loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1 ـ وقد إن بينت المادة 246 من ذات القانون قد بينت الاحوال التى يجوز فيها استعمال القوة لرد العدوان على المال ومن بينها الافعال التى تعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع عشر منم الكتاب الثالث من ذات القانون وهى الجرائم المتعلقة بانتهاك حرمة ملك الغير، وكانت المادة 250 من قانون العقوبات تنص على أن " حق الدفاع الشرعى عن المال لا يجوز أن يبيح القتل العمد الا إذا كان مقصودا به دفع أحد الأمور الاتية : أولا : وثانيا : وثالثا _ الدخول ليلا فى منزل مسكون أو فى أحد ملحقاته ورابعا _ فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة " لما كان ذلك وكان الثابت مما حصله الحكم بيانا لواقعة الدعوى أن المجنى عليه على سطح منزل______ ليلا وأن المتهم - وهو خفير نظامى مكلف بحفظ الامن وحماية أرواح الاشخاص وممتلكاتهم - حين شاهده على هذه الحالة وهو فوق السطح اطلق عليه المقذوف النارى الذى أودى بحياته، وكانت صورة الواقعة على هذا النحو الذى أورده الحكم تتوفر فيه بلاشك جميع معانى الدخول فى المنزل ثم لما كان النص المتقدم ذكره لا يشترط فى عبارة صريحة أن يكون الدخول بقصد ارتكاب جريمة أو فعل الاعتداء، وهذا مفاده بالبداهة أن القانون يعتبر الدخول المنازل ليلا بتلك الطريقة يحمل بذاته قرينه الاجرام بحيث يصح للمدافع أن يعده اعتداد على المال أو النفس او فعلا يتخوف منه الاذى ويحق له رده كما ترد سائر الاعتداءات ما لم يقم الدليل على أنه كان يعلم حق العلم أن دخول المجنى عليه كان بريئا خاليا من فكرة الاجرام . لما كان ذلك ن وكان ذلك المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الضرب المفضى إلى الموت من غير أن تفند المحكمة دفاعه على ضوء ما تقدم فإنه يكون مشوبا بالقصور .

(الطعن رقم 20066 لسنة 60 جلسة 1992/04/09 س 43 ع 1 ص 381 ق 56)

2 ـ لما كان إدعاء الطاعن بأن إطلاقه النار على فريق المجنى عليهم كان بقصد منع تعرض الآخرين له فى حيازة أرض النزاع بفرض صحته لم يكن ليبيح له القتل العمد دفاعاً عن المال لأن ذلك مقرر فى حالات محددة أوردتها على سبيل الحصر المادة 250 من قانون العقوبات ليس من بينها التعرض للحيازة أو إغتصابها بالقوة ، و من ثم يكون ما إستطرد إليه الحكم المطعون فيه من نفى حيازة الطاعن لأرض النزاع أياً كان وجه الرأى فيه ما هو إلا تزيد غير لازم ، و تكون النتيجة التى خلص إليها من رفض الدفع بالدفاع الشرعى متفقة مع صحيح القانون و يضحى منعى الطاعن على الحكم فى هذا الصدد فى غير محله .

(الطعن رقم 4112 لسنة 57 جلسة 1988/04/12 س 39 ع 1 ص 574 ق 88)

3 ـ إن المادة 250 من قانون العقوبات تعاقب الخاطف سواء أباشر الخطف بنفسه أم بواسطة غيره. فإذا طبقت محكمة الموضوع هذه المادة على الشريك فى الخطف، ولم تشر إلى مواد الاشتراك فلا يكون حكمها معيباً.

(الطعن رقم 1911 لسنة 7 جلسة 1937/12/27 س ع ع 4 ص 132 ق 138)

4 ـ يبيح حق الدفاع الشرعي عن المال وفقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة 250 عقوبات القتل العمد ما دام المقصود منه منع الدخول ليلاً فى منزل مسكون أو فى ملحقاته.

(الطعن رقم 1270 لسنة 38 جلسة 1968/10/28 س 19 ع 3 ص 875 ق 173)

5 ـ يتوفر القصد الجنائي فى جريمة خطف الأطفال بالتحيل أو الإكراه المنصوص عليه فى المادة 250 عقوبات متى ارتكب الجاني الفعل عمداً وهو يعلم بصغر سن المجني عليه مهما كان الباعث له على ارتكابه. أما أن الخاطف ما كان يقصد من خطف الطفل الإضرار به بل كان قصده أخذ جعل من أهله على إحضاره فلا يغير من شأن الجناية لأن هذا من البواعث التي لا يلتفت إليها.

