loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1 ـ لما كان الدفاع الشرعى عن النفس لا يجيز القتل العمد إلا إذا بلغ فعل الإعتداء المبيح له درجة من الجسامة بحيث يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة - الفقرة الأولى من المادة 249 من قانون العقوبات التى أوردت حالات الدفاع الشرعى الذى يجيز القتل العمد على سبيل الحصر - متى كان ذلك ، و كان تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى أو إنتفاؤها يتعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بلا معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التى رتبت عليها .

(الطعن رقم 4112 لسنة 57 جلسة 1988/04/12 س 39 ع 1 ص 574 ق 88)

2 ـ متى كانت الواقعة الثابتة فى الحكم هي أن المتهم كان فى حالة تجعل "تخوفه من أن يصيبه الموت أو جراح بالغة فى محله" وأنه أطلق أولاً عياراً فى الهواء فلم يكن له أثر فى رد الاعتداء بل استمر مهاجموه فى اعتدائهم، فأطلق عياراً آخر أصاب المجني عليه، فإن المتهم يكون فى حالة دفاع شرعي تنطبق عليها المادة 249 من قانون العقوبات ويكون الحكم - إذ أخذ لأنه كان واجباً عليه أن يتحرى فى إطلاق النار على المجني عليه أن يكون فى موضع يكفي لتعطيل المعتدي لا أن يصيبه فى مقتل يودي بحياته - قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله، ويكون من المتعين القضاء ببراءة المتهم على أساس الواقعة الثابتة بالحكم من أنه كان إزاء فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة وأنه كان لهذا التخوف أسباب معقولة.

(الطعن رقم 1111 لسنة 20 جلسة 1950/11/28 س 2 ع 1 ص 284 ق 106)

3 ـ إن الشارع إذ نص فى المادة 249 من قانون العقوبات على إباحة القتل العمد لدفع فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا الخوف أسباب معقولة ، قد دل بذلك على أنه لا يلزم فى الفعل المتخوف منه المسوغ للدفاع الشرعى بصفة عامة أن يكون خطراً حقيقياً فى ذاته ، بل يكفى أن يبدو كذلك فى إعتقاد المتهم بشرط أن يكون هذا الإعتقاد مبنياً على أسباب معقولة . و متى كان الأمر كذلك و كان الحكم قد بنى على تقرير أن المجنى عليهما و من معهما لم يكونوا يقصدون القتل ، و أن سلاحهم كان أضعف من سلاح المتهم ، و إستوجب فوق ذلك ما لم يوجبه القانون من البدء بإطلاق الأعيرة النارية فى الهواء ثم على الأقدام فإنه يكون قد جاء مخالفاً للقانون مما يقتضى نقضه .

(الطعن رقم 1866 لسنة 19 جلسة 1950/01/09 س 1 ص 238 ق 79)

4 ـ لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن أثر مناقشة مع فريق المجنى عليهم بادر بإطلاق النار عليهم دون أن ينسب لهم أى أفعال يتخوف أن تحدث الموت أو الجراح البالغة تستوجب الدفاع الشرعى عن النفس بالقتل العمد فتكون الواقعة - حسبما أثبتها الحكم لا ترشح لقيام حالة الدفاع الشرعى عن النفس . لما كان ذلك و كانت المشادة بين الطاعن و فريق المجنى عليهم التى أعقبها إطلاقه النار عليهم حسبما خلص إلى ذلك الحكم المطعون فيه - كانت بسبب منع الآخرين للطاعن من رى أرض النزاع و هو ما لا يقوم به أصلاً حق الدفاع الشرعى إذ ليس النزاع على الرى مما تصح المدافعة عنه قانوناً بإستعمال القوة .

(الطعن رقم 4112 لسنة 57 جلسة 1988/04/12 س 39 ع 1 ص 574 ق 88)

5 ـ يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعى أن يكون قد وقع فعل إيجابى يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التى يجوز فيها الدفاع الشرعى ، سواء وقع الإعتداء بالفعل ، أو بدر من المجنى عليه بادرة إعتداء تجعل المتهم يعتقد - لأسباب معقولة - و جود خطر حال على نفسه أو ماله ، أو على نفس غيره أو ماله - فإذا كان الثابت بالحكم أن المتهم قد بادر إلى إطلاق النار على المجنى عليه إذ راه يمر أمام حقله ليلا و لم يصل صوته إلى سمعه عندما ناداه مستفسرا عن شخصيته ، و كان المجنى عليه وقت إصابته فى حقله هو و بعيدا عن زراعة المتهم ، و دون أن يكون قد صدر من المجنى عليه أو من غيره أى فعل مستوجب للدفاع ، فلا يسوغ القول بأن المتهم كان وقتئذ فى حالة دفاع شرعى عن نفسه أو ماله .

(الطعن رقم 1152 لسنة 29 جلسة 1960/01/05 س 11 ع 1 ص 17 ق 3)

 6- وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل ولا عبرة بما يكون قد دفع الجاني إلى فعلته أو بالغرض الذي توخاه منها ، ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه .

 (الطعن رقم 10896 لسنة 88 ق - جلسة 6 / 2 / 2021 )

شرح خبراء القانون

حظر القتل العمد في غير حالات محددة

على سبيل الحصر

يتعلق هذا القيد بالتناسب بين فعل الدفاع وجسامة الخطر، فالشارع يحمد على سبيل الحصر حالات معينة يجيز فيها الدفاع عن طريق القتل العمد ، وفيما عدا هذه الحالات يحظره القانون، ولو كان لازم لرد الخطر ومتناسباً معه وفقاً للضابط الذي حددناه، ويعني ذلك أن الشارع لا يسمح بالقتل العمد لمجرد أنه متناسب مع جسامة الخطر ، وهو لا يسمح به كذلك إلا إذا توافرت كل شروط الدفاع الشرعي، ومن بينها تناسب الفعل مع جسامة الخطر، وتوضيح ذلك أن إباحة القتل العمد منوطة بتوافر إحدى الحالات التي ينص عليها القانون، ومنوطة كذلك بكون القتل متناسباً مع جسامة الخطر ، فالمعيار العام للتناسب لا يطبق لإباحة القتل في غير هذه الحالات ، ولكنه يطبق الاستبعاد الإباحة على الرغم من توافر إحدى هذه الحالات إذا كان درء الخطر ممكناً عن طريق فعل أقل من القتل جسامة : فمن يهدد بسرقة تعد من الجنايات - وهي حالة ينص عليها القانون - لا يباح له القتل إذا كان في وسعه درء خطرها عن طريق الضرب أو الجرح .

وعلة هذا القيد هي خطورة القتل العمد، ورغبة الشارع في الحد من الحالات التي يجوز فيها الإلتجاء إليه دفاعاً عن النفس أو المال .

والحالات التي ينص القانون عليها نوعان :

حالات يهدد فيها الخطر و النفس وحالات يهدد فيها المال .

