنه آدمي غير محترم لكونه حربياً ، وإن كان بقضيب أو سوط ونحوهما مما لا يقتل غالبا، وإن لم يقصد قتلا، أو قصد زيدا فإذا هو عمرو، إن فعله بعداوة أو غضب لغير تأديب... وشبهه بالضرب في وجوب القصاص، كخنق، ومنع طعام أو شراب، قاصدا به موته فات) الشرح الكبير ج (4) ص (219)/ (210) منه، وهامش المطبعة الخيرية .
(هـ) وذهب الظاهرية بأنه «ما تعمد به المرء مما قد يهات من مثله، وقد لا يات من مثله». (المحلى لابن حزم الظاهري ج (1) ص (343)) .
(أركان القتل العمد الموجب للقصاص)
تدل التعريفات المذكورة عند الأئمة على أركان القتل العمد الموجب للقصاص من القاتل، وهي :
الركن الأول : أن يكون الاعتداء بالقتل اعتداءً واقعاً على آدمي. ولذلك ساها الفقهاء جناية على النفس؛ لأن الاعتداء واقع عليها فلا يتحقق قتل عمد إلا إذا كان المجني عليه المقتول» آدما، فإن لم يكن آدمياً بأن كان حيواناً ، فذلك باب آخر لا علاقة له بالاعتداء على النفس، والاعتداء على النفس بالقتل يوجب القصاص من القاتل، أما غيره کالحيوان فإن الجزاء ضمان التلف؛ لأن الحيوان مال، والاعتداء على المال يوجب الضمان .
الحي : ولا بد أن يكون الآدمي الواقع عليه الاعتداء حتماً قبل أن يقتل؛ لأنه إن لم يكن حيا كان الاعتداء واقعاً على ميت، والميت هو الذي خرجت منه الحياة، فالقتل مستحيل أن يقع على الميت، فهو إزهاق للروح، والميت خرجت قبل الاعتداء عليه روحه، فلا تعتبر الجريمة على الميت قتلاً ، بل تعتبر هتكاً لحرمة ميت، انتهاكاً لحرمته التي يأمر بها الشارع ويحتمها العقل، وتنفر منه الطباع النفسية، وهذه الجريمة اعتداء لم يقدر الشارع لها عقوبة مقدرة، فسبيلها في الدنيا التعزير، وفي الآخرة داخلة في باب الحلال والحرام .
حياة ظاهرة : ويشترط أن تكون الحياة الموجودة في المقتول حين قتله ظاهرة محققة، فإذا جنى شخص على جنين في بطن أمه، لم يجب القصاص على الجاني، فمن ضرب حاملا فسقط جنينها ميتا، فالحكم وجوب الدية على من ضربها؛ لما رواه أبو هريرة رحمة الله عليه أنه قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة - عبد أو أمة - ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة ماتت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبيتها» .
وما روى المغيرة أن امرأة ضربتها ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها وهي حبلى، فأتی النبي صلى الله عليه وسلم فقضى فيها على عصبة القاتلة بالدية في الجنين - غرة. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي) .
قال في الفتح : ومما ذكره الفقهاء هنا: أن وجوب الغرة، إذا انفصل الجنين عن أمه ميتاً بسبب الجناية، فإذا انفصل حيا ثم مات، وجب فيه القود أو الدية، فحين تكون الحالة التي اعتدى فيها الجنين، أنه في بطن أمه لم يخرج من بطنها إلى الحياة بعد، ثم خرج بفعل الجناية ميتا، فتلك حالة الغرة - عبد أو أمة - أو عشر من الإبل أو (100) مائة شاة، وحين :
(1) مغني المحتاج ج (4) ص (13).
(2) نیل الأوطار للشوكاني (7)/ (73)، (76).
(3) نيل الأوطار للشوكاني (7)/ (74)، (73)، (76).
يكون تأثير الجناية أن يخرج من بطن أمه حياً ثم يموت بعد ذلك بسببها، تكون الجناية قتلاً عمداً موجباً للقصاص .
الركن الثاني : أن يكون المقتول (المجني عليه) معصوم الدم على التأبيد، والعصمة المؤبدة يجب أن يتساوى فيها الكبير والصغير، الصحيح والمريض، کامل الجسم والحواس وناقص شيء منها، والعاقل کالمجنون .
وقد صرح سائر الأئمة - الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنابلة، الظاهرية - بأنه يجب أن يكون المقتول معصوم الدم .
أما إذا كان مباح الدم عند الشارع؛ لأنه حربي، أو مرتد، أو زان محصن، أو قاطع طريق - تعين قتله، فإن قاتله لا يقتل به، وإن كان بغير إذن ولا تجب دية ولا كفارة؛ لأنه مباح الدم في الجملة، وإذا توقف مباشرة قتله على إذن الإمام، فإن قاتله يأثم للإذن فقط، ويعزر من بادر بقتل أي واحد من هؤلاء؛ لافتياته على حق الإمام .
وإذا قتل شخص آخر غير ولي الدم المقتول شخصاً ، وجب قتله قصاصاً في شخص آخر قتله عمدا، فإنه يقتص من هذا القاتل؛ لأن المقتول وإن كان مهدر الدم؛ لأنه قاتل عمدا، فإنه غير مهدر عند جميع المسلمين، بل إهداره إنما هو في حق الأولياء. أما بالنسبة لمن سواهم فهو محقون الدم بالنسبة لغير الأولياء، وقد يعفو عنه أحد الأولياء .
العصمة :
يشترط لمن يقتص له أن يكون معصوم الدم على التأبيد، والعصمة المؤبدة يستوي فيها الكبير والصغير، والمريض والصحيح، وكامل الجسم والحواس وناقصهما، والعاقل والمجنون، هذا ما نص عليه فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وأهل الظاهر .
فإذا أبيح دمه؛ لأنه حربي أو مرتد أو زان محصن، أو من قطاع الطريق الذين يحتم قتلهم - فإنه لا يقتص له من قاتله، ولا تجب عليه الدية ولا الكفارة؛ لأنه مباح الدم فيؤثم إذا قتله بلا إذن، ويعزر القاتل لافتياته على حق الإمام .
فإباحة دم من عليه القصاص هو بالنسبة لأولياء الدم، فلو قتله واحد من غير الأولياء قتل به (الشرح الكبير على متن المقنع (9)/ (301) - کشاف القناع متن الإقناع (3)/ (346) - ومغني المحتاج (4)/ (14) - (15))؛ لأنه محقون الدم بالنسبة لغير الأولياء، ولا سبب فيه يباح به دمه .
والمحكوم عليه بالقصاص عمداً إذا قتله أحد أولياء المقتول، فلا قصاص ولا دية ؛ لأنه مباح الدم ، وإن توقفت مباشرة قتله قصاصاً على إذن الإمام. فيؤثم بدون إذن الحاكم العام، ويعزر قاتل هؤلاء الذين حكم بقتلهم؛ لأنه افتات على حق الإمام – فلو قتله غير الولي وجب عليه القصاص به؛ لأنه محقون الدم بالنسبة لغير الأولياء، ولا يوجد فيه سبب يباح به دمه لغير ولي المقتول - فإذا قتله اقتص منه، قال الله تعالى:
(وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا (33)(سورة الإسراء، الآية: 33). فقد خص النص الولي بقتله ، على أن غيره لا سلطان له عليه، فإذا قتله اقتص منه .
الركن الثالث : أن الآدمي المقتول معيناً في مذهب الحنفية والمالكية في القتل بسبب، والشافعية والحنابلة حسب تعريفاتهم للقتل العمد أنه لا بد وأن يكون المقتول إنساناً معيناً ؛ ليقع عليه القتل العمد، فلو قصد بالقتل إنساناً معيناً كمحمد ، ثم أصاب شخصاً آخر هو محمود - فإن الجناية تكون بالنسبة للمقتول جناية قتل خطأ، لأنه لم يقصده بل قصد غيره، فأصابه هو.
فالجناية على هذا الواقع مدارها على القصد وعدمه بالنسبة لمن وقعت عليه الجناية، فإن كان مقصودا كان عمدا عليه جناية عمد، وإن كان غير مقصود کانت خطأ .
وعند المالكية في القتل بالمباشرة : أنه إن قصد عليا فأصاب محمداً تكون جناية عمد؛ لأن الجاني قصد بفعله قتل آدمي معصوم الدم، وكون المقتول شخصاً آخر غير من قصده بالقتل لا يغير من وصف الجريمة لتصير غير عمد، ما دام قد قصد قتل الآدمي المعصوم. وهذا هو الرأي المقرر فقهاً وقضاء في القانون الوضعي، والذي تأخذ به اللجنة. ويستوي أن يكون الخطأ في شخص المجني عليه، أو في توجيه الفعل ما دامت تحققت نية القتل بالنسبة للمقصود أولاً وبالذات .
ومعنى العصمة المشروطة في القاتل والمقتول : احترام الدم وعدم إهداره بسبب الإسلام، أو بعقد الأمان، فالحربي إذا جاءنا تائباً عن الكفر فآمن بالله ، أو أعطيناه الأمان - لا يقتل، فإذا لم يلتزم أحكام الإسلام كان دمه هدراً ، فيقتل بسبب هدر دمه وعدم عصمته .
فيلزم أن يكون المقتول معصوم الدم على الدوام بإسلامه وبذمته ؛ للاحتراز عن المستأمن، فإن العصمة التي اكتسبها مؤقتة إلى رجوعه إلى دياره .
ومعنی معصوم الدم ألا يكون دم المقتول مهدراً لسبب شرعي يجعل الشخص غير معصوم الدم، والذين فقدوا العصمة هم: الحربي؛ لأنه حرب علينا، فلا يعقل أن نؤمنه وهو يتربص بنا ریب المنون ، ومن ارتكب جريمة توجب قتله حدا، ومن ارتكب جريمة قتل موجبة للقصاص .
وانتفاء العصمة من هذا إنها تكون بالنسبة إلى أولياء الدم من القتيل فقط، ولكن بالنسبة إلى غيره فهو معصوم بحيث لو قتله اقتص له، والحربي هو من ليس مسلماً وهو تابع لدولة غير إسلامية يكون بينها وبين المسلمين حرب معلنة أو قائمة ، ولم يكن مستأمناً ، فإذا لجأ إلى المسلمين وطلب الأمان وأجابته الدولة إلى ما طلب - زالت عنه صفة الحربي، ويصبح مستأمناً .
فكل من ليس بمسلم غير الحربي فهو معصوم الدم كالذمي والمستأمن .
ومن يرتكب جريمة توجب قتله حداً هو المحارب قاطع الطريق على العامة، ويرتكب جريمة القتل، مسلما وغير مسلم، فإن عقوبة هذا المحارب هي قتله حداً ، فمن قتله لا يكون مرتكباً لجناية القتل العمد متى ثبتت حرابته واستوفى شروط إقامة الحد، فماله أن يقتل حتماً ، فلا تكون لدمه حصانة ولا يعاقب قاتله باعتبار أنه ارتكب جريمة قتل، بل يعاقب تعزيراً ؛ لاعتدائه على حق السلطة العامة لإقامة الحدود .
الركن الرابع : قصد الجاني ضرب المجني عليه. القتل يوجب القصاص إذا كان عمداً يقصد الجاني ضرب المجني عليه بها يقتل غالباً ، وليس بشرط أن يقصد الجاني قتل المجني عليه ، وشرط فريق من الفقهاء أن قصد الضرب لا يكفي ؛ لتحقق القتل العمد الموجب للقصاص، ولذلك يشترطون تحقق القصد إلى القتل .
وبيانه أن الشافعي رحمه الله برى في قول عنه مرجوح: أن يقصد الجاني قتل شخص معين لكي تتحقق الجناية بالقتل العمد (مغني المحتاج للخطيب ج (4) ص (3) - (4) - (5)).
ويرى الكاساني الحنفي أنه يقصد الجاني قتل المجني عليه لتكون جناية قتل عمد بقوله في كتابه البدائع : «الثالث: أن يكون متعمداً في القتل قاصداً إياه». الرابع: أن يكون القتل منه عمداً محضاً ليس فيه شبهة العدم، لأنه لا شرط العمد مطلقاً بقوله: «العمد قود». والعمد من كل وجه، والكال لا يجتمع مع شبهة العدم، ولأن الشبهة هنا ملحقة بالحقيقة فيخرج القتل بضربة أو ضربتين على قصد القتل أنه لا يوجب القود الضربة أو الضربتان مما لا يقصد به القتل عادة، بل التأديب والتهذيب، فتمكنت في القصد شبهة العدم .
الركن الخامس : أن يكون الضرب بقصد العدوان. لكي يقع القتل عمداً لا بد أن يكون الجاني قد قصد الضرب بسبب عداوة أو غضب - عدواناً - وهو ما يعبر عنه بأنه قتل بغير حق، وهذا رأي جمهور الفقهاء؛ لأن القتل بحق ليس من العدوان، وإنما هو استيفاء للحق قد نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا (33)(الإسراء: 33 ) .
والمشروع في مادته (189) لم ينظر إلى وسيلة القتل لتغيرها بتغير الأمكنة والأزمنة، واعتبر كل من تعمد قتل النفس بغير حق قتلاً عمداً موجباً للقصاص عند توافر الشروط الأخرى، وهي بذلك تكون قد سارت على هدي الآيتين الكريمتين (178) من سورة البقرة (93) من سورة النساء، واتفقت مع رأي المالكية والظاهرية، ولا تتجافى مع قول الشافعية. أما عن نية القتل فيستظهرها القاضي من ظروف الدعوى عداوة بين القاتل والمقتول، والآلة المستعملة وتوالي الضربات وحصولها في مقتل، وهي تختلف من قضية الأخرى، مع الاسترشاد بآراء الفقهاء على ما هو مفصل في أقوالهم المبثوثة في كتب المذاهب المختلفة .
ويشترط للقصاص في حكم هذه المادة شرطان :
أولهما : أن يكون المقتول معصوم الدم، إذا ما كان غير معصوم الدم، فلا يكون فيه قصاص. والعصمة تكون بأمرين: بإيمان - أي: إسلام - أو أمان من السلطان أو غيره، والمراد بالإيمان ما يشمل عقد الجزية ، وعلى ذلك لا يعد معصوم الدم القاتل عمدا عدوانا بالنسبة لولي المقتول، وكذلك لا يعد معصوم الدم المرتد ولا الثيب الزاني إذا ثبت ارتکاب أولهما للقتل، وثبت ارتکاب ثانيها الزنا، كما لا يكون الحربي معصوم الدم .
وأخذا بعموم هذا النص، فإن المسلم يقتل بالذمي وهو رأي الحنفية؛ أخذا بها روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد مسلما بذمي، وقال: «أنا أحق من وفى بذمته». وأن هذا التعليل تنصيص على وجوب القود على المسلم بقتل الذمي، واستيفاء القود منه (المبسوط للسرخسي ج (26) .
الجزء الرابع ص (132)/ (130)) .
بينما يرى الجمهور بعدم وجوب القصاص من المسلم إذا قتل كافراً أو ذماً ؛ أخذا بقول الله سبحانه وتعالى : (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ (18) (السجدة: 18) ، وبها رواه البخاري في صحيحه: «... وأن لا يقتل مسلم بكافر». فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج (2) ص (212). فضلاً عن ضعف الأثر الذي ركن إليه الحنفية، كما أنه بعموم نص المادة يقتل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقتل البالغ العاقل بالصبي وبالمجنون ، ويقتل السليم المبصر بذي العاهة وبالأعم، ويقتل الفرع بأصله، فهذه الأمور وأشباهها لا يعتد بها في القصاص .
أما الشرط الثاني : فانتفاء الفرعية بين المقتول والقاتل، فإذا كان القاتل أصلاً للمقتول، وكان المقتول فرعاً للقاتل - فإن هذا من موانع القصاص، فلا يقتص من الأب إذا قتل ابنه، ولا من الجد إذا قتل حفيده، كما لا يقتص من الأم إذا قتلت ابنها، ولا من الجدة إذا قتلت حفيدها. والمشروع أخذ في هذا برأي الشافعية والحنفية والحنابلة وكثير غيرهم .