(الطعن رقم 1512 لسنة 47 جلسة 1930/06/12 س ع ع 2 ص 48 ق 56)

6- ذكر المتهم بالتحقيقات وبالجلسة أنه كان بمسكنه فى فجر ليلة الحادث واسترعى انتباهه مرور دراجة بخارية يقودها ... ... ... وبعد فترة وجيزة طرق سمعه صوت كسر قفل فأطل ثانية حيث شاهد المجني عليه أمام باب متجر ... ... ... المواجه لمسكنه وعن يمينه ويساره آخران يبادلانه الإشارات وكان أحدهما يحمل بندقية، واعتقادا منه أن صاحبي المجني عليه هما ... ... ... و... ... ... اللذان قضي ببراءتهما من جناية شروع فى سرقة لعدم كفاية الأدلة وثلاثتهم من الأشقياء المعروفين، خشي أن يواجههم واستغاث فكان جوابه إطفاء نور الشارع حيث ساد الظلام المكان، وإذ اعتقد أن ذلك من تدبيرهم بهدف إنجاز السرقة أطلق من مسدسه المرخص به أربع مقذوفات صوب مكان الحادث دفاعاً عن المال، فأصاب المجني عليه مقذوفان منها وأوديا بحياته ولاذ زميلاه بالفرار. تتحقق به حالة الدفاع الشرعي وأن المتهم وهو محفوف بهذه الظروف والملابسات، وترعده فى ظلمة الفجر مواجهة ثلاثة من اللصوص مدججين بالسلاح، يكون محقاً فيما خالط نفسه واعتقده، وما بدر منه للحيلولة دون السرقة وردهم عنها بإطلاق الأعيرة النارية صوبهم دفاعاً عن المال حتى بالقتل العمد غير معاقب عليه حسبما تقضي به المادتان 245، 250/2 من قانون العقوبات، إذ أن ما قارفه المجني عليه وزميلاه هو جناية الشروع فى السرقة المعاقب عليها بالمادة 316ع.

(الطعن رقم 657 لسنة 47 جلسة 1978/03/20 س 29 ع 1 ص 305 ق 57)

شرح خبراء القانون

حظر القتل العمد في غير حالات محددة

على سبيل الحصر

يتعلق هذا القيد بالتناسب بين فعل الدفاع وجسامة الخطر، فالشارع يحمد على سبيل الحصر حالات معينة يجيز فيها الدفاع عن طريق القتل العمد، وفيما عدا هذه الحالات يحظره القانون، ولو كان لازم لرد الخطر ومتناسباً معه وفقاً للضابط الذي حددناه، ويعني ذلك أن الشارع لا يسمح بالقتل العمد لمجرد أنه متناسب مع جسامة الخطر، وهو لا يسمح به كذلك إلا إذا توافرت كل شروط الدفاع الشرعي ، ومن بينها تناسب الفعل مع جسامة الخطر، وتوضيح ذلك أن إباحة القتل العمد منوطة بتوافر إحدى الحالات التي ينص عليها القانون، ومنوطة كذلك بكون القتل متناسباً مع جسامة الخطر، فالمعيار العام للتناسب لا يطبق لإباحة القتل في غير هذه الحالات، ولكنه يطبق الاستبعاد الإباحة على الرغم من توافر إحدى هذه الحالات إذا كان درء الخطر ممكناً عن طريق فعل أقل من القتل جسامة، فمن يهدد بسرقة تعد من الجنايات - وهي حالة ينص عليها القانون - لا يباح له القتل إذا كان في وسعه درء خطرها عن طريق الضرب أو الجرح .

وعلة هذا القيد هي خطورة القتل العمد ، ورغبة الشارع في الحد من الحالات التي يجوز فيها الإلتجاء إليه دفاعاً عن النفس أو المال .

القتل العمد دفاعاً عن المال : نصت على هذه الحالات المادة  250 من قانون العقوبات وردتها إلى أربع :

أولاً : فعل من الأفعال المبينة في الباب الثاني من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، ويعنى الشارع بذلك جرائم الحريق العمد التي تنص عليها المواد 252 - 257، 259 من قانون العقوبات .

ثانياً : « سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات » ، و یعنی الشارع بذلك الجرائم المنصوص عليها في المواد 313 - 316 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات .

ثالثا : « الدخول ليلاً في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته» . وهذه الحالة تتطلب بعض التفصيل، فمن المتعين أن تحدد علة اباحة القتل العمد فيها ، وأن تبين شروطها:

فمن يدخل مسكن الغير ليلاً دون رضائه، ودون أن يكون في وسع حائز المسكن العلم بغرضه، يريد شراً غير معروف مداه، فقد يكون بالغاً أقصى الخطورة، إذ من المتصور أن يكون غرضه القتل أو السرقة أو اغتصاب امرأة أو هتك عرض بالقوة، ولذلك اعتبر الشارع حائز المسكن على حق حينما يفترض أن من يدخل مسكنه في هذه الظروف يهدده بخطر جسيم لا يصلح لدرئه غير القتل العمد .

وشروط إباحة القتل العمد في هذه الحالة هي : أن يثبت دخول منزل مسكون أو أحد ملحقاته، وأن يكون ذلك أثناء الليل، وأن يثبت جهل الحائز الغرض من الدخول .

والمنزل المسكون هو المكان الذي يقيم فيه شخص أو أكثر بالفعل ، ومظهر الإقامة فيه هو تخصيصه للنوم ومظاهر الحياة التي جرى عرف الناس على حجبها عن إطلاع الغير عليها، ويشترط أن يكون المنزل مسکوناً بالفعل ، فلا يكفي كونه معداً للسكنى ولكن لم يسكنه أحد بعد، إذ لا يكون محل للاعتقاد بأن الداخل يريد شراً خطيراً، ولكن القانون لا يتطلب وجود سكانه فيه وقت دخول المعتدي، فقد يقع الاعتداء حين يغادره السكان مؤقتاً، وحينئذٍ يصدر فعل الدفاع عن غيرهم كأحد الجيران، فيكون هذا الفعل مباحاً لأن الدفاع عن الغير مشروع، ويراد بملحقات المنزل أماكن ليست مسكونة أو مخصصة للسكنى، ولكنها متصلة بالمنزل المسكون، ولذلك تكتسب حرمته، ويكون الدخول فيها ممهداَ للدخول في المكان المسكون ذاته، ومثالها کهف المنزل وحديقته والمكان المخصص لإيواء السيارة والغرف المقامة في السطح والمخصصة لخزن المؤن أو غسيل الملابس.

ويراد بالليل - وفقاً لما استقر عليه قضاء محكمة النقض – الفترة المحصورة بين غروب الشمس وشروقها، إذ أن هذا المعنى هو ما تواضع الناس عليه.

ويتطلب القانون حسن نية الحائز بجهله غرض المعتدي من الدخول ، ما لم يكن الغرض الذي علم به يهدد بجريمة تبيح القتل العمد طبقاً للقانون، وهذا الشرط لم ينص القانون عليه ، ولكنه مرتبط بالعلة التي تقوم عليها إباحة القتل في هذه الحالة، إذ هي - كما قدمنا - أن الخطر غير محدود في مداه ، مما يجعل طبيعياً اعتقاد الحائز أنه بالغ أقصى الجسامة، أما إذا علم بمقدار الخطر الذي يهدده، فعليه أن يجعل دفاعه متناسباً معه، أي أن القتل لا يباح له إلا إذا كان الخطر جسيما بحيث يعتبره القانون مبيحاً للقتل، وكل مصادر العلم سواء ، فقد يبلغه شخص أو يعلم عن طريق الشائعات أن من يدخل منزله يريد لقاء فتاة أو إتلاف منقول، وحينئذٍ يكون القتل غير مباح، وقد تكون الظروف مصدر علمه، مثال ذلك أن يرى شخصاً يحاول الاستيلاء على بعض فواکه حديقته، ويتحقق لديه أن كل غرضه هو ذلك الاستيلاء ، فيكون القتل غير مباح كذلك، ولكن إذا علم أن من يدخل المنزل يريد اغتصاب امرأة أو اختطاف انسان أو ارتكاب جناية سرقة ، فالقتل مباح إن توافرت شروط الدفاع الشرعي .

ولحائز المنزل حق الدفاع عن طريق القتل العمد ولو ثبت أن الداخل لم يكن يريد شراً قط ، طالما أن الحائز كان يجهل غرضه فافترض أنه يريد شراً خطيراً ؛ مثال ذلك أن يشاهد شخصاً يتسلق سور منزله فيقتله، ثم يتبين أنه صديق أو ذو قرابة لجأ إلى التسور لما أعياه الدخول عن طريق الباب، وسواء أن يتسلل المعتدي إلى المسكن، أو أن يقتحمه . وسواء أن يرتكب فعل الدفاع أثناء محاولة المعتدى الدخول في المسكن، أو بعد دخوله فيه فعلاً .

رابعاً : « فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة»، يعني الشارع بهذه الحالة ارتكاب المعتدى فعل اعتداء على المال يهدد بالخطر الحياة أو يهدد على نحو خطير سلامة الجسم، مثال ذلك أن يحاول شخص إتلاف آلة، فيهدد ذلك بانفجار بحيث تقضي على حياة العاملين عليها أو تصيبهم بجراح بالغة ،وعلى هذا النحو، فثمة فرق بين ما يعنيه الشارع بهذه الحالة وما يعنيه بالحالة الأولى التي ذكرتها المادة 249 من قانون العقوبات وأفرغتها في ذات الألفاظ، فالخطر في إحداهما يهدد النفس مباشرة، ولكنه في ثانيهما يهدد المال ثم يمتد تهديده إلى النفس، ومع ذلك ، فقد كان النص على حالة تهديد الخطر النفس مباشرة كافياً باعتبارها تتسع للحالة الأخرى كذلك، إذ الأهمية لكون الخطر قد هدد النفس، وليست الأهمية لكون هذا التهديد مباشراً أو غير مباشر.(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة 241)

حالات القتل دفاعاً عن المال:

حددت المادة 250 عقوبات تلك الحالات في الآتي:

أولاً : فعل من الأفعال المبينة في الباب الثاني من الكتاب الثالث، وهي الخاصة بجرائم الحريق العمدي والمنصوص عليها في المواد 252 وما بعدها.

ثانياً : سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات، وهي الجرائم المنصوص عليها بالمواد 313 حتى 316 مکرراً ثانياً من قانون العقوبات.

ثالثاً: الدخول ليلاً في منزل مسكون أو أحد ملحقاته.

يجعل المشرع من الدخول ليلاً في المنازل المسكونة سبباً للدفاع الشرعي يصل إلى حد القتل، وذلك أن مثل ذلك الفعل يشكل خطراً لا يعرف مداه وبالتالي قدر المشرع جسامة مثل هذا الاعتداء الذي يتناسب معه القتل، إذ أن هذا الدخول ليلاً يشكل خطراً بارتكاب أشد أنواع الجرائم جسامة غير أنه يشترط لإمكان القتل في هذا الفرض ما يأتي:

 (أ) الدخول في منزل مسكون أو أحد ملحقاته :

ويقصد بالمنزل المسكون المكان الذي يقيم فيه إنسان كسكن خاص له. ولابد أن يكون المنزل مسکوناً فعلاً وليس مجرد معد للسكن، ويكون المنزل مسكوناً حتى ولو لم يوجد أصحابه فيه وقت الدخول، فالتغيب عن المنزل لا يخل بالشرط محل البحث ما دام كان مؤقتاً، والدليل على ذلك أن المشرع نص على تلك الحالة ضمن حالات القتل دفاعاً عن المال وليس عن النفس، وتأخذ الملحقات حكم المسكن، ويقصد بها الأماكن الملحقة بالمسكن كالحجرات الموجودة بحديقة المنزل أو فوق الأسطح وحجرات التخزين والجراح الملحق بالمسكن، ولا يشترط الدخول التام وإنما يكفي الشروع فيه.

 (ب) أن يكون الدخول ليلاً:

ظرف الليل من الظروف التي يأخذها المشرع الجنائي دائماً بعين الاعتبار نظراً لما ييسره من سهولة ارتكاب الجريمة وما يحدثه في نفس المجني عليه من شعور بالخوف، والليل هو الفترة التي تبدأ من غروب الشمس إلى شروقها وذلك وفق الراجح فقها وقضاء.

(ج) أن يكون المدافع يجهل نية الداخل:         

أن الحكمة من إباحة القتل العمد في الحالة محل البحث هي خطورة الفعل من حيث جسامة الأضرار التي يمكن أن تنشأ عنها، ولا شك أن هذه الحكمة تنتفي حينما يتحدد الغرض من الدخول ويعلم به المدافع، ففي هذه الحالة عليه أن يقدر دفاعه بقدر نية الداخل، فإذا كان الشخص يعلم أن الداخل لا ينوي ارتكاب جريمة وانتهز فرصة دخوله وقتله انتقاماً منه كنا خارج نطاق الدفاع الشرعي، وإذا كان يعلم أنه يقصد ارتكاب جريمة معينه فعليه أن يناسب دفاعه وجسامة الخطر بإرتكاب الجريمة المقصودة. فإذا تحدد القصد من الدخول بسرقة الدواجن الموجودة بحديقة المنزل وعلم المدافع بتلك النية فان القتل في هذه الحالة يعتبر غير متناسب مع الاعتداء وبالتالي يشكل فعلاً غير مشروع.

 رابعاً : فعل يتخوف منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.

وقد قصد المشرع بذاك جرائم الاعتداء على الأموال التي يمكن أن ينشأ عنها الموت أو الجراح البالغة، وبطبيعة الحال لا يقصد المشرع بذلك جرائم الأموال التي تبيح القتل العمد كالسرقات بالإكراه والحريق، فهذه بطبيعتها تبيح القتل العمد ولو لم تهدد بخطر الموت أو الجروح البالغة، وإنما ينصرف قصد المشرع إلى غير ذلك من الجرائم والتي لولا تهديدها بالموت والجراح البالغة لما أمكن القتل العمد دفاعاً عن المال، ومثال ذلك سرقة معدات أو آلات لازمة لإجراء عملية جراحية عاجلة لمريض مهدد بخطر الموت أو بالجروح البالغة إذا لم يتم إسعافه فوراً، متى كانت السرقة مقصودة لذاتها ولم يكن القصد منها إحداث الوفاة للمريض بعدم إسعافه، إذ لو كان القصد الأخير متوافراً لأمكن الدفاع الشرعي أن يصل إلى حد القتلى بالتطبيق للفقرة (أولاً) من المادة 249 والخاصة بجرائم الاعتداء على النفس. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث،  الصفحة :  271)

 القتل دفاعاً عن المال نصت عليه المادة 250 عقوبات وقد ذكرت هذه المادة فروضاً أربعة هي :

أولاً : فعل من الأفعال المبينة في الباب الثاني من هذا الكتاب أي الكتاب الثالث من قانون العقوبات ويعني الشارع بذلك الحريق العمد.

ثانياً : سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات وهي الجرائم المنصوص عليه بالمواد 313، 316 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات.

ثالثاً : الدخول ليلاً في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته.

 ويشترط لإباحة القتل في هذا الفرض الشروط الآتية :

1- دخول منزل مسكون أو أحد ملحقاته.

2- أن يتم ذلك أثناء الليل.

 3- أن يثبت جهل الحائز الغرض من الدخول.

رابعاً : فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا الخوف أسباب معقولة.

والمقصود بهذا الفرض حالة تهديد المال بفعل يهدد بالخطر حياة صاحبه أو حياة الآخرين مثل ذلك أن يحاول شخص إتلاف آلة فيهدد ذلك بانفجارها والقضاء على حياة العاملين أو إصابتهم بجراح بالغة (العاهة المستديمة أو العجز أو المرض الخطيرين) وواضح من هذه الفقرة الأخيرة أن الخطر هنا يهدد (المال) بصورة مباشرة كما أنه يهدد "النفس" بصورة غير مباشرة وقد كان من الممكن الاستغناء عنها بما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 249 الخاص بإباحة القتل العمد دفاعاً عن النفس طالما أن الخطر يهدد في النهاية نفس إنسان.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث،  الصفحة: 477)

حظر المشرع أيضاً لجوء المدافع لارتكاب جريمة القتل إلا في حالات معينة حصرها في حالة الدفاع عن المال هي:

 (1) (جرائم الحريق العمد) المنصوص عليها بالمواد من (252) إلى (259) عقوبات:

 (2) السرقات المعدودة من الجنايات المنصوص عليها في المواد من (313) إلى (316 مكرراً ثانياً).

(3) الدخول ليلاً في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته، وهذه الحالة لا تشير إلى جريمة معينة، وقد أباح المشرع فيها القتل بغير حاجة إلى أن يتبين المدافع أن الداخل يقصد إرتكاب جريمة بذاتها، إذ جعل من دخول المنازل ليلاً قرينة على أن الداخل يريد سوءاً ويقصد إرتكاب جريمة، وقرر أن للقتل ما يبرره لصعوبة تبين نية المعتدي وقصده من دخول المنزل ومدى خطره، مع صعوبