loading

موسوعة قانون العقوبات​

المذكرة الإيضاحية

المادة 240 - ( أصبحت المادة 238 ) - هي المادة 202 من قانون سنة 1904 التي تعاقب على القتل خطأ، وقد رفع الحد الأقصى لعقوبة الحبس المقررة لهذه الجريمة إلي ثلاث سنين والحد الأقصي للغرامة إلي مائة جنيه لأن العمل اظهر إن العقوبة المنصوص عليها في المادة 202 المذكورة وهي الحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو غرامة لا تتجاوز خمسين جنيهاً مصرياً لا تكفي في الأحوال التي يكون فيها الخطأ جسيماً أو التي يتعدد فيها المجني عليهم .

الأحكام

1 ـ حيث أن الدعوى الجنائية أقيمت على المطعون ضده بتهمتى القتل الخطأ و قيادة سيارة بحالة تعرض حياة الأشخاص و الأموال للخطر فقضت محكمة أول درجة حضورياً بحبس المطعون ضده ستة أشهر مع الشغل و كفالة عشرين جنيهاً لوقف التنفيذ عن التهمتين مع تطبيق المادة 2/32 من قانون العقوبات . و إذ إستأنف المطعون ضده قضت محكمة ثانى درجة بحكمها المطعون فيه بتعديل الحكم المستأنف و حبس المطعون ضده ثلاثة أشهر مع الشغل . لما كان ذلك ، و كانت عقوبة جريمة القتل الخطأ - و هى الجريمة ذات العقوبة الأشد التى دين بها المطعون ضده - كنص الفقرة الأولى من المادة 238 من قانون العقوبات هى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و الغرامة التى لا تجاوز مائتى جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين . و لما كان الحكم المطعون فيه قد نزل بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر قانوناً على النحو المار بيانه فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون . و إذ كان العيب الذى شاب الحكم مقصوراً على الخطأ فى تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم فإنه يتعين حسبما أوجبته الفقرة الأولى من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 فى شأن حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تحكم محكمة النقض فى الطعن بتصحيح الخطأ و تحكم بمقتضى القانون و هو ما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه و تصحيحه يتوقيع عقوبة الحبس التى لا تقل عن ستة أشهر و لما كان المطعون ضده هو المستأنف وحده و كان من المقرر أنه لا يصح أن يضار المتهم بناء على الإستئناف المرفوع منه وحده فإنه يتعين ألا تزيد مدة الحبس المقضى بها عن المدة التى قضت بها محكمة أول درجة مما لازمه القضاء بتأييد الحكم المستأنف .

(الطعن رقم 2043 لسنة 51 جلسة 1981/12/10 س 32 ص 1076 ق 192)

2 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قضى بعدم جواز استئناف المتهم استناداً إلى أن محكمة أول درجة حكمت بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة جنيه . ولما كانت المادة 402/1 من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانون رقم 174 لسنة 1998 تنص على أنه : " لكل من المتهم والنيابة العامة أن يستأنف الأحكام الصادرة فى الدعوى الجنائية من المحكمة الجزئية فى مواد الجنح ، ومع ذلك إذا كان الحكم صادراً فى إحدى الجنح المعاقب عليها بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه فضلاً عن الرد والمصاريف فلا يجوز استئنافه إلا لمخالفة القانون أو لخطأ فى تطبيقه أو فى تأويله أو لوقوع بطلان فى الحكم أو فى الإجراءات أثر فى الحكم " ، ومفاد هذا النص أن العبرة فى جواز الاستئناف بالعقوبة المقررة فى القانون لا بما تقضي به المحكمة ، وكانت العقوبة المقررة لجريمة القتل الخطأ المسندة إلى الطاعن وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 238 من قانون العقوبات هي " الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته …" فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز الاستئناف تأسيساً على ما قاله من أن محكمة أول درجة قضت بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة جنيه يكون أخطأ فى تطبيق نص المادة 402 /1 من قانون الإجراءات الجنائية المذكورة بما يستوجب نقضه ، ولما كانت المحكمة قد قصرت بحثها على شكل الاستئناف دون أن تتعرض لموضوع الدعوى الأمر الذي يتعين معه أن يكون نقض الحكم مقروناً بالإعادة ، بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن .

(الطعن رقم 71300 لسنة 74 جلسة 2007/04/18 س 58 ص 380 ق 73)

3 ـ لما كانت مصلحة الطاعن تنعدم عن نفي انطباق نص الفقرة الثالثة من المادة 238 من قانون العقوبات على الواقعة ما دامت العقوبة المقضي بها عليه وهي الحبس لمدة سنة واحدة تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجنحة القتل الخطأ المنطبقة على الفقرة الأولى من المادة 238 سالفة الذكر .

(الطعن رقم 25183 لسنة 69 جلسة 2007/07/08 س 58 ص 473 ق 95)

4 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قضى بعدم جواز استئناف المتهم استناداً إلى أن محكمة أول درجة حكمت بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة جنيه . ولما كانت المادة 402/1 من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانون رقم 174 لسنة 1998 تنص على أنه : " لكل من المتهم والنيابة العامة أن يستأنف الأحكام الصادرة فى الدعوى الجنائية من المحكمة الجزئية فى مواد الجنح ، ومع ذلك إذا كان الحكم صادراً فى إحدى الجنح المعاقب عليها بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه فضلاً عن الرد والمصاريف فلا يجوز استئنافه إلا لمخالفة القانون أو لخطأ فى تطبيقه أو فى تأويله أو لوقوع بطلان فى الحكم أو فى الإجراءات أثر فى الحكم " ، ومفاد هذا النص أن العبرة فى جواز الاستئناف بالعقوبة المقررة فى القانون لا بما تقضي به المحكمة ، وكانت العقوبة المقررة لجريمة القتل الخطأ المسندة إلى الطاعن وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 238 من قانون العقوبات هي " الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته …" فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز الاستئناف تأسيساً على ما قاله من أن محكمة أول درجة قضت بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة جنيه يكون أخطأ فى تطبيق نص المادة 402 /1 من قانون الإجراءات الجنائية المذكورة بما يستوجب نقضه ، ولما كانت المحكمة قد قصرت بحثها على شكل الاستئناف دون أن تتعرض لموضوع الدعوى الأمر الذي يتعين معه أن يكون نقض الحكم مقروناً بالإعادة ، بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن .

(الطعن رقم 71300 لسنة 74 جلسة 2007/04/18 س 58 ص 380 ق 73)

5 ـ لما كان ما يثيره الطاعن من أن الواقعة تشكل جنحة القتل الخطأ المؤثمة بالمادة 238 من قانون العقوبات لا يعدو أن يكون منازعة فى الصورة التى اعتنقتها المحكمة للواقعة و جدلاً فى سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت فى وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب .

(الطعن رقم 21346 لسنة 69 جلسة 2003/01/18 س 54 ص 189 ق 12)

6 ـ لما كان ما تبين لمحكمة الدرجة الثانية لدى نظر الإستئناف المرفوع من المحكوم عليه من أن الوصف الصحيح لواقعة الدعوى هو جنحة القتل الخطأ المعاقب عليها بالمادة 238 من قانون العقوبات - و هى أشد من جنحة الإصابة الخطأ التى رفعت بها الدعوى ليس من شأنه أن يحول بين محكمة الدرجة الثانية و بين نظر موضوع الدعوى و الفصل فيه طالما أنها لا توجه للمتهم أفعالاً جديدة و لا تشدد عليه العقوبة و من ثم فإنه من حق المحكمة الإستئنافية فى هذه الحالة أن تعدل وصف التهمة من الإصابة الخطأ إلى القتل الخطأ المنطبق على المادة 238 من قانون العقوبات إذا ما تحقق لديها أن وفاة المجنى عليه نشأت من الإصابة الخطأ ، و المحكمة فى هذه الحالة لا تعتبر أنها قد وجهت إلى المتهم فعلاً جديداً ذلك لأن الوفاة إنما هى نتيجة للإصابات التى حدثت بخطئه و التى أقامت النيابة العامة الدعوى الجنائية عليه من أجلها و دانه الحكم المستأنف بها ، و كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 1756 لسنة 59 جلسة 1991/02/28 س 42 ع 1 ص 431 ق 61) 

7 ـ لما كان القانون قد أوجب فى كل حكم بالادانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بما تتحقق به أركان الجريمة و الظروف التى وقعت فيها و الأدلة التى استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم و مؤدى تلك الأدلة حتى يتضح وجه استدلالها بها و سلامة مأخذها تمكيناً لمحكمة النقض من مراقبة صحة التطبيق القانونى على الواقعة كما صار إثباتها بالحكم و إلا كان قاصراً ، و كان من المقرر أن ركن الخطأ هو العنصر المميز فى الجرائم غير العمدية و أنه يجب لسلامة القضاء بالادانة فى جريمة القتل الخطأ - حسبما هى معرفة به فى المادة 238 من قانون العقوبات - أن يبين الحكم كنه الخطأ الذى وقع من المتهم و رابطة السببية بين الخطأ و القتل بحيث لا يتصور وقوع القتل بغير هذا الخطأ ، و كان الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد اكتفى فى بيان الدليل بالإحالة إلى محضر ضبط الواقعة و لم يورد مضمونه و لم يبين وجه استدلاله به على الجريمة التى دان الطاعن بها ، هذا فضلاً عن أنه لم يبين كيفية وقوع الحادث و سلوك الطاعن أثناء قيادته للسيارة و كنه الخطأ الذى وقع منه و يورد الدليل على كل ذلك مردودا إلى أصل ثابت فى الأوراق ، كما لم يبين موقف المجنى عليه و مسلكه أثناء وقوع الحادث و أثر ذلك على قيام رابطة السببية ، كما أغفل بيان اصابات المجنى عليه و كيف أنها أدت إلى وفاته من واقع تقرير فنى باعتبار أن ذلك من الأمور الفنية البحته ، الأمر الذى يعجز محكمة النقض عن اعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقا صحيحاً على الواقعة التى صار إثباتها فى الحكم .

(الطعن رقم 5760 لسنة 58 جلسة 1989/01/17 س 40 ص 77 ق 9) 

8 ـ إن القانون قد أوجب فى كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بما تتحقق به أركان الجريمة و الظروف التى وقعت فيها و الأدلة التى إستخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم و مؤدى تلك الأدلة حتى يتضح وجه إستدلالها و سلامة مأخذها من المقرر أن ركن الخطأ هو العنصر المميز فى الجرائم غير العمدية و أنه يجب لسلامة القضاء بالإدانة فى جريمة القتل الخطأ - حسبما هى معرفة به فى المادة 238 من قانون العقوبات - أن يبين الحكم كنه الخطأ الذى وقع من المتهم و رابطة السببية بين الخطأ و القتل بحيث لا يتصور وقوع القتل بغير هذا الخطأ و إذ كان الحكم المطعون فيه لم يبين كيفية وقوع الحادث و وجه الخطأ الذى قارفه الطاعن و لم يورد الدليل على ثبوت التهمة قبله مردوداً إلى أصل ثابت فى الأوراق فإن الحكم يكون معيباً بالقصور .

(الطعن رقم 1643 لسنة 56 جلسة 1988/06/05 س 39 ع 1 ص 751 ق 112)

(الطعن رقم 2110 لسنة 51 جلسة 1981/12/15 س 32 ص 1099 ق 196)

9 ـ من المقرر أن القضاء العادى هو الأصل و أن المحاكم العادية هى المختصة بالنظر فى جميع الدعاوى الناشئة عن أفعال مكونة لجريمة وفقاً لقانون العقوبات العام أياً كان شخص مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات إختصاص إستثنائى مناطه أما خصوصية الجرائم التى تنظرها و أما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه و أنه إن إجاز قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 و قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 إختصاص القضاء العسكرى بنظر جرائم من نوع معين و محاكمة فئة خاصة من المتهمين إلا أنه ليس فى هذين القانونين و لا فى أى تشريع آخر نصاً على إنفراد ذلك القضاء بالإختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى إبتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها ، و لما كانت الجريمة المسندة إلى الطاعن معاقباً عليها بالمادة 238 من قانون العقوبات ، و كانت النيابة العامة قد قدمته إلى المحاكمة العادية و لم يقرر القضاء العسكرى إختصاصه بمحاكمته ، فإن الإختصاص بذلك ينعقد للقضاء الجنائي العادى ، و ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن يكون فى غير محله .

(الطعن رقم 7255 لسنة 54 جلسة 1985/03/31 س 36 ص 508 ق 85)

10 ـ لما كان الحكم المطعون فيه اقتصر فى بيانه لواقعة الدعوى والتدليل على ثبوتها فى حق الطاعن على مجرد قوله " المحكمة تطمئن إلى نسبه الاتهام للمتهم أخذاً من أقواله بمحضر جمع الاستدلالات من تعلق الطفل وسقوطه أسفل المقطورة وهو ما يؤدي إلى ثبوت الخطأ فى حق المتهم لعدم اتخاذه الحيطة والحذر عند قيادته لمركبة داخل المدينة وتأخذه المحكمة بجريمته " ، لما كان ذلك ، وكان القانون قد أوجب فى كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ومؤدى تلك الأدلة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها ، وأن يشير الحكم إلى نص القانون الذي حكم بموجبه ، وهو بيان جوهري اقتضته شرعية الجرائم والعقاب ، وإلا كان قاصراً وباطلاً ، وكان من المقرر أن ركن الخطأ هو العنصر المميز فى الجرائم غير العمدية ، وأنه يجب لسلامة القضاء بالإدانة فى جريمة القتل الخطأ - حسبما هي معرفة به فى المادة 238 من قانون العقوبات - أن يبين الحكم كنه الخطأ الذي وقع من المتهم ورابطة السببية بين الخطأ والقتل بحيث لا يتصور وقوع القتل بغير هذا الخطأ ، وكان الحكم المطعون فيه لم يبين كيفية وقوع الحادث وسلوك الطاعن أثناء قيادته للمركبة وكيف أنه كان من شأن هذه القيادة التسبب فى وقوع الحادث ، كما لم يبين موقف المجني عليه ومسلكه أثناء وقوع الحادث ، وأثر ذلك على قيام رابطة السببية ليتسنى من بعد بيان مدى قدرة المتهم قائد المركبة فى الظروف التي وقع فيها الحادث على تلافي وقوعه ، وأثر ذلك كله فى قيام أو عدم قيام ركن الخطأ ورابطة السببية ، كما خلا من ذكر نص القانون الذي أنزل بموجبه العقاب على الطاعن ، فإن الحكم يكون مشوباً بعيب القصور فى التسبيب والبطلان ، لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه .

(الطعن رقم 9529 لسنة 4 جلسة 2014/09/03)

11 ـ لما كان الحكم قد خلص مما أورده من أدلة سائغة على ثبوت خطأ الطاعن المتمثل فى قيادته السيارة بسرعة شديدة وعدم احتياطه حال سيره فى منحنى وانحرافه عن يمين اتجاهه, وكان من المقرر أنه لا يلزم للعقاب عن جريمة القتل الخطأ أن يقع الخطأ الذي يتسبب عنه الإصابة بجميع صوره التي أوردتها المادة 238 من قانون العقوبات بل يكفي لتحقق الجريمة أن تتوافر صورة واحدة منها, ومن ثم فلا جدوى للمتهم من التحدي بأن العطل بفرامل السيارة كان نتيجة الحادث وليس سابقاً عليه ما دام أن الحكم قد أثبت توافر ركن الخطأ فى حقه استنادا إلى الصور التي أوردها والتي منها السرعة الشديدة وعدم الاحتياط على الوجه بادي الذكر وهو ما يكفي وحده لإقامة الحكم وبالتالي فلا تثريب على المحكمة إذا هي لم تحقق هذا الدفاع غير المنتج فى الدعوى أو أغفلت الرد عليه. ويكون ما ينعاه الطاعن فى هذا الشأن غير سديد.

(الطعن رقم 448 لسنة 48 جلسة 1978/10/01 س 29 ع 1 ص 645 ق 125)

12 ـ تقتضي جريمة القتل الخطأ - حسبما هي معرفة به فى المادة 238 من قانون العقوبات لإدانة المتهم بها أن تبين المحكمة الخطأ الذي قارفه ورابطة السببية بين الخطأ والقتل بحيث لا يتصور وقوع القتل بغير هذا الخطأ, وإذ كان الحكم فى بيانه لوجه الخطأ المسند إلى المحكوم عليهم قد أطلق القول فاعتبر قيامهم بتركيب الإعلان مع عدم توافر الدراية والكفاية العلمية لديهم. خطأ يستوجب مساءلتهم دون أن يبين مدى تلك الدراية أو الكفاية العلمية التي تنقصهم وأثرها فى قيام رابطة السببية بين هذا الخطأ وحصول الحادث, وسنده فى ذلك من الأوراق, فإنه يكون قاصراً قصوراً يعيبه ويوجب نقضه والإحالة

(الطعن رقم 393 لسنة 43 جلسة 1973/05/27 س 24 ع 2 ص 657 ق 135)

13 ـ جعلت الفقرة الأولى من المادة 238 من قانون العقوبات الحد الأدنى لعقوبة الحبس فى جريمة القتل الخطأ ستة أشهر. وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يلتزم هذا الحد عند توقيع العقوبة بل قضى بأقل منه، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يستوجب نقضه

(الطعن رقم 1618 لسنة 42 جلسة 1973/02/25 س 24 ع 1 ص 249 ق 55)

14 ـ لما كانت العقوبة المقررة لجريمة القتل الخطأ إذا نشأ عنها وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص المنصوص عليها فى الفقرة الثالثة من المادة 238 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون 120 لسنة 1962 هى الحبس وجوباً الذى لا تقل مدته عن سنة و لا تزيد على سبع سنوات و هى أشد من عقوبة الحبس المقررة لجريمة الإصابة الخطأ طبقاً للفقرة الثالثة من المادة 244 من قانون العقوبات فإن الحكم المطعون فيه إذ دان المطعون ضده بجريمتى القتل الخطأ لأكثر من ثلاثة أشخاص و الإصابة الخطأ لأكثر من ثلاثة أشخاص و قضى بتعديل الحكم المستأنف و إكتفى بتغريم المطعون ضده خمسين جنيهاً عنهما ، يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه جزئياً و تصحيحه وفقاً للقانون و المحكمة و هى تقدر العقوبة تقضى بحبس المطعون ضده سنة واحدة مع الشغل .

(الطعن رقم 1007 لسنة 42 جلسة 1972/12/17 س 23 ع 3 ص 1380 ق 310)

15ـ لا تتطلب الفقرة الثالثة من المادة 238 من قانون العقوبات لسريانها أكثر من ثبوت وقوع خطأ من جانب المتهم و أن ينجم عن هذا الخطأ وفاة أكثر من ثلاث أشخاص .

(الطعن رقم 1537 لسنة 40 جلسة 1971/03/28 س 22 ع 1 ص 249 ق 69)

16ـ جعلت الفقرة الأولى من المادة 238 من قانون العقوبات الحد الأدنى لعقوبة الحبس فى جريمة القتل الخطأ ستة أشهر . ولما كان الحكم المطعون فيه لم يلتزم هذا الحد عند توقيع العقوبة بل قضى بأقل منه ، فانه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يستوجب نقضه وتصحيحه ، إلا أنه وقد جعل الشارع لهذه الجريمة ، عقوبتين تخييريتين ، وكان تطبيق العقوبة فى حدود النص المنطبق هو من خصائص قاضى الموضوع ، فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة .

(الطعن رقم 1615 لسنة 39 جلسة 1969/12/15 س 20 ع 3 ص 1420 ق 292)

17 ـ إقتضى جريمة القتل الخطأ - حسبما هى معرفة به فى المادة 238 من قانون العقوبات - لإدانة المتهم بها أن يبين الحكم الخطأ الذى قارفه ورابطة السببية بين الخطأ وبين القتل ، بحيث لا يتصور وقوع جريمة القتل بغير هذا الخطأ . ولما كان الحكم لم يبين أوجه الخطأ التى نسبت إلى الطاعنين بما ينحسم به أمرها ، ولم يحقهها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها ، كما لا يبين علاقة السببية أيضاً بالإستناد إلى الدليل الفنى المثبت لسبب القتل لكونه من الأمور الفنية البحت ، فإنه يكون واجب النقض والإحالة بالنسبة إلى الطاعنين الأول والثالث ، وكذلك بالنسبة إلى الطاعن الثانى ولو أنه لم يقرر بالطعن وذلك بالنظر إلى وحدة الواقعة ولحسن سير العدالة .

(الطعن رقم 1092 لسنة 39 جلسة 1969/06/30 س 20 ع 2 ص 993 ق 194)

18 ـ لا يلزم للعقاب على جريمة القتل الخطأ أن يقع الخطأ الذى يتسبب عنه الإصابة بجميع صوره التى أوردتها المادة 238 من قانون العقوبات ، بل يكفى لتحقق الجريمة أن تتوافر صورة واحدة منها ، ومن ثم فلا جدوى للمتهم من التحدى بأن الخطأ لا يثبت فى حقه إلا إذا كان ما صدر عنه مخالفاً للقواعد الدولية لمنع المصادمات بالبحار أو مخالفاً للائحة الميناء فحسب ولا من المجادلة فى ثبوت أو عدم ثبوت خطأ المجنى عليه بالتطيبق لتلك القواعد واللوائح ما دام أن الحكم قد أثبت توافر ركن الخطأ فى حقه إستناداً إلى الصور التى أوردها والتى منها عدم الإحتياط والتوقى وهو ما يكفى وحده لإقامة الحكم .

(الطعن رقم 1985 لسنة 38 جلسة 1969/02/03 س 20 ع 1 ص 201 ق 44)

19 ـ رابطة السببية بين إصابات المجنى عليه و بين وفاته ركن فى جريمة القتل الخطأ كما هى معرفة فى المادة 238 من قانون العقوبات ، و هى تقتضى أن يكون الخطأ متصلاً بالقتل إتصال السبب بالمسبب بحيث لا يتصور وقوع القتل بغير وجود هذا الخطأ مما يتعين إثبات توافره بالإستناد إلى دليل فنى لكونه من الأمور الفنية البحت . و لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الطاعن بجريمة قتل المجنى عليه خطأ قد فاته أن يبين إصابات المجنى عليه التى لحقته بسبب إصطدام السيارة به ، و أن يدلل على قيام رابطة السببية بين هذه الإصابات و بين وفاة المجنى عليه إستناداً إلى دليل فنى ، فإنه يكون قاصر البيان فى خصوص الدعوى الجنائية و يتعين لذلك القضاء بنقضه .

(الطعن رقم 733 لسنة 36 جلسة 1966/06/13 س 17 ع 2 ص 802 ق 151)

20 ـ لا تستلزم المادة 238 من قانون العقوبات أن يقع الخطأ الذى يتسبب عنه الإصابة بجميع صوره التى أوردتها ، بل يكفى لتحقق الجريمة أن تتوافر صورة واحدة منها ، و لهذا لا جدوى للمتهم من المجادلة بشأن وجود معاينة سابقة على تلك التى إستند إليها الحكم و لم يثبت فيها أثر للفرمل - مما ينفى القول بأنه كان يقود السيارة بسرعة - ما دام الحكم قد إستند - إلى جانب الأدلة التى أوردها إلى أن المتهم قد أخطأ بسيره على يسار الطريق ، و لم يكن محتاطاً و هو ما يكفى و حده لإقامة الحكم .

(الطعن رقم 488 لسنة 30 جلسة 1960/06/28 س 11 ع 2 ص 638 ق 121)

 

21 ـ إن الشارع إذ عبر فى المادة 238 من قانون العقوبات بعبارة " التسبب فى القتل بغير قصد " قد أراد أن يمد نطاق المسئولية لتشمل من كان له نصيب فى الخطأ ، و ما دام يصح فى القانون أن يقع الحادث بناء على خطأ شخصين مختلفين أو أكثر لا يسوغ فى هذه الحالة القول بأن خطأ أحدهم يستغرق خطأ الآخر أو ينفى مسئوليته ، و يستوى فى ذلك أن يكون أحد هذه الأخطاء سببا مباشرا أو غير مباشر فى حصول الحادث - فإذا كان المتهم الأول - على ما أثبته الحكم - هو الذى حضر المادة المخدرة مخطئا فى تحضيرها ، فإنه يكون مسئولا عن خطئه مستقلا عن خطأ غيره الذى استعمل هذا المحلول .

(الطعن رقم 1332 لسنة 28 جلسة 1959/01/27 س 10 ع 1 ص 91 ق 23)

22 ـ متى كان الحكم قد قطع أن الحادث وقع بناء على خطأ المجني عليه وحده وانتهى إلى أن خطأ المتهم - بفرض حدوثه - لم يكن له شأن فى وقوع الحادث لانتفاء رابطة السببية بين هذا الخطأ وبين الضرر الذي لحق المجني عليه، فإن الحكم لا يكون قاصراً ولا مشوباً بالخطأ فى القانون إن هو لم يتحدث عن جميع صور الخطأ المنسوبة إلى المتهم ولم يتعرض لباقي صور الخطأ المشار إليها فى المادة 238 من قانون العقوبات.

(الطعن رقم 1769 لسنة 27 جلسة 1958/02/03 س 9 ع 1 ص 129 ق 36)

23 ـ تستلزم المادة 238 من قانون العقوبات للعقاب أن يقع الخطأ الذى يتسبب عنه القتل بجميع صوره التى أوردتها ، بل يكفى لتحقق الجريمة أن تتوافر صورة واحدة منها . و إذن فمتى كان الحكم قد أثبت أن المتهم كان يقود السيارة التى صدمت المجنى عليها بسرعة و دون إستعمال آلة التنبيه ، فلا جدوى من المجادلة فى صور الخطأ الأخرى التى تحدث عنها الحكم المذكور .

(الطعن رقم 2409 لسنة 23 جلسة 1954/04/06 س 5 ع 3 ص 471 ق 161)

24 ـ إن المادة 238 من قانون العقوبات لا تستلزم توافر جميع مظاهر الخطأ الواردة بها. وإذن فمتى كان الحكم قد أثبت توافر عنصر الإهمال فى حق المتهم "مفتش صحة" بعدم إتباعه ما يقضى به منشور وزارة الداخلية رقم 23 لسنة 1927 الذي يقضي بإرسال المعقورين إلى مستشفى الكلب، ولوقوعه فى خطأ يتعين على كل طبيب أن يدركه ويراعيه بغض النظر عن تعليمات وزارة الصحة- فإن ما يثيره الطاعن من عدم العلم بهذا المنشور لصدوره قبل التحاقه بالخدمة لا يكون له أساس، ذلك أن الطبيب الذي يعمل مفتشاً للصحة يجب عليه أن يلم بكافة التعليمات الصادرة لأمثاله وينفذها سواء أكانت قد صدرت قبل تعيينه أم بعد ذلك.

(الطعن رقم 72 لسنة 23 جلسة 1953/06/30 س 4 ع 3 ص 1033 ق 364)

25 ـ إن جريمة القتل الخطأ حسبما هى معرفة به فى المادة 238 من قانون العقوبات تقتضى لإدانة المتهم بها أن يبين الحكم الخطأ الذى إرتكبه المتهم و رابطة السببية بين هذا الخطأ المرتكب و بين الفعل الضار الذى وقع بحيث لا يتصور وقوع الضرر إلا نتيجة لذلك الخطأ . فإذا كان مؤدى ما ذكره الحكم فى تبرير إدانة المتهم فى جريمة القتل الخطأ هو أن المتهم قد إنحرف بالسيارة التى كان يقودها فصدمت المجنى عليه الذى كان سائراً فى الطريق فتسبب عن ذلك وفاته ، فهذا الحكم لا يكون قد عنى بإستظهار الخطأ الذى إرتكبه المتهم و لا علاقة هذا الخطأ بوفاة المجنى عليه فيكون لذلك معيباً متعيناً نقضه .

(الطعن رقم 1277 لسنة 19 جلسة 1949/12/19 س 1 ص 172 ق 57)

26- لما كان ما ينعاه الطاعن على الحكم من تغييره وصف الفعل الذي تم به الخطأ على غير ما جاء بأمر الإحالة لا يعيب الحكم، ذلك بأنه وإن كان لا يجوز للمحكمة أن تغير فى التهمة بأن تسند إلى المتهم أفعالاً غير التي رفعت بها الدعوى عليه، إلا أن التغيير المحظور هو الذي يقع فى الأفعال المؤسسة عليها التهمة، أما التفصيلات التي يكون الغرض من ذكرها فى بيان التهمة هو أن يلم المتهم بموضوع الاتهام ككيفية ارتكاب الجريمة فإن للمحكمة أن تردها إلى صورتها الصحيحة مادامت فيما تجريه لا تخرج عن نطاق الواقعة ذاتها التي تضمنها أمر الإحالة والتي كانت مطروحة على بساط البحث. فلا يعيب الحكم أن ينسب إلى الطاعن تسليمه مفتاح الجرار قيادته إلى المتهم الثاني ليقوده خلافاً لما جاء بأمر الإحالة من قيادته الجرار بنفسه مادام الحكم لم يتناول التهمتين اللتين رفعت بهما الدعوى بالتعديل وهما تهمتي القتل والإصابة الخطأ، ومادام يحق للمحكمة أن تستبين الصورة الصحيحة التي وقع بها الحادث أخذاً من كافة ظروف الدعوى وأدلتها المطروحة والتي دارت عليها المرافعة إذ أن الطاعن لم يسأل فى النتيجة وبغض النظر عن الوسيلة إلا عن جريمتي القتل والإصابة الخطأ اللتين كانتا معروضتين على بساط البحث وهما الجريمتين المنصوص عليهما فى المادتين 238 /1، 244 /1 من قانون العقوبات التي يستوي فيهما أي صورة من صور الخطأ. ومن ثم فإن المحكمة لا تلتزم بلفت نظر الدفاع إلى مثل التعديل الذي تم فى هذه الدعوى.

(الطعن رقم 3861 لسنة 57 جلسة 1987/12/27 س 38 ع 2 ص 1156 ق 211)

27- السرعة التى تصلح اساسا للمساءلة الجنائية فى جريمتى القتل والاصابة الخطأ ليست لها حدود ثابتة انما هى التى تجاوز الحد الذى تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه فيتسبب عن هذا التجاوز الموت او الجرح وان تقدير ذلك كله من المسائل الموضوعية التى يترك امرها لمحكمة الموضوع واذ كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد بين خطأ الطاعن استنادا الى الادلة التى اوردها فى خصوص ذلك وكنه الضرر وارقام رابطة السببية بينهما ، فان ما ينازع فيه الطاعن فى هذا الشق يكون غير مقبول .

(الطعن رقم 1632 لسنة 60 جلسة 1997/11/17 س 48 ع 1 ص 1266 ق 191)

شرح خبراء القانون

ملحوظة 1 : بموجب قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وقرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية رقم 174 لسنة 2021 في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 24 /7 /2021، وبتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون المشار إليه، فقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 28 (مكرر) في 18 يوليو 2021، والذي تضمن إحالة الجريمة موضوع هذا النص إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وذلك خلال فترة سريان قرار رئيس الجمهورية بمد حالة الطوارئ، وذلك إذا وقعت هذه الجريمة من العاملين في السكك الحديدية أثناء وبسبب تأدية واجبات وظيفتهم وما يرتبط بها من جرائم .

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها .

( مركز الراية للدراسات القانونية )

معيار علاقة السببية في القتل غير العمدي : تتطلب علاقة السببية ع في القتل غير العمدى توافر العنصر المادي الذي سلفت الإشارة إليه، وبالإضافة إلى ذلك يتعين أن يتوافر لها عنصر معنوي يفترض أن النتيجة قد حدثت على نحو يوصف فيه إحداثها بالخطأ، أي يتعين أن تتوافر علاقة ذهنية بين الجاني والوفاة يكون من شأنها إسباغ وصف الخطأ على كيفية إحداث هذه النتيجة وهذا التحديد مستخلص من عبارات محكمة النقض، إذ قد جعلت توافر هذا العنصر رهناً بخروج الجاني عن دائرة التبصر والتصون ، أي إخلاله بواجبات الحيطة والحذر المفروضة عليه ، ولا يتوافر هذا العنصر إلا بالنسبة للعواقب العادية للسلوك الإجرامي، أي النتائج المألوفة للفعل، وتطبيقاً لهذا المعيار قضت بأنه لا ينفي علاقة السببية في قتل خطأ أن تكون « ثمة عوامل أخرى من شأنها أن تساعد على حدوثه »، واستخلصت من ذلك أنه لا ينفي مسئولية سائق السيارة المخطئ أن يكون المجني عليه قد ساعد على ذلك أيضاً بأن اندفع إلى جهة السيارة فسقط بالقرب من دواليبها  وقضت كذلك بأن المتهم بالقتل الخطأ يكون « مسئولاً جنائياً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها عن خطأ أو عمد ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمدا لتجسيم المسئولية ، كما أن مرض المجني عليه وتقدمه في السن هي من الأمور الثانوية التي لا تقطع رابطة السببية بين فعل المتهم والنتيجة التي انتهى إليها أمر المجنى عليه بسبب إصابته » وقضت بأن وجود حساسية ذاتية لدى المجنى عليه كافية بذاتها لإحداث الموت ولو أعطى له المخدر بالنسبة القانونية ، هذه الحساسية لا تنفي علاقة السببية بين إعطاء المخدر على نحو مخالف للأصول الطبية والوفاة .

ولكن إذا حدثت الوفاة على نحو لا توصف فيه كيفية حدوثها بالخطأ، لأنه لا ينسب إلى المتهم حين أحدثها أنه خرج عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه ، فإن علاقة السببية بين فعله والوفاة تنتفي بذلك ، ومحل ذلك أن تسهم في الوفاة عوامل شاذة غير مألوف تدخلها في التسلسل السببي ، فلا يكون في استطاعة المتهم توقعها ، ولا يكون في استطاعته تبعاً لذلك توقع الوفاة التي ترتبت عليها ، فلا يسند إليه بذلك خطأ إزاء هذه النتيجة وتطبيقاً لذلك ، قضت محكمة النقض بأن علاقة السببية بين فعل المتهم ووفاة المجني عليه لا تتوافر « حيث يقطع عقل كل إنسان في مركز الجاني أن نتائج الإهمال محصور مداها محددة نهايتها وأنها لا تصل إلى حد إصابة أحد ولا إماتته »، وبناءً على ذلك فإنه إذا أهمل عامل السكة الحديد في قفل تحويلة مخزن خاص بصهريج غاز فدخل قطار البضاعة من هذه التحويلة المفتوحة وصدم الصهريج فقتل شخصاً كان نائماً تحته فإن العامل لا يسأل عن قتل هذا الشخص لأن الإستقرار تحت الصهريج والاختفاء عن الأنظار أمر شاذ لا يرد بالخاطر ونفت مسئولية القتل غير العمد عن سائق قطار دهم شخصاً كان ينام على القضبان المعدة لسير القطارات ، ذلك أن خطأ المجنى عليه - لمخالفته للمألوف بل وللمعقول - لا يمكن أن يرد على بال أي سائق ونفت مسئولية قائد سيارة نقل سمح للمجني عليه أن يركب فوق بالات القطن المحملة بها ثم وقف عند اقترابها من كوبرى كانت تمر تحته فصدمه فمات.

سلطة القضاء في إثبات علاقة السببية : تلتزم محكمة الموضوع بأن تثبت في حكمها بالإدانة توافر هذه العلاقة ، فإن لم تفعل كان حكمها قاصر التسبيب وإذا كان البحث في علاقة السببية مقتضياً خبرة فنية ، فإن المحكمة تلتزم بأن تسند قولها بتوافرها إلى واقع التقرير الفني ، وغالباً ما يكون في جرائم القتل تقريراً طبياً وعلاقة السببية مسألة موضوعية يستخلصها قاضي الموضوع من وقائع الدعوى ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك ولكن لمحكمة النقض أن تراقب قاضي الموضوع من حيث فصله في أن أمرا معينا يصلح قانونا لأن يكون سبباً لنتيجة معينة أو لا يصلح  ويعني ذلك أن لها الرقابة على المعيار الذي يأخذ به القاضي ، فإن أخذ بمعيار غير صحيح ، فلها أن ترده إلى المعيار القانوني في تقديرها.

الأحكام الخاصة بالقتل غير العمدي :

 تمهيد : نص الشارع على القتل غير العمدي في المادة 238 من قانون العقوبات بقوله من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنية ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص ، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين .

وقد حدد الشارع في هذا النص أركان القتل غير العمدي ، واهتم على نحو خاص بأن يحدد صور الخطأ باعتباره ركنه المعنوي وحدد بعد ذلك عقوبة هذه الجريمة إذا كانت بسيطة ، ثم نص على عدد من الظروف المشددة جعلها متدرجة على ثلاث مراتب من حيث أثرها في التشديد .

أركان القتل غير العمدي : يشترك القتل غير العمدي مع القتل العمدي في الركنين المشتركين بين جرائم القتل كافة ، وهما : محل الاعتداء والركن المادي فيتعين ثبوت حياة المجني عليه وقت اقتراف الجاني فعله، ويتعين أن يتوافر له رکن مادی قوامه فعل اعتداء على الحياة ووفاة المجني عليه وعلاقة السببية بينهما ونلاحظ أن الوفاة وعلاقة السببية تمثلان أهمية في البنيان القانوني لهذه الجريمة تزيد على أهميتهما في القتل العمدی : فيما لم تحدث وفاة المجني عليه و تتوافر علاقة السببية بينها وبين الفعل المسند إلى المتهم فلا قيام للمسئولية عن القتل غير العمدي ، لا عن جريمة تامة ، إذ لم تكتمل عناصرها ، ولا عن شروع، إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية ولكن ذلك لا يحول دون المساءلة عما يكون قد اصاب المجني عليه من جروح لم تفض إلى الوفاة ، وتكون هذه المساءلة عن جريمة الإصابة غير العمدية .

وبالإضافة إلى هذين الركنين يجب أن يتوافر للقتل غير العمدي رکنه المعنوي الذي يتخذ صورة الخطأ وغني عن البيان أن القتل غير العمدی متميز عن الإصابة غير العمدية ، فلكل من الجريمتين كيانها القانوني الخاص.

الخطأ غير العمدي

أهمية الخطأ في البنيان القانوني للقتل غير العمدي : الخطأ هو الركن المعنوي للقتل غير العمدي ، وله ذات أهمية القصد بالنسبة للقتل العمدی : فإذا لم يثبت الخطأ - بالإضافة إلى انتفاء القصد - كان القتل عرضياً ، فلا تقوم من أجله مسئولية  ولكن لا يشترط أن يكون جسيماً ، فأيسر صور الخطأ تكفى ليقوم بها القتل غير العمدي  .

 تعريف الخطأ غير العمدي : الخطأ غير العمدي هو إخلال المتهم عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون ، وعدم حيلولته تبعاً لذلك دون أن يفضي تصرفه إلى حدوث النتيجة الإجرامية (أي وفاة المجني عليه) في حين كان ذلك في استطاعته ومن واجبه.

ويتضح من هذا التعريف أن جوهر الخطأ غير العمدي هو إخلال بالتزام عام يفرضه الشارع ، هو الإلتزام بمراعاة الحيطة والحذر والحرص على الحقوق والمصالح التي يحميها القانون وهذا الإلتزام ذو شقين : الأول : موضوعه اجتناب التصرفات الخطرة ، أو مباشرتها وفق أسلوب معين يكفل تجريدها من خطرها أو حصره في النطاق الذي يرخص به القانون ، والثاني موضوعه التبصر بآثار هذه التصرفات ، فإن كان منها ما يمس الحقوق والمصالح التي يحميها القانون تعين بذل الجهد للحيلولة دون هذا المساس ويفترض هذا الإلتزام في شقيه استطاعة الوفاء به ، فلا التزام إلا بمستطاع، فالقانون لا يفرض من أساليب الاحتياط والحذر إلا ما كان مستطاعاً ، ولا يفترض التبصر بأثار الفعل والحيلولة دونها إلا إذا كان ذلك في وسع الفاعل.

عناصر الخطأ غير العمدي : للخطأ غير العمدي عنصران : الأول ، هو الإخلال بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون ؛ والثاني ، هو توافر علاقة نفسية تصل ما بين إرادة المتهم والنتيجة الإجرامية .

الإخلال بواجبات الحيطة والحذر وضابطه : المصدر العام لواجبات الحيطة والحذر هو الخبرة الإنسانية العامة ، إذ تقرر هذه الخبرة مجموعة من القواعد تحدد النحو الصحيح الذي يتعين أن يباشر وفقا له نوع معين من السلوك ، وتساهم العلوم والفنون و اعتبارات الملاءمة .. في تكوين هذه الخبرة ؛ فإن اعترف القانون بجانب منها قيل عنه إنه مصدر ما تقرره من واجبات ، وما لم يعترف به منها تظل له على الرغم من ذلك قيمته وتنسب الواجبات التي يتضمنها إلى الخبرة الإنسانية مباشرة.

والضابط الذي يتحدد وفقاً له ما إذا كان ثمة إخلال بواجبات الحيطة والحذر هو ضابط موضوعي قوامه الشخص المعتاد ، أى الشخص الذي يلتزم في تصرفاته قدراً متوسطاً من الحيطة والحذر، فإذا التزم المتهم في تصرفه القدر من الحيطة والحذر الذي يلتزمه هذا الشخص فلا محل الإخلال ينسب إليه ، أما إذا نزل دونه نسب إليه الإخلال ولو التزم ما اعتاده في تصرفاته ، إذ لا يقره القانون على ما ألفه من إهمال ولهذا الضابط سنده من الصفة العامة المجردة التي تصدر عنها واجبات الحيطة والحذر ، فهي لم توضع بالنظر إلى ظروف شخص معين ، وهذا الضابط يتسق كذلك ومصلحة المجتمع واعتبارات العدالة .

ولكن الضابط الموضوعي لا يطبق في صورة مطلقة ، وإنما يتعين أن تراعى في تطبيقه الظروف التي صدر فيها التصرف ، ويعني ذلك افتراض أن الشخص المعتاد قد أحاطت به ذات الظروف التي أحاطت بالمتهم حينما أتي تصرفه ثم التساؤل عما إذا كان قد التزم في ظروفه القدر من الحيطة والحذر الذي كان الشخص المعتاد يلتزمه في هذه الظروف : فإن التزمه لم ينسب إليه الإخلال ، وإن هبط دونه نسب إليه ذلك ، والعلة في هذا القيد قاعدة « لا إلزام بمستحيل » ، فلا محل لأن تتطلب من الناس التزام مسلك الشخص المعتاد إلا إذا كانت الظروف التي تقترن بتصرفاتهم تجعل ذلك في وسعهم .

العلاقة النفسية بين إرادة المتهم ووفاة المجني عليه : لا يقوم الخطأ بمجرد الإخلال بواجبات الحيطة والحذر ، إذ لا يعاقب القانون على سلوك في ذاته ، وإنما يعاقب على السلوك إذا أفضى إلى نتيجة إجرامية معينة ، ومن ثم كان متعيناً أن تتوافر صلة تجمع بين الإرادة والنتيجة على نحو تكون فيه الإرادة – بالنسبة لهذه النتيجة - محل لوم القانون ، فيسوغ بذلك أن توصف بأنها « إرادة إجرامية » ، وبغير هذه الصلة لا يكون محل لأن يسأل صاحب الإرادة عن حدوث النتيجة، وللعلاقة النفسية بين الإرادة والوفاة صورتان : صورة لا يتوقع فيها المتهم حدوث الوفاة فلا يبذل جهداً للحيلولة دونه في حين كان ذلك في استطاعته ومن واجبه، أما الصورة الثانية فيتوقع فيها المتهم إمكان حدوث الوفاة ولكن لا تتجه إلى ذلك إرادته ، بل يرغب عنها ويأمل في عدم حدوثها ، ويتوقع - معتمداً أو غير معتمد على احتياط – أنها لن تحدث، ويطلق على الخطأ في الصورة الأولى تعبير « الخطأ غير الواعي » أو « الخطأ بدون تبصر » أو « الخطأ بدون توقع » ، ويطلق على الخطأ في الصورة الثانية تعبير « الخطأ الواعي » أو « الخطأ مع التبصر » أو « الخطأ مع التوقع » .

عدم توقع الوفاة : تفترض هذه الصورة أن المتهم لم يتوقع الوفاة ولم تتجه إليها إرادته ، ولكن ذلك لا يعني إنعدام الصلة بينهما، فهذه الصلة قائمة ، ولها العناصر التالية : كان في استطاعة المتهم توقع الوفاة وكان يجب عليه ذلك ، وكان في استطاعته أن يحول دون حدوثها وكان يجب عليه ذلك ، ويعني ذلك أن ثمة نوعاً من التوقع ، وثمة اتجاهاً للإرادة لا يوافق عليهما القانون بالنظر إلى الوفاة .

ولتحقق هذه الصورة من العلاقة النفسية بين الإرادة والوفاة يتعين أن يتوافر شرط أساسي : هو أن تكون الوفاة متوقعة في ذاتها، وأن يكون في الاستطاعة الحيلولة دون حدوثها وعلة هذا الشرط أن المنطق يأبى أن يكلف شخص بتوقع ما ليس متوقعاً أو بدرء ما لا يستطاع درئه ولا تعد الوفاة متوقعة إلا إذا كان حدوثها يدخل في نطاق السير العادي للأمور ، أي كان التسلسل السببي الذي أدى إلى إحداثها متفقاً مع النحو الذي تجري به الأمور عادة ؛ أما إذا كان حدوثها ثمرة عوامل شاذة لا يتفق تدخلها مع مألوف الأمور فهي غير متوقعة ، فلا يلام المتهم إن لم يتوقعها : فإذا أخلت ممرضة بواجبها فأعطت المريض دواءه مرتين بدلاً من أن تعطيه مرة واحدة كما تقضي بذلك تعليمات الطبيب ، ولكن شخصاً وضع سماً فی قارورة الدواء في الفترة التي مضت بين المرتين فترتب على تناول المريض الجرعة الثانية موته ، فإن خطأ الممرضة لا يعد منصرفاً إلى هذه النتيجة : فعلى الرغم من إخلالها بواجبات الحيطة والحذر المفروضة عليها فلم يكن في وسعها توقع وفاة المريض لأنها حدثت ثمرة لعوامل شاذة ، فلا ينسب إليها بالنسبة لهذه النتيجة خطأ ، و إن ساغ أن ينسب إليها الخطأ بالنسبة النتيجة أخرى كان في وسعها توقعها ، هي الضرر الصحي الذي ترتب على تناول المريض جرعة مضاعفة من الدواء.

توقع الوفاة : تفترض هذه الصورة أن المتهم قد توقع الوفاة ولكن لم تتجه إليها إرادته ، وهذه الصورة تجاور مجال القصد الاحتمالي ، وتشترك معه في توقع النتيجة الإجرامية كأثر ممكن للفعل وتفترق عنه فی عدم اتجاه الإرادة إلى هذه النتيجة ونستطيع تحديد نطاق هذه الصورة بقولنا إنها « تشمل كل حالات توقع الوفاة التي لا يعد القصد الاحتمالي متوافراً فيها » ، وإذا كنا قد اعتبرنا القصد الاحتمالي متوافراً « حيث يتوقع المتهم الوفاة كأثر ممكن لفعله ثم يقبلها ويعتبرها غرضاً ثانياً لفعله »، فإن ذلك يستتبع اعتبار الخطأ مع التوقع متوافراً في الحالتين التاليتين : حالة توقع الوفاة والاعتماد على احتياط غير كاف للحيلولة دون حدوثها إذا ثبت أنه كان في وسع المتهم اتخاذ الاحتياط الكافي لذلك ؛ وحالة توقع الوفاة وعدم الإكتراث بها ، أي عدم اتخاذ احتياط للحيلولة دون حدوثها ، مما يعني أنه يستوي لدى المتهم حدوثها وعدم حدوثها ومثال الخطأ مع التوقع أن يقود شخص سيارته بسرعة في طريق مزدحم فيتوقع إصابة أحد المارة ، ولكنه يعتمد على مهارته في القيادة لتفادي ذلك ، أو يستوي لديه حدوث الإصابة وعدم حدوثها .

وغني عن البيان أنه إذا توقع المتهم الوفاة ، فلم تتجه إليها إرادته ، ولم يكن في استطاعته اتخاذ الاحتياطات التي من شأنها أن تحول دون حدوثها ، فلا وجه لنسبة الخطأ إليه.

صور الخطأ : ذكر الشارع صور الخطأ التي تقوم بها المسئولية عن القتل غير العمدي ، فأشار إلى « الإهمال والرعونة وعدم الاحتراز وعدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة »، ويكفي أن تتوافر صورة واحدة من هذه الصور ، فلا يشترط اجتماع صورتين أو أكثر.

ونحدد - فيما يلي - مدلول هذه الصور .

الإهمال : تشمل هذه الصورة الحالات التي يقف فيها المتهم موقفاً سلبياً ، فلا يتخذ احتياطات يدعو إليها الحذر وكان من شأنها أن تحول دون حدوث الوفاة ، وبذلك تضم هذه الصورة حالات « الخطأ عن طريق الإمتناع » ، مثال ذلك مدير الآلة البخارية الذي لا يتخذ طرق الوقاية المانعة الأخطارها عن الجمهور المعرض للاقتراب منها  ، وحارس مجاز السكة الحديدية إذا لم يبادر إلى تحذير المارة في الوقت المناسب وتنبيههم إلى قرب مرور القطار وتراخي في إغلاق المجاز من ضفتيه ولم يستعمل المصباح الأحمر في التحذير، وحائز الحيوان الخطر الذي لا يتخذ احتياطات كافية الحبسه ومنع أداه عن الناس ، ومن يترك طفلاً لا يتجاوز السنتين من عمره بجوار موقد غاز مشعل على ماء فيسقط عليه الماء فيحدث به جروحاً تودي بحياته سواء أكان والد الطفل أم لم يكن ، وحارس المنزل الذي يهمل في صيانته فينهار ويصيب سكانه بالأذى فيقتل بعضهم ويصاب سائرهم بجروح ، وصاحب البناء الذي يشرع في هدمه سواء بنفسه وبواسطة عمال يكلفهم بذلك دون أن يتخذ الاحتياطات المعقولة التي تقی الأنفس والأموال ما قد يصيبها من الأضرار ، ويعتبر العمل جارياً تحت إشرافه متى ثبت أنه كان عالماً بحصوله ، ولم يثبت أنه عهد به فعلاً الأشخاص ممن يقومون عادة بمثله تحت مسئوليتهم ، وقائد سيارة الأتوبيس الذي يبدأ السير بها دون أن يتأكد من دخول ركاب السلم الأمامي إلى داخل السيارة مما أفضى إلى سقوط أحدهم ووفاته.

الرعونة ، يراد بالرعونة سوء التقدير أو نقص المهارة أو الجهل بما يتعين العلم بهوأوضح حالات الرعونة حيث يقدم شخص على عمل غير مقدر خطورته وغير مدرك ما يحتمل أن يترتب عليه من آثار ، مثال ذلك من يلقى حجراً من بناءً غير متوقع أن يصيب أحدا فإذا به يصيب شخصاً من المارة في الطريق ، وقائد السيارة الذي يغير اتجاهه فجأة دون أن ينبه المارة فيصدم شخصاً وتتحقق الرعونة كذلك حيث يقدم شخص على عمل دون أن تتوافر له المهارة المتطلبة لأدائه ، كمن يقود سيارة وهو غير ملم بالقيادة فيصيب إنساناً وتتوافر الرعونة حين يباشر رجل الفن كالطبيب أو المهندس عملاً من اختصاص مهنته وهو غير حائز للمعلومات المتطلبة لمباشرة هذا العمل أو غير متبع الأصول والقواعد المستقرة في علمه أو فنه ، مثال ذلك الصيدلي الذي يجهز مخدراً للاستعانة به في إجراء عملية جراحية مجاوزاً النسبة المقررة للمادة المخدرة  ، أو الطبيب الذي يجري عملية جراحية غير مستعين بطبيب مختص بالتخدير ، أو المهندس الذي يضع خطة فاسدة لإقامة بناء فيفضي فسادها إلى انهياره بعد إتمامه أو انهيار أجزاء منه أثناء بنائه  .

عدم الاحتراز: يراد بهذه الصورة حالة ما إذا أقدم المتهم على فعل خطير مدركاً خطورته ومتوقعاً ما يحتمل أن يترتب عليه من آثار ، ولكن غير متخذ الاحتياطات التي من شأنها الحيلولة دون تحقق هذه الآثار : مثال ذلك من يقود سيارة بسرعة تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه  ، وحائز الحيوان الخطر الذي يسلمه إلى شخص لا يقوى لصغر سنه أو ضعفه البدني أو عدم درايته على السيطرة عليه ومنع أذاه، وقائد السيارة الذي ينحرف إلى اليسار ليتقدم سيارة أمامه دون أن يتخذ الاحتياط كيلاً يحدث من وراء ذلك تصادم يودي بحياة شخص آخر .

عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة : إذا لم يطابق سلوك المتهم قواعد السلوك الآمرة الصادرة عن الدولة ، وخاصة القواعد التي تستهدف توقى النتائج الإجرامية تحققت هذه الصورة للخطأ وقد استعمل الشارع ألفاظ « القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة » کي يحيط بجميع النصوص التي تقرر القواعد العامة للسلوك ، سواء صدرت عن السلطة التشريعية أم عن السلطة التنفيذية ، مثال ذلك النصوص التي تنظم المرور وحيازة وسائل النقل واللوائح الخاصة بالصحة العامة وتنظيم المهن والصناعات المختلفة ، وتتسع التعبيرات السابقة للقوانين في مدلولها الدستوري ، ومن أهمها نصوص قانون العقوبات في شأن المخالفات ، وتتسع بعد ذلك للوائح في مدلولها الإداري ، وتشمل القرارات والتعليمات الإدارية على اختلاف أنواعها.

وبمخالفة النصوص السابقة يتحقق الخطأ ، ولو لم تتوافر صورة من صوره الأخرى، ويطلق على هذه الصورة من الخطأ تعبير « الخطأ الخاص».

تمييزاً له عن « الخطأ العام » الذي يتسع للصور الأخرى ولكن ذلك لا يعني أن مجرد مخالفة هذه النصوص كاف لمساءلة المتهم عن الوفاة التي أفضى إليها سلوكه ، وإنما يتعين أن تتحقق عناصر الخطأ ويتعين كذلك أن تتوافر سائر أركان جريمة القتل غير العمدية ، ومن أهمها علاقة السببية بين فعل المتهم ووفاة المجنى عليه : ذلك أن مخالفة النصوص السابقة لا تعدو أن تكون صورة للخطأ ، أي مجرد مثال له ، وهي لا تغني بذلك عن توافر عناصره ويلاحظ كذلك أن إثبات المتهم أنه لم يخالف اللائحة غير كاف النفي الخطأ عنه ، فقد تتوافر إحدى صور الخطأ الأخرى ، فالقاعدة أن « انتفاء الخطأ الخاص لا يعني بالضرورة انتفاء الخطأ العام » ومثال هذه الصورة للخطأ أن يغفل شخص وضع مصباح على المواد والأشياء التي وضعها في طريق عام أو على الحفرة التي حفرها فيه، أو أن يجاوز قائد السيارة الحد الأقصى للسرعة المسموح به، أو أن يقودها على الجانب الأيسر من الطريق، أو أن يسلمها إلى شخص غير مرخص له بالقيادة، أو أن يغفل مفتش الصحة ما يقضي به منشور وزارة الداخلية من إرسال المعقورين إلى مستشفى الكلب فيفضي الإهمال في علاج المصاب إلى وفاته.

عوامل انتفاء الخطأ ينتفى الخطأ بانتفاء أحد عناصره : فإذا ثبت أن المتهم لم يخل بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وأن الشخص المعتاد لو كان في مثل ظروفه لتصرف على ذات النحو الذي تصرف به ، فلا وجه لنسبة الخطأ إليه، وحين لا يتوقع المتهم الوفاة ويثبت أنه لم يكن في استطاعته توقعها - ولم يكن ذلك من واجبه - لأنها في ذاتها غير متوقعة فلا ينسب إليه الخطأ كذلك وإذا توقع الوفاة ، ولكن لم تتجه إليها إرادته ولم يكن في وسعه اتخاذ الاحتياطات التي من شأنها أن تحول دون حدوثها فلا وجه لنسبة الخطأ إليه وثمة سببان يؤثران بصفة خاصة على عناصر الخطأ ، هما خطأ المجني عليه والخطأ المشترك بين المتهم وغيره .

خطأ المجني عليه : القاعدة أن خطأ المجنى عليه لا ينفي لذاته خطأ المتهم ، فمن المتصور أن تكون وفاة المجني عليه راجعة إلى عوامل متعددة يتمثل أحدها في سلوك المتهم وثانيها في سلوك المجنى عليه ، ويكون كل منهما مشوبا بالخطأ ؛ ومن ثم تعين أن يتجه البحث إلى التساؤل عما إذا كان من شأن خطأ المجني عليه التأثير على أحد عناصر خطأ المتهم بما ينفيه أم لم يكن من شأنه ذلك ، ويعني ذلك أن أثر خطأ المجنى عليه إنما يكون عبر تأثيره على خطأ المتهم : فإن نفاه انتفت مسئولية المتهم ، وإن أبقاه ظلت مسئوليته قائمة .

فإذا كان خطأ المجنى عليه من الغرابة والشذوذ والجسامة على نحو لا يستطيع معه المتهم توقعه ، مما يجعل الوفاة التي ترتبت عليه غير متوقعة بدورها ، فإن أحد عناصر الخطأ ينتفى بذلك ، وهو استطاعة المتهم توقع النتيجة الإجرامية ووجوب ذلك عليه  ويمكن في هذه الحالات القول بأن خطأ المجني عليه قد استغرق خطأ المتهم وكان كافياً بذاته لإحداث النتيجة ، وأن وفاة المجنى عليه ترجع إلى خطئه وحده فنوم المجنى عليه فوق قضبان السكة الحديد مما أدى إلى أن دهمة القطار، ووقوفه فوق البالات التي تحملها سيارة نقل مما أدى إلى إصطدام رأسه بكوبرى علوى وموته ، وظهوره فجأة أمام السيارة التي يقودها المتهم وعلى مسافة تقل عن متر، عوامل لا يستطيع المتهم أن يتوقعها ولا يجب عليه ذلك ، مما ينفي أحد عناصر الخطأ المسند إلى المتهم .

ولكن إذا كان خطأ المجنى عليه غير مؤثر على أي من عناصر الخطأ المسند إلى المتهم بحيث أبقاها جميعا متوافرة ، فإن مسئولية المتهم تظل قائمة لأن أركانها ما زالت متوافرة : فإذا تراخي المجنى عليه في علاج نفسه ، أو أهمل في ذلك، أو رفض بتر ساقه ، أو لم يذعن لطلب إخلاء المنزل الآيل للسقوط الذي يسكنه ، فهذه عوامل يستطيع المتهم توقعها ويجب عليه ذلك ، ومن ثم يكون في استطاعته ومن واجبه توقع الوفاة التي ساهمت هذه العوامل في إحداثها مما يعني توافر الخطأ لديه بالنسبة لها و مسئوليته عنها.

ويدخل تقدير خطأ المجنى عليه فى سلطة محكمة الموضوع التي يتعين عليها أن تفحصه في ضوء الوقائع التي صدر فيها ، وترى ما إذا كان من شأنه نفي خطأ المتهم أم لم يكن من شأنه ذلك، ويجب أن يكون بيانها في هذا الشأن واضحاً : فإذا قرر الحكم إسهام المجنى عليه في الخطأ بغير أن يكشف عن نوع هذا الخطأ ومداه كان ذلك الحكم مشوباً بالقصور .

الخطا المشترك بين متهمين أو أكثر، يخضع هذا الخطأ الذات حكم خطأ المجنى عليه : فالقاعدة أن وفاة المجني عليه يمكن أن ترجع إلى فعلين صادرين عن متهمين مختلفين ، ويكون مسلك كل منهما مشوباً بالخطأ، فإذا كان الفعل الصادر عن أحد المتهمين متوقعا من المتهم الآخر بحيث كان في استطاعته ومن واجبه توقعه فهو لا ينفي خطأه وبالتالي لا ينفي مسئوليته ؛ أما إذا كان - بالنظر إلى الظروف التي صدر فيها - غیر متوقع بحيث لم يكن في استطاعة المتهم الآخر ومن واجبه توقعه فهو ينفي خطأه ، وتبعا لذلك ينفي مسئوليته عن وفاة المجنى عليه ، وتنحصر هذه المسئولية فيمن ظلت عناصر الخطأ متوافرة في حقه وتطبيقاً لذلك ، فإذا قاد شخصان سيارتيهما بسرعة أو بحالة ينجم عنها الخطر على حياة الجمهور فاصطدما بالمجني عليه و أوديا بحياته فكلاهما مسئول عن القتل غير العمد؛ ولا ينفي مسئولية مالك المنزل عن وفاة بعض سكانه نتيجة انهياره ادعاؤه بتقصير السلطات الإدارية في اتخاذ إجراءات إخلاء المنزل من سكانه .

القوة القاهرة والحادث الفجائي: تخضع جريمة القتل غير العمدي للقاعدة العامة التي تقضي بانتفاء المسئولية إذا كانت ثمة قوة قاهرة أو حادث فجائي هو الذي أدى إلى وفاة المجني عليه، وتعني القوة القاهرة محو إرادة المتهم بحيث لا تنسب إليه سوى حركة عضوية مجردة من الصفة الإرادية ، كما لو جمح الحصان الذي يمتطيه فأصاب أحد المارة فقتله؛ أو أصيب بشلل مفاجيء فوقع على طفل فأودى بحياته، أما الحادث الفجائي فيعنی تجرد السلوك الإرادي الذي صدر عن المتهم عن وصفي العمد والخطأ، وتدخل في نطاقه جميع الحالات السابقة التي قلنا فيها إن سلوك المتهم قد صدر في ظروف انتفت فيها أحد عناصر الخطأ كما لو كان خطأ المجني عليه أو الغير نافياً خطأ المتهم .

عدم اعتراف الشارع بقرائن الخطأ : لا يعترف الشارع الجنائي بقرائن الخطأ ، وخطته في ذلك مختلفة عن خطة الشارع المدني ، وتستند خطة الشارع الجنائي إلى  مبدأ شخصية المسئولية، وتطبيقاً لذلك ، لا يفترض خطأ من ارتكب فعلاً ، بل يتعين إثبات ذلك الخطأ، والمكلف بالإثبات هو سلطة الإتهام، فإن لم يثبت خطأ المتهم تعين على القاضي أن يبرئه ، دون أن يطالبه بإثبات أنه لم يأت خطأ  ولكن هذا المبدأ لا يحول دون أن يسأل شخص عن وفاة المجني عليه التي ترتبت على فعل غيره إذا ثبت ارتكاب المتهم فعلاً شابه خطأ وارتبط بالوفاة برابطة السببية : فإذا عبث الابن القاصر بسلاح فأصاب به شخصاً فقتله ، فإن الأب يسأل عن الوفاة ، إذا ثبت أن وصول السلاح إلى يد الابن وعبثه به راجع إلى خطأ الأب ، بإهماله المحافظة على السلاح وابقائه بعيداً عن عبث ابنه  .

إثبات توافر الخطأ في حكم الإدانة : لما كان الخطأ هو الركن المعنوي للقتل غير العمدي ، وبغيره يتحول إلى قتل عرضي ولا تقوم من أجله مسئولية ، فإنه يجب على محكمة الموضوع أن تثبته في حكمها بالإدانة وتورد الدليل عليه  مردوداً إلى أصل صحيح ثابت في الأوراق ويتعين أن يكون البيان واضحا بحيث يمكن أن يستخلص منه الإقتناع بتوافر الخطأ ، وإلا كان حكمها قاصر التسبيب وتتقيد المحكمة بأن يكون استخلاصها الخطأ منسقاً مع المنطق ، غير مخالف للوقائع الثابتة في الدعوى ، وتلتزم بأن يكون قولها مدعماً ببيانات يمكن مراقبة سلامتها ولكن ذلك لا يعني وجوب ذكرها الخطأ لفظاً ، أو إشارتها إلى إحدى صوره التي حددها القانون طالما كانت الوقائع التي أثبتتها أو سياق عباراتها ناطقاً بثبوت الخطأ .

وتحديد الوقائع التي يرد عليها وصف الخطأ من شأن قاضي الموضوع ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك ، إذ أن ذلك بحث فی وقائع الدعوى وظروفها  أما إسباغ الخطأ على مسلك المتهم فهو تكييف قانونی ، ولذلك كان المنطق مقتضيا الاعتراف لمحكمة النقض برقابة قاضي الموضوع في تحديده لهذا التكييف واستخلاصه عناصره وبيانه الضابطه ، فإن انطوى قضاؤه على تشويه لفكرة الخطأ بتحديد عناصره أو ضابطه على نحو غير صحيح كان لمحكمة النقض أن ترده إلى الصواب .

عقوبة القتل غير العمدي

تقسيم: القتل غير العمدي - من حيث العقوبة - نوعان : بسيط ومشدد ، ومعيار التمييز بينهما هو تجرده من الظروف المشددة أو توافر أحد هذه الظروف .

عقوبة القتل غير العمدي البسيط : حدد الشارع هذه العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين (المادة 238 من قانون العقوبات ، الفقرة الأولى)، وقد وضع الشارع حداً أدني لعقوبة الحبس مرتفعا عن حده الأدنى العام فجعله ستة أشهر ، وقد أراد بهذا الحد تفادي الهبوط بالحبس إلى حده الأدنى العام ، فيصير أقل من أن يتناسب مع جسامة هذه الجريمة ، وكونها تنطوي على إهدار حياة بشرية، أما الحد الأقصى العام للحبس فقد أبقاه دون تعديل ووضع الشارع للغرامة حدا أقصى هو مائتا جنيه ، أما حدها الأدنى العام فقد أبقاه دون تعديل .

عقوبة القتل غير العمدي المشدد : نصت على الظروف المشددة للقتل غير العمدي الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 238 من قانون العقوبات : فنصت الفقرة الثانية على أن « تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك »، ونصت الفقرة الثالثة على أن « تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص »، وأضافت إلى ذلك أنه « إذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين» .

والظروف السابقة يمكن تأصيلها بردها إلى أقسام ثلاثة : ظروف ترجع إلى جسامة الخطأ ، وهي التي نصت عليها الفقرة الثانية ، وظروف ترجع إلى جسامة النتيجة الإجرامية ، وهي التي نصت عليها الفقرة الثالثة في صدرها ، وظروف ترجع إلى اجتماع جسامة الخطأ وجسامة الضرر ، وهي التي نصت عليها هذه الفقرة في شطرها الأخير .

الظروف المشدد التي ترجع إلى درجة جسامة الخطأ ، هذه الظروف هي : الخطأ المهني الجسيم والسكر أو التخدير والنكول عن مساعدة المجني عليه وحينما يتوافر أحد هذه الظروف فإن عقوبة القتل غير العمدي تصير الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين وهذا التشديد وجوبي ويبقى القتل غير العمدي على الرغم منه جنحة .

ونحدد فيما يلي مدلول كل ظرف من هذه الظروف .

الخطا المهني الجسيم: يفترض هذا الظرف توافر شرطين : أولهما أن المتهم يشغل وظيفة أو يمارس مهنة أو حرفة ، وثانيهما أنه قد أخل إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول هذه الوظيفة أو المهنة أو الحرفة.

ويعني الشرط الأول أن المتهم في أحد وضعين : أنه يشغل وظيفة أو يمارس مهنة أو حرفة . فإن كان يشغل وظيفة ، فسواء أن تكون وظيفة عامة أو خاصة ، فيتوافر الظرف بالنسبة لموظف في مشروع خاص وإذا كان المتهم يمارس مهنة أو حرفة ، فيتعين أن تكون مباشرتها خاضعة القواعد يلتزم بها من يمارسونها ، وسواء أن تكون هذه القواعد قانونية أو مستمدة من العلم أو الفن الذي تمارس هذه المهنة أو الحرفة وفقاً له والفرق بين المهنة والحرفة أن الأولى تمارس بأعمال ذهنية ، والثانية تمارس بأعمال يدوية وقد أراد الشارع باستعمال اللفظين معا أن يحيط بجميع الأعمال الحرة المنظمة وفقاً لقواعد إلزامية لمن يمارسونها ويترتب على هذا الشرط أنه لا محل للظرف المشدد إذا كان المتهم لا يشغل وظيفة ولا يمارس مهنة أو حرفة منظمة على الوجه السابق .

ويفترض الشرط الثاني أن يكون قد صدر عن المتهم إخلال جسیم بما تفرضه أصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة : فلا يتوافر الظرف المشدد إذا كان ما صدر عنه إخلال بقواعد الحذر والاحتياط التي يلتزم بها الناس كافة ، ولا يتوافر كذلك إذا كان الإخلال بأصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة غير جسيم وقاضي الموضوع هو المنوط بتقدير جسامة الخطأ ، والقول بأنه قد بلغ من الجسامة القدر الذي يبرر اعتبار الظرف المشدد متوافراً ومن أهم الحالات التي يعد الظرف المشدد متوافراً فيها حالة ما إذا انطوى الخطأ على إغفال للقواعد الأولية والبديهية التي تحكم مباشرة الوظيفة أو المهنة أو الحرفة والتي تعارف عليها من يمارسونها ، واستقر عرفهم على عدم التسامح مع من يجهلها أو يخل بها .

السكر أو التخدير : يتطلب هذا الظرف توافر شرطين : أن يكون المتهم في حالة سكر أو تخدير ، وأن تكون هذه الحالة معاصرة لارتكاب الفعل الذي شابه الخطأ وأفضى إلى وفاة المجني عليه، وعلة اعتبار الخطأ في هذه الحالة جسيماً أن السكر أو التخدير يقلل من الوعي ويضعف من سيطرة الإرادة فينقص تبعاً لذلك من قدرة المتهم على اتخاذ أساليب الاحتياط والحذر التي كان من شأنها أن تحول دون حدوث الوفاة ، وبالإضافة إلى ذلك فالفرض أن المتهم قد اقدم على تصرف خطر ، وهذه الخطورة مستخلصة من كونه أفضى إلى وفاة إنسان ، وقد كان ذلك حرياً به أن يتذرع عند الإقدام عليه بحذر خاص : فإذا كان لم يقتصر على إغفال الحذر ، وإنما أضاف إلى ذلك أن وضع نفسه باختياره في ظروف تجعله عاجزاً عن اتخاذ أي احتياط ، بل وتقوده إلى الخلل في التقدير والإندفاع في الفعل فهو يكشف بذلك عن شخصية شديدة الإستهتار بحياة الناس .

. ويتطلب الشرط الأول أن يكون السكر أو التخدير اختيارياً ، إذ لو كان غير اختيارى فهو لا يسأل عنه ، ولا يزيد تبعاً لذلك من خطئه ويتعين أن يفضى السكر أو التخدير إلى النقص في وعي المتهم ومدى تحكمه فی إرادته ، إذ بذلك يتصور أن يكون له تأثيره على مدى جسامة خطئه ، ولكن ذلك لا يعني وجوب أن يؤدي إلى فقد الوعي تماماً ، فانحرافه كاف لتحقيق علة التشديد ويتطلب الشرط الثاني أن تكون حالة السكر أو التخدير معاصرة لحظة ارتكاب الفعل الذي اقترن بالخطأ ونجمت عنه وفاة المجني عليه ، إذ أن هذه المعاصرة هي التي تسمح بالقول بأن هذه الحالة قد صارت عنصراً في الخطأ تنعكس عليه فتزيد من جسامته .

النكول عن المساعدة : يتوافر الظرف المشدد إذا كان المتهم قد « نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك »، ويفترض هذا الظرف أنه كان في استطاعة المتهم الحيلولة دون حدوث النتيجة الإجرامية (أى وفاة المجني عليه سواء بوسائله الخاصة أو عن طريق الاستعانة بالغير) ، ولكنه لم يفعل.

ويبرر التشديد أن المتهم قد أضاف إلى خطئه الأول خطأ ثانياً متمثلاً في إخلاله بالتزام قانوني مفروض على كل من أقدم على تصرف خطر بأن يدرأ الآثار الضارة لتصرفه : فالفرض أنه قد أتي تصرفه مخلاً بواجبات الحيطة والحذر العامة فحقق بذلك عناصر الخطأ ، ولما تكشفت له مخاطر تصرفه وكان في وسعه درؤها أبدى استهانة بها وتركها غير مكترث ، فأهدرت حياة غيره وحقق بذلك عناصر خطأ جديدة، فعلة جسامة الخطأ هي تعدده .

ويتطلب هذا الظرف أن يكون في استطاعة المتهم تقديم المساعدة إلى المجني عليه ، وأن يكون من شأن هذه المساعدة إنقاذ حياته، فلا تشدید حيث لا تكون لدى المتهم الخبرة التي يقتضيها تقديم المساعدة ولا يكون في استطاعته أن يستعين بشخص لديه هذه الخبرة ولا محل للتشديد كذلك إذا كان تقديم المساعدة متطلباً تعريض المتهم حياته أو سلامة بدنه للخطر، ويتعين أن يكون من شأن مساعدة المتهم إنقاذ حياة المجنى عليه ، فإذا كان قد مات فور الحادث أو صار مهدداً بالموت الحال وسارع المتهم بالفرار قبل أن يتحقق ذلك ، فلا يتوافر الظرف ولكن يتوافر الظرف إذا لم يقدم المتهم كل المساعدة التي كانت كافية لإنقاذ حياة المجني عليه وكانت في استطاعته : فإذا كانت جروح المجني عليه مقتضية نقله إلى مستشفى ، وكان ذلك في استطاعة المتهم ، ولكنه اكتفى بنقله إلى بيته حيث ضمد له هذه الجروح فإن الظرف المشدد يتوافر بذلك .

الظرف المشدد المتوقف على درجة جسامة الضرر: جعل الشارع من تعدد ضحايا القتل غير العمدي بحيث يزيد عددهم على الثلاثة ظرفاً مشدداً يجعل عقاب هذه الجريمة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنین وعلة التشديد ضخامة الضرر الذي أنزلته الجريمة بالمجتمع ، وبالإضافة إلى ذلك فإن تعدد ضحايا الجريمة هو في أغلب الأحوال قرينة على جسامة الخطأ .

ويترتب على توافر هذا الظرف أن تصير عقوبة الحبس وجوبية، فلا محل للغرامة وتظل الجريمة جنحة على الرغم من ارتفاع الحد الأقصى للحبس إلى سبع سنين .

اجتماع جسامة الخطأ وجسامة الضرر: إذا توافر أحد الظروف الثلاثة التي تعنى جسامة الخطأ وزاد عدد المجنى عليهم على ثلاثة كانت العقوبة الحبس الذي لا تقل مدته على سنة ولا تزيد على عشر سنين وقدر الشارع أن اتصاف الخطأ والضرر معاً بالجسامة يعني الخطورة البالغة للجريمة على المجتمع مما يقتضي الارتفاع بالحبس إلى هذا المقدار وتظل الجريمة جنحة . (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:   388)

 ويكفي أن تتوافر إحدى هذه الصور لتقوم مسئولية الجاني عن الخطأ غير العمدي إذا الفرض أن أي صورة من هذه الصور تفترض توافر عناصر الخطأ .

 الرعونة :

يقصد بالرعونة سوء التقدير ، ونقص المهارة والدربة ، والجهل بما يجب العلم به ، فالجاني يتحقق لديه جهل أو غلط منصب على واقعة أو على ظروفها ، ويتمثل خطؤه في أنه أهمل اكتساب العلم الضروري بهذه الواقعة أو الظروف ليتجنب الضرر من أمثلة ذلك العامل الذي ينقل إلى أعلى البناء أحجاراً فيقع بعضها ويقتل أحد المارة ، أو الشخص الذي يقود سيارة دون أن يكون ملماً بالقيادة إلماماً كافياً، أو سائق السيارة الذي يغير اتجاهه فجأة دون أن ينبه المارة فيصدم إنساناً ، أو يرجع إلى الخلف دون أن يتأكد من خلو الطريق من السيارات القادمة أو يعطي إشارة جانبية أو يتخذ أي إجراء لتحذيرها من الخطر.

ولما كانت الرعونة تتحقق بجهل المتهم بما يجب عليه أن يعلم به ، فإن أكثر ما يكون حدوثها في نطاق الأنشطة المهنية المختلفة ، كالهندسة والطب والصيدلة ، فيسأل الطبيب الذي يجري عملية جراحية دون الإستعانة بطبيب التخدير، ويسأل المهندس إذا وضع للبناء رسماً فاسداً فأدى ذلك إلى انهياره، ويسأل الممرض الذي يضع قسطرة معدنية للمريض في مجرى البول بطريقة غير فنية فينشأ عنها جرح يؤدى إلى وفاته  كما يسأل الصيدلی الذي يحضر مخدراً - لإستعماله في إجراء عملية جراحية - بنسبة تزيد على النسبة المسموح بها طبياً فيترتب على ذلك وفاة المريض.

 عدم الاحتراز :

هو صورة للخطأ الذي ينطوي عليه نشاط إيجابي يتميز بعدم التبصر بالعواقب ، فيتحقق عدم الاحتراز إذا أقدم الجاني على فعله وهو يعلم أنه يمكن - لخطورته - أن يترتب عليه آثار ضارة ومع ذلك لا يتخذ من الاحتياطات ما يكفل درء المخاطر مثال ذلك سائق السيارة الذي يقودها بسرعة تجاوز الحد الذي تقتضيه ظروف المرور ومكانه وزمانه، ولو كانت هذه السرعة تدخل في نطاق ما يسمح به قانون المرور والأم التي تضع وليدها في فراشها فتقتله أثناء نومها، إذ كان الاحتياط يقتضي أن تضعه في فراش خاص به أو أن تضع وسادة كحاجز بينها وبينه والمالك الذي يستغل سيارة ويبقيها في الخدمة رغم علمه بسوء حالتها  وصاحب البناء الذي يقوم بهدمه دون أن يحيطه بسياج أو ينبه المارة إلى مخاطر الهدم فيترتب على ذلك إصابة شخص أو قتله ومالك الحيوان الذي يسلم قيادة الصغير لا يقوى على كبح جماحه فيصيب شخصاً أو يقتله ومن يقود سيارة على يسار الطريق فيصيب شخصاً ومن يدخل إلى مخزن ومعه فانوس اقترب به من البنزين أثناء تفريغه فاتصل رذاذ البنزين بالفانوس واشتعلت النار في المخزن وقائد سيارة النقل الذي يتقدم - وهو يقطر سيارة أخرى ثقيلة - على سيارة أخرى تسير في نفس الإتجاه دون أن يوفر المسافة الكافية بينه وبين هذه السيارة مما يؤدى إلى اصطدامها بالمقطورة ووفاة شخص وإصابة آخرين.

 الإهمال :

يتحقق الإهمال بامتناع الجاني عن اتخاذ العناية اللازمة لتجنب حدوث النتيجة غير المشروعة ، فالخطأ في هذه الصورة يتحقق عن طريق الامتناع ، وتتميز هذه الصورة بذلك عن عدم الاحتياط ، إذ تفترض الأخيرة اتخاذ الجاني موقفاً إيجابياً دون أن يتخذ من الاحتياط أو الاحتراز ما يكفل تجنب الآثار الضارة للفعل.

ومن أمثلة الإهمال وعدم الانتباه إهمال الشخص الذي يقيم أرجوحة في الطريق للعب الأطفال ولا يحيطها بسياج فتؤدى إلى إصابة أحد المارة ووفاته والمالك الذي يسبب الموت لأنه لم يضع مصباحاً يضيء ليلاً على المواد التي يضعها أمام منزله، ومستعمل الآلة البخارية الذي لا يتخذ طرق الوقاية المانعة لأخطارها عن الجمهور المعرض للاقتراب منها .

عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة :

تعتبر مخالفة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة صورة مستقلة من صور الخطأ يغني تحققها عن البحث في توافر إحدى الصور الأخرى وبديهي أن الفاعل الذي خالف اللائحة لا يسأل عن النتيجة غير المشروعة التي وقعت إلا إذا كانت المخالفة هي التي سببتها من أمثلة ذلك أن يجاوز سائق السيارة الحد الأقصى للسرعة المسموح بها في قانون المرور فيقتل شخصاً، أو يقود سيارته على الجانب الأيسر من الطريق خلافاً لما يقرره القانون، أو أن يسلم سيارته إلى شخص غير مرخص له بالقيادة، أو أن يمتنع مفتش الصحة عن إرسال المعقور إلى مستشفى الكلب كما يقضي بذلك منشور وزارة الداخلية ، فيؤدي هذا الامتناع إلى وفاة المصاب، أو أن تتسبب القابلة في موت الوليد وهي تقوم بعملية ولادة عسرة مستهينه بنصوص اللائحة التي تلزمها في مثل هذه الحالة باستدعاء الطبيب.

أما إذا ثبتت المخالفة وتحققت النتيجة دون أن تتوافر رابطة السببية بينهما فإن مسئولية الفاعل عن الحادث تنتفي ، مثال ذلك أن يقود شخص سيارة بدون ترخيص قيادة فيصدم شخصاً ويقتله ، ثم يتبين أن الوفاة ترجع إلى خطأ المجني عليه وحده ، فحينئذ تنتفي رابطة السببية بين القيادة بدون ترخيص والوفاة فلا يسأل المتهم عن جريمة القتل غير العمدي ، وإن كان يسأل عن جريمة أخرى هي قيادة السيارة بدون ترخيص.

ويترتب على كون مخالفة اللوائح صورة مستقلة من صور الخطأ أن مراعاة اللوائح لا تعني بذاتها انتفاء الخطأ ، فقد يثبت أن الفاعل قد نفذ التعليمات التي تنص عليها اللائحة ، ومع ذلك تقضى الظروف بضرورة اتخاذ قدر من العناية بحيث أن إهمال اتخاذها يحقق صورة أخرى من صور الخطأ تترتب عليها النتيجة غير المشروعة فيسأل عنها الجاني، مثال ذلك أن يقود السائق سيارته بالسرعة التي يسمح بها قانون المرور ، ومع ذلك يصدم شخصاً فيصيبه أو يقتله ، فهو يسأل عن هذه النتيجة على أساس أن الخطأ يتمثل في تجاوزه الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه.

ويطلق على صورة عدم مراعاة اللوائح «الخطأ الخاص» تمييزاً لها عن باقي الصور الأخرى التي يطلق عليها جميعاً «الخطأ العام»، وتستند هذه التفرقة إلى طبيعة القواعد التي ينتهكها الجاني ، فهو في الخطأ الخاص ينتهك قواعد قانونية ، بينما في الخطأ العام ينتهك قواعد الخبرة العامة أو الفنية.

وعدم مراعاة اللائحة كثيراً ما يكون مخالفة معاقباً عليها ، فيعتبر جريمة ولو لم يترتب عليه أي ضرر ، فإذا ترتب عليه ضرر تقوم به جريمة غير عمدية ، كنا بصدد جريمتين : مخالفة اللائحة ، والجريمة غير العمدية، فإن كانتا ناشئتين عن فعل واحد ، فإن حالة التعدد المعنوي للجرائم تتوافر فتوقع على المتهم بأشد العقوبتين مثال ذلك وقوع جريمتي القتل الخطأ وقيادة سيارة بحالة ينجم عنها الخطر أو أن يتسبب سائق السيارة في قتل شخص أو إصابته بسیره على يسار الطريق أو في وسطه أما إذا لم تكن الجريمتان ناشئتين عن فعل واحد ، فإن العقوبات تتعدد فتوقع على الجاني كلتا العقوبتين : عقوبة المخالفة وعقوبة الجنحة.

ولا يستطيع المتهم الاعتذار بالجهل باللائحة أو بعدم تعمد مخالفتها إذا يفترض العلم بها ، وإذا دفع المتهم بعدم مشروعية اللائحة فإن القاضي الجزئي يختص بالنظر في هذا الدفع .

الخطأ المادي و الخطأ الفني :

يقصد بالخطأ المادي الإخلال بالالتزام المفروض على الناس كافة باتخاذ العناية الواجبة ، عند القيام بسلوك معين ، لتجنب ما قد يؤدي إليه هذه السلوك من نتيجة غير مشروعة، أما الخطأ الفني فيقصد به إخلال رجل الفن كالطبيب أو الصيدلي أو المهندس بالقواعد العلمية والفنية التي تحدد الأصول العامة لمباشرة مهنتهم ، من أمثلة الخطأ المادي الذي يرتكبه رجل الفن ، أن يجري الطبيب عملية جراحية وهو سكران ، أو أن ينسى إحدى أدوات الجراحة في بطن المريض، ومن أمثلة الخطأ الفنى أن يتولى القيام بعملية جراحية طبيب غير متخصص في الجراحة ، ولا يثور أي خلاف حول مساءلة رجل الفن عن الخطأ المادي الذي يرتكبه سواء خارج نطاق عمله الفني أو داخله ، إذ يسأل عنه كما هو الشأن بالنسبة للشخص العادي، ولكن التساؤل يثور فيما يتعلق بالخطأ الفني الذي يرتكبه رجال المهن المختلفة إخلالاً بقواعد مهنهم  وقد اختلف الفقه في هذا الشأن اختلافاً كبيراً فذهب رأي قديم إلى عدم مساءلة رجل الفن عن خطئه الفني ، وقد رفض القضاء في كل من مصر وفرنسا هذا الرأي ، ثم ظهر رأي آخر نادي بمساءلة رجل الفن عن الخطأ المهني الجسيم دون اليسير ولكن هذا الرأي بدوره لم يصمد طويلا ، وانتهى التطور بالفقه الحديث إلى إقرار مسئولية رجل الفن عن كل خطأ يرتكبه مادياً كان أو فنياً ، جسيماً أو يسيرة ، فرجال الفن يخضعون للقواعد العامة فيما يتعلق بالمسئولية غير العمدية طالما أن النصوص لم تخرجهم من هذا النطاق ، وإذا كان الهدف من تقييد - مسئوليتهم وفقاً للرأي السابق بنطاق الخطأ الجسيم هو الحرص على عدم إقحام القضاء في الخلافات العلمية ، وضمان حرية الأطباء في تطبيق النظريات الطبية الحديثة ، فإن الأخذ بمبدأ المسئولية المطلقة لا يحول دون تحقيق هذه الأهداف ، فالقضاء عندما يتعذر عليه القطع برأي في مسألة فنية ، فإنه يلجأ إلى أهل الخبرة في نطاق هذا الفن ليسترشد برأيهم فيما غمض عليه، أما حرية الأطباء في تطبيق الآراء والنظريات الحديثة فهي مكفولة ، إذ أن مسئولية الطبيب لا تقوم إلا إذا ثبت الخطأ في حقه يقينا ، ولا يثبت الخطأ إلا إذا خالف الطبيب أحد المبادىء الطبية الثابتة المستقرة التي لا مجال فيها الخلاف الرأي ، أما القواعد العلمية التي تكون محلاً لخلاف في الرأي ، فهذه يترك فيها التقدير للطبيب ، فلا يثبت الخطأ في حقه إذا فضل رأيا على آخر ، ولو كان الرأي الذي فضله ليس هو الرأي الغالب ، طالما أنه يستند إلى أسانيد علمية واضحة، والعبرة في تقدير توافر الخطأ بالمعيار الذي يطبقه القضاء ، فإذا طبق القضاء معيار الشخص المعتاد الذي وجد في نفس ظروف المتهم ، فإن نفس هذا المعيار هو الذي يطبق على رجل الفن أو المهنة فيصبح رجل الفن المعتاد هو المقياس أو الضابط في تقدير الخطأ ، فإذا كان المتهم قد سلك ما كان يسلكه في مثل موقفه رجل الفن المعتاد المتوسط العناية والحذر لم يكن عليه مأخذ ، أما إذا خالف سلوك هذا الشخص فإنه يكون مخطئاً ونحن نؤيد هذا الرأي مدفوعين في ذلك بضرورة الحفاظ على حقوق المرضى وحمايتهم ضد خطأ الأطباء أياً كانت درجته ، طالما أنه لا يدخل في نطاق هذا الخطأ اتباع الأساليب الطبية الحديثة مما لا يخشى معه الركود والتوقف عن مسايرة الركب العلمي ، ويميل أغلب الفقه إلى هذا الرأي .

 وقد تبنى المشرع المصرى هذه الوجهة ، فقد شدد العقاب عن جريمتي القتل والجرح غير العمديين إذا وقعت أيهما نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته (م2/238 ،2/244 ع)، ويعني ذلك بمفهوم المخالفة أنه إذا كان الخطأ يسيراً فإنه يعاقب بالعقوبة العادية.

كذلك سائر القضاء ركب الفقه في اتجاهه الأخير ، فقضى بأن مسئولية الطبيب تخضع للقواعد العامة متى تحقق وجود الخطأ مهما كان نوعه سواء كان خطأ فنياً أو غير فني جسيماً أو يسيراً  وقضى بإدانة المهندسين المسئولين عن الإنارة في مدينة طنطا لتقصير في الإشراف على صيانة الكهرباء ، مما أدى إلى وفاة امرأة لامست عمود الكهرباء ، وذلك دون أن تشير المحكمة إلى جسامة الخطأ.

(3) نقض 22 يناير سنة 1968 مجموعة أحكام محكمة النقض س 19 رقم 17 ص 94  .

إثبات الخطأ :

الخطأ هو الركن المعنوي في جريمة القتل غير العمدي ، ولذلك يجب على المحكمة أن تثبت توافره في حكمها الصادر بالإدانة ، وأن يكون بيانها العناصر الخطأ واضحاً وإلا كان الحكم قاصر التسبيب  فمجرد مصادمة الطاعن بسيارته المجني عليه لا يعتبر دليلاً على الخطأ كذلك لا يكفي لبيان توافر الخطأ أن تذكر المحكمة أن المتهم قد تسبب في الوفاة برعونته أو إهماله أو عدم احترازه أو مخالفته للوائح، وإنما ينبغي أن يبين الحكم كيفية تحقق الصورة التي ذكرها للخطأ ، فالمسئولية الجنائية لا تترتب على ألفاظ عامة مبهمة وعلى ذلك فقول الحكم إن السرعة الزائدة هي التي أدت إلى وقوع الحادث لا يغني عن وجوب بيان الحكم وقائع الحادث وكيفية حصوله ، وكنه الخطأ وموقف المتهم والمجنى عليه  على أن بيان الأفعال الصادرة من المتهم والتي تنطوي على الخطأ يكفي لسلامة الحكم ، فلا يشترط بعد ذلك أن يوصف الخطأ بصورة من الصور التي ذكرها القانون .

والفصل في توافر الخطأ يعتبر فصلاً في مسألة موضوعية تدخل في تقدير قاضي الموضوع ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه فيها ، إلا إذا كان استنتاجه مخالفاً لتعريف الخطأ أو مجافياً للمنطق . (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:  447)

المقصود بالخطأ غير العمدي :

يتكون من عنصرين، أحدهما موضوعي والآخر واقعي أو شخصي .

العنصر الموضوعي:

هو عدم مطابقة سلوك الجاني لمستوى الحيطة والحذر الذي يسلكه الشخص المعتاد، كقيادة السيارة ليلاً في مكان مليء بالضباب الكثيف أو زيادة السرعة في المدينة أو عند منحنيات الطرق على نحو يعرض المارة للخطر، وتناول الخمر إلى درجة السكر قبل قيادة السيارة ووفقاً لهذا العنصر يتحدد الركن المادي في جريمة الخطأ غير العمدي .

العنصر الواقعي الشخصي :

يتمثل في الظروف الشخصية التي تحيط بالجاني، سواء ما تعلق منها بحالته الصحية أو سنة أو درجة تعليمه وذكائه وخبرته في المهنة التي يؤديها أو ظروف الزمان والمكان التي تحيط به إذ لا معنى لقياس الخطأ غير العمدي وفقاً للظروف العادي المجردة، لأنه في هذه الحالة لا يكون من العدالة توجيه اللوم إلى الجاني الذي لا يحيط بهذه الظروف، بل يجب أن يرتضي هذا اللوم على عدم اتخاذه السلوك الواجب في مثل ظروفه هو لا ظروف غيره .. ووفقاً لهذا العنصر يتحدد الركن المعنوي في جريمة الخطأ غير العمدي.

أنواع الخطأ غير العمدي

قسم الفقه الخطأ غير العمدي إلى نوعين: الخطأ مع التوقع والخطأ بغير توقع .

ويتحقق الخطأ مع التوقع إذا توقع الجاني النتائج غير المشروعة لسلوكه وحسب أنه في الإمكان تجنبها، دون أن يسلك سلوكاً يؤدي إلى تفادي وقوعها، مثال ذلك قائد السيارة الذي يقود السيارة في ظروف جوية صعبة وبسرعة فائقة في طريق وعر أو ضيق متوقعاً وقوع حاد، دون أن يبذل الاحتياطات اللازمة لمنع وقوعه.

ويحظر في هذه الحالة أن يتوافر لدى الجاني نوع من الإهمال، فمثلاً قد يتوقع الجراح الذي يجري العملية احتمال وفاة المريض لكن لا يمكن مساءلته عن الوفاة إذا هو استمر في مباشرته للعملية، متى كان هذا السلوك أمراً معتاداً وعلى ذلك فإن الخطأ غير العمدي - كما قلنا – يقوم على معيار موضوعي واقعي، أي يجمع بين الجانبين الموضوعي والشخصي فيتعين النظر إلى عقل المتهم لتحديد ما إذا كان الرجل العادي المعقول إذا توافر لديه التوقع الذي دار في ذهن هذا المتهم سوف يستمر في سلوكه على النحو الذي فعله هذا الأخير، فإذا لم يكن الأمر كذلك توافر الخطأ غير العمدي مع التوقع.

أما الخطأ بغير توقع، فيتحقق إذا لم يتوقع الشخص أن سلوكه المحفوف بالأخطار قد يؤدي إلى تحقيق هذه النتائج غير المشروعة، مع أنه يجب عليه وفي إمكانه أن يتوقعها. مثال ذلك من يقود حافلة نقل بحالة خطرة فتنقلب بأحد المصارف وتودي بحياة عدد من ركابه إذا تبين أنه كان يسير دون تبصر لحدود الطريق فانحرف أقصى اليمين وهوى بالحافلة إلى قاع المصرف.

صور الخطأ غير العمدي

عبر المشرع عن الخطأ غير العمدي بأوصاف مختلفة، فسماه أحياناً الإهمال (المواد 139 و 147 و 360)، وأحياناً أخرى الإهمال وعدم الاحتراس (المادة 163)، أو الإهمال وعدم الاحتياط (المادة 83 مكرر)، وقد بينت المادة 238 من قانون العقوبات على سبيل المثال عدة أوصاف للخطأ غير العمدي بلغت حداً كبيرا من الإحاطة والشمول، بحيث تتسع لسائر صور الخطأ غير العمدي، وهي : الرعونة، وعدم الاحتياط والتحرز، و الإهمال، والتفريط، وعدم الانتباه والتوقي، وعدم مراعاة اللوائح ولا اتباعها.

وسوف نوجز فيما يأتي معنى كل من هذه الصور :

1- الرعونة : يراد بما أن يأتي الجاني نشاطاً محفوفاً بالأخطار دون أن يتوقع أو ينتبه إلى النتائج الضارة التي سوف تنجم عنه، كمن يقطع فرع شجرة فيصيب أحد المارة، أو من يضع طفلاً على حافة سور فيسقط على الأرض، أو من يقود سيارة وهو غير ملم بالقيادة إلماماً كافياً ، أو يغير اتجاههه فجأة دون أن ينبه المارة فيصيب شخصاً.

و تندرج تحت هذه الحالة الأخطار المهنية التي تنم عن جهل الجاني بالمبادئ الأولية لمباشرة مهنته، فتتوافر الرعونة في مسلك الطبيب الذي يجري عملية جراحية خلافاً للأصول الثابتة في فن الطب، كإجراء عملية جراحية على قدر من الخطورة في عيادته الخاصة رغم ما تستلزمه هذه الجراحة من استعدادات يتطلبها الفن الطبي ويخصص لإجرائها أحد المستشفيات.

2- عدم الاحتياط والتحرز : ويتحقق عدم الاحتياط والتحرز إذا كان الجاني قد توقع الأخطار التي قد تترتب على عمله لكنه مضى فيه دون أن يتخذ الوسائل الوقائية بالقدر اللازم لدرء هذه الأخطار، مثال ذلك من يقود سيارته بسرعة لا تتفق مع الزمان والمكان والظروف المحيطة بالحادث، ومن يضع طفلاً بجوار موقد غاز مشتعل عليه ماء فسقط عليه الماء وحدثت به حروق أودت بحياته ، والحامل التي تنتبذ مكاناً قصياً لتضع فيه حملها مع جهلها بقواعد الولادة مما يؤدي إلي وفاة وليدها، والمرضع التي تنام بجوار رضيعها فتنقلب عليه أثناء نومها وتقتله، وقائد السيارة الذي ينحرف بها من جهة الأخرى دون احتياط والمراكبي الذي يحمل عدداً من الركاب داخل القارب يفوق تحمل القارب فيغرق.

3- الإهمال والتفريط وعدم الانتباه : ويراد بالإهمال والتفريط وعدم الانتباه حالة ما إذا نكل الجاني عن اتخاذ ما يقتضيه واجب الحيطة والتبصر لتفادي حصول النتائج الضارة وهي وإن تشابھت مع حالة عدم الاحتياط والتحرز في هذا المعنى لكنها تختلف عنها في أن الأولى تتمثل في عمل إيجابي يمضي فيه الجاني دون مراعاة ما يجب مراعاته من أساليب الوقاية، بخلاف هذه الحالة التي تتمثل في صورة ما إذا اتخذ الجاني موقفاً سلبياً فلم يفعل ما من شأنه الحيلولة دون وقوع الضرر .

ومن أمثلة ذلك من يقيم أرجوحة في الطريق للعب الأطفال ولا يحيطها بسياج ليحمي المارة منها فتؤدي إلى إصابة أحد المارة ومن ثم وفاته، ومن يدير آلة بخارية ثم لا يتخذ طرق الوقاية المانعة لأخطارها عن الجمهور المعرض للاقتراب منها فيؤدي إلى وفاة أحدهم.

والخفير المعين من الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية على المجاز (المزلقان) إذ يبادر إلى تحذير المارة في الوقت المناسب وتنبيههم إلى قرب مرور القطار وتراخي في إغلاق المجاز من ضلفتيه ولم يستعمل المصباح الأحمر في التحذير، مما أدى إلى وقوع الحادث، ومن يترك حفرة دون أن يضع عليها مصباحاً ليلاً أو ينبه الجمهور مما أدى إلى سقوط أحد المارة بها ووفاته.

4 - عدم مراعاة القوانين واللوائح : أما عدم مراعاة القوانين اللوائح فهو سبب قائم بذاته يتحقق بمخالفة ما تنص عليه القوانين أو اللوائح أو التعليمات أو أوامر الرؤساء ويعد خطأ مستقلاً بذاته، إذا كانت هذه المخالفة هي بذاتها سبب الحادث مثال ذلك في أحكام القضاء عدم اتباع لائحة السكة الحديد فيما توجبه من أسبقية المرور للقطارات، وعدم اتباع مفتش الصحة منشور وزارة الداخلية رقم 23 لسنة 1927 الذي يقضي بإرسال المعقورين إلى المستشفى الكلب، والتزام قائد السيارة الأتوبيس طبقاً للمادة 74 لسنة 1955 بشأن السيارات في التحقيق من تمام ركوب الركاب قبل السير بسيارته.

وعادة ما ينطوي الخطأ بعدم مراعاة اللوائح على إحدى صور الخطأ سالفة الذكر مثال ذلك إهمال خفير المجاز في القيام بما تفرضه عليه تعليمات السكك الحديد لكن ذلك لا يحول دون تقرير أن مراعاة القوانين أو اللوائح وحده يعد كافياً - في القانون المصري - لتوافر خطأ اللازم لقيام جريمة القتل الخطأ ولا محل للتحدي في هذه الحالة بأن سلوك الجاني كان في حدود واجب الحيطة والحذر الذي يلتزم به الشخص العادي، وذلك بحسب أن الواجب الذي فرضته القوانين واللوائح يمثل حدا أدنى لواجب الحيطة والحذر الذي يجب أن يلتزمه الشخص المعتاد.

على أن توافر الخطأ دائماً بمخالفة القوانين واللوائح لا يعني قيام الجريمة غير العمدية، بل لابد من توافر علاقة السببية بين الخطأ والنتيجة.

فمثلا إذا قاد شخص سيارة بدون رخصة وصدم آخر فقتله ثم ثبت أن سبب الوفاة يرجع إلى خطأ المجني عليه وحده، فإن علاقة السببية لا تكون متوافرة ولا يسأل المتهم إلا عن جريمة قيادة السيارة بدون رخصة فقط.

والخلاصة أنه يبين من استقراء جميع الصور السابقة أن الخطأ غير العمدي يتحقق إذا توافر أحد الأمرين :

1- ألا يتوقع الجاني النتائج الضارة التي تنجم عن فعله رغم أنه محفوف بالأخطار وفقا للمجرى العادي للأمور مما يوجب عليه توقعها، وتندرج تحتها صورة الرعونة، ويسمي الخطأ في هذه الحالة بالخطأ بغير توقع.

2- أن يتوقع الجاني الأخطار التي قد تنجم عن فعله لكنه لا يكف عن الاستمرار في فعله أو لا يباشر ما يجب أن يتخذه الشخص العادي (العاقل) في مثل هذه الظروف من سبل الوقاية للحيلولة دون حدوث الضرر و تندرج تحتها صور عدم الاحتياط أو التحرز، والإهمال والتفريط وعدم الانتباه، ويسمى الخطأ مع التوقع.

أما عدم مراعاة اللوائح فقد تندج تحت أي من هذين الأمرين إذا تضمنت إحد صور الخطأ غير العمدي، وإلا فإنها تعد وحدها بذاتها خطأ غير عمدي دون تطلب أي عنصر آخر.

وقد ثار البحث بوجه خاص حول معیار خطأ الأطباء ، فقد قيل بضرورة التمييز بين الإهمال الذي يرتكبه الطبيب (أو صاحب المهنة الفنية) بالنظر إلى مخالفته لقواعد الحيطة والحذر المفروضة على الناس كافة، والإهمال الآخر الذي يرتكبه الطبيب (أو صاحب المهنة) بالنظر إلى مخالفة القواعد العلمية التي تفرضها مهنته وهو ما يعبر عنه بالخطأ المهني ويسأل الطبيب عن إهماله في الحالة الأولى ولا يسأل عن إهماله في الحالة الثانية إلا إذا كان جسيماً وعلة هذا التمييز عند أصحاب هذا الرأي هو وجوب تخويل الطبيب (أو صاحب المهنة الفنية) حرية كبيرة في ممارسة مهنته لأنه من الضروري ألا تتولد لديه الخشية الدائمة من المسئولية الجنائية لأن ذلك لا يوفر لديه الاطمئنان عند ممارسة مهنته .

على أنه يهمنا في هذا الصدد أن نؤكد على المبادئ الآتية :

1- إباحة عمل الأطباء مشروط بأن يكون ما يجرونه مطابقا للأصول الفنية المقررة فإذا فرط الطبيب في اتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية وفقا لتعمده الفعل ونتيجته أو لخطئه غير العمدي في أداء عمله.

2- لا يتميز الأطباء بمعيار خاص للخطأ غير العمدي، ومن غير المنطقي أن نعطي مطلق ثقتنا في الطبيب ثم لا تتطلب منه مراعاة الاحتياط العادي في أثناء ممارسته لمهنته .

ولا خشية عليه من تقرير هذه المسئولية لأن مؤاخذة الطبيب عن خطئه المهني ولو كان يسيراً لن تتقرر لمجرد الشك، بل لابد من أن يثبت الخطأ بصفة قاطعة كما أن الخطأ سوف يتحدد بالقياس إلى ما يجب أن يسلكه شخص معتاد من فئة الأطباء أنفسهم وبناءً على ذلك فقد اتجه الرأي الراجح في الفقه إلى تقرير المسئولية الجنائية للأطباء عن جميع أخطائهم غير العمدية، اليسير منها والجسيم سواء بسواء.

وقد اتجه القضاء المصري بعد تردد إلى مساءلة الطبيب عن جميع أخطائه الجسيم منها واليسير.

3- من المقرر الآن أن كل خطأ في التشخيص مهما كان يسيراً يرتب مسئولية الطبيب مادام أنه لا يمكن أن يصدر من طبيب يقظ يمر بالظروف نفسها التي كان يمر بها الجاني.

وهنا يلاحظ أن التشخيص الطبي يعد من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء رأي فيها دون الاستعانة بالخبراء على أن رأي الخبير في هذه الحالة يخضع تقديرها وهي إذ تأخذ به أو تطرحه يجب أن تستند إلى أدلة سائغة صحيحة وإلا كان حكمها باطلاً .

4- يجب على الطبيب - بحسب الأصل - عدم الالتجاء إلى علاج المريض أو المساس بجسمه دون الحصول على رضائه سلفاً، فهذا الرضاء أمر يقتضيه احترام الحرية الشخصية للفرد.

على أنه من المسلم به أن أساس إباحة عمل الطبيب في هذه الحالة هو نص القانون الذي ينظم مهنة الطب، أما رضاء المجني عليه فليس إلا شرطاً تنظيمياً لهذه الإباحة وليس في ذاته سبباً مباشراً لها.

فإذا لم تكن حالة المريض تسمح للطبيب بشرح حالته له والحصول على رضائه قبل إجراء العملية له وجب عليه الحصول على موافقة، هذا ما لم توجب حالة المريض إجراء العملية وإلا توفي أو أصيب بأضرار بالغة، ففي هذه الحالة يجوز للطبيب إجراء العملية دون رضاء المجني عليه بناء على حالة الضرورة.

وتثور المشكلة عندما يتبين الجراح في أثناء إجراء العملية أن ثمة حالة جسيمة بالمريض أو حالة تختلف عن الحالة التي شخصها تقتضي تدخلاً جراحياً أوسع مدي أو في مكان آخر من جسم المريض فما لم تقتض حالة الضرورة هذا التدخل الجراحي فوراً فقد استقر القضاء الفرنسي على أنه يجب على الطبيب أن يوقف العملية الجراحية انتظاراً لرضاء المريض وقد انتقد هذا القضاء بناء على أنه إذا كان الجراح واثقاً من ضرورة العملية فيجب التساؤل عما يعد خطأ في حقيقة الأمر، هل هو الاستمرار في الجراحة دون رضاء المريض أم إيقاف الجراحة انتظاراً لموافقة المريض - وهو لا يملك الرفض إن كان عاقلاً - ثم إجراء عملية ثانية له، بينما التأخر في إجراء العملية يضر بالمجني عليه والصحيح عندنا أن الطبيب لا يمكن أن يجري تدخلاً جراحياً لم يوافق عليه المريض إلا إذا كان هناك خطر حال جسيم على النفس، ففي هذه الحالة وحدها تتوافر الضرورة التي تبيح فعل الطبيب.

إثبات الخطأ غير العمدي :

لا يتطلب القانون أن يقع الخطأ الذي يتسبب عنه الوفاة بجميع صوره التي أوردها، بل يكفي لوقوع الجريمة أن تتوافر صورة واحدة منها.

ولما كان الخطأ في الجرائم غير العمدية هو الركن المميز لها، فإنه يجب أن يبين الحكم عنصر الخطأ المرتكب، ورابطة السببية بين الخطأ والإصابة (أو الوفاة) بحيث لا يتصور وقوعها بغير هذا الخطأ، وأن يورد الدليل عليه مردوداً إلى أصل ثابت في الأوراق.

إثبات علاقة السببية :

من المقرر أنه لا يكفي للإدانة في جريمة القتل الخطأ أن يثبت وقوع القتل وحصول خطأ من المحكوم عليه ، بل يجب أيضاً أن يكو الخطأ متصلاً بالقتل اتصال السبب بالمسبب فإذا انعدمت رابطة السببية وأمكن تصور حدوث القتل ولو لم يقع الخطأ انتفت الجريمة لعدم توافر علاقة السببية وتطبيقاً لذلك حكم أن ترك المتهم سيارته في الطريق العام يحرسها تابع له فقام هذا التابع بدفع العربة بقوة جسمه إلى الخلف بغير احتياط فقتل المجني عليه، فإن فحل صاحب السيارة ليس له أية علاقة بالخطأ الذي تسبب عنه القتل والذي وقع من التابع وحده وقضى أنه إذا كان ما أورده الحكم مع صراحته في أن المتهم كان مسرعاً بسيارته ولم يكن ينفخ البوق لا يفهم منه كيف أن السرعة وعدم النفخ كانا سبباً في إصابة المجني عليه وهو جالس في عرض الطريق العام الذي حصلت فيه الواقعة في الظروف والملابسات التي وقعت فيها، فإنه يكون قد أغفل بيان توافر رابطة السببية.

وواقع الأمر أن علاقة السببية تكون متحققة ومتوافرة متی کانت مباشرة بين الخطأ غير العمدي والنتيجة، أي لا تتخللها عوامل طارئة تتوافر بعد الخطأ، كما تتحقق علاقة السببية ولو كانت غير مباشرة بين الخطأ غير العمدي والنتيجة بأن يتخللهما عوامل معينة شريطة أن تكون هذه العوامل مألوفة لدى الجاني، أي تتفق مع المجرى العادي للأمور، بحيث تكون متوقعة أو من الممكن توقعها لدى الشخص العادي فلا تتوافر علاقة السببية إذا كانت هذه العوامل غير مألوفة لدى الشخص المعتاد، بأن كان هناك تعمد من شخص آخر، أو قوة قاهرة، أو حادث فجائي وهذا مما لا يمكن توقعه، أو كان هناك خطأ مشترك بين الجاني والمجني عليه ولكن استغرقه خطأ المجني عليه، أو صدر إهمال جسيم من المجني عليه أو من الغير.

العقوبة

وقد أخذ القانون رقم 120 لسنة 1962 بكل من معياري جسامة الخطأ وجسامة الضرر لتدرج العقاب، وذلك على الوجه الآتي .

أولاً : جسامة الخطأ :

يكون الخطأ جسيما بالنظر إلى خطأ الجاني في ذاته، وبالنظر إلى الضرر الجسيم المتمثل في عدد المجني عليهم، وبالنظر إلى اقتران الخطأ الجسيم في حد ذاته بالضرر الجسيم.

حالات الخطأ الجسيم :

نصت الفقرة الثانية من المادة 238 عقوبات المعدلة على أن تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا توافرت إحدى الظروف الآتية :

 1- إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه وظيفته أو مهنته أو حرفته :

ويتطلب تحقق هذا الظرف توافر عنصرين، أولهما أن يكون الجاني من ذوي الوظائف، سواء كانت عامة أو خاصة، أو المهن أو الحرف، ولا عبرة بنوع الوظيفة أو المهنة أو العمل الذي يباشره، ثانيهما وقوع إخلال جسيم بما تفرضه عليه وظيفته أو مهنته أو حرفته.

ويلاحظ أنه وإن كان الأصل أنه لا يجوز عند تحديد مدى توافر الخطأ غير العمدي الوقوف عند الخطأ الفني وحدد الذي يتحدد بالرجوع إلى القواعد العلمية والفنية التي تحدد أصول المهن والحرف، بل يجب أن يمتد إلى غير ذلك من واجبات الحيطة والحذر العامة التي يلتزم بها الناس كافة، ومنهم أرباب الوظائف وأصحاب المهن أو الحرف - رغم ذلك كله فإن المشرع عند تقدير توافر هذا الظرف المشدد قد تطلب وقوع خطأ «مهني أو وظيفي» جسيم، بدليل أنه قد قصر الإخلال الجسيم على ما تفرضه مسؤول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة، أما إذا كان الإخلال الجسيم إخلالاً بالواجبات العامة التي يلتزم بها الناس كافة، فتسري في شأن الجاني القاعدة العامة في العقوبة إلا إذا توافر في شأنه ظرف مشدد آخر، ولا شك في أن تقدير جسامة الإخلال أمر موضوعي تستخلصه المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية مستعينة بالظروف التي أحاطت بالخطأ.

وبالنسبة إلى الإخلال الجسيم بأصول الوظيفة فإن جريمة القتل الخطأ قد ترتبط في هذه الحالة بجريمة الإهمال في أداء الوظيفة المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (ب) ارتباطاً لا يقبل التجزئة، مما يقتضي توقيع عقوبة واحدة هي عقوبة الجريمة الأشد طبقاً للمادة 32/ 2 عقوبات، ويلاحظ أنه في هذه الحالة إذا كان القانون قد قصر سلطة رفع الدعوى الجنائية في جريمة الإهمال في الوظيفة على النائب العام أو المحامي العام، فإن ذلك لا يخل بسلطة النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية عن جنحة القتل الخطأ المرتبطة بهذه الجريمة، فإذا كان الارتباط لا يقبل التجزئة يجب أن يكون القتل الخطأ هو الجريمة الأشد.

2- أن يتعاطى الجاني مسکراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث :

لا شك في أن الجاني الذي يرتكب الخطأ الذي نجم عنه الحادث وهو في حالة سكر - يكون خطؤه مضاعفاً، أي جسيماً ولا يشترط أن يكون السكر بيناً، أو وضحا وظاهرا، وإنما يكفي توافره ولو لم يترتب عليه غياب الإدراك فالذي يتناول المسكر أو المخدر عليه أن يلتزم واجب الحيطة والحذر أكثر من غيره، فإن تخلى عن هذا الواجب كان خطؤه جسيماً ويكفي لتوافر الظرف المشدد معاصرة حالة السكر أو التخدير للحادث، دون اشتراط أن تكون هذه الحالة بذاتها هي جوهر الخطأ غير العمدي، فلابد من توافر هذا الخطأ ابتداء، فما حالة السكر أو التخدير إلا وصف للخطأ يعبر عن جسامته، فإذا كان مجرد قيادة مركبة محظوراً على من كان واقعاً تحت تأثير خمر أو مخدر وكانت مخالفة هذا الحظر تعد جنحة طبقاً للقانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008، وكانت عدم مراعاة القوانين في ذاتها هي إحدى صور الخطأ غير العمدي، لكن هذا الظرف المشدد يتطلب توافر خطأ آخر تضاف إليه حالة السكر أو التخدير.

3- النكول وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك :

ألقى القانون واجباً قانونياً على من ارتكب خطأ نجم عنه حادث أن يساعد من وقعت عليه الجريمة وأن يطلب هذه المساعدة له فإذا كان باستطاعة الجاني مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو طلب المساعدة له يكون قد أخل بواجب قانوني تجاه المجني عليه، إذا نكل عن أداء هذا الواجب بإهماله أو عدم تحرزه تضاعف خطؤه غير العمدي، ويبين مما تقدم أن هذا الظرف المشدد يتحقق بتعدد الخطأ غير العمدي الذي قارفه الجاني، مرة حين ارتكب جريمته وأخرى حين نكل عن تدارك النتائج المترتبة على فعله أو العمل على تداركها مع تمكنه من ذلك.

ويشترط لتوافر هذا الظرف المشدد ما يأتي :

(أ) أن يكون الخطر الذي أحاط بالمجني عليه بسبب الحادث حالاً وثابتاً ويقتضي تدخلاً حالاً .

ومبعث هذا الشرط ما نص عليه القانون من وجوب تقديم المساعدة وقت الحادث، وبناءً عليه فإن لم يصب المجني عليه بأي ضرر وقت الحادث ثم جدت ظروف لاحقة ترتب عليها احتمال إصابته بالضرر - لا يلتزم الجاني قانوناً بتقديم المساعدة ومن ناحية أخرى، فإن كان الخطر حالاً وقت الحادث، فلا يعفى الجاني من واجب تقديم المساعدة أن يثبت بعد ذلك أن الخطر لم يكن جسيما أو أن المساعدة بفرض تقديمها لن تكون ذات فائدة.

(ب) أن يكون مصدر الخطر هو الخطأ غير العمدي للجاني :

مثال ذلك قائد السيارة الذي يصدم أحد المارة، فلو هرب الجاني توافر في حقه شرف المشدد والفرض أن يثبت الخطأ في حق الجاني، فإن ثبت بعد ذلك أن خطأ محني عليه قد استغرق خطأ الجاني، فإن نكول الأخير عن مساعدة المجني عليه لا أثر : في ترتيب مسئوليته أو تشدید عقابه .. وعلة ذلك أن النكول عن المساعدة ليس إلا ظرفاً مشدداً في الجريمة وليس جريمة مستقلة، ومن ثم فإن توافره معلق على وقوع الجريمة أصلاً، وهو ما يتوقف على ثبوت الخطأ في حق الجاني.

(ج) إمكان تقديم المساعدة للمجني عليه سواء بنفسه أو بطلبها من الغير :

ويجب على الجاني تقديم المساعدة الفعالة للمجني عليه، فلا يكفي لإسقاط الالتزام عن كاهله أن يقدم قدراً ضئيلاً من المساعدة لا يجدي المجني عليه نفعاً، ما دام قد ثبت أنه كان بمقدور الجانى تقديم قدر أكبر يحقق النفع للمجني عليه.

ولا يعفي الجاني من واجب تقديم المساعدة أن ليس لها أثر في إنقاذ المحني عليه. على أنه إن ثبت أن المجني عليه قد توفي فور الحادث ولاذ الجاني بالفرار قبل أن يتحقق من ذلك، فإنه لا يسأل عن نكوله عن واجب تقديم المساعدة، لأن الالتزام أصبح كأن لم يكن.

ثانياً : جسامة الضرر: وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص :

عاقبت الفقرة الثالثة من المادة 238 عقوبات بالحبس مدة لا تقل عن سنة لا تزيد على سبع سنوات إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص ويعني ذلك أن مجرد تسبب الفعل المشوب بالخطأ غير العمدي في وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص كاف وحجة للتشديد دون تطلب شروط أخرى.

ثالثا، اجتماع جسامة الخطأ مع جسامة الضرر:

نصت الفقرة الثالثة من المادة 238 عقوبات على تشديد العقوبة إذا اجتمع الظرف المشدد الخاص بجسامة الخطأ غير العمدي في إحدى صوره الثلاثة السالف بيانها مع الظرف المشدد الخاص بجسامة الضرر (وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص)، ففي هذه الحالة تكون العقوبة مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ،  الصفحة: 51 )

ويستفاد من النص السابق أن أركان جريمة القتل الخطأ أو غير العمدي سواء في شكلها البسيط أم في شكلها المشدد لتوافر الظروف، المنصوص عليها في المادة 238 تتمثل في الآتي :

الركن الأول : السلوك الخاطئ :

أن جريمة القتل الخطأ لا تختلف في ماديات السلوك المكون لها عن جريمة القتل أو الضرب العمد، فأي فعل أو اقتناع يملك الفاعلية السببية لإحداث الوفاة يصلح لتكوين الركن المادي في القتل الخطأ متى حدثت النتيجة.

غير أن الذي يميز السلوك الإجرامي في القتل الخطأ هو الصفة التي يتصف بها، فيلزم أن يكون السلوك قد وقع بالمخالفة للقواعد العامة أو الخاصة للسلوك الواجب والتي من شأن مراعاتها تجنب وقوع النتائج، غير المشروعة والضارة بمصالح وحقوق الآخرين المحمية جنائياً، أو تجنب الوقوع في غلط في الوقائع يؤدي إلى تحقيق النتيجة مادامت تلك الأخيرة كان يمكن توقعها وتجنبها في الوقت ذاته.

فقواعد السلوك، سواء العامة أو الخاصة تهدف دائماً إلى عدم الإضرار بالغير، ومعنى ذلك أن عدم مراعاتها من شأنه أن يحقق الضرر أو يهدد بالضرر حقوق ومصالح الآخرين، ويترتب على ذلك أن من يحقق بسلوكه نتيجة ضارة بسبب عدم مراعاة قواعد السلوك يتوافر في حقه الخطأ باعتبار أنه لو التزم تلك القواعد لما تحققت النتيجة، ومعنى ذلك أن التزام تلك القواعد وتحقق النتيجة رغم ذلك يفيد انتفاء الخطأ.

صور الخطأ غير العمدي :

عدد المشرع في المادة 238 بعض صور الخطأ غير العمدي حيث ذكر الإهمال والرعونة وعدم الإحتراز وعدم مراعاة القوانين والقرارات والأنظمة.

وأياً كانت الصور التي تحدث عنها المشرع فهي تعبر عن جوهر واحد وهو عدم مراعاة القواعد العامة أو الخاصة للسلوك والتي من شأن مراعاتها تجنب وقوع النتيجة غير المشروعة.

فمخالفة القواعد العامة للسلوك تعطينا صور الخطأ المتمثلة في الإهمال وعدم الاحتياط وعدم الاحتراز وأيضاً الرعونة، أما مخالفة القواعد الخاصة بمباشرة الأنشطة الخطرة والتي تفرضها السلطات المختصة فإنها تعطينا صورة الخطأ المتمثل في عدم مراعاة القوانين واتباع اللوائح والقرارات والأنظمة والأوامر.

وجميع الصور السابقة للخطأ غير العمدي هي مظهر من مظاهر افتراق التمثل أو التخيل العقلي عن عمل الإرادة في محيط الجانب النفسي للفرد.

ويترتب على هذا الافتراق خطأ الشخص في تقدير النتائج التي يمكن أن تترتب على السلوك الإرادي الأمر الذي يؤدي إلى حدوث نتيجة لم تتجه إليها الإرادة، وتتحقق تلك النتيجة بسبب عدم مراعاة القواعد التي تضمن التجانس بين التخيل العقلي والإرادة المتحققة في شكل سلوك خارجي أو تضمن سلامة التخيل الذهني على الأقل.

ويلاحظ أن جميع صور الخطأ غير العمدي التي تحدث عنها المشرع خلافا لتلك المتمثلة في مخالفة القوانين والقرارات والأنظمة، لا تخرج عن کونها إهمالاً في عدم اتباع ما تفرضه القواعد العامة للسلوك، سواء كان هذا الإهمال راجعاً إلى رعونة وعدم دراية بحيث يتوافر سوء تقدير الشخص الكفاءته وقدراته بما يتلاءم والظروف التي باشر فيها سلوكه.

والإهمال : هو سلوك سلبي في جوهره مفاده عدم الالتزام بالحيطة والحذر الواجبين . 

فالشخص الحذر هو الذي يتصرف بالإنتباه والحيطة اللازمين لعدم إضراره بالغير.

وعلى قدر الانتباه والحيطة تكون درجة الإهمال، ولذلك يدخل في تقدير الإهمال مدى قدرة الشخص على تنفيذ للواجب المفروض بقواعد السلوك العامة للظروف التي يباشر فيها سلوكه.

غير أن تقدير توافر الإهمال يختلف من واقعة لأخرى، وخطورة السلوك تدخل كعنصر في تقدير الفرد لواجبات الحيطة والحذر والانتباه، ومعنى ذلك أن درجة الانتباه والحذر تتوقف على درجة خطورة السلوك ودرجة توقع النتائج الضارة التي يمكن أن تنشأ عنه.

أما الرعونة فهي سلوك إيجابي يأتيه للشخص دون أن يكون ملائماً أو متناسباً مع الاحتياط الواجب لمنع تحقق النتائج الضارة.

ولذلك فإن توافر الرعونة يقوم على الموازنة بين السلوك الذي بوشر فعلاً وبين مدى ملاءمته للظروف المحيطة به، ويدخل بطبيعة الحال كعنصر أساسي في التقدير خطورة الفعل والوسائل المستخدمة في مباشرته باعتبارها تحدد نطاق الواجبات المفروضة بقواعد السلوك العامة.

ويندرج أيضاً تحت صور الإهمال الخطأ الناشئ عن عدم الدراية وهو يتعلق بعدم مراعاة القواعد الفنية اللازمة لمباشرة السلوك لسوء تقدير الشخص لقدراته وكفاءته الفنية في إتيان السلوك.

أما مخالفة القوانين واللوائح والقرارات والأنظمة فهي صورة من صور الخطأ التي تثير تساؤلات كثيرة من حيث تحديد المقصود بها، وهل تكفي مجرد المخالفة في حد ذاتها لتوافر الخطأ أم يلزم أن يكون السلوك المخالف للقانون أو اللائحة مخالفاً أيضاً لمتطلبات قواعد الحيطة التي وجدت القاعدة القانونية ضماناً لها؟

وللإجابة على التساؤلات السابقة ينبغي التمييز بين القوانين غير الجنائية والقوانين الجنائية.

فبالنسبة للقوانين غير الجنائية : ينعقد الإجماع على أنها تشكل القاعدة العامة للمقصود بالقوانين واللوائح والقرارات والأنظمة.

غير أنه لا يكفي وقوع مخالفة لأية قاعدة غير جنائية نظمتها لائحة أو قانون لكي يتحقق الخطأ غير العمدي.

فإذا كان الخطأ غير العمدي يتمثل في مخالفة قواعد السلوك الموضوعة لتجنب النتائج الضارة، فلا شك أن مخالفة القواعد المنصوص عليها في تلك القوانين واللوائح لا تشكل خطأ غير عمدي إلا إذا كانت القاعدة قد وضعت الغرض احتياط معين يترتب على عدم الالتزام به الإضرار أو التهديد بوقوع ضرر لمصالح الأفراد.

أما بالنسبة للقوانين الجنائية: فقد تشعبت بصددها الآراء، ويمكن ردها إلى اتجاهات ثلاثة :

الاتجاه الأول : يذهب إلى أن القوانين الجنائية لا تختلف في شيء عن غيرها، وبالتالي فإن مخالفتها يمكن أن تشكل صور الخطأ غير العمدي التي نحن بصددها، وذلك بالنسبة للنتائج المترتبة على تلك المخالفة والتي لم تتجه إليها إرادة الجاني.

 ورتب هذا الاتجاه على ذلك أنه في جميع الأحوال التي يترتب فيها على الجريمة العمدية نتيجة أخرى لم تتجه إليها إرادة الجاني فإنه يسأل عنها بوصف الخطأ إلى جانب مساءلته عن الجريمة العمدية.

الاتجاه الثاني: يذهب عكس الاتجاه الأول تماماً و يستبعد من نطاق الخطأ العمدي ما يقع بالمخالفة للقواعد التجريمية ويقصره فقط على القواعد غير الجنائية باعتبار أن القواعد التجريمية لا تنظم السلوك وإنما تعاقب على تحقيقه.

أما الاتجاه الثالث: فيذهب إلى أن القوانين الجنائية وإن كان يمكن كقاعدة إدراجها تحت القوانين التي تشكل مخالفتها صورة للخطأ غير العمدي، إلا أن ذلك قاصر فقط على القواعد التي تهدف إلى الحماية المباشرة لصالح الغير، وذلك بتجريم السلوك الذي يقع بالمخالفة لها لما ينطوي عليه من تهديد بالضرر لتلك المصالح .

وبعبارة أخرى تدخل فقط القواعد الجنائية التي تفرض احتياطات الأزمة المباشرة السلوك الإنساني وتجرم مخالفة تلك الواجبات. . "

مثال ذلك القواعد المتعلقة بالجرائم ضد السلامة العامة للأفراد.

والحقيقة هي أنه في جميع الفروض التي تتضمن فيها القاعدة الجنائية أمراً بالإتيان بعمل أو نهيا عن القيام بعمل، منعاً لتحقيق نتائج معينة ضارة بالمصالح التي تحميها، فلا شك أن مخالفة تلك القواعد تشكل خطأ غير عمدي إذا ما تسبب عن تلك المخالفة نتيجة غير إرادية.

والقاعدة الجنائية في هذا لا تختلف في شيء عن القواعد الأخرى والمتضمنة تنظيما للسلوك الإنساني.

 وحدة الخطأ في القانون الجنائي والقانون المدني :

استقر الفقه والقضاء منذ زمن بعيد على وحدة مفهوم الخطأ في كل من القانون المدني والقانون الجنائي.

فقد انقضى الوقت الذي أثار فيه الفقه مشكلة التفرقة بين الخطأ الجنائي وبين الخطأ المدني على أساس أن الأول يتطلب قدراً من الجسامة أكبر من الخطأ المدني.

فالخطأ له مفهوم قانوني واحد سواء في محيط المسئولية التقصيرية أو في محيط المسئولية الجنائية.

والفرق بين القانون الجنائي وبين القانون المدني لا يتعلق بمفهوم الخطأ وإنما في مدى الاعتداد بالنتائج التي تترتب على هذا الخطأ والمتمثلة في الضرر."

فالمشرع الجنائي لا يعاقب إلا على درجة معينة من الجسامة بالنسبة الأضرار المترتبة على الخطأ، على حين أن القانون المدني يقرر الحق في التعويض عن أي ضرر مهما قلت قيمته، أما أساس المسئولية وهو الخطأ فهو واحد.

ولكن يلاحظ أن وحدة الخطأ الجنائي والمدني إنما تنتعرف إلى الخطأ المدني الشخصي، أما الخطأ المدني المفترض أو المؤسس على رابطة السببية فلا تلازم بين الخطأين في هذا الصدد.

حقا أن قانون العقوبات يعرف  في بعض الفروض الاستثنائية أحوالاً للمسئولية المفترضة والمسئولية الموضوعية، إلا أنه لا تلازم على الإطلاق بين تلك الفروض والفروض التي نص عليها القانون المدني في هذا الشأن ولذلك فالمسئولية الجنائية لحارس البناء وحارس الأشياء والحيوانات إنما تتحدد على أساس المسئولية الموضوعية المقررة في القانون المدني.

فقانون العقوبات لا يعرف كقاعدة إلا المسئولية الشخصية المؤسسة على الخطأ الشخصي، وخاصة في محيط جرائم القتل والإصابة الخطأ.

الخطأ المادي والخطأ الفني :

اتجه القضاء في بعض أحكامه البعيدة إلى التفرقة بين الخطأ المادي والخطأ الفني وهو في سبيل المسئولية الجنائية من أعمال المهن الفنية وخاصة الأطباء، واستلزم لقيام الخطأ الفني درجة جسامة أشد من تلك المقررة للخطأ المادي الذي يتساوى فيه الشخص الفني مع الشخص العادي، فلا عقاب على الأخطاء الفنية إلا إذا كانت جسيمة على عكس الأخطاء المادية فيكتفي للعقاب عليها بالخطأ اليسير.

وقد استند هذا الإتجاه إلى اعتبارات عملية مردها الصعوبة الفنية التي تواجه القاضي في تقرير الخطأ فضلاً عن أن المعاقبة على أي خطأ ولو كان يسيراً من شأنه أن يعرقل النشاط المهني .

والاعتبارات السابقة وإن كانت لها وجاهتها إلا أنها تفتقر إلى الأساس القانوني السليم وأيضا الأساس المنطقي لفكرة الخطأ فليس في القانون أي تمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير إلا في نطاق التشديد في العقوبة فقط وليس في نطاق التجريم.

ومن ناحية أخرى فإن المشرع الجنائي لا يجرم الخطأ في حد ذاته لما يترتب عليه من نتائج غير مشروعة.

ولذلك فالحد الأدنى للخطأ هو واحد، ومن ثم وجب العقاب متى حقق ضرراً بمصالح حماها المشرع بالنصوص التجريمية.

هذا بالإضافة إلى أنه من الصعوبة بمكان وضع معیار مميز للأخطاء، الفنية والأخطاء المادية الجسيمة والأخطاء البسيطة مع ما يترتب على ذلك من ميوعة في ضوابط التجريم والعقاب.

لذلك كله اتجه القضاء في الآونة الأخيرة واستقر على عدم التمييز بين الخطأ ونبذ التفرقة بين الخطأ الفني وبين الخطأ: المادي وأخضع مسئولية الفنيين للقواعد العامة التي تحكم قيام الخطأ من عدمه.

 الركن الثاني : وفاة إنسان حي :

 إن النتيجة غير المشروعة في جريمة القتل الخطأ تتمثل في إزهاق روح إنسان حي كأثر للسلوك، ويراعى في تحديد مفهوم الإنسان الحي ما سبق بيانه في شأن القتل العمد، إذ أن القتل الخطأ لا يفترق عن القتل العمد في مادياته، ويكفي أن تتحقق الوفاة كأثر للسلوك مهما كانت الوسيلة المستخدمة والآلة المستعملة.

كذلك لا أهمية للشكل الذي تأخذه الإصابة المسببة للوفاة، فقد تأخذي شكل الإصابة الظاهرة على جسم المجني عليه أو الإصابة الداخلية، كما قد تكون نتيجة إعطاء مواد ضارة أو أطعمة فاسدة أو نقل عدوى مرض، وتتوافر علاقة السببية بين السلوك والنتيجة وفقاً للراجح فقهاً وقضاءً متى كان السلوك في الظروف التي بوشر فيها، سواء المعاصرة أو السابقة أو اللاحقة من شأنه أن يؤدي إلى الوفاة وفقاً للمجرى العادي للأمور.

وبعبارة أخرى متى كانت الوفاة نتيجة محتملة للسلوك.

ويلاحظ أن بعض الفقه يذهب إلى أن الضرر الناشئ عن السلوك والمتمثل في الوفاة ليس عنصراً من عناصر الركن المادي للجريمة إنما هو شرط للعقاب، بمعنى أن الجريمة أو الواقعة المكونة لها تقوم فقط على السلوك الخاطئ، ذلك أن الأمر التشريعي ليس هو في حظر التسبب في إحداث الوفاة إنما هو أمر باتخاذ الحيطة والحذر في مباشرة النشاط الفردي.

غير أن الفقه الراجح يرفض هذه الوجهة من النظر ويعتبر النتيجة المتمثلة في الوفاة عنصراً من عناصر الجريمة.

 الركن الثالث : توافر رابطة السببية بين الخطأ والوفاة :

لا يكفي لقيام المسئولية الجنائية عن القتل الخطأ أن يكون السلوك قد ساهم في إحداث النتيجة وهي الوفاة، بل يلزم أن يكون خطأ الجاني هو الذي سبب ذلك، فوفاة المجني عليه إثر اصطدامه بسيارة لا يفيد بالضرورة مسئولية السائق عن القتل الخطأ إنما يلزم أن يكون خطأ السائق هو الذي سبب الوفاة.

ويترتب على ذلك أن المسئولية الجنائية عن القتل الخطأ قد تثبت في حق شخص خلاف الذي تسبب مباشرة في الوفاة مادام خطأ الأول هو الذي حرك سلسلة السببية والتي كان سلوك الثاني فيها مجرد حلقة من حلقاتها دون خطأ منه.

فمن يقود سيارته برعونة فيصطدم بسيارة أخرى فتندفع السيارة الثانية أثر الاصطدام نحو أحد المارة فتقتله، فإن المسئولية عن القتل خطأ يكون قائد السيارة الأولى.

وقد اختلف في تحديد معيار السببية بين الخطأ والوفاة، فذهب البعض إلى تطبيق معيار نظرية تعادل الأسباب والتي وفقاً لها يكون الشخص مسئولاً عن النتيجة متى كان خطؤه أحد العوامل التي ساهمت في إحداثها والتي لولاه لما وقعت.

بينما يذهب الغالب من الفقه والقضاء إلى إعمال معیار نظرية السببية الملائمة والتي وفقا لها تتوافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر متى كان السلوك الخاطئ في الظروف التي بوشر فيها يعتبر سبباً ملائماً لإحداث النتيجة، وهو يكون كذلك متى كانت النتيجة متوقعة ومحتملة وفقاً للمجرى العادي للأمور.

ويتم تقييم ملاءمة السلوك تقييما لاحقاً، أي بعد وقوع النتيجة وليس تقييماً سابقاً.

ومن أجل ذلك استقر قضاء النقض على أنه يكتفي في إثبات رابطة السببية أن يكون السلوك الخاطئ سببا غير مباشر للنتيجة التي حدثت.

 حدود سببية الخطأ المتمثل في مخالفة القوانين والقرارات والأنظمة :

لقد ثار التساؤل: هل تكفي مجرد مخالفة القوانين واللوائح والقرارات والأوامر والأنظمة لكي يتوافر الخطأ غير العمدي ومن ثم المسئولية عن النتيجة المتحققة، أم أن هناك حدوداً معينة ؟

تستفاد الإجابة على هذا التساؤل من كون تلك الصورة للخطأ غير العمدي لا تخرج عن كونها عدم مراعاة ما تمليه قواعد الحيطة والحذر، والتي لم تترك لما تعارف عليه الناس، إنما حددت بنصوص معينة.

ومعنى ذلك أنه لكي يتوفر الخطأ لابد أن تتوافر في القاعدة موضوع المخالفة علاقة سببية بالنتيجة التي تحققت بحيث يستفاد منها أنه لو روعيت تلك القواعد لما تحققت النتيجة.

ذلك أن القواعد التي تفرض نوعا من الاحتياط تجنباً لعدم الإضرار بمصالح الغير، إن كانت في مجموعها تحقق تلك الحماية.

إلا أنه ليس معنى ذلك أن مخالفتها لابد أن تؤدي حتماً إلى وقوع النتيجة غير المشروعة.

ومن ناحية أخرى ليس معنى تحقق النتيجة غير المشروعة أن هناك مخالفة لقواعد الحيطة والحذر المنصوص عليها.

من أجل ذلك يلزم لكي يكون هناك خطأ غير عمدي مرتبط بالنتيجة برابطة سببية أن يكون عدم مراعاة الواجبات المفروضة بالقاعدة هو الذي أدى إلى تحقق النتيجة، وهذا يستفاد من الإجابة على السؤال الآتي : -

هل لو روعيت الواجبات المفروضة بمقتضى القاعدة ما كانت لتتحقق النتيجة ؟ فإذا كانت الإجابة بالإيجاب كان هناك خطأ غير عمدي ومسئولية جنائية عن القتل الخطأ، أما إذا كانت بالنفي فلا يكون بصدد خطأ متمثل في صورة مخالفة القوانين واللوائح والأنظمة .

فلو أن شخصاً قاد سيارة بأزيد من السرعة المقررة قانونا فانطلقت قطعة من الحجارة نتيجة مروره عليها بهذه السرعة فأصابت طفلاً وأحدثت به إصابة أودت بحياته، فهنا نكون بصدد جريمة قتل خطأ يقوم الخطأ فيها على مخالفة القوانين واللوائح التي يستفاد منها أن السير بأزيد من السرعة المقررة هو الذي أدى إلى حدوث الوفاة مادام قد ثبت أن الحادث ما كان ليقع لو التزم السائق بالسرعة المقررة قانوناً .

فلو فرضنا أن الحادث السابق قد وقع ولكن كان السائق ملتزماً بقواعد السرعة المقررة ولكنه كان يسير على يسار الطريق بالمخالفة لقواعد المرور التي تفرض واجب التزام الجانب الأيمن من الطريق، ففي هذه الحالة لا يمكن مساءلة السائق عن النتيجة التي تحققت لمجرد مخالفته لقاعدة من قواعد المرور، ذلك أن القاعدة التي خولفت لم يكن من شأن مراعاتها تفادي وقوع الحادث بهذه الصورة.

ومعنى ذلك أنه إذا كانت الواقعة التي تحققت ستتحقق حتى ولو التزم السائق بما تفرضه هذه القواعد من واجبات فإن الخطأ ينتفي ويتعين للمساءلة الجنائية البحث عن صورة أخرى من صور الخطأ غير العمدي.

وعلى ذلك يمكننا أن نخلص إلى أنه لا تكفي مجرد مخالفة القوانين واللوائح لتقرير المسئولية غير العمدية عن النتيجة المتحققة، وإنما يلزم أن يتحقق الارتباط السببي بين تلك المخالفة وبين ما وقع من نتائج.

ولا يكفي لتقرير هذا الارتباط أن يكون السلوك الذي أتاه الجاني قد ارتبط مادياً بالنتيجة، بل يلزم الارتباط النفسي المتمثل في خطأ الجاني بعدم مراعاته للقواعد التي لو روعيت لما وقعت النتيجة.

فالخطأ لمخالفة القوانين واللوائح لا يتحقق إلا حينما ينطوي على مخالفة الواجبات الحيطة والحذر التي وضعت القاعدة لكفالتها.

من أجل ذلك كله لا نرى التسليم بصحة ما ذهب إليه البعض من أن مجرد مخالفة القوانين واللوائح يكفي لافتراض الخطأ، إذ يلزم أن يكون من شأنه مراعاة القواعد المنصوص عليها تفادي الحادث الناتج عن مخالفتها وكل ما تفيده المخالفة هو أنها تساعد على إثبات الخطأ بإبراز عنصر التوقع.

وغني عن البيان أن مراعاة القوانين واللوائح وإن كانت تنفي صورة الخطأ المتمثل في تلك المخالفة، إلا أنها تنفي إمكان توافر الصور الأخرى للخطأ والمتمثلة في مخالفة القواعد العامة للسلوك والتي تعطي مجالاً للإهمال والرعونة وعدم الاحتراز.

 إثبات الخطأ :

أولاً: الخطأ المتمثل في مخالفة القواعد العامة للسلوك الإهمال - عدم الاحتراز - الرعونة، يتم التثبت من الخطأ غير العمدي في هذه الصور لإثبات عنصرين :

الأول : هو التوقع الممكن.

والثاني : هو مكنة تجنب النتيجة الضارة أو غير المشروعة.

1- التوقع الممكن :

إن التوقع باعتباره عنصراً من عناصر إثبات الخطأ هو من الأهمية بمكان بحيث أدى بالبعض إلى تفريق جوهر الخطأ فيه وحده.

والتوقع هو عنصر إثبات تمليه طبيعة الخطأ غير العمدي باعتباره مخالفة الواجبات الحيطة والحذر، فتلك الواجبات ليس لها من مبرر إلا في علاقتها بالتوقع فإذا لم يكن التوقع ممكناً، فإن واجب الحطية والحذر وغيره من الواجبات المماثلة تفقد مبرر وجودها إذ يرد التكليف بذلك على غير موضوع.

والتوقع الممكن يختلف عن التوقع الفعلي، فالخطأ غير العمدي يتحقق متى كان التوقع ممكناً بغض النظر عن الموقف النفسي للجاني بالنسبة له، فهذا الموقف النفسي يكون له أثره بالنسبة لجسامة الخطأ ودرجته.

وإذا كان التوقع الممكن يؤخذ في الاعتبار بغض النظر عن الموقف النفسي للجاني، فليس معنى ذلك أن معیار توافره عن عدمه هو معیار مجرد، إذ مثل هذا التجريد لا يصلح لإقامة المسئولية الخطيئة في قانون العقوبات : ولكن مكنة التوقع تقاس بمعيار موضوعي مناطه الشخص العادي أو الرجل المتوسط في مثل الظروف التي وجد فيها الجاني، فإذا كانت النتيجة يمكن للشخص العادي، في الظروف التي أحاطت بالجاني وباشر فيها سلوکه أن يتوقعها، فإن العنصر الذي نحن بصدده يكون متوافراً .

أما إذا لم يكن في مكنة الشخص العادي في مثل الظروف التي أحاطت، بالجاني أن يتوقع النتيجة فلا خطأ، إذ يستحيل مؤاخذته بعد ذلك عن إهماله أو عدم احتياطه في تجنب نتائج غير ممكنة التوقع.

وتطبيقاً لذلك حكمت محكمة النقض بأنه إذا كان المتهم وهو عامل بمصلحة السكك الحديدية، قد أهمل في قفل التحويلة الموصلة للمخزن بصهريج غاز فدخل قطار البضاعة من هذه التحويلة المفتوحة على شريط الصهريج فصدمت العربة الخلفية من هذا القطار الصهريج وتصادف وجود المجني عليه تحت الصهريج فبتر جسمه نصفين ومات لوقته فإنه لا يكون مسئولاً عن الوفاة، وذلك لأن استقرار المجني عليه تحت الصهريج والاختفاء عن الأنظار هو في ذاته من الشذوذ الذي لا يرد بالخاطر وغير واجب على المتهم أن يتصوره.

كما قضت بأن نوم المجني عليه على قضبان السكك الحديدية المعدة السير القطارات هو أمر مخالف للمألوف بل للمعقول، لا يمكن أن يرد على بال أي سائق ولا يوجد من واجب يقضي بأن يستمر السائق طوال سير القطار في إطلاقه زمارة ولو لم يكن تحت بصره في طريقه أشخاص أو أشباح، ومن ثم فلا يسأل السائق عن القتل الخطأ.

 2- مكنة تجنب النتائج الضارة :

لا يكفي لإثبات الخطأ غير العمدي توافر التوقع الممكن للنتائج الضارة، ذلك أن جوهر الخطأ ليس هو في التوقع الممكن وعدم التوقع الفعلي، كما يذهب البعض، وإنما يتمثل جوهره في عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تحقق النتائج الداخلة في نطاق التوقع الممكن.

 ومن أجل ذلك يستحيل توافر الخطأ إذا لم يكن ممكناً تجنب النتائج المتوقعة فلا يؤخذ بمعيار شخص مستند إلى ما قدره الجاني فعلاً لتجنب النتائج المتوقعة وإنما يؤخذ بالمعيار الموضوعي المستند إلى الظروف التي أحاطت لسلوكه.

ثانياً : إثبات الخطأ المتمثل في مخالفة القوانين واللوائح والقرارات والأنظمة إن إثبات الخطأ غير العمدي في هذه الصورة لا يخضع للقواعد السابقة، ذلك أنه في الصورة التي نحن بصددها تفرض القاعدة المنصوص عليها السلوك الواجب تحقيقه نظراً لأن تخلفه من شأنه أن يحقق ضرراً غير مشروع بالنسبة للمصالح المحمية جنائياً .

وبعبارة أخرى تفرض تلك القواعد الاحتياطات اللازم اتخاذها والمتمثلة في الالتزام بالسلوك المنصوص عليه فيها، ومفاد ذلك أن مخالفة تلك القاعدة لابد أن يتحقق بها الخطأ غير العمدي.

وعليه، فإذا كان الخطأ المتمثل في الإهمال والرعونة وعدم الاحتياط والمستفاد من عدم مراعاة القواعد العامة للسلوك، يأتي إثباته عن طريق مكنة التوقع مع عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع النتيجة، فالخطأ المتمثل في مخالفة القوانين واللوائح لا يحتاج إلى تلك العناصر في الإثبات.

فإثبات التوقع الممكن لا قيمة له، لأن من يخالف قاعدة السلوك المنصوص عليها ينبغي عليه توقع النتائج التي وجدت القاعدة لتجنبها فالامتثال لتلك القواعد يغني الفرد عن التوقع وعن اتخاذ الوسائل الكافية لمنع تحقق النتيجة، وإذا كان الخطأ المستفاد من عدم مراعاة القواعد العامة للسلوك والمتمثل في الإهمال وغيره يحتاج إلى إثبات بالمقارنة بين التوقع الممكن ومدى تناسب السلوك الذي حققه الجاني فعلاً لتفادي النتيجة الضارة، فإن الخطأ الذي نحن بصدده يعتبر متوافراً دون حاجة إلى إثبات الإهمال أو الرعونة أو عدم الاحتياط، ذلك أن مخالفة القوانين واللوائح تعتبر في حد ذاتها إهمالاً يكفي لتحقيق الخطأ غير العمدي فلإثبات الخطأ في صورة مخالفة القوانين واللوائح يكفي إثبات المخالفة بالسلوك الإرادي الذي أتاه الجاني بالمخالفة لها وعلاقة السببية بينه وبين النتيجة التي حدثت.

 ولكن هل مفاد ما سبق أن الجريمة غير العمدية هنا تقوم على الركن المادي فقط ؟  

فنحن نميل إلى اعتبار الافتراض هنا منصباً على الدليل المثبت للإهمال وعدم الاحتياط والمستفاد من مخالفة قواعد السلوك، بمعنى أن القاضي غير ملزم بالتدليل على توافر الخطأ بوصفه إهمالاً في عدم اتخاذ الحيطة اللازمة، متى كانت هناك مخالفة القواعد السلوك المنصوص عليها، وهذه القرينة المستفادة من المخالفة ليست قاطعة إنما يقع عبء إثبات نفيها على المخالف.

 تزاحم الأسباب وما يثيره من مشاكل في محيط القتل الخطأ :

قد تحدث وفاة المجني عليه نتيجة لأكثر من سلوك خاطئ لأكثر من شخص، ولذلك تثور مشكلة تزاحم الأسباب ومدى تأثيرها على المسئولية، وفي هذا الصدد نفرق بين مساهمة أكثر من شخص في تحقيق الإهمال أو عدم الاحتراز أو مخالفة القوانين واللوائح الذي أدى إلى وفاة وبين مساهمة أكثر من سلوك في تحقيق النتيجة دون وجود أي رابطة معنوية بين مرتكبي هذا السلوك.

ففي الفرض الأول : يتحدث الفقه الراجح عن المساهمة الجنائية في الجريمة غير العمدية.

ومثال ذلك إتفاق أ ، ب على التسابق فيما بينهما في القيادة وانطلاقهما في داخل المدينة كل منهما بسيارته فيصطدم الأول بأحد المارة فيقتله، أو أن يحرض أ السائق ب على السير بأزيد من السرعة المقررة للحاق بالقطار في موعده فيقتل السائق أحد المارة.

ففي هذه الفروض يسأل كل منهما عن القتلى الخطأ سواء بوصف أحدهما فاعلاً أصليا والثاني شريكاً أو بوصفهما فاعلين أصليين حسبما يرى بعض الفقه .

أما في الفرض الثاني : وهو حيث لا يكون هناك أي رابطة نفسية تربط بين الجناة فيما حققه كل منهما بسلوكه فيسأل كل منهما عن القتل الخطأ بوصفها جريمة مستقلة حتى ولو كان القتل قد تحقق بالسلوك المباشر لأحدهما.

ومثال ذلك حالة الصيدلي الذي يبيع مادة سامة بالمخالفة القواعد المقررة في هذا الشأن فيأخذها المشتري إلى بيته ويتركها دون احتياط كاف فيأخذها طفل صغير ويذوقها فيموت، فيسأل كل من الصيدلي والمشتري عن القتل الخطأ بوصفها جريمة مستقلة رغم وحدة النتيجة.

كذلك أيضا في أحوال وقوع النتيجة غير المشروعة بفعل عندي من أحد الجناة مع المساهمة المادية لسلوك الخاطئ، فإننا لا نكون بصدد مساهمة غير عمدية في جريمة عمدية ما دام لا يوجد الربط النفسي أو المعنوي بين سلوك المساهم وسلوك الفاعل الأصلي، كما في حالة الصيدلي الذي يبيع مادة سامة بالمخالفة للقواعد المقررة لشخص غير معروف لديه فيستخدمها في جريمة قتل، وتطبيقاً لذات المبدأ حكمت محكمة النقض الإيطالية بمسئولية الصيدلي عن قتل خطأ في حالة بيعه مادة سامة لشخص بالمخالفة للقواعد المقررة في هذا الشأن فانتحر بها.

كذلك يسأل الشخص عن القتل الخطأ ولو كان سلوكه المباشر الذي حقق القتل غير إرادي ما دام يمكن ربط النتيجة بسلوكه السابق الخاطئ.

ومثال ذلك الأم المصابة بداء الصرع، فتقوم باحتضان طفلها وتنام مع علمها بأن نوبات الصرع يمكن أن تداهمها، وتخنق طفلها فعلا أثناء تلك النوبة.

ولكن يلاحظ أنه في حالة تعدد السلوك الخاطئ من أكثر من شخص وكان هناك تعاقب في الحدوث فيشترط لكي يسأل كل منهما عن القتل الخطأ ألا يكون السلوك الخاطئ اللاحق قد استغرق خطأ الأول، وهو يكون كذلك إذا كان السلوك اللاحق الخاطئ لا دخل لإرادة الأول في حدوثه، وكان كافياً وحده لإحداث النتيجة.

فهذا تنقطع رابطة السببية ويسأل الثاني عن الخطأ، ومثال ذلك إصابة المجني عليه نتيجة حادث سيارة ثم انتقاله إلى المستشفى وموته هناك نتيجة خطأ جسيم وقع فيه الطبيب المعالج.

وكذلك الحال أيضاً إذا أعقب السلوك الخاطئ للجاني حادث فجائي أو قوة قاهرة تسببت مباشرة في إحداث الوفاة كما في مثال الوفاة الناشئة عن حادث وقع لسيارة الإسعاف التي نقلت المصاب إلى المستشفى ومع ذلك فأنصار نظرية تعادل الأسباب يذهبون إلى ثبوت مسئولية محدث الإصابة عر القتل الخطأ حتى في مثل تلك الظروف.

وإذا كان السلوك اللاحق للسلوك الخاطئ لا عقاب عليه لتوافر سبب من أسباب الإباحية أو مانع من موانع المسئولية، فإن ذلك لا يؤثر على قيام رابطة السببية والمسئولية الجنائية لمرتكب السلوك الأول فالمحرض المسئول عن الإشراف والرعاية لشخص مريض بمرض عقلي يسأل عن قتل المريض خطأ إذا أهمل في تلك الرعاية وكان من شأن ذلك أن حاول المريض قتل آخر فقتله المعتدي عليه دفاعاً عن نفسه دفاعاً شرعياً .

كذلك يسأل مرتكب الحريق بإهمال عن جريمة قتل غير عمدية إذا ما حاول أحد المحاصرين بالنيران النجاة بنفسه قتل آخر لإنقاذ نفسه.

وبالنسبة لمساهمة المجني عليه في إحداث النتيجة بسلوكه الخاطئ فإن هذا لا ينفي مسئولية الجاني.

ومثال ذلك قيادة الجاني لسيارته بأزيد من السرعة المقررة قانوناً ومحاولة المجني عليه العبور من غير الطريق المخصص لعبور المشاة وترتب ذلك حدوث التصادم الذي أودي بحياة المجني عليه لعدم تمكن الجاني من الوقوف في اللحظة المناسبة نظراً للسرعة، ولكن إذا استغرق خطأ المجني عليه خطأ الجاني فلا مسئولية على الأخير نظراً لانتفاء رابطة السببية بين خطئه وبين النتيجة.

ومثال ذلك تعمد المجني عليه تسوي الإصابة ليحصل على مبلغ أكبر من التعويض، وحدوث الوفاة نتيجة لسلوكه العمدي اللاحق.

كذلك أيضاً اندفاع المجني عليه لعبور الطريق دون نظر إلى السيارات القادمة ينفي مسئولية السائق الذي يسير ملتزماً بقواعد المرور إلا أنه لم يستخرج رخصة القيادة بعد.

ولكن إذا كان خطأ المجني عليه تسبب فيه ثالث فإن المسئولية تقع على هذا الأخير.

ومثال ذلك اندفاع سائق السيارة بأزيد من السرعة المقررة مما أفزع المجني عليه الذي أراد تفادي السيارة المسرعة فأسرع في عبوره للجانب الآخر من الطريق دون أن يلتفت إلى السيارات القادمة من الاتجاه العكسي فصدمته أحداهما، ففي هذه الحالة يسأل السائق الأول عن القتل الخطأ.

عقوبة القتل الخطأ

العقوبة المقررة للقتل الخطأ البسيطة :

 حددت المادة 238 / أ عقوبة القتل الخطأ البسيط بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وبذلك حدد المشرع الحد الأدنى للحبس بستة أشهر تاركاً حده الأقصى العام وهو ثلاث سنوات ويجوز بالحبس والغرامة معاً، كما يجوز الاكتفاء بإحدى هاتين العقوبتين.

 العقوبة المقررة للقتل الخطأ المشدد :

شرع المشرع عقوبة القتل الخطأ في حالتين :

الأول : استند فيها إلى توافر ظروف تجسم من درجة المسئولية

والثانية : استند فيها إلى درجة جسامة الضرر، وذلك على الوجه الآتي :

أولاً : الظروف التي من شأنها تجسيم درجة المسئولية :

نصت المادة 2/ 238 على أن تكون العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين، وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته، أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.

ويقصد بالإخلال الجسيم بأصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة عدم مراعاة الأصول الأولية التي يتعين على الرجل المتوسط في مثل ظروف الجاني أن يراعيها عند مباشرة الوظيفة أو المهنة أو الحرفة.

وبالنسبة لظروف ارتكاب الخطأ والجانى متعاط مسكراً أو مخدراً فيكفي التوافره إثبات تتناول المسكر أو المخدر، ولو لم يكن الجاني في حالة سكر أو تخدير لبعض ملكاته أو مكناته.

أما الظرف الخاص بنكول الجاني عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له فيفترض أن المجني عليه لم يمت مباشرة من الحادث وأن الجاني كان في مكنته مساعدته بنقله إلى أقرب مستشفى أو على الأقل طلب المساعدة له من الجهات المختصة عن طريق الإبلاغ، ولذلك لا يتوافر الظرف المشدد إذا هرب الجاني من مكان الحادث خوفا من البطش به من أهل المجني عليه وقام بالإبلاغ في أقرب مستشفى أو نقطة شرطة.

 ثانياً : التشديد المستند إلى درجة جسامة الضرر:

 نصت المادة 3/ 238 على أن تكون العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنوات إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص.

فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة، وهي الإخلال الجسيم بما تفرضه أصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة أو كان الجاني وقت ارتكاب الحادث متعاطياً مسكراً أو مخدراً أو نكل عن مساعدة المجني عليهم أو أحدهم أو طلب المساعدة لهم مع تمكنه من ذلك فإن العقوبة تكون الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن عشر سنين. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني،  الصفحة:  92 )

 

الخطأ المتمثل في مخالفة اللوائح :

تتميز هذه الصورة من صور الخطأ بأنها تأتي نتيجة مخالفة الجاني القواعد مفروضة بمقتضى اللوائح. وتعبير اللوائح هنا يتسع ليشمل القوانين واللوائح والأوامر والأنظمة.

حدود الخطأ المتمثل في مخالفة القوانين واللوائح :

هل تكفي مجرد مخالفة القوانين واللوائح لكي يتوافر الخطأ غير العمدي، أم أن هناك حدودا معينة ؟

إن الإجابة على التساؤل السابق تستفيد من كون تلك الصورة للخطأ غير العمدي لا تخرج عن كونها عدم مراعاة ما تمليه قواعد الحيطة والحذر، والتي لم تترك لما تعارف عليه الناس، وإنما حددت بنصوص معينة ومعنى ذلك أنه لكي يتوافر الخطأ لا بد أن تتوافر في القاعدة موضوع المخالفة علاقة سببية بالنتيجة التي تحققت يستفاد منها أنه لو روعيت تلك القواعد لما تحققت النتيجة ذلك أن القواعد التي تفرض نوعاً من الاحتياط تجنباً لعدم الإضرار بمصالح الغير، وإن كانت في مجموعها تحقق تلك الحماية، إلا أنه ليس معنى ذلك أن مخالفتها لا بد أن تؤدي حتماً إلى وقوع النتيجة غير المشروعة ومن ناحية أخرى ليس معنى تحقق النتيجة غير المشروعة أن هناك مخالفة لقواعد الحيطة والحذر المنصوص عليها. ومن أجل ذلك يلزم لكي يكون هناك خطأ غير عمدي أن يكون عدم مراعاة الواجبات المفروضة بالقاعدة هو الذي أدى إلى تحقق النتيجة وهذا يستفاد من الإجابة على السؤال التالي : هل لو روعيت الواجبات بالإيجاب كان هناك خطأ غير عمدي أما إذا كانت بالنفي فلا نكون بصدد خطأ متمثل في صورة مخالفة القوانين واللوائح.

وعلى ذلك يمكننا أن نخلص باطمئنان إلى أنه لا يكفي مجرد مخالفة القوانين واللوائح التقرير المسئولية غير العمدية عن النتيجة المتحققة، وإنما يلزم أن يتحقق الارتباط السببي بين تلك المخالفة وبين ما وقع من نتائج ولا يكفي لتقرير هذا الارتباط أن يكون السلوك الذي أتاه الجاني قد ارتبط مادياً بالنتيجة، بل يلزم الارتباط النفسي المتمثل في خطأ الجاني بعدم مراعاته للقواعد التي لو روعيت لما وقعت النتيجة فالخطأ لمخالفة القوانين واللوائح لا يتحقق إلا حينما ينطوي على مخالفة تواجبات الحيطة والحذر التي وضعت القاعدة لكفالتها.

ومن أجل ذلك كله لا نرى التسليم بصحة ما ذهب إليه البعض من أن مجرد مخالفة القوانين واللوائح يكفي لافتراض الخطأ إذ يلزم أن يكون من شأن مراعاة القواعد المنصوص عليها تفادي الحادث الناتج عن مخالفتها وكل ما تفيده المخالفة في حد ذاتها هو أنها تساعد على إثبات الخطأ بإبراز عنصر التوقع كما سنرى.

وغني عن البيان أن مراعاة القوانين واللوائح وإن كانت تنفي صورة الخطأ المتمثل في تلك المخالفة، إلا أنها لا تنفي إمكان توافر الصور الأخرى للخطأ والمتمثلة في مخالفة القواعد العامة للسلوك والتي تعطي مجالاً للإهمال والرعونة وغير ذلك من الصور.

إثبات الخطأ المتمثل في مخالفة القواعد العامة للسلوك الإهمال عدم الاحتياط.

الرعونة:

إن الخطأ غير العمدي في هذه الصورة يتم التثبت منه عن طريق عنصرين: الأول: هو التوقع الممكن والثاني: هو مكنة تجنب النتيجة الضارة أو غير المشروعة.

 أولاً - التوقع الممكن :

إن التوقع باعتباره عنصرا من عناصر إثبات الخطأ هو من الأهمية بحيث أدى بالبعض إلى تفريد جوهر الخطأ فيه وحده.

والتوقع هو عنصر إثبات تمليه طبيعة الخطأ غير العمدي باعتباره مخالفة لواجبات الحيطة والحذر فتلك الواجبات ليس لها من مبرر إلا في علاقتها بالتوقع. فإذا لم يكن التوقع ممكناً، فإن واجب الحيطة والحذر والإنتباه وغير ذلك من الواجبات، لا يمكن تطلبه، إذ يعتبر تكليفاً غير ذي موضوع.

والتوقع الممكن يختلف عن التوقع الفعلي. فالخطأ غير العمدي يتحقق متى كان التوقع ممكنا بغض النظر عن الموقف النفسي للجاني بالنسبة له فهذا الموقف النفسي يكون له أثره في جسامة الخطأ ودرجته وعلى ضوء ذلك هناك خطأ غير عمدي مع التبصر، وهو يتحقق حيث يتوقع الجاني فعلاً النتيجة غير المشروعة وهو ما يطلق عليه أيضاً الخطأ الواعي أما إذا كان الجاني ثم يتوقع النتيجة ولكن كان في مكنته أن يتوقعها فإننا نكون بصدد أدنى درجات الخطأ وهو الخطأ غير الواعي أو بدون تبصر.

وإذا كان التوقع الممكن يؤخذ في الاعتبار بغض النظر عن الموقف النفسي للجاني، فليس معنى ذلك أن معيار توافره من عدمه هو معيار مجرد أي يفهم بإمكان مجرد عن الظروف التي بوشر فيها السلوك إذ مثل هذا التجريد لا يصلح لإقامة المسئولية الخطئية في قانون العقوبات ولكن مكنة التوقع تقاس بمعيار موضوعي مناطه الشخص العادي أو الرجل المتوسط في مثل الظروف التي تواجد فيها الجاني، فإذا كانت النتيجة غير المشروعة يمكن للشخص العادي، في مثل ظروف الجاني والظروف التي أحاطت بسلوكه، أن يتوقعها، فإن العنصر الذي نحن بصدده يكون متوافران أما إذا لم يكن في مكنة الشخص العادي، في مثل الظروف التي أحاطت بالجاني، أن يتوقع النتيجة فلا خطأ، إذ يستحيل مؤاخذته بعد ذلك عن إهماله أو عدم احتياطه في تجنب نتائج غير ممكنة التوقع.

 ثانياً - مكنة تجنب النتائج الضارة أو غير المشروعة :

لا يكفي لإثبات الخطأ غير العمدي توافر التوقع الممكن النتائج غير المشروعة. ذلك أن جوهر الخطأ ليس هو في التوقع الممكن وعدم التوقع الفعلي، كما يذهب البعض، وإنما يتمثل جوهره في عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تحقق النتائج الداخلة في نطاق التوقيع الممكن، ومن أجل ذلك يستحيل توافر الخطأ إذا لم يكن ممكناً تجنب النتائج المتوقعة ولا يؤخذ بنفش أيضاً بمعيار شخصي مستند إلى ما قدره الجاني فعلاً لتجنب النتائج المتوقعة، وإنما يؤخذ بالمعيار الموضوعي المستند إلى الظروف التي أحاطت بسلوكه. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث،  الصفحة :  383)

القتل خطأ هو القتل الذي يرتكبه الجاني بغير أن يقصد أحداث الموت ولكنه يكون في وسعه تجنبه إذا تصرف باحتياط وحذر فالفرق بينه وبين القتل عمداً ينحصر في أن القائل عمدا يستخدم إرادته في إحداث الموت أما القاتل خطأ فلا يستخدم إرادته في تجنب الموت ويجمعها أن الفعل المسبب للموت فعل إرادي في الحالتين.

وتعتبر جريمة القتل الخطأ من الجرائم المادية لا الشكلية لأنها جريمة حدث ضار يتمثل في إصابة المجنى عليه بقتل والشروع في الجريمة غير متصور لأنه من غير الممكن أن يشرع إنسان في قتل لا يقصد أصلاً أحداثه حتى يقال أنه شارع في تحقيقه وكذا فإن الإشتراك في الجريمة غير متصور كذلك لأنه لا يمكن أن ينسب إلى إنسان الاتفاق أو التحريض أو المساعدة العمدية على حدث غير متصور أصلاً منه أو ممن تحقق هذا الحدث نتيجة لسلوكه.

 أركان الجريمة :

 الجريمة القتل الخطأ أركان ثلاثة يجب توافرها وهي :

 الأول : فعل مادى وهو القتل.

 الثاني : خطأ ينسب إلى الجاني.

 الثالث : رابطة السببية بين الخطأ وبين القتل.

وفيما يلي تفصيل لازم لكل ركن :

الركن الأول : فعل مادي وهو القتل :

لابد لتطبيق المادة 238 عقوبات من قتل إنسان أي أن النتيجة في القتل الخطأ هي وفاة المجني عليه ومن ثم فلا يتصور أن لهذه الجريمة شروع كما سبق ومفاد ذلك أن القانون لا يقيد إلا بالنتيجة المادية وهي وفاة المجنى عليه أما إذا أدى الفعل إلى ما دون ذلك من مساس بسلامة جسم المجني عليه اقتصرت مسئولية الجاني عن إصابة خطأ.

 الركن الثاني : خطأ ينسب إلى الجاني :

الخطأ هو الركن المميز للجريمة المنصوص عليها في المادة 238 عقوبات فإذا انعدم الخطأ فلا عقاب مطلقاً ويكون الفعل عارضاً أي حادث بالقضاء والقدر ومتى كان الفعل عارضاً فلا يمكن أن يعد جريمة ويوجد الخطأ كلما ترتب على فعل أو ترك إرادي نتائج لم يردها الفاعل مباشرة ولا بطريق غير مباشر ولكنه كان في وسعه تجنبها فإذا لم يكن للإرادة دخل في حدوث القتل فلا يمكن نسبة الفعل لأحد ويكون الحادث عارضاً ومن ثم لا يمكن أن يعاقب محدث القتل إلا إذا كان آهلاً للإرادة لأنه لما كان الغرض من العقوبة هو الردع كان شرط توقيعها هو المسئولية والإنسان بصفة عامة أهل لتحمل المسئولية الجنائية بشرط أن يكون قد وصل إلى السن المناسبة وأن يكون سليم العقل فالأطفال والمجانين لا يقعون تحت طائلة العقاب حتى في حالة القتل أو الجرح خطأ .

والخطأ غير العمدي يتحدد وفقا لمعيار موضوعي واقعی ويتكون من عنصرين الأول العنصر الموضوعي وهو مطابقة سلوك الجاني المستوى الحيطة والحذر الذي يسلكه الشخص المعتاد والثاني العنصر الواقعي أو الشخصي ويتمثل في الظروف الشخصية التي تحيط بالجاني سواء ما تعلقت بحالته الصحية وسنة ودرجة تعليمه وذكائه وخبرته في المهنة التي يقوم بها ظروف الزمان والمكان التي تحيط به ويقول رأي آخر أن الخطأ غير العمدي هو إخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وعدم حيلولته تبعاً لذلك دون أن يقضي تصرفه إلى حدوث النتيجة الإجرامية (وفاة المجني عليه) في حين كان في استطاعته ومن واجبه وقيل في تعريف آخر أنه التصرف الذي لا يتفق مع الحيطة التي تتطلبها الحياة الاجتماعية كما قيل بأنه كل فعل أو ترك إرادی تترتب عليه نتائج لم يردها الفاعل مباشرة ولا بطريق غير مباشر ولكنه في وسعه تجنبها.

ويتضح من ذلك أن جوهر الخطأ غير العمدي هو إخلال بالتزام عام يفرضه الشارع وهو الإلتزام بمراعاة الحيطة والحذر والحرص على الحقوق والمصالح التي يسميها القانون وهذا الإلتزام ذو شقين:

الأول : موضوعه اجتناب التصرفات الخطرة أو مباشرتها وفق أسلوب معين يكفل تجريدها من خطرها أو حصره في النطاق الذي يرخص به القانون.

والثاني: موضوعه التبصر بأثار هذه التصرفات فإن كل منها ما يمس الحقوق والمصالح التي يحميها القانون يتعين بذل الجهد للحيولة دون هذا المساس ويفترض هذا الإلتزام في شقيه استطاعة الوفاء به فلا التزام إلا بمستطاع فالقانون لا يفرض من أساليب الاحتياط والحذر إلا ما كان مستطاعاً ولايفرض التبصر بآثار الفعل والحيلولة دونها إلا إذا كان ذلك في وسع الفاعل.

 صور الخطأ :

أورد المشرع المصرى صور الخطأ في المادة 238 عقوبات فذكر أنها الإهمال والرعونة وعدم الاحتراز وعدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة والراجح أن صور الخطأ وردت على سبيل الحصر بيد أنها بهذا التنويع الشامل تتسع لقبول كافة صور الخطأ غير العمدي المعاقب عليه والقانون رغم تعداد صور الخطأ ورغم ما استعمله من عبارات متعددة لا يستلزم إلا معنى واحد فيها جميعاً هو تحقق التقصير .

وتوافر صورة من صور الخطأ أو عدم توافرها مسألة يقدرها القاضي ويهتدي في تقديره بمقياس الرجل العادي في الحياة واضعا نصب عينه الظروف المختلفة التي تحيط بالواقعة سواء تعلقت بها بذاتها أو بشخص الجاني أو المجني عليه .

وفيما يلي تفصيل لكل صورة من صور الخطأ الواردة بالمادة 238 عقوبات.

1 - الإهمال :

يتميز الإهمال بأنه يشمل الحالات التي يقف فيها الجاني موقفاً سلبياً ويغفل عن اتخاذ الاحتياط الذي يوجبه الحذر والتبصر بالعواقب ويعرفه البعض بأنه عدم توافق بين سلوك الجاني والقواعد الاجتماعية التي تحدد السلوك الذي يتطلبه الحذر مثال ذلك من يترك كلبه العقور بغير قيد ولا كمامة فيتسرب إلى الطريق العام ويعقر أحد المارة أو أن تترك الأم طفلها الصغير بمفرده بجوار موقد الغاز المشتعل فيحترق ويموت أو أن يترك المالك منزله الآيل للسقوط بدون إصلاح ولا يقوم بتنبيه السكان إلى ما به من خلل فيسقط المنزل ويؤدى إلى وفاة السكان أو إلا يبادر حارس مجاز السكة الحديدية إلى تحذير المارة في الوقت المناسب وتنبيههم إلى قرب مرور القطار ويتراخي في إغلاق المجاز من ضفتيه ولا يستعمل المصباح في التحذير مما أدى إلى وقوع الحادث أو أن يبدأ سائق سيارة الأوتوبيس في السير دون أن يتأكد من دخول ركاب السلم الأمامي إلى داخل السيارة مما أفضى إلى سقوط أحدهم ووفاته.

وخلاصة ذلك أن المراد بالإهمال هو إغفال الجاني اتخاذ احتياط يوجبه الحذر وتمليه الخبرة الإنسانية العامة " على من كان في مثل ظروفه ففي هذه الصورة يتخذ الخطأ مظهراً سلبياً " يتمثل في ترك أو امتناع عن اتخاذ الحيطة اللازمة.

 2- الرعونة :

يراد بالرعونة سوء التقدير ففي هذه الصورة لا يقدر الفاعل كنه ما يفعله ولايدري أن عمله أو تركه الإرادي يمكن أن تترتب عليه النتيجة التي كان السبب في حدوثها ويفهم من هذا أن سوء التقدير إما أن يكون أمراً مادياً راجعاً إلى الخفة وسوء التصرف كفعل من يقلم أشجاراً على جانب طريق عام فيسقط منه فرع أحد السابلة ويصيبه وفعل من ينقل أحجاراً فيسقط منه حجر ويصيب إنساناً وأما أن يكون سوء التقدير أدبياً وراجعاً إلى جهل الفاعل وعدم كفاءته ويدخل في ذلك جهل أصحاب المهن كالمهندسين والمقاولين والأطباء والجراحين والصيادلة والمولدين والدايات والقاعدة التي يسترشد بها في هذا الصدد هي أن الأشخاص الذين يمارسون مثل هذه المهن إذا تسببوا في موت أحد أو أصابته بمرض لجهلهم ما كان لا يسوغ لهم أن يجهلوه في مهنتهم يرتكب خطأ يستوجب مسئوليتهم أمام القضاء الجنائي.

 3- عدم الاحتراز :

عد الاحتراز هو إقدام الشخص على أمر كان يجب عليه الامتناع عنه فهو الصورة التي يتخذ الخطأ فيها مظهره في نشاط إيجابي يتسم بعدم الحذر وتدبر العواقب ولكنه كالإهمال من حيث أنه إخلال بالتزام من التزامات الحيطة التي تستمد من الخبرة الإنسانية العامة ومن أمثلة عدم الاحتراز أن يضع مراكبى في زورقه عدداً من التلاميذ فوق حمولتها فتغرق بهم في النيل وأن يسلم أب إلى ولده الصغير الذي لم يبلغ العاشرة عجلاً له إعتاد على النطح فيفلت زمامه من الصبي ويقتل أحد الناس وأن يسير سائق بعربته على يسار الطريق مخالفاً ما هو متعارف عليه من أن الجهة اليسرى من الطريق يجب إخلاؤها لمن يكون قادماً من الطريق العكسي فيصدم إنساناً ويقتله والكمساري الذي يعطي سائق القطار الراكب فيتسبب بعدم احتياطه في سقوطه وإصابته.

 4- عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة :

وهذه صورة مستقلة من صور الخطأ فيعد الجانی مسئولاً عما يقع بسببها من نتائج ولو لم يتوافر بذلك صورة أخرى من صور الخطأ السابقة ولذلك يطلق على هذه الصورة من الخطأ تعبير " الخطأ الخاص " تمييزاً له عن " الخطأ العام" الذي يتسع لسائر صورة وقد استعمل المشرع عبارة " القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة " لكل يحيط بجميع النصوص التي تقرر القواعد العامة للسلوك سواء صدرت من السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية أم من جهة خاصة مادامت تلك سلطة إصدارها فإذا لم يقم أحد عمال منجم باتباع تدابير الأمن الموضوعية للمحافظة على سلامة المنجم وترتب على ذلك وفاة أحد الأشخاص فإنه يعد مسئولاً عن القتل الخطأ لعدم مراعاة الأنظمة .

ويلاحظ أن مجرد مخالفة النصوص ليس كافياً لمسالة المتهم عن القتل أو الإيذاء وإنما يجب أن تتحقق عناصر الخطأ وأن تتوافر سائر الأركان الأخرى للجريمة بما في ذلك علاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة وبعبارة أخرى فإن مخالفة النصوص هي مجرد صورة من صور الخطأ وهي لا تعني عن وجوب توافر عناصره من ناحية أخرى فإن قيام المتهم بإقامة الدليل على أنه لم يخالف القوانين واللوائح لا ينهض دليلاً على نفي الخطأ عنه فقد تتوافر إحدى صور الخطأ الأخرى ذلك لأن انتفاء الخطأ الخاص لايعني بالضرورة انتفاء الخطأ العام.

 الخطأ المشترك :

من المقرر في القانون الجنائي أنه يصح أن يقع حادث القتل الخطأ أو الإصابة الخطأ بناء على خطأين من شخصين مختلفين كما يصح أن يكون الخطأ الذي أدى إلى وقوع الحادث مشتركاً بين المتهم والمجنى عليه فلا ينفي خطأ أحدهما مسئولية الآخر كما أن الأصل أن خطأ المجنى عليه لا يسقط مسئولية المتهم مادام هذا الخطأ لم يترتب عليه انتفاء الأركان القانونية لجريمة القتل الخطأ أو الإصابة الخطأ المنسوبة إلى المتهم .

على أنه يحدث أحياناً أن يصل خطأ المجنى عليه إلى الدرجة التي تجعله كافياً بذاته لإحداث النتيجة ولا يكون لخطأ المتهم بجواره أي أثر .

وتقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافرها من المسائل الموضوعية وأن الأصل أن خطأ المضرور لايرفع مسئولية المسئول وإنما يخففها من هذا الأصل إلا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور هو العامل الأولى في أحداث الضرر الذي أصابه وأنه بلغ من الجسامة درجة بحيث يستغرق خطأ المسئول.

 الخطأ المادي والخطأ الفني :

المقصود بالخطأ المادي هو الإخلال بالإلتزام المفروض على الناس كافة باتخاذ العناية اللازمة عند القيام بسلوك معين أو إتيان فعل ما لتجنب ما قد يؤدي هذا السلوك من نتيجة غير مشروعة وبعبارة أخرى فإن الخطأ المادي هو الخطأ الذي تحكمه الواجبات العامة للحيطة والحذر التي تحكم نشاط جميع الأفراد.

أما الخطأ الفنى فالمراد به هو ما يصدر من رجال الفن كالأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين والقضاة من خطأ متعلق بأعمال مهنهم.

وقد ثار البحث بوجه خاص بشأن الأطباء ولكنه يسري أيضاً على جميع أصحاب المهن الفنية والجاري عليه العمل في القضاء هو أن إباحة عمل الطبيب ( أو ذوي الأعمال الفنية) مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقاً للأصول الفنية المقررة فإذا فرط في اتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله مهما كان الخطأ يسيرا ومعيار الشخص المعتاد هو الذي يطبق على رجل الفن أو المهنة فيصبح رجل الفن المعتاد هو المقياس أو الضابط في تقدير الخطأ فإذا كان المتهم قد سلك ما كان يسلكه في مثل موقفه رجل الفن المعتاد المتوسط العناية والحذر لم يكن عليه مأخذ أما إذا خالف سلوك هذا الشخص فإنه يكون مخطأ ويميل أغلب الفقه إلى هذا الرأي .

الركن الثالث : رابطة السببية بين الخطأ والقتل :

لا يكفي لإدانة شخص في جريمة القتل أن يثبت وقوع القتل وحصول خطأ من المتهم بل لابد أن يكون بين الضرر الواقع والخطأ المرتكب رابطة السببية وهذا ما يستفاد من نص المادة 238 عقوبات إذ تقول " من تسبب خطأ في موت… " ورابطة السببية الواجب توافرها في هذه الجريمة هي علاقة السبب بالمسبب بحيث لا يمكن أن يتصور وقوع الضرر لو لم يقع الخطأ.

وليس من الضروري أن يقع القتل مباشرة من الجاني وبفعله المادي لأن القانون لم يوجب ذلك بل عاقب كل من تسبب خطأ في موت شخص آخر ويكفي القيام علاقة السببية في جرائم القتل الخطأ أن يكون القتل مسبباً من نوع من أنواع الخطأ المبينة في المادة 238 عقوبات سواء أكانت السببية مباشرة أم غير مباشرة مادام لا يمكن تصور حدوث الضرر لو لم يقع الخطأ.

وقد يقع القتل بسبب عدة عوامل أسهمت كلها في تحقق النتيجة مثال ذلك أن تصدر عدة أفعال من متهمين مختلفين ويكون مسلك كل منهم مشوباً بالخطأ أو أن يسهم خطأ المجنى عليه مع خطأ المتهم في تحقيق النتيجة وقد جرى قضاء محكمة النقض على أنه لا ينفي علاقة السببية في القتل والإيذاء الخطأ ثمة عوامل أخرى من شأنها أن تساعد على حدوثه ولايجدى المتهم محاولة إشراك متهم آخر في الخطأ الذي انبنى عليه وقوع الحادث إذ الخطأ المشترك بفرض قيامه لايخلى الطاعن من المسئولية وأن تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مسئولية كل من أسهم فيها أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه ويستوي في ذلك أن يكون سبباً مباشرة أو غير مباشر في حصوله.

الحادث الفجائي والقوة القاهرة :

من المقرر قانوناً أن المسئولية تنتفي بالحادث الفجائي والقوة القاهرة لأنه متى وجدت القوة القاهرة و توافرت شرائطها في القانون كانت النتيجة محمولة عليها وانقطعت علاقة السببية بينها وبين الخطأ وامتنعت المسئولية عن المتهم إلا إذا كان خطؤه بذاته جريمة وقد اختلف فقهاء القانون في تعريف الحادث الفجائي والقوة القاهرة فيرى فريق منهم أن الحادث الفجائي يقترن بالسلوك الإنساني مؤدياً إلى نتيجة لم تكن لتقع بدون هذا الحادث أما القوة القاهرة فإنها تستخدم السلوك الإنساني كأداة لحدوث النتيجة فهي قوة خارجية لا يملك لها دفعا وأنه وإن كان الحادث الفجائي يتفق مع القوة القاهرة من حيث أنهما يستبعدان المسئولية الجنائية فإنهما يختلفان من حيث أن الحادث الفجائي يتحقق عندما يستحيل على الفاعل توقع النتيجة فهو لا يمحو الإرادة ولكنه يجردها من الخطأ بينما القوة تتوافر عند الضغط على إرادة الفاعل إلى حد إعدامها فالإرادة عندئذ لا توصف بأنها غير ثمة وإنما توصف بأنها غير موجودة.

ويرى فريق آخر أن المقصود بالقوة القاهرة والحادث الفجائي وهما مترادفان الحادث الذي لا يمكن توقعه ويستحيل دفعه فيلزم توافر الشرطين معاً في الحادث الذي يعتبر كذلك وينظر في توافرهما فيه بمعيار موضوعي هو معيار الرجل العادي في مثل ظروف المسئول بحيث يكون الحادث غير ممكن التوقع بالنسبة إليه مع ملاحظة أنه لا يمنع من ذلك سبق وقوعه إذا كان من الندرة بحيث لا يقوم سبب خاص لتوقع حدوثه وبحيث يكون الحادث نفسه كذلك مستحيل الدفع استحالة مطلقة سواء بالنسبة إلى شخص المسئول أو بالنسبة للرجل العادي في مثل ظروفه ويستوي بعد ذلك أن تكون الاستحالة مادية أو معنوية كما قيل بأن الرأي الراجح يذهب إلى أن كافة محاولات التمييز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ لاتقوم على أساس صحيح ولذلك لا يصح التمييز بينهما فكلاهما عبارة عن حادث غير ممكن التوقع ومستحيل الدفع ومن أمثلة القوة القاهرة والحادث الفجائي هبوب عاصفة اقتلعت الأشجار وأعمدة التليفونات بالمنطقة وتسبب في قلب مركب في النيل وغرق ركابها أو أن يصاب قائد السيارة بإغماء مفاجئ يفقده السيطرة على عجلة القيادة ويصدم إنساناً أو أن يصاب فجأة بعمي الألوان فيحسب الضوء الأحمر أنه أخضر وينطلق بسيارته فيصيب أحد المارة وتنتفي علاقة السببية بين خطأ المتهم والنتيجة إذا أمكن رد النتيجة إلى القوة القاهرة أو الحادث الفجائي.

العقوبة :

قررت المادة 238 عقوبات للقتل الخطأ في صورته البسيطة عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

1- إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته :

ويشترط لقيام هذه الظروف قانوناً أن يكون الجاني موظفاً أو صاحب مهنة أو حرفة تحكمها قواعد فنية وعلمية مستقرة حتى يمكن وقوع الإخلال من جانبه بأصول مهنته أو حرفته أو وظيفته فإذا لم يكن الجاني من هؤلاء أو كان منهم ولكن الخطأ الذي وقع منه لم يكن إخلالاً بأصول وظيفته أو حرفته وإنما كان إخلالاً بالواجب العام الذي تفرضه قواعد الخبرة العامة لا الفنية والتي يلتزم بها الناس كافة فإن هذا الظرف لا يقوم قانوناً.

كما يشترط أن يكون الخطأ الواقع من المتهم جسيماً وجسامة الخطأ أمر يترك تقديره لقاضي الموضوع وهو يتحقق عادة إذا كان الخطأ قد وقع بالمخالفة القاعدة أولية متعارف عليها بين أصحاب الوظيفة أو المهنة أو الحرفة التي ينتمي إليها الجاني ولا يجهلها أو يتخطاها أقلهم خبرة بأصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة.

2 - إذا كان الجاني وقت ارتكاب القتل متعاطياً مسكراً ومخدراً :

جعل المشرع من ارتكاب الجاني للخطأ الذي أسفر عن الحادث وهو في حالة تعاطي المسكر أو مخدر ظرفاً مشدداً هذا وأن كون تعاطي المادة المخدرة بذاته جريمة مستقلة - ذلك لقيام الاحتمال بأن تؤدى به هذه الحالة إلى عدم تبصر بعواقب تصرفاته وثبوت التعاطی رهین بوقائع الدعوى.

3 - النكول عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة :

هذا السبب وهو نكول الجاني وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك ينطبق كسابقة في كل صور الخطأ وعلة التشديد أن الجاني يضيف إلى خطئه الذي قامت به الجريمة والذي أدى إلى الحادث خطأ آخر لاحقاً بامتناعه عن مساعدة المصاب من الجريمة في الحال أو عن طلب المساعدة والنجدة له مع تمكنه من ذلك وهو التزم اجتماعی تولد في عنقه من فعله الإجرامي فإذا نكل الجاني عن الوفاء به مع قدرته عليه استأهل التشدد في عقابه ويلاحظ في تقديره تمكن الجاني من المساعدة أو طلبها أن يكون النظر إلى حالته هو وإلى ظروفه المختلفة من خارجية به وداخلية.

والعقوبة عند أحد هذه الأسباب هي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولاتزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولاتجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وقررت المادة ظرفاً مشدداً آخر يرفع العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص بل قد زاد في رفع العقاب إذا ما توافر هذا الظرف الأخير مع واحد من الظروف الثلاثة السابق الإشارة إليهم. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث،  الصفحة: 381)

 المقصود بالخطأ غير العمدي

يتحدد الخطأ غير العمدي وفقاً لمعيار موضوعي واقعي. وعلى هذا الأساس فإنه يتكون من عنصرين :

الأول : العنصر الموضوعي، وهو عدم مطابقة سلوك الجاني لمستوى الحيطة والحذر الذي يسلكه الشخص المعتاد، كقيادة السيارة ليلاً في مكان مليء بالضباب الكثيف أو زيادة السرعة في المدينة أو عند منحنيات في الطرق على نحو يعرض المارة للخطر، وتناول الخمر إلى درجة السكر قبل قيادة السيارة ووفقاً لهذا العنصر يتحدد الركن المادي في جريمة الخطأ غير العمدي.

الثاني : العنصر الواقعي (أو الشخصي) ويتمثل في الظروف الشخصية التي تحيط بالجاني، سواء ما تعلقت بحالته الصحية وسنة ودرجة تعليمه وذكائه وخبرته في المهنة التي يقوم بها أو ظروف الزمان والمكان التي تحيط به إذ لا معنی القياس الخطأ غير العمدي وفقا للظروف العادية المجردة ووفقاً لهذا العنصر يتحدد الركن المعنوي في جريمة الخطأ غير العمدي.

أنواع الخطأ غير العملية

قسم الفقه الخطأ غير العمدي إلى نوعين: الخطأ مع التوقع والخطأ بغير توقع ويتحقق الخطأ مع المتوقع إذا توقع الجاني النتائج غير المشروعة لسلوكه وحسب أنه في الإمكان تجنبها، دون أن يسلك سلوكاً يؤدي إلى تفادي وقوعها ويحظر في هذه الحالة أن يتوافر لدى الجاني نوع من الإهمال فمثلاً قد يتوقع الجراح الذي يجري العملية إحتمال وفاة المريض، إلا أنه لا يمكن مساءلته عن الوفاة إذا هو إستمر في مباشرته للعملية، متى كان هذا السلوك أمراً معتدلاً وعلة ذلك أن الخطأ غير العمدي يقوم على معيار موضوعي واقعي أي يجمع بين الجانبين الموضوعي والشخصي فيتعين النظر إلى عقل المتهم لتحديد ما إذا كان الرجل العادي المعقول إذا توافر لديه التوقع الذي دار في ذهن هذا المتهم، سوف يستمر في سلوكه على النحو الذي فعله هذا الأخير، فإذا لم يكن الأمر كذلك توافر الخطأ غير العمدي مع التوقع.

أما الخطأ بغير توقع فيتحقق إذا لم يتوقع الشخص أن سلوكه قد يؤدي إلى تحقيق هذه النتائج غير المشروعة، مع أنه كان يجب عليه وفي إمكانه أن يتوقعها.

صور الخطأ غير العمدي :

قد بينت المادة التي نحن بصددها على سبيل المثال عدة أوصاف للخطأ غير العمدي بلغت حداً كبيراً من الإحاطة والشمول بحيث تتسع لكافة صور الخطأ غير العمدي، وهي: الرعونة، عدم الإحتياط والتحرز، و الإهمال والتفريط وعدم الإنتباه والتوقي، وعدم مراعاة واتباع اللوائح.

وسوف نوجز فيما يلي معنى كل من هذه الصور:

1) الرعونة :

يراد بها أن يقوم الجاني بنشاط محفوف بالأخطار دون أن يتوقع أو يتنبه إلى النتائج الضارة التي سوف تنجم عنه، كمن يقطع فرع شجرة فيصيب أحد المارة، أو من يضع طفلاً على حافة سور فيسقط على الأرض، أو يقود سيارة وهو غير ملم بالقيادة إلماماً كافياً وتندرج تحت هذه الحالة الأخطار المهنية التي تتم عن جهل الجاني بالمبادئ الأولية لمباشرة مهنته.

فتتوافر الرعونة في مسلك الطبيب الذي يجري عملية جراحية خلافاً للأصول الثابتة في فن الطب، كإجراء عملية جراحية على قدر من الخطورة في عيادته الخاصة برغم ما تستلزمه هذه الجراحة من إستعدادات يتطلبها الفن الطبي ويخصص لإجرائها أحد المستشفيات.

 2) عدم الاحتياط والتحرز :

ويتحقق عدم الإحتياط والتحرز إذا كان الجاني قد توقع الأخطار التي قد تترتب على عمله إلا أنه مضى في عمله دون أن يتخذ الوسائل الوقائية بالقدر اللازم لدرء هذه الأخطار، مثال ذلك من يقود سيارته بسرعة لا تتفق مع الزمان والمكان والظروف المحيطة بالحادث، وقائد السيارة الذي ينحرف بالسيارة من جهة إلى أخرى دون احتياط والمراكبي الذي يحمل عددا من الركاب داخل القارب بشكل يفوق تحمل القارب فيغرق.

 3) الإهمال والتفريط وعدم الإنتباه :

ويراد بالإهمال والتفريط وعدم الإنتباه حالة ما إذا نكل الجاني عن إتخاذ ما يقتضيه واجب الحيطة والتبصر لتفادي حصول النتائج الضارة، وهي وإن تشابهت مع حالة عدم الإحتياط والتحرز في هذا المعنى إلا أنها تختلف عنها في أن الأولى تتمثل في عمل إيجابي يمضي فيه الجاني دون مراعاة ما يجب اتخاذه من أساليب الوقاية بخلاف هذه الحالة فإنها تتمثل في صورة إذا اتخذ الجاني موقفاً سلبياً، فلم يقم بما من شأنه الحيلولة دون وقوع الضرر، مثال ذلك من يقيم أرجوحة في الطريق للعب الأطفال ولا يحيطها بسياج ليحمي المارة منها فتؤدي إلى إصابة أحد المارة ثم وفاته، ومن يترك حفرة دون أن يضع عليها مصباحاً ليلاً أو ينبه الجمهور مما أدى إلى سقوط أحد المارة بها ووفاته.

4) علم مراعاة اللوائح والقوانين :

أما عدم مراعاة اللوائح فهو سبب قائم بذاته يتحقق بمخالفة ما تنص عليه القوانين واللوائح أو التعليمات أو أوامر الرؤساء مثال ذلك عدم إتباع لائحة السكة الحديد فيما توجبه من أسبقية المرور للقطارات.

إلا أن توافر الخطأ دائماً بمخالفة القوانين واللوائح لا يعني قيام الجريمة غير العمدية بل لابد من توافر علاقة السببية بين الخطأ والنتيجة فمثلاً إذا ثم ثبت أن سبب الوفاة يرجع إلى خطأ المجني عليه وحده فإن علاقة السببية لا تكون متوافرة ولا يسأل المتهم إلا عن جريمة قيادة السيارة بدون رخصة فقط .

وغني عن البيان أن القانون لا يتطلب أن يقع الخطأ الذي يتسبب عنه الوفاة بجميع صوره التي أوردها، بل يكفي لوقوع الجريمة أن تتوافر صورة واحدة منها.

 الخلاصة :

يبين من استقراء جميع الصور السابقة أن الخطأ غير العمدي يتحقق إذا توافر أحد أمرين :

1) ألا يتوقع الجاني النتائج الضارة التي تنجم عن فعله وفقا للمجرى العادي للأمور - وتندرج تحت صورة الرعونة، ويسمى الخطأ في هذه الحالة بالخطأ بغير توقع.

2) أن يتوقع الجاني الأخطار التي تحدث بفعله إلا أنه لا يكف عن الإستمرار فيفعله أو لا يباشر ما يجب أن يتخذ الشخص العادي (العاقل) في مثل هذه الظروف من سبل الوقاية للحيلولة دون حدوث الضرر وتتدرج تحتها صور (عدم الإحتياط والتحرز)، (الإهمال والتفريط وعدم الإنتباه)، ويسمى الخطأ مع التوقع.

أما عدم مراعاة اللوائح فقد تندرج تحت أي من هذين الأمرين إذا تضمنت إحدى صور الخطأ غير العمدي، والا فأنها تعتبر وحدها بذاتها خطأ غير عمدي دون تطلب أي عنصر آخر.

 الخطأ المادي والخطأ المهني :

میز البعض بين الخطأ الفني والخطأ المادي، بالنسبة إلى القواعد التي يتحدد الخطأ بالنسبة إليها فقيل بأنه بالنسبة إلى القواعد التي تحكم أصول المهن الفنية والقواعد التي تحكم واجبات أصحاب هذه المهن فإن الخطأ في تطبيقها يعتبر خطأ مادياً.

ويبدو الخطأ في النشاط في صور شتى، كالخطأ في حوادث العمل، والخطأ في أعمال البناء والأشغال العامة، والخطأ في أعمال الصناعة والترميم، والخطأ في ممارسة المهن الطبية والصيدلية وهذا التمييز ليست له أهمية قانونية.

العوامل المؤثرة في المسئولية عن الخطأ :

أهم العوامل التي تؤثر في المسئولية عن الخطأ غير العمدي، خطأ المجني عليه، والخطأ المشترك بين المتهم وغيره. ونفرق بين خطأ المجني عليه، والخطأ المشترك بين متهمين أو أكثر لنبين أثر كل منهما على مسئولية المتهم عن الوفاة.

 أولاً : خطأ المجني عليه :

القاعدة أن خطأ المجني عليه لا ينفي لذاته خطأ المتهم، أو بعبارة أخرى أن خطأ المجنى عليه لا يجب المتهم فقد تكون وفاة المجني عليه راجعة إلى خطأ المتهم وخطأ المجني عليه، لكن مسئولية المتهم عن الوفاة تظل قائمة، طالما كان خطأ المجني عليه عاملاً عادياً مألوفة كان في استطاعة المتهم ومن واجبه أن يتوقعه ويتوقع الوفاة التي ساهم خطأ المجني عليه في إحداثها ففي هذه الأحوال لا يؤثر خطأ المجني عليه على مسئولية المتهم عن الوفاة التي تظل قائمة مثال ذلك أن يهمل المجني عليه في علاج نفسه أو يتراخى في ذلك.

لكن إذا كان خطأ المجني عليه على درجة من الغرابة والشذوذ، بحيث لم يكن في إستطاعة الشخص العادي توقعه أو تفادي الوفاة التي نجمت عنه، فإن المتهم لا يسأل عن هذه الوفاة التي لم يكن في استطاعته توقعها، ومن ثم لم يكن من الواجب عليه توقيعها، لأنه لا التزام بمستحيل وفي هذه الحالات يمكن القول بأن خطأ المجني عليه قد استغرق خطأ المتهم، وقطع رابطة السببية بينه وبين الوفاة التي حدثت، والتي لا يمكن نسبتها إلا إلى خطأ المجني عليه وحده.

وتقدير خطأ المجنى عليه لتحديد ما إذا كان من شأنه أن يقطع رابطة السببية، وينفي خطأ المتهم أو لم يكن من شأنه ذلك، هو من الأمور التي يختص بها قاضي الموضوع في ضوء الوقائع التي تحقق فيها نشاط المجني عليه، وينبغي أن يحدد القاضي في حكمه نوع الخطأ الذي صدر من المجني عليه، ومدى مساهمته في إحداث النتيجة، فلا يكفي أن يقرر الحكم أن المجني عليه قد أسهم في الخطأ، دون بيان موقف المجني عليه وسلوكه وأثر ذلك في قيام ركن الخطأ ورابطة السببية.

ثانياً : خطأ متهم آخر :

إذا كانت وفاة المجني عليه راجعة إلى تعدد الأخطاء، فالقاعدة أن كل من ساهم بخطئه في الوفاة يكون مسئولاً عنها، دون أن يؤثر ذلك في مسئولية غيره فمن الجائز أن تحدث النتيجة التي يعاقب عليها القانون بناءاً على خطأ مشترك بين المتهم وغيره، ولا يعني ذلك أن خطأ أحدهما ينفي مسئولية الآخر، وإنما يعد كل من ساهم في إحداثها فاعلاً أصلياً في جريمة القتل الخطأ، وليس شريكاً مع المتهم الآخر، لأنه لا إشتراك في الجرائم غير العمدية.

 إثبات الخطأ الموجب للمسئولية عن القتل غير العمدي لا تقوم المسئولية الجنائية إلا على أساس خطأ شخصي، يتعين إثباته تطبيقاً لمبدأ شخصية المسئولية الجنائية.

وتكلف سلطة الإتهام بإثبات قيام الخطأ في حق المتهم بإقامة الدليل على إهماله أو رعونته أو عدم تحرزه، أو تثبت مخالفته القوانين واللوائح والقرارات والأنظمة، كما تثبت توافر علاقة السببية بين الخطأ وبين وفاة المجني عليه فإذا لم يثبت الخطأ في جانب المتهم، وجب الحكم ببراعته، ولا يكلف المتهم بإثبات أنه لم يخطئ.

ويجب على محكمة الموضوع أن تبين في حكمها وجه الخطأ في سلوك المتهم إذا أدانته بتهمة القتل الخطأ، لأن الخطأ هو الركن المعنوي في جريمة القتل غير العمد، وبدون توافره تكون الوفاة قضاء وقدراً ولا توجب مسئولية أحد عنها.

ولا رقابة لمحكمة النقض على الوقائع التي استخلص منها قاضي الموضوع ثبوت الخطأ في حق المتهم، لكن محكمة النقض تراقب سلامة الإستدلال من هذه الوقائع على توافر الخطأ أو عدم توافره، لأن القول بوجود الخطأ أو إنتفائه وفقاً للقانون، أي تكييف ما صدر عن المتهم بأنه خطأ موجب لمسئوليته عن الوفاة، يعد تكييفه قانونياً يخضع لرقابة محكمة النقض.

عقوبة القتل غير العمد

 حددت الفقرة الأولى من المادة التي نحن بصددها عقوبة القتل غير العمد في صورته البسيطة، ونصت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة ذاتها على ظروف نشيد فيها عقاب القتل غير العمد.

 أولاً : عقوبة القتل غير العمد في صورته البسيطة :

الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر والغرامة التي لا تتجاوز مائتي جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين وقد وضع المشرع حداً أدني لعقوبة الحبس هو ستة أشهر، وهو يزيد عن الحد الأدني العام، حتى لا ينزل القاضي بعقوبة الحبس إلى حدها الأدني العام الذي لا يتناسب مع جسامة الجريمة، وقد أدت إلى إهدار حياة بشرية أما الغرامة فقد اكتفى المشرع بوضع حد أقصي لها هو مائتي جنيه، تاركة حدها الأدنى دون تعديل.

لكن العقوبة على هذا النحو تبدو لنا منتقدة، فحدها الأمني في الحبس ستة شهور، لأن المشرع قيد هذا الحد فيما يتعلق بالحبس وحده دون الغرامة لكن النص يسمح مع ذلك بالحكم بإحدى هاتين العقوبتين، وهو ما يعني أن القاضي يمكنه أن يحكم بالغرامة وحدها، وفي حدها الأدنى العام فإذا وضعنا في الحسبان جسامة النتيجة التي أفضى إليها خطأ المتهم، وكونها تتمثل في إهدار حياة بشرية، أدركنا عدم تناسب العقوبة مع جسامة الجريمة. وهذا الأمر ينبغي تداركه عند تعديل قانون العقوبات، فيرفع الحسد الأدنى للغرامة، ويكون الجمع بينهما وبين الحبس وجوبياً.

 ثانياً : الظروف المشددة لعقوبة القتل غير العمد :

حددت هذه الظروف، وبينت أثرها في التشديد، الفقرتان الثانية والثالثة من المادة التي نحن بصددها، وقد أضيفت هذه الظروف بمقتضى القانون رقم 120 لسنة 1962 كما رأينا، حتى يتناسب عقاب الجريمة مع جسامة النتيجة التي أفضى إليها خطأ الجاني ولا شك في أن جسامة الضرر الذي سببته الجريمة له دلالة كاشفة عن جسامة الخطأ الذي أدى إليه كما أن بعض الظروف المشددة يرجع مباشرة إلى درجة جسامة الخطأ ذاته وأخيراً فإن بعض هذه الظروف يرجع إلى إجتماع جسامة الخطأ وجسامة الضرر.

 أ) الظروف التي ترجع إلى جسامة الخطأ :

الظروف ثلاثة هي : الخطأ المهني الجسيم، والسكر أو التخدير، والنكول عن مساعدة المجني عليه فإذا توافر أحد هذه الظروف، كان كافياً لتشديد عقوبة القتل غير العمد لتصير الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد عن خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين ونلاحظ الحبس والغرامة، مما يعني أن عقوبة الجريمة في هذه الصورة المشددة يمكن أن تكون الغرامة مائة جنيه فقط ، وهو ما يبدو لنا منتقدان .

(ب) الظرف الذي يرجع إلى جسامة الضرر:

يشدد المشرع عقاب القتل غير العمد بالنظر إلى جسامة النتيجة التي تحققت، وهذا النوع من التشديد مستحدث في القانون المصري بالقانون رقم 120 لسنة 1962 ولم يأخذ به المشرع في القتل العمد، بينما أقره في القتل غير العمد وتتحدد جسامة النتيجة الإجرامية بعدد ضحايا الحادث فإذا نشأ عن خطأ المتهم وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، توافر الظرف المشدد ويفسر هذا التشديد بجسامة الضرر الذي لحق بالمجتمع من وفاة أكثر من ثلاثة بخطأ واحد.

ويترتب عنی توافر هذا الظرف أن تصير العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين ويعني ذلك أن عقوبة الحبس تكون وجوبية، فلم ينص المشرع على الغرامة في حالة توافر هذا الظرف المشيد.

 (ج) تعدد الظروف المشددة :

إذا إجتمع ظرف من الظروف التي تشدد العقاب لجسامة الخطأ مع ظرف التشديد الراجع إلى تعدد ضحايا الحادث، كما لو كان المتهم متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكاب الخطأ الذي نجم عنه الحادث، وأسفر الحادث عن وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، كانت العقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة ولا تزيد على عشر سنين فالحبس وجوبي، ولا وجود لعقوبة الغرامة في هذه الحالة وسبب التشديد هنا أن الخطر على درجة عالية من الجسامة، وقد تأكدت جسامته بفداحة الأضرار التي ترتبت عليه لكننا نلاحظ أن المشرع لم يحرك الحد الأدنى للحبس عند إجتماع جسامة الخطأ مع جسامة الضرر، وإنما إكتفى برفع الحد الأقصى لعقوبة الحبس ونعتقد أنه كان من الملائم مراعاة جسامة الجريمة التي تأكدت بخطأ جسيم أسفر عن ضرر جسيم، عن طريق رفع الحد الأدنى لعقوبة الحبس لأكثر من سنة، حتى لا يكون الحكم بالحد الأدنى للحبس- كما هو الحال في الوضع الحالي - تمهيداً لوقف تنفيذ العقوبة، في جريمة على درجة كبيرة من الخطورة.  (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 448)

 

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني  ، الصفحة / 24

الدِّيَةُ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ:

يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ تَكُونُ مُؤَجَّلَةً لِمُدَّةِ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ، يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَيَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، وَقَدْ قَالَ هَذَا أَيْضًا عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَقَدْ عَزَاهُ الإْمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إِلَى قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  وَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ الإْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 254 ، 255 ،  244 ، 31 

(مادة 520) 

يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه كل من تسبب بخطئه في موت إنسان . 

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ، ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف الآتية : 

1- إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة التي يزاولها بالفعل . 

2- إذا وقعت الجريمة والجاني تحت تأثير مسكر أو مخدر أو عقار تناوله عن حرية وإختيار . 

3- إذا نكل الجاني عن مساعدة المجني عليه ، أو عن طلب المساعدة له مع قدرته على ذلك .

4- إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل . 

(مادة 522)

 كل شخص يلتزم برعاية آخر عاجز عن أن يحصل لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه، أو حالته الصحية أو العقلية، أو بسبب تقييد حريته، سواء كان منشأ التزامه القانون أو الاتفاق أو فعل مشروع امتنع عمداً عن القيام بالتزامه، وأفضى ذلك إلى موت المجني عليه أو إصابته - يعاقب بحسب قصده ودرجة الإصابة بالعقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (515)، (516)، (517) من هذا القانون. 

 فإذا كان الامتناع عن خطأ يعاقب على حسب الأحوال بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين (520)، (521) من هذا القانون . 

(مادة 503) 

يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه كل من إمتنع بدون عذر عن تقديم العون لأحد رجال السلطة ، عند حصول غرق أو حريق أو أية كارثة أخرى . 

ويعاقب بذات العقوبة كل من إمتنع بدون عذر عن إغاثة ضحية في حادثة أو كارثة ، أو مجني عليه في جناية أو جنحة . 

وتضاعف العقوبة إذا كان الممتنع عن تقديم المساعدة أو العون أحد رجال السلطة العامة أو أحد المكلفين بخدمة عامة ، أو أحد الموظفين العامين، متى كان تقدیم المساعدة أو العون يدخل في واجبات عمله . 

 (مادة 18) 

تنتفي رابطة السببية بين السلوك والنتيجة، إذا توافر سبب کاف بذاته لإحداث النتيجة. 

وفي هذه الحالة تقتصر مسئولية الشخص عن سلوكه إذا كان معاقباً عليه مستقلاً عن النتيجة.     

(مادة 19) 

يتوافر العمد إذا ارتكب الجاني السلوك الإجرامي بإرادته وعلمه وبنية إحداث نتيجته، ولا عبرة في توافر العمد بالباعث على ارتكاب الجريمة، إلا إذا نص القانون على غير ذلك.

 ويتحقق العمد أيضاً إذا توقع الجاني التيجة لسلوكه، فأقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها. 

 (مادة 20)

 يتوافر الخطأ غير العمدي إذا أتى الجاني السلوك دون تعمد إحداث نتيجته، وذلك على نحو لا يصدر عن الشخص المعتاد في مثل ظروفه، عند إتيانه السلوك أو لم يتوقعها، بينما كان على الشخص المعتاد في مثل ظروفه أن يتوقعها. ـ

الجرائم الواقعة على الأشخاص 

الفصل الأول 

المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه 

المواد من (510) - (529): 

أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي : 

١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب،  أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) . 

وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة . 

2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة. 

3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح. 

4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع . 

والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل . 

5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .

6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .

7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر . 

واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .

8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع . 

9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم . 

10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع . 

الإمتناع عن الإغاثة 

المادة (503) : 

تناول القانون القائم الإمتناع أو الإهمال في أداء أعمال مصلحة أو بذل مساعدة ، وأثم ذلك على من كان قادراً عليها عند طلب ذلك من جهة الإقتضاء في حالة حدوث صياح أو غرق أو فيضان أو حريق أو نزول مصائب عمومية ، وكذلك في حالة قطع الطريق والنهب أو التلبس بجريمة أو ضجيج عام ، أو في حالة تنفيذ أمر أو حكم قضائي ، ولما تنطوي عليه جريمة الإمتناع عن الإغاثة مع التمكن والقدرة على خطر عام ، فقد أدخلها المشروع کفصل في الباب السابع الخاص بالجرائم ذات الخطر والضرر ، ونص الفقرة الأولى من المادة (503) من المشروع مستمد عامة من نص المادة (386) من القانون القائم ، مع حذف الكثير من التفصيلات إكتفاءً بعموم النص ، ويعاقب المشروع بعقوبة الجنحة من إمتنع بدون عذر عن تقديم العون لأحد رجال السلطة العامة عند حصول غرق أو حريق أو أية كارثة أخرى ، ولم ير المشروع أن يورد الحالات التي تعد كارثة ، تاركاً الأمر إلى القضاء ، مراعاة لظروف الزمان والمكان وما يلابس ذلك ، أما الفقرة الثانية من المادة فهي تعاقب بذات العقوبة السابقة من إمتنع بدون عذر عن إغاثة ضحية في حادث أو كارثة ، أو مجني عليه في جناية أو جنحة . 

والفقرة الثالثة من المادة مستحدثة ؛ إذ هي تضاعف العقوبة إذا كان الممتنع عن تقديم المساعدة أو العون أحد رجال السلطة العامة ، أو أحد المكلفين بخدمة عامة ، أو أحد الموظفين العامين، متى كان تقديم المساعدة أو العون يدخل في واجبات أعمال هؤلاء المذكورين ، فإن لم يكن يدخل في واجبات أعمالهم ، كان حكمهم حكم سائر الأفراد ممن لا تتوافر فيهم هذه الصفات. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السابع ، الصفحة / 166

الْخَطَأُ:

الْخَطَأُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ: مَا قَابَلَ الصَّوَابَ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ: مَا قَابَلَ الْعَمْدَ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ بِهِ فِي عَوَارِضِ الأْهْلِيَّةِ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: فِعْلٌ يَصْدُرُ مِنَ الإْنْسَانِ بِلاَ قَصْدٍ إِلَيْهِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ أَمْرٍ مَقْصُودٍ سِوَاهُ.

وَالْخَطَأُ لاَ يُنَافِي الأْهْلِيَّةَ بِنَوْعَيْهَا؛ لأِنَّ الْعَقْلَ مَوْجُودٌ مَعَهُ، وَالْجِنَايَةُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ، وَلِذَا يُؤَاخَذُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَلاَ تُقَدَّرُ الْعُقُوبَةُ فِيهِ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا بِقَدْرِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ الَّذِي أَدَّى إِلَى حُصُولِهَا.

وَالْخَطَأُ يُعْذَرُ بِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا اجْتَهَدَ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ، وَاعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْعُقُوبَةَ عَنِ الْمُخْطِئِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَلاَ يُعْتَبَرُ الْخَطَأُ عُذْرًا فِيهَا، وَلِذَا فَإِنَّ الْمُخْطِئَ يَضْمَنُ مَا تَرَتَّبَ عَلَى خَطَئِهِ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ تَلَفٍ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحُ: (خَطَأٍ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 236

الْقَتْلُ بِالزِّحَامِ:

ذَهَبَ الأْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ: أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَزَاحَمَ قَوْمٌ عَلَى بِئْرٍ، أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ، أَوْ فِي الطَّوَافِ، أَوْ فِي مَضِيقٍ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَلَى قَتِيلٍ لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ لَوْثًا، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي دِيَتِهِ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ دِيَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُتِلَ رَجُلٌ فِي زِحَامِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَجَاءَ أَهْلُهُ لِعُمَرِ فَقَالَ: بَيِّنَتُكُمْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: لاَ يُطَلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، إِنْ عَلِمْتَ قَاتِلَهُ، وَإِلاَّ فَأَعْطِ دِيَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: دَمُهُ هَدَرٌ؛ لأِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ لَهُ قَاتِلٌ، وَلاَ وُجِدَ لَوْثٌ فَيُحْكَمَ بِالْقَسَامَةِ، لأِنَّ أَسْبَابَ الْقَسَامَةِ عِنْدَهُمْ خَمْسَةٌ. وَلَيْسَ فِيهَا التَّفَرُّقُ فِي الزِّحَامِ عَنْ قَتِيلٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لَوْثًا، وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ فِيمَنْ مَاتَ فِي الزِّحَامِ: دِيَتُهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ لأِنَّ قَتْلَهُ حَصَلَ مِنْهُمْ، وَكَذَا لَوْ تَزَاحَمَ قَوْمٌ لاَ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ فِي مَضِيقٍ، وَتَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ، فَادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى عَدَدٍ مِنْهُمْ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ فَيُقْبَلُ، وَيُمَكَّنُ مِنَ الْقَسَامَةِ.

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ التَّزَاحُمَ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ: فِي حَالِ تَعَذُّرِ مُتَابَعَةِ الْمَأْمُومِ لِلإْمَامِ فِي انْتِقَالاَتِهِ لِلزَّحْمَةِ.

وَفِي بَابِ التَّفْلِيسِ: إِذَا ظَهَرَ دَيْنٌ بَعْدَ حَجْرِ الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ أَوْ طَرَأَ الْتِزَامٌ مَالِيٌّ جَدِيدٌ.

وَفِي الطَّوَافِ: إِذَا عَسُرَ عَلَيْهِ اسْتِلاَمُ الْحَجَرِ أَوْ تَقْبِيلُهُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والعشرون ، الصفحة / 48

الْقَتْلُ الْخَطَأُ

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ. فَكُلُّ مَنْ قَتَلَ إِنْسَانًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُهَادَنًا، وَجَبَتِ الدِّيَةُ، لقوله تعالي : ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:  ( وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ).

وَدِيَةُ الْخَطَأِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي مُؤَجَّلَةً فِي ثَلاَثِ سِنِينَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ.

وَدَلِيلُ تَأْجِيلِهَا كَمَا قَالَ الْكَاسَانِيُّ: إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَضَى بِذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ خَالَفَهُ أَحَدٌ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا.

حِكْمَةُ وُجُوبِ دِيَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ:

الأْصْلُ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي نَفْسِهِ؛ لأِنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ الْقَتْلُ، وَأَنَّهُ وُجِدَ مِنَ الْقَاتِلِ، وَلاَ يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ لقوله تعالي : ( وَلاَ تَزِرُوَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وَلِهَذَا لَمْ تَتَحَمَّلِ الْعَاقِلَةُ ضَمَانَ الأْمْوَالِ وَدِيَةَ الْعَمْدِ. لَكِنَّهُ تَرَكَ هَذَا الأْصْلَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَبِفِعْلِ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبُهُوتِيُّ: إِنَّ جِنَايَاتِ الْخَطَأِ تَكْثُرُ، وَدِيَةُ الآْدَمِيِّ كَثِيرَةٌ، فَإِيجَابُهَا عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ يُجْحِفُ بِهِ، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِيجَابَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ وَالإْعَانَةِ لَهُ تَخْفِيفًا.

وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: فِي حِكْمَتِهِ: إِنَّ حِفْظَ الْقَاتِلِ وَاجِبٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَحْفَظُوا فَقَدْ فَرَّطُوا، وَالتَّفْرِيطُ مِنْهُمْ ذَنْبٌ.

وَيَدْخُلُ الْقَاتِلُ فِي تَحَمُّلِ دِيَةِ الْخَطَأِ مَعَ الْعَاقِلَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي مِثْلَ أَحَدِهِمْ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْحَنَابِلَةِ كَمَا سَيَأْتِي.

وَفِي بَيَانِ الْمُرَادِ مِنَ الْعَاقِلَةِ، وَتَحْدِيدِهَا، وَكَيْفِيَّةِ تَحْمِيلِهَا الدِّيَةَ، وَمِقْدَارُ مَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنَ الدِّيَةِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عَاقِلَة).

وَدِيَةُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ دِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ، وَلاَ تُغَلَّظُ فِي أَيِّ حَالٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حَيْثُ قَالُوا بِتَغْلِيظِهَا فِي ثَلاَثِ حَالاَتٍ:

1 - إِذَا حَدَثَ الْقَتْلُ فِي حَرَمِ مَكَّةَ، تَحْقِيقًا لِلأْمْنِ.

2 - إِذَا حَدَثَ الْقَتْلُ فِي الأْشْهُرِ الْحُرُمِ، أَيْ ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ.

3 - إِذَا قَتَلَ الْقَاتِلُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَهُ. فَفِي هَذِهِ الْحَالاَتِ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ؛ لِمَا رَوَى مُجَاهِدٌ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَضَى فِيمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، أَوْ فِي الأْشْهُرِ الْحُرُمِ، أَوْ مَحْرَمًا بِالدِّيَةِ وَثُلُثِ الدِّيَةِ. وَلاَ تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي الْقَتْلِ فِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تُغَلَّظُ؛ لأِنَّهَا كَالْحَرَمِ فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ فَكَذَلِكَ فِي تَغْلِيظِ الدِّيَةِ.

أَمَّا تَغْلِيظُ الدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ فَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ، مَعَ بَيَانِ مَعْنَى التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ فِي الدِّيَةِ.

وَتَجِبُ الدِّيَةُ مِنْ صِنْفِ الْمَالِ الَّذِي يَمْلِكُهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الإْبِلِ تُؤَدَّى فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً اتِّفَاقًا. وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ: فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: هِيَ مِنْ بَنِي الْمَخَاضِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ أَيْضًا. لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَقَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «فِي دِيَةِ الْخَطَأِ: عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ ذَكَرٍ.» (رَاجِعْ بَيَانَ هَذِهِ الأْنْوَاعِ مِنَ الإْبِلِ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا).

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا فِي الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ: هِيَ مِنْ بَنِي اللَّبُونِ، وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَرَبِيعَةَ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  وَدَى الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ بِمِائَةٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ. وَلَيْسَ فِيهَا ابْنُ مَخَاضٍ».

وَالدِّيَةُ مِنَ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، أَمَّا مِنَ الْوَرِقِ (الْفِضَّةِ) فَهِيَ عَشَرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ مِقْدَارِ الدِّيَةِ.

 

تَدَاخُلُ الدِّيَاتِ وَتَعَدُّدُهَا:

الأَصْلُ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ وَإِتْلاَفِ الأْعْضَاءِ أَوِ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ إِذَا لَمْ تُفِضْ إِلَى الْمَوْتِ. فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ مَعًا وَلَمْ يَمُتِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ تَجِبُ دِيَتَانِ.

وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَعَقْلَهُ وَجَبَ ثَلاَثُ دِيَاتٍ، وَهَكَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ رَمَى آخَرَ بِحَجَرٍ فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَبَصَرُهُ وَسَمْعُهُ وَكَلاَمُهُ فَقَضَى فِيهِ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ وَهُوَ حَيٌّ؛ لأِنَّهُ أَذْهَبَ مَنَافِعَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا دِيَةٌ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ دِيَاتُهَا كَمَا لَوْ أَذْهَبَهَا بِجِنَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.

أَمَّا إِذَا أَفَضَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى الْمَوْتِ فَتَتَدَاخَلُ دِيَاتُ الأْطْرَافِ وَالْمَعَانِي فِي دِيَةِ النَّفْسِ فَلاَ تَجِبُ إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ.

- وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الأْصْلِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ إِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا الْبُرْءُ وَالاِنْدِمَالُ وَكَانَتْ مِنْ جَانٍ وَاحِدٍ تَتَدَاخَلُ مَعَ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ.

فَإِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً قَبْلَ الْبُرْءِ لاَ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَذَلِكَ إِذَا قَطَعَ سَائِرَ أَعْضَائِهِ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ سَرَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى الأْطْرَافِ إِلَى النَّفْسِ فَمَاتَ مِنْهَا.

كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَتَدَاخَلُ الأْعْضَاءُ فِي مَنَافِعِهَا، وَالْمَنَافِعُ فِي الأْعْضَاءِ إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِ الْمَحَلِّ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَمْ بِدَفَعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، إِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا الْبُرْءُ. فَإِذَا قَطَعَ أَنْفَهُ وَأَذْهَبَ شَمَّهُ لاَ تَجِبُ إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا أَذْهَبَ بَصَرَهُ ثُمَّ فَقَأَ عَيْنَيْهِ لاَ تَجِبُ إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَكَذَا. وَسَوَاءٌ أَحَصَلَتِ الْجِنَايَتَانِ مَعًا أَمْ بِالتَّرَاخِي بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ.

وَهَذَا إِذَا اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَالأْطْرَافِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ فِي الأْطْرَافِ بِالْقَطْعِ وَإِتْلاَفِ الْمَعَانِي فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَى الْجِنَايَتَيْنِ انْدِمَالٌ.

وَإِذَا طَرَأَ الْبُرْءُ وَالاِنْدِمَالُ بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ عَلَى الأْطْرَافِ، أَوْ عَلَى طَرَفٍ وَمَعْنًى مِنْ نَفْسِ الطَّرَفِ تَتَعَدَّدُ الدِّيَاتُ. فَإِذَا قَطَعَ أَنْفَهُ وَانْدَمَلَ ثُمَّ أَتْلَفَ شَمَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ. وَإِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ إِلَى النَّفْسِ وَانْدَمَلَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَهَكَذَا.

أَمَّا إِنِ اخْتَلَفَتِ الْجِنَايَةُ صِفَةً، بِأَنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَمْدًا وَالأْخْرَى خَطَأً، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْجِنَايَتَيْنِ وَاحِدًا، وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى طَرَفٍ أَوْ مَعْنًى لَكِنَّهَا سَرَتْ إِلَى طَرَفٍ أَوْ مَعْنًى آخَرَ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفُرُوعٍ أُخْرَى مِنْ نَوْعِهَا خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ، بَيَانُ ضَوَابِطِهِ فِيمَا يَلِي:

- يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: مَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً فَبَرِئَتْ يَدُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَبَرَأَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالأْمْرَيْنِ جَمِيعًا.

جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ: الأْصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلأْوَّلِ لأِنَّ الْقَتْلَ فِي الأْعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ إِلاَّ أَنْ لاَ يُمْكِنَ الْجَمْعُ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الأْوَّلَيْنِ لاِخْتِلاَفِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ وَفِي الآْخَرَيْنِ لِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ، وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ وَقَدْ تَجَانَسَا بِأَنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يَجْمَعُ بِالإْجْمَاعِ لإِمْكَانِ الْجَمْعِ وَاكْتُفِيَ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَقَالَ الْمُوصِلِيُّ الْحَنَفِيُّ: مَنْ شَجَّ رَجُلاً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ؛ لأِنَّ الْعَقْلَ إِذَا فَاتَ فَاتَتْ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الأْعْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إِذَا شَجَّهُ فَمَاتَ، وَأَمَّا الشَّعْرُ فَلأِنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ سَقَطَ الأْرْشُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ بِفَوَاتِ جَمِيعِ الشَّعْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَشُلَّتْ يَدُهُ .

وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلاَمُهُ لَمْ تَدْخُلْ، وَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ ذَلِكَ، لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَضَى فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ؛ وَلأِنَّ مَنْفَعَةَ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الأْعْضَاءِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لاَ تَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الأْعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ، بِخِلاَفِ الْعَقْلِ فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ تَتَعَدَّى إِلَى جَمِيعِ الأْعْضَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلاَمِ دُونَ الْبَصَرِ؛ لأِنَّ السَّمْعَ وَالْكَلاَمَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَاعْتَبَرَهُ بِالْعَقْلِ، أَمَّا الْبَصَرُ فَأَمْرٌ ظَاهِرٌ فَلاَ يُلْتَحِقُ بِهِ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْجِنَايَةُ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ، وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ، دَخَلَ الأْقَلُّ فِيهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ لاَ يَدْخُلُ، وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِلأْوَّلِ الْقِصَاصُ إِنْ كَانَ عَمْدًا وَأَمْكَنَ الاِسْتِيفَاءُ، وَإِلاَّ فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ لاَ يَدْخُلُ أَرْشُ الأْعْضَاءِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلاَ يَتَدَاخَلاَنِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ.

- يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: تَتَعَدَّدُ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ إِلاَّ الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا، فَلَوْ ضَرَبَ صُلْبَهُ فَبَطَلَ قِيَامُهُ وَقُوَّةُ ذَكَرِهِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ أَمْرُ النِّسَاءِ لَمْ يَنْدَرِجْ، وَوَجَبَتْ دِيَتَانِ، كَمَا أَنَّ مَنْ شَجَّ رَجُلاً مُوضِحَةً فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتَانِ بِجَانِبِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ.

أَمَّا إِذَا ذَهَبَتِ الْمَنْفَعَةُ بِمَحَلِّهَا فَتَنْدَرِجُ الْجِنَايَتَانِ، فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَمَحَلِّهَا مَعًا.

وَكَذَا إِذَا جَنَى عَلَى لِسَانِهِ فَأَذْهَبَ ذَوْقَهُ وَنُطْقَهُ أَوْ فَعَلَ بِهِ مَا مَنَعَ بِهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا، أَوْ هُمَا مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ إِذَا ذَهَبَ كُلُّهُ بِضَرْبَةٍ أَوْ بِضَرَبَاتٍ فِي فَوْرٍ. وَأَمَّا بِضَرَبَاتٍ بِغَيْرِ فَوْرٍ فَتَتَعَدَّدُ بِمَحَلِّهَا الَّذِي لاَ تُوجَدُ إِلاَّ بِهِ. فَإِنْ وُجِدَتْ بِغَيْرِهِ وَبِهِ وَلَوْ أَكْثَرَهَا، كَأَنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَأَقْعَدَهُ وَذَهَبَتْ قُوَّةُ الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ لِمَنْعِ قِيَامِهِ، وَدِيَةٌ لِعَدَمِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا فِي الصُّلْبِ.

وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الأْذُنِ وَالأْنْفِ، فَقَدْ نَقَلَ أَكْثَرُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فِي الشَّمِّ دِيَةً وَيَنْدَرِجُ فِي الأْنْفِ كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ مَعَ الأْذُنِ. وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَاعِدَةِ: إِنَّ الْمَنْفَعَةَ لاَ تَتَعَدَّدُ بِمَحَلِّهَا، كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ خَلِيلٍ: (وَتَعَدَّدَتِ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِهَا إِلاَّ الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا)، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، كَمَا قَالَ الْبُنَانِيِّ.

وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَلاَ يَشْمَلُ قَوْلُهُ (بِمَحَلِّهَا) الأْذُنَ وَالأْنْفَ، وَإِنِ اقْتَضَاهُ كَلاَمُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، بَلْ فِي قَطْعِ الأْذُنِ أَوِ الأْنْفِ غَيْرِ الْمَارِنِ حُكُومَةٌ، وَالدِّيَةُ فِي السَّمْعِ وَالشَّمِّ؛ لأِنَّ السَّمْعَ لَيْسَ مَحَلُّهُ الأْذُنَ، وَالشَّمَّ لَيْسَ مَحَلُّهُ الأْنْفَ بِدَلِيلِ تَعْرِيفَيْهِمَا.

- أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ: إِذَا أَزَالَ الْجَانِي أَطْرَافًا تَقْتَضِي دِيَاتٍ كَقَطْعِ أُذُنَيْنِ، وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ، وَلَطَائِفَ (مَعَانِي) تَقْتَضِي دِيَاتٍ، كَإِبْطَالِ سَمْعٍ، وَبَصَرٍ وَشَمٍّ، فَمَاتَ سِرَايَةً مِنْهَا، وَكَذَا مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَنْدَمِلِ الْبَعْضُ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ إِذَا كَانَ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَسَقَطَ بَدَلُ مَا ذَكَرَهُ؛ لأِنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا، أَمَّا إِذَا مَاتَ بِسِرَايَةِ بَعْضِهَا بَعْدَ انْدِمَالِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَدْخُلْ مَا انْدَمَلَ فِي دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا خَفِيفًا لاَ مَدْخَلَ لِلسِّرَايَةِ فِيهِ ثُمَّ أَجَافَهُ (أَصَابَهُ بِجَائِفَةٍ) فَمَاتَ بِسِرَايَةِ الْجَائِفَةِ قَبْلَ انْدِمَالِ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَلاَ يَدْخُلُ أَرْشُهُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَمَّا مَا لاَ يُقَدَّرُ بِالدِّيَةِ فَيَدْخُلُ أَيْضًا كَمَا فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ بِالأْوْلَى، وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي أَيْ قَطَعَ عُنُقَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ انْدِمَالِهِ مِنَ الْجِرَاحَةِ يَلْزَمُهُ لِلنَّفْسِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الأْصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لأِنَّ دِيَةَ النَّفْسِ وَجَبَتْ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مَا عَدَاهَا فَيَدْخُلُ فِيهَا بَدَلُهُ كَالسِّرَايَةِ. وَالثَّانِي تَجِبُ دِيَاتُ مَا تَقَدَّمَهَا؛ لأِنَّ السِّرَايَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ بِالْقَتْلِ فَأَشْبَهَ انْقِطَاعَهَا بِالاِنْدِمَالِ. وَمَا سَبَقَ هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْفِعْلِ الْمَجْنِيِّ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُخْتِلَفًا كَأَنْ حَزَّ الرَّقَبَةَ عَمْدًا وَالْجِنَايَةُ الْحَاصِلَةُ قَبْلَ الْحَزِّ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عَكْسَهُ كَأَنْ حَزَّهُ خَطَأً وَالْجِنَايَاتُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلاَ تَدَاخُلَ لِشَيْءٍ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ فِيهَا فِي الأْصَحِّ، بَلْ يَسْتَحِقُّ الطَّرَفَ وَالنَّفْسَ لاِخْتِلاَفِهِمَا وَاخْتِلاَفِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ عَمْدًا، أَوْ قَطَعَ هَذِهِ الأْطْرَافَ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ الرَّقَبَةَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَعَفَا الأْوَّلُ فِي الْعَمْدِ عَلَى دِيَتِهِ وَجَبَتْ فِي الأْولَى دِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَدِيَةُ عَمْدٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دِيَتَا عَمْدٍ وَدِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ تَسْقُطُ الدِّيَاتُ فِيهِمَا، وَلَوْ حَزَّ الرَّقَبَةَ غَيْرُهُ أَيِ الْجَانِي الْمُتَقَدِّمِ تَعَدَّدَتْ، أَيِ الدِّيَاتُ؛ لأِنَّ فِعْلَ الإْنْسَانِ لاَ يَدْخُلُ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ، فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَوْجَبَتْهُ جِنَايَتُهُ. 

- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ عَادَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْدَمِلَ جِرَاحُهُ، وَصَارَ الأْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ أَوْ كَوْنِ الْفِعْلِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لأِنَّهُ قَاتِلٌ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْجُرْحِ، فَدَخَلَ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ فِي أَرْشِ النَّفْسِ، كَمَا لَوْ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ دِيَةُ الأْطْرَافِ الْمَقْطُوعَةِ وَدِيَةُ النَّفْسِ؛ لأِنَّهُ لَمَّا قَطَعَ بِسِرَايَةِ الْجُرْحِ بِقَتْلِهِ صَارَ كَالْمُسْتَقِرِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ.

وَإِنْ قَطَعَ الْجَانِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَرِئَتِ الْجِرَاحُ، مِثْلُ إِنْ قَطَعَ الْجَانِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَبَرِئَتْ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَقَدِ اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْقَطْعِ بِالْبُرْءِ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ عَفَا وَأَخَذَ ثَلاَثَ دِيَاتٍ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ، دِيَةً لِلْيَدَيْنِ وَدِيَةً لِلرِّجْلَيْنِ؛ لأِنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا، كَمَا قَالَ الْبُهُوتِيُّ. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لاَ تَدَاخُلَ بَعْدَ الاِنْدِمَالِ عِنْدَهُمْ لاَ فِي النَّفْسِ وَلاَ فِي الأْعْضَاءِ.

مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ:

الأْصْلُ أَنَّ الدِّيَةَ إِذَا كَانَ مُوجِبُهَا الْفِعْلَ الْخَطَأَ أَوْ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَلَمْ تَكُنْ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، إِلاَّ دِيَةَ الْعَبْدِ أَوْ مَا وَجَبَ بِإِقْرَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوِ الصُّلْحِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم :  « لاَ تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلاَ عَبْدًا وَلاَ صُلْحًا وَلاَ اعْتِرَافًا».

وَيَشْتَرِكُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي تَحَمُّلِ دِيَةِ الْخَطَأِ الْجَانِي نَفْسُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ، حَيْثُ قَالُوا: لَيْسَ عَلَى الْجَانِي الْمُخْطِئِ شَيْءٌ مِنَ الدِّيَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ وَحِكْمَةُ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ دِيَةَ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (عَاقِلَة).

أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا وَسَقَطَ الْقِصَاصُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، أَوْ ثَبَتَتْ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي أَوِ الصُّلْحِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي نَفْسِهِ؛ لأِنَّهَا دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، وَمِنْ وُجُوهِ التَّغْلِيظِ فِي الْعَمْدِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي نَفْسِهِ كَمَا سَبَقَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي عَمْدِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: فَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا كَمَالُ الْقَصْدِ، فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا كَشِبْهِ الْعَمْدِ. وَلأِنَّ مَجْنُونًا صَالَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفِ فَضَرَبَهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ.

وَلأِنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ، وَالْعَاقِلُ الْمُخْطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَهَؤُلاَءِ - وَهُمْ أَغْرَارٌ - أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ: إِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عَمْدٌ إِذَا كَانَ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ؛ لأِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا مُوجَبُهُ الآْخَرُ وَهُوَ الدِّيَةُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 113

سَائِقٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - السَّائِقُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ فَاعِلٍ (سَاقَ)، يُقَالُ: سَاقَ الإِْبِلَ يَسُوقُهَا سَوْقًا وَسِيَاقًا، فَهُوَ سَائِقٌ.

وَفِي التَّنْزِيلِ (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)أَيْ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى الْمَحْشَرِ، وَاسْمُ الْمَفْعُولِ: (مَسُوقٌ).

وَسَائِقُ الإِْبِلِ يَكُونُ خَلْفَهَا بِخِلاَفِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ. فَالرَّاكِبُ يَمْتَطِيهَا وَيَعْلُو عَلَيْهَا، وَالْقَائِدُ يَكُونُ أَمَامَهَا آخِذًا بِقِيَادِهَا.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

2 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا سَاقَ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ دَابَّةً أَوْ دَوَابَّ فَجَنَتْ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ أَتْلَفَتْ مَالاً ضَمِنَ السَّائِقُ مَا أَتْلَفَتْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا أَمْ غَاصِبًا، أَمْ أَجِيرًا أَمْ مُسْتَأْجِرًا، أَمْ مُسْتَعِيرًا أَمْ مُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ، وَقَالُوا: لأَِنَّهَا فِي يَدِهِ، وَفِعْلُهَا مَنْسُوبٌ لَهُ، فَعَلَيْهِ حِفْظُهَا، وَتَعَهُّدُهَا؛ وَلأَِنَّ إِبَاحَةَ السَّوْقِ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ مَشْرُوطَةٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ، فَإِنْ حَصَلَ تَلَفٌ بِسَبَبِهِ لَمْ يَتَحَقَّقِ الشَّرْطُ فَوَقَعَ تَعَدِّيًا، فَيَكُونُ الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ مِمَّا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا، وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ بِأَنْ يَذُودَ النَّاسَ عَنِ الطَّرِيقِ، فَيَضْمَنُ وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّائِقُ رَاجِلاً أَمْ رَاكِبًا. وَخَصَّ الْحَنَابِلَةُ الضَّمَانَ بِمَا تُتْلِفُهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا، أَوْ فَمِهَا، أَوْ وَطِئَتْ بِرِجْلِهَا. أَمَّا مَا تَنْفَحُهُ بِرِجْلِهَا فَلاَ يُضْمَنُ. لِخَبَرِ «الرِّجْلُ جُبَارٌ»وَفِي رِوَايَةٍ «رِجْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ»فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي جِنَايَتِهَا بِغَيْرِ رِجْلِهَا، وَخَصَّصَ عَدَمَ الضَّمَانِ بِالنَّفْحِ دُونَ الْوَطْءِ لأَِنَّ مَنْ بِيَدِهِ الدَّابَّةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَنِّبَهَا وَطْءَ مَا لاَ يُرِيدُ أَنْ تَطَأَهُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا، بِخِلاَفِ نَفْحِهَا، فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ.

 وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَضْمَنُ السَّائِقُ إِلاَّ إِذَا حَدَثَ التَّلَفُ بِفِعْلٍ مِنْهُ.

وَإِذَا كَانَ مَعَ السَّائِقِ قَائِدٌ، أَوْ رَاكِبٌ، أَوْ هُمَا وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَصَرَّفُ فِي الدَّابَّةِ اشْتَرَكُوا فِي الضَّمَانِ لاِشْتِرَاكِهِمْ فِي التَّصَرُّفِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَيَجِبُ عَلَى الرَّاكِبِ أَيْضًا الْكَفَّارَةُ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَيُحْرَمُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ، أَمَّا الرَّاجِلُ مِنْهُمْ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ لاَ بِالتَّسْبِيبِ، وَالْمُبَاشَرَةُ مِنَ الرَّاكِبِ لاَ مِنْ غَيْرِهِ. وَالتَّفْصِيلُ فِي (ضَمَانٍ).

سَائِقُ الْقِطَارِ (الدَّوَابِّ الْمَقْطُورَةِ):

إِذَا كَانَتِ الدَّوَابُّ قِطَارًا مَرْبُوطًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَيَقُودُهَا قَائِدٌ، وَالسَّائِقُ فِي آخِرِهَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لأِنَّ  كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبُ التَّلَفِ. وَإِنْ كَانَ السَّائِقُ فِي وَسَطِ الْقِطَارِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لأِنَّ  السَّائِقَ يَسُوقُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ قَائِدٌ لِمَا خَلْفَهُ، وَالسَّوْقُ وَالْقَوْدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ السَّائِقُ فِي آخِرِ الْمَقْطُورَةِ شَارَكَ الْقَائِدَ فِي ضَمَانِ الأْخِيرِ فَقَطْ، لأِنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّصَرُّفِ عَلَى الأْخِيرِ، وَلاَ يُشَارِكُ الْقَائِدَ فِيمَا قَبْلَ الأْخِيرِ لأِنَّهُ لَيْسَ سَائِقًا لِمَا قَبْلَ الأْخِيرِ وَلاَ هُوَ تَابِعٌ لِمَا يَسُوقُهُ.

وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمَقْطُورَةِ شَارَكَ الْقَائِدَ فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الْكُلِّ؛ لأِنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ بِذَلِكَ لَضَمِنَ جِنَايَةَ الْجَمِيعِ، لأِنَّ  مَا بَعْدَ الأْوَّلِ تَابِعٌ، سَائِرٌ بِسَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَجَبَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي ذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ السَّائِقُ فِيمَا عَدَا الأْوَّلَ مِنَ الْمَقْطُورَةِ شَارَكَ الْقَائِدَ، فِي ضَمَانِ مَا بَاشَرَ سَوْقَهُ، وَفِي ضَمَانِ مَا بَعْدَ الَّذِي بَاشَرَ سَوْقَهُ؛ لأِنَّهُ تَابِعٌ لَهُ، وَلاَ يُشَارِكُ السَّائِقُ الْقَائِدَ فِي ضَمَانِ مَا قَبْلَ مَا بَاشَرَ سَوْقَهُ لأِنَّهُ لَيْسَ سَائِقًا لَهُ، وَهَذَا الْقِسْمُ مِنَ الْمَقْطُورَةِ لَيْسَ تَابِعًا لِمَا يَسُوقُهُ.

وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ فَهُوَ عَلَى السَّائِقِ إِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِمَّا لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ غُرْمَهُ كَالْمَالِ.

وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ كَدِيَةِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ فَالْغُرْمُ عَلَيْهَا. (ر: عَاقِلَةٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 266

الْقَتْلُ الْخَطَأُ:

- وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ اتِّفَاقًا بِالنَّصِّ الْكَرِيمِ، وَفِيهِ كَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ وَالْحِرْمَانُ مِنَ الإْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَهَذَا لِعُمُومِ النَّصِّ .

وَالضَّمَانُ كَذَلِكَ فِي الْقَتْلِ الشَّبِيهِ بِالْخَطَأِ فِي اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ، وَيَتَمَثَّلُ بِانْقِلاَبِ النَّائِمِ عَلَى شَخْصٍ فَيَقْتُلُهُ، أَوِ انْقِلاَبِ الأْمِّ عَلَى رَضِيعِهَا فَيَمُوتُ بِذَلِكَ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني والثلاثون ، الصفحة / 321

قَتْلٌ

التَّعْرِيفُ:

الْقَتْلُ فِي اللُّغَةِ: فِعْلٌ يَحْصُلُ بِهِ زُهُوقُ الرُّوحِ يُقَالُ: قَتَلَهُ قَتْلاً: أَزْهَقَ رُوحَهُ، وَالرَّجُلُ قَتِيلٌ وَالْمَرْأَةُ قَتِيلٌ إذَا كَانَ وَصْفًا، فَإِذَا حُذِفَ الْمَوْصُوفُ جُعِلَ اسْمًا وَدَخَلَتِ الْهَاءُ نَحْوُ: رَأَيْتُ قَتِيلَةَ بَنِي فُلاَنٍ.

وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ نَقْلاً عَنِ التَّهْذِيبِ يُقَالُ: قَتَلَهُ بِضَرْبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ سُمٍّ: أَمَاتَهُ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، قَالَ الْبَابَرْتِيُّ: إنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ مِنَ الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْجَرْحُ:

- الْجَرْحُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ جَرَحَ يَجْرَحُ جَرْحًا: أَثَرٌ بِالسِّلاَحِ وَنَحْوِهِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالْجَرْحُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ.

ب - الضَّرْبُ:

- مِنْ مَعَانِي الضَّرْبِ: الإْصَابَةُ بِالْيَدِ أَوِ السَّوْطِ أَوِ السَّيْفِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَالضَّرْبُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ.

قَتْلٌ بِسَبَبٍ

التَّعْرِيفُ:

الْقَتْلُ بِسَبَبٍ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، هُمَا: الْقَتْلُ وَالسَّبَبُ.

وَيُنْظَرُ تَعْرِيفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مُصْطَلَحِهِ.

وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ الْقَتْلُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ لاَ يُؤَدِّي مُبَاشَرَةً إلَى قَتْلٍ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ، أَوْ وَضْعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَأَمْثَالِهِمَا، فَيَعْطَبُ بِهِ إنْسَانٌ وَيُقْتَلُ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْقَتْلُ الْعَمْدُ:

- الْقَتْلُ الْعَمْدُ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ يَكُونُ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ يَكُونُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ.

ب - الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ:

الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا.

وَالْعَلاَقَةُ أَنَّ الْقَتْلَ شِبْهَ الْعَمْدِ يَكُونُ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا.

وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ يَكُونُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ.

ج - الْقَتْلُ الْخَطَأُ:

هُوَ مَا وَقَعَ دُونَ قَصْدِ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ، أَوْ دُونَ قَصْدِ أَحَدِهِمَا.

وَالصِّلَةُ أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ يَقَعُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ مُبَاشِرٍ، بِخِلاَفِ الْقَتْلِ بِسَبَبٍ.

حَالاَتُ الْقَتْلِ بِسَبَبٍ:

قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْقَتْلَ أَقْسَامًا اخْتَلَفُوا فِيهَا، وَمِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ، فَاعْتَبَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ قِسْمًا مُسْتَقِلًّا مِنْ أَقْسَامِ الْقَتْلِ الْخَمْسَةِ عِنْدَهُمْ، لَكِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَجْعَلُوهُ قِسْمًا مُسْتَقِلًّا وَإِنَّمَا أَوْرَدُوا أَحْكَامَهُ فِي الأْقْسَامِ الأْخْرَى وَمِنْ ذَلِكَ الْحَالاَتُ التَّالِيَةُ:

أ - الإْكْرَاهُ:

- الْقَتْلُ بِسَبَبِ الإْكْرَاهِ أَنْ يُكْرِهَ رَجُلاً عَلَى قَتْلِ آخَرَ فَيَقْتُلَهُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إكْرَاهٌ ف 19 وَمَا بَعْدَهَا).

ب - الشَّهَادَةُ بِالْقَتْلِ:

إذَا شَهِدَ رَجُلاَنِ عَلَى رَجُلٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ، فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَا، وَاعْتَرَفَا بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَبِعِلْمِهِمَا بِأَنَّ مَا شَهِدَا بِهِ يُقْتَلُ بِهِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، لِمَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَا فِي شَهَادَتِهِمَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُ أَيْدِيَكُمَا، وَغَرَّمَهُمَا دِيَةَ يَدِهِ، وَلأِنَّ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الرَّجُلِ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ تَوَصَّلاَ إلَى قَتْلِهِ بِسَبَبٍ يَقْتُلُ غَالِبًا، فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ كَالْمُكْرَهِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ غَيْرَ أَشْهَبَ لاَ قِصَاصَ عَلَيْهِمَا بَلْ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ، لأِنَّهُ تَسَبُّبٌ غَيْرُ مُلْجِئٍ، فَلاَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ.

ج - حُكْمُ الْحَاكِمِ بِقَتْلِ رَجُلٍ:

إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى شَخْصٍ بِالْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَاعْتَرَفَ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا حِينَ الْحُكْمِ أَوِ الْقَتْلِ دُونَ الْوَلِيِّ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْحَاكِمِ.

وَلَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ الَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ أَقَرَّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ وَتَعَمُّدِ قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاصٌ).

د - حَفْرُ الْبِئْرِ وَوَضْعُ الْحَجَرِ:

مِنْ صُوَرِ الْقَتْلِ بِسَبَبٍ حَفْرُ الْبِئْرِ وَنَصْبُ حَجَرٍ أَوْ سِكِّينٍ تَعَدِّيًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلاَ إذْنٍ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْجِنَايَةَ وَأَدَّى إلَى قَتْلِ إنْسَانٍ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ قَتْلُ خَطَأٍ وَمُوجَبَهُ الدِّيَةُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ قَتْلٌ بِسَبَبٍ وَمُوجَبَهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، لأِنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ، وَلاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ، لأِنَّ الْقَتْلَ مَعْدُومٌ مِنْهُ حَقِيقَةً، فَأُلْحِقَ بِهِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الأَْصْلِ، وَهُوَ إنْ كَانَ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لاَ يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ.

أَمَّا إذَا قَصَدَ الْجِنَايَةَ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ إذَا قَصَدَ هَلاَكَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَهَلَكَ فِعْلاً، فَعَلَى الْفَاعِلِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ هَلَكَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَفِيهِ الدِّيَةُ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَمُوجَبُهُ الدِّيَةُ، وَقَدْ يَقْوَى فَيَلْحَقُ بِالْعَمْدِ، كَمَا فِي الإْكْرَاهِ وَالشَّهَادَةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى اعْتِبَارِ حَفْرِ الْبِئْرِ شَرْطًا، لأِنَّهُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْهَلاَكِ وَلاَ يُحَصِّلُهُ، بَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ، وَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَفْرَ لاَ يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ، وَلاَ يُحَصِّلُهُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ التَّخَطِّي فِي صَوْبِ الْحُفْرَةِ، وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ التَّرَدِّي فِيهَا وَمُصَادَمَتُهَا، لَكِنْ لَوْلاَ الْحَفْرُ لَمَا حَصَلَ التَّلَفُ وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ.

قَتْلٌ خَطَأٌ

التَّعْرِيفُ:

- الْقَتْلُ الْخَطَأُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ هُمَا: قَتْلٌ، وَخَطَأٌ، وَقَدْ سَبَقَ تَعْرِيفُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مُصْطَلَحِهِ.

وَالْقَتْلُ الْخَطَأُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَا وَقَعَ دُونَ قَصْدِ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ، أَوْ دُونَ قَصْدِ أَحَدِهِمَا.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْقَتْلُ الْعَمْدُ:

- الْقَتْلُ الْعَمْدُ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَمْدَ يَتَوَفَّرُ فِيهِ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ، بِخِلاَفِ الْخَطَأِ.

ب - الْجِنَايَةُ:

- الْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ: الذَّنْبُ وَالْجُرْمُ، وَشَرْعًا: اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَلَّ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ.

فَالْجِنَايَةُ أَعَمُّ مِنَ الْقَتْلِ الْخَطَأِ.

ج - الإْجْهَاضُ:

- يُطْلَقُ الإْجْهَاضُ فِي اللُّغَةِ عَلَى صُورَتَيْنِ:

إلْقَاءُ الْحَمْلِ نَاقِصَ الْخَلْقِ، أَوْ نَاقِصَ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ مِنَ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرِهَا.

وَالإْطْلاَقُ اللُّغَوِيُّ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الإْلْقَاءُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ أَمْ تِلْقَائِيًّا.

وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ «إجْهَاضٍ» عَنْ هَذَا الْمَعْنَى وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنِ الإْجْهَاضِ بِمُرَادِفَاتِهِ: كَالإْسْقَاطِ وَالإْلْقَاءِ وَالطَّرْحِ وَالإْمْلاَصِ.

وَالْعَلاَقَةُ أَنَّ الإْجْهَاضَ جِنَايَةٌ عَلَى الْحَمْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَيَقَّنِ الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ الْخَطَأُ فَجِنَايَةٌ عَلَى مُتَيَقَّنِ الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ.

د - الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ:

- الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا.

وَالْعَلاَقَةُ أَنَّ الْقَتْلَ شِبْهَ الْعَمْدِ فِيهِ قَصْدٌ بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا، بِخِلاَفِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ.

هـ - الْقَتْلُ بِسَبَبٍ:

- الْقَتْلُ بِسَبَبٍ هُوَ الْقَتْلُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ لاَ يُؤَدِّي مُبَاشَرَةً إلَى قَتْلٍ.

وَالصِّلَةُ أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ، وَالْقَتْلَ بِسَبَبٍ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ.

أَقْسَامُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ:

- قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَتْلَ الْخَطَأَ إلَى قِسْمَيْنِ: الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ، وَالْخَطَأُ فِي الْقَصْدِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الرَّمْيَ إلَى شَيْءٍ مَثَلاً يَشْتَمِلُ عَلَى فِعْلِ الْجَارِحَةِ وَهُوَ الرَّمْيُ وَفِعْلُ الْقَلْبِ وَهُوَ الْقَصْدُ فَإِنِ اتَّصَلَ الْخَطَأُ بِالأَْوَّلِ فَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ، وَإِنِ اتَّصَلَ بِالثَّانِي فَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْقَصْدِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ عَلَى أَوْجُهٍ:

الأْوَّلُ: أَنْ لاَ يَقْصِدَ ضَرْبًا، كَرَمْيِهِ شَيْئًا أَوْ حَرْبِيًّا فَيُصِيبَ مُسْلِمًا، فَهَذَا خَطَأٌ بِإِجْمَاعٍ.

الثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ الضَّرْبَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، فَهُوَ خَطَأٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، خِلاَفًا لِمُطَرَّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْخَطَأُ نَوْعَانِ: الأْوَّلُ: أَنْ لاَ يَقْصِدَ أَصْلَ الْفِعْلِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَهُ دُونَ الشَّخْصِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ أَوْ يَفْعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فَيَئُولَ إلَى إتْلاَفِ حُرٍّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْتُلَ فِي بِلاَدِ الرُّومِ مَنْ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَافِرٌ وَيَكُونَ قَدْ أَسْلَمَ وَكَتَمَ إسْلاَمَهُ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى التَّخَلُّصِ إلَى أَرْضِ الإْسْلاَمِ.

مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ:

يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ مَا يَلِي:

أ - وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، لقوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا).

وَيَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ لقوله تعالى : (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ).

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدَّمَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَفَّارَةَ عَلَى الدِّيَةِ وَفِي الْكَافِرِ الدِّيَةَ، لأِنَّ الْمُسْلِمَ يَرَى تَقْدِيمَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ وَالْكَافِرَ يَرَى تَقْدِيمَ حَقِّ نَفْسِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.

كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ فِي قَتْلِ كَافِرٍ لاَ عَهْدَ لَهُ.

ب - وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَقَطْ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُقْتَلُ فِي بِلاَدِ الْكُفَّارِ أَوْ فِي حُرُوبِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكُفَّارِ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ لقوله تعالى : (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ يُوجِبُ قِصَاصًا لأِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ مُسْلِمٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَنَّهُ صَيْدًا فَبَانَ آدَمِيًّا، إلاَّ أَنَّ هَذَا لاَ تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ إنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالأْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ لقوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ)

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إذَا قَتَلَ إنْسَانًا يَظُنُّهُ عَلَى حَالٍ فَكَانَ بِخِلاَفِهِ كَمَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّ كُفْرَهُ، لأِنَّهُ رَآهُ يُعَظِّمُ آلِهَتَهُمْ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْكُفَّارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ جَزْمًا لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ، وَكَذَا لاَ دِيَةَ فِي الأْظْهَرِ لأِنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِمُقَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي هِيَ دَارُ الإْبَاحَةِ، وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ تَجِبُ الدِّيَةُ لأِنَّهَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ.

أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَجِبُ جَزْمًا لقوله تعالى : (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ).

ج - الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحِرْمَانِ مِنَ الْمِيرَاثِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «الْقَاتِلُ لاَ يَرِثُ»، وَلأِنَّ الْقَتْلَ قَطَعَ الْمُوَالاَةَ وَهِيَ سَبَبُ الإْرْثِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ خَطَأً فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنَ الْمَالِ وَلاَ يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْمَضْمُونَ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ لاَ إرْثَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ، كَمَنْ قَصَدَ مُوَلِّيَهُ مِمَّا لَهُ فِعْلُهُ مِنْ سَقْيِ دَوَاءٍ أَوْ رَبْطِ جِرَاحَةٍ فَمَاتَ فَيَرِثُهُ، لأِنَّهُ تَرَتَّبَ عَنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُوَفَّقُ.

قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَصْوَبُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقَوَاعِدِ.

د - الْحِرْمَانُ مِنَ الْوَصِيَّةِ:

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي هَذَا.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ، وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا لأِنَّ الْهِبَةَ لَهُ تَصِحُّ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَالذِّمِّيِّ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ عَدَمَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، لأِنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنَ الْوَصِيَّةِ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَلأِنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ فَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا.

وَفَرَّقَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْجَرْحِ، وَالْوَصِيَّةِ قَبْلَهُ، فَقَالَ: إنْ وَصَّى لَهُ بَعْدَ جَرْحِهِ صَحَّ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ قَبْلَهُ ثُمَّ طَرَأَ الْقَتْلُ عَلَى الْوَصِيَّةِ أَبْطَلَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَيْضًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، لأِنَّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْجَرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهَا بِخِلاَفِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ، فَإِنَّ الْقَتْلَ طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا، لأِنَّهُ يُبْطِلُ مَا هُوَ آكَدُ مِنْهَا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنْ عَلِمَ الْمُوصِي بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً صَحَّ الإْيصَاءُ مِنْهُ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ فِي الْخَطَأِ فِي الْمَالِ وَالدِّيَةِ، وَفِي الْعَمْدِ فِي الْمَالِ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُوصِي فَتَأْوِيلاَنِ فِي صِحَّةِ إيصَائِهِ وَعَدَمِهَا. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَصِيَّةٌ).

أَنْوَاعُ الْقَتْلِ الَّتِي حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَطَأِ:

أ - عَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ:

- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ كَالْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ، لأِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ. وَالأْصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ».

وَلأِنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مُغَلَّظَةٌ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ وَزَائِلِ الْعَقْلِ كَالْحُدُودِ، وَلأِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ، فَهُمْ كَالْقَاتِلِ خَطَأً.

وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَقَالُوا: إنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ عَمْدٌ فِي الأْظْهَرِ أَمَّا الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَعَمْدُهُ خَطَأٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَأَضَافُوا أَنَّ الصَّبِيَّ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَلَكِنَّ الأْمْرَ يَخْتَلِفُ فِي الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ، وَفِي مَالِهِ إنِ اُعْتُبِرَ عَمْدُهُ عَمْدًا.

ب - مَا أُجْرِيَ مُجْرَى الْخَطَأِ:

ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ قِسْمًا آخَرَ لِلْقَتْلِ سَمَّوْهُ مَا أُجْرِيَ مُجْرَى الْخَطَأِ، وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ الْجَارِي مَجْرَى الْخَطَأِ كَالْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ، فَمِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَطَأِ فِي الشَّرْعِ، وَلَكِنَّهُ دُونَ الْخَطَأِ حَقِيقَةً، لأِنَّ النَّائِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْدِ أَصْلاً، فَلاَ يُوصَفُ فِعْلُهُ بِالْعَمْدِ وَلاَ بِالْخَطَأِ، إلاَّ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَطَأِ لِحُصُولِ الْمَوْتِ بِفِعْلِهِ كَالْخَاطِئِ.

وَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ عَنْ نَوْمِهِ فِي مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَصِيرَ قَاتِلاً، وَالْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ إنَّمَا تَجِبُ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ، وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ، لأِنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِمًا، وَلَمْ يَكُنْ نَائِمًا، قَصْدًا مِنْهُ إلَى اسْتِعْجَالِ الإْرْثِ، أَمَّا الَّذِي سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، فَمِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلَهُ، لِكَوْنِهِ قَتْلاً لِلْمَعْصُومِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَكَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ.

وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ هَذِهِ الصُّوَرَ بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 48

قِطَارٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْقِطَارُ مِنَ الإِْبِلِ فِي اللُّغَةِ: عَدَدٌ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَالْجَمْعُ قُطُرٌ، مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ، يُقَالُ: قَطَرَ الإِْبِلَ قَطْرًا، وَقَطَّرَهَا وَأَقْطَرَهَا: قَرَّبَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ عَلَى نَسَقٍ.

وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ.

قَالَ الْبَابَرْتِيُّ: الْقِطَارُ: الإِْبِلُ تُقْطَرُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ.

وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ: الْقِطَارُ - بِكَسْرِ الْقَافِ - هُوَ رَبْطُ الإِْبِلِ أَوْ غَيْرِهَا بَعْضِهَا بِبَعْضٍ.

وَيَشْتَرِطُ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لاَ يَزِيدَ عَدَدُ الْقِطَارِ الْوَاحِدِ عَلَى تِسْعَةٍ لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَخَالَفَ ابْنُ الصَّلاَحِ فَقَدَّرَهُ بِسَبْعَةٍ.

 قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالأَْصَحُّ التَّوَسُّطُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ، فَقَالَ: فِي الصَّحْرَاءِ لاَ يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ، وَفِي الْعُمْرَانِ يُعْتَبَرُ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنْ يُجْعَلَ قِطَارًا، وَهُوَ مَا بَيْنَ سَبْعَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَلاَ كَثِيرٌ مِنَ الأَْصْحَابِ، مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالتِّسْعِ أَوِ السَّبْعِ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، وَذَكَرَ الأَْذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالاَ: وَسَبَبُ اضْطِرَابِهِمْ فِي الْعَدَدِ اضْطِرَابُ الْعُرْفِ فِيهِ، فَالأَْشْبَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ مَكَانٍ إِلَى عُرْفِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الرَّاحِلَةُ:

2 - الرَّاحِلَةُ: الْمَرْكَبُ مِنَ الإِْبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَالنَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لِلرَّحْلِ، وَالأَْوَّلُ هُوَ مُرَادُ الْفُقَهَاءِ وَالرَّاحِلَةُ جُزْءٌ مِنَ الْقِطَارِ.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

هُنَاكَ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالْقِطَارِ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنْهَا، مِنْهَا: الْحِرْزُ، وَضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ الْقِطَارُ، عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:

أ - الْحِرْزُ:

3 - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْقِطَارَ إِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ يَسُوقُهُ، فَحِرْزُهُ نَظَرُهُ إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ بِحَيْثُ لاَ يَرَاهُ فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ قَائِدٌ، فَحِرْزُهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ كُلَّ سَاعَةٍ وَيَنْتَهِي نَظَرُهُ إِلَيْهِ إِذَا الْتَفَتَ، فَإِنْ كَانَ لاَ يَرَى الْبَعْضَ لِحَائِلِ جَبَلٍ أَوْ بِنَاءٍ، فَذَلِكَ الْبَعْضُ غَيْرُ مُحْرَزٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ بِقَطْعِ السَّارِقِ لِشَيْءٍ مِنَ الْقِطَارِ بِمُجَرَّدِ إِبَانَتِهِ عَنْ بَاقِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ انْتِهَاءُ نَظَرِ الْقَائِدِ إِلَى آخِرِ الْقِطَارِ.

وَحَيْثُ يُشْتَرَطُ انْتِهَاءُ نَظَرِ الْقَائِدِ إِلَى الْقِطَارِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ فِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الصَّوْتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ لَمْ يَبْلُغْ صَوْتُهُ بَعْضَ الْقِطَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ غَيْرُ مُحْرَزٍ، وَسَكَتَ آخَرُونَ عَنِ اعْتِبَارِ بُلُوغِ الصَّوْتِ اكْتِفَاءً بِالنَّظَرِ، لأَِنَّهُ إِذَا قَصَدَ مَا يَرَاهُ أَمْكَنَهُ الْعَدْوَ إِلَيْهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ مِنَ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلاً لَمْ يُقْطَعْ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ مَقْصُودٍ، فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَهَذَا لأَِنَّ السَّائِقَ وَالرَّاكِبَ وَالْقَائِدَ إِنَّمَا يَقْصِدُونَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الأَْمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الأَْحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا: يُقْطَعُ، وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ وَأَخَذَ مِنْهُ قُطِعَ، لأَِنَّ الْجُوَالِقَ فِي مِثْلِ هَذَا حِرْزٌ، لأَِنَّهُ يُقْصَدُ بِوَضْعِ الأَْمْتِعَةِ فِيهِ صِيَانَتُهَا كَالْكُمِّ، فَوُجِدَ الأَْخْذُ مِنَ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: سَرِقَةٌ ف 37).

ب - ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ الْقِطَارُ:

4 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى قَائِدِ قِطَارٍ وَطِئَ بَعِيرٌ مِنْهُ رَجُلاً، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ ضَمِنَا لاِسْتِوَائِهِمَا فِي التَّسَبُّبِ، لَكِنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ فِي مَالِهِ، هَذَا لَوْ كَانَ السَّائِقُ مِنْ جَانِبٍ مِنَ الإِْبِلِ، فَلَوْ تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامِ وَاحِدٍ ضَمِنَ مَا خَلْفَهُ، وَضَمِنَا مَا قُدَّامَهُ، وَضَمِنَ رَاكِبٌ عَلَى بَعِيرٍ وَسَطَ الْقِطَارِ الْوَسَطَ فَقَطْ وَلاَ يَضْمَنُ مَا قُدَّامَهُ لأَِنَّهُ غَيْرُ سَائِقٍ لَهُ وَلاَ مَا خَلْفَهُ لأَِنَّهُ غَيْرُ قَائِدٍ مَا لَمْ يَأْخُذْ بِزِمَامِ مَا خَلْفَهُ، وَإِنْ قَتَلَ بَعِيرٌ رُبِطَ عَلَى قِطَارٍ سَائِرٍ بِلاَ عِلْمِ قَائِدِهِ رَجُلاً ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ، وَرَجَعُوا بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ، لأَِنَّهُ دِيَةٌ لاَ خُسْرَانٌ، وَلَوْ رَبَطَ الْبَعِيرَ وَالْقِطَارُ وَاقِفٌ ضَمِنَهَا عَاقِلَةُ الْقَائِدِ بِلاَ رُجُوعٍ لِقَوْدِهِ بِلاَ إِذْنٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا وَطِئَ الْبَعِيرُ فِي أَوَّلِ الْقِطَارِ أَوْ آخِرِهِ، وَإِنْ نَفَحَتْ رَجُلاً بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا لَمْ يَضْمَنِ الْقَائِدُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ بِهَا.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: قَالَ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ قُدَامَةَ: الْجَمَلُ الْمَقْطُورُ عَلَى الْجَمَلِ الَّذِي عَلَيْهِ رَاكِبٌ يَضْمَنُ الرَّاكِبُ جِنَايَتَهُ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَائِدِ، فَأَمَّا الْجَمَلُ الْمَقْطُورُ عَلَى الْجَمَلِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَلاَّ يَضْمَنَ جِنَايَتَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَائِقٌ، لأَِنَّ الرَّاكِبَ الأَْوَّلَ لاَ يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ عَنِ الْجِنَايَةِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والثلاثون ، الصفحة / 53

الْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ كَوْنِ الْقَتْلِ قَدْ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ.

وَلأِنَّهُ قَتَلَ آدَمِيًّا مَمْنُوعًا مِنْ قَتْلِهِ لِحُرْمَتِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِالْمُبَاشَرَةِ.وَلأِنَّ السَّبَبَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إِيجَابِ الضَّمَانِ، فَكَانَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ.

وَلأِنَّ فِعْلَ الْقَاتِلِ سَبَبٌ لإِتْلاَفِ الآْدَمِيِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُهُ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَأَوْطَأَ دَابَّتَهُ إِنْسَانًا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِتَحَقُّقِ الْقَتْلِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَتْلِ بِالْمُبَاشَرَةِ، أَمَّا الْقَتْلُ بِالتَّسَبُّبِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ، فَلَمْ يَسْتَنِدِ الْفِعْلُ إِلَيْهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني والأربعون ، الصفحة / 23

أَثَرُ النَّوْمِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ:

اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ جِنَايَةَ النَّائِمِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ خَطَأً أَوْ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ، فَتُجْرَى فِي فِعْلِهِ فِي كِلاَ التَّعْبِيرَيْنِ أَحْكَامُ الْخَطَأِ، فَإِذَا انْقَلَبَ نَائِمٌ عَلَى إِنْسَانٍ بِجَنْبِهِ فَقَتْلَهُ فَهُوَ خَطَأٌ أَوْ كَالْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ؛ لأِنَّ النَّائِمَ لاَ قَصْدَ لَهُ، فَلاَ يُوصَفُ فِعْلُهُ بِعَمْدٍ وَلاَ خَطَأٍ عِنْد بَعْضِهِمْ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَطَأِ لِحُصُولِ الْمَوْتِ بِفِعْلِهِ كَالْخَاطِئِ، فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الْخَطَأِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُخْطِئِ وَلَكِنَّهُ دُونَ الْخَطَأِ حَقِيقَةً؛ لأِنَّ النَّائِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْدِ أَصْلاً.

وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى النَّائِمِ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ عِنْدَ النَّوْمِ فِي مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلاً. وَالْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ إِنَّمَا وَجَبَتْ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ أَيْضًا. وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ: لِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَتَوَهُّمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا وَإِنَّمَا كَانَ مُتَنَاوِمًا لِقَصْدِ اسْتِعْجَالِ الإْرْثِ.