القتل العمد دفاعاً عن النفس : نصت على هذه الحالات المادة 249 من قانون العقوبات وردتها إلى ثلاث :

أولاً : « فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة » . يفترض الشارع في هذا النص أن الفعل يهدد بأحد خطرين : الموت أو الجراح البالغة ، ويشترط أن يكون للاعتقاد بقيام هذا الخطر سبب معقول، ويراد بالجراح البالغة ما يكون من شأنه إحداث عاهة أو مرض أو عجز خطيرين، وللقاضي أن يراقب تقدير المعتدى عليه ليتحقق من قيامه على أسباب معقولة، ولكن عليه أن يراعي الظروف التي أحاطت به فجعلته يبالغ في الخوف، فيقدر الخطر بأكثر من حقيقته .

ثانياً : « إتيان امرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة » . ويعنى الشارع بذلك تهديد الخطر بارتكاب المعتدي جريمة وقاع أنثى بغير رضاها المادة 267 من قانون العقوبات) أو جريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد المادة 268 من قانون العقوبات).

ثالثاً : « اختطاف إنسان ». ويعني الشارع بذلك الجرائم التي تنص عليها المواد 283 ، 288، 289 من قانون العقوبات . (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة:241)

حالات القتل العمد دفاعاً عن النفس :

 هذه الحالات وفق المادة 249 عقوبات هي:

أولاً : فعل يتخوف منه الموت أو جراح بالغة، إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة، وهو ما يتحقق في جرائم القتل أو الإيذاء الشديد الذي يمكن أن ينتج عنه الموت أو عاهة مستديمة أو عجز خطير، وظروف الحالة هي التي تحدد ما إذا كان التخوف سبب معقول من عدمه فإذا لم يكن هناك سبب معقول ووصل دفاع الشخص إلى القتل كان متجاوزاً وبالتالي أتى فعلاً غير مشروع يحق للغير الدفاع الشرعي ضده .

ثانيا: إتيان امرأة كرهاً أو هتك عرض إنسان بالقوة، ويقصد بذلك جرائم الاغتصاب المنصوص عليها بالمادة 267 عقوبات، وجرائم هتك العرض بالقوة أو التهديد والمنصوص عليها بالمادة 268 عقوبات.

ثالثاً : اختطاف إنسان، والمقصود بذلك جرائم الخطف المنصوص عليها بالمواد 283، 288، 290 عقوبات.

والفرض في هذه الحالات جميعها أن يكون القتل متناسب مع جسامه الاعتداء تبعاً للظروف الواقعية التي بوشر فيها سلوك الجاني. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث،  الصفحة :  270)

عملاً بنص المادة 249 من قانون العقوبات فإن حق الدفاع الشرعي عن النفس لايجوز أن يبيح القتل العمد إلا إذا كان مقصوداً به دفع أحد الأمور الآتية:

أولا : فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.

وهو ما يتحقق في جرائم القتل أو الإيذاء الشديد الذي يمكن أن ينتج عنه الموت أو عاهة مستديمة أو عجز خطير وظروف الحال هي التي تحدد ما إذا كان للتخوف سبب معقول عن عدمه فإذا لم يكن هناك سبب معقول ووصل دفاع الشخصي إلى القتل كان متجاوزاً وبالتالي أتى فعلاً غير مشروع يحق للغير الدفاع الشرعي ضده.

ثانيا : إتيان امرأة كرهاً أوهتك عرض إنسان بالقوة وهذه الفقرة تعنی جريمة دفاع أنثى بغير رضاها (المادة 267 عقوبات) وجريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد (المادة 268).

ثالثاً : اختطاف إنسان وهذا يعني الجرائم المنصوص عليها بالمواد 283، 284، 290 عقوبات. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث،  الصفحة: 476)

الحالات التي يجوز فيها القتل دفاعا عن النفس.

يتعين بداهة ضرورة توافر سائر شروط الدفاع الشرعي حتى يجوز اللجوء للقتل في هذه الحالات التي نصت عليها المادة التي نحن بصددها وهي:

 (1) فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جروح بالغة إذا كان لهذا الخوف أسباب معقولة، وتفصل محكمة الموضوع في تقدير ما إذا كان الفعل يؤدي إلى الموت أو الجروح البالغة، وبتوافر الأسباب المعقولة التي تبرر اعتقاد المدافع، بمراعاة ما يحيط به من ظروف وبالنظر إلى حالته.

 ويراد بالجروح البالغة الإصابات الجسيمة التي لا يرجى الشفاء منها أو يحتمل عدم الشفاء منها أو فقد حاسة من الحواس أو إضعافها أو فقد أحد الأطراف أو الإقلال من منفعته، وما إلى ذلك، أما إذا كان الفعل لا يخشى منه إلا مجرد حدوث جروح بسيطة فإنه لا يبرر القتل.

 (2) إتيان إمرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة، وهي الجرائم المنصوص عليها في المادتين (267، 268) عقوبات.

 (3) إختطاف إنسان، وتدخل في هذه الحالة الجرائم الواردة في المواد (283، 288، 289، 290) عقوبات.  (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 633)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 255 ، 256 ، 30

( مادة 524 )

مع مراعاة ما نص عليه في المادة (14) من هذا القانون ، لا يباح القتل دفاعاً عن النفس ، أو العرض ، أو المال ، إلا إذا قصد به دفع إحدى الجرائم الآتية : 

1- إعتداء يتخوف أن يحدث منه الموت أو الجراح الجسيمة ، إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة . 

2- جناية إختطاف إنسان . 

3- جناية إغتصاب أنثى ، أو هتك عرض إنسان بالقوة أو التهديد ، أو أي وسيلة تعدم إرادته . 

4 - جناية حريق ، أو إتلاف ، أو سرقة . 

5- دخول مكان مسكون ليلاً أو إحدى ملحقاته أو إقتحامه. 

(مادة 527) 

يستوي في قيام حق الدفاع الشرعي أن يكون الخطر موجهاً إلى نفس الموانع ، أو عرضه ، أو ماله ، أو نفس الغير ، أو عرضه ، أو ماله . 

(مادة 528)

 لا يمنع من قيام حق الدفاع الشرعي أن يكون الخطر من شخص عديم المسئولية الجنائية أو ناقصها . 

الجرائم الواقعة على الأشخاص 

الفصل الأول 

المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه 

المواد من (510) - (529): 

أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي : 

١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب،  أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) . 

وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة . 

2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة. 

3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح. 

4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع . 

والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل . 

5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .

6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .

7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر . 

واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .

8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع . 

9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم . 

10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع . 

(مادة 35) 

لا مسئولية على من ارتكب فعلاً دفعته إلى ارتكابه ضرورة الوقاية من خطر جسيم محدق به أو بالغير يصيب النفس أو العرض أو المال، إذا لم يكن هو قد تسبب فيه عمداً ، ولم يكن في استطاعته دفعه بوسيلة أخرى، وبشرط أن يكون الفعل الذي ارتكبه متناسبا مع جسامة الخطر الذي توقاه. 

ومع ذلك فإن الضرورة لا تجيز قتل النفس، وفي هذه الحالة تراعى أحكام الدية 

المنصوص عليها في هذا القانون . ولا يعتبر في حالة ضرورة من أوجب عليه القانون مواجهة ذلك الخطر.  