وسندهم في هذا ما رواه الدارقطني وأبو عيسى الترمذي عن سراقة بن مالك قال: حضرت رسول الله يقيد للأب من ابنه، ولا يقيد للابن من أبيه. قال أبو عيسى: هذا حدیث لا نعرفه من حديث سراقة، إلا من هذا الوجه، وليس إسناده صحيح، وروي عن عمرو بن شعيب مرسلاً وفيه اضطراب، وقال ابن العربي: إنه باطل. وكذا ما روي عن عمر بن الخطاب الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقاد الوالد بالولد». رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه ابن الجارود والبيهقي، قال الترمذي: وروي عن عمرو بن شعيب مرسلاً ، وهذا حديث فيه اضطراب، والعمل عليه عند أهل العلم. (سبل السلام جـ (3) ص (233)/ (234)) .
کما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى بالدية مغلظة في قاتل ابنه، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فأخذ سائر الفقهاء رضي الله عنهم المسألة مسجلة، وقالوا: لا يقتل الوالد بولده. كما استند هذا الرأي للمعقول؛ لأن الأب سبب وجود الابن، فلا يجوز أن يكون الابن سببا لفقده .
أما الرأي المقابل فيرى وجوب القصاص من الأصل إذا قتل فرعه، ودليله قول الله سبحانه وتعالى 🙁 كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ ) (البقرة: 178) . وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه قال: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم». وأنه لا يوجد خبر ثابت يجب به استثناء الأب من عموم الآية. أما عن الرد على المعقول، فإن الأب يقتل إذا زنا بابنته وهو سبب وجودها، والقصاص إنما هو لمعصية الله سبحانه وتعالى .
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن مباشر الجريمة في معنى هذه المادة هو الفاعل الأصلي لها، وذلك قد يكون بأن يقوم وحده بارتكاب الفعل المؤدي للقتل كما يكون بالمساهمة فيه مع غيره، أو بالوجود على مسرح الجريمة آتياً عملاً من الأعمال التي تمكن آخرين من ارتكاب الفعل المؤدي للقتل وفقاً لما اتفق عليه بينهم، وهو ما يعرف بالربيئة، وهذا لا يتنافى مع ما جرت به المادة (26) من هذا القانون، من اعتبار الفاعل للجريمة هو من يرتكبها وحده أو مع غيره، ومن يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال فيأتي عمدا عملا من الأعمال المكونة لها وما استقر عليه قضاء محكمة النقض من اعتبار ظهور الجاني على مسرح الجريمة وإتيانه عملا من الأعمال التي تمكن الجناة الآخرين من مقارفة الجريمة المتفق عليها بينهم شداً لأزرهم وحماية لظهورهم في مسرحها حال تنفيذها فاعلاً أصلياً ذلك لأن له دوراً مباشراً في تنفيذها بحسب ظروف ارتكاب الجريمة وتوزيع الأعمال المكونة لها بين الجناة مما اقتضى وجوده على مسرحها للقيام به وقت ارتكابها .
مادة (190) :
يدخل في القتل العمد الموجب للقصاص :
(أ) امتناع الجاني بقصد القتل عن القيام بواجبه المكلف به بناء على أحكام الشريعة أو القانون أو العقد، إذا كان من شأن هذا الامتناع أن يؤدي إلى إزهاق روح المجني عليه، ووقع القتل نتيجة هذا الامتناع .
(ب) إكراه الجاني غيره على القتل إكراها يجعله يخشى على النفس أو العرض، إذا وقع القتل تحت تأثير هذا الإكراه .
(ج) إكراه الغير على الإقرار على نفسه بغير الحق بجريمة استوجبت الحكم عليه بالإعدام حداً أو قصاصاً أو تعزيراً ، بناء على هذا الإقرار وحده، ونفذ الحكم .
(د) شهادة الزور إذا أدت وحدها إلى الحكم على آخر بالإعدام حدا أو قصاصا أو تعزیزاً ونفذ الحكم .
الإيضاح
تتكون المادة (190) من المشروع من أربعة بنود :
يعالج البند (أ) من هذه المادة القتل بالترك أو بالامتناع، وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن القتل العمد بالامتناع يوجب القود .
1- فيقول المالكية : «وشبه بالضرب في وجوب القصاص قوله: كخنق ومنع طعام أو شراب، قاصداً به موته فات... ومن ذلك الأم تمنع ولدها الرضاع حتى مات، فإن قصدت موته قتلت» (الشرح الكبير للدردير جـ (4) ص (210)).
2- ويقول الشافعية : وإن حبسه ومنعه الطعام والشراب مدة لا يتبقى فيها من غير طعام ولا شراب، فات وجب عليه القود ؛ لأنه يقتل غالباً (المهذب جـ (2) ص (176)) .
3- ويقول الحنابلة : حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما، أو الدفء في الشتاء ولياليه الباردة ، قاله ابن عقیل حتى مات جوعاً أو عطشاً أو برداً في مدة يموت في مثلها غالباً بشرط أن يتعذر عليه الطلب فعمد... والمدة التي يموت فيها غالباً تختلف باختلاف الناس والأزمنة (الإقناع ج (4) ص (165)) .
واعتبار القتل العمد بالامتناع موجبا للقصاص - يتفق وعموم آیات القصاص ، والتي لم تحدد وسيلة القتل العمد الموجب للقصاص .
4- أما الحنفية فقد اتفقت كلمتهم على أنه لا قصاص على القتل بالترك، وإن اختلفوا فيما يجب على الجاني فقالوا: «إن أدخله بيتاً فيات فيه جوعاً لم يضمن شيئاً عند الإمام وعندهما تجب الدية». مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر جـ (2) ص (490) .
وأورد البند المذكور تعداداً لمصادر الوجوب الذي يعد الامتناع عنه بقصد القتل موجبا للقصاص، فنص على الامتناع عن القيام بواجب شرعي، أي: مما نصت عليه الشريعة في القرآن الكريم وصحاح السنة النبوية ، وعن القيام بواجب بناء على قانون، أي مما نصت عليه القوانين أو اللوائح الصادرة بناءً على تفويض من القانون، وبداهة أن ذلك إنما يكون فيها لم ينص عليه شرعاً وإلا دخل في الواجب الأول، كما نص على الامتناع عن القيام بواجب تعاقدي، سواء أكان العقد بين الجاني والمجني عليه ، أو كان بين الجاني وآخر المصلحة المجني عليه، أو كان المذكور يستفيد منه أو يدخل تحت نصوصه، ولا يلزم في هذا الخصوص أن يكون قد عين بشخصه في العقد، وإنما يكفي أن يدخل تحت نصوص العقد، وأمكن تعيينه بعد انعقاد العقد .
ويلزم أن يكون من شأن الامتناع أن يؤدي إلى إزهاق روح المجني عليه، وأن يترتب عليه حصوله بسببه .
أما البند (ب) من المادة فقد خصص للعقاب على من يكره آخر على القتل، فيقوم بذلك تحت هذا الإكراه، ويلزم في الإكراه على القتل أن يكون ملجئاً ، وهو يكون بالتهديد با يعرض النفس أو عضواً من الأعضاء للتلف، كالتهديد بالقتل والتهديد بقطع عضو من الأعضاء منه، والمكره بضرب يؤدي لشيء من هذا، وهو ما يسمى بالإكراه التام (أبو زهرة ص (510) بند (530) العقوبة). وكذلك يكون بالتهديد بهتك العرض اختار أحد الأمرين، وأن يغلب على ظن المأمور أن الأمر ينفذ وعيده إن لم يستجب لأمره، وأنه قادر على ذلك .
ويلزم أن يكون القتل المأمور به بغير حق، وحالة الإكراه على القتل محل اتفاق بين جمهور الفقهاء .
حاشية الدسوقي ج (4) ص (218)، المهذب ج (2) ص (177)، تبيين الحقائق شرح کنز الدقائق كتاب الإكراه، الإقناع جـ (4) ص (171)) .
فتوافر شروط الإكراه يجعل المكره كآلة في يد المكره، فكأن المكره استعمل آلة كاستعماله حيواناً أو مجنوناً أو ما في حكمهما في القتل، فكل ذلك يكون كأن المكره هو القاتل حقيقة دون المكره .
ويعالج البند (جـ) من المادة حالة رجال الضبط أو الحكام أو غيرهم ممن يكره شخصا على الاعتراف زورا بجرم يستوجب الحكم عليه بالقتل ، وينفذ الحكم في المعترف، ويلزم أن يكون الإقرار کاذباً ، وأن المقر لم يرتكب الفعل الذي أقر به (حاشية ابن عابدین ج (5) ص (120)، بدائع الصنائع ج (7) ص (189)، (190)) .
ويلزم أن يقوم الحكم بالقتل على هذا الإقرار الكاذب وحده .
وأخيراً يتكلم البند (د) من المادة عن حالة من يشهد زوراً على آخر، شهادة أدت إلى الحكم بقتل المشهود عليه بغير حق، ويلزم أن يكون الحكم بالقتل قد أقيم على الشهادة، وكانت عماده الأصلي الأساسي .
أما إذا لم يستند الحكم على هذه الشهادة أو لم تكن هي عماده - لم تدخل في هذه الفقرة، وجمهور الفقهاء يأخذ بحكم هذه الفقرة، وخالف الحنفية في ذلك، والحاكم الذي يقضي بالقتل بناء على الشهادة الزور مع علمه يقينا بذلك - يدخل في حكمها (الإقناع ج (4) ص (166)، المهذب ج (2) ص (177)) ، وسواء كان القتل قصاصا أو حدا أو تعزيرا ما دام الحكم قد نفذ في المشهود عليه، ويقتص من الشاهدين أو الشهود الذين شهدوا بالشهادة التي أقيم عليها الحكم، ولا تكون الشهادة زوراً إلا إذا ثبت علم الشهود بكذب شهادتهم عند الإدلاء بها ؛ لما روى القاسم بن عبد الرحمن: أن رجلين شهداً عند علي كرم الله وجهه على رجل أنه سرق، فقطعه ثم رجعا عن شهادتها فقال: لو أعلم أنكما تعمدتما القطعت أيديكا. (سبل السلام ج (3) ص (243)) .
مادة (191) : في القتل الموجب للقصاص تعدم الجماعة بالواحد والواحد بالجماعة، وفي الحالة الأخيرة لا يخل القصاص بحق باقي أولياء دم سائر المجني عليهم في الدية، ولو كانت جرائم القتل من أنواع مختلفة .
الإيضاح
أما المادة (191) من المشروع فتعالج حالة تعدد الجناة أو المجني عليهم، والجمهور على قتل الجماعة بالواحد، واستدل الجمهور على ذلك بعموم آية القصاص، وبها روي أن عمر قتل سبعة برجل بصنعاء .
وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعاً . (أخرجه البخاري والموطأ). وقتل علي رضي الله عنه الحرورية بعبد الله بن خباب ، وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة وأبي سموهم الحرورية نسبة إلى حروراء مكان قرب الكوفة - أول مجتمعهم وتحكيمهم فيها. وكان علي قد توقف في قتالهم حتى يحدثوا، فلما ذبحوا عبد الله بن خباب كذبح الشاة، فأخبر علي بذلك، فقال: الله أكبر، نادوهم سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار». وقال فيه: حديث غريب. (أحكام القرطبي ص (629) طبعة كتاب الشعب) .
ومن المعقول أنه لو ترك الجماعة ولم يقتص منهم لتمالأ من يريد القتل جماعة، واشتركوا في القتل، ولم يقتص منهم .
بينها ذهب الإمام أحمد بن حنبل مستدلا بآية القصاص، وقال: لا تقتل الجماعة بالواحد؛ لأن الله سبحانه وتعالى شرط المساواة، ولا مساواة بين الجماعة والواحد، ولقوله سبحانه وتعالى : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ). (المائدة: 45) .
وقال القرطبي: «كما روي عن الزهري، وحبيب بن أبي ثابت ، وابن سیرین قولهم: لا يقتل اثنان بواحد، روینا ذلك عن معاذ بن جبل، وابن الزبير، وعبد الملك، قال ابن الزبير: وهذا أصح، ولا حجة مع من أباح قتل جماعة بواحد. وقد ثبت عن ابن الزبير ما ذكرناه» . أحكام القرآن للقرطبي ص (629) .
وقتل الجماعة بالواحد قال به الحنابلة والحنفية والشافعية والمالكية (الإقناع جـ (4) ص (169)، کشف الحقائق شرح الدقائق جـ (2) ص (272)، المهذب جـ (2) ص (174)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج (4) ص (217)) .
ويلزم أن يتعمد كل من الجناة المساهمين قتل المجني عليه، ولا يلزم تمیز فعل كل منهم، فسواء تمیز فعل كل منهم، وكان يؤدي إلى الموت، أو لم يتميز وأدى فعلهم جميعا لموت المجني عليه .
وأوردت المادة أن الواحد يقتل بالجماعة، واختلف رأي الفقهاء فيما يجب لباقي أولياء دم المجني عليهم، فذهب مالك إلى أن الواحد إذا قتل جماعة قتل بهم قصاصاً، ولا يجب مع القتل شيء من المال، سواء كان الجاني قتلهم مرة واحدة، أو قتلهم على التعاقب، وسواء كان الأولياء قد طلبوا كلهم قتله أو طلب بعضهم قتله، وطلب بعضهم الدية وإن أن أخرجوا لنا قاتل عبد الله، ثلاثاً. فقالوا: كلنا قتله. ثلاثاً ، فقال علي لأصحابه: دونكم القوم. فما لبث أن قتلهم علي وأصحابه .
بادر أحد الأولياء، فقتل الجاني قبل إبداء الآخرين رأيهم - فقد سقط حق الباقين في القصاص، ولا دية لهم. وهذا تطبيق دقيق القول بأن القصاص يجب عيناً ؛ لأن حق الجميع تعلق بالقصاص، فإذا قتل الجاني، فقد استوفوا حقهم كاملاً ، وليس لأحدهم أن يطالب بالدية ؛ لأن تنازله عن القصاص لا قيمة له، ما دام أحد الأولياء يريد القصاص، وإنما تجب الدية بدلاً من القصاص إذا امتنع القصاص، وهنا لا يمكن امتناعه ما دام أحد الأولياء يطلبه ؛ لأن محل القصاص واحد بالنسبة للجميع (بدائع الصنائع جـ (7) ص (239)، مواهب الجليل ج (6) ص (248)) .
وذهب الشافعي إلى أن حقوق الأولياء لا تتداخل، فإن قتل الجاني واحداً بعد واحد اقتص منه للأول؛ لأن له مزية بالسبق، وإن سقط حق الأول بالعفو اقتص للثاني، وإن سقط حق الثاني اقتص للثالث، وهكذا، وإذا اقتص من الجاني لواحد بعينه ، تعين حق الباقين في الدية؛ لأن القصاص فاتهم بغير رضاهم فانتقل حقهم إلى الدية، كما لو مات القاتل .
وإن قتلهم دفعة واحدة أو أشكل الحال أقرع بينهم فمن خرجت له القرعة اقتص له ؛ لأنه لا مزية لبعضهم على بعض فقدم بالقرعة، وإن عفا عمن خرجت له القرعة أعيدت القرعة اللباقين لتساويهم، وإن ثبت القصاص لواحد منهم بالسبق أو القرعة فبادر غيره واقتص منه - صار مستوفياً لحقه ، وإن أساء في التقدم على من هو أحق منه. (المهذب ج (2) ص (195)) .
ومذهب أحمد يتفق مع مذهب الشافعي، ولا يختلف معه إلا في أنه يجيز للأولياء أن يتفقوا على قتل القاتل، فإذا اتفق اثنان أو أكثر على قتله قتل، وليس لهم غير ذلك، وإن أراد البعض القود والبعض الدية قتل لمن أراد القود، وأعطى الباقون الدية، وحجته في ذلك أن محل القصاص - وهو القاتل - تعلقت به حقوق لا يتسع لها معا، فإذا اكتفى المستحقون بمحل القصاص فيكتفى به، فأساس فكرته أنه ما دام المستحقون قد اكتفوا بالقصاص، فقد تنازلوا عما عداه (المغني جـ (9) ص (405) - (408)) .
وأساس الاختلاف في هذا كله بين المذاهب هو اختلافهم في العقوبة الواجبة بالقتل العمد، فأبو حنيفة ومالك يريان أن الواجب هو القصاص عيناً ، وأن عفو ولي القتيل لا يلزم الجاني بالدية إلا إذا رضي الجاني بذلك .
والشافعي وأحمد يريان أن الواجب بالقتل العمد أحد شيئين: القصاص أو الدية ، ولولي القتيل أن يختار أي العقوبتين شاء، دون حاجة لموافقة الجاني .
وقد اختارت اللجنة الأخذ برأي الشافعي وأحمد؛ لأنه أحفظ لحقوق باقي أولياء الدم الذين لم يقتص لهم، وحتى لا تطل دماء قتلاهم، وفي الأخذ بهذا الرأي وإعطائهم ديات قتلاهم أكبر الأثر في تهدئة ثائراتهم وترضية نفوسهم، مما يساعد في القضاء على جريمة الثأر التي تتفشى في مثل هذه الحالات .
فنص في عجز المادة (191) على أن الواحد إذا قتل بالجماعة لا يخل قتله بحق باقي أولياء دم سائر المجني عليهم في الدية ، وأنه لا يؤثر اختلاف أنواع القتل الذي باشره الجاني من عمد، أو شبه عمد، أو خطأ في هذا الحكم ، وهو تعلق حق باقي أولياء دم سائر المجني عليهم ممن لم يقتص لهم من القاتل في الدية .
(التشريع الجنائي الإسلامي الجزء الثاني ص (138) وما بعدها) .
مادة (192) :
يعتبر المجني عليه غير معصوم الدم إذا تحققت في شأنه إحدى الحالات الآتية: الأولى : إذا ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله قصاصاً ، وكان الجاني من أولياء الدم. الثانية : إذا ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله حداً .
الثالثة : إذا كان حربياً غير مستأمن، والحربي هو غير المسلم التابع لدولة غير إسلامية، بينها وبين دولة إسلامية حرب معلنة أو فعلية .
ولا تخل أحكام الحالتين الأولى والثانية بمعاقبة الجاني بالعقوبة التعزيرية المقررة، ولا جريمة في قتل الحربي .
الإيضاح
ثمة شروط عامة يتعين توافرها - كأصل عام - للعقاب على جرائم الاعتداء على ما دون النفس التي تسري في شأنها أحكام المشروع، ونجمل هذه الشروط في :
(1) انتفاء أسباب الإباحة .
(2) أن يكون المجني عليه معصوم الدم .
فأما عن أسباب الإباحة فقد أورد القانون هذه الأسباب في المواد من (14) إلى (16) ، ومن (523) إلى (529) کمارسة الحق أو القيام بواجب، والدفاع المشروع والضرورة، والإكراه وهذه الأسباب منضبطة، ومن السهل على القاضي تطبيقها، ولا تعدم في الأسس التي تقوم عليها سنداً من الفقه الإسلامي في عمومه برحابته وتعدد الآراء فيه .
ففيما يتعلق بممارسة الحق، فإن الشريعة تعطي (على سبيل المثال) الأب ولاية التأديب بالنسبة إلى أولاده الصغار الذين دون البلوغ، وللمعلم أياً كان - مدرساً أو معلم حرفة - تأديب الصغير، وللولي والوصي تأديب من تحت ولايته أو وصايته، وحق التأديب ممنوح لهؤلاء بشروط منها أن يكون التأديب لذنب فعله الصغير، وأن يكون الضرب غير مبرح متناسبا مع حالة الصغير وسنه، وألا يكون على الوجه والمواضيع المخوفة، وأن يكون بقصد التأديب وألا يسرف فيه، فإذا وقع الضرب في هذه الحدود وترتب عليه أذى من أنواع الإيذاء التي نص عليها المشروع - فلا مسئولية على المؤدب؛ لأن الفعل مباح، وإنها تترتب المسئولية إذا انحرف المؤدب بحق التأديب، سواء كان هذا الانحراف مقصوداً أو عن خطأ وإهمال، وتترتب المسئولية بحسب الجريمة التي يشكلها هذا الانحراف .
ومن أمثلة أداء الواجب قیام الطبيب بواجبه من جراحة ونحوها، وقيام الجندي بواجبه في الميدان، وقيام الموظف بأداء وظيفته، كل ذلك في إطار الحدود الشرعية المرسومة، فالشرطي الذي يضطر إلى ملاحقة اللص الهارب بإطلاق النار عليه فيلحق به أذى في جسمه رغم احتياطه وقيامه بالواجب في الحدود المقررة - لا عقاب عليه طالما تم إطلاق النار بقصد أداء الواجب .
وأما الدفاع المشروع، فأصله مقرر في الشريعة تحت أحكام دفع الصائل، والأصل في دفع الصائل قوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) ... (سورة البقرة، الآية: 194). ودفع الصائل مقرر في الشريعة ؛ لدفع الاعتداء على النفس أو المال أو العرض، والشريعة تجيز دفع الصائل، ولو استلزم الأمر قتل المعتدي، طالما لم تكن ثمة وسيلة لدفعه إلا بذلك، وعلى هذا فإذا استلزم دفع المعتدي إيذاءه بأي من أنواع الإيذاء المنصوص عليها في المشروع – فلا يكون في ذلك جريمة، وإنما هو فعل مباح .
على أنه يشترط لإباحة الفعل بسبب دفع الصائل أن يكون الاعتداء حالا، وألا يمكن دفعه بطريق آخر غير ما وقع، وأن يدفع الاعتداء بالقدر اللازم لدفعه فقط .
وأما إباحة الفعل للضرورة فاصله في الشريعة - بوجه عام - قوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ)(الأنعام، الآية: 119)، وقوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ (البقرة، الآية: 173) .
فمن أكره على الفعل إكراها تاماً ملجئاً يعتبر في حالة ضرورة في منطق الرأي القائل برفع العقوبة عن المكره (بفتح الراء)، وكذلك الجائع المشرف على الهلاك في الصحراء إذا منعه الطعام من وجد عنده ولم يكن ثمة وسيلة للحصول على الطعام إلا بالإقدام على فعل يتضمن إيذاء مانع الطعام .
ومن الشروط الأساسية للضرورة أن يكون الشخص في حالة إرغام تام على ارتكاب الفعل، وألا يكون ثمة وسيلة للخروج من حالة الضرورة ، إلا بما أتاه من فعل، وأن يكون الفعل بالقدر اللازم لدفع الضرورة فقط .
كذلك تعتبر إباحة الفعل دفاعا عن النفس أو العرض أو المال من تطبيقات الضرورة بوجه عام؛ لأن الفاعل في هذه الصور يجد نفسه مضطرا إلى الفعل لدفع الاعتداء، طالما أنه لم يتسن دفعه بأية وسيلة أخرى على ما سلف بيانه عند تناول حكم دفع الصائل .
مبدأ المساواة في العقوبة :
متى توافرت الشروط العامة للعقاب، فلا فرق بعد ذلك بين الذكر والأنثى في شريعة القصاص، وهذا قول عامة أهل العلم، ومنهم: النخعي، والشعبي، والزهري، وعمر بن عبد العزيز، ومالك ، وأهل المدينة، والشافعي، وإسحاق، والحنفية، وغيرهم. وقد استدل ابن القيم على ذلك بما ثبت في الصحيحين من أن يهوداً رض رأس جارية بين حجرين على أوضاح لها (أي حلي) فأخذ فاعترف ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين، وكذلك الشأن بالنسبة للخنثى؛ لأنه لا يخلو من أن يكون ذكراً أو أنثي .
ولا تفرقة بين الناس كذلك بسبب مناصبهم أو أوضاعهم، فهم جميعاً أمام القصاص والدية سواء، فلا فرق بين صغير وكبير، وغني وفقير، وصحيح وعليل، بل لقد أجمع الفقهاء على أن السلطان يجب عليه أن يقتص من نفسه إن تعدى على أحد من الرعية؛ إذ ليس بينه وبين العامة فرق في أحكام الله تعالى، وورد في بعض الآثار المدونة أن الرسول صلى الله عليه وسلم اقتص من نفسه (تبيين الحقائق للزيلعي الحنفي، الطبعة الأميرية 1315 هـ الجزء السادس ص (102) إلى (105) - المغني جـ (8) ص (261)) .
وأما بالنسبة إلى الشرط الذي يجب توافره في المجني عليه وهو أن يكون معصوم الدم، فالمقصود به ألا يكون دمه مهدراً لأحد الأسباب الشرعية التي تجيز ذلك، وقد اعتبرت هذه المادة المجني عليه غير معصوم الدم إذا تحققت في شأنه إحدى الحالات الآتية :
الأولى : إذا ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله قصاصاً، وكان الجاني من أولياء الدم. الثانية : إذا ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله حداً .
الثالثة : إذا كان حربياً غير مستأمن .
وقد آثر المشروع الأخذ برأي أبي يوسف ومحمد في خصوص اعتداء ولي دم القتيل على من ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله قصاصاً ، متى وقع هذا الاعتداء على بدنه بما دون القتل، فقد جاء في بدائع الصنائع ج (7) ص (204) ما نصه: «ولو كان له على رجل قصاص في النفس فقطع يده ثم عفا عن النفس، وبرأت اليد - ضمن دية اليد في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لاضمان عليه (وجه) قولهما أن نفس القاتل بالقتل صارت حقا لولي القتيل، والنفس اسم لجملة الأجزاء فإذا قطع يده فقد استوفي حق نفسه، فلا يضمن ولهذا لو قطع يده ثم قتله ، لايجب عليه ضمان اليد ولو لم تكن اليد حقه لوجب الضمان عليه ، ودل على أنه بالقطع استوفي حق نفسه، فبعد ذلك إن عفا عن النفس فالعفو ينصرف إلى القائم لا إلى المستوفی، کمن استوف بعض دينه ثم أبرأ الغريم أن الإبراء ينصرف إلى ما بقي لا إلى المستوفي، كذا هذا .
وغني عن البيان أن من ارتكب جريمة توجب قتله قصاصاً مهدر الدم في حق أولياء دم القتيل فحسب ، أما بالنسبة لمن سواهم من غير الأولياء فهو محقون الدم؛ إذ قد يعفو عنه الأولياء، ومن ثم فحكمه يختلف عمن ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله حداً، وعن الحربي ؛ لأن كليهما مهدر الدم عند الشارع
.
ومثال من ارتكب جريمة توجب قتله حداً كالمرتد ، فمن قطع يد مرتد لا يضمن، وإن كان متعدياً في القطع ( المرجع السابق ص (304)) .
والمحارب وهو الذي يقطع الطريق على الناس لو ارتكب جريمة قتل - مسلماً كان أو غیر مسلم - فعقوبة المحارب في هذه الصورة هي قتله حداً بموجب أحكام الشريعة قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة الإسلامية ، ولذلك لا تكون لديه حصانة ، ولا يعاقب قاتله أو من اعتدى عليه باعتبار أنه ارتكب جريمة قتل أو اعتداء، وإنما يعاقب تعزيراً باعتباره معتدياً على حق السلطة العامة في إقامة الحدود؛ لأن إقامة الحدود ليست موكولة للأفراد وإنها معقودة للسلطة العامة، ويلاحظ أن مناط انتفاء قيام جريمة الاعتداء على النفس هو أن تثبت الجريمة الموجبة للقتل حداً قبل المجني عليه بالدليل الشرعي، أما إذا لم تثبت على هذا الوجه اعتبر المجني عليه معصوم الدم، وعوقب الجاني على الجريمة باعتبارها اعتداء على النفس .
وقد عنيت هذه المادة بتحديد المقصود بالحربي حتى لا تختلف الآراء في هذا الشأن، فنصت على أن: الحربي هو غير المسلم التابع لدولة غير إسلامية بينها وبين دولة إسلامية حالة حرب معلنة أو فعلية ، وغني عن البيان أن الحربي لا يعتبر غير معصوم الدم إلا إذا كان وجوده في الدولة غير مشروع، أما إذا لجأ للدولة مثلاً طالباً الأمان وأجابته الدولة إلى ذلك كما إذا دخلها بمقتضى جواز سفر، فإنه مستأمن معصوم الدم. (حاشية رد المحتار لابن عابدين الحنفي، مطبعة: الحلبي 1386 / 1966 الجزء الرابع ص (166)) .
ويلاحظ أنه إذا كان الاعتداء على غير معصوم الدم في الحالتين الأولى والثانية من هذه المادة لا يوجب القصاص أو الدية ، إلا أنه لا يمنع من المساءلة التعزيرية، وهذا ما تكفلت به الفقرة الأخيرة من المادة. أما الحربي غير المستأمن فمباح الدم على الإطلاق بغير خلاف. وقيل: إنه أشبه بالخنزير ولا دية فيه لذلك ولا كفارة. (المغني جـ (8) ص (255)) .
مادة (193) : يثبت القصاص للمجني عليه ابتداء، ثم ينتقل للوارث ولا يجرى فيه تمليك، وإذا انقلب مالا يصير ميراثا، ويتوقف القصاص على الدعوى .
الإيضاح :
أخذ المشروع وفقاً لنص هذه المادة برأي بعض الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن القصاص يجب بالجناية التي وقعت على المقتول ، فكان ما يجب بها حقا له ، وبالموت عجز عن استيفاء حقه بنفسه ، فيقوم الورثة مقامه بطريق الإرث عنه ويكون القصاص مشتركا بينهم، وهذا قول الشافعي وأحمد وبعض الحنفية ، وطرح المشروع الرأي الآخر في هذا الخصوص، والذي يذهب إلى أن أثر القصاص يثبت ابتداء للورثة ، قولاً أن القتيل لا يثبت له هذا الحق الجزء الرابع ما دام حياً ؛ إذ لم يكن قد وجد هذا الحق بعد، وبوفاته أصبح غير أهل لثبوت الحقوق، فيثبت للورثة ابتداء كما نصت المادة على عدم جریان التمليك في القصاص، وأنه إذا انقلب مالاً بعفو أو بغيره أصبح میراثاً وجزءاً من تركة المجني عليه .
ونصت المادة على توقف القصاص على الدعوى، فلا يجوز للورثة استيفاؤه بغير دعوى .
مادة (194) :
يسقط القصاص في الأحوال الآتية :
(أ) بعفو المجني عليه أو بعض أولياء دمه دون غيرهم، أو بوجوب المال مصالحة برضاء الجاني في ماله، أو بإسقاط بعض الأولياء حقهم بمصلحة على مال، ويجب للباقي منهم نصيبه في الدية .
(ب) إذا ورث ولي الدم القصاص على أحد أصوله، أو ورث القاتل القصاص بموت من له القصاص .
(جـ) بموت القاتل .
وفي غير حالتي المصالحة على مال، والعفو المطلق المنصوص عليه في المادة (221)، لا يخل سقوط القصاص بالدية .
الإيضاح
تعالج المادة الخامسة في البند (أ) حالات سقوط القصاص، فتتكلم عن عفو المقتول أو بعض أولياء دمه، أو بالتصالح برضا القاتل في ماله. يقول الحق سبحانه وتعالى : (ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ).(البقرة:178 ) .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله ، فمن قتل بعده قتيلاً فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية». أخرجه أبو داود والنسائي، وأصله في الصحيحين (سبل السلام جـ (3) ص (243 ) / (244) فدلت الآية الكريمة والحديث الشريف على سقوط القصاص بالعفو). والعفو قد يصدر من المجني عليه قبل وفاته وبعد وقوع الاعتداء عليه اعتداء بقصد قتله. وقد اختلف الفقهاء في هذا الشأن . (م 40 - قوانين الشريعة الإسلامية) .
فذهب داود والشافعي في القديم وأبو ثور وإسحاق إلى أن الإرث باق لورثة المقتول؛ لحصول عفوه قبل ثبوت الحق .
بينما ذهب مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي في الجديد والحنابلة إلى أن الورثة ليس لهم الحق في طلب القصاص؛ لسقوطه بعفو المقتول، وهو ما اختاره المشروع؛ لأنه أقرب للآية الكريمة، وللمقتول إذ إنه إن جاز لأولياء الدم العفو فأولى لمن وقع عليه الاعتداء قبل وفاته، ولأن السبب انعقد في حقه (کشف الحقائق شرح كنز الدقائق ج (2) ص (275)، الإقناع ج (4) ص (187)/ (188)، المهذب ج (2) ص (189)). وكما يسقط القصاص بعفو المجني عليه قبل وفاته، فإن القصاص يسقط بعفو بعض أولياء الدم، فإذا تعدد أولياء الدم وعفا أحدهم سقط القصاص للمقتول .
فقد روي أن عمر رضي الله عنه أتي برجل قتل رجلا، فجاء ورثة المقتول ليقتلوه، فقالت أخت المقتول - وهي امرأة القاتل -: قد عفوت عن حقي. فقال عمر رضي الله عنه: عتق من القتل. ولأن القصاص مشترك بينهم وهو مما لا يتبعض ومبناه على الإسقاط، فإذا أسقط بعضهم حقه سرئ إلى الباقي كالعتق. (المهذب ج (2) ص (189)، الإقناع ج (4) ص (181)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ج (2) ص (494)، حاشية الدسوقي ج (4) ص (232)) .
والعفو قد يكون بغير مقابل، وقد يكون مصالحة على مال يزيد أو يقل عن الدية برضا القاتل، فيجب بهذا الصلح ويكون لباقي أولياء الدم نصيبهم في الدية .
ويعالج البند (ب) من المادة حالة ما إذا ورث ولي الدم القصاص على أحد أصوله، ففي هذه الحالة يسقط القصاص؛ لأنه إذا كان القصاص لا يجوز إذا كان القاتل أصلاً للقتيل، فأولى في صورة أن يكون حق القصاص للفرع على أصله، ويتفق حكم هذا البند مع ما ورد بالمادة الأولى من المشروع، ويعالج حكم هذا البند صوراً، منها: إذا قتل الزوج زوجته عمدا فإن ابنهما يكون ولي الدم، فيسقط القصاص .
کما يعالج الشق الثاني من البند ذاته حالة اتحاد الذمة بأن يرث القاتل القصاص بموت من له القصاص، فيصبح القاتل هو صاحب الحق في طلب القصاص، فلا يجوز أن يطلب تنفيذه؛ لأنه يكون قاتلاً نفسه، ويمثل هذه الحالة بصورة ما إذا قتل أحد ولدين أباه، ثم مات الابن غير القاتل ولا وارث سواه، فيرث القاتل جميع دم نفسه .
ويدخل في هذا البند أيضاً حالة أن يرث القاتل بعضاً من القصاص کما في المثال السابق إذا كان للمقتول أكثر من ابن فات أحدهم بعد موت المقتول، فهنا أصبح القاتل وارثاً لجزء من القصاص، فسقط. (الشرح الكبير للدردير ج (4) ص (233)) .
كما نص في البند (ج) من المادة ذاتها على سقوط القصاص بموت القاتل؛ لانعدام محل القصاص .
وانتهت المادة في عجزها إلى تقرير القاعدة المقررة من أن سقوط القصاص في غير حالتي العفو المطلق والمصالحة على ما لا يخل بالدية .
صاحب الحق في العفو :
تقضي المادة الثانية من الدستور بأن الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. ولما كان حق العبد في القصاص غالباً، فكان لا بد في القصاص بكل أنواعه، ألا يكون العفو إلا من المجني عليه أو ولي الدم فحسب، فإن اختار القصاص فلا عقوبة سواه، وإن اختار العفو، فلولي الأمر رفع ذلك إذا رأى أن يعاقب القاتل بعقوبة تعزيرية؛ ذلك بأن الاعتداء إفساد في الأرض، وولي الأمر منوط به منع الفساد، وإذا كان القاتل قد نال العفو من المجني عليه أو ولي الدم بأي طريق - فإن حق المجتمع باق بيد ولي الأمر، وله أن يضع من العقوبات التعزيرية الرادعة ما يراه أحفظ الحقوق المجتمع وأمنع للفساد في الأرض .
مادة (195) : من اعتدى على غيره متعمداً أو امتنع عن القيام بواجبه المكلف به بناءً على أحكام الشريعة أو القانون أو العقد بقصد العدوان، ولم يقصد من ذلك قتلاً، ولكن الاعتداء أو الامتناع أفضى إلى الموت - يكون قتلا شبه عمد، يعاقب عليها بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (514) من هذا القانون، إذا كان المقتول معصوم الدم، وذلك دون إخلال بالدية .
الإيضاح :
(أ) شبه العمد في مذهب الحنفية : القتل بغير النار والآلة الحادة من كل آلة لا تفرق أجزاء البدن مع توفر قصدي الفعل، والشخص - حتى كان القتل عنده بالخنق، أو الإغراق في الماء، أو بالإلقاء من شاهق مرتفع، أو بالضرب بالعصا، أو بالحجر الكبير، أو بإيجار السم الزعاف القاتل فوراً، أو بإغلاق الحجرة، أو السجن إلى الموت جوعاً وجهداً، كل ذلك من شبه العمد عند أبي حنيفة (مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر جـ (2) ص (616) - فتح القدير تكملته لقاضي زاده جـ (8) ص (250)) .
أما صاحباه أبو يوسف ومحمد: فهو عندهما تعمد الضرب بآلة لا يقتل بمثلها في الغالب (الزيلعي في شرح تبيين الحقائق، شرح کنز الدقائق (6)/ (100)، حاشية الشلبي (6)/ (100)) (وعبارة البابرتي في شرح العناية على الهداية ج (8) ص (250)) هو: تعمد الضرب بما لا يحمل الهلاك به غالباً، كالعصا الصغيرة إذا لم يوال الضربات، فإذا والى فلهما قولان في حالة موالاة الضرب. قول أنه شبه عمد، وقول بأنه عمد محض (العناية) .
(ب) وشبه العمد في المذهب الشافعي : هو قصد الفعل، وقصد الشخص بما لا يقتل غالباً، كالضرب بالسوط والعصا، أو قصد الضرب بما لا يقتل غالباً، فيموت المضروب كأن ضربه بعصا خفيفة أو بسوط لا بنحو قلم مما لا ينسب إليه القتل عادة؛ لأن ذلك مصادفة قدر فلا شيء فيه، لا قود ولا دية. (حاشية الباجوري، وشرح ابن قاسم ج (2) ص (3) - مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر ج (2) ص (616) - فتح القدير تكملة زاده ج (8) ص (250)، مغني المحتاج للخطيب ج (4) ص (4)) .
ونص في نهاية المحتاج الشافعي: شبه العمد: قصد الفعل والشخص بما لا يقتل غالباً، سواء قتل كثيراً، أو نادراً بضربة يمكن إحالة الهلاك عليها، فإذا كان بنحو قلم، فهو هدر (الرملي في نهاية المحتاج جـ (7) ص (6)) .
(ج) أما الحنابلة : فشبه العمد عندهم هو قصد الجناية، إما لقصد العدوان عليه أو القصد التأديب له، فيسرف فيه بما لا يقتل غالباً، ولم يجرحه بها فيقتل، سواء قصد قتله أو لم يقصده، وقد سمي بذلك؛ لأنه قصد الفعل، وأخطأ في القتل. (کشاف القناع لابن إدريس الحنبلي جـ (3) ص (338)) .
وجاء في المغني لابن قدامة: أنه قصد الضرب بما لا يقتل غالباً، إما القصد العدوان عليه، أو القصد التأديب فيسرف فيه كالضرب بالسوط والعصا، والحجر الصغير، والوكز باليد، وسائر ما لا يقتل غالباً إذا قتل، وهو شبه عمد؛ لأنه قصد الضرب دون القتل، ويسمى: عمد الخطأ، وخطأ العمد لاجتماع العمد والخطأ، فإنه عمل الفعل وأخطأ في القتل، وهذا لا قود فيه، والدية على العاقلة. (المغني لابن قدامة ج(9) ص (337)) .
(د) وعلى القول الثاني غير المشهور عند مالك الذي وافق على إثبات هذا القسم (شبه العمد) قالوا : شبه العمد تغلظ فيه، وهو ضرب الزوج، والمؤدب، والأب في ولده، والأم والأجداد، وفعل الطبيب والخاتن، وكل من جاز فعله شرعاً، إلا أنه تعدى فيه. وقيل: يكون في اللطمة، واللكزة، والرمية، والحجر، والضرب بعصاة متعمداً، فلا قصاص فيه، وتكون فيه الدية مغلظة. (مواهب الجليل للحطاب ج (6) ص (266)). وفي المنتقى أحد شروح الموطأ: «عاقلة شبه العمد : هو ما قصد فيه الضرب على وجه الغضب بالة لا يقتل بمثلها غالباً». (الباجي في المنتقى شرح الموطأ جـ (7) ص (101)) .
والمشهور عن مالك نفيه إلا في الابن مع أبيه (ابن رشد في بداية المجتهد جـ (2) ص (429)) .
الموازنة بين التعريف (في شبه العمد)
أولاً : الضرب بالعصا الغليظة :
الاتفاق بين الأئمة على أن الضرب بالعصا الغليظة قتل عمد عندهم جميعاً إذا أدى ذلك إلى القتل، وخالف فيه أبو حنيفة، حيث رأى أن الضرب بالعصا الغليظة والحجر الكبير من قبيل شبه العمد عنده؛ لأن الحديث: «ألا إن قتيل خطأ العمد، قتيل السوط والعصا والحجر - فيه دية مغلظة مائة من الإبل...». وآخره: «منها أربعون خلفة في بطونها أولادها...». فهو بإطلاقه يتناول العصا الكبيرة، وأبو حنيفة يعتبر القتل بالمثقل الكبير من قسم شبه العمد؛ لأن قصد القتل أمر مبطن لا يعرف إلا بدليله، وهو استعمال الآلة القاتلة .
ثم إن ما يوجب القصاص وهو الآلة المحددة لا يختلف الصغير منها والكبير؛ لأن الكل صالح للقتل بتخريب البنية ظاهرة وباطناً، فكذلك ما لا يوجب القصاص وجب أن يسوى فيه بين الصغير منه والكبير، حتى لا يوجب الكل القصاص؛ لأنه غير معد للقتل، ولا صالح له لعدم نقض البنية الظاهر، فكان قصده القتل شك لما فيه من القصور، والقصاص نهاية في العقوبة، فلا يجب مع الشك (الزيلعي ج (6) ص (100) تبيين الحقائق)، ونوقش هذا الرأي بأن المراد في الحديث من الحجر والعصا الصغيران، بدليل الاقتران بالسوط، والعادة أن العصا تكون صغيرة .
ثم المثقل الكبير صالح للقتل وقد يقتل به عادة؛ لأنه غالباً ما يقتل، وعدم نقضه للبنية في الظاهر لا يمنع من اعتبار القتل به عمداً، وإلا لضاعت حكمة مشروعية القصاص؛ لأن الناس يتذرعون إلى القتل به، وهم في أمان من القتل قصاصاً .
والاستدلال لأبي حنيفة بأن المثقل الكبير غير معد للقتل، ولا صالح له - مردود ولا وجه لما زعمه المستدل لرأي الإمام من قصور العمدية في القتل به؛ لأنه مزهق للروح، والعرف العام يقضي بذلك .
ثانياً : موالاة الضرب بالعصا الغليظ :
والقتل بموالاة الضربات بالعصا الصغيرة شبه عمد عند أبي حنيفة والصاحبين في قول. والجمهور من الأئمة الثلاثة أنه عمد؛ لأنه حاصل بفعل يقتل غالباً .
وأما من اعتبره شبه عمد عند الحنفية الإمام وصاحباه؛ فلأن الآلة المستعملة في القتل غير موضوعة للقتل، ولا تستعمل فيه غالباً، فإذا كان الضرب بها في مقتل، أو كان المضروب صغيرا فيه غالبا، أو حدث في زمان مفرط في الحرارة أو البرودة مما يعين على الهلاك، أو اشتد منها الألم حتى الموت - فإن القتل عمد عند الجمهور؛ لأنه بفعل يقتل غالباً. (مغني المحتاج للخطيب (4)/ (40)) .
وعند أبي حنيفة وصاحبيه هو شبه عمد، لرعايتهم جانب الآلة المستعملة في القتل .
ثالثاً : الضرب بما لا يقتل غالباً :
(أ) إن كان على سبيل التأديب ولم يصاحبه إسراف وأدى إلى القتل - فإنه يكون من الخطأ عند جمهور الفقهاء؛ لأن الفعل مأذون فيه شرعا، فيكون من خطأ القصد .
وعند الحنفية هو شبه عمد .
ب) أما في حالة الإسراف في التأديب، فإن القتل شبه العمد عند الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية في الظاهر عندهم؛ لأن قصد الفعل مقيد بالعدوان. (مغني المحتاج ج(4)/ (3)) .
معنی شبه العمد :
(أ) وأما معنى شبه العمد عند كل من الشافعية والحنابلة فلا خلاف بينهما في وجهة نظرهم فيه، ومقصودها بالقصد بها لا يقتل غالباً إنما يكون في القتل بالتسبب والمباشرة؛ إذ لا فرق بين النوعين عندهما .
(ب) وأما تعريف أبي حنيفة وصاحبيه فلا يكون إلا في القتل بطريق المباشرة؛ لأن القتل بالتسبب قسم خاص عندهم، وتعريفهم شبه العمد شامل القتل الذي يحصل بموالاة الضرب بالعصا الصغيرة .
(تحليل شبه العمد)
من المعلوم أن القتل غير العمد تجب فيه الدية، وشبه العمد تجب فيه الدية، ولكن نظرا إلى قربه من العمد كانت الدية الواجبة فيه دية مغلظة لا من ناحية الحكم والعدد، بل من ناحية سن الإبل الواجبة؛ إذ من المائة الواجبة أربعون خلفة في بطونها أولادها .
ثم حقيقته أنه مرتبة بين المرتبتين «العمد والخطأ»، فشبهه بالعمد من جهة قصد الضرب، وشبهه بالخطأ من جهة أنه ضرب بها لا يقصد به القتل، ولذلك كان حكمه مترددا بين حكم العمد والخطأ. (بداية المجتهد لابن رشد ج (2) ص (430)). وهو المعبر عنه في القانون بالضرب المفضي إلى الموت، «فهو ضرب انتهى إلى زهوق الروح، وابتداء التعبير عنه بالضرب يجانب اسمه الفقهي «شبه العمد»، والشبه بالعمد الملحوظة في تسميته الشرعية يجعل دائرته تتسع لكل الأفعال التي يقصد منها العدوان ولم يقصد القتل وأدت إلى الموت، وذلك كالقتل الناشئ من الضرب والجرح وإعطاء المادة السامة أو الضارة، والخنق والتردية والتفريق والتحريق وكل ما يندرج تحت القتل العمد، محققاً فيه قصد العدوان، ولكن مع انعدام نية القتل، والعبارة القانونية التي أطلقت على هذا القتل تكاد تحصره في قصور هو خصوص الضرب باليد أو بالأداة، ولا يشمل أنواعاً من الإيذاء اندرجت تحته بالاصطلاح الشرعي، كإعطاء المواد الضارة أو السامة والتفريق والتحریق والخنق والتردية، وذلك ما استنتجه بعض رجال القانون (التشريع الجنائي الإسلامي (2)/ (99) بند (103) للمرحوم عبد القادر عودة) .
وعلى كل حال فإن نص المادة (514) من هذا القانون لا يوافق مذهب أبي حنيفة تمام الموافقة لما رآه من اعتبار القتل بالمثقل غير موجب للقصاص، فلا يلزم من استعمال آلة غير قاتلة بطبيعتها انتفاء قصد القتل، فإن الظروف إذا دلت على تعمد الجاني إحداث إصابات قاتلة بآلة قد تقتل کعصا غليظة، ودلت الصفة التشريحية على وجود رضوض يمكن نسبتها إلى تلك الآلة، فإن القتل يكون عمداً، وهذا تعبير يتفق في نتيجته مع ما رآه جمهور الفقهاء في القتل شبه العمد الموجب للدية المغلظة .
والمشروع قد أخذ في القتل شبه العمد با يقرب من قول الشافعية، وهو أن يعتدي الجاني على غيره متعمدا، أو يمتنع عن القيام بواجبه المكلف به بناء على أحكام الشريعة، أو القانون، أو العقد بقصد العدوان، ولم يقصد من ذلك قتلاً، ولكن الاعتداء أو الامتناع أفضى إلى موته، ولم يدخل المشروع وسيلة القتل ركنا في الجريمة؛ أخذا بما سار عليه في المادة (189).
ونصت المادة (195) على أن الجاني يعاقب بالعقوبة التعزيرية المنصوص عليها في المادة (514) من هذا القانون في حالة القتل شبه العمد، شرط أن يكون المقتول معصوم الدم، وهذا لا يخل بالدية وفق قواعدها المقررة .
مادة (196) : المجنون أو من به عاهة في العقل أو غير البالغ - يعتبر عمده في حكم الخطأ، وتجب فيه الدية إذا كان المقتول معصوم الدم .
الإيضاح :
تعالج هذه المادة من المشروع حالة وقوع القتل العمد من المجنون، أو ممن به عاهة في العقل، أو من غير البالغ .
ومن المقرر شرعاً أن المجنون والصبي غير مكلفين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق». ولأن كليهما فاقد العقل، ومن ثم فإن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن عمدهما خطأ تجب فيه الدية على العاقلة، وهو ما أخذ به المشروع .
يقول الحنابلة: (وعمد الصبي والمجنون خطأ لا قصاص فيه، والدية على العاقلة حيث وجبت). (الإقناع ج (4) ص (169) .
وبمثل ذلك يقول المالكية، فقد ورد في الشرح الكبير: «وأما الصبي والمجنون فلا يقتص منها «أي والدية على عاقلتهما». وتتعدد الدية أو الغرة بتعدد ما ألقي من أجنة. والغرة نصف عشر الدية .
ولا تخل الدية أو الغرة بالعقوبة التعزيرية المقررة قانوناً .
وفيما عدا ما تقدم تسري على الغرة الأحكام المقررة للدية .
الإيضاح :
لما كان القتل ينصب على الأنفس التي خرجت إلى حيز الوجود، وكان الإنسان يمر بأطوار في رحم أمه قبل خروجه إلى الحياة، كما ورد في الآية الكريمة: ( ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ - (13)، (14) سورة المؤمنون - وإسقاط الجنين ليس قتلا بالمعنى الشرعي؛ لأن القتل لا يقع إلا على آدمي حي ذي كيان مستقل منفصل، والجنين ليس كذلك، ولذلك عبر الفقهاء عن هذه الجريمة بالجناية على النفس من وجه دون وجه، وقد ألحقت بالقتل؛ لأنها أقرب إليه، وتؤدي في الغالب إلى إزهاق روح الجنين، ومن ثم فإن الشريعة الإسلامية تعرضت للجناية التي تقع على الأجنة في بطون أمهاتها بالنص على ما يجب على الجاني، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد، أو وليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورث الدية ولدها ومن معه، فقال حمل بن النابغة الهذلي: یا رسول الله، كيف يغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هذا من إخوان الكهان - من أجل سجعه الذي سجع - »» صحيح مسلم بشرح النووي، المجلد الرابع ص (254)، سبل السلام جـ (3) ص (238)، ومتفق عليه .
ومن هذا الحديث اتفق العلماء على أن الجنين إذا انفصل ميتا تجب فيه غرة عبد أو أمة، سواء أكان الجنين ذكراً أو أنثى، وسواء أكان خلقه كامل الأعضاء أو ناقصها، أو كان مضغة تصور فيها خلق آدمي، وذلك حسماً لكل نزاع، وبهذا أخذ المشروع .
واختلف الفقهاء في الغرة، فقيل: المراد العبد أو الأمة، وقيل: الأبيض خاصة. وجمهور الفقهاء على أن المعتبر عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم، أو نصف عشر دية الأب .
كما اختلف الفقهاء على من تجب؟ قال الشافعي وأبو حنيفة وفريق من المالكية: إنها تجب على العاقلة. وقال مالك وغيره: تجب على الجاني. وهو ما أخذ به المشروع .
واتفق الفقهاء على أنه إذا انفص الجنين حياً ثم مات، فيجب کمال دية الكبير بحسب ما إذا كان ذكراً أو أنثى، سواء كان عمداً أو خطأ .
واختلف الفقهاء فيمن يستحق في دية الجنين، فقال بعضهم: هي لورثته على مواريثهم الشرعية. وقال بعض العلماء: هو كعضو من أعضاء الأم، فتكون ديته لها خاصة .
(يراجع الأم للشافعي ج (6) ص (93) وما بعدها، المهذب ج (2) ص (197)، الشرح الكبير للدردير ج (4) ص (238) وما بعدها) .
ويرى المالكية أنه إذا ألقي الجنين ميتاً بعد موت أمه، فلا يجب شيء، وهو ما أخذ به المشروع، يقول الدردير في الشرح الكبير: (فإذا انفصل كله بعد موتها أو بعضه وهي حية وباقية بعد موتها - فلا شيء فيه). ج (4) ص (239). وعلى هذا نص المشروع في هذه المادة منه على حكم إسقاط الجنين، سواء أكان عمدا أو خطأ، فأوجب الدية في مال الجاني؟ أخذا برأي مالك في هذا الصدد، وحددت المادة الدية وفق رأي الفقهاء بأنها نصف عشر دية الرجل، سواء أكان الجنين ذكراً أو أنثى، كما أخذت المادة برأي من قال من الفقهاء بأن الدية لورثة الجنين، إلا أن يكون أحدهم هو الجاني، فلا يستحق فيها شيئاً .
کا نصت المادة أخذا برأي المالكية وغيرهم: أنه إذا ألقي الجنين ميتاً بعد موت أمه، فلا يجب فيه شيء؛ لجواز حدوث وفاته نتيجة وفاة الأم كما أخذت المادة برأي الفقهاء في وجوب الدية كاملة إذا انفصل الجنين حيا، ثم مات بعد ذلك .
ونصت المادة على أن: وجوب الدية أو الغرة لا تخل بالعقوبة التعزيرية المنصوص عليها في هذا القانون، وأنه فيما عدا ما ورد بالمادة تسري على الغرة الأحكام المقررة للدية .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 276
الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ :
قَالَ الْبُهُوتِيُّ، نَقْلاً عَنِ (الْمُبْدِعِ): قَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِي الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لأِنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَتْ لأِجْلِ الْفِعْلِ، بَلْ بَدَلُ النَّفْسِ الْفَائِتَةِ، فَأَمَّا نَفْسُ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ - الَّذِي هُوَ الْجِنَايَةُ - فَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون، الصفحة / 50
الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ :
الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ هُوَ الْقَتْلُ بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا، كَمَا هُوَ تَعْبِيرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَوْ هُوَ الْقَتْلُ بِمَا لاَ يُفَرِّقُ الأْجْزَاءَ، كَمَا هُوَ تَعْبِيرُ الْحَنَفِيَّةِ. وَلاَ يَقُولُ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ مِمَّنْ يَقُولُونَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ فِي أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ.
وَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّطَةٌ. وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا وَتَغْلِيظِهَا فِي الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : «أَلاَ وَإِنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنَ الإْبِلِ، أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا»
وَتَجِبُ هَذِهِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَذَلِكَ؛ لِشُبْهَةِ عَدَمِ الْقَصْد؛ِ لِوُقُوعِ الْقَتْلِ بِمَا لاَ يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ عَادَةً، أَوْ لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا.
وَلاَ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْجَانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيَشْتَرِكُ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ.
وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُْخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا».
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَقَتَادَةُ، وَأَبُو ثَوْرٍ: إِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ؛ لأِنَّهَا مُوجِبُ فِعْلٍ قَصَدَهُ، فَلَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ، كَالْعَمْدِ الْمَحْضِ.
وُجُوهُ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ وَتَخْفِيفِهَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ:
- إِنَّ الْقَتْلَ شِبْهَ الْعَمْدِ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَاتِلَ قَصَدَ الْفِعْلَ يُشْبِهُ الْعَمْدَ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ الْقَتْلَ يُشْبِهُ الْخَطَأَ، وَلِهَذَا رُوعِيَ فِي عُقُوبَتِهِ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ مَعًا، فَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِيهِ مِنْ نَاحِيَةِ أَسْنَانِ الإْبِلِ، وَتُخَفَّفُ مِنْ نَاحِيَةِ وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ التَّأْجِيلِ فَتُؤَدَّى مِنْ قِبَلِ الْعَاقِلَةِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ فِي آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهَا. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ أَعْلَمُ فِي أَنَّهَا تَجِبُ مُؤَجَّلَةً خِلاَفًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم.
وَلاَ تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي غَيْرِ الإْبِلِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ، وَلَمْ يَرِدِ النَّصُّ فِي غَيْرِ الإِْبِلِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى التَّوْقِيفِ.
وَاخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي أَسْنَانِ الإْبِلِ الْوَاجِبَةِ فِي دِيَةِ الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ:
فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّهَا مُثَلَّثَةٌ، ثَلاَثُونَ حِقَّةً، وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: هِيَ مِائَةٌ مِنَ الإْبِلِ أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً.
وَفِي بَيَانِ مِقْدَارِ مَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ: (ر: عَاقِلَة).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والثلاثون ، الصفحة / 321
قَتْلٌ
التَّعْرِيفُ :
الْقَتْلُ فِي اللُّغَةِ: فِعْلٌ يَحْصُلُ بِهِ زُهُوقُ الرُّوحِ يُقَالُ: قَتَلَهُ قَتْلاً: أَزْهَقَ رُوحَهُ، وَالرَّجُلُ قَتِيلٌ وَالْمَرْأَةُ قَتِيلٌ إذَا كَانَ وَصْفًا، فَإِذَا حُذِفَ الْمَوْصُوفُ جُعِلَ اسْمًا وَدَخَلَتِ الْهَاءُ نَحْوُ: رَأَيْتُ قَتِيلَةَ بَنِي فُلاَنٍ.
وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ نَقْلاً عَنِ التَّهْذِيبِ يُقَالُ: قَتَلَهُ بِضَرْبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ سُمٍّ: أَمَاتَهُ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، قَالَ الْبَابَرْتِيُّ: إنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ مِنَ الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الْجَرْحُ :
- الْجَرْحُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ جَرَحَ يَجْرَحُ جَرْحًا: أَثَرٌ بِالسِّلاَحِ وَنَحْوِهِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْجَرْحُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ.
ب - الضَّرْبُ :
- مِنْ مَعَانِي الضَّرْبِ: الإْصَابَةُ بِالْيَدِ أَوِ السَّوْطِ أَوِ السَّيْفِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالضَّرْبُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ.
قَتْلٌ شِبْهُ الْعَمْدِ
التَّعْرِيفُ:
- قَتْلٌ شِبْهُ الْعَمْدِ مُرَكَّبٌ مِنْ: قَتْلٌ، وَشِبْهٌ، وَعَمْدٌ، وَقَدْ سَبَقَ تَعْرِيفُ كُلٍّ مِنْهَا فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: بِأَنَّهُ تَعَمُّدُ شَخْصٍ ضَرْبَ آخَرَ بِمَا لَيْسَ بِسِلاَحٍ وَلاَ مَا جَرَى مَجْرَى السِّلاَحِ.
وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ قَصْدُ ضَرْبِ الشَّخْصِ عُدْوَانًا بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا، كَالسَّوْطِ وَالْعَصَا.
وَلَمْ يُعَرِّفْهُ الْمَالِكِيَّةُ لأِنَّ الْقَتْلَ عِنْدَهُمْ عَمْدٌ وَخَطَأٌ فَقَطْ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الْقَتْلُ الْعَمْدُ :
- الْقَتْلُ الْعَمْدُ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ أَنَّ الْجَانِيَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ يَسْتَعْمِلُ آلَةً تَقْتُلُ غَالِبًا كَالسَّيْفِ بِخِلاَفِ شِبْهِ الْعَمْدِ.
ب- الْقَتْلُ الْخَطَأُ:
- الْقَتْلُ الْخَطَأُ: مَا وَقَعَ دُونَ قَصْدِ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ، أَوْ دُونَ قَصْدِ أَحَدِهِمَا.
وَالصِّلَةُ أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ لاَ يُقْصَدُ فِيهِ الْفِعْلُ غَالِبًا، وَأَمَّا الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ فَيُقْصَدُ فِيهِ الْفِعْلُ وَلاَ يُقْصَدُ إزْهَاقُ الرُّوحِ.
ج - الْقَتْلُ بِسَبَبٍ :
- الْقَتْلُ بِسَبَبٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ الْقَتْلُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ لاَ يُؤَدِّي مُبَاشَرَةً إلَى قَتْلٍ، كَوَضْعِ حَجَرٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَفِنَائِهِ، فَيَعْطَبُ بِهِ إنْسَانٌ وَيُقْتَلُ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ أَنَّ الْقَتْلَ شِبْهَ الْعَمْدِ قَتْلٌ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ وَالْقَتْلَ بِسَبَبٍ قَتْلٌ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :
- الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ حَرَامٌ إنْ كَانَ نَتِيجَةً لِضَرْبٍ مُتَعَمَّدٍ عُدْوَانًا، وَالْعُدْوَانُ مُحَرَّمٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
أَنْوَاعُ الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ :
- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى الْقَوْلِ بِالْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى إثْبَاتِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «أَلاَ وَإِنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ مِائَةٌ مِنَ الإْبِلِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ وَلاَ يُقْتَلُ صَاحِبُهُ».
وَقَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَتْلَ شِبْهَ الْعَمْدِ إلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ :
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: شِبْهُ الْعَمْدِ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ :
مِنْهَا أَنْ يَقْصِدَ الْقَتْلَ بِعَصًا صَغِيرَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ صَغِيرٍ أَوْ لَطْمَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهَا الْهَلاَكَ، كَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِ إذَا ضَرَبَ ضَرْبَةً أَوْ ضَرْبَتَيْنِ وَلَمْ يُوَالِ فِي الضَّرَبَاتِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَضْرِبَ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ وَيُوَالِيَ فِي الضَّرَبَاتِ إلَى أَنْ يَمُوتَ.
وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَمِنْهَا: مَا قَصَدَ قَتْلَهُ بِمَا يَغْلِبُ فِيهِ الْهَلاَكُ مِمَّا لَيْسَ بِجَارِحٍ وَلاَ طَاعِنٍ، كَمِدَقَّةِ الْقَصَّارِينَ، وَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ، وَالْعَصَا الْكَبِيرَةِ وَنَحْوِهَا، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَمْدٌ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ الْقَتْلَ شِبْهَ الْعَمْدِ يَكُونُ بِقَصْدِ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا.
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ صُورَتَيْنِ لِلْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ:
الأْولَى : أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ عُدْوَانًا بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا كَخَشَبَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ أَوْ لَكْزَةٍ وَنَحْوِهَا.
وَالثَّانِيَةُ : أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ تَأْدِيبًا وَيُسْرِفَ فِي الضَّرْبِ فَيُفْضِيَ إلَى الْقَتْلِ.
- وَكَمَا يَكُونُ الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْفِعْلِ يَكُونُ بِالْمَنْعِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْجَانِي عَنْ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ فَأَدَّى هَذَا إلَى قَتْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْقَتْلَ يُعْتَبَرُ هَذَا الْقَتْلُ عَمْدًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ يُعْتَبَرُ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً عِنْدَ بَعْضِهِمْ، كَمَنْ حَبَسَ إنْسَانًا وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ فَمَاتَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِهِ عَمْدًا وَشِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ هَذَا لاَ يُعْتَبَرُ قَتْلاً، لاَ شِبْهَ عَمْدٍ وَلاَ خَطَأً، لأِنَّ الْهَلاَكَ حَصَلَ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَلاَ صُنْعَ لأِحَدٍ فِي ذَلِكَ.
وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، لأِنَّهُ لاَ بَقَاءَ لِلآْدَمِيِّ إلاَّ بِالأْكْلِ وَالشُّرْبِ، فَالْمَنْعُ عِنْدَ اسْتِيلاَءِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ عَلَيْهِ يَكُونُ إهْلاَكًا لَهُ، فَأَشْبَهَ حَفْرَ الْبِئْرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إلَى أَنَّ هَذَا قَتْلُ عَمْدٍ إذَا مَاتَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ وَالزَّمَانِ وَالأْحْوَالِ، فَإِذَا كَانَ عَطَشًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، مَاتَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ، وَإِنْ كَانَ رَيَّانَ وَالزَّمَنُ بَارِدٌ أَوْ مُعْتَدِلٌ لَمْ يَمُتْ إلاَّ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَيُعْتَبَرُ هَذَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَشِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
- أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَتْلَ نَوْعَانِ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ، لأِنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلاَّ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، فَمَنْ زَادَ قِسْمًا ثَالِثًا زَادَ عَلَى النَّصِّ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
فَلاَ وَاسِطَةَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَالْعَمْدُ عِنْدَ مَالِكٍ هُوَ كُلُّ فِعْلٍ تَعَمَّدَهُ الإْنْسَانُ بِقَصْدِ الْعُدْوَانِ، فَأَدَّى لِلْمَوْتِ، أَيًّا كَانَتِ الآْلَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الْقَتْلِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَوْتُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَتِيجَةَ فِعْلٍ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالتَّأْدِيبِ فَهُوَ قَتْلٌ خَطَأٌ.
وَفِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ يَقُولُ ابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِثُبُوتِ شِبْهِ الْعَمْدِ، رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَحَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ، وَصُورَتُهُ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ مَا كَانَ بِعَصًا أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ لَطْمَةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ.
وَيَرَى الْعِرَاقِيُّونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الضَّرْبَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، لأِنَّهُ قَصَدَ الضَّرْبَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ.
مَا يَجِبُ فِي الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ :
يَجِبُ عَلَى الْجَانِي فِي الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَيَلْحَقُهُ الإْثْمُ نَتِيجَةَ جِنَايَتِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - الدِّيَةُ :
- الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ تَكُونُ مُغَلَّظَةً، وَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَلاَ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْجَانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيَشْتَرِكُ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (دِيَاتٌ ف 15 - 16).
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهِ التَّغْلِيظُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (دِيَاتٌ ف 16) وَمُصْطَلَحِ: (تَغْلِيظٌ فِقْرَةُ 4).
ب - الْكَفَّارَةُ :
- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ عَدَا الْكَرْخِيَّ: لاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ، لأِنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَالْمُؤَاخَذَةُ فِيهَا ثَابِتَةٌ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (كَفَّارَةٌ).
ج - الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ فِي الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ :
الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ مَانِعٌ مِنَ الْمِيرَاثِ لِعُمُومِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (إرْثٌ ف 18).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 109
آلَةُ الْعُدْوَانِ وَأَثَرُهَا فِي تَحْدِيدِ نَوْعِ الْجِنَايَةِ :
جِنَايَةُ الْقَتْلِ لاَ يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ إِلاَّ إِنْ كَانَتْ مُتَعَمَّدَةً، وَلَمَّا كَانَ تَعَمُّدُ الْقَتْلِ أَمْرًا خَفِيًّا يُنْظَرُ إِلَى الآْلَةِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إِلاَّ إِذَا كَانَ بِمُحَدَّدٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِعَمْدٍ، بَلْ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ إِذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِهِ، وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُوَافِقُوا أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ يَثْبُتُ الْعَمْدُ عِنْدَهُمْ فِي الْقَتْلِ بِمَا عَدَا الْمُحَدَّدِ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي الضَّوَابِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ، يُذْكَرُ فِي مَسَائِلِ الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني ، الصفحة / 24
الدِّيَةُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ :
يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً غَيْرَ مُؤَجَّلَةٍ وَلاَ مُنَجَّمَةٍ، وَذَلِكَ لأِنَّ مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ كَانَ حَالًّا، كَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا، وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الدِّيَةِ الَّتِي تَجِبُ بِالصُّلْحِ، فَيَجْعَلُونَهَا حَالَّةً فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَبَيْنَ الَّتِي تَجِبُ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِشُبْهَةٍ، كَمَا إِذَا قَتَلَ الأْبُ ابْنَهُ عَمْدًا، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، وَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 267
حُكْمُ السَّاحِرِ إِذَا قَتَلَ بِسِحْرِهِ :
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا، وَفِيهِ الْقِصَاصُ. وَيَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الإْقْرَارِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّاحِرَ إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ مَنْ هُوَ مُكَافِئٌ لَهُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ إِنْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ السَّاحِرِ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَقَوْلِهِ: قَتَلْتُهُ بِسِحْرِي، أَوْ قَوْلِهِ: قَتَلْتُهُ بِنَوْعِ كَذَا، وَيَشْهَدُ عَدْلاَنِ يَعْرِفَانِ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَا تَابَا، بِأَنَّ ذَلِكَ النَّوْعَ يَقْتُلُ غَالِبًا. فَإِنْ كَانَ لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. فَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْتُ مِنَ اسْمِ غَيْرِهِ إِلَى اسْمِهِ فَخَطَأٌ.
وَلاَ يَثْبُتُ الْقَتْلُ الْعَمْدُ بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِتَعَذُّرِ مُشَاهَدَةِ الشُّهُودِ قَصْدَ السَّاحِرِ وَتَأْثِيرَ سِحْرِهِ.
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ مِمَّنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ بِالسَّيْفِ وَلاَ يُسْتَوْفَى بِسِحْرٍ مِثْلِهِ، أَيْ لأِنَّ السِّحْرَ مُحَرَّمٌ؛ وَلِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 265
الْقَتْلُ الشَّبِيهُ بِالْعَمْدِ :
- هُوَ : الْقَتْلُ بِمَا لاَ يَقْتُلُ فِي الْغَالِبِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - وَبِالْمُثْقَلاَتِ كَذَلِكَ - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، مِنْ غَيْرِ الْحَدِيدِ وَالْمَعْدِنِ - وَإِنْ كَانَ الْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ هَذَا مِنَ الْعَمْدِ .
وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي الْحَدِيثِ: «أَلاَ وَإِنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ، مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا، مِائَةٌ مِنَ الإْبِلِ، أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا» .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والثلاثون ، الصفحة /182
الْقَتْلُ بِالإْغْرَاق :
يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مِنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ مَا إِذَا أَلْقَى الْجَانِي شَخْصًا فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ لِمِثْلِهِ لاَ يَخْلُصُ مِنْهُ عَادَةً كَلُجَّةٍ وَقْتَ هَيَجَانِهَا، وَكَانَ لاَ يَخْلُصُ بِسِبَاحَةٍ لِعَجْزِهِ عَنْهَا، أَوْ لاَ يُحْسِنُهَا، أَوْ كَانَ مَكْتُوفًا، أَوْ زَمِنًا فَغَرِقَ فَهُوَ عَمْدٌ، وَيَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، أَمَّا إِذَا كَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ وَمَنَعَ مِنْهَا عَارِضٌ بَعْدَ إِلْقَائِهِ كَرِيحٍ وَمَوْجٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ إِلْقَاؤُهُ وَقْتَ هَيَجَانِ الْبَحْرِ؛ لأِنَّهُ مُهْلِكٌ غَالِبًا لاَ يُمْكِنُهُ الْخَلاَصُ مِنْهُ، وَأَمَّا إِذَا أَلْقَى مُمَيِّزًا قَادِرًا عَلَى الْحَرَكَةِ فِي مَاءٍ جَارٍ أَوْ رَاكِدٍ لاَ يُعَدُّ مُغْرِقًا عُرْفًا بِقَصْدِ الإْغْرَاقِ، فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا، فَمَاتَ غَرَقًا فَلاَ ضَمَانَ وَلاَ كَفَّارَةَ؛ لأَنَّهُ الْمُهْلِكُ لِنَفْسِهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 261
أَسْبَابُ الْقِصَاصِ :
أَسْبَابُ الْقِصَاصِ هِيَ : الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ وَالْجُرْحُ وَالشِّجَاجُ وَإِزَالَةُ مَعَانِي الأْعْضَاءِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي :
الْقِصَاصُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ :
الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ سَبَبُهُ الْقَتْلُ الْعَمْدُ بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ سَوْفَ يَأْتِي تَفْصِيلُهَا.
شُرُوطُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :
لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شُرُوطٌ فِي الْقَاتِلِ، وَالْمَقْتُولِ، وَفِعْلِ الْقَتْلِ لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ إِلاَّ بِتَوَفُّرِهَا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ، كَمَا يَلِي:
أ - التَّكْلِيفُ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاتِلِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، أَيْ عَاقِلاً بَالِغًا عِنْدَ الْقَتْلِ، فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ إِذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا جُنُونًا مُطْبِقًا عِنْدَ الْقَتْلِ.
فَإِذَا قَتَلَهُ عَاقِلاً ثُمَّ جُنَّ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ دَفَعَهُ الْقَاضِي لِلْوَلِيِّ عَاقِلاً ثُمَّ جُنَّ اقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ جُنَّ قَبْلَ دَفْعِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ بَدَلاً مِنْهُ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَلِكَ إِذَا جُنَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ؛ لأِنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُخَاطَبًا حَالَةَ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَيَتِمُّ بِالدَّفْعِ، فَإِذَا جُنَّ قَبْلَ الدَّفْعِ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْوُجُوبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ جُنَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
فَإِنْ كَانَ يَجِنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنْ قَتَلَ فِي إِفَاقَتِهِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ، فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ مُطْبِقًا سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ غَيْرَ مُطْبِقٍ قُتِلَ قِصَاصًا بَعْدَ إِفَاقَتِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْتَظَرُ إِلَى حِينِ إِفَاقَتِهِ ثُمَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ.
فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ مَجْنُونًا جُنُونًا مُتَقَطِّعًا، فَإِنْ قَتَلَهُ فِي حَالِ صَحْوِهِ اقْتُصَّ مِنْهُ فِي حَالِ صَحْوِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ جُنُونًا مُطْبِقًا فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا، فَإِنْ قَتَلَهُ حَالَ الْجُنُونِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ لأِنَّهُ قَتَلَهُ حَالَ الْجُنُونِ وَهُوَ فِيهَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَإِنْ قَتَلَهُ حَالَ الإْفَاقَةِ، أَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ حَالَ جُنُونِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ عَنْهُ، ثُمَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَصْحُوَ؛ لاِحْتِمَالِ رُجُوعِهِ عَنْ إِقْرَارِهِ.
وَمِثْلُ الْجُنُونِ: النَّوْمُ وَالإْغْمَاءُ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
أَمَّا السَّكْرَانُ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمَا إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَ وَهُوَ سَكْرَانُ، فَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ بِمُحَرَّمٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ لِعُذْرٍ كَالإْكْرَاهِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُقُوعِ طَلاَقِهِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَيَكُونُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ.
ب - عِصْمَةُ الْقَتِيلِ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ مَعْصُومَ الدَّمِ، أَوْ مَحْقُونَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ.
فَإِذَا كَانَ الْقَتِيلُ مُهْدَرَ الدَّمِ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ - كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ - لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ قِصَاصٌ مُطْلَقًا.
فَإِذَا كَانَ مُهْدَرَ الدَّمِ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ دُونَ سَائِرِهِمْ، كَالْقَاتِلِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ خَاصَّةً، فَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ قُتِلَ بِهِ قِصَاصًا؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُهْدَرِ الدَّمِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ وَلِيُّ الدَّمِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ؛ لأِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي حَقِّهِ.
إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَحْقُونَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْمُسْلِمِ، فَإِنْ كَانَتْ عِصْمَتُهُ مُؤَقَّتَةً كَالْمُسْتَأْمَنِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ قَاتِلُهُ؛ لأِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مَصُونُ الدَّمِ فِي حَالِ أَمَانِهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي الأْصْلِ، لأِنَّهُ حَرْبِيٌّ، فَلاَ قِصَاصَ فِي قَتْلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُهُ مُسْتَأْمَنًا أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَيُقْتَلُ بِهِ لِلْمُسَاوَاةِ لاَ اسْتِحْسَانًا، وَقِيلَ: لاَ يُقْتَلُ عَلَى الاِسْتِحْسَانِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ وَقْتَ الْقَتْلِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْعِصْمَةِ التَّأْبِيدُ، وَعَلَى ذَلِكَ يُقْتَلُ قَاتِلُ الْمُسْتَأْمَنِ، لقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ) .
ج - الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ :
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ فِي أَوْصَافٍ اعْتَبَرُوهَا، فَلاَ يُقْتَلُ الأْعْلَى بِالأْدْنَى، وَلَكِنْ يُقْتَلُ الأْدْنَى بِالأْعْلَى وَبِالْمُسَاوِي.
وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ، وَقَالُوا: لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ عِنْدَهُمُ الْمُسْلِمُ وَلاَ الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيِّ، لاَ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَلْ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ.
إِلاَّ أَنَّ الْجُمْهُورَ اخْتَلَفُوا فِي الأْوْصَافِ الَّتِي اعْتَبَرُوهَا لِلْمُكَافَأَةِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ فِي الإْسْلاَمِ وَالْحُرِّيَّةِ. أَوْ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ أَزْيَدَ مِنَ الْقَاتِلِ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ أَزْيَدَ مِنَ الْقَتِيلِ فِيهِمَا فَلاَ قِصَاصَ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْقَصَ مِنَ الآْخَرِ فِي أَحَدِهِمَا، كَانَ نَقْصُ الْكُفْرِ أَكْثَرَ مِنْ نَقْصِ الرِّقِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَوْ عَبْدًا بِكَافِرٍ وَلَوْ حُرًّا، وَلاَ حُرٌّ بِرَقِيقٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ زَائِدَ إِسْلاَمٍ، فَيُقْتَلُ حُرٌّ كِتَابِيٌّ بِرَقِيقٍ مُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الإْسْلاَمِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يُقْتَلُ الْكَافِرُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ؛ لأِنَّ الْحُرَّ لاَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ مُطْلَقًا عِنْدَهُمْ، كَمَا لاَ يُقْتَلُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ بِالْحُرِّ الْكَافِرِ؛ لأِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ مُطْلَقًا، فَإِذَا قَتَلَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ عَبْدًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ حُرٌّ مَنْ نِصْفُهُ عَبْدٌ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ.
وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ الْقِنُّ بِالْمُكَاتَبِ، وَيُقْتَلُ الْمُكَاتَبُ بِهِ، وَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ - وَالْعَكْسُ - لأِنَّ الْكُلَّ عَبِيدٌ.
وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ مُطْلَقًا.
وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: لاَ بُدَّ فِي الْقَوَدِ مِنَ الْمُكَافَأَةِ فِي الْحَالاَتِ الثَّلاَثِ: حَالَةُ الرَّمْيِ وَحَالَةُ الإْصَابَةِ وَحَالَةُ الْمَوْتِ، وَمَتَى فُقِدَ التَّكَافُؤُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَبَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ الَّذِي فِيهِ مَالٌ إِذَا زَالَتِ الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ، أَوْ عُدِمَتْ قَبْلَ السَّبَبِ وَحَدَثَتْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْمُسَبَّبِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ، كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِهَا وَقْتَ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ وَقْتُ الإِْصَابَةِ فِي الْجُرْحِ وَوَقْتُ التَّلَفِ فِي الْمَوْتِ، وَلاَ يُرَاعَى فِيهِ وَقْتُ السَّبَبِ وَهُوَ الرَّمْيُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ سَحْنُونٌ خِلاَفًا لأَشْهَبَ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوْا مِنِ اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِي الإْسْلاَمِ وَالْحُرِّيَّةِ هُنَا الْقَتْلَ غِيلَةً، وَقَالُوا بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: إِلاَّ الْغِيلَةَ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ الْقَتْلُ لأِخْذِ الْمَالِ - فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ، بَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَوَقْتُ الْمُسَاوَاةِ الْمُشْتَرَطِ عِنْدَهُمْ هُوَ وَقْتُ الْقَتْلِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ قَتَلَ كَافِرٌ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ.. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْتَصُّ مِنْهُ.. لأِنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ فَكَانَ الاِعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ وُجُوبِهَا دُونَ حَالِ اسْتِيفَائِهَا كَالْحُدُودِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُقْتَلَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الأْوْزَاعِيِّ.
وَيَسْتَوِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْقَتْلُ غِيلَةً وَغَيْرَهُ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَقَتْلُ الْغِيلَةِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ، وَذَلِكَ لِلْوَلِيِّ دُونَ السُّلْطَانِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ فِي الإْسْلاَمِ وَالأْمَانِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالأْصْلِيَّةِ وَالسِّيَادَةِ، فَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا بِذِمِّيٍّ لِخَبَرِ: «لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ».
وَلأِنَّهُ لاَ يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِالإْجْمَاعِ، فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى.. وَيُقْتَلُ ذِمِّيٌّ بِهِ أَيِ الْمُسْلِمِ لِشَرَفِهِ عَلَيْهِ، وَيُقْتَلُ أَيْضًا بِذِمِّيٍّ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ وَمَجُوسِيٍّ وَعَكْسُهُ؛ لأِنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ.
وَالأْظْهَرُ: قَتْلُ مُرْتَدٍّ بِذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ وَمُعَاهَدٍ سَوَاءٌ عَادَ الْمُرْتَدُّ إِلَى الإْسْلاَمِ أَمْ لاَ؛ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي الْكُفْرِ، بَلِ الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالاً مِنَ الذِّمِّيِّ لأِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ. وَالثَّانِي: لاَ يُقْتَلُ بِهِ لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الإْسْلاَمِ فِي الْمُرْتَدِّ، وَالأْظْهَرُ أَيْضًا: قَتْلُ مُرْتَدٍّ بِمُرْتَدٍّ لِتَسَاوِيهِمَا، كَمَا لَوْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، وَالثَّانِي: لاَ؛ لأِنَّ الْمَقْتُولَ مُبَاحُ الدَّمِ، لاَ ذِمِّيٌّ بِمُرْتَدٍّ فِي الأْظْهَرِ، وَالثَّانِي يُقْتَلُ بِهِ أَيْضًا، وَيُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِالزَّانِي الْمُسْلِمِ الْمُحْصَنِ كَمَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَلاَ يُقْتَلُ زَانٍ مُحْصَنٌ بِهِ لاِخْتِصَاصِهِ بِفَضِيلَةِ الإْسْلاَمِ، وَلِخَبَرِ: «لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»، وَلاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ، لقوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَعَبْدُهُ وَعَبْدُ غَيْرِهِ.
وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لِكَافِرٍ وَالْقَاتِلُ لِمُسْلِمٍ لِلتَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ، وَاسْتُثْنِيَ الْمُكَاتَبُ إِذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ كَمَا لاَ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِهِ.
وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ أَيْ مُبَعَّضًا، سَوَاءٌ ازْدَادَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ عَلَى حُرِّيَّةِ الْمَقْتُولِ أَمْ لاَ، لاَ قِصَاصَ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ تَزِدْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ وَجَبَ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ أَتَسَاوَيَا أَمْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْمَقْتُولِ أَكْثَرَ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ فَلاَ قِصَاصَ قَطْعًا؛ لاِنْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ.
وَالْفَضِيلَةُ فِي شَخْصٍ لاَ تُجْبِرُ النَّقْصَ فِيهِ، فَلاَ قِصَاصَ وَاقِعٌ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ؛ لأِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَالْحُرُّ لاَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَلاَ تُجْبَرُ فَضِيلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَقِيصَتَهُ.
وَسَيَأْتِي الْكَلاَمُ فِي وَصْفَيِ الأْصْلِيَّةِ وَالسِّيَادَةِ.
وَالشَّافِعِيَّةُ يَعْتَبِرُونَ الْمُسَاوَاةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَقْتَ الْقَتْلِ، وَهُوَ وَقْتُ انْعِقَادِ سَبَبِ الْقِصَاصِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ، الَّذِي قَتَلَ كَافِرًا مُكَافِئًا لَهُ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ لِتَكَافُئِهِمَا حَالَةَ الْجِنَايَةِ؛ لأِنَّ الاِعْتِبَارَ فِي الْعُقُوبَاتِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَلاَ نَظَرَ لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ أَوْ نَحْوُهُ ذِمِّيًّا أَوْ نَحْوَهُ وَأَسْلَمَ الْجَارِحُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ لاَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فِي الأْصَحِّ، لِلتَّكَافُؤِ حَالَةَ الْجَرْحِ.
د - أَنْ لاَ يَكُونَ الْقَاتِلُ حَرْبِيًّا :
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ إِذَا كَانَ حَرْبِيًّا، حَتَّى وَلَوْ أَسْلَمَ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ عَدَمِ الْقِصَاصِ مِمَّنْ أَسْلَمَ كَوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَلِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ، وَلَكِنْ يُقْتَلُ بِمَا هُدِرَ بِهِ دَمُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ قَتَلَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ قِصَاصًا، وَيُقْتَلُ لإِهْدَارِ دَمِهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَ الْقَتْلُ وَالْقِصَاصُ.
هـ - أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُتَعَمِّدًا الْقَتْلَ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَجِبُ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «الْعَمْدُ قَوَدٌ»، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لأِنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ فَلاَ تَجِبُ إِلاَّ فِي جِنَايَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالْجِنَايَةُ لاَ تَتَنَاهَى إِلاَّ بِالْعَمْدِ، وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قَتْلُ عَمْدٍ ف 1).
و - أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُخْتَارًا:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإْكْرَاهَ لاَ أَثَرَ لَهُ فِي إِسْقَاطِ الْقِصَاصِ عَنِ الْمُكْرَهِ، فَإِذَا قَتَلَ غَيْرَهُ مُكْرَهًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَلَزِمَ الْقِصَاصُ الْمُكْرَهَ أَيْضًا وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُخْتَارًا اخْتِيَارَ الإْيثَارِ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى مُكْرَهٍ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا اسْتَوْفَى شُرُوطَهُ الأْخْرَى وَهَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ؟
فِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِكْرَاه ف 19).
أَمَّا الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ فَلاَ أَثَرَ لَهُ وَيُقْتَصُّ مَعَهُ مِنَ الْقَاتِلِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِكْرَاه ف 19 - 24).
ز - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَقْتُولُ جُزْءَ الْقَاتِلِ أَوْ مِنْ فُرُوعِهِ :
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ مُطْلَقًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ»؛ وَلأِنَّهُ كَانَ سَبَبَ حَيَاتِهِ فَلاَ يَكُونُ الْوَلَدُ سَبَبًا فِي مَوْتِهِ، وَفِي حُكْمِ الْوَالِدِ هُنَا كُلُّ الأْصُولِ مِنَ الذُّكُورِ وَالإْنَاثِ مَهْمَا بَعُدُوا، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الأْمُّ وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ مِنَ الأْبِ كُنَّ أَمْ مِنَ الأْمِّ، كَمَا يَدْخُلُ الأْجْدَادُ وَإِنْ عَلَوْا مِنَ الأْبِ كَانُوا أَوْ مِنَ الأْمِّ؛ لِشُمُولِ لَفْظِ الْوَالِدِ لَهُمْ جَمِيعًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الأْمَّ تُقْتَلُ بِالاِبْنِ خِلاَفًا لِلأْبِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالأْبِ فَلاَ تُقْتَلُ بِالاِبْنِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأْبَ إِذَا قَتَلَ ابْنَهُ قُتِلَ بِهِ إِذَا كَانَ قَصَدَ إِزْهَاقَ رُوحِهِ وَاضِحًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاضِحًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَضَابِطُهُ أَنْ لاَ يَقْصِدَ إِزْهَاقَ رُوحِهِ، فَإِنْ قَصَدَهُ كَأَنْ يَرْمِيَ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ، أَوْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْقِصَاصُ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَالِدِ النَّسَبِيِّ، قَالَ الْحَنَابِلَةُ: أَمَّا الْوَالِدُ مِنَ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ مِنَ الرَّضَاعِ لِعَدَمِ الْجُزْئِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ.
ح - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَمْلُوكًا لِلْقَاتِلِ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَتَلَ سَيِّدَهُ قُتِلَ بِهِ، أَمَّا السَّيِّدُ إِذَا قَتَلَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً مَمْلُوكَيْنِ لَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِمَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدِهِ».
وَمِثْلُ الْمَمْلُوكِ هُنَا مَنْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ، أَوْ كَانَ يَمْلِكُ جُزْءًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لاَ قِصَاصَ؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ بَعْضِ الْقِصَاصِ دُونَ بَعْضٍ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ.
كَمَا لاَ يُقْتَلُ الْمَوْلَى بِمُدَبَّرِهِ، وَأُمِّ وَلَدِهِ، وَمُكَاتَبِهِ؛ لأِنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ حَقِيقَةً.
ط - أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُبَاشِرًا :
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ عَلَى سَوَاءٍ، إِذَا تَوَافَرَتْ شُرُوطُ الْقِصَاصِ الأْخْرَى.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً، فَلَوْ قَتَلَهُ بِالسَّبَبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ فَمَاتَ فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْحَافِرِ، وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إِذَا شَهِدَ بِالْقَتْلِ فَاقْتُصَّ مِنَ الْقَاتِلِ بِشَهَادَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنِ الشَّهَادَةِ، أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا لِثُبُوتِ حَيَاةِ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ عِنْدَهُمْ.
ي - أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ قَدْ حَدَثَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ :
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، لإِطْلاَقِ الآْيَاتِ الْكَرِيمَةِ وَالأْحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَلَمْ يُهَاجِرْ إِلَيْنَا فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ؛ لأِنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ مَكَانًا، فَكَانَ كَالْمُحَارِبِ لاَ عِصْمَةَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ تَاجِرَانِ مُسْلِمَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ فَإِنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيهِ أَيْضًا.
ك - الْعُدْوَانُ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَجِبُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُدْوَانٌ، وَالْعُدْوَانُ يَعْنِي تَجَاوُزَ الْحَدِّ وَالْحَقِّ، فَإِذَا قَتَلَهُ بِحَقٍّ أَوْ بِإِذْنِ الْقَتِيلِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ لِعَدَمِ الاِعْتِدَاءِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُخَرَّجُ الْقَتْلُ قِصَاصًا، أَوْ حَدًّا، أَوْ دِفَاعًا عَنِ النَّفْسِ، أَوْ دِفَاعًا عَنِ الْمَالِ كَقَتْلِ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ، أَوْ تَأْدِيبًا، أَوْ تَطْبِيبًا فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ فِي هَذِهِ الأْحْوَالِ كُلِّهَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الاِعْتِدَاءِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (إِذْن ف 39 وَ 58 وَ 60، وَتَأْدِيب ف 11، وَتَطْبِيب ف 7، وَصِيَال ف 6)
ل - أَنْ لاَ يَكُونَ وَلِيُّ الدَّمِ فَرْعًا لِلْقَاتِلِ :
لَوْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ فَرْعًا لِلْقَاتِلِ، كَأَنْ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ، سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِلْجُزْئِيَّةِ، لأِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْفَرْعُ أَحَدَ الْمُسْتَحِقِّينَ
لِلْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ كُلُّهُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَتَجَزَّأُ.
م - أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الدَّمِ فِي الْقِصَاصِ مَعْلُومًا :
وَهَذَا شَرْطٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، فَإِذَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ مَجْهُولاً لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لأِنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وُجُوبٌ لِلاِسْتِيفَاءِ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَجْهُولِ مُتَعَذِّرٌ فَتَعَذَّرَ الإْيجَابُ.
ن - أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْقَاتِلِ شَرِيكٌ فِي الْقَتْلِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ :
إِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ أَحَدِ الْمُشَارِكِينَ فِي الْقَتْلِ لأِيِّ سَبَبٍ كَانَ غَيْرِ الْعَفْوِ عَنْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْجَمِيعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ الْقَتْلَ وَاحِدٌ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَغَيَّرَ مُوجِبُهُ بِتَغَيُّرِ الْمُشَارِكِينَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْقَاتِلِينَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَبًا أَوْ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ.. سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْجَمِيعِ.
أَمَّا إِذَا قَتَلَ اثْنَانِ رَجُلاً، فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنِ الثَّانِي بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ كَالأْوَّلِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الثَّانِي.
هَذَا مَا دَامَ الْوَلِيُّ الْعَافِي وَاحِدًا، فَإِذَا كَانَ لِلْقَتِيلِ أَوْلِيَاءٌ فَعَفَا أَحَدُهُمْ، سَقَطَ الْقِصَاصُ لِلْبَاقِينَ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا قَتَلَ إِنْسَانٌ رَجُلَيْنِ، فَعَفَا وَلِيُّ أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ، سَقَطَ حَقُّ الأْوَّلِ وَبَقِيَ حَقُّ الثَّانِي فِي الْقِصَاصِ عَلَى حَالِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ إِنْ تَمَالآَ عَلَى قَتْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَالآَ عَلَى قَتْلِهِ وَتَعَمَّدَا قَتْلَهُ، أَوِ الْكَبِيرُ فَقَطْ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْكَبِيرِ؛ لاِحْتِمَالِ أَنَّ ضَرْبَ الصَّغِيرِ هُوَ الْقَاتِلُ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ أَنَّهُ مَاتَ بِضَرْبِ الْكَبِيرِ، وَيُقْسِمُونَ عَلَى ذَلِكَ فَيُقْتَلُ الْكَبِيرُ.
وَلاَ قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ مُخْطِئٍ أَوْ مَجْنُونٍ، وَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ سَبْعٍ، أَوْ جَارِحٍ نَفْسَهُ جُرْحًا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا، أَوْ شَرِيكِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَتَمَالآَ عَلَى قَتْلِهِ، وَإِلاَّ اقْتُصَّ مِنَ الشَّرِيكِ. أَوْ شَرِيكِ مَرَضٍ، بِأَنْ جَرَحَهُ ثُمَّ مَرِضَ مَرَضًا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُدْرَ أَمَاتَ مِنَ الْجُرْحِ أَمْ مِنَ الْمَرَضِ؟ قَوْلاَنِ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَالرَّاجِحُ فِي شَرِيكِ الْمَرَضِ الْقِصَاصُ، وَفِي غَيْرِهِ لاَ يُوجَدُ تَرْجِيحٌ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالرَّاجِحُ فِي شَرِيكِ الْمَرَضِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْجُرْحِ الْقَسَامَةُ وَيَثْبُتُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ، وَكُلُّ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَرَضُ قَبْلَ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الْجَارِحِ اتِّفَاقًا، وَقَالَ: وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الثَّلاَثُ الأْوَلُ فَالْقَوْلاَنِ فِيهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكٍ مُخْطِئٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ مَنِ امْتَنَعَ قَوَدُهُ لِمَعْنًى فِيهِ إِذَا تَعَمَّدَا جَمِيعًا، فَلاَ يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ؛ لأِنَّ الزُّهُوقَ حَصَلَ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُهُ وَالآْخَرُ يَنْفِيهِ، فَغَلَبَ الْمُسْقِطُ.
وَيُقْتَلُ شَرِيكُ الأْبِ فِي قَتْلِ وَلَدِهِ، وَعَلَى الأْبِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً، وَفَارَقَ شَرِيكُ الأْبِ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ بِأَنَّ الْخَطَأَ شُبْهَةٌ فِي فِعْلِ الْخَاطِئِ وَالْفِعْلاَنِ مُضَافَانِ إِلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ صَدَرَا مِنْ وَاحِدٍ، وَشُبْهَةُ الأْبُوَّةِ فِي ذَاتِ الأْبِ لاَ فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَذَاتُ الأْبِ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ ذَاتِ الأْجْنَبِيِّ، فَلاَ تُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا، وَكَانَ أَحَدُ الْجَمَاعَةِ أَبًا لِلْقَتِيلِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الأْبِ وَحْدَهُ، وَوَجَبَ عَلَى الآْخَرِينَ، لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاتِلٌ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مُنْفَرِدًا، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لاَ قِصَاصَ عَلَى الأْبِ وَلاَ عَلَى شُرَكَائِهِ كَالْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمْ جَمِيعًا، فَلاَ يَخْتَلِفُ وَصْفُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنِ الآْخَرِ، وَمَا دَامَ قَدْ سَقَطَ عَنْ أَحَدِهِمْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنِ الْبَاقِينَ.
وَمِثْلُ الأَبِ هُنَا كُلُّ مَنْ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ غَيْرِ قُصُورٍ فِي السَّبَبِ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، كَالذِّمِّيِّ مَعَ الْمُسْلِمِ، وَالْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ، فَإِذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَعَاقِلٌ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُمْ جَمِيعًا فِي الأْصَحِّ؛ لأِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِمَعْنًى فِي فِعْلِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَقَطْ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ.
قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ :
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَوَاطَأَ جَمَاعَةٌ عَلَى قَتْلِ وَاحِدٍ مَعْصُومِ الدَّمِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ يُقْتَلُونَ بِالْفَرْدِ الَّذِي تَمَّ التَّوَاطُؤُ عَلَى قَتْلِهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلاً، وَقَالَ: لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوَاطُؤ ف 7).
وَلِيُّ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلاً؛ لأِنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حَقَّهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا عَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهِ سَقَطَ الْقِصَاصُ، فَإِذَا مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ، انْتَقَلَ الْقِصَاصُ إِلَى الْوَرَثَةِ عَلَى سَبِيلِ الاِشْتِرَاكِ بَيْنَهُمْ، كُلٌّ مِنْهُمْ حَسَبَ حِصَّتِهِ فِي التَّرِكَةِ، يَسْتَوِي فِيهِمُ الْعَاصِبُ وَصَاحِبُ الْفَرْضِ، وَالذَّكَرُ وَالأْنْثَى، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، فَإِذَا مَاتَ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ، أَوْ مَاتَ لاَ عَنْ تَرِكَةٍ فَالْقِصَاصُ لِوَرَثَتِهِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَرِثُوا شَيْئًا؛ لأِنَّ فِيهِمْ قُوَّةَ الإْرْثِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ زَائِدٌ عَنِ الدَّيْنِ لَوَرِثُوهُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمَقْصُودُ مِنَ الْقِصَاصِ هُوَ التَّشَفِّي، وَأَنَّهُ لاَ يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ، وَيَحْصُلُ لِوَرَثَتِهِ، فَكَانَ حَقًّا لَهُمُ ابْتِدَاءً، وَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ لاَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْمَيِّتِ فِيهِ حَقًّا حَتَّى يَسْقُطَ بِعَفْوِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لِعَصَبَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الذُّكُورِ فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانُوا عَصَبَةً بِالنَّسَبِ كَالاِبْنِ، أَوْ بِالسَّبَبِ كَالْوَلاَءِ، فَلاَ دَخْلَ فِيهِ لِزَوْجٍ وَلاَ أَخٍ لأِمٍّ أَوْ جَدٍّ لأِمٍّ، يُقَدَّمُ فِيهِ الاِبْنُ ثُمَّ ابْنُ الاِبْنِ، وَيُقَدَّمُ الأْقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَاتِ عَلَى الأْبْعَدِ، إِلاَّ الْجَدُّ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَعَ الإْخْوَةِ بِخِلاَفِ الأْبِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَصَبَةِ هُنَا الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ لاِشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِيهِ، فَلاَ يَسْتَحِقُّهُ عَصَبَتُهُ بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ:
الأْوَّلُ : أَنْ يَكُنْ مِنْ وَرَثَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، كَالْبِنْتِ وَالأْخْتِ.
وَالثَّانِي : أَنْ لاَ يُسَاوِيَهُنَّ عَاصِبٌ، فَإِنْ سَاوَاهُنَّ فَلاَ قِصَاصَ لَهُنَّ، كَالْبِنْتِ مَعَ الاِبْنِ، وَالأْخْتِ مَعَ الأْخِ، فَإِنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُمَا فِي الْقِصَاصِ، وَالْحَقُّ فِيهِ لِلاِبْنِ وَحْدَهُ، وَلِلأْخِ وَحْدَهُ.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْوَارِثَةُ مِمَّنْ لَوْ ذُكِّرَتْ عُصِّبَتْ، كَالْبِنْتِ وَالأْخْتِ الشَّقِيقَةِ أَوْ لأِبٍ، فَأَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْجَدَّةُ لأِمٍّ وَالأْخْتُ لأِمٍّ.. فَلاَ قِصَاصَ لَهُنَّ مُطْلَقًا.
فَإِذَا كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَارِثٌ مِنَ النِّسَاءِ، وَعَصَبَتُهُ مِنَ الرِّجَالِ أَبْعَدُ مِنْهُنَّ، كَانَ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَهُنَّ وَلِلْعَصَبَةِ الأْبْعَدِ مِنْهُنَّ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الأْوْلِيَاءِ الْمُنْفَرِدِينَ وَالْمُتَعَدِّدِينَ تَوْكِيلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (وَكَالَةٌ).
وَلِلأْبِ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ عَنِ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِوِلاَيَتِهِ عَلَيْهِ، أَمَّا غَيْرُ الأْبِ مِنْ أَوْلِيَاءِ النَّفْسِ كَالأْخِ وَالْعَمِّ فَلَهُ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ. أَمَّا الْوَصِيُّ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ عَنِ الْقَاصِرِ الْمَشْمُولِ بِوِصَايَتِهِ؛ لأِنَّ الْوِصَايَةَ عَلَى الْمَالِ فَقَطْ وَلَيْسَ الْقِصَاصُ مِنْهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لاَ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ عَمَّنْ يَلِي عَلَيْهِ، أَبًا أَوْ غَيْرَهُ.
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَارِثٌ وَلاَ عَصَبَةٌ، كَانَ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِوِلاَيَتِهِ الْعَامَّةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لاَ وِلاَيَةَ لِلسُّلْطَانِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: حَقُّ الْقِصَاصِ لِلسُّلْطَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ.
طَرِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ لِلْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِمِثْلِ الطَّرِيقَةِ وَالآْلَةِ الَّتِي قَتَلَ بِهَا، لقوله تعالى : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقَةُ مُحَرَّمَةً، كَأَنْ يَثْبُتَ الْقَتْلُ بِخَمْرٍ فَيُقْتَصَّ بِالسَّيْفِ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِلِوَاطٍ أَوْ بِسِحْرٍ فَيُقْتَصَّ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَكَذَا فِي الأْصَحِّ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْخَمْرِ بِإِيجَارِهِ مَائِعًا كَخَلٍّ أَوْ مَاءٍ، وَفِي اللِّوَاطِ بِدَسِّ خَشَبَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ آلَتِهِ وَيُقْتَلُ بِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالسَّيْفِ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي الْعُنُقِ مَهْمَا كَانَتِ الآْلَةُ وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي قَتَلَ بِهَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ»، وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ هُنَا السِّلاَحُ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ السِّكِّينُ وَالْخَنْجَرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
- وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ إِلاَّ بِإِذْنِ الإْمَامِ فِيهِ لِخَطَرِهِ؛ وَلأِنَّ وُجُوبَهُ يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ لاِخْتِلاَفِ النَّاسِ فِي شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَالاِسْتِيفَاءِ، لَكِنْ يُسَنُّ حُضُورُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ لاَ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إِلاَّ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ الْوَلِيُّ بِنَفْسِهِ بِدُونِ إِذْنِ السُّلْطَانِ جَازَ، وَيُعَزَّرُ لاِفْتِئَاتِهِ عَلَى الإْمَامِ.
اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :
يُشْتَرَطُ لاِسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْقِصَاصِ إِذَا كَانَ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّ لَهُ طَلَبَ الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءَهُ، فَإِنْ طَلَبَهُ أُجِيبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ وَاحِدًا أُجِيبَ إِلَيْهِ إِذَا طَلَبَهُ مُطْلَقًا، وَإِذَا كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ أُجِيبُوا إِلَيْهِ إِذَا طَلَبُوهُ جَمِيعًا، فَإِذَا أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ - كَمَا تَقَدَّمَ -
فَإِذَا كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ قَاصِرًا، أَوْ كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ بَعْضُهُمْ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ نَاقِصَ الأْهْلِيَّةِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي الظَّاهِرِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُنْتَظَرُ الصَّغِيرُ حَتَّى يَكْبَرَ، وَالْمَجْنُونُ حَتَّى يُفِيقَ؛ لأِنَّهُ رُبَّمَا يَعْفُو فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لأِنَّ الْقِصَاصَ عِنْدَهُمْ يَثْبُتُ لِكُلِّ الْوَرَثَةِ عَلَى سَبِيلِ الاِشْتِرَاكِ؛ وَلأِنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي، فَحَقُّهُ التَّفْوِيضُ إِلَى خِيرَةِ الْمُسْتَحِقِّ، فَلاَ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَاءِ غَيْرِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى الْبُلُوغِ وَالإْفَاقَةِ، وَلاَ يُخَلَّى بِكَفِيلٍ؛ لأِنَّهُ قَدْ يَهْرُبُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ يَكُونُ لِكَامِلِي الأْهْلِيَّةِ وَحْدَهُمْ حَقُّ طَلَبِ الْقِصَاصِ، لأِنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كَامِلاً - عِنْدَهُ - عَلَى سَبِيلِ الاِسْتِقْلاَلِ، فَإِذَا طَلَبُوهُ أُجِيبُوا إِلَيْهِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالآْخَرِينَ نَاقِصِي الأْهْلِيَّةِ؛ لأِنَّ عَفْوَهُمْ لاَ يَصِحُّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُنْتَظَرُ صَغِيرٌ لَمْ يَتَوَقَّفِ الثُّبُوتُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُنْتَظَرُ مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ لاَ تُعْلَمُ إِفَاقَتُهُ بِخِلاَفِ مَنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَتُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ.
فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الأْوْلِيَاءِ كَامِلِي الأْهْلِيَّةِ غَائِبًا انْتُظِرَتْ عَوْدَتُهُ بِالاِتِّفَاقِ؛ لأِنَّ لَهُ الْعَفْوَ فَيَسْقُطُ بِهِ الْقِصَاصُ؛ وَلأِنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي كَمَا سَبَقَ.
زَمَانُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :
إِذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ بِشُرُوطِهِ جَازَ لِلْوَلِيِّ اسْتِيفَاؤُهُ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ لأِنَّهُ حَقُّهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُعَدُّ مُسْتَحِقًّا لَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا جَرَحَهُ جُرْحًا نَافِذًا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ؛ لأِنَّهُ رُبَّمَا شُفِيَ مِنْ جُرْحِهِ فَلاَ قِصَاصَ لِعَدَمِ تَوَفُّرِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ، فَإِذَا مَاتَ ثَبَتَ الْقِصَاصُ فَيُسْتَوْفَى فَوْرًا.
وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُعَافًى أَوْ مَرِيضًا، وَسَوَاءٌ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ بَارِدًا أَوْ حَارًّا؛ لأِنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْمَوْتُ، وَلاَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَوْتِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا كَانَ امْرَأَةً حَامِلاً يُؤَخَّرُ الْقِصَاصُ حَتَّى تَلِدَ، حِفَاظًا عَلَى سَلاَمَةِ الْجَنِينِ وَحَقِّهِ فِي الْحَيَاةِ، بَلْ إِنَّهَا تُنْظَرُ إِلَى الْفِطَامِ أَيْضًا إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا لإِرْضَاعِهِ، فَإِذَا ادَّعَتِ الْحَمْلُ وَشَكَّ فِي دَعْوَاهَا أُرِيَتِ النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ حَامِلٌ أُجِّلَتْ، ثُمَّ إِنْ ثَبَتَ حَمْلُهَا حُبِسَتْ حَتَّى تَلِدَ وَإِنْ قُلْنَ: غَيْرُ حَامِلٍ اقْتُصَّ مِنْهَا فَوْرًا.
مَكَانُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :
لَيْسَ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا الْتَجَأَ الْجَانِي إِلَى الْحَرَمِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ مَنْ تَوَجَّبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، إِذَا لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ قُتِلَ فِيهِ، فَإِنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ أُخْرِجَ مِنْهُ وَقُتِلَ خَارِجَهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُخْرَجُ مِنْهُ وَلاَ يُقْتَلُ فِيهِ، وَلَكِنْ يُمْنَعُ عَنْهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ بِنَفْسِهِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ.
هَذَا مَا دَامَتِ الْجِنَايَةُ وَقَعَتْ خَارِجَ الْحَرَمِ فِي الأْصْلِ، فَإِذَا كَانَتْ وَقَعَتْ فِي الْحَرَمِ أَصْلاً، جَازَ الاِقْتِصَاصُ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ وَخَارِجَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
مَا يَسْقُطُ بِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ:
يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ بِأُمُورٍ، هِيَ:
فَوَاتُ مَحَلِّ الْقِصَاصِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ؛ لأِنَّ الْقَتْلَ لاَ يَرِدُ عَلَى مَيِّتٍ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ قَدْ حَصَلَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ بِقَتْلِ آخَرَ لَهُ بِحَقٍّ كَالْقِصَاصِ وَالْحَدِّ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا إِذَا قَتَلَ الْقَاتِلُ عَمْدًا عُدْوَانًا، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ مَعَ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ الأْوَّلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي لأِوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الأْوَّلِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَتَجِبُ الدِّيَةُ لأِوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الأْوَّلِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ الثَّانِي.