المادة 146 - ( أصبحت المادة 244) - هي المادة 208 من القانون سنة 1904 التي تعاقب علي الجرح خطأ وقد رفع فيها الحد الاقصي لعقوبة الحبس إلي ستة أشهر لانه لوحظ في العمل إن الحد الأقصي للحبس المنصوص عليه في المادة 208 المذكورة ( وهو شهران ) لا يكفي في الأحوال التي يكون فيه الخطأ جسيماً أو التي يتعدد فيها المجني عليهم .
المادة 146 - ( أصبحت المادة 244) - هي المادة 208 من القانون سنة 1904 التي تعاقب علي الجرح خطأ وقد رفع فيها الحد الاقصي لعقوبة الحبس إلي ستة أشهر لانه لوحظ في العمل إن الحد الأقصي للحبس المنصوص عليه في المادة 208 المذكورة ( وهو شهران ) لا يكفي في الأحوال التي يكون فيه الخطأ جسيماً أو التي يتعدد فيها المجني عليهم .
ملحوظة 1 : بموجب قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وقرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية رقم 174 لسنة 2021 في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 24 /7 /2021، وبتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون المشار إليه، فقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 28 (مكرر) في 18 يوليو 2021، والذي تضمن إحالة الجريمة موضوع هذا النص إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وذلك خلال فترة سريان قرار رئيس الجمهورية بمد حالة الطوارئ ، وذلك إذا وقعت هذه الجريمة من العاملين في السكك الحديدية أثناء وبسبب تأدية واجبات وظيفتهم وما يرتبط بها من جرائم .
ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها .
( مركز الراية للدراسات القانونية )
عاقبت المادة 244 عقوبات على التسبب في جرح أحد من غير قصد ولا تعمد إذا كان ذلك ناشئاً عن خطأ غير عمدي، وتخضع هذه الجريمة إلى الأحكام الخاصة بجريمة قتل الخطأ فيما يتعلق بمدلول الخطأ ورابطة السببية بين النتيجة والفعل.
وننبه إلى أن الخطأ غير العمدي في هذه الجريمة - كما هي الحال في جميع الجرائم غير العمدية - هو الركن المميز لها، مما يقتضي من الحكم أن يبين عناصر الخطأ الذي وقع فيه الجاني وكيف أنه كان سبباً في وقوع الحادث، وإلا كان قاصراً.
العقوبة :
يقرر القانون لهذه الجريمة عقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة وبغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً أو بأحد هاتين العقوبتين (المادة 244 عقوبات المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962).
الظروف المشددة
شدد المشرع العقوبة وفقاً لجسامة الخطأ أو الضرر على الوجه الآتي :
(أ) جسامة الخطأ : تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كان متعاطياً مسکراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث، أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
(ب) جسامة الضرر : تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة ، وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص فإذا تعدد المجني عليهم على هذا النحو ترتب على إصابتهم عاهة مستديمة لحقت كلاً من المجني عليهم تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات (المادة 244/ 3 عقوبات).
(ج) جسامة الخطأ والضرر معاً : إذا توافر خطأ جسيم على النحو السالف بيانه وأدى إلى إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص كانت العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات (المادة 244/ 3 عقوبات). (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة: 173)
الأحكام الخاصة بالاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم
تمهيد : نصت على جرائم الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم المادة 244 من قانون العقوبات في قولها «من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص ، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين»، وقد نص الشارع على هذه الجريمة في صورة بسيطة ، ونص عليها في صور مشددة ، وأسباب التشديد ترجع إلى درجة جسامة الخطأ ، أو درجة جسامة النتيجة ، أو ترجع إليهما معاً وتشترك جرائم الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم مع جرائم الاعتداء العمدي على هذا الحق في وقوعها اعتداء على ذات الحق ، وهو الحق في سلامة الجسم ، وتشترك معها كذلك في الركن المادي وتشترك هذه الجرائم مع القتل غير العمدي في الركن المعنوي ، فهو الخطأ .
أركان جرائم الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم : تقوم هذه الجرائم على أركان ثلاثة : محل الاعتداء ، والركن المادي ، والركن المعنوي.
وكل ما ذكر في شأن محل الاعتداء في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة العمدية يصدق على هذه الجرائم حين تكون غير عمدية : فالاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم لا يقع إلا على جسم حی ، فهو لا يتصور على جنين ، ولا يتصور على جثة فارقتها الروح ويخضع الركن المادي لذات الأحكام التي يخضع لها إذا كانت الجريمة عمدية ، ويخضع الركن المعنوي لذات الأحكام التي يخضع لها في القتل غير العمدي ومع ذلك فثمة ملاحظات ترد على هذين الركنين .
الركن المادي في جرائم الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم يقوم هذا الركن على العناصر الثلاثة التي يقوم عليها الركن المادي عادة ، وهي : الفعل والنتيجة وعلاقة السببية.
فعل الاعتداء على سلامة الجسم: يثير التساؤل عن ماهية فعل الاعتداء على سلامة الجسم في الجرائم غير العمدية أن الشارع اقتصر فی المادة 244 من قانون العقوبات على التعبير عن هذا الفعل بلفظ والجرح والإيذاء ، فلم يستعمل لفظ «الضرب»، ولم تتضمن نصوصه اعتبار «إعطاء المواد الضارة» إحدى صور الاعتداء على سلامة الجسم كما فعلت المادة 265 بالنسبة للجرائم العمدية ، فهل يعني ذلك إرادة الشارع إعطاء فعل الاعتداء على سلامة الجسم في الجرائم غير العمدية مدلولاً أضيق من دلالته في الجرائم العمدية واستبعاد الأفعال التي لا تتخذ صورة الجرح أو الإيذاء ؟ لا نعتقد ذلك : فلفظاً الجرح والايذاء يجب أن يفسرا في ضوء العلة من التجريم ، وهي كفالة الحماية الكاملة للحق في سلامة الجسم ، ويقتضى ذلك أن يعطيا دلالة واسعة بحيث تشمل كل صور الاعتداء على هذا الحق ، وبغير ذلك تكون الحماية التي يسديها القانون ناقصة مليئة بالثغرات التي ينفذ منها الاعتداء على الحق دون أن يناله التجريم وبالإضافة إلى ذلك فإن لفظ «الإيذاء» واسع المدلول بطبيعته ، ودلالته اللغوية تسمح بتفسيره على نحو تدخل فيه كل صور المساس بسلامة الجسم : لذلك نرى أن يوحد بين دلالة ونطاق فعل الاعتداء على سلامة الجسم في الجرائم العمدية وغير العمدية وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا اتخذ الفعل صورة الضرب كان خاضعاً التجريم القانون : مثال ذلك من يلوح بعصاه دون احتياط فيصيب أحد المارة بضربة ، وإذا اتخذ الفعل صورة إعطاء المواد الضارة كان كذلك خاضعاً التجريم القانون ، مثال ذلك الصيدلي الذي يخطىء في تركيب الدواء فيصيب متناوله بمرض أو يزيد من وطأة المرض الذي كان يعانيه من قبل ، أو الطبيب الذي يخطىء في تحرير أمر تركيب الدواء فتضار بذلك صحة متناوله.
إصابة المجنى عليه : تعد إصابة المجنى عليه النتيجة التي تترتب على فعل الإعتداء، ويتمثل فيها الأذى الذي ينال جسمه فإن لم تحدث إصابة فلا تقوم المسئولية أياً كانت جسامة الخطأ الذي شاب مسلك المتهم ، فالقواعد العامة تستبعد هذه الجرائم من نطاق الشروع.
ويجب أن تقف النتيجة عند حد الإصابة ، فإن جاوزت ذلك إلى وفاة المجني عليه ، فإن المسئولية تجاوز في الغالب نطاق الاعتداء على سلامة الجسم إلى القتل غير العمدي ولكن من الجائز أن تقف المسئولية عند الاعتداء على سلامة الجسم على الرغم من وفاة المجني عليه ، ومحل ذلك أن تنتفي علاقة السببية بين فعل المتهم ووفاة المجنى عليه ، ويتحقق ثبوتها مع ذلك بين هذا الفعل والإصابة التي نالت المجنى عليه أولاً ثم ازدادت خطورتها – بتأثير عوامل مستقلة عن فعل المتهم وليس في استطاعته وليس من واجبه توقعها - حتى أفضت إلى الوفاة .
علاقة السببية بين فعل الاعتداء والإصابة ، هذه العلاقة عنصر جوهري في الركن المادي لهذه الجرائم ، فإن انتفت فلا مسئولية على مرتكب الفعل من أجل الإصابة ، وإنما يسأل عن الفعل ذاته إن كان غير مشروع ، كما لو اتخذ صورة مخالفة اللوائح ، أو يسأل عن الآثار المباشرة التي ترتبت عليه وثبت توافر علاقة السببية بينهما ويلاحظ أن استبعاد الجرائم غير العمدية من نطاق الشروع يؤدي إلى استحالة مساءلة مرتكب الفعل عن الإصابة - في أية صورة - إذا انتفت علاقة السببية بينهما .
وقد حددت محكمة النقض معیار علاقة السببية في هذه الجرائم بأنه يفترض - وبالإضافة إلى توافر العلاقة المادية بين الفعل والإصابة - أن المتهم «قد خرج بفعله عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير»، وهو ما يقتضي - على ما قدمنا - أن يكون سلوك المتهم في علاقته بالنتيجة موصوفاً بالخطأ ، وفي عبارة أدق أن تكون كيفية إحداث السلوك النتيجة موصوفة بالخطأ ، ويعني ذلك اشتراط أن يكون في استطاعة المتهم ومن واجبه توقع النتيجة والعوامل التي أسهمت - إلى جانب فعله - في إحداثها والقواعد التي تحكم هذا المعيار هي ذاتها التي تحكمه في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة العمدية ، وكل ما يميز بينهما أن النتيجة التي تنصرف إليها استطاعة التوقع ووجوبه هي مطلق الأذى ، ولا يشترط أن ينصرف ذلك إلى درجة جسامة الأذى ، إذا ليست - كقاعدة عامة - أساساً للتفرقة بين أنواع مختلفة من جرائم الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم وتطبيقاً لهذا المعيار فإن مساهمة المجني عليه في إحداث الإصابة لا تنفي علاقة السببية ، طالما كان في استطاعة المتهم توقع سلوك المجنى عليه والمثل يقال بالنسبة لسلوك شخص ثالث ساهم مع فعل المتهم في إحداث الإصابة أما إذا لم يكن في استطاعة المتهم ومن واجبه توقع هذه المساهمة فإن علاقة السببية تنتفي بذلك.
الركن المعنوي في جرائم الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم : صورة هذا الركن هي «الخطأ غير العمدي»، وهو يشترك - كما قدمنا - في طبيعته النفسية والقانونية وفي أحكامه مع الخطأ الذي يعد صورة الركن المعنوي في جرائم القتل غير العمدي ومؤدى ذلك أنه يقوم على عنصرين : الأول، هو نزول المتهم عن القدر الذي يتطلبه القانون من الحيطة والحذر؛ والثاني، هو عدم توقع حدوث الإصابة كأثر لفعله وعدم حيلولته دون حدوثها على الرغم من أن ذلك في استطاعته ومن واجبه؛ أو توقعه الإصابة واعتماده على احتياط غير كاف للحيلولة دون حدوثها.
ولكنا نستطيع أن نتلمس فارقاً بين الخطأ في نوعي الجرائم : فهو يتعلق في جرائم القتل بوفاة المجني عليه في حين أنه يتعلق في جرائم الاعتداء على سلامة الجسم بالإيذاء البدني الذي ينال جسم المجنى عليه، فالجاني يلام في الفئة الأولى من الجرائم لأنه لم يتوقع الوفاة ولم يحل دون حدوثها أو توقعها واعتمد على احتياط غير كاف في حين أنه في الفئة الثانية من الجرائم يلام لأنه لم يتوقع الأذى البدني ولم يحل دون حدوثه أو توقعه واعتمد على احتياط غير كاف لدرئه، وتترتب على هذا الفارق نتيجة هامة : إذا ارتكب الجاني فعل اعتداء وثبت اقترانه بخطأ متعلق بحدوث إيذاء بدني وغير ممتد إلى الوفاة فإن مسئوليته تقتصر على الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم، ولا يجوز أن تمتد إلى القتل، ولو مات المجنى عليه، وتطبيقاً لذلك فإنه إذا لم يكن في استطاعته الجاني عند ارتكابه فعله إلا أن يتوقع حدوث أذى بدني ينال جسم المجنى عليه ولم يكن في استطاعته أن يتوقع موته ، فإن مسئوليته تقف عند الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم، ولا تمتد إلى الاعتداء غير العمدي على الحياة ، ولو ترتب على الفعل حدوث الوفاة، فالممرضة التي عهد إليها بإعطاء المريض جرعة من الدواء فأعطته نسياناً جرعتين وكان شخص قد وضع سماً في الدواء في الفترة التي تخللت الجرعتين فترتب على تناول المريض الجرعة الثانية موته ، وثبت أنه لم يكن في استطاعة الممرضة توقع وضع السم وتوقع وفاة المريض ، فإنها لا تسأل عن وفاته، ولكن تسأل عن الضرر الصحي الذي أصابه نتيجة إعطائه جرعة مضاعفة من الدواء.
ويكفي لتحقق الخطأ أن تتوافر صورة واحدة من صورة التي نصت عليها المادة 244 من قانون العقوبات.
عقوبة الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم : حدد الشارع عقوبة لهذه الجريمة في صورتها البسيطة ، وحدد لها عقوبات في صورها المشددة.
عقوبة الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم في صورته البسيطة : قرر الشارع للجريمة في هذه الصورة عقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة والغرامة التي لا تجاوز مائتي جنية أو إحدى هاتين العقوبتين وقد اكتفى الشارع بالنص على الحد الأقصى للعقوبتين ، ويعني ذلك أنه قرر لكل منهما حدها الأدنى العام.
عقوبة الاعتداء غير العملي على سلامة الجسم في صورة المشددة :
نص الشارع على درجات ثلاث لتشديد العقاب : الدرجة الأولى تفترض ظروفاً ترجع إلى جسامة الخطأ عدا واحداً منها يرجع إلى جسامة النتيجة ، والدرجة الثانية تفترض ظرفاً راجعاً إلى جسامة النتيجة وبالذات عدد المجني عليهم ، أما الدرجة الثالثة فتفترض اجتماع ظرف الدرجة الثانية وأحد ظروف الدرجة الأولى .
الدرجة الأولى من التشديد : تفترض ظروف هذه الدرجة أن الإصابة قد نشأت عنها عاهة مستديمة أو أن الجريمة قد وقعت نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نکل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك والعقوبة التي توقع في هذه الدرجة الأولى من التشديد هي الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين ويعني ذلك أن القاضي الجمع بين الحبس والغرامة ، وله أن يقتصر على توقيع أحدهما .
الدرجة الثانية من التشديد : تفترض هذه الدرجة أنه قد نشأ عن الجريمة اصابة أكثر من ثلاثة أشخاص فهذا الظرف يرتبط بجسامة النتيجة المتمثلة في تعدد المجنى عليهم والعقوبة التي يقررها القانون في هذه الدرجة هي الحبس بين حديها الأدنى والأقصى العامين.
الدرجة الثالثة من التشديد : تفترض هذه الدرجة تعدد المجني عليهم بأن كان عددهم أكثر من ثلاثة اشخاص ، وتفترض بالإضافة إلى ذلك أحد الظروف التي تقوم بها الدرجة الأولى من التشديد ، أي اصابة أحد المجني عليهم بعاهة مستديمة أو تحقق أحد الظروف التي ترجع إلى درجة جسامة الخطأ والعقوبة التي يقررها القانون في هذه الحالة هي الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وتظل الجريمة على الرغم من هذا التشديد جنحة ، إذ لم تزل عقوبتها الحبس. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 566)
محل الاعتداء
- تحديد محل الاعتداء :
يقع الاعتداء في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة على الحق في سلامة الجسم ، ويفترض هذا الحق أن المجني عليه إنسان فلا تقع الجريمة على حيوان ، كذلك يفترض أن يكون الإنسان حياً .
وعلى النحو الذي تقدم بيانه فيما يتعلق بمحل الاعتداء في جريمة القتل، وعلى ذلك لا تقع جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة على جنين ، وإنما تحمى الجنين نصوص الإجهاض ، كذلك لا تقع هذه الجرائم على الجسم الذي فارقته الحياة.
ويقصد بالجسم الكيان الذي يؤدي الوظائف الحيوية وهو بهذا التحديد يشمل الجانبين المادي والنفسي ، وعلى ذلك يستوي في الاعتداء على سلامة الجسم أن ينال مادته كعضو من أعضائه أو أن ينال الجانب العقلي أو النفسي ، فيعتبر اعتداء على سلامة الجسم إطلاق رصاصة بجوار المجني عليه ، أو وضع فوهة مسدس على صدره لتحدث له صدمة عصبية ، أو إعطاؤه مادة ضارة تسبب له الجنون أو الاكتئاب النفسي.
وحق الإنسان في سلامة جسمه له عناصر ثلاثة : أولاً : الحق في المحافظة على الوضع الصحي الذي عليه الجسم ، وعلى ذلك يعتبر اعتداء على هذا الحق كل فعل يهبط بالمستوى الصحى - البدني أو العقلي أو النفسي - للمجني عليه ، سواء ترتب عليه حدوث مرض لم يكن موجودا من قبل أو تفاقم مرض كان يعاني منه ثانياً : الحق في الاحتفاظ بكل أجزاء مادة الجسم سليمة ، فيعتبر اعتداء كل فعل ينقص منها أو يخل بتماسكها ، كبتر عضو من أعضائه ، أو إخراج جزء من دمه أو وخزه بإبرة أو إحداث فتحة فيه أو قص الشعر. ثالثاً : الحق في التمتع بإنعدام الإحساس بالألم ، وعلى ذلك يتحقق الاعتداء بكل فعل يؤدي إلى إشعار المجنى عليه بألم لم يكن موجوداً ، أو إلى زيادة قدر الألم الذي كان يعانيه ولو لم يترتب على ذلك الهبوط بمستواه الصحي أو المساس بمادة جسمه ، مثال ذلك صفعه على وجهه أو جذب شعره.
الركن المادي
يقوم الركن المادي لجرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة على عناصر ثلاثة : الفعل والنتيجة وعلاقة السببية التي تربط بينهما والفعل في هذه الجرائم هو كل سلوك من شأنه المساس بسلامة الجسم ، والنتيجة لا تثير صعوبة ، إذ تتمثل فيما يترتب على الفعل من مساس بحق المجني عليه في سلامة جسمه في عنصر أو أكثر من عناصره التي تقدم بيانها، كذلك لا صعوبة في علاقة السببية ، إذ يخضع تحديدها لذات الضابط الذي حددناه فيما يتعلق بجرائم القتل ، فهى - على حد تعبير محكمة النقض - علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمداً ، أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير.
نقض 14 يونيو سنة 1966 مجموعة أحكام محكمة النقض س 17 رقم 152 ص 806 ؛ ونقض 26 نوفمبر سنة 1973 س 24 رقم 220 ص 1072 ؛ ونقض 8 أبريل سنة 1974 - س 25 رقم 85 ص 395 ؛ ونقض 8 يناير سنة 1976 س 27 رقم 194 ص 858 .
على ذلك تتوافر علاقة السببية بين الفعل والنتيجة ولو ساهمت معه بعض العوامل المألوفة التي كان في إمكان الجاني ومن واجبه توقعها ، مثل إهمال العلاج والتراخي فيه ، أو مرض المجني عليه السابق أو حالته الصحية العامة .
ولكن هذه العلاقة تنقطع إذا تدخلت عوامل شاذة غير مألوفة ، تكون - الشذوذها - من غير الممكن وبالتالي من غير الواجب توقعها ، ومثالها اصطدام سيارة المجنى عليه أثناء نقله إلى المستشفى ، أو الخطأ الجسيم من الطبيب الذي تولى علاج المجنى عليه.
وقد حدد المشرع للفعل صوراً ثلاثة ، ويقتضى هذا التحديد أن نتناول بشيء من التفصيل دراسة كل صورة من هذه الصور.
- الصور التي يتخذها فعل الاعتداء :
يتخذ الفعل المكون الركن المادي في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة - وفقا للتحديد التشریعی - إحدى صور ثلاث هي الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة.
- الجرح :
- هو تمزيق جزء من أنسجة الجسم ، سواء أكان التمزيق سطحياً بالجلد ، أو عميقا ينال الأنسجة التي يغطيها الجلد ، أو الأعضاء أو الأجهزة الداخلية كالمعدة أو الكبد أو الرئة ، أو أحد الشرايين أو الأوردة أو الأعصاب أو العظام ، وسواء أن يكون التمزيق كبيرا كقطع بسكين أو أن يكون ضئيلاً کوخز بإبرة، وسواء أن ينبثق منه الدم خارج الجلد ، أو ينتشر تحت الجلد فيبدو الجلد أزرق اللون ، أو أن يتوفق في عمق الجسم كتمزق في المعدة أو الأمعاء، وسواء أن يكون التمزيق كلياً ببتر عضو من أعضاء المجني عليه كقطع يده أو أذنه أو ساقه ، أو أن يكون جزئياً يقتصر على جزء من أنسجة الجسم دون فصلها عنه ، ويدخل في هذا النطاق التسلخات والحروق كذلك يستوي أن يكون التمزيق مؤلماً للمجني عليه أو لا يكون كذلك ، فيتحقق الفعل ولو لم يشعر المجنى عليه بألم ، كما إذا كان مغمى عليه أو مخدراً ولا أهمية لكيفية تحقق الفعل ، فيستوي أن يقع التمزيق بدفع وسيلة الاعتداء نحو المجنى عليه ، أو بدفعه هو نحوها ، كذلك تستوى الوسائل التي تستعمل في التمزيق ، فقد يستعمل الجاني أحد أعضاء جسمه ، كركل المجني عليه بالقدم أو دفعه بقبضة اليد أو عضه ، وقد يستعمل أداة كسلاح أو آلة قاطعة أو راضة أو واخزة، كالسكين والعصا والحجارة والإبرة، وقد يستخدم حيواناً كان يحرض كلباً على عقر المجني عليه كما قد يستعين بقوة طبيعية كتسليط أشعة حارقة أو تيار كهربائي على المجنى عليه ویستوی أخيراً أن يكون الاعتداء مباشرة أو غير مباشر ، فيقع الفعل إذا كلف المجنى عليه بالمرور في طريق به حفرة فوقع فيها.
- الضرب :
الضرب هو كل ضغط يقع على جسم المجنى عليه دون أن يمزقه ولو لم يترتب على الضغط آثار کاحمرار الجلد أو ينشأ عنه مرض أو عجز .
ويتحقق الضغط بأي وسيلة ، فقد يستخدم الجاني أحد أعضائه كالركل بالقدم أو الدفع بقبضة اليد أو الصفع باليد أو صدم رأس المجني عليه بالأرض أو بالحائط، وقد يستخدم أداة كعصا أو حذاء ويستوي في الضرب أن يسبب ألماً للمجني عليه أو لا يسبب له ذلك ، فتقع الجريمة إذا مس الاعتداء جسم مغمى عليه أو مخدر دون أن يمزق أنسجته.
ويكفي لوقوع الاعتداء أن تقع ضربة واحدة ، وإن كان النص قد استعمل صيغة الجمع فذكر في المادتين 241 ، 242 من قانون العقوبات لفظی ضربات ، وجروح.
ولما كانت الضربة الواحدة تكفي ، وكانت أي وسيلة اعتداء تقع بها الجريمة ، كما أن الضرب يخضع للعقاب ولو لم يترك أثراً، فإن محكمة الموضوع لا تلزم بأن تبين عدد الضربات، ولا أن تذكر نوع الأداة - إذا استعملت ولا أن تبين موضع الإصابة أو درجة جسامتها.
واعتبر المشرع إعطاء المواد الضارة صورة من صور الاعتداء على سلامة الجسم إذا نشأ عن ذلك مرض أو عجز وقتی عن العمل وقد عبر المشرع عن هذه المواد في المادة 265 من قانون العقوبات بقوله «كل من أعطى عمداً لشخص جواهر غير قاتلة .. إلخ»، ويدل ظاهر النص على أن المشرع يخرج من نطاق المواد القاتلة أي السامة ، والواقع أن المواد الضارة يدخل في نطاقها المواد السامة ، إذ تعتبر المادة السامة مادة ضارة ، وتتوقف مسئولية معطى المادة السامة على القصد الجنائي الذي توافر لديه، فإذا توافر لديه قصد إزهاق روح المجنى عليه فإنه يسأل عن جريمة تسميم أو شروع فيه ، وفقاً لتحقق الوفاة أو عدم تحققها كنتيجة لتناول المادة السامة ، وتقتصر مسئوليته على جريمة إعطاء المواد الضارة إذا لم يقصد سوی المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، سواء كان يعتقد أن المادة ضارة فحسب ، أم كان على علم بأنها سامة ولكنه كان معتقداً أن الكمية المستعملة لا تحدث سوى الإيذاء ، دون الموت.
وتعتبر المادة ضارة إذا كانت تؤدي إلى الإخلال بالوضع الصحي - البدني أو النفسي أو العقلي – للمجني عليه والعبرة في ذلك ليس بالأثر الوقتي للمادة وإنما بالأثر النهائي المترتب على تناولها فلا تقع الجريمة إذا ترتب على إعطاء المادة اضطراب وقتي في الوظائف الحيوية لجسم المجنى عليه ثم انتهى ذلك بتحسن في صحته أو ببقائها على ما كانت عليه ويجب أن يراعى في تحديد طبيعة المادة الظروف المختلفة التي أعطيت فيها ، کسن المجني عليه أو جنسه أو حالته الصحية وكمية المادة المستعملة ويستوي في المادة المستعملة أن تكون ذات طبيعة سائلة أو صلبة أو غازية.
ويقصد بفعل «الإعطاء» في جريمة إعطاء المواد الضارة كل سلوك يقيم به الجاني الصلة بين المادة وجسم المجنى عليه، سواء تم ذلك عن طريق الجاني نفسه ، كأن يضع المادة الضارة في طعام المجنى عليه أو شرابه ، أو عن طريق المجنى عليه ، كما لو سلمها له الجاني ليتناولها بنفسه، أو عن طريق شخص ثالث ، سواء كان حسن النية أو سيء النية كذلك يستوي أن يكون المجني عليه عالماً بكون المادة ضارة فتناولها ابتغاء التخلص من التزام أو للحصول على إعانة ، أو كان يجهل ذلك ، كما يستوي أن يتناولها المجني عليه مكرها أو بمحض اختياره وأخيراً تستوي وسيلة إعطاء المادة الضارة ، فقد يكون ذلك عن طريق الابتلاع أو الاستنشاق أو امتصاص مسام الجلد ، أو الحقن أو التقطير في الأذن أو العين .
القصد الجنائي
- عناصر القصد :
القصد المتطلب لقيام جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة هو قصد عام يقوم على عنصري الإرادة والعلم : إرادة ارتكاب الفعل وإرادة تحقيق نتيجته ، والعلم المحيط بعناصر الجريمة وقد عبرت عن ذلك محكمة النقض بقولها : «جريمة إحداث الجروح عمداً لا تتطلب غير القصد الجنائي العام ، وهو يتوفر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته».
- العلم
يجب أن يكون الجاني عالما وقت ارتكاب الفعل بأن فعله يقع على جسم إنسان حي ، فلا يتوافر القصد إذا اعتقد الفاعل أنه يوجه فعله إلى جثة ثم تبين أن المجني عليه كان مغمى عليه ولا يزال على قيد الحياة ، وإذا أطلق النار على شيء اعتقد أنه حيوان يريد أن يصطاده فإذا به إنسان يصيبه الرصاص بجراح.
كذلك يجب أن يكون الجاني عالماً بأن من شأن فعله المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، فينتفى القصد إذا أعطى الجاني المجنى عليه مادة يعتقد أنها الدواء الذي يتناوله فإذا بها مادة ضارة.
وينبغي أخيراً أن يتوقع الفاعل أن يترتب على فعله مساس بسلامة جسم المجنى عليه ، فإذا انتفى هذا التوقع تخلف القصد الجنائي ، فمن أعد لآخر کوبا به دواء کی يستعمله كمضمضة، فإذا به يبتلعه لا يتوافر لديه القصد ، وإن أمكن أن ينسب إليه الخطأ إذا كان في استطاعته توقع النتيجة.
- الإرادة :
يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى الفعل الذي قام به ، وإلى المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، فإذا لم تتجه الإرادة إلى الفعل ، كما لو كان قد أكره على ضرب المجنى عليه أو جرحه أو إعطائه مادة ضارة انتفى القصد ، كذلك ينتفي القصد ولو اتجهت الإرادة إلى الفعل إذا كانت لم تتجه إلى تحقيق النتيجة وهي المساس بسلامة جسم المجني عليه ، سواء لأن الفاعل لم يتوقع هذه النتيجة إطلاقاً ، أو لأنه مع توقعه حدوث النتيجة كان يأمل ألا تقع ، وعلى ذلك لا يتوافر القصد لدى من يطلق الرصاص ابتهاجاً أو اصطياداً فيصيب شخصاً بجراح ، أو من يقذف كلباً بحجر فيصيب أحد الأطفال ، أو من يمرر مروداً بعين شخص للتطهير فيترتب على ذلك إحداث جرح له بالعين وإذا كان القصد الجنائي يتخلف في هذه الحالات فإن ذلك لا يمنع من مساءلة المتهم عن جريمة غير عمدية إذا ثبت في حقه الخطأ.
أما إذا كان الجاني قد توقع النتيجة كأثر لفعله فقبل احتمال وقوعها ، فإنه يتوافر في حقه القصد الإحتمالي ، وهو يعدل القصد المباشر من حيث قيام المسئولية العمدية.
وإذا توافر للقصد الجنائي عنصراه : العلم والإرادة ، فإن ذلك يكفي لتحققه ، فلا يشترط بعد ذلك أن تتوافر نية الإضرار بالمجني عليه ، فالجاني يسأل عن جريمة عمدية ولو كانت نيته قد اتجهت إلى إنقاذ المجنى عليه من عدوه ، أو إلى شفائه من مرض ، إذ أن هذه النوايا لا تعدو أن تكون مجرد بواعث على ارتكاب الجريمة لا شأن لها بالقصد الجنائي.
لما كان القصد ركناً من أركان جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة العمدية ، فإنه يجب أن يبينه الحكم القاضي بالإدانة ، وإن كان لا يلزم أن يتحدث عنه صراحة ، بل يكفي أن يكون مفهوماً من عباراته أو من وقائع الدعوى التي أثبتها ولذلك قضت محكمة النقض بأن تعبير المحكمة بأن المتهم ضرب المجنى عليه يفيد حتماً أن الفعل الإيجابي الذي وقع منه قد صدر عن عمد.
الظروف المتعلقة بجسامة الخطأ :
تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين في الحالات الآتية : (م 244/2 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 29 لسنة 1982).
أولاً : إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته.
ثانياً : إذا كان الجاني متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث.
ثالثاً : إذا نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
الظروف المتعلقة بجسامة الضرر
يشدد المشرع العقاب بدرجات متفاوتة إذا تحقق أي من الطرفين الآتيين :
أولاً : إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة، وحينئذ تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين (م 244 / 3 ع).
ثانياً : إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، وفي هذه الحالة تكون العقوبة الحبس (م 244/3ع).
ثالثاً : إذا اجتمع الظرفان السابقان ، بأن نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص ، ونشأ عن الإصابة بعاهة مستديمة لواحد أو أكثر منهم ، تكون العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين (م 3/ 344 ع).
- الظروف المتعلقة بجسامة الخطأ والضرر معاً :
إذا ترتب على الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص وتوافر ظرف من الظروف الثلاثة المتعلقة بجسامة الخطأ تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين (م 244/3 ع). (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 469)
يستعمل المشرع في المواد التي تناولت المساس بجسم الإنسان لفظى الجرح والضرب ويطلق على الركن المادي بصفة عامة فعل الإيذاء الذي يتمثل في جرح أو ضرب.
(أ) الجرح :
هو كل مساس مادی بجسم المجنى عليه من شأنه أن يؤدي إلى تغيرات ملموسة في أنسجته وقد يتمثل هذا في تمزق تلك الأنسجة أو حدوث انسكابات دموية يتسبب عنها أورام والجروح ما دامت تمزقات في أنسجة الجسم سواء خارجية أم داخلية تعد أمراضاً قد تحتاج إلى علاج ولا يشترط أن يباشر الجاني فعل الجرح بنفسه بل قد يستعمل أخر كألة في يده كما في حالة المكره والمجنون وقد يستخدم الفاعل حيواناً في هذا السبيل كمن يحرش كلبه على عض أحد المارة فيعقره والأداة المستعملة في الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية للجريمة.
(ب) الضرب :
الضرب هو الاعتداء الذي لايترك بالجسم أثراً ظاهراً فقد يكون لكماً أو ركلاً أو صفعاً وقد يكون ضغطاً أوصدماً أو جذباً بالعنف وقد يكون بأداة رادعة كالعصا أو حجر وبناءً عليه فلا يلزم أن يبين الحكم بإدانة عدة متهمين بالضرب عن تفاصيل الضربات الصادرة منهم من الذي أحدث فيهم كلاً منهما مادام الثابت أن كلاً منهم اعتدى على المجني عليه وإذا لم يبلغ الفعل المادي حد الضرب أو الجرح بأن اتخذ صورة قص الشعر أو البصق على الوجه فتتوافر به مخالفة الإيذاء الخفيف المنصوص عليها في المادة 394/2 عقوبات لاجنحة الضرب أو الجرح.
ويلزم التحقق قبل إحالة المتهم بالضرب أو الجرح إلى المحاكمة من أنه لم يحدث مضاعفات للضرب أو الجرح تجعل لسلوك المتهم نتيجة أجسام يسأل عنها بوصف إجرامي أشد كالعاهة أو الوفاة.
ويلاحظ أن الأفعال المادية التي لا تقع على جسم الشخص لا تعد في حكم الضرب أو الجرح ولو سببت له ضيقا وانزعاجاً ومن ذلك التلويح باليد أو بعصا في حركة تهديدية واطلاق عيار ناري إلى إنسان لازعاجه وكذلك الشأن عند تنغيص الشخص بالأقوال وتحميله بالأكدار والهموم ولو أنت صحته لأنه لا بد من فعل مادی يمس جسم المجنى عليه ولا يغني عنه المساس بنفسه وهذا نقص في التشريع كان يجدر بالقانون تفاديه بنصه على الإيذاء إلى جانب أفعال العنف التي حددها .
جرائم الضرب أو الجرح هي من الجرائم العمدية ومن ثم يتعين أن يتوافر فيها القصد الجنائي وهو من نوع القصد الجنائي العام ويتوافر بتوجيه الجاني لإرادته نحو المساس بجسم المجنى عليه وإدراكه أن من شأن نشاطه الوصول إلى تلك النتيجة وقد يتوقع الجاني حدوث النتيجة التي وقعت ويرغب فيها كمن يفقأ عين أخر ولكن في كثير من الصور بل في غالبيتها قد لا يستطيع الجاني سلفاً تحديد مدى نتيجة تصرفه ومع هذا فهو يسأل عنها وفقاً لجسامتها استناداً إلى أنها متوقعة وفقاً لسير الأمور العادي ولايؤثر في قيام القصد الجنائي لدى الفاعل الخطأ في الشخص أو الغلط في الشخصية كما هو الشأن في جريمة القتل إذ يهدف الشارع إلى حماية حق الإنسان في سلامة جسمه أياً كان الشخص ويكفي أن يوجه الجاني إرادته للمساس بهذا الجسم. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة: 439)
أركان جرائم الإعتداء غير العمد :
أركان هذه الجرائم ثلاثة هي: محل الإعتداء، والركن المعنوي، والركن المادي.
أولاً : محل الإعتداء :
محل الاعتداء في هذه الجرائم هو جسم الإنسان الحي وقد سبق لنا الحديث عنه بصدد جرائم الإعتداء عمداً على سلامة الجسم، ونحيل إلى هذا الموضع منعاً للتكرار.
ثانياً : الركن المادي :
يتحقق الركن المادي بفعل الإعتداء الذي يتسبب في إيذاء جسم الإنسان.
(أ) الاعتداء على سلامة الجسم :
صور الإعتداء التي وردت في نص المادة التي نحن بصددها هي الجرح والايذاء، فلم يستعمل المشرع لفظ "الضرب" كما فعل في الإعتداء عمداً، ولم ينص على اعتبار "إعطاء المواد الضارة" صورة من صور الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم على غرار ما قررته المادة (265) من قانون العقوبات بالنسبة للاعتداء عمداً لذلك يثار التساؤل على دلالة المغايرة في صور الأفعال التي تحقق الإعتداء على سلامة الجسم تبعاً لما إذا كان الإعتداء عمداً أو غير عمد، وما إذا كان الضرب أو إعطاء المواد الضارة يخرجان من عداد الأفعال التي تشكل إعتداءً غير عمد على سلامة جسم الإنسان؟ الواقع أن إستعمال تعبير "الإيذاء"، بالإضافة إلى تعبير "الجرح" يشير إلى قصد المشرع في عدم حصر أفعال الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم في نطاق معين، فتعبير الإيذاء يشمل كل صور الاعتداء، مثل الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة، بل إنه يغطي كل إعتداء قد لا يندرج تحت صورة من الصور الثلاث التي جرمها المشرع إذا وقعت عمداً ولو أن المشرع كان قد إستعمل لفظ الإيذاء وحده لكان ذلك كافية لتمييز أفعال الاعتداء العمد وغير العمد على سلامة جسم الإنسان دون حاجة إلى تعداد هذه الأفعال، مما يثير اللبس بالنسبة لأفعال أخرى لم يذكرها النص رغم كونها تشكل اعتداءً واضحاً على الحق في سلامة الجسم لذلك نعتقد أن لفظ الإيذاء يشمل الضرب وإعطاء المواد الضارة، كما يشمل غير ذلك من صور المساس بالسلامة البدنية للإنسان.
(ب) نتيجة الاعتداء :
يتعين أن يؤدي خطأ المتهم إلى نتيجة إجرامية تتمثل في الأذى الذي يلحق بجسم المجني عليه، أي أن النتيجة التي يجرمها القانون هنا هي ذات النتيجة التي تترتب إذا كان فعل الإعتداء قد وقع عمداً فإصابة المجني عليه بأذى ينال جسمه هي النتيجة التي تترتب على فعل الإعتداء عمداً كان أو خطأ، وبدون تحققها لا تقوم مسئولية المتهم عن الإصابة خطأ، ولو ثبت ارتكابه خطأ جسيما كان من شأنه أن يؤدي إليها، وإذا لم تتحقق النتيجة الإجرامية، انتفت مسئولية مرتكب السلوك حتى عن مجرد الشروع، لأن الشروع غير ممكن في الجرائم غير العمدية لتخلف أحد أركانه، وهو اتجاه الإرادة إلى تحقيق نتيجة إجرامية.
(ج) علاقة السببية :
علاقة السببية بين خطأ المتهم وإصابة المجني عليه بالأذى عنصر في الركن المادي لجرائم الإصابة غير العمدية، يترتب على تخلفه عدم مساءلة المتهم عن هذه الجرائم وتتحدد علاقة السببية في جرائم الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم وفقاً لذات القواعد التي تحدد وفقاً لها علاقة السببية في الجرائم العمدية منها.
فالعوامل العادية المألوفة التي تساهم مع خطأ المتهم في إحداث الإصابة، لا تقطع رابطة السببية، متى كان في استطاعة المتهم توقعها، من ذلك مساهمة خطأ المجني عليه أو خطأ الغير في إحداث الإصابة أو في الزيادة من جسامتها أما العوامل الشاذة غير المألوفة التي ساهمت مع فعل المتهم في إحداث الإصابة، دون أن يكون في استطاعته توقع مساهمتها في ذلك، فإنها تقطع رابطة السببية بين خطأ المتهم والإصابة التي حدثت بالمجنى عليه.
ثالثاً : الركن المعنوي :
الركن المعنوي في جرائم الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم يتخذ صورة ،"الخطأ"، وهو ذاته الركن المعنوي في القتل غير العمد، وقد إستعمل المشرع للتعبير عنه في المادة التي نحن بصددها الألفاظ ذاتها التي إستعملها في المادة (238) من قانون العقوبات الخاصة بالقتل غير العمد والفارق الوحيد بين الخطأ في هذين النوعين من الجرائم غير العمدية يكمن فيما ينصرف إليه توقع المتهم الذي يخالف واجبات الحيطة والحذر عند إتيان سلوكه المحقق لصورة من صور الخطأ ففي جريمة القتل الخطأ لا يتوقع المتهم الوفاة أو يتوقعها ولا يتخذ الإحتياطات الكافية لمنع حدوثها، بينما في جريمة الإصابة خطأ لا يتوقع المتهم حلول الأذى بجسم المجني عليه، وهذه هي صورة الخطأ البسيط أو الخطأ غير الواعي، أو يتوقع إمكان حلول الأذى البدني بالمجني عليه ولا يتخذ الاحتياطات الكافية لمنع حدوثه، وهذه هي صورة الخطأ الواعي أو الخطأ مع التوقع. ويحدد هذا الفارق مدى مسئولية المتهم الذي يرتكب سلوكاً يوصف بالخطأ، تترتب عليه وفاة المجني عليه أو إصابته بأذى فإذا لم يكن في إستطاعة المتهم أن يتوقع سوى إصابة المجني عليه بأذى، توقفت مسئوليته عند حد الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم، ولو ترتب على فعله وفاة المجني عليه.
وصور الخطأ التي وردت في نص المادة التي نحن بصددها تبادلية متكافئة، يكفي تحقق أي صورة منها لتوافر الركن المعنوي في جريمة الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم، يستوي أن تكون هذه الصورة من صور الخطأ العام، مثل الإهمال أو الرعونة أو عدم الإحتراز، أو أن تكون هي الخطأ الخاص المتمثل في عدم مراعاة القوانين واللوائح والأنظمة.
عقوبات الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم :
إذا توافرت أركان الاعتداء غير العمدي على سلامة الجسم، وجب العقاب عليه، وقد حدد المشرع عقوبة لهذا الإعتداء في صورته البسيطة، كما نص على ظروف تشدد هذه العقوبة.
أولاً : عقوبة الجريمة في صورتها البسيطة :
حددت هذه العقوبة المادة التي نحن بصددها، وجعلتها الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة والغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين فقط والحبس والغرامة تحدد حدهما الأقصى فحسب، ومن ثم يكون حدهما الأدنى الذي يجوز النزول إليه هو الحد الأدنى العام للحبس والغرامة.
ونلاحظ على هذه العقوبة عدم تناسبها مع النتيجة التي يجرمها القانون، لا سيما إذا لجأ القاضي إلى الحكم بالحد الأدنى للحبس وحده أو للغرامة وحدها، لأن الإكتفاء بإحدى العقوبتين مسموح به في النص.
ثانياً : الظروف المشددة للعقوبة :
نص المشرع على عدد من الظروف التي تشدد عقاب الاعتداء غير العمد على سلامة الجسم، هذه الظروف تتعلق إما بجسامة الخطأ، وإما بجسامة النتيجة، وإما بجسامة الخطأ والنتيجة معاً .
(أ) الظروف المتعلقة بجسامة الخطأ :
هي ذات الظروف التي تشدد عقاب القتل غير العمد، أي وقوع الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كونه متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند إرتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث، أو نكول المتهم وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك ويترتب على توافر أحد هذه الظروف، تشديد العقوبة إلى الحبس الذي لا تزيد مدته على سنتين والغرامة التي لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.
(ب) الظروف المتعلقة بجسامة النتيجة :
نص المشرع على ظرفين منها، ويختلف أثر كل ظرف منهما في التشديد عن أثر الآخر.
1- إفضاء الإصابة إلى عاهة مستديمة :
ويترتب على هذا الظرف تشديد العقاب بذات الكيفية التي يشدد بها إذا توافر أحد الظروف المتعلقة بجسامة الخطأ، فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.
ونلاحظ عدم تناسب العقوبة مع جسامة النتيجة التي ترتبت على الخطأ.
2- تعدد المجني عليهم :
اعتبر المشرع أن تعدد المجني عليهم يعد ظرفاً مشدداً لعقاب جريمة الإصابة غير العمدية ويتحقق هذا الظرف إذا كان خطأ المتهم قد تسبب في إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص والفرض أن إصابتهم لم تنشأ عنها عاهة مستديمة لأحدهم، وإلا تحقق ظرف مشدداً آخر يتمثل في إجتماع تعدد المجني عليهم مع حدوث العاهة المستديمة لواحد أو أكثر منهم. ويترتب على توافر ظرف تعدد المجني عليهم وحده أن تكون العقوبة الحبس بين حديد الأدنى والأقصى العامين، فلا وجود لعقوبة الغرامة في هذه الحالة.
(ج) تعدد الظروف المشددة :
يفترض هذا الظرف أنه قد يترتب على الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، بالإضافة إلى توافر أحد الظروف المشددة الأخرى التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة التي نحن بصددها، كما لو أصيب واحد منهم أو أكثر بعاهة مستديمة، أو كانت الجريمة قد وقعت نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند إرتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو كان قد نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك فإذا إجتمع ظرف تعدد المجني عليهم مع ظرف آخر، كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وواضح أن إجتماع الظروف على هذا النحو يجعل الجريمة على قدر كبير من الخطورة، يبرر الإلتجاء إلى وضع حد أدنى للحبس على النحو الذي ذهب إليه المشرع. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة: 568)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 244
(مادة 503)
يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه كل من إمتنع بدون عذر عن تقديم العون لأحد رجال السلطة ، عند حصول غرق أو حريق أو أية كارثة أخرى .
ويعاقب بذات العقوبة كل من إمتنع بدون عذر عن إغاثة ضحية في حادثة أو كارثة ، أو مجني عليه في جناية أو جنحة .
وتضاعف العقوبة إذا كان الممتنع عن تقديم المساعدة أو العون أحد رجال السلطة العامة أو أحد المكلفين بخدمة عامة ، أو أحد الموظفين العامين، متى كان تقدیم المساعدة أو العون يدخل في واجبات عمله .
الإمتناع عن الإغاثة
المادة (503) :
تناول القانون القائم الإمتناع أو الإهمال في أداء أعمال مصلحة أو بذل مساعدة ، وأثم ذلك على من كان قادراً عليها عند طلب ذلك من جهة الإقتضاء في حالة حدوث صياح أو غرق أو فيضان أو حريق أو نزول مصائب عمومية ، وكذلك في حالة قطع الطريق والنهب أو التلبس بجريمة أو ضجيج عام ، أو في حالة تنفيذ أمر أو حكم قضائي ، ولما تنطوي عليه جريمة الإمتناع عن الإغاثة مع التمكن والقدرة على خطر عام ، فقد أدخلها المشروع کفصل في الباب السابع الخاص بالجرائم ذات الخطر والضرر ، ونص الفقرة الأولى من المادة (503) من المشروع مستمد عامة من نص المادة (386) من القانون القائم ، مع حذف الكثير من التفصيلات إكتفاءً بعموم النص ، ويعاقب المشروع بعقوبة الجنحة من إمتنع بدون عذر عن تقديم العون لأحد رجال السلطة العامة عند حصول غرق أو حريق أو أية كارثة أخرى ، ولم ير المشروع أن يورد الحالات التي تعد كارثة ، تاركاً الأمر إلى القضاء ، مراعاة لظروف الزمان والمكان وما يلابس ذلك ، أما الفقرة الثانية من المادة فهي تعاقب بذات العقوبة السابقة من إمتنع بدون عذر عن إغاثة ضحية في حادث أو كارثة ، أو مجني عليه في جناية أو جنحة .
والفقرة الثالثة من المادة مستحدثة ؛ إذ هي تضاعف العقوبة إذا كان الممتنع عن تقديم المساعدة أو العون أحد رجال السلطة العامة ، أو أحد المكلفين بخدمة عامة ، أو أحد الموظفين العامين، متى كان تقديم المساعدة أو العون يدخل في واجبات أعمال هؤلاء المذكورين ، فإن لم يكن يدخل في واجبات أعمالهم ، كان حكمهم حكم سائر الأفراد ممن لا تتوافر فيهم هذه الصفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 166
الْخَطَأُ:
الْخَطَأُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ: مَا قَابَلَ الصَّوَابَ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ: مَا قَابَلَ الْعَمْدَ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ بِهِ فِي عَوَارِضِ الأْهْلِيَّةِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: فِعْلٌ يَصْدُرُ مِنَ الإْنْسَانِ بِلاَ قَصْدٍ إِلَيْهِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ أَمْرٍ مَقْصُودٍ سِوَاهُ.
وَالْخَطَأُ لاَ يُنَافِي الأْهْلِيَّةَ بِنَوْعَيْهَا؛ لأِنَّ الْعَقْلَ مَوْجُودٌ مَعَهُ، وَالْجِنَايَةُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ، وَلِذَا يُؤَاخَذُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَلاَ تُقَدَّرُ الْعُقُوبَةُ فِيهِ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا بِقَدْرِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ الَّذِي أَدَّى إِلَى حُصُولِهَا.
وَالْخَطَأُ يُعْذَرُ بِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا اجْتَهَدَ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ، وَاعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْعُقُوبَةَ عَنِ الْمُخْطِئِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَلاَ يُعْتَبَرُ الْخَطَأُ عُذْرًا فِيهَا، وَلِذَا فَإِنَّ الْمُخْطِئَ يَضْمَنُ مَا تَرَتَّبَ عَلَى خَطَئِهِ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ تَلَفٍ.
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحُ: (خَطَأٍ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 254 ، 255 ، 31
(مادة 521)
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه - كل من تسبب بخطئه في المساس بسلامة جسم غيره .
وتضاعف العقوبة إذا توافر ظرف من الظروف المشار إليها في المادة السابقة .
وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشا عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله .
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ، ولا تزيد على خمس سنوات ، إذا توافر ظرفان من المشار إليهما في الفقرة السابقة.
(مادة 522)
كل شخص يلتزم برعاية آخر عاجز عن أن يحصل لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه، أو حالته الصحية أو العقلية، أو بسبب تقييد حريته، سواء كان منشأ التزامه القانون أو الاتفاق أو فعل مشروع امتنع عمداً عن القيام بالتزامه، وأفضى ذلك إلى موت المجني عليه أو إصابته - يعاقب بحسب قصده ودرجة الإصابة بالعقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (515)، (516)، (517) من هذا القانون.
فإذا كان الامتناع عن خطأ يعاقب على حسب الأحوال بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين (520)، (521) من هذا القانون .
الجرائم الواقعة على الأشخاص
الفصل الأول
المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه
المواد من (510) - (529):
أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي :
١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب، أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) .
وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة .
2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة.
3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح.
4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع .
والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل .
5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .
6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .
7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر .
واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .
8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع .
9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم .
10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع .
(مادة 20)
يتوافر الخطأ غير العمدي إذا أتى الجاني السلوك دون تعمد إحداث نتيجته، وذلك على نحو لا يصدر عن الشخص المعتاد في مثل ظروفه، عند إتيانه السلوك أو لم يتوقعها، بينما كان على الشخص المعتاد في مثل ظروفه أن يتوقعها.
وقد عرفت المادة (20) من المشروع الخطأ غير العمدي، فنصت على أن «يتوافر الخطأ غير العمدي إذا أتى الجاني السلوك دون تعمد إحداث نتيجته، وذلك على نحو لا يصدر عن الشخص المعتاد في مثل ظروفه، سواء توقع هذه النتيجة، عند إتيانه السلوك أو لم يتوقعها، بينما كان على الشخص المعتاد في مثل ظروفه أن يتوقعها». .
وقد أجازت الشريعة الإسلامية العقاب على الخطأ غير العمدي فقد قال الله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ …) والعقاب على العمد في الشريعة الإسلامية هو الأصل، والاستثناء هو العقاب على الخطأ غير العمدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 212
الْجِنَايَةُ عَلَى حَاسَّةِ الشَّمِّ:
الْجِنَايَةُ عَلَى حَاسَّةِ الشَّمِّ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. فَإِنْ كَانَ عَمْدًا كَمَنْ شَجَّ إِنْسَانًا فَذَهَبَ شَمُّهُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الْجَانِي بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، فَإِنْ ذَهَبَ بِذَلِكَ شَمُّهُ فَقَدِ اسْتَوْفَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْهَبِ الشَّمُّ فُعِلَ بِالْجَانِي مَا يُذْهِبُ الشَّمَّ بِوَاسِطَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِذْهَابُ الشَّمِّ إِلاَّ بِجِنَايَةٍ سَقَطَ الْقَوَدُ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ.
وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَجِبُ الدِّيَةُ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُضْرَبَ الْجَانِي ضَرْبًا يَذْهَبُ بِهِ حَاسَّةُ الشَّمِّ فَلَمْ يَكُنِ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ مُمْكِنًا فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ. وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَ إِبْطَالُ حَاسَّةِ الشَّمِّ نَتِيجَةَ ضَرْبٍ أَوْ جُرْحٍ وَقَعَ خَطَأً، أَوْ كَانَ الضَّرْبُ عَمْدًا لَكِنْ كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً إِذَا كَانَ إِبْطَالُ الشَّمِّ مِنَ الْمَنْخِرَيْنِ؛ لأِنَّهُ حَاسَّةٌ تَخْتَصُّ بِمَنْفَعَةٍ فَكَانَ فِيهَا الدِّيَةُ كَسَائِرِ الْحَوَاسِّ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا وَلأِنَّ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «وَفِي الْمَشَامِّ الدِّيَةُ».
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ لأِنَّهُ ضَعِيفُ النَّفْعِ.
وَإِذَا زَالَ الشَّمُّ مِنْ أَحَدِ الْمَنْخِرَيْنِ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَإِنْ نَقَصَ الشَّمُّ وَجَبَ بِقِسْطِهِ مِنَ الدِّيَةِ إِذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ وَإِلاَّ فَحُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِالاِجْتِهَادِ.
وَمَنِ ادَّعَى زَوَالَ الشَّمِّ امْتُحِنَ فِي غَفَلاَتِهِ بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ الطَّيِّبَةِ وَالْمُنْتِنَةِ - فَإِنْ هَشَّ لِلطَّيِّبِ وَعَبَسَ لِغَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ لِظُهُورِ كَذِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
وَإِنْ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ وَلَمْ يَبِنْ مِنْهُ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
زَادَ الشَّافِعِيَّةُ: وَيَحْلُفُ لِظُهُورِ صِدْقِهِ، وَلاَ يُعْرَفُ إِلاَّ مِنْ قِبَلِهِ.
وَإِنِ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ نَقْصَ شَمِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لأَِنَّهُ لاَ يُتَوَصَّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ، وَيَجِبُ لَهُ مِنَ الدِّيَةِ مَا تُخْرِجُهُ الْحُكُومَةُ.
وَإِنْ ذَهَبَ شَمُّهُ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ أَخْذِ الدِّيَةِ سَقَطَتْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَخْذِهَا رَدَّهَا لأَِنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَهَبَ. وَإِنْ رُجِيَ عَوْدُ شَمِّهِ إِلَى مُدَّةٍ انْتُظِرَ إِلَيْهَا.
هَذَا إِذَا ذَهَبَ الشَّمُّ وَحْدَهُ.
أَمَّا إِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ بِذَلِكَ شَمُّهُ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لأَِنَّ الشَّمَّ فِي غَيْرِ الأَْنْفِ فَلاَ تَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الآْخَرِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَنْدَرِجُ الشَّمُّ فِي الأْنْفِ كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ.
إِثْبَاتُ شُرْبِ الْمُسْكِرِ بِشَمِّ الرَّائِحَةِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِثْبَاتِ الشُّرْبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ بِشَمِّ رَائِحَةِ الْخَمْرِ فِي فَمِ الشَّارِبِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (أَشْرِبَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 266
الْقَتْلُ بِسَبَبٍ:
- قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَيَتَمَثَّلُ بِمَا لَوْ حَفَرَ حُفْرَةً فِي الطَّرِيقِ، فَتَرَدَّى فِيهَا إِنْسَانٌ فَمَاتَ.
وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ فَقَطْ، عِنْدَهُمْ، فَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ، وَلاَ حِرْمَانَ، لاِنْعِدَامِ الْقَتْلِ فِيهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا الدِّيَةَ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ عَنِ الْهَدَرِ .
وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ، يُلْحِقُونَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْقَتْلِ بِالْخَطَأِ فِي أَحْكَامِهِ، دِيَةً، وَكَفَّارَةً ، وَحِرْمَانًا، لأِنَّ الشَّارِعَ أَنْزَلَهُ مَنْزِلَةَ الْقَاتِلِ .
(وَلِلتَّفْصِيلِ ر: مُصْطَلَح: قَتْل وَدِيَات وَجِنَايَة).
ضَمَانُ سُقُوطِ الْمَبَانِي:
110 - بَحَثَ الْفُقَهَاءُ مَوْضُوعَ سُقُوطِ الْمَبَانِي وَضَمَانَهَا بِعِنْوَانِ: الْحَائِطِ الْمَائِلِ. وَيَتَنَاوَلُ الْقَوْلَ فِي ضَمَانِ الْحَائِطِ، مَا يَلْحَقُ بِهِ، مِنَ الشُّرُفَاتِ وَالْمَصَاعِدِ وَالْمَيَازِيبِ وَالأْجْنِحَةِ، إِذَا شُيِّدَتْ مُطِلَّةً عَلَى مِلْكِ الآْخَرِينَ أَوِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ أَحْكَامٍ.
وَقَدْ مَيَّزَ الْفُقَهَاءُ، بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْبِنَاءُ، أَوِ الْحَائِطُ أَوْ نَحْوُهُ، مَبْنِيًّا مِنَ الأْصْلِ مُتَدَاعِيًا ذَا خَلَلٍ، أَوْ مَائِلاً، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْخَلَلُ طَارِئًا، فَهُمَا حَالَتَانِ:
الْحَالَةُ الأْولَى: الْخَلَلُ الأْصْلِ يُّ فِي الْبِنَاءِ:
111 - هُوَ الْخَلَلُ الْمَوْجُودُ فِي الْبِنَاءِ، مُنْذُ الإْنْشَاءِ، كَأَنْ أُنْشِئَ مَائِلاً إِلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ أَوْ أُشْرِعَ الْجَنَاحُ أَوِ الْمِيزَابُ أَوِ الشُّرْفَةُ، بِغَيْرِ إِذْنٍ، أَوْ أَشْرَعَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِنْ سَقَطَ الْبِنَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَأَتْلَفَ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ مَالاً، كَانَ ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ، مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ وَلاَ طَلَبٍ، لأِنَّ فِي الْبِنَاءِ تَعَدِّيًا ظَاهِرًا ثَابِتًا مُنْذُ الاِبْتِدَاءِ وَذَلِكَ بِشَغْلِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِالْبِنَاءِ، وَهَوَاءُ الطَّرِيقِ كَأَصْلِ الطَّرِيقِ حَقُّ الْمَارَّةِ، فَمَنْ أَحْدَث فِيهِ شَيْئًا، كَانَ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا .
وَالشَّافِعِيَّةُ لاَ يُفَرِّقُونَ فِي الضَّمَانِ، بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ الإْمَامُ فِي الإْشْرَاعِ أَوْ لاَ، لأِنَّ الاِنْتِفَاعَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ، بِأَنْ لاَ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مَضْمُونٌ، وَإِنْ كَانَ إِشْرَاعًا جَائِزًا.
لَكِنْ مَا تَوَلَّدَ مِنَ الْجَنَاحِ، فِي دَرْبٍ مُنْسَدٍّ، بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهِ، مَضْمُونٌ، وَبِإِذْنِهِمْ لاَ ضَمَانَ فِيهِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَإِذَا بَنَى فِي مِلْكِهِ حَائِطًا مَائِلاً إِلَى الطَّرِيقِ، أَوْ إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ أَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ، لأِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِالْبِنَاءِ فِي هَوَاءٍ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ هَوَاءٍ مُشْتَرَكٍ، وَلأِنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلْوُقُوعِ عَلَى غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِيهِ مِنْجَلاً يَصِيدُ بِهِ .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: الْخَلَلُ الطَّارِئُ:
112 - إِذَا أُنْشِئَ الْبِنَاءُ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ مَالَ، أَوْ سَلِيمًا ثُمَّ تَشَقَّقَ وَوَقَعَ، وَحَدَثَ بِسَبَبِ وُقُوعِهِ تَلَفٌ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - اسْتِحْسَانًا - وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - وَشُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ، مِنْ نَفْسٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ مَالٍ، إِذَا طُولِبَ صَاحِبُهُ بِالنَّقْضِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ يَقْدِرُ عَلَى النَّقْضِ خِلاَلَهَا، وَلَمْ يَفْعَلْ.
وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: إِنْ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ أَوْ إِصْلاَحُهُ، ضَمِنَ، لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ النَّقْضِ وَالإْصْلاَحِ .
وَالْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ الضَّمَانِ، لأِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْمَالِكِ صُنْعٌ هُوَ تَعَدٍّ، لأِنَّ الْبِنَاءَ كَانَ فِي مِلْكِهِ مُسْتَقِيمًا، وَالْمَيَلاَنُ وَشَغْلُ الْهَوَاءِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، فَلاَ يَضْمَنُ، كَمَا إِذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ، وَلِمَا قَالُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَمَنْ قَتَلَهُ الْحَجَرُ، بِغَيْرِ فِعْلِ الْبَشَرِ، فَهُوَ بِالإْجْمَاعِ هَدْرٌ .
وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ: مَا رُوِيَ عَنِ الأْئِمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْمَذْكُورِينَ، وَأَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ فَقَدْ شَغَلَ هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِمِلْكِهِ، وَرَفْعُهُ بِقُدْرَةِ صَاحِبِهِ، فَإِذَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا امْتَنَعَ مَعَ تَمَكُّنِهِ صَارَ مُتَعَدِّيًا.
وَلأِنَّهُ لَوْ لَمْ يَضْمَنْ يَمْتَنِعُ مِنَ الْهَدْمِ، فَيَنْقَطِعُ الْمَارَّةُ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ مِنَ الْوَاجِبِ، وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يُتَحَمَّلُ لِدَفْعِ الْعَامِّ .
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ التَّقَدُّمُ، دُونَ الإْشْهَادِ ، لأِنَّ الْمُطَالَبَةَ تَتَحَقَّقُ، وَيَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى الْعُذْرِ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ الْجَهْلُ بِمَيْلِ الْحَائِطِ .
أَمَّا الإْشْهَادُ فَلِلتَّمَكُّنِ مِنْ إِثْبَاتِهِ عِنْدَ الإْنْكَارِ، فَكَانَ مِنْ بَابِ الاِحْتِيَاطِ .
وَالْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ الإْشْهَادَ مَعَ الإْنْذَارِ، فَإِذَا انْتَفَى الإْنْذَارُ وَالإْشْهَادُ فَلاَ ضَمَانَ، إِلاَّ أَنْ يَعْتَرِفَ بِذَلِكَ مَعَ تَفْرِيطِهِ فَيَضْمَنَ كَمَا أَنَّ الإْشْهَادَ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُمْ يَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ مَعَ إِمْكَانِ الإْشْهَادِ عِنْدَ الْحَاكِمِ .
113 - وَشُرُوطُ التَّقَدُّمِ أَوِ الإْنْذَارِ هِيَ: وَمَعْنَى التَّقَدُّمِ: طَلَبُ النَّقْضِ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ الْمُتَقَدِّمُ: إِنَّ حَائِطَكَ هَذَا مَخُوفٌ، أَوْ يَقُولَ: مَائِلٌ فَانْقُضْهُ أَوِ اهْدِمْهُ، حَتَّى لاَ يَسْقُطَ وَلاَ يُتْلِفَ شَيْئًا، وَلَوْ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَهْدِمَهُ، فَذَلِكَ مَشُورَةٌ .
أ - أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ مَصْلَحَةٍ فِي الطَّلَبِ.
وَفَرَّقُوا فِي هَذَا: بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْحَائِطُ مَائِلاً إِلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مَائِلاً إِلَى مِلْكِ إِنْسَانٍ:
فَفِي الصُّورَةِ الأْولَى: يَصِحُّ التَّقَدُّمُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ، مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُتَقَدِّمِ وَلاَ لِلْقَاضِي حَقُّ إِبْرَاءِ صَاحِبِ الْحَائِطِ، وَلاَ تَأْخِيرُهُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ، لأِنَّهُ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَتَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ نَافِذٌ - كَمَا يَقُولُ الْحَصْكَفِيُّ نَقْلاً عَنِ الذَّخِيرَةِ - فِيمَا يَنْفَعُهُمْ، لاَ فِيمَا يَضُرُّهُمْ .
وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ: لاَ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إِلاَّ مِنَ الْمَالِكِ الَّذِي شَغَلَ الْحَائِطُ هَوَاءَ مِلْكِهِ، كَمَا أَنَّ لَهُ حَقَّ الإْبْرَاءِ وَالتَّأْخِيرِ .
بَلْ نَصَّتْ الْمَجَلَّةُ (فِي الْمَادَّةِ: 928) عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَائِطُ مَائِلاً إِلَى الطَّرِيقِ الْخَاصِّ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي تَقَدَّمَ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ.
ب - أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ قَبْلَ السُّقُوطِ بِمُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى النَّقْضِ خِلاَلَهَا، لأِنَّ مُدَّةَ التَّمَكُّنِ مِنْ إِحْضَارِ الأْجَرَاءِ مُسْتَثْنَاةٌ فِي الشَّرْعِ .
ج - أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ بَعْدَ مَيْلِ الْحَائِطِ، فَلَوْ طَلَبَ قَبْلَ الْمَيْلِ لَمْ يَصِحَّ، لِعَدَمِ التَّعَدِّي.
د - أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ إِلَى مَنْ يَمْلِكُ النَّقْضَ، كَالْمَالِكِ وَوَلِيِّ الصَّغِيرِ، وَوَصِيِّهِ وَوَصِيِّ الْمَجْنُونِ، وَالرَّاهِنِ، وَكَذَا الْوَاقِفِ وَالْقَيِّمِ عَلَى الْوَقْفِ وَأَحَدِ الشُّرَكَاءِ بِخِلاَفِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودِعِ، لأِنَّهُمْ لَيْسَتْ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى التَّصَرُّفِ، فَلاَ يُفِيدُ طَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُمْ، وَلاَ يُعْتَبَرُ فِيهِمُ الإْنْذَارُ كَمَا قَالَ الدَّرْدِيرُ وَلِهَذَا لاَ يَضْمَنُونَ مَا تَلِفَ مِنْ سُقُوطِهِ، بَلْ قَالَ الْحَصْكَفِيُّ: لاَ ضَمَانَ أَصْلاً عَلَى سَاكِنٍ وَلاَ مَالِكٍ .
وَمَحَلُّ هَذِهِ الشُّرُوطِ - كَمَا قَالَ الدُّسُوقِيُّ. إِذَا كَانَ مُنْكِرًا لِلْمَيَلاَنِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُقِرًّا بِهِ فَلاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ .
114 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا بِسُقُوطِ الْبِنَاءِ، إِذَا مَالَ بَعْدَ بِنَائِهِ مُسْتَقِيمًا وَلَوْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِهِ وَإِصْلاَحِهِ، فَلاَ ضَمَانَ قَطْعًا، وَكَذَا إِنْ تَمَكَّنَ عَلَى الأْصَحِّ .. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَهُ الْوَالِي أَوْ غَيْرُهُ بِالنَّقْضِ، وَبَيْنَ أَنْ لاَ يُطَالِبَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ بَنَى فِي مِلْكِهِ، وَالْهَلاَكُ حَصَلَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَأَنَّ الْمَيْلَ نَفْسَهُ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ وَأَنَّ مَا كَانَ أَوَّلُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ، لاَ يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا بِتَغْيِيرِ الْحَالِ .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ، إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالَبْ بِالنَّقْضِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِتَرْكِهِ مَائِلاً، فَضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ، كَمَا لَوْ بَنَاهُ مَائِلاً إِلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَلأِنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ مَا تَلِفَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لَمْ يَضْمَنْ بِالْمُطَالَبَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَائِلاً، أَوْ كَانَ مَائِلاً إِلَى مِلْكِهِ .
لَكِنَّ نَصَّ أَحْمَدَ، هُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ - كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ - أَمَّا لَوْ طُولِبَ بِالنَّقْضِ، فَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَذَهَبَ بَعْضُ الأْصْحَابِ إِلَى الضَّمَانِ فِيهِ .
أَمَّا الضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِسُقُوطِ الأْبْنِيَةِ، عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ، فَهُوَ:
أ - أَنَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنَ النُّفُوسِ، فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ مَالِكِ الْبِنَاءِ.
ب - وَمَا تَلِفَ بِهِ مِنَ الأْمْوَالِ فَعَلَى مَالِكِ الْبِنَاءِ، لأِنَّ الْعَاقِلَةَ لاَ تَعْقِلُ الْمَالَ .
ج - وَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ الْكَفَّارَةُ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَلاَ يُحْرَمُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ، لأِنَّهُ قَتْلٌ بِسَبَبٍ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالْمُبَاشِرِ فِي الضَّمَانِ، صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنِ الْهَدْرِ، عَلَى خِلاَفِ الأْصْلِ ، فَبَقِيَ فِي الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ عَلَى الأْصْلِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ: هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ فِي أَحْكَامِهِ، إِذْ لاَ قَتْلَ بِسَبَبٍ عِنْدَهُمْ، فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَفِيهِ الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ، لأِنَّ الشَّارِعَ أَنْزَلَهُ مَنْزِلَةَ الْقَاتِلِ .
ضَمَانُ التَّلَفِ بِالأْشْيَاءِ :
115 - أَكْثَرُ مَا يَعْرِضُ التَّلَفُ بِالأْشْيَاءِ ، بِسَبَبِ إِلْقَائِهَا فِي الطُّرُقَاتِ وَالشَّوَارِعِ، أَوْ بِسَبَبِ وَضْعِهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا الْمُخَصَّصَةِ لَهَا.
وَيُمْكِنُ تَقْسِيمُ الأْشْيَاءِ إِلَى خَطِرَةٍ، وَغَيْرِ خَطِرَةٍ، أَيْ عَادِيَّةٍ.
الْقِسْمُ الأْوَّلُ:
ضَمَانُ التَّلَفِ الْحَاصِلِ بِالأْشْيَاءِ الْعَادِيَّةِ غَيْرِ الْخَطِرَةِ:
116 - يَرُدُّ الْفُقَهَاءُ مَسَائِلَ التَّلَفِ الْحَاصِلِ بِالأْشْيَاءِ الْعَادِيَّةِ، غَيْرِ الْخَطِرَةِ، إِلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَالأْصُولِ:
الأْوَّلُ: كُلُّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْوَاضِعِ أَنْ يَضَعَ فِيهِ أَشْيَاءَهُ لاَ يَضْمَنُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى وَضْعِهَا فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ، لأِنَّ الْجَوَازَ الشَّرْعِيَّ يُنَافِي الضَّمَانَ.
الثَّانِي: كُلُّ مَوْضِعٍ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضَعَ فِيهِ أَشْيَاءَهُ يَضْمَنُ مَا يَنْشَأُ عَنْ وَضْعِهَا فِيهِ مِنْ أَضْرَارٍ، مَا دَامَتْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ زَالَتْ عَنْهُ لَمْ يَضْمَنْ .
الثَّالِثُ: كُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلاً لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ عَنْهُ مِنْ ضَرَرٍ .
الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ، بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ .
الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ ضَامِنٌ إِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَإِلاَّ لاَ يَضْمَنُ، وَالْمُبَاشِرُ ضَامِنٌ مُطْلَقًا .
وَمِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي انْبَثَقَتْ مِنْهَا هَذِهِ الأْصُولُ:
أ - مَنْ وَضَعَ جَرَّةً أَوْ شَيْئًا فِي طَرِيقٍ لاَ يَمْلِكُهُ فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ ضَمِنَ، وَلَوْ زَالَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمَوْضُوعُ أَوَّلاً إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، (غَيْرِ الطَّرِيقِ) فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ، بَرِئَ وَاضِعُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ .
ب - لَوْ قَعَدَ فِي الطَّرِيقِ لِيَبِيعَ، فَتَلِفَ بِقَعْدَتِهِ شَيْءٌ: فَإِنْ كَانَ قَعَدَ بِإِذْنِ الإْمَامِ لاَ يَضْمَنُهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ يَضْمَنُهُ وَلِلْحَنَابِلَةِ قَوْلاَنِ فِي الضَّمَانِ .
ج - وَلَوْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى حَائِطٍ، فَأَهْوَتْ بِهَا الرِّيحُ، وَتَلِفَ بِوُقُوعِهَا شَيْءٌ، لَمْ يَضْمَنْ، إِذِ انْقَطَعَ أَثَرُ فِعْلِهِ بِوَضْعِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْوَضْعِ بِأَنْ وُضِعَتِ الْجَرَّةُ وَضْعًا مَأْمُونًا، فَلاَ يُضَافُ إِلَيْهِ التَّلَفُ .
د - لَوْ حَمَلَ فِي الطَّرِيقِ شَيْئًا عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ سَيَّارَتِهِ، فَسَقَطَ الْمَحْمُولُ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ أَوِ اصْطَدَمَ بِشَيْءٍ فَكَسَرَهُ، ضَمِنَ الْحَامِلُ، لأِنَّ الْحَمْلَ فِي الطَّرِيقِ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ، وَلأِنَّهُ أَثَرُ فِعْلِهِ.
وَلَوْ عَثَرَ أَحَدٌ بِالْحَمْلِ ضَمِنَ، لأِنَّهُ هُوَ الْوَاضِعُ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ أَثَرُ فِعْلِهِ .
هـ - لَوْ أَلْقَى فِي الطَّرِيقِ قِشْرًا، فَزَلَقَتْ بِهِ دَابَّةٌ ، ضَمِنَ، لأِنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي طَرْحِ مَا ذُكِرَ .
وَكَذَا لَوْ رَشَّ فِي الطَّرِيقِ مَاءً، فَتَلِفَتْ بِهِ دَابَّةٌ، ضَمِنَ وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: إِنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ إِذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ، وَإِلاَّ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الرَّاشِّ، لأِنَّهُ الْمُبَاشِرُ .
الْقِسْمُ الثَّانِي:
ضَمَانُ التَّلَفِ بِالأْشْيَاءِ الْخَطِرَةِ:
117 - رَوَى أَبُو مُوسَى الأَْشْعَرِيُّ - رضي الله تعالي عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم - «إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ، فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا - أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ - أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ» .
وَفِي الْفُرُوعِ: لَوِ انْفَلَتَتْ فَأْسٌ مِنْ يَدِ قَصَّابٍ، كَانَ يَكْسِرُ الْعَظْمَ، فَأَتْلَفَ عُضْوَ إِنْسَانٍ، يَضْمَنُ، وَهُوَ خَطَأٌ . وَلاَ تَعْلِيلَ لِلضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلاَّ التَّقْصِيرُ فِي رِعَايَةِ هَذِهِ الآْلَةِ الْحَادَّةِ، وَعَدَمِ الاِحْتِرَازِ أَثْنَاءَ الاِسْتِعْمَالِ، فَاسْتُدِلَّ بِوُقُوعِ الضَّرَرِ عَلَى التَّعَدِّي، وَأُقِيمَ مَقَامَهُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ ذَا الْيَدِ عَلَى الأْشْيَاءِ الْخَطِرَةِ يَضْمَنُ مِنَ الأْضْرَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا مَا كَانَ بِفِعْلِهِ، وَلاَ يَضْمَنُ مَا كَانَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ. وَمِنْ نُصُوصِهِمْ:
أ - لَوْ خَرَجَ الْبَارُودُ مِنَ الْبُنْدُقِيَّةِ بِفِعْلِهِ، فَأَصَابَ آدَمِيًّا أَوْ مَالاً ضَمِنَ، قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ طَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ ضَرْبِ الْحَدَّادِ، فَأَصَابَتْ ثَوْبَ مَارٍّ فِي الطَّرِيقِ، ضَمِنَ الْحَدَّادُ .
ب - وَلَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ فَحَمَلَتْ نَارًا، وَأَلْقَتْهَا عَلَى الْبُنْدُقِيَّةِ، فَخَرَجَ الْبَارُودُ، لاَ ضَمَانَ .
ج - وَلَوْ وَقَعَ الزَّنْدُ الْمُتَّصِلُ بِالْبُنْدُقِيَّةِ الْمُجَرَّبَةِ، الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي زَمَانِنَا، عَلَى الْبَارُودِ بِنَفْسِهِ، فَخَرَجَتْ رَصَاصَتُهَا، أَوْ مَا بِجَوْفِهَا، فَأَتْلَفَ مَالاً أَوْ آدَمِيًّا، فَإِنَّهُ لاَ ضَمَانَ .
ضَمَانُ الاِصْطِدَامِ:
تَنَاوَلَ الْفُقَهَاءُ حَوَادِثَ الاِصْطِدَامِ، وَمَيَّزُوا بَيْنَ اصْطِدَامِ الإْنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ، وَبَيْنَ اصْطِدَامِ الأْشْيَاءِ كَالسُّفُنِ وَنَحْوِهَا.
أَوَّلاً: اصْطِدَامُ الإْنْسَانِ :
118 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ خَطَأً وَمَاتَا مِنْهُ ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ كُلِّ فَارِسٍ دِيَةَ الآْخَرِ إِذَا وَقَعَا عَلَى الْقَفَا، وَإِذَا وَقَعَا عَلَى وُجُوهِهِمَا يُهْدَرُ دَمُهُمَا.
وَلَوْ كَانَا عَامِدَيْنِ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَوْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِهِ هُدِرَ دَمُهُ فَقَطْ.
وَإِذَا تَجَاذَبَ رَجُلاَنِ حَبْلاً فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ، فَسَقَطَا عَلَى الْقَفَا وَمَاتَا هُدِرَ دَمُهُمَا، لِمَوْتِ كُلٍّ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ وَجَبَ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآْخَرِ، لِمَوْتِهِ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ تَصَادَمَ مُكَلَّفَانِ عَمْدًا، أَوْ تَجَاذَبَا حَبْلاً فَمَاتَا مَعًا، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْقَوَدُ.
وَإِنْ تَصَادَمَا خَطَأً فَمَاتَا، فَدِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الآْخَرِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَدِيَتُهُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهَا.
وَإِنْ كَانَ التَّجَاذُبُ لِمَصْلَحَةٍ فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، كَمَا يَقَعُ بَيْنَ صُنَّاعِ الْحِبَالِ فَإِذَا تَجَاذَبَ صَانِعَانِ حَبْلاً لإِصْلاَحِهِ فَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ هَدْرٌ.
وَلَوْ تَصَادَمَ الصَّبِيَّانِ فَمَاتَا، فَدِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الآْخَرِ، سَوَاءٌ حَصَلَ التَّصَادُمُ أَوِ التَّجَاذُبُ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ، لأِنَّ فِعْلَ الصِّبْيَانِ عَمْدًا حُكْمُهُ كَالْخَطَأِ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا اصْطَدَمَ شَخْصَانِ - رَاكِبَانِ أَوْ مَاشِيَانِ، أَوْ رَاكِبٌ وَمَاشٍ طَوِيلٌ - بِلاَ قَصْدٍ، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ، وَفِعْلِ صَاحِبِهِ، فَيُهْدَرُ النِّصْفُ، وَلأِنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَا مُنْكَبَّيْنِ أَوْ مُسْتَلْقِيَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالآْخَرُ مُسْتَلْقِيًا.
وَإِنْ قَصَدَا الاِصْطِدَامَ فَنِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةٌ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِوَرَثَةِ الآْخَرِ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ، فَيُهْدَرُ النِّصْفُ، وَلأِنَّ الْقَتْلَ حِينَئِذٍ شِبْهُ عَمْدٍ فَتَكُونُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً، وَلاَ قِصَاصَ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ، لأِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الاِصْطِدَامَ لاَ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي تَرِكَتِهِ كَفَّارَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا لِقَتْلِ نَفْسِهِ، وَالأْخْرَى لِقَتْلِ صَاحِبِهِ، لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي إِهْلاَكِ نَفْسَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لاَ تَتَجَزَّأُ.
وَفِي تَرِكَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ دِيَةِ الآْخَرِ، لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي الإِْتْلاَفِ، مَعَ هَدْرِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ.
وَلَوْ تَجَاذَبَا حَبْلاً فَانْقَطَعَ وَسَقَطَا وَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الآْخَرِ، سَوَاءٌ أَسَقَطَا مُنْكَبَّيْنِ أَمْ مُسْتَلْقِيَيْنِ، أَمْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالآْخَرُ مُسْتَلْقِيًا، وَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُهُمَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُصْطَدِمَيْنِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ مِنَ الآْخَرِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَالٍ، سَوَاءٌ كَانَا مُقْبِلَيْنِ أَمْ مُدْبِرَيْنِ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ مِنْ صَدْمَةِ صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَرَّبَهَا إِلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، فَلَزِمَ الآْخَرَ ضَمَانُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ وَاقِفَةً إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ قِيمَةَ الدَّابَّتَيْنِ إِنْ تَسَاوَتَا تَقَاصَّا وَسَقَطَتَا، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الأْخْرَى فَلِصَاحِبِهَا الزِّيَادَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ إِحْدَى الدَّابَّتَيْنِ فَعَلَى الآْخَرِ قِيمَتُهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ فَعَلَيْهِ نَقْصُهَا.
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيِ الآْخَرِ، فَأَدْرَكَهُ الثَّانِي فَصَدَمَهُ فَمَاتَتِ الدَّابَّتَانِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا فَالضَّمَانُ عَلَى اللاَّحِقِ، لأِنَّهُ الصَّادِمُ وَالآْخَرُ مَصْدُومٌ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ.
وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ وَالآْخَرُ وَاقِفًا، فَعَلَى السَّائِرِ قِيمَةُ دَابَّةِ الْوَاقِفِ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا لأِنَّ السَّائِرَ هُوَ الصَّادِمُ الْمُتْلِفُ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ هُوَ أَوْ دَابَّتُهُ فَهُوَ هَدْرٌ، لأِنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ، وَإِنِ انْحَرَفَ الْوَاقِفُ فَصَادَفَتِ الصَّدْمَةُ انْحِرَافَهُ فَهُمَا كَالسَّائِرَيْنِ، لأِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْ فِعْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مُتَعَدِّيًا بِوُقُوفِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقِفَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ السَّائِرِ، لأِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ، أَوْ جَلَسَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ فَعَثَرَ بِهِ إِنْسَانٌ.
وَإِنْ تَصَادَمَ نَفْسَانِ يَمْشِيَانِ فَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الآْخَرِ، رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - وَالْخِلاَفُ - هَاهُنَا - فِي الضَّمَانِ كَالْخِلاَفِ فِيمَا إِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تَقَاصَّ - هَاهُنَا - فِي الضَّمَانِ، لأِنَّهُ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، لِكَوْنِ الضَّمَانِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنِ اتُّفِقَ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الْعَاقِلَةُ هِيَ الْوَارِثَةُ، أَوْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتَصَادِمَيْنِ تَقَاصَّا، وَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَ اصْطِدَامُهُمَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً، لأِنَّ الصَّدْمَةَ لاَ تَقْتُلُ غَالِبًا، فَالْقَتْلُ الْحَاصِلُ بِهَا مَعَ الْعَمْدِ عَمْدُ الْخَطَأِ .
ثَانِيًا: اصْطِدَامُ الأْشْيَاءِ: السُّفُنِ وَالسَّيَّارَاتِ:
119 - قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِذَا كَانَ الاِصْطِدَامُ بِسَبَبٍ قَاهِرٍ أَوْ مُفَاجِئٍ، كَهُبُوبِ الرِّيحِ أَوِ الْعَوَاصِفِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ.
وَإِذَا كَانَ الاِصْطِدَامُ بِسَبَبِ تَفْرِيطِ أَحَدِ رُبَّانَيِ السَّفِينَتَيْنِ - أَوْ قَائِدَيِ السَّيَّارَتَيْنِ - كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ.
وَمِعْيَارُ التَّفْرِيطِ - كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ - أَنْ يَكُونَ الرُّبَّانِ - وَكَذَلِكَ الْقَائِدُ - قَادِرًا عَلَى ضَبْطِ سَفِينَتِهِ - أَوْ سَيَّارَتِهِ - أَوْ رَدِّهَا عَنِ الأْخْرَى، فَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْدِلَهَا إِلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْ آلَتَهَا مِنَ الْحِبَالِ وَالرِّجَالِ وَغَيْرِهَا .
وَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى السَّفِينَتَيْنِ وَاقِفَةً، وَالأْخْرَى سَائِرَةً، فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْوَاقِفَةِ، وَعَلَى السَّائِرَةِ ضَمَانُ الْوَاقِفَةِ، إِنْ كَانَ الْقَيِّمُ مُفَرِّطًا.
وَإِذَا كَانَتَا مَاشِيَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ، بِأَنْ كَانَتَا فِي بَحْرٍ أَوْ مَاءٍ رَاكِدٍ، ضَمِنَ الْمُفَرِّطُ سَفِينَةَ الآْخَرِ، بِمَا فِيهَا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ.
أَمَّا إِذَا كَانَتَا غَيْرَ مُتَسَاوِيَتَيْنِ، بِأَنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً، وَالأْخْرَى صَاعِدَةً فَعَلَى الْمُنْحَدِرِ ضَمَانُ الصَّاعِدَةِ، لأِنَّ هَا تَنْحَدِرُ عَلَيْهَا مِنْ عُلُوٍّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي غَرَقِهَا، فَتَنْزِلُ الْمُنْحَدِرَةُ مَنْزِلَةَ السَّائِرَةِ، وَالصَّاعِدَةُ مَنْزِلَةَ الْوَاقِفَةِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيطُ مِنَ الْمُصْعِدِ فَيَكُونُ، الضَّمَانُ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ الْمُفَرِّطُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي اصْطِدَامِ السُّفُنِ: السَّفِينَتَانِ كَالدَّابَّتَيْنِ، وَالْمَلاَّحَانِ كَالرَّاكِبَيْنِ إِنْ كَانَتَا لَهُمَا .
وَأَطْلَقَ ابْنُ جُزَيٍّ قَوْلَهُ: إِذَا اصْطَدَمَ مَرْكَبَانِ فِي جَرْيِهِمَا، فَانْكَسَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا، فَلاَ ضَمَانَ فِي ذَلِكَ .
سُقُوطُ جِدَارٍ مَائِلٍ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ:
17 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا بَنَى فِي مِلْكِهِ جِدَارًا مَائِلاً إِلَى الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ فَسَقَطَ فِيهِ فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ ضَمِنَ، لأِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ مُسْتَوِيًا فَسَقَطَ بِغَيْرِ اسْتِهْدَامٍ وَلاَ مَيْلٍ، فَأَتْلَفَ شَيْئًا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِلاَ خِلاَفٍ، لأِنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي بِنَائِهِ، وَلاَ حَصَلَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ بِإِبْقَائِهِ، وَإِنْ مَالَ قَبْلَ وُقُوعِهِ إِلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَقْضُهُ وَإِصْلاَحُهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِبِنَائِهِ، وَلاَ فَرَّطَ فِي تَرْكِهِ وَإِصْلاَحِهِ، لِعَجْزِهِ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ كَمَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ.
وَإِنْ أَمْكَنَهُ نَقْضُهُ وَإِصْلاَحُهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ إِلَى الضَّمَانِ بِشَرْطِ أَنْ يُطَالِبَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْخُصُومَةِ بِالنَّقْضِ، وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ جَمْعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَضْمَنُ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ وَلَمْ يَشْهَدْ .
إِلْقَاءُ شَيْءٍ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ:
18 - لَوْ أَلْقَى قُمَامَاتٍ، أَوْ قُشُورَ بِطِّيخٍ وَرُمَّانٍ وَمَوْزٍ بِطَرِيقٍ نَافِذٍ فَمَضْمُونٌ، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَارُّ الْمَشْيَ عَلَيْهَا قَصْدًا، وَكَذَا إِنْ رَشَّ فِي الطَّرِيقِ مَاءً فَزَلَقَ بِهِ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، فَتَلِفَ يَضْمَنُ . (ر: مُصْطَلَح: ضَمَان)
إِحْدَاثُ بِئْرٍ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ:
19 - لاَ يَجُوزُ لأِحَدٍ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ جَعَلَهَا لِمَاءِ الْمَطَرِ، أَوِ اسْتِخْرَاجِ مَاءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ، لأِنَّ الطَّرِيقَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْدَثَ فِيهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، وَإِذْنُ كُلِّهِمْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَإِنْ حَفَرَهَا وَتَرَتَّبَ عَلَى حَفْرِهَا ضَرَرٌ فَفِي ضَمَانِهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الإْمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْحَفْرُ لِمَصْلَحَةِ الْحَافِرِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ.
(ر: مُصْطَلَح: ضَمَان).
ضَمَانُ الضَّرَرِ الْحَادِثِ مِنْ مُرُورِ الْبَهَائِمِ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ:
20 - الْمُرُورُ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ حَقٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ، لأِنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ، وَمُبَاحٌ لَهُمْ بِدَوَابِّهِمْ، بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ فَفِي ضَمَانِهِ تَفْصِيلٌ (يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: ضَمَان)