المادة 245 - ( أصبحت المادة 243) - هي المادة 207 من قانون سنة 1904 مع تعديل في عبارتها الفرنسية قصد به إزالة لبس فيها فإن هذه المادة تعاقب على الضرب الذي يقع " بواسطة استعمال أسلحة او عصى او الات اخري من شخص أو أكثر ضمن عصبة او تجمهر مؤلف من خمسة أشخاص علي الاقل توافقوا علي التعدي والإيذاء " ويشمل العقاب في هذه الحالة جميع الأشخاص الذين يتالف منهم التجمهر وقد استقر قضاء محكمة النقض والإبرام علي إن " التوافق " معناه " قيام فكرة الإجرام بعينها عند كل من المتهمين أي توارد خواطرهم علي الاجرام واتجاه خاطر كل منهم اتجاهاً ذاتياً إلي ما تتجه اليه خواطر سائر اهل فريقه من تعمد ايقاع الأذي بالمجني عليه فهو لا يستوجب سبق اصرار او اتفاق على الضرب ونظراً لأن النص الفرنسي للمادة 207 المذكورة جاء فيها لفظ [ accord ] مقابل لفظ " توافق " في النص العربي وهذا اللفظ الفرنسي قد يؤدي إلي اللبس إذ قد يفهم منه وجوب اتفاق المتهمين علي الضرب مع انه يكفي توافق خواطرهم علي ذلك كما تقدم بيانه فقد ابدلت في النص الفرنسي عبارة [ agissant de commun accord | بعبارة [ agissant dans le meme but ] .
1 ـ لما كان الحكم المطعون فيه إذ خلص إلى توافر سبق الإصرار قبل هؤلاء المتهمين - ومن بينهم الطاعنين المحكوم عليهم بالإعدام - يكون معيباً بالفساد فى الاستدلال مخطئاً فى تطبيق القانون بما يعيبه ويوجب نقضه . ولا محل للقول بانتفاء مصلحة الطاعنين فى التمسك بانتفاء ظرف سبق الإصرار ما دام الحكم قد أثبت فى حقهم ظرف الاقتران بما يكفي لمعاقبتهم بالإعدام، ذلك أنه يشترط لإعمال ظرف الاقتران أن يكون الجاني مسئولاً عن الجنايتين الأصلية والمقترنة ، وفقاً للقواعد العامة لقيام هذه المسئولية. كأن يكون الجاني فاعلاً للجنايتين أو فاعلاً فى إحداهما وشريكاً فى الأخرى ، أو شريكاً فى الجنايتين معاً ، أو فاعلاً أو شريكاً فى إحداهما وتكون الجريمة الأخرى نتيجة محتملة لها ، فإذا لم يكن الجاني مسئولاً عن الجنايتين فإن ظرف الاقتران يكون منتفياً ، وهو ما يتطلب فى حالة تعدد الجناة أن تتوافر هذه المسئولية بالنسبة إلى كل منهم حتى يصح مؤاخذتهم جميعاً بظرف الاقتران ، إما بإثبات مساهمته فى ارتكاب الجنايتين أو قيام سبب من أسباب التضامن فى المسئولية لديه كسبق الإصرار أو الاتفاق باعتبار أن أياً منهما يرتب تضامناً فى المسئولية فى حالة تعدد الجناة فاعلين أم شركاء، فإذا لم يتوافر بما ساقه الحكم سبق الإصرار كما هو الحال فى الدعوى وانتفى الاتفاق فلا محل للقول بالتضامن فى المسئولية ولا يسأل كل إلا عن فعله ، ولا يكفي للقول بالتضامن فى المسئولية مجرد التوافق بين الجناة الذي هو توارد الخواطر على ارتكاب فعل معين ينتويه كل منهم فى نفسه مستقلاً عن الآخرين دون أن يكون بينهم اتفاق سابق لو كان كل منهم قد أصر على ما تواردت الخواطر عليه وهو ما لا يستوجب مساءلة سائر من توافقوا على فعل ارتكبه بعضهم إلا فى الأحوال المبينة فى القانون على سبيل الحصر كما هو الشأن فى المادة 243 من قانون العقوبات ، أما فى غير تلك الأحوال فإنه يجب لمعاقبة متهم عن فعل ارتكبه أن يكون فاعلاً أو شريكاً فيه بالمعنى المحدد فى القانون . لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى مساءلة الطاعنين عن جريمة القتل المقترن بالشروع فيه ووضع النار عمداً فى مساكن المجني عليهم على أساس أنهم جميعاً فاعلين بينهم اتفاق على ارتكاب هذه الجرائم واستدل على هذا الاتفاق من نوع الصلة بينهم والمعية فى الزمان والمكان وكان البين مما حصله الحكم عن واقعة الدعوى وأدلتها أن الطاعنين ضمن المتهمين من السابع إلى الثامن عشر هم فريقان الأول يضم المتهمين من السابع إلى الحادي عشر وهم إخوة المجني عليه الثاني .......وصديقه ومن بينهم الطاعنين السادس والسابع ، والفريق الثاني ويضم باقي المتهمين من أقارب المجني عليه الأول ...... والذي ينتمى إليه باقي الطاعنين ، وأن الفريقين لم يكونا فى معية واحدة عند التوجه إلى مكان الحادث على نحو ما استدل به الحكم على وجود الاتفاق بل تلاحق أو تزامن وصولهم إلى مكان الحادث على نحو ما أورده الحكم فى بيان شهادة شاهد الإثبات الأول العميد ......بما أسفرت عنه تحرياته، وما ساقه أن الفريق الأول أتى من قرية .....محل إقامة أفراده أن الفريق الثاني أتى من قرية .....، فإنه وإن ساغ قبول استدلال الحكم على وجود اتفاق بين أفراد كل فريق بتوجههم إلى مكان الحادث فى معية واحدة وبنوع الصلة بينهم ، فإن ذلك لا يصلح للقول بتوافر الاتفاق بين أفراد الفريقين مجتمعين وهو أمر لا يصح افتراضه لأنه قد يكون مرده مجرد التوافق لتشابه الظروف ، وهو ما لا يصح به القول بالتضامن فى المسئولية ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد استدل على توافر الاتفاق بين المتهمين جميعاً بما لا ينتجه ، وإذ كان هذا الاتفاق هو عماد مسئولية الطاعنين عما أسند إليهم من جرائم متعددة كشرط من شروط إعمال ظرف الاقتران فإن ذلك مما يعيب الحكم بالقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال فيما انتهى إليه من توافر هذا الظرف أيضاً بما يوجب نقضه .
(الطعن رقم 9400 لسنة 79 جلسة 2010/02/07 س 61 ص 94 ق 14)
2 ـ لما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى وأثبت وجود الطاعنين والمتهمين الآخرين جميعا فى مكان الحادث واشتراكهم فى التجمهر أو العصبة التي توافقت على التعدي والإيذاء وتعدوا بالضرب على المجني عليه بالأيدي وبجهاز لاسلكي كان مع أحدهم الأمر الذي تتحقق به أركان الجريمة المنصوص عليها فى المادة 243 من قانون العقوبات.
(الطعن رقم 35464 لسنة 69 جلسة 2000/03/20 س 51 ص 335 ق 60)
3 ـ من المقرر أن الاتفاق يتطلب تقابل الإرادات تقابلاً صريحاً على أركان الواقعة الجنائية التى تكون محلاً له ، وهو غير التوافق الذى هو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين ينتويه كل واحد منهم فى نفسه مستقلاً عن الآخرين دون أن يكون بينهم اتفاق سابق ولو كان كل منهم على حدة قد أصر على ما تواردت الخواطر عليه ، وهو ما لايستوجب مساءلة سائر من توافقوا على فعل ارتكبه بعضهم إلا فى الأحوال المبينة فى القانون على سبيل الحصر _ كالشأن فيما نصت عليه المادة 243 من قانون العقوبات . أما فى غير تلك الحالات فإنه يجب لمعاقبة المتهم عن فعل ارتكبه غيره أن يكون فاعلاً فيه أو شريكاً بالمعنى المحدد فى القانون .
(الطعن رقم 13270 لسنة 66 جلسة 1998/07/11 س 49 ص 881 ق 114)
4 ـ من المقرر أن الاتفاق يتطلب تقابل الإرادات تقابلا صريحاً على أركان الواقعة الجنائية التي تكون محلا له، وهو غير التوافق الذي هو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين ينتويه كل واحد منهم فى نفسه مستقلا عن الآخرين دون أن يكون بينهم اتفاق سابق ولو كان كل منهم على حدة قد أصر على ما تواردت الخواطر عليه، وهو ما لا يستوجب مساءلة سائر من توافقوا على فعل ارتكبه بعضهم إلا فى الأحوال المبينة فى القانون على سبيل الحصر - كالشأن فيما نصت عليه المادة 243 من قانون العقوبات - أما فى غير تلك الأحوال فإنه يجب لمعاقبة المتهم عن فعل ارتكبه غيره أن يكون فاعلا فيه أو شريكا بالمعنى المحدد فى القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد فى تحصيله لواقعة الدعوى أن الطاعنين دخلا منزل المجني عليه - وهما يتعقبان الشاهد ... ... ... الذي احتمى به - متوافقين على الاعتداء عليه بسبب الشجار الذي نشب بينهم ولما لم يتمكنا من إدراكه اعتديا على المجني عليه. ثم عاد الحكم - وهو بصدد اطراح دفاع الطاعنين وإثبات مسئوليتهما معا عن وفاة المجني عليه - فقال أنهما اتفقا على ضرب المجني عليه وأدلى كل منهم بدوره فى الاعتداء عليه حتى بعد سقوطه على الأرض وأن هذا السلوك الإجرامي يكفي لتضامنهما فى المسئولية الجنائية باعتبارهما فاعلين أصليين وأنه ليس بلازم أن تحدد الأفعال التي أتاها كل منهما. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون قد أورد واقعة الدعوى على صورتين متعارضتين وأخذ بهما معا، مما يدل على اختلال فكرته عن عناصرها وعدم استقرارها فى عقيدة المحكمة الاستقرار الذي يجعلها فى حكم الوقائع الثابتة بحيث لا يستطاع استخلاص مقوماته، سواء ما تعلق منها بتلك الواقعة أو بتطبيق القانون عليها. وذكر الحكم لكل هذا الذي ذكره فى أقوال مرسلة يجعله متخاذلا فى أسبابه متناقضا بعضه مع بعض بحيث لا يمكن أن يعرف منه إن كانت محكمة الموضوع قد كونت عقيدتها على أساس توافر الاتفاق فى حق الطاعنين أو مجرد التوافق مع ما فى ذلك من أثر فى قيام المسئولية التضامنية بينهم أو عدم قيامها. وهو ما يعجز محكمة النقض عن تفهم مراميه والاستيثاق من أن القانون قد طبق تطبيقا صحيحاً على واقعة الدعوى.
(الطعن رقم 1913 لسنة 48 جلسة 1979/03/19 س 30 ع 1 ص 369 ق 76)
5 ـ التوافق هو توارد خواطر الجناة على إرتكاب فعل معين ينتويه كل واحد منهم فى نفسه مستقلا عن الآخرين دون أن يكون بينهم إتفاق سابق و لو كان كل منهم على حدة قد أصر على ما تواردت الخواطر عليه . و هو لا يستوجب مساءلة سائر من توافقوا على فعل إرتكبه بعضهم إلا فى الأحوال المبينة فى القانون على سبيل الحصر كالشأن فيما نصت عليه المادة 243 من قانون العقوبات . أما فى غير تلك الأحوال فإنه يجب لمعاقبة المتهم عن فعل إرتكبه غيره أن يكون فاعلا فيه أو شريكا بالمعنى المحدد فى القانون .
(الطعن رقم 882 لسنة 35 جلسة 1965/10/19 س 16 ع 3 ص 718 ق 136)
6 ـ إن كل ما تتطلبه المادة 243 من قانون العقوبات هو توارد خواطر الجناه على الإعتداء و إتجاه خاطر كل منهم إتجاهاً ذاتياً إلى ما تتجه إليه خواطر سائر أهل فريقه من تعمد إيقاع الأذى وفقاً لما عبرت عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون العقوبات الصادر فى سنة 1937 .
(الطعن رقم 1711 لسنة 34 جلسة 1964/12/22 س 15 ع 3 ص 857 ق 168)
7 ـ إذا كان الحكم قد أثبت وجود المتهمين جميعا ( و هم أكثر من خمسة ) فى مكان الحادث و إشتراكهم فى التجمهر أو العصبة التى توافقت على التعدى و الإيذاء ، و تعدى بعضهم بالضرب على المجنى عليه بالعصى التى كانوا يحملونها فإن أركان الجريمة المنصوص عنها فى المادة 243 من قانون العقوبات تكون قد تحققت ، و ليس من الضرورى بعد ذلك أن يبين الحكم من إعتدى من المتهمين المتجمهرين بالذات على المجنى عليه .
(الطعن رقم 1118 لسنة 24 جلسة 1954/11/22 س 6 ع 1 ص 205 ق 68)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 175
ضَرْبٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - يُطْلَقُ الضَّرْبُ لُغَةً عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الإْصَابَةُ بِالْيَدِ أَوِ السَّوْطِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا، يُقَالُ: ضَرَبَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِالسَّوْطِ يَضْرِبُهُ ضَرْبًا: عَلاَهُ بِهِ، وَالسَّيْرُ فِي الأْرْضِ ابْتِغَاءَ الرِّزْقِ أَوِ الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَصِيَاغَةُ النُّقُودِ، وَطَبْعُهَا، وَتَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِالآْخَرِ وَمَعَانٍ أُخْرَى، مِنْهَا ضَرْبُ الدُّفِّ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلضَّرْبِ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّأْدِيبُ:
2 - التَّأْدِيبُ مَصْدَرُ أَدَّبَهُ تَأْدِيبًا: إِذَا عَاقَبَهُ عَلَى إِسَاءَتِهِ بِالضَّرْبِ، أَوْ بِغَيْرِهِ.
ب - التَّعْزِيرُ:
3 - التَّعْزِيرُ: عُقُوبَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ أَوْ لآِدَمِيٍّ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ وَلاَ كَفَّارَةٌ غَالِبًا .
ج - الْقَتْلُ:
4 - الْقَتْلُ إِزْهَاقُ الرُّوحِ بِالضَّرْبِ أَوْ بِغَيْرِهِ
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الضَّرْبِ بِاخْتِلاَفِ الْمَعَانِي الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا:
فَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ أَوِ الْيَدِ، أَوْ بِغَيْرِهِمَا: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ سَبَبِهِ، وَتَعْتَرِيهِ الأْحْكَامُ التَّالِيَةُ: فَتَارَةً يَكُونُ حَرَامًا، كَضَرْبِ الْبَرِيءِ، وَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا، كَضَرْبِ شَارِبِ الْمُسْكِرِ، وَالزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ لإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا، وَضَرْبِ الْقَاذِفِ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ، بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَبِدُونِ طَلَبِهِ - أَيْضًا - عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَضَرْبِ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ، وَنَحْوِهَا.
وَتَارَةً يَكُونُ جَائِزًا كَضَرْبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ لِحَقِّهِ، كَالنُّشُوزِ وَغَيْرِهِ، وَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ لِلتَّعْلِيمِ، وَضَرْبِ السُّلْطَانَ مَنِ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لاَ حَدَّ فِيهِ، وَلاَ كَفَّارَةَ، عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (حُدُود ف 31، تَأْدِيب ف 8 تَعْزِير ف 14).
أَدَاةُ الضَّرْبِ:
6 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الضَّرْبَ فِي الْحُدُودِ يَكُونُ بِالسَّوْطِ إِلاَّ حَدَّ الشُّرْبِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُضْرَبُ بِالسَّوْطِ، كَمَا يُضْرَبُ أَيْضًا بِالنِّعَالِ وَالأْيْدِي وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ» .
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ السَّوْطُ، وَقَالُوا: يُفْهَمُ مِنْ إِطْلاَقِ الْجَلْدِ الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ، «وَلأِنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَلْدٌ فِي الْخَمْرِ» . كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِجَلْدِ الزَّانِي، فَكَانَ بِالسَّوْطِ مِثْلَهُ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ضَرَبُوا بِالسَّوْطِ فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا.
أَمَّا الضَّرْبُ لِلتَّعْزِيرِ، أَوِ التَّأْدِيبِ فَيَكُونُ بِالسَّوْطِ وَالْيَدِ، وَأَمَّا ضَرْبُ الصَّبِيِّ فِي التَّأْدِيبِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِيَدٍ، وَلاَ يُجَاوِزُ ثَلاَثًا، وَكَذَا: الْمُعَلِّمُ وَالْوَصِيُّ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ: إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلاَثِ، فَإِنَّكَ إِنْ ضَرَبْتَ فَوْقَ ثَلاَثٍ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ» .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (شُرْب، وَحُدُود ف 31، وَتَعْزِير ف 14 وَتَأْدِيب ف 8).
صِفَةُ سَوْطِ الضَّرْبِ:
7 - يَكُونُ سَوْطُ الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَسَطًا بَيْنَ قَضِيبٍ، وَعَصًا، وَرَطْبٍ، وَيَابِسٍ، لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رَكِبَ بِهِ وَلاَنَ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ».
وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ يَكُونُ وَسَطًا، لاَ شَدِيدًا فَيَقْتُلُ، وَلاَ ضَعِيفًا فَلاَ يَرْدَعُ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ تَأْدِيبُهُ، لاَ قَتْلُهُ .
كَيْفِيَّةُ الضَّرْبِ:
8 - يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى الأْعْضَاءِ، فَلاَ يُجْمَعُ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ، وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ، كَالْوَجْهِ، وَالرَّأْسِ، وَالنَّحْرِ، وَالْفَرْجِ.
وَأَشَدُّ الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ: ضَرْبُ الزَّانِي، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الْقَذْفِ، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الشُّرْبِ، ثُمَّ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَشَدُّ الضَّرْبِ: ضَرْبُ التَّعْزِيرِ؛ لأِنَّهُ خُفِّفَ عَدَدًا فَلاَ يُخَفَّفُ وَصْفًا، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الزِّنَا لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ، ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ لِثُبُوتِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الْقَذْفِ لِضَعْفِ سَبَبِهِ لاِحْتِمَالِ صِدْقِ الْقَاذِفِ وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّهَا وَاحِدٌ؛ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَأْنُهُ أَمَرَ بِجَلْدِ الزَّانِي، وَالْقَاذِفِ أَمْرًا وَاحِدًا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الزَّجْرُ فَيَجِبُ تَسَاوِيهَا فِي الصِّفَةِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُود ف 31، وَتَعْزِير ف 14).
ضَرْبُ الزَّوْجَةِ:
9 - يَجِبُ فِي ضَرْبِ الزَّوْجَةِ لِلنُّشُوزِ أَوْ لِغَيْرِهِ: أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلاَ مُدْمٍ، وَأَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ، وَالأْمَاكِنَ الْمُخِيفَةَ، وَلاَ يَضْرِبَهَا إِلاَّ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ كَالنُّشُوزِ، فَلاَ يَضْرِبُهَا لِحَقِّ اللَّهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، كَتَرْكِ الصَّلاَةِ.
(ر: نُشُوز ) .
ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ:
10 - ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الْمَنُوطَةِ بِالإْمَامِ فَلَيْسَ لِلأْفْرَادِ ضَرْبُهَا، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَخَاطِرِ الْغِشِّ، وَمَنَعَ الإْمَامُ أَحْمَدُ مِنَ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِ الإْمَامِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (دَرَاهِم ف 7).
ضَرْبُ الدُّفِّ:
11 - يَجُوزُ ضَرْبُ الدُّفِّ لِعُرْسٍ وَخِتَانٍ وَعِيدٍ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لإِِظْهَارِ الْفَرَحِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ الدُّفُوفَ» .
وَعَنْ «عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأْنْصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟، فَإِنَّ الأْنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ» وَحَدِيثُ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» «وَعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى: تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» .
وَالتَّفْصِيلُ فِي: (لَهْو، وَلِيمَة، عُرْس).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 26
خِتَانٌ
التَّعْرِيفُ :
الْخِتَانُ وَالْخِتَانَةُ لُغَةً الاِسْمُ مِنَ الْخَتْنِ، وَهُوَ قَطْعُ الْقُلْفَةِ مِنَ الذَّكَرِ، وَالنَّوَاةُ مِنَ الأْنْثَى، كَمَا يُطْلَقُ الْخِتَانُ عَلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ.
يُقَالُ خَتَنَ الْغُلاَمَ وَالْجَارِيَةَ يَخْتِنُهُمَا وَيَخْتُنُهُمَا خَتْنًا.
وَيُقَالُ: غُلاَمٌ مَخْتُونٌ وَجَارِيَةٌ مَخْتُونَةٌ وَغُلاَمٌ وَجَارِيَةٌ خَتِينٌ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْخَفْضُ وَالإْعْذَارُ، وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْخَتْنَ بِالذَّكَرِ، وَالْخَفْضَ بِالأْنْثَى، وَالإْعْذَارُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا.
وَالْعُذْرَةُ : الْخِتَانُ، وَهِيَ كَذَلِكَ الْجِلْدَةُ يَقْطَعُهَا الْخَاتِنُ. وَعَذَرَ الْغُلاَمَ وَالْجَارِيَةَ يَعْذِرُهُمَا، عُذْرًا وَأَعْذَرَهُمَا خَتَنَهُمَا.
وَالْعَذَارُ وَالإْعْذَارُ وَالْعَذِيرَةُ وَالْعَذِيرُ طَعَامُ الْخِتَانِ.
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلْمُصْطَلَحِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.
حُكْمُ الْخِتَانِ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْخِتَانِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ :
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَهُوَ مِنَ الْفِطْرَةِ وَمِنْ شَعَائِرِ الإْسْلاَمِ، فَلَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ حَارَبَهُمُ الإْمَامُ، كَمَا لَوْ تَرَكُوا الأْذَانَ.
وَهُوَ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي رِوَايَةٍ يُعْتَبَرُ خِتَانُهَا مَكْرُمَةً وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّهُ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِنَّ كَذَلِكَ، وَفِي ثَالِثٍ: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ.
وَاسْتَدَلُّوا لِلسُّنِّيَّةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: « الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ » وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا « خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإْبِطِ، وَتَقْلِيمُ الأْظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ».
وَقَدْ قُرِنَ الْخِتَانُ فِي الْحَدِيثِ بِقَصِّ الشَّارِبِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ كَذَلِكَ أَنَّ الْخِتَانَ قَطْعُ جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ قِيَاسًا عَلَى قَصِّ الأْظْفَارِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سَحْنُونٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَاسْتَدَلُّوا لِلْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ » وَأُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم أَمْرٌ لَنَا بِفِعْلِ تِلْكَ الأْمُورِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا فَكَانَتْ مِنْ شَرْعِنَا.
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ كَذَلِكَ: « أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ » قَالُوا: وَلأِنَّ الْخِتَانَ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمَا جَازَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَمَا جَازَ نَظَرُ الْخَاتِنِ إِلَيْهَا وَكِلاَهُمَا حَرَامٌ، وَمِنْ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ كَذَلِكَ أَنَّ الْخِتَانَ مِنْ شِعَارِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ وَاجِبًا كَسَائِرِ شِعَارِهِمْ.
وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : « إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ » دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْتَتِنَّ؛ وَلأِنَّ هُنَاكَ فَضْلَةً فَوَجَبَ إِزَالَتُهَا كَالرَّجُلِ. وَمِنَ الأْدِلَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ أَنَّ بَقَاءَ الْقُلْفَةِ يَحْبِسُ النَّجَاسَةَ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلاَةِ فَتَجِبُ إِزَالَتُهَا.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ :
هَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي، وَهُوَ أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَمَكْرُمَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِنَّ.
مِقْدَارُ مَا يُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ :
يَكُونُ خِتَانُ الذُّكُورِ بِقَطْعِ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ، وَتُسَمَّى الْقُلْفَةَ، وَالْغُرْلَةَ، بِحَيْثُ تَنْكَشِفُ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُ إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَخْذِ أَكْثَرِهَا جَازَ. وَفِي قَوْلِ ابْنِ كَجٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ يَكْفِي قَطْعُ شَيْءٍ مِنَ الْقُلْفَةِ وَإِنْ قَلَّ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَطْعُ تَدْوِيرَ رَأْسِهَا.
وَيَكُونُ خِتَانُ الأْنْثَى بِقَطْعِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الاِسْمُ مِنَ الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ. وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ لاَ تُقْطَعَ كُلُّهَا بَلْ جُزْءٌ مِنْهَا.
وَذَلِكَ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ – رضي الله عنها - « أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : لاَ تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ ».
وَقْتُ الْخِتَانِ :
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَصِيرُ فِيهِ الْخِتَانُ وَاجِبًا هُوَ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لأِنَّ الْخِتَانَ مِنْ أَجْلِ الطَّهَارَةِ، وَهِيَ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ.
وَيُسْتَحَبُّ خِتَانُهُ فِي الصِّغَرِ إِلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ لأَِنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ؛ وَلأَِنَّهُ أَسْرَعُ بُرْءًا فَيَنْشَأُ عَلَى أَكْمَلِ الأْحْوَالِ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَعْيِينِ وَقْتِ الاِسْتِحْبَابِ وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ يَوْمُ السَّابِعِ وَيُحْتَسَبُ يَوْمُ الْوِلاَدَةِ مَعَهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: « عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَخَتَنَهُمَا لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ » وَفِي مُقَابِلِهِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الأْكْثَرُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ السَّابِعُ بَعْدَ يَوْمِ الْوِلاَدَةِ. وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْمُسْتَحَبَّ مَا بَيْنَ الْعَامِ السَّابِعِ إِلَى الْعَاشِرِ مِنْ عُمْرِهِ؛ لأِنَّهَا السِّنُّ الَّتِي يُؤْمَرُ فِيهَا بِالصَّلاَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ وَقْتُ الإْثْغَارِ، إِذَا سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ، وَالأْشْبَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِطَاقَةِ الصَّبِيِّ إِذْ لاَ تَقْدِيرَ فِيهِ فَيُتْرَكُ تَقْدِيرُهُ إِلَى الرَّأْيِ، وَفِي قَوْلٍ: إِنَّهُ إِذَا بَلَغَ الْعَاشِرَةَ لِزِيَادَةِ الأْمْرِ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَهَا. وَكَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْخِتَانَ يَوْمَ السَّابِعِ؛ لأِنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالْيَهُودِ.
خِتَانُ مَنْ لاَ يَقْوَى عَلَى الْخِتَانِ :
مَنْ كَانَ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ بِحَيْثُ لَوْ خُتِنَ خِيفَ عَلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْتَنَ حَتَّى عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِ، بَلْ يُؤَجَّلُ حَتَّى يَصِيرَ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلاَمَتُهُ؛ لأِنَّهُ لاَ تَعَبُّدَ فِيمَا يُفْضِي إِلَى التَّلَفِ؛ وَلأِنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يَسْقُطُ بِخَوْفِ الْهَلاَكِ فَالسُّنَّةُ أَحْرَى، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ.
وَلِلْحَنَابِلَةِ تَفْصِيلٌ فِي مَذْهَبِهِمْ، مُلَخَّصُهُ أَنَّ وُجُوبَ الْخِتَانِ يَسْقُطُ عَمَّنْ خَافَ تَلَفًا، وَلاَ يَحْرُمُ مَعَ خَوْفِ التَّلَفِ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، أَمَّا مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتْلَفُ بِهِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخِتَانُ : لقوله تعالى (وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)
مَنْ مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ :
لاَ يُخْتَنُ الْمَيِّتُ الأْقْلَفُ الَّذِي مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ. لأِنَّ الْخِتَانَ كَانَ تَكْلِيفًا، وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ؛ وَلأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْخِتَانِ التَّطْهِيرُ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ زَالَتِ الْحَاجَةُ بِمَوْتِهِ. وَلأِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمَيِّتِ فَلاَ يُقْطَعُ، كَيَدِهِ الْمُسْتَحَقَّةِ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، أَوِ الْقِصَاصِ وَهِيَ لاَ تُقْطَعُ مِنَ الْمَيِّتِ، وَخَالَفَ الْخِتَانُ قَصَّ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ؛ لأِنَّهُمَا يُزَالاَنِ فِي الْحَيَاةِ لِلزِّينَةِ، وَالْمَيِّتُ يُشَارِكُ الْحَيَّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْخِتَانُ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ، وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ.
وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ يُخْتَنُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ لأِنَّهُ كَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَهِيَ تُزَالُ مِنَ الْمَيِّتِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ عِنْدَهُمْ: إِنَّهُ يُخْتَنُ الْكَبِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ؛ لأِنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْبَالِغِ دُونَ الصَّغِيرِ.
مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا بِلاَ قُلْفَةٍ :
مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا بِلاَ قُلْفَةٍ فَلاَ خِتَانَ عَلَيْهِ لاَ إِيجَابًا وَلاَ اسْتِحْبَابًا، فَإِنْ وُجِدَ مِنَ الْقُلْفَةِ شَيْءٌ يُغَطِّي الْحَشَفَةَ أَوْ بَعْضَهَا، وَجَبَ قَطْعُهُ كَمَا لَوْ خُتِنَ خِتَانًا غَيْرَ كَامِلٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ ثَانِيًا حَتَّى يُبِينَ جَمِيعَ الْقُلْفَةِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِزَالَتِهَا فِي الْخِتَانِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ تُجْرَى عَلَيْهِ الْمُوسَى، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقْطَعُ قُطِعَ.
تَضْمِينُ الْخَاتِنِ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَضْمِينِ الْخَاتِنِ إِذَا مَاتَ الْمَخْتُونُ بِسَبَبِ سِرَايَةِ جُرْحِ الْخِتَانِ، أَوْ إِذَا جَاوَزَ الْقَطْعُ إِلَى الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضِهَا أَوْ قُطِعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَطْعِ .
وَحُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ حُكْمُ الطَّبِيبِ أَيْ أَنَّهُ يُضْمَنُ مَعَ التَّفْرِيطِ أَوِ التَّعَدِّي وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْخِتَانِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخَاتِنَ إِذَا خَتَنَ صَبِيًّا فَقَطَعَ حَشَفَتَهُ وَمَاتَ الصَّبِيُّ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْخَاتِنِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ كُلُّهَا، وَذَلِكَ لأِنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِفِعْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْقُلْفَةِ، وَالآْخَرُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ، فَيَجِبُ نِصْفُ الضَّمَانِ. أَمَّا إِذَا بَرِئَ فَيُجْعَلُ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَقَطْعُ الْحَشَفَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ كَامِلاً وَهُوَ الدِّيَةُ؛ لأِنَّ الْحَشَفَةَ عُضْوٌ مَقْصُودٌ لاَ ثَانِيَ لَهُ فِي النَّفْسِ فَيُقَدَّرُ بَدَلُهُ بِبَدَلِ النَّفْسِ كَمَا فِي قَطْعِ اللِّسَانِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْخَاتِنِ إِذَا كَانَ عَارِفًا مُتْقِنًا لِمِهْنَتِهِ وَلَمْ يُخْطِئْ فِي فِعْلِهِ كَالطَّبِيبِ؛ لأِنَّ الْخِتَانَ فِيهِ تَغْرِيرٌ فَكَأَنَّ الْمَخْتُونَ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَا أَصَابَهُ.
فَإِنْ كَانَ الْخَاتِنُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْخِتَانِ وَأَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عُوقِبَ، وَفِي كَوْنِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ فِي مَالِهِ قَوْلاَنِ: فَلاِبْنِ الْقَاسِمِ إِنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَعَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ إِنَّهَا فِي مَالِهِ. لأِنَّ فِعْلَهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لاَ تَحْمِلُ عَمْدًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخَاتِنَ إِذَا تَعَدَّى بِالْجُرْحِ الْمُهْلِكِ، كَأَنْ خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لاَ يَحْتَمِلُهُ لِضَعْفٍ وَنَحْوِهِ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، فَإِنْ ظَنَّ كَوْنَهُ مُحْتَمِلاً فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْقَوَدِ لاِنْتِفَاءِ التَّعَدِّي. وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْقَوَدِ الْوَالِدُ وَإِنْ عَلاَ؛ لأِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ، وَتَلْزَمُهُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ لأِنَّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ. فَإِنِ احْتَمَلَ الْخِتَانَ وَخَتَنَهُ وَلِيٌّ، أَوْ وَصِيٌّ، أَوْ قَيِّمٌ فَمَاتَ، فَلاَ ضَمَانَ فِي الأْصَحِّ لإِحْسَانِهِ بِالْخِتَانِ، إِذْ هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ مَا دَامَ صَغِيرًا بِخِلاَفِ الأْجْنَبِيِّ لِتَعَدِّيهِ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ إِقَامَةِ الشِّعَارِ.
وَلَمْ يَرَ الزَّرْكَشِيُّ الْقَوَدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الأْجْنَبِيِّ أَيْضًا لأِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ يُقِيمُ شَعِيرَةً.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْخَاتِنِ إِذَا عُرِفَ مِنْهُ حِذْقُ الصَّنْعَةِ، وَلَمْ تَجْنِ يَدُهُ؛ لأِنَّهُ فَعَلَ فِعْلاً مُبَاحًا فَلَمْ يَضْمَنْ سِرَايَتَهُ كَمَا فِي الْحُدُودِ، وَكَذَلِكَ لاَ ضَمَانَ إِذَا كَانَ الْخِتَانُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، أَوْ وَلِيِّ غَيْرِهِ أَوِ الْحَاكِمِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِذْقٌ فِي الصَّنْعَةِ ضَمِنَ؛ لأِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ مُبَاشَرَةُ الْقَطْعِ، فَإِنْ قُطِعَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، لِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم : « مَنْ تَطَبَّبَ وَلاَ يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ » وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ إِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَكَانَ حَاذِقًا وَلَكِنْ جَنَتْ يَدُهُ وَلَوْ خَطَأً، مِثْلُ أَنْ جَاوَزَ قَطْعَ الْخِتَانِ فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ أَوْ بَعْضَهَا، أَوْ غَيْرَ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ قَطَعَ بِآلَةٍ يَكْثُرُ أَلَمُهَا، أَوْ فِي وَقْتٍ لاَ يَصْلُحُ الْقَطْعُ فِيهِ. وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ إِذَا قَطَعَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ.
آدَابُ الْخِتَانِ :
تُشْرَعُ الْوَلِيمَةُ لِلْخِتَانِ وَتُسَمَّى الإْعْذَارُ وَالْعَذَارُ، وَالْعُذْرَةُ، وَالْعَذِيرُ.
وَالسُّنَّةُ إِظْهَارُ خِتَانِ الذَّكَرِ، وَإِخْفَاءُ خِتَانِ الأْنْثَى.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهَا تُسْتَحَبُّ فِي الذَّكَرِ وَلاَ بَأْسَ بِهَا فِي الأُْنْثَى لِلنِّسَاءِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَالتَّفْصِيلُ فِي (وَلِيمَةٌ، وَدَعْوَةٌ).
خَدِيعَةٌ
التَّعْرِيفُ :
الْخَدِيعَةُ وَالْخُدْعَةُ مَصْدَرُ خَدَعَ يَخْدَعُ إِظْهَارُ الإِْنْسَانِ خِلاَفَ مَا يُخْفِيهِ. أَوْ هُوَ بِمَعْنَى الْخَتْلِ وَإِرَادَةِ الْمَكْرُوهِ. وَالْفَاعِلُ: الْخَادِعُ، وَخَدَّاعٌ وَخَدُوعٌ مُبَالَغَةٌ، وَالْخُدْعَةُ - بِالضَّمِّ - مَا يُخْدَعُ بِهِ الإِْنْسَانُ مِثْلُ اللُّعْبَةِ لِمَا يُلْعَبُ بِهِ وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ - مُثَلَّثَةُ الْخَاءِ - وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. قَالَ ثَعْلَبٌ: بَلَغَنَا أَنَّهَا لُغَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ هَذَا.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الْغَدْرُ :
الْغَدْرُ، هُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، أَوْ نَقْضُهُ. قَالَ: غَدَرَهُ وَغَدَرَ بِهِ غَدْرًا: أَيْ خَانَهُ، وَنَقَضَ عَهْدَهُ.
ب - الْغَبْنُ :
هُوَ مِنْ غَبَنَهُ يَغْبِنُهُ غَبْنًا - بِتَسْكِينِ الْبَاءِ - فِي الْبَيْعِ أَيْ: خَدَعَهُ، وَغُبِنَ الرَّأْيَ وَغُبِنَ فِيهِ غَبْنًا
وَغَبَنًا - بِفَتْحِ الْبَاءِ - غَلِطَ فِيهِ وَنَسِيَهُ وَأَغْفَلَهُ. وَالْغَبْنُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يَكُونُ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً.
فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْخَدِيعَةِ.
ج - الْخِيَانَةُ :
الْخِيَانَةُ: التَّفْرِيطُ فِي الْعَهْدِ وَالأْمَانَةِ وَتَرْكُ النُّصْحِ فِيهَا. وَالْخَدِيعَةُ قَدْ تَكُونُ مَعَ خِيَانَةِ الأْمَانَةِ وَقَدْ لاَ تَكُونُ.
د - الْغُرُورُ، وَالتَّغْرِيرُ:
الْغُرُورُ مَصْدَرُ غَرَّهُ يَغُرُّهُ غُرُورًا، إِذَا خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ.
وَالتَّغْرِيرُ إِيقَاعُ الشَّخْصِ فِي الْغَرَرِ.
وَالْغَرَرُ مَا انْطَوَتْ عَنْكَ عَاقِبَتُهُ، أَوْ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا.
هـ - الْغِشُّ :
وَهُوَ مَصْدَرُ غَشَّهُ يَغُشُّهُ - بِالضَّمِّ - غِشًّا لَمْ يُمَحِّضْهُ النُّصْحَ، أَوْ أَظْهَرَ لَهُ خِلاَفَ مَا يُبْطِنُهُ، يُقَالُ: شَيْءٌ مَغْشُوشٌ.
و - التَّدْلِيسُ :
التَّدْلِيسُ، كِتْمَانُ عَيْبِ الشَّيْءِ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْبَيْعِ.
فَالتَّدْلِيسُ نَوْعٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ.
ز - التَّوْرِيَةُ :
وَهِيَ مِنْ وَرَّى الْخَبَرَ تَوْرِيَةً: أَيْ سَتَرَهُ، وَأَظْهَرَ غَيْرَهُ
فَهِيَ أَيْضًا نَوْعٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ.
ح - التَّزْوِيرُ :
هُوَ تَحْسِينُ الشَّيْءِ، وَوَصْفُهُ بِخِلاَفِ صِفَتِهِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى مَنْ يَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ أَنَّهُ بِخِلاَفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ. وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَنَدَاتِ مِنَ الْوَثَائِقِ وَالشَّهَادَاتِ
ط - الْحِيلَةُ :
هِيَ فِي اللُّغَةِ الْحِذْقُ وَجَوْدَةُ النَّظَرِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي تَدْبِيرِ الأْمُورِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّهُ غَلَبَ فِي الْعُرْفِ عَلَى الْحِيلَةِ اسْتِعْمَالُهَا فِي سُلُوكِ الطُّرُقِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِهَا الرَّجُلُ إِلَى حُصُولِ غَرَضِهِ، بِحَيْثُ لاَ يَتَفَطَّنُ لَهُ إِلاَّ بِنَوْعٍ مِنَ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا فِي تَعَاطِيهِ خَبَثٌ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا فِي اسْتِعْمَالِهِ حِكْمَةٌ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :
الْخَدِيعَةُ بِمَعْنَى - إِظْهَارِ الإِْنْسَانِ خِلاَفَ مَا يُخْفِيهِ - حَرَامٌ إِذَا كَانَ فِيهَا خِيَانَةُ أَمَانَةٍ، أَوْ نَقْضُ عَهْدٍ. وَهَذَا لاَ يُعْلَمُ فِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ عُلَمَاءِ الأْمَّةِ، وَتَوَاتَرَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ فِي النَّهْيِ عَنْهَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وَقَوْلُهُ: ( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ)
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: « يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلاَلِ كُلِّهَا إِلاَّ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ». وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأْعْيُنِ »
وَعَدَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَلاَمَاتِ النِّفَاقِ فَقَالَ: « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ ».
وَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: « إِنِّي لاَ أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلاَ أَحْبِسُ الْبُرُدَ ».
قَالَ الصَّنْعَانِيُّ فِي سُبُلِ السَّلاَمِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حِفْظِ الْعَهْدِ، وَالْوَفَاءِ بِهِ. وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : عَنْ عُقُودٍ مُعَيَّنَةٍ تَدْخُلُ فِيهَا الْخَدِيعَةُ مِنَ النَّجْشِ، وَالتَّصْرِيَةِ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ. وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمَخْدُوعِ فِيهَا حَقَّ خِيَارِ الْفَسْخِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه : قَالَ: « إِنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ » أَيْ لاَ خَدِيعَةَ.
(ر: نَجْشٌ، وَتَصْرِيَةٌ، وَتَدْلِيسٌ).