وبينت المادة (35) حكم الضرورة، فنصت على أنه لا مسئولية على من ارتكب فعلاً دفعته إلى ارتكابه ضرورة الوقاية من خطر جسيم محدق به أو بالغير يصيب النفس أو العرض أو المال، إذا لم يكن هو قد تسبب فيه عمداً ولم يكن في استطاعته دفعه بوسيلة أخرى وبشرط أن يكون الفعل الذي ارتكبه متناسبا مع جسامة الخطر الذي توقاه ومع ذلك فإن الضرورة لا تجيز قتل النفس ، وفي هذه الحالة تراعى أحكام الدية المنصوص عليها في هذا القانون، ولا يعتبر في حالة ضرورة من أوجب عليه القانون مواجهة ذلك الخطر. 

ويلحق الفقه الإسلامي الضرورة بالإكراه من حيث الحكم، وإن اختلفت عن الإكراه في سبب الفعل، ففي الإكراه يدفع المكره إلى إتيان شخص آخر بأمره المكره بإتيان الفعل ويجبره على إتيانه، أما في حالة الضرورة فلا يدفع الفاعل إلى إتيان الفعل شخص آخر، وإنها يوجد الفاعل في ظروف يقتضيه الخروج منها أن يرتكب الفعل المحرم لينجي نفسه أو غيره من التهلكة، كمن يركب مع آخرين قارباً مملوءاً بالأمتعة يكاد يغرق لنقل حمولته، فإن نجاة الركاب تقتضي تخفيف حمولة القارب، وإلقاء بعض الأمتعة التي تثقله في الماء، ففي هذا المثال أدت حالة الضرورة إلى إتلاف الأمتعة في سبيل نجاة الركاب، والأساس الشرعي لحالة الضرورة هو نفس الأساس الذي يقوم عليه الإكراه، وهو الإكراه الذي بعدم الاختيار، فالمضطر حين يرتكب الجريمة لا يختار في الواقع، وإنما يضطر إلى إتيانها اضطراراً ، ومن المتفق عليه في الفقه أنه ليس للضرورة أثر على جرائم القتل ، فليس للمضطر بأي حال أن يقتل غيره حماية لنفسه من التهلكة، فإذا كانت جماعة وقارب مشرف على الغرق لنقل حمولته، فليس لأحدهم أن يلقي غيره في الماء ؛ ليخفف حمولة القارب، ولينجي نفسه وغيره من الهلكة ومع ذلك فإنه في حالة قتل النفس تراعى أحكام الدية المنصوص عليها في هذا القانون . 

مادة (230): 

مع مراعاة ما نص عليه هذا القانون من شروط خاصة للعقاب بالقصاص، يشترط للعقاب بالقصاص أو للحكم بالدية أن يكون المجني عليه معصوم الدم، ويعتبر غير معصوم الدم إذا تحققت في شأنه إحدى الحالات الآتية: 

الأولى: إذا ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله قصاصاً، وكان الجاني من أولياء الدم. الثانية: إذا ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله حداً. 

الثالثة: إذا كان حربياً غير مستأمن، والحربي هو غير المسلم التابع لدولة غير إسلامية بينها وبين دولة إسلامية حرب معلنة أو فعلية. 

ولا تخل أحكام الحالتين الأولى والثانية بمعاقبة الجاني بالعقوبة التعزيرية المقررة. 

الإيضاح 

ثمة شروط عامة يتعين توافرها - كأصل عام - للعقاب على جرائم الاعتداء على ما 

دون النفس التي تسري في شأنها أحكام المشروع، ونجمل هذه الشروط في: 

1- انتفاء أسباب الإباحة. 

2- أن يكون المجني عليه معصوم الدم. 

فأما عن أسباب الإباحة فقد أورد القانون هذه الأسباب في المواد من (14) إلى (16)، ومن (523) إلى (529) كممارسة الحق أو القيام بواجب، والدفاع المشروع والضرورة، والإكراه. 

وهذه الأسباب منضبطة، ومن السهل على القاضي تطبيقها، ولا تعدم في الأسس التي تقوم عليها سندا من الفقه الإسلامي في عمومه برحابته وتعدد الآراء فيه. 

ففيما يتعلق بممارسة الحق، فإن الشريعة تعطي (على سبيل المثال) الأب ولاية التأديب بالنسبة إلى أولاده الصغار الذين هم دون البلوغ، وللمعلم أياً كان - مدرساً أو معلم حرفة - تأديب الصغير، وللولي والوصي تأديب من تحت ولايته أو وصايته، وحق التأديب ممنوح لهؤلاء بشروط منها: أن يكون التأديب لذنب فعله الصغير، وأن يكون الضرب غير مبرح متناسبا مع حالة الصغير وسنه، وألا يكون على الوجه والمواضع المخوفة، وأن يكون بقصد التأديب، وألا يسرف فيه، فإذا وقع الضرب في هذه الحدود وترتب عليه أذى من أنواع الإيذاء التي نص عليها المشروع – فلا مسئولية على المؤدب؛ لأن الفعل مباح، وإنما ترتب المسئولية إذا انحرف المؤدب بحق التأديب، سواء كان هذا الانحراف مقصوداً، أو عن خطأ وإهمال، وتترتب المسئولية بحسب الجريمة التي يشكلها هذا الانحراف. 

ومن أمثلة أداء الواجب: قيام الطبيب بواجبه من جراحة ونحوها، وقيام الجندي بواجبه في الميدان، وقيام الموظف بأداء وظيفته، كل ذلك في إطار الحدود الشرعية المرسومة، فالشرطي الذي يضطر إلى ملاحقة اللص الهارب بإطلاق النار عليه فيلحق به أذى في جسمه رغم احتياطه، وقيامه بالواجب في الحدود المقررة - لا عقاب علیه طالما، تم إطلاق النار بقصد أداء الواجب. 

وأما الدفاع المشروع: فأصله مقرر في الشريعة تحت أحكام دفع الصائل، والأصل في دفع الصائل قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ

 ... (سورة البقرة، الآية: 195). ودفع الصائل مقرر في الشريعة؛ لدفع الاعتداء على النفس أو المال أو العرض، والشريعة تجيز دفع الصائل، ولو استلزم الأمر قتل المعتدي، طالما لم تكن هناك ثمة وسيلة لدفعه إلا بذلك، وعلى هذا، فإذا استلزم دفع المعتدي إيذاءه بأي من أنواع الإيذاء المنصوص عليها في المشروع، فلا يكون في ذلك جريمة، وإنما هو فعل مباح. 

على أنه يشترط لإباحة الفعل بسبب دفع الصائل أن يكون الاعتداء حالا، وألا يمكن 

دفعه بطريق آخر غير ما وقع، وأن يدفع الاعتداء بالقدر اللازم لدفعه فقط. 

وأما إباحة الفعل للضرورة فاصله في الشريعة - بوجه عام - قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ (الأنعام، الآية: 119)، وقوله:فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ( البقرة، الآية: 173). 

فمن أكره على الفعل إكراهاً تماماً ملجئاً، يعتبر في حالة ضرورة في منطق الرأي القائل برفع العقوبة عن المكره (بفتح الراء). وكذلك الجائع المشرف على الهلاك في الصحراء إذا منعه الطعام من وجد عنده، ولم يكن ثمة وسيلة للحصول على الطعام إلا بالإقدام على فعل يتضمن إيذاء مانع الطعام. 

ومن الشروط الأساسية للضرورة أن يكون الشخص في حالة إرغام تام على ارتكاب الفعل، وألا يكون ثمة وسيلة للخروج من حالة الضرورة إلا بما أتاه من فعل، وأن يكون الفعل بالقدر اللازم لدفع الضرورة فقط. 

 

كذلك تعتبر إباحة الفعل دفاعا عن النفس أو العرض أو المال من تطبيقات الضرورة بوجه عام؛ لأن الفاعل في هذه الصور يجد نفسه مضطراً إلى الفعل، لدفع الاعتداء، طالما أنه لم يتسن دفعه بأية وسيلة أخرى على ما سلف بيانه عند تناول حكم دفع الصائل. 

(تراجع المادة (35) من هذا القانون ومذكرتها الإيضاحية). 

مبدأ المساواة في العقوبة: 

ومتى توافرت الشروط العامة للعقاب، فلا فرق بعد ذلك بين الذكر والأنثى في شريعة القصاص، وهذا قول عامة أهل العلم، ومنهم: النخعي، والشعبي، والزهري، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، وأهل المدينة، والشافعي، وإسحاق، والحنفية، وغيرهم. وقد استدل ابن القيم على ذلك بها ثبت في الصحيحين من أن يهودياً رض رأس جارية بين حجرين على أوضاح لها - أي حلي -، فأخذ فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين، وكذلك الشأن بالنسبة للخنثى؛ لأنه لا يخلو من أن يكون ذكرا أو أنثى. 

ولا تفرقة بين الناس بسبب مناصبهم أو أوضاعهم، فهم جميعا أمام القصاص والدية سواء، فلا فرق بين صغير وكبير، وغني وفقير، وصحيح وعليل. بل لقد أجمع الفقهاء على أن السلطان يجب عليه أن يقتص من نفسه إن تعدى على أحد من الرعية؛ إذ ليس بينه وبين العامة فرق في أحكام الله تعالى، وورد في بعض الآثار المدونة أن الرسول صلى الله عليه وسلم اقتص من نفسه (تبيين الحقائق للزيلعي الحنفي، المطبعة الأميرية 1315هـ الجزء السادس ص (102) إلى (105) - المغني ج (8) ص (261)). 

وأما بالنسبة إلى الشرط الذي يجب توافره في المجني عليه، وهو أن يكون معصوم الدم - فالمقصود به ألا يكون دمه مهدراً لأحد الأسباب الشرعية التي تجيز ذلك. 

وقد اعتبرت المادة (230) المجني عليه غير معصوم الدم، إذا تحققت في شأنه إحدى الحالات الآتية: 

الأولى: إذا ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله قصاصاً، وكان الجاني من أولياء الدم. الثانية: إذا ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله حداً. 

الثالثة: إذا كان حربياً غير مستأمن. 

وقد آثر المشروع الأخذ برأي أبي يوسف ومحمد في خصوص اعتداء ولي دم القتيل على من ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله قصاصاً، متى وقع هذا الاعتداء على بدنه بما دون القتل، فقد جاء في بدائع الصنائع ج- (7) ص (304) ما نصه: «ولو كان له على رجل قصاص في النفس، فقطع يده، ثم عفا عن النفس، وبرأت اليد - ضمن دية اليد، في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: ومحمد لا ضمان عليه (وجه) قولهما أن نفس القاتل بالقتل، وصارت حقا لولي القتيل، والنفس اسم لجملة الأجزاء، فإذا قطع يده فقد استوفى حق نفسه، فلا يضمن، ولهذا لو قطع يده ثم قتله لا يجب عليه ضمان اليد، ولو لم تكن اليد حقه لوجب الضمان عليه، دل أنه بالقطع استوفي حق نفسه، فبعد ذلك إن عفا عن النفس، فالعفو ينصرف إلى القائم لا إلى المستوفي، كمن استوف بعض دينه ثم أبرأ الغريم أن الإبراء ينصرف إلى ما بقي لا إلى المستوفي، كذا هذا، وغني عن البيان أن من ارتكب جريمة توجب قتله قصاصاً مهدر الدم في حق أولياء دم القتيل فحسب، أما بالنسبة لمن سواهم من غير الأولياء فهو محقون الدم؛ إذ قد يعفو عنه الأولياء، ومن ثم فحكمه يختلف عمن ثبت ارتكابه جريمة توجب قتله حداً وعن الحربي؛ لأن كليهما مهدر الدم عند الشارع. 

ومثال من ارتكب جريمة توجب قتله حداً المرتد، فمن قطع يد مرتد لا يضمن وإن كان متعديا في القطع ( المرجع السابق ص (204)). والمحارب - وهو الذي يقطع الطريق على الناس - لو ارتكب جريمة قتل - مسلماً كان أو غير مسلم - فعقوبة المحارب في هذه الصورة هي قتله حدا بموجب أحكام الشريعة الإسلامية، ولذلك لا تكون لديه حصانة ولا يعاقب قاتله أو من اعتدى عليه باعتبار أنه ارتكب جريمة قتل أو اعتداء، وإنما يعاقب تعزیراً باعتباره متعدياً على حق السلطة العامة في إقامة الحدود؛ لأن إقامة الحدود لیست موکولة للأفراد، وإنها معقودة للسلطة العامة. ويلاحظ أن مناط انتفاء قيام جريمة الاعتداء على ما دون النفس - هو أن تثبت الجريمة الموجبة للقتل حداً قبل المجني عليه بالدليل الشرعي، أما إذا لم تثبت على هذا الوجه اعتبر المجني عليه معصوم الدم، وعوقب الجاني على الجريمة باعتبارها اعتداء على ما دون النفس. 

وقد عنيت هذه المادة بتحديد المقصود بالحربي؛ حتى لا تختلف الآراء في هذا الشأن، فنصت على أن الحربي: هو غير المسلم التابع لدولة غير إسلامية، بينها وبين دولة إسلامية حالة حرب معلنة أو فعلية. وغني عن البيان أن الحربي لا يعتبر غير معصوم الدم إلا إذا كان وجوده في الدولة غير مشروع، أما إذا لجأ للدولة مثلاً طالباً الأمان وأجابته الدولة إلى ذلك، كما إذا دخلها بمقتضى جواز سفر - فإنه مستأمن معصوم الدم (حاشية الدر المختار لابن عابدين الحنفي، مطبعة مصطفى الحلبي 1386/ 1966، الجزء الرابع ص (166))، وبهذه المناسبة تجدر الإشارة بصفة خاصة إلى أن كل كافر - عدا الحربي غير المستأمن - يعتبر معصوم الدم، وبذلك يعتبر الذمي معصوم الدم. 

ويلاحظ أنه إذا كان الاعتداء على غير معصوم الدم في الحالتين الأولى والثانية من هذه المادة - لا يوجب القصاص أو الدية، إلا أنه لا يمنع من المساءلة التعزيرية، وهذا ما تكفلت به الفقرة الأخيرة من هذه المادة، أما الحربي غير المستأمن فمباح الدم على الإطلاق بغير خلاف، وقيل: إنه أشبه بالخنزير ولا دية فيه لذلك ولا كفارة (المغني ج (8) ص (255)). 

مادة (231): 1- المجنون أو من به عاهة في العقل أو غير البالغ يعتبر عمده في حكم الخطأ، وتجب فيه الدية. 

