1 ـ لما كان الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه بعد أن أورد وصف الاتهام الذي ساقته النيابة العامة للواقعة ومادة الاتهام التي طلبت تطبيقها فى حق المتهم بين واقعة الدعوى ومؤدى أدلة الإدانة بقوله : " إن واقعة الدعوى تخلص فيما أبلغ به وقرره والد المجني عليها من أن نجلة المتهم قامت بقتلهما وأن المتهم أخفى جثتيهما وأرفقت بالأوراق تحريات المباحث مفادها أن المتهم أخفى جثتي المجني عليهما ..... والتهمة ثابتة قبل المتهم ثبوتاً كافياً وذلك من أقوال المتهمة ..... وتحريات المباحث التي أكدت مشاركة المتهم فى ارتكاب الجريمة . الأمر الذي يتعين معه القضاء بإدانته عملاً بنص المادة 304/2 أ . ج " . لما كان ذلك ، وكان نص المادة 239 من قانون العقوبات قد جرى على أن : " كل من أخفى جثة قتيل أو دفنها بدون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف عليها وتحقيق حالة الموت وأسبابه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة " . مما مفاده أنه يشترط لقيام الجريمة أن يتحقق مع ارتكاب فعل الإخفاء أو الدفن دون إخبار جهات الاقتضاء أن تتجه إرادة الجاني إلى إخفاء الجثة عن أعين السلطات العامة . وكان الحكم المطعون فيه قد خلا من بيان واقعة الدعوى ومؤدى أدلة الإدانة التي عول عليها بما يكشف عن توافر أركان الجريمة وأن الطاعن قد تعمد ارتكاب فعل إخفاء الجثة أو قام بدفنها قبل تحقيق حالة الموت مع تحديد المكان الذي تم فيه هذا الإخفاء بما يشي بقصد إبعاد الجثة عن أعين السلطات العامة ، فإنه يكون معيباً بالقصور الذي يعجز محكمة النقض من مراقبة صحة التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم بما يوجب نقضه والإعادة .
(الطعن رقم 19473 لسنة 67 جلسة 2007/02/07 س 58 ص 124 ق 23)
2 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان المحكوم عليه بها وساق عليها أدلة سائغة مردودة إلى أصلها فى الأوراق، وبعد استطلاع رأى مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم وفقاً للمادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية، وكانت إجراءات المحاكمة قد تمت طبقاً للقانون وجاء الحكم متفقاً وصحيح القانون ومبرأ من الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله، كما أنه صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل فى الدعوى، ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهى إليه الحكم، وكان لا ينال من سلامة الحكم ما تردى فيه من خطأ حين دان المحكوم عليه بجريمة إخفاء جثة المجني عليها دون إخبار جهات الاقتضاء المنصوص عليها فى المادة 239 من قانون العقوبات ذلك أنه إذا أتى الفاعل فعل الإخفاء أو الدفن فلا يسأل عن هذه الجريمة إذ تعد فى هذه الحالة من ذيول الفعل وحلقة أخيرة فى المشروع الإجرامي وتصرفا طبيعياً من جانبه ولذلك كانت هذه الجريمة مفترضة أن مرتكبها شخص غير القاتل، وتبرير ذلك فى المنطق القانوني أساسه قاعدة أن عدم المشروعية الكامن فى القتل يستوعب عدم المشروعية الكامن فى الإخفاء، ولا يكون الحكم معيباً إذ قضى بإعدام المحكوم عليه طالما أن هذه العقوبة مقررة لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي أثبتها الحكم فى حقه وهو ما يكفي لحمل قضائه. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه .
(الطعن رقم 22878 لسنة 73 جلسة 2004/01/06 س 55 ع 1 ص 86 ق 4)
3 ـ لما كان نص المادة 239 من قانون العقوبات على أن "كل من أخفى جثة قتيل أو دفنها بدون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف عليها وتحقيق حالة الموت وأسبابه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة". مما مفاده أنه يشترط لقيام الجريمة أن يتحقق مع ارتكاب فعل الإخفاء أو الدفن دون إخبار جهات الاقتضاء أن تتجه إرادة الجاني إلى إخفاء الجثة عن أعين السلطات العامة, لما كان ذلك, وكان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه على السياق المتقدم من أقوال شهود الإثبات يفيد قيام الطاعن بإلقاء الجثة فى الطريق أمام سور سوق الجملة للمزارعين وبجوار مقهى وهو مكان مطروق للعامة ثم وضع بطاقة صاحب الجثة ورخصة قيادته إلى جوارها وهو ما لا يقوم به فعل الإخفاء ولا يتوافر فيه القصد الجنائي فى الجريمة التي دان الحكم المطعون فيه الطاعن عنها, ومن ثم يضحى الفعل المسند إلى الطاعن لا جريمة فيه وغير مندرج تحت أي نص عقابي وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ودانه بجريمة إخفاء جثة متوفي فضلاً على قصور أسبابه وفساد استدلاله فى الرد على دفاع الطاعن قد أخطأ فى تطبيق القانون وفي تأويله بما يوجب نقضه والقضاء بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة الطاعن من التهمة المسندة إليه.
(الطعن رقم 13157 لسنة 71 جلسة 2002/11/03 س 53 ص 1058 ق 176)
4- وحيث إنه عن جريمة إخفاء أو دفن جثة المجني عليها بدون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف عليها وتحقيق حالة الموت وأسبابه التى أسندتها النيابة العامة إلى المتهمة فإن المتهمة لا تُسأل عنها ؛ لأن هذه الجريمة تفترض أن مرتكبها شخص غير الجاني وتبرير ذلك فى المنطق القانوني أساسه قاعدة أن عدم المشروعية الكامن فى فعل القتل ومنه الضرب المفضي إلى الموت الذي ارتكبته المتهمة يستوعب عدم المشروعية الكامن فى الإخفاء .
(الطعن رقم 13433 لسنة 82 جلسة 2014/06/07)
وتتطلب هذه الجريمة توافر ركنين أحدهما مادي والآخر معنوي.
الركن المادي :
يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بفعل الإخفاء أو الدفن قبل إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف على الجثة وتحقيق حالة الموت وأسبابه ومن ثم يجب القيام هذا الركن توافر عنصرين، هما:
1- الإخفاء أو الدفن :
ويراد به كل فعل يصدر لستر الجثة بعيداً عن علم القائمين على الضبط أو التحقيق ويستوي في ذلك التخلص من الجثة كلها أو بعضها عن طريق تقطيعها لإخفاء معالمها وقد قضت محكمة النقض أن إلقاء جثة القتيل في الطريق أمام سور سوق الجملة للمزارعين وبجوار مقهى وهو مكان مطروق للعامة ثم وضع بطاقة صاحب الجثة ورخصة قيادته إلى جوارها لا يقوم به فعل الإخفاء.
وقد يكون الدفن بطريق الاحتيال عن طريق التزوير في شهادة الوفاة لإخفاء شخصية المجني عليه.
2- عدم إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف على الجثة وتحقيق حالة الموت وأسبابه :
يوضح هذا العنصر الثاني أن علة التجريم هي مواجهة التخلص من أدلة الجريمة عن طريق إخفاء جثة القتيل، فإذا كانت جهات الاختصاص قد قامت بواجبها في الإستدلال أو التحقيق وتحققت من حالة الموت، فإن إخفاء جثة القتيل لا يعود مجدياً فلا يتوافر به الركن المادي للجريمة .
الركن المعنوي :
هذه الجريمة عمدية لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي العام بعنصريه: الإرادة والعلم فإذا لم يكن من قام بالإخفاء عالما بأن الجثة القتيل توفي إثر جريمة قتل أو ضرب أفضى إلى موت - فلا يقوم القصد الجنائي فإذا وقع الإخفاء لجثة قتيل اعتقد الجاني أنه توفي قضاءً وقدراً وأراد بإخفائه الجثة التخلص من المسئولية المدنية المفترضة لحارس الأشياء، فلا يتوافر القصد الجنائي في حقه فيجب أن يثبت أن جاني كان يعلم بأن الوفاة كانت نتيجة لجريمة دون اشتراط علمه بنوع هذه الجريمة.
وإذا وقع الإخفاء اعتقاداً من الجاني أن محل الإخفاء هو جثة قتيل ثم يتبين أن لجثة كانت لشخص توفي قضاء وقدرا، فإن القصد الجنائي وحده لا يعد كافياً وقوع الجريمة مادام قد ثبت أن الجثة لم تكن لقتيل.
وإذا وقع الإخفاء في مكان مطروق للعامة واتجهت نية الجاني إلى ذلك لا يتوافر القصد الجنائي.
العقوبة:
عاقب القانون من يرتكب هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على سنة. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة: 136)
إخفاء جثة القتيل
تمهيد : نصت على هذه الجريمة المادة 239 من قانون العقوبات في قولها « كل من أخفي جثة قتيل أو دفنها بدون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف عليها وتحقيق حالة الموت وأسبابه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة ».
علة التجريم : علة تجريم إخفاء جثة القتيل أن نشاط المتهم يعرقل جهود السلطات العامة في سعيها إلى الكشف عن الحقيقة في شأن حالات الموت غير الطبيعي ، لتحديد ما إذا كانت تقوم بها جريمة ، وتوقع العقاب على من تثبت مسئوليته عنها : ذلك أن المتهم قد يحول بفعله دون علم السلطات العامة بالجريمة ؛ وإذا كانت قد علمت بها فقد يعرقل تحقيقها شخصية المجني عليه وإذا كان نشاطه لم يبلغ هذا المدى ، فهو في جميع الأحوال يقضى على الأدلة التي تحملها جثة القتيل كبصمات القاتل أو نوع الإصابات التي أدت إلى الوفاة ، ويحول بين السلطات العامة وبين معاينة الجثة حتى تستخلص منها ما يتيح لها الكشف عن الحقيقة.
العلاقة بين إخفاء جثة القتيل وجريمة القتل : إخفاء جثة القتيل جريمة مستقلة عن القتل : فهي ليست صورة للإشتراك فيه ، إذ لا يكون الإشتراك بنشاط لاحق على ارتكاب الجريمة وتوقيع العقاب من أجل هذه الجريمة لا يتطلب ثبوت مسئولية شخص عن القتل وتوقيع العقاب من أجله : فقد لا يعرف القاتل أو يهرب أو لا تكفي الأدلة لإدانته أو يستفيد من سبب إباحة أو مانع مسئولية بل إنه لا يشترط أن تكون الجثة لشخص كان ضحية ارتكاب جريمة قتل ، فقد يكون مجنياً عليه في جرح أو ضرب أفضى إلى موت ، وقد يكون منتحراً .
وإذا أتى القاتل فعل الإخفاء أو الدفن فلا يسأل عن هذه الجريمة ، إذ تعد في هذه الحالة من ذيول القتل وحلقة أخيرة في المشروع الإجرامي وتصرفاً طبيعياً من جانبه ؛ ولذلك كانت هذه الجريمة مفترضة أن مرتكبها شخص غير القاتل ولكن إذا لم يسأل القاتل عن جريمته لتوافر سبب إباحة ، كما لو كان القتل دفاعاً شرعياً عن النفس أو المال أو لتوافر مانع مسئولية ، أو لإنتفاء القصد والخطأ معاً ، فإن جريمة إخفاء جثة القتيل تسترد استقلالها ، ويوقع العقاب من أجلها .
أركان الجريمة، تتطلب هذه الجريمة ركنا ماديا هو فعل الإخفاء أو الدفن الذي يشترط فيه أن يرتكب دون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف على الجثة وتحقيق حالة الموت وأسبابه ويتعين أن ينصب هذا الفعل على موضوع ، هو جثة القتيل ويجب أن يتوافر القصد الجنائي.
الركن المادي :
يقوم هذا الركن على عنصرين : فعل الإخفاء أو الدفن ؛ وارتكابه بدون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف على الجثة وتحقيق حالة الموت وأسبابها .
فالإخفاء أو الدفن يراد به كل نشاط يبعد به المتهم الجثة عن نظر السلطات العامة بحيث لا تستطيع أن تعاينها ولا يتطلب القانون أن يكون من شأن نشاط المتهم إبعاد الجثة عن نظر السلطات العامة على نحو دائم بحيث لا تستطيع أن تعاينها أبداً ، بل يعد الركن المادي متحققاً إذا كان الإبعاد على نحو مؤقت عارض بحيث أدى ذلك إلى أن السلطات العامة لم تستطع اتخاذ الإجراءات اللازمة للكشف عن الحقيقة في الوقت الملائم وبناءً على ذلك فإنه لا يؤثر في قيام الركن المادي كون السلطات العامة قد استطاعت على الرغم من فعل المتهم اكتشاف الجثة وتحديد المسئولية عن القتل بل إن علة التجريم تجعل مجرد تشويه الجثة أو تقطيعها أجزاء صغيرة فعلين كافيين لتحقيق عناصر الركن المادي بالنظر إلى كونهما يعرقلان جهود السلطات العامة . وتطبيقا لذلك يتحقق الركن المادي بطمر الجثة في التراب أو وضعها في مقبرة أو إحراقها أو تحليلها بطريقة كيميائية أو إلقائها في بئر أو ترعة أو مصرف ويتحقق الإخفاء كذلك بوضع الجثة في مكان مهجور ، كالصحراء أو بين أنقاض مبنى ، كما يتحقق بتقطيعها قطعا و إلقاء كل قطعة في مكان بعيد عن سائر القطع ، ويتحقق بفصل الرأس عن الجسم ثم إخفاء الرأس . ويرتكب هذه الجريمة من يضع الجثة في حقيبة أو صندوق ويبعث بها إلى هيئة السكك الحديدية أو إلى شركة نقل کی تنقلها إلى مكان غير المكان الذي تدور فيه تحريات السلطات العامة أما إذا تصرف المتهم في الجثة على نحو لم يبعدها به عن أعين السلطات العامة فلا يعد الفعل إخفاء ، مثال ذلك القاؤها في طريق عام أو داخل بناء مسكون ونعتقد أن التمثيل بالجثة - إذا لم يكن من شأنه إعدام الأدلة التي تحملها - لا يكفي لقيام الجريمة.
أما العنصر الثاني للركن المادي فهو كون فعل الإخفاء أو الدفن قد ارتكب « بدون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف على الجثة وتحقيق حالة الموت وأسبابه »، وجهات الاقتضاء هي السلطات المختصة بتلقي البلاغات في شأن الجرائم ولكن الإخبار وحده غير كاف لنفي الركن المادي لهذه الجريمة ، بل يتعين الحصول على إذن بالدفن ولا يعطي هذا الإذن إلا بعد الكشف على الجثة وتحقيق حالة الموت وأسبابه .
موضوع الجريمة : ينصب فعل الإخفاء أو الدفن على جثة قتيل ، ويعني القتيل - في تعبير القانون - كل صاحب جثة مات موتاً غیر طبیعی ، سواء في ذلك أن يكون ضحية قتل عمدي أو غير عمدي ، أو جرح أو ضرب أفضى إلى موت ، أو أن يكون منتحراً : فالموت غير الطبيعي يثير الشك في أن سببه فعل ذو صفة إجرامية ، ومن حق السلطات العامة أن تتخذ الإجراءات التي تكشف الحقيقة ويؤكد ذلك ما قدمناه من أن المسئولية عن هذه الجريمة لا ترتهن بمسئولية شخص عن القتل وتوقيع العقاب من أجله عليه .
القصد الجنائي : القصد المتطلب في هذه الجريمة قصد عام : فيتطلب علم المتهم أن الجثة لشخص مات موتاً غير طبيعي ، وعلمه أنه لم يصدر إذن بدفنها ، واتجاه إرادته إلى إخفائها عن السلطات العامة وتطبيقاً لذلك فإن القصد ينتفي إذا اعتقد المتهم أن الجثة لشخص مات موتاً طبيعياً، أو اعتقد أنه قد صدر إذن بدفنها وينتفي القصد كذلك إذا لم تتجه إرادة المتهم إلى الإخفاء - في مدلوله السابق - كما لو تركها في مكان الجريمة منتوياً إبلاغ رجال السلطات العامة ، فنقلها شخص آخر إلى مكان أخفاها فيه .
ويكفي العلم والإرادة کی تتوافر للقصد عناصره، ذلك أنه قصد عام : فلا يشترط أن تكون نية المتهم متجهة إلى عرقلة إجراءات التحقيق أو تمكين شخص معين من تجنب المسئولية الناشئة عن القتل.
عقوبة الجريمة، يقرر القانون لهذه الجريمة عقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة . وقد اكتفى الشارع ببيان الحد الأقصى للحبس ، مقرراً له بذلك حده الأدنى العام . (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 483)
جريمة إخفاء جثة قتيل تقوم على أركان ثلاثة : الركن المادي ، ومحل الجريمة ، ثم الركن المعنوي.
- الركن المادي :
يقوم الركن المادي في هذه الجريمة بأي فعل من شأنه إبعاد جثة القتيل عن أنظار السلطات ، ولو لفترة محدودة ، حتى لا تستطيع أن تعاينها وتكشف الحقيقة وعلى ذلك فإن الإخفاء يتحقق بدفن الجثة بغير تصریح ، أو إحراقها، أو وضعها في غرفة أو تقطيعها إرباً ، أو إلقائها في مجرى مائي ، أو تحليلها بمادة كيميائية ، كما يعد إخفاء للجثة قطع الرأس وإخفاؤها إذ من شأن ذلك عرقلة تحديد شخصية صاحبها، أو وضع الجثة في صندوق وإرساله إلى إحدى شركات النقل أو إلى السكة الحديد لنقله إلى جهة أخرى .
ولكن فعل الإخفاء لا يتحقق إذا اقتصر نشاط المتهم على مجرد إلقاء الجثة في مكان ظاهر لا يبعدها عن متناول السلطات ، كأن يلقيها في الطريق ، أو في قطعة أرض فضاء .
ولا يقوم الركن المادي بهذا الفعل إلا إذا كان الإخفاء أو الدفن قد تم بدون إخطار جهات الاقتضاء وقبل الكشف على الجثة وتحقيق حالة الموت وأسبابه.
ويعني ذلك أن الركن المادي لا يقوم إذا تحقق أمران : الأول : إخطار جهات الاقتضاء ، وهي الجهات التي أوجب القانون إبلاغها عن حالات الوفاة وهي مكاتب الصحة في المدن ومراكز العمد في القرى . والثاني : الحصول على إذن بالدفن وهذا لا يتم إلا بعد الكشف على الجثة وتشريحها إذا قامت شبهة على كون الوفاة غير طبيعية.
- محل الجريمة :
يجب أن ينصب فعل الإخفاء على جثة قتيل ويقصد بالقتيل كل من توفي وفاة غير طبيعية ، فلا يقتصر هذا الوصف على من قتل قتلاً عمدياً أو غير عمدي ، وإنما يمتد إلى من توفي نتيجة لجريمة ضرب أفضى إلى الموت أو جريمة حريق عمد أو بإهمال أو نتيجة انتحار ، أو نتيجة حادث عرضی کالغرق أو الإختناق بالغاز .
- الركن المعنوي :
جريمة إخفاء جثة قتيل جريمة عمدية ، يتطلب المشرع لقيامها توافر القصد الجنائي لدى الجاني ، وهو قصد. عام يقوم على علم الجاني بأن الجثة الشخص مات موتاً غير طبيعي ، وبأنه لم يحصل عنها إخطار السلطات المختصة ، وبالتالي لم يصدر إذن بالدفن واتجاه إرادة الجاني إلى إخفاء الجثة عن أعين السلطات وعلى ذلك ينتفي القصد إذا اعتقد المتهم أن الجثة لشخص مات موتاً طبيعياً ، أو أنه قد صدر إذن بالدفن ، أو كانت إرادته لم تتجه إلى إخفاء الجثة عن أعين السلطات.
وإذا اكتملت هذه الأركان قامت جريمة إخفاء جثة قتيل أو دفنها مستقلة عن جريمة القتل ، فهي لا تعتبر إشتراكاً في جريمة القتل لأن الإشتراك لا يكون بفعل لاحق على ارتكاب الجريمة ، وتوقع العقوبة من أجل هذه الجريمة ولو لم يعرف القاتل ، بل ولو عرف ولكنه كان مستفيداً من سبب إباحة أو مانع من موانع المسئولية ، يؤكد هذا المعنى أن الجريمة تقوم ولو لم تقم جريمة القتل كما إذا كان صاحب الجثة قد مات منتحراً أو مات بسبب حادث عرضي كالغرق.
ولكن تقوم الصلة بين هذه الجريمة وجريمة القتل إذا كان الفاعل في كل من الجريمتين واحداً ، إذ يعتبر الإخفاء حينئذ من ذيول القتل فلا يمكن فصله عنه ، أما إذا برئ المتهم من تهمة القتل لتوافر سبب إباحة مثلاً فإنه يعاقب عن جريمة الإخفاء.
العقوبة :
يقرر المشرع الجريمة إخفاء جثة قتيل عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 465)
أركان هذه الجريمة ثلاثة هي :
أولاً : فعل مادي وهو إخفاء أو دفن جثة قتيل .
ثانياً : أن يكون ذلك بدون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف عليها وتحقيق حالة الموت وأسبابه .
ثالثاً : القصد الجنائي .
وفيما يلي تفصيل ذلك :
أولاً : الركن المادي :
الركن المادي في الجريمة يقع متى حصل الدفن أو الإخفاء بأية صورة وكانت الجثة المخفاة أو المدفونة جثة قتيل ولا يراد بلفظ القتيل هنا من وقعت عليه جريمة قتل بل يدخل في النص كل شخص لم يمت موتاً طبيعياً فيدخل في ذلك حالة القتل عمداً والقتل بغير عمد والقتل بحادث والإنتحار.
ولما كان الغرض من العقاب في هذه المادة تمكين أولي الأمر من تحقيق حوادث الموت الذي يقع على صورة غير طبيعية لمعرفة ما إذا كان الموت جنائياً غیر جنائي وتسهيل سبيل الوصول إلى اكتشاف الجرائم أو إجراء مقتضيات العمل في مثل هذه الأحوال فكل إخفاء لجثة قتيل قبل الكشف عليها وإجراء التحقيق اللازم عنها يدخل في حكم هذه المادة وليس من الضروري إخفاء الجثة بحيث يستحيل العثور عليها أبداً بل يكفي إخفاؤها فترة من الزمن يتمكن الجاني في خلالها من الفرار أو إعدام الأدلة على إدانته ولو ظهرت الجثة بعد ذلك.
ثانياً : أن يكون ذلك بدون إخبار جهات الاختصاص :
دفن الجثة هو طمرها في التراب و القانون يعاقب على دفن جثة القتيل إذا حصل بدون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف على الجثة وتحقيق حالة الموت وأسبابه لأن الدفن في هذه الحالة هو بمثابة إخفاء للجثة.
ثالثاً : القصد الجنائي :
يوجد القصد الجنائى متى ارتكب المخفي فعل الإخفاء و هو يعلم أن الجثة جثة قتيل لم يؤذن بدفنها ولم تعمل التحقيقات اللازمة بشأنها ولا يشترط بعد هذا أن يكون قصد تعطيل سير التحقيق فإذا كان قد دفنها وهو معتقد أن الدفن قد أذن به أو أنها ليست بجثة قتيل فلا جريمة ولا عقاب. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة: 416)
الغرض من العقاب على هذا الفعل هو تمكين السلطات العامة من تحقيق حوادث الموت الذي يقع على صورة غير طبيعية لمعرفة ما إذا كان الموت جنائية أو غير جنائي لهذا يعد إخفاء كل تصرف في الجثة يراد به سترها عن أعين القائمين، بالضبط والتحقيق، ومن هذا القبيل الدفن بغير تصريح، وإحراق الجثة أو تحليلها بطريقة كيماوية، وإلقاؤها في بئر أو مرحاض أو ترعة أو نهر وكذلك يعد إخفاء تقطيع الجثة قطعة و إلقاء كل قطعة في مكان بعيد عن سائر القطع، أو فصل الرأس عن الجسم وإخفاء الرأس فقط، لأن فعل الجاني من شأنه عرقلة سير التحقيق وكشف الحقيقة ولا يشترط أن يكون الإخفاء بحيث لا يستطاع أو يصعب العثور على الجثة، بل يصح أن يكون مؤقتاً، فيعد مخفياً من يضع جثة في طرد ويسلمها لمصلحة السكك الحديدية لنقلها إلى جهة أخرى.
ويجب أن يكون محل الإخفاء جثة القتيل، ولا يقتصر لفظ قتيل هنا على من وقعت عليه جناية قتل، بل يدخل في مدلوله كل شخص لم يمت موتاً طبيعياً، فيدخل في ذلك حالة القتيل عمداً ومن مات بضرب عمد و القتيل خطأ والقتيل بحادث والقتيل منتحراً، ومن هذا يتبين أنه لا علاقة بين الإخفاء ومسئولية فاعل القتل أو عقابه، إذ أريد بنص المادة التي نحن بصددها رعاية مصلحة التحقيق في كل موت يشتبه فيه ومع ذلك لا تعتبر هذه الجريمة مستقلة تماماً عن القتل، إذ أن الدعوى الجنائية لا تقام عنها إذا كان مرتكبها هو نفس مرتكب جريمة القتل، لأن الإخفاء في هذه الحالة يعتبر من ذيول القتل ولا يمكن فصله عنها ولكن إذا رفعت الدعوى على منهم بالقتل وبرئ منها لثبوت أنه ارتكب القتل دفاعا عن نفسه أو ماله مثلاً فإنه يعاقب على جريمة إخفاء الجثة.
القصد الجنائي :
يتوافر القصد منى إرتكب الجاني فعل الإخفاء وهو يعلم أن الجثة جثة قتيل لم تتخذ الإجراءات بشأنها ولم يؤذن بدفنها. ولا يشترط أن يكون غرض الفاعل تعطيل سير الإجراءات، فالغاية لا تدخل في القصد ولا تؤثر على كيان الجريمة. أما إذا كان الفاعل حسن النية، معتقدة أن الجثة ليست جثة قتيل أو أنه قد أذن بدفنها، فإن القصد الجنائي يكون منتفياً لديه .
العقوبة :
الحبس مدة لا تزيد على سنة. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 501 )
المساس بسير التحقيق والعدالة
المواد (422) : (438) :
رأى المشروع - تقديراً منه لقداسة العدالة والقضاء ، وبعداً به عن أن يكون مجالاً لعبث عابث ، وحفاظاً على حرمة الهيئات والقائمين عليها ، وبإعتبار أن الحقيقة القضائية عنواناً للحقيقة الواقعية - أن يجمع في هذا الفصل شتات نصوص القانون القائم مع تعديلها على نحو يتفق والغرض المنشود ، وإضافة ما تقضي به المصلحة العامة من أحكام ، وقد قسم المشروع هذا الباب إلى فصلين: الأول: في الجرائم المتعلقة بالمساس بسير التحقيق والعدالة ، بمثابة أن التحقيق هو أول عمل ينير للحقيقة والعدالة الباحثة عنها الطريق .
1- المادة (422) من المشروع وهي تعاقب الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة عهد إليه بالبحث عن الجرائم وضبطها ، إذا أهمل أو أرجأ الإخبار عن جريمة وصلت إلى علمه .
2- المادة (423) من المشروع تعاقب على جريمة عدم إبلاغ الجهة المختصة بوجود ما يشير بمناسبة الكشف على مصاب إلى أن إصابته جنائية .
٣- المادة (424) من المشروع تعاقب على جريمة البلاغ الكاذب - ولو كان البلاغ بطريق مباشر أو غير مباشر - بأمر يستوجب عقوبة من أسند إليه ، أو بمجازاته تأديبياً أو إدارياً ، فإذا كان الإبلاغ عن جناية عد ذلك ظرفاً مشدداً ، والنص يقابل في عمومه نص المادة (305) من القانون القائم مع النص على البلاغ بطريق غير مباشر ، وفق ما استقر عليه القضاء. وقد ترتب على ذلك أن أصبح النص المقترح في مكانه الصحيح ، وقد كان مع جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار التي يتضمنها الباب السابع من القانون الحالي .
هذا وقد بين النص أن الكشف عن الكذب قبل إتخاذ أي إجراء من إجراءات الإستدلال ، أو التحقيق ، أو المحاكمة - لیس بمانع عن توقيع العقوبة .
کا استحدث في الفقرة الأخيرة ظرفاً مشدداً يجعل الجريمة جناية إذا ترتب على الإبلاغ الحكم بعقوبة جناية ، على ألا يحكم بالإعدام إلا إذا نفذت عقوبة الإعدام في المحكوم عليه نتيجة الإبلاغ الكاذب.
4 المادة (425) من المشروع تعاقب على شهادة الزور أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بعد حلف اليمين ، فإن لم يحدث حلف فلا جريمة . وجعلت من أداء الشهادة الزور مقابل الحصول على منفعة ، أو ميزة من أي نوع ، أو وعد بذلك ، جناية عقوبتها السجن الذي لا يزيد على خمس سنوات .
كما بينت المادة الظرف المشدد الموجب لتغليظ العقوبة ، ورفعها إلى عقوبة الجناية التي قد تصل إلى الحكم بالإعدام ، وأخيراً أجاز المشروع للمحكمة إعفاء الشاهد من العقاب أو تخفيفه ، إذا عاد إلى قول الحق قبل الحكم النهائي في موضوع الدعوى التي شهد فيها ، ومن المعلوم أن هذا النص لا يسري في فقرته تلك أمام محكمة النقض ، إلا إذا كانت تنظر موضوع الدعوى الجنائية عند الطعن لثاني مرة ، إذا نقضت الحكم وحددت جلسة لنظر الموضوع . أن هذه هي الحالة الوحيدة التي تنظر فيها هذه المحكمة الدعوى الجنائية كما لو كانت قضاء الموضوع .
5- المادة (426) من المشروع تقضي بسريان المادة السابقة على كل من كلف من قبل جهة قضائية في دعوى بعمل من أعمال الخبرة أو الترجمة، فغير الحقيقة بأية حقيقة والجريمة عمدية لا يقوم فيها الإهمال مهما بلغ مرتبة العمد .
6- المادة (427) من المشروع تعاقب الطبيب أو القابلة ، إذا طلب أيها لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة أيا كان نوعها ، أو وعدا بشيء من ذلك ، في مقابل تحریر بیان غير صحيح ، أو مقابل أداء الشهادة زوراً أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بشأن حمل أو ولادة أو مرض أو عاهة ، أو غير ذلك مما يتصل بمهنة الجاني ، ولو كان قيامه بذلك نتيجة رجاء أو توجيه ، على أنه في حالة أداء الشهادة فعلاً يطبق حكم الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة (425) من المشروع ، كما يطبق حكم الإعفاء المشار إليه في الفقرة الأخيرة منها .
7- المادة (428) من المشروع تعالج إستخدام الإكراه أو التهديد أو تقديم عطية أو منفعة أو ميزة أيا كانت ، أو وعد بشيء من ذلك ، لحمل الغير على الشهادة زوراً أمام المحاكم ، أو الإمتناع عن آدائها ، ولم يبلغ مقصده .
8- المادة (429) من المشروع تعاقب من ألزم بحلف اليمين في دعوى ردت عليه فحلفها كذباً ، مع إجازة إعفائه من العقوبة إذا رجع إلى الحق قبل الحكم النهائي في الدعوى .
9- المادة (430) من المشروع تعاقب بعقوبة الجنحة من يمتنع عن الشهادة بعد تكليفه بها - أمام جهة التحقيق أو الحكم - بغير عذر مقبول بعد تكليفه بالحضور قانوناً أمامها .
10- المادة (431) من المشروع تعاقب من يغير - بقصد تضليل جهة التحقيق أو الحكم - حالة الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء المتصلة بالجريمة .
11- مادة (432) من المشروع تعاقب على إخفاء جثة شخص مات نتيجة حادث جنائي ، أو قام بدفنها دون إخطار الجهة المختصة وقبل الكشف عليها وتحقيق أسباب الوفاة .
12 - المادة (433) من المشروع تعاقب على مجرد التوسط لدى قاض بأي وسيلة لصالح أحد الخصوم ، أو للإضرار به .
13 - المادة (435) من المشروع تجرم النشر بإحدى طرق العلانية أمراً من شأنه التأثير فيمن يتولى التحقيق أو القضاء أو القيام بأعمال الخبرة ، أو يدعى للشهادة في دعوى مطروحة أمام جهة التحقيق أو الحكم ، أو نشر أموراً من شأنها منع الشخص من الإفضاء بمعلومات للجهة المختصة بذلك ، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو ضده . فإذا كان النشر بقصد إحداث التأثير المذكور ، أو كانت الأمور المنشورة كاذبة -ضوعفت العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة .
14- المادة (436) من المشروع تعاقب كل من أذاع ، أو نشر بإحدى طرق العلانية أمرا من الأمور الواردة في البنود من (أ) – (ز) من المادة .
15 - المادة (437) من المشروع تعاقب من افتتح إكتتاباً ، أو أعلن عنه بإحدى طرق العلانية ، قاصداً من ذلك التعويض عن الغرامات أو المصاريف أو التعويضات المحكوم بها في جريمة ، أو أعلن بإحدى هذه الطرق عن قيامه أو غيره بالتعويض المشار إليه أو جزء منه ، أو عزمه على ذلك.
16 - المادة (438) من المشروع تعرض لجريمة إنكار العدالة ، وهي لا تقع إلا من قاض امتنع بغير مبرر عن الحكم في دعوى دخلت في حوزته قانوناً ، ويجوز أن يكون مع العقوبة الأصلية ، وبالإضافة إليها عقوبة العزل ، وهي في هذه الحال عقوبة تكميلية لا تقع إلا بحكم من المحكمة .