مادة (232): 

1- مع عدم الإخلال بالدية تطبق على جرائم الاعتداء على ما دون النفس التي تقع من غير البالغ الأمارات الطبيعية - أحكام القانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

2- ومع ذلك يجوز الحكم بالضرب بعصا رفيعة من خمس إلى ثلاثين، بدلاً من التدبير المقرر بقانون الأحداث أو بالإضافة إليه. 

الإيضاح 

إن الشريعة الإسلامية وإن اشترطت للقصاص أن يكون الجاني عاقلاً بالغاً کما سیلي بيان ذلك عند إيضاح أحكام القصاص، إلا أنها لم تشترط ذلك في خصوص الدية؛ لأن الدية ملحوظ فيها أنها حق للمجني عليه الذي لا شأن له بالظروف الخاصة بالفاعل، ولذلك فإذا كان الفاعل غير عاقل أو غير بالغ، فإن ذلك وإن منع عنه القصاص إلا أنه لا يمنع الدية، ونظراً لأن جمهور الفقهاء يذهب إلى أنه ليس للمجنون وللصبي قصد يعتد به، لذلك فإنهم اعتبروا الفعل الواقع من أيها في حكم الخطأ حتى ولو كان عمدا، وذلك فيها يتعلق بأحكام الدية فلم يوجبوها في ماله، وإنما أوجبوها على عاقلته، على ما سيبين فيها بعد. (المغني ج (8) ص (262)، (267)). 

على أن امتناع القصاص بالنسبة إلى الصغير لا يمنع من تأديبه عن الجرائم التي تقع منه على النحو الذي يتفق مع سنه ويتناسب مع جسامة الجريمة المنسوبة إليه، ومن المعلوم أن الصبي - وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية - يمر بمرحلتين:

الأولى: مرحلة عدم التمييز. وهي تبدأ من تاريخ ولادته حتى تمام السابعة. 

والثانية: مرحلة التمييز. وتبدأ من تمام السابعة حتى البلوغ. 

ومن المقرر أن الصبي في المرحلة الأولى غير مسئول جنائياً، أما في المرحلة الثانية - وهي مرحلة التمييز - فيجوز تعزيره عن الجرائم التي يرتكبها بأوجه التعزير المناسبة التي أوردتها نصوص القانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث، ولذا فقد أوردت الفقرة الأولى من هذه المادة حكماً عاماً يقضي بتطبيق أحكام قانون الأحداث على جرائم الاعتداء على ما دون النفس، التي تقع من غير البالغ مع عدم الإخلال بالدية، وذلك باعتبار أن هذه الأحكام لا تتعارض مع ما هو مقرر في الشريعة الغراء من مسئولية عقابية، وذلك حتى لا يترتب عليها أي أثر يلحق بسمعة الصغير أو مستقبله؛ حماية له ورعاية لظروفه؛ إذ إن مناط المسئولية الجنائية الكاملة في الإسلام هو البلوغ، ومن ثم لا يجوز أن تترتب على العقوبات التي تفرض تعزيراً على الصغير لتأديبه وتقويمه - الآثار التي تترتب على المسئولية الجنائية الكاملة، وإلا كان في ذلك إهدار للظروف المتعلقة بصغر السن وقصور التمييز. هذا، وقد أجازت الفقرة الثانية من المادة المذكورة الحكم بالضرب بعصاً رفيعة من خمس إلى ثلاثين، بدلاً من التدبير المقرر بقانون الأحداث أو بالإضافة إليه. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 103

صِيَالٌ

التَّعْرِيفُ:

الصِّيَالُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ صَالَ يَصُولُ، إِذَا قَدِمَ بِجَرَاءَةٍ وَقُوَّةٍ، وَهُوَ: الاِسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ وَالاِسْتِعْلاَءُ عَلَى الْغَيْرِ.

وَيُقَالُ: صَاوَلَهُ مُصَاوَلَةً، وَصِيَالاً، وَصِيَالَةً، أَيْ: غَالَبَهُ وَنَافَسَهُ فِي الصَّوْلِ، وَصَالَ عَلَيْهِ، أَيْ: سَطَا عَلَيْهِ لِيَقْهَرَهُ، وَالصَّائِلُ: الظَّالِمُ، وَالصَّئُولُ: الشَّدِيدُ الصَّوْلِ، وَالصَّوْلَةُ: السَّطْوَةُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا، وَصَؤُلَ الْبَعِيرُ: إِذَا صَارَ يَقْتُلُ النَّاسَ وَيَعْدُو عَلَيْهِمْ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الصِّيَالُ الاِسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْبُغَاةُ:

الْبَغْيُ: الظُّلْمُ وَالاِعْتِدَاءُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ.

وَالْبُغَاةُ هُمْ: قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، خَالَفُوا الإْمَامَ الْحَقَّ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الاِنْقِيَادِ لَهُ، أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ، بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ، وَتَأْوِيلٍ لاَ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ .

ب - الْمُحَارِبُ.

وَهُوَ: قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ، أَوْ أَخْذِ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ وَالصَّائِلُ أَعَمُّ مِنْهُ، لأِنَّهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

- الصِّيَالُ حَرَامٌ، لأِنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )  وَقَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم:  «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» .

دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّائِلُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، عَاقِلاً أَوْ مَجْنُونًا، بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا، مَعْصُومَ الدَّمِ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )  فَالاِسْتِسْلاَمُ لِلصَّائِلِ إِلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ لِلتَّهْلُكَةِ، لِذَا كَانَ الدِّفَاعُ عَنْهَا وَاجِبًا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ )  وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»  وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - يُرِيدُ قَتْلَهُ - فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ» .

وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ، يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا، وَلأِنَّهُ قَدَرَ عَلَى إِحْيَاءِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، كَالْمُضْطَرِّ لأِكْلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّائِلُ كَافِرًا، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَجَبَ الدِّفَاعُ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْكَافِرُ مَعْصُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ، إِذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لاَ حُرْمَةَ لَهُ، وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ، وَلأِنَّ الاِسْتِسْلاَمَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ فِي الدِّينِ، وَفِي حُكْمِهِ كُلُّ مَهْدُورِ الدَّمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجِنَايَاتِ.

كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْبَهِيمَةِ الصَّائِلَةِ، لأِنَّهَا تُذْبَحُ لاِسْتِبْقَاءِ الآْدَمِيِّ، فَلاَ وَجْهَ لِلاِسْتِسْلاَمِ لَهَا، مِثْلُهَا مَا لَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَنَحْوُهَا عَلَى إِنْسَانٍ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إِلاَّ بِكَسْرِهَا.

أَمَّا إِنْ كَانَ الصَّائِلُ مُسْلِمًا غَيْرَ مَهْدُورِ الدَّمِ فَلاَ يَجِبُ دَفْعُهُ فِي الأْظْهَرِ، بَلْ يَجُوزُ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَنُّ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: كُنْ كَابْنِ آدَمَ»  يَعْنِي هَابِيلَ - وَلِمَا وَرَدَ عَنِ الأْحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلاَحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟  قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ»  وَلأِنَّ عُثْمَانَ رضى الله عنه تَرَكَ الْقِتَالَ مَعَ إِمْكَانِهِ، وَمَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ نَفْسَهُ، وَمَنَعَ حُرَّاسَهُ مِنَ الدِّفَاعِ عَنْهُ - وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ يَوْمَ الدَّارِ - وَقَالَ: مَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ رضى الله عنهم فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.

وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، مَعْصُومَ الدَّمِ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) .

وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّائِلُ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَلاَ يَجُوزُ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُمَا؛ لأِنَّهُمَا لاَ إِثْمَ عَلَيْهِمَا كَالْبَهِيمَةِ.

وَاسْتَثْنَى الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَسَائِلَ مِنْهَا:

أ - لَوْ كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَالِمًا تَوَحَّدَ فِي عَصْرِهِ، أَوْ خَلِيفَةً تَفَرَّدَ، بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَتْلِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَيَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ.

ب - لَوْ أَرَادَ الصَّائِلُ قَطْعَ عُضْوِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ دَفْعُهُ لاِنْتِفَاءِ عِلَّةِ الشَّهَادَةِ.

قَالَ الأْذْرَعِيُّ رحمه الله: وَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ عُضْوٍ عِنْدَ ظَنِّ السَّلاَمَةِ، وَعَنْ نَفْسٍ ظَنَّ بِقَتْلِهَا مَفَاسِدَ فِي الْحَرِيمِ وَالْمَالِ وَالأْوْلاَدِ.

ج - قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: إِنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَهُ دَفْعَ الصَّائِلِ بِغَيْرِ قَتْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ وَإِلاَّ فَلاَ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَنِ النَّفْسِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْفِتْنَةِ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا.

أَمَّا فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ»  وَلأِنَّ عُثْمَانَ رضى الله عنه تَرَكَ الْقِتَالَ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ غَيْرَهُ قِتَالَهُمْ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لأَنْكَرَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ذَلِكَ .

قَتْلُ الصَّائِلِ وَضَمَانُهُ:

إِنْ قَتَلَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ الصَّائِلَ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ وَنَحْوِهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ.

أَمَّا إِذَا تَمَكَّنَ الصَّائِلُ مِنْ قَتْلِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.

وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ الصَّائِلِ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ يَضْمَنُ الْبَهِيمَةَ الصَّائِلَةَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِهِ، لأِنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ لإِحْيَاءِ نَفْسِهِ، كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ إِذَا أَكَلَهُ.

وَمِثْلُ الْبَهِيمَةِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَيَضْمَنُهُمَا إِذَا قَتَلَهُمَا، لأِنَّهُمَا لاَ يَمْلِكَانِ إِبَاحَةَ أَنْفُسِهِمَا، وَلِذَلِكَ لَوِ ارْتَدَّا لَمْ يُقْتَلاَ.. لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّ قَاتِلِ الصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ الصَّائِلَيْنِ الدِّيَةُ لاَ الْقِصَاصُ؛ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي حَقِّ قَاتِلِ الْبَهِيمَةِ فَهُوَ الْقِيمَةُ .

وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالأْخَفِّ فَالأْخَفِّ إِنْ أَمْكَنَ ، فَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِكَلاَمٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ بِالنَّاسِ حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ بِسَوْطٍ، أَوْ بِسَوْطٍ حَرُمَ بِعَصًا، أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ دَفْعُهُ بِقَتْلٍ، لأِنَّ ذَلِكَ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ فِي الأْثْقَلِ مَعَ إِمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِالأْخَفِّ.

وَعَلَيْهِ فَلَوِ انْدَفَعَ شَرُّهُ بِشَيْءٍ آخَرَ، كَأَنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ، أَوِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَطَّلَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ كُفَى شَرُّهُ وَلأِنَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الدَّفْعُ لاَ حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ.

وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ غَلَبَةُ ظَنِّ الْمَصُولِ عَلَيْهِ، فَلاَ يَكْفِي تَوَهُّمُ الصِّيَالِ، أَوِ الشَّكُّ فِيهِ، فَإِنْ خَالَفَ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ، وَعَدَلَ إِلَى رُتْبَةٍ - مَعَ إِمْكَانِ دَفْعِهِ بِمَا دُونَهَا - ضَمِنَ، فَإِنْ وَلَّى الصَّائِلُ هَارِبًا فَاتَّبَعَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ، وَقَتَلَهُ ضَمِنَ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، وَكَذَا إِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ ثُمَّ وَلَّى هَارِبًا فَضَرَبَهُ ثَانِيَةً وَقَطَعَ رِجْلَهُ مَثَلاً فَالرِّجْلُ مَضْمُونَةٌ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، فَإِنْ مَاتَ الصَّائِلُ مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ فَعَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لأِنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ.

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا مِنْهَا:

أ - لَوْ كَانَ الصَّائِلُ يَنْدَفِعُ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا وَنَحْوِهِمَا، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ لاَ يَجِدُ إِلاَّ السَّيْفَ فَلَهُ الضَّرْبُ بِهِ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إِلاَّ بِهِ، وَلَيْسَ بِمُقَصِّرٍ فِي تَرْكِ اسْتِصْحَابِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ.

ب - لَوِ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا، وَاشْتَدَّ الأْمْرُ عَنِ الضَّبْطِ فَلَهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا لَدَيْهِ، دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ.

ج - إِذَا ظَنَّ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّائِلَ لاَ يَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالْقَتْلِ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا إِنْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ هُوَ بِهِ فَلَهُ ضَرْبُهُ بِمَا يَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْطَعُ طَرَفَهُ. وَيُصَدَّقُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ إِمْكَانِ التَّخَلُّصِ بِدُونِ مَا دَفَعَ بِهِ، لِعُسْرِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ.

د - إِذَا كَانَ الصَّائِلُ مُهْدَرَ الدَّمِ - كَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ - فَلاَ تَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي حَقِّهِ بَلْ لَهُ الْعُدُولُ إِلَى قَتْلِهِ، لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ .

الْهَرَبُ مِنَ الصَّائِلِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْهَرَبِ مِنَ الصَّائِلِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَهْرُبَ أَوْ يَلْتَجِئَ إِلَى حِصْنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ حَاكِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقِتَالُ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالأْهْوَنِ فَالأْهْوَنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى الأْشَدِّ مَعَ إِمْكَانِ الأْسْهَلِ وَلأِنَّهُ أَمْكَنَهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ إِضْرَارِ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ.

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِوُجُوبِ الْهَرَبِ أَنْ يَكُونَ بِلاَ مَشَقَّةٍ، فَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ فَلاَ يَجِبُ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الصَّائِلُ مَعْصُومَ الدَّمِ، فَلَوْ صَالَ عَلَيْهِ مُرْتَدٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ لَمْ يَجِبِ الْهَرَبُ وَنَحْوُهُ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ - حَيْثُ وَجَبَ الْهَرَبُ - فَقَاتَلَ وَقَتَلَ الصَّائِلَ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، فِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الأْوْجَهُ، وَلَزِمَتْهُ الدِّيَةُ فِي الْقَوْلِ الآْخَرِ لَهُمْ أَيْضًا.

وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْهَرَبِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ إِقَامَتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ جَائِزَةٌ، فَلاَ يُكَلَّفُ الاِنْصِرَافُ.

وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ إِنْ تَيَقَّنَ النَّجَاةَ بِالْهَرَبِ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ . 

الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ:

لاَ يَخْتَلِفُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ إِذَا صَالَ عَلَيْهَا صَائِلٌ - عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ إِذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ مَعْصُومَ الدَّمِ، بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا.

وَاسْتَدَلُّوا فِي وُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ وَأَطْرَافِهِ بِنَفْسِ الأْدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الدِّفَاعَ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ - إِذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا - حُكْمُهُ كَحُكْمِ دِفَاعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ، وَيَنْتَفِي حَيْثُ يَنْتَفِي، إِذْ لاَ يَزِيدُ حَقُّ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ - عِنْدَهُمْ - إِذَا أَمِنَ الْهَلاَكَ عَلَى نَفْسِهِ، إِذْ لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ بَدَلاً عَنْ رُوحِ غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي قِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ فَلاَ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِالْخَوْفِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا أَصَحُّ الطُّرُقِ عِنْدَهُمْ. 

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ آخَرَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

أَوَّلُهُمَا: يَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ قَطْعًا، لأِنَّ لَهُ الإْيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ - أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

ثَانِيهِمَا: لاَ يَجُوزُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ، لأِنَّ شَهْرَ السِّلاَحِ يُحَرِّكُ الْفِتَنَ، وَخَاصَّةً فِي مَجَالِ نُصْرَةِ الآْخَرِينَ، وَلَيْسَ الدِّفَاعُ عَنِ الْغَيْرِ مِنْ شَأْنِ آحَادِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَظِيفَةُ الإْمَامِ وَوُلاَةِ الأْمُورِ.

وَيَجْرِي هَذَا الْخِلاَفُ فِي الْمَذْهَبِ بِالنِّسْبَةِ لآِحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإْمَامُ وَغَيْرُهُ - مِنَ الْوُلاَةِ - فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى نَفْسِ الْغَيْرِ اتِّفَاقًا .

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ، وَمَعَ ظَنِّ سَلاَمَةِ الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ عَنْهُ، وَإِلاَّ حَرُمَ الدِّفَاعُ .

دَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الْعِرْضِ:

- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى بُضْعِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِ أَهْلِهِ، لأِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَمِثْلُ الزِّنَا بِالْبُضْعِ فِي الْحَكَمِ مُقَدِّمَاتُهُ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ حَتَّى لَوْ أَدَّى إِلَى قَتْلِ الصَّائِلِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. بَلْ إِنْ قُتِلَ الدَّافِعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهُوَ شَهِيدٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .

وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى - وَهُوَ مَنْعُ الْفَاحِشَةِ - وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:  «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» .

إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطُوا لِوُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْ عِرْضِهِ وَعِرْضِ غَيْرِهِ: أَنْ لاَ يَخَافَ الدَّافِعُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِ أَعْضَائِهِ.

أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَصُولُ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ الزِّنَا بِهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا إِنْ أَمْكَنَهَا ذَلِكَ، لأِنَّ التَّمْكِينَ مِنْهَا مُحَرَّمٌ، وَفِي تَرْكِ الدَّفْعِ نَوْعُ تَمْكِينٍ، فَإِذَا قَتَلَتِ الصَّائِلَ - وَلَمْ يَكُنْ يَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالْقَتْلِ - فَلاَ تَضْمَنُهُ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً أَضَافَ نَاسًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَأَرَادَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رضى الله عنه: وَاللَّهِ لاَ يُودَى أَبَدًا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ قُتِلَ دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .

وَفِي الْمُغْنِي: لَوْ رَأَى رَجُلاً يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ - أَوْ بِامْرَأَةِ غَيْرِهِ - وَهُوَ مُحْصَنٌ فَصَاحَ بِهِ، وَلَمْ يَهْرُبْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنِ الزِّنَا حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلاَ دِيَةَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رضى الله عنه - بَيْنَمَا هُوَ يَتَغَدَّى يَوْمًا إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَعْدُو وَمَعَهُ سَيْفٌ مُجَرَّدٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، فَجَاءَ حَتَّى قَعَدَ مَعَ عُمَرَ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَأَقْبَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا قَتَلَ صَاحِبَنَا مَعَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: إِنَّهُ ضَرَبَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ بِالسَّيْفِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ فَقَدْ قَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ فَأَصَابَ وَسَطَ الرَّجُلِ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ .

- وَإِذَا قَتَلَ رَجُلاً، وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ بَيْتَهُ، فَإِذَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهَا وَقَتَلَهُ، قَالَ عَلِيٌّ: إِنْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَإِلاَّ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ، وَلأِنَّ الأْصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ، فَلاَ يَسْقُطُ حُكْمُ الْقَتْلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.

إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْبَيِّنَةِ.

فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّهَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، لِخَبَرِ عَلِيٍّ السَّابِقِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ «سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضى الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعِهِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ». الْحَدِيثَ .

وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَكْفِي شَاهِدَانِ، لأِنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ عَلَى وُجُودِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الزِّنَا .

وَكَذَا لَوْ قَتَلَ رَجُلاً فِي دَارِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ عَلَى مَنْزِلِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ، قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ قِصَاصًا ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنَ الْقَاتِلِ فِي الْقِيَاسِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فِي الاِسْتِحْسَانِ، لأِنَّ دَلاَلَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لاَ الْمَالِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلاَ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ يَحْضُرُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ قَوْلُهَا: دَخَلَ دَارَهُ شَاهِرًا السِّلاَحَ، وَلاَ يَكْفِي قَوْلُهَا: دَخَلَ بِسِلاَحٍ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ، إِلاَّ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ يُعْرَفُ بِفَسَادٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا مُقْبِلاً إِلَى هَذَا بِالسِّلاَحِ الْمَشْهُورِ فَضَرَبَهُ هَذَا، فَقَدْ هُدِرَ دَمُهُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ دَاخِلاً دَارَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلاَحًا، أَوْ ذَكَرُوا سِلاَحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ لِحَاجَةٍ، وَمُجَرَّدُ الدُّخُولِ لاَ يُوجِبُ إِهْدَارَ دَمِهِ.

وَإِنْ تَجَارَحَ رَجُلاَنِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا قَائِلاً: إِنِّي جَرَحْتُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِي، حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا جَرَحَهُ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الآْخَرِ مَا يُنْكِرُهُ، وَالأْصْلُ عَدَمُهُ .

وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص، شَهَادَة).

دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى الْمَالِ:

- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى الْمَالِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» . وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ. فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى مَالِهِ إِلاَّ بِالْقَتْلِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .

وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ. فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ رَأَى رَجُلاً يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ، أَوْ رَأَى رَجُلاً يَثْقُبُ حَائِطَهُ، أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ .

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِلْوُجُوبِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَخْذِهِ هَلاَكٌ، أَوْ شِدَّةُ أَذًى، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ الدَّفْعُ اتِّفَاقًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنِ الْمَالِ، لأِنَّهُ يَجُوزُ إِبَاحَتُهُ لِلْغَيْرِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَا رُوحٍ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْهُ، قَالَ الإْمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا إِنْ كَانَ مَالَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ وَقْفٍ أَوْ مَالاً مُودَعًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ عَلَى بُضْعٍ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى شَخْصًا يُتْلِفُ حَيَوَانَ نَفْسِهِ إِتْلاَفًا مُحَرَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، مِنْ بَابِ الأْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

كَمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ الصَّائِلَ عَلَى الْمَالِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالأْدِلَّةِ السَّابِقَةِ بِالْقِتَالِ وَالْقَتْلِ، وَبَيْنَ الأْمْرِ بِالْقِتَالِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، قَالَ تَعَالَى: ) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»  وَقَالَ أَيْضًا: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».

وَيُسْتَثْنَى عِنْدَهُمْ مِنْ جَوَازِ الدِّفَاعِ عَنِ الْمَالِ صُورَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: لَوْ قَصَدَ مُضْطَرٌّ طَعَامَ غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ لِمَالِكِهِ دَفْعُهُ عَنْهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا مِثْلَهُ، فَإِنْ قَتَلَ الْمَالِكُ الصَّائِلَ الْمُضْطَرَّ إِلَى الطَّعَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَالأْخْرَى: إِذَا كَانَ الصَّائِلُ مُكْرَهًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالِ غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْهُ، بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ، كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ.

قَالَ الأْذْرَعِيُّ: وَهَذَا فِي آحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإْمَامُ وَنُوَّابُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الدِّفَاعُ عَنْ أَمْوَالِ رَعَايَاهُمْ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: لاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلاَ مَالِ غَيْرِهِ، وَلاَ حِفْظِهِ مِنَ الضَّيَاعِ وَالْهَلاَكِ، لأِنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُهُ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُ ظُلْمًا. وَتَرْكُ الْقِتَالِ عَلَى مَالِهِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِتَالِ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ.

أَمَّا دَفْعُ الإْنْسَانِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ ظَنِّ سَلاَمَةِ الدَّافِعِ وَالصَّائِلِ، وَإِلاَّ حُرِّمَ الدِّفَاعُ.

قَالُوا: وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعُونَةُ غَيْرِهِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ مَالِهِ مَعَ ظَنِّ السَّلاَمَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»  ، وَلأِنَّهُ لَوْلاَ التَّعَاوُنُ لَذَهَبَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ وَأَنْفُسُهُمْ، لأِنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إِذَا انْفَرَدُوا بِأَخْذِ مَالِ إِنْسَانٍ - وَلَمْ يُعِنْهُ غَيْرُهُ - فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْكُلِّ، وَاحِدًا وَاحِدًا .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني والأربعون ، الصفحة / 268

قَتْلُ الْهِرَّةِ الصَّائِلَةِ:

نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَتِ الْهِرَّةُ فِي الدَّفْعِ عَنْ حَمَامٍ وَنَحْوِهِ فَهَدَرٌ؛ لِصِيَالِهَا، وَذَلِكَ إِذَا تَعَيَّنَ قَتْلُهَا طَرِيقًا لِدَفْعِهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهَا بِدُونِهِ كَالصَّائِلِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ قَتْلُهَا طَرِيقًا لِدَفْعِهَا بِأَنْ أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِضَرْبٍ أَوْ زَجْرٍ فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهَا، بَلْ يَدْفَعُهَا بِالأَْخَفِّ فَالأَْخَفِّ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، فَلَوْ كَانَتِ الْهِرَّةُ صَغِيرَةً مَثَلاً وَلاَ يُفِيدُ مَعَهَا الدَّفْعُ بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنَ الْبَيْتِ وَيُغْلِقَهُ دُونَهَا، أَوْ بِأَنْ يُكَرِّرَ دَفْعَهَا عَنْهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهَا وَلاَ ضَرْبُهَا ضَرْبًا شَدِيدًا.

وَيَشْمَلُ حُكْمُ وُجُوبِ دَفْعِ الْهِرَّةِ بِالأْخَفِّ فَالأْخَفِّ كَالصَّائِلِ مَا لَوْ خَرَجَتْ أَذِيَّتُهَا عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ هَذِهِ الْعَادَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلاَفُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، كَمَا فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ.

وَلَوْ صَارَتِ الْهِرَّةُ ضَارِيَةً مُفْسِدَةً فَهَلْ يَجُوزُ قَتْلُهَا فِي حَالِ سُكُونِهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا - وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ - لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ ضَرَاوَتَهَا عَارِضَةٌ وَالتَّحَرُّزَ عَنْهَا سَهْلٌ، وَجَوَّزَ الْقَاضِي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَتْلَهَا مُطْلَقًا؛ أَيْ سَوَاءٌ فِي حَالِ صِيَالِهَا أَوْ حَالِ سُكُونِهَا، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِدُونِ الْقَتْلِ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ؛ لأِنَّهَا قَدْ تَعُودُ وَتُتْلِفُ مَا دُفِعَ عَنْهَا مَعَ التَّغَافُلِ عَنْهُ؛ وَلأِنَّهَا - فِي هَذِهِ الْحَالَةِ - لاَ يُكَفُّ شَرُّهَا إِلاَّ بِالْقَتْلِ.

وَاعْتَمَدَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ حَيْثُ أَفْتَى بِقَتْلِ الْهِرِّ إِذَا خَرَجَ أَذَاهُ عَنِ الْعَادَةِ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ وَاخْتَارَهُ الأْذْرَعِيُّ: فِي هِرٍّ مُهْمَلٍ لاَ مَالِكَ لَهُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَأَلْحَقَهُ الْقَاضِي بِالْفَوَاسِقِ الْخَمْسَةِ.

وَالْوَجْهُ جَوَازُ الدَّفْعِ كَذَلِكَ فِي الْهِرَّةِ الْحَامِلِ، بَلْ وُجُوبُهُ وَلاَ نَظَرَ لِكَوْنِهَا حَامِلاً أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ يُعْلَمُ الْحَمْلُ؛ لأِنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ حَيَاتَهُ، وَتَيَقَّنَّا إِضْرَارَهَا لَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا فَرُوعِيَ.

وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وِلاَدَةِ هِرَّةٍ فِي مَحَلٍّ وَتَأْلَفُ ذَلِكَ الْمَحَلَّ بِحَيْثُ تَذْهَبُ وَتَعُودُ إِلَيْهِ لِلإْيوَاءِ فَهَلْ يَضْمَنُ مَالِكُ الْمَحَلِّ مُتْلَفَهَا؟ وَأَجَابَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ وَإِلاَّ ضَمِنَ ذُو الْيَدِ.

وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ ذَبْحَ الْهِرَّةِ إِذَا كَانَتْ مُؤْذِيَةً بِسِكِّينٍ حَادٍّ وَيُكْرَهُ ضَرْبُهَا وَفَرْكُ أُذُنِهَا، وَفِي الْقُنْيَةِ: يَجُوزُ ذَبْحُ الْهِرَّةِ لِنَفْعٍ مَا وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ إِذَا خَرَجَتْ إِذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَتْ إِذَايَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ إِذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ، وَوَقَعَتِ الإْذَايَةُ مِنْهُ فَلْتَةً فَلاَ يُقْتَلُ.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (صِيَال ف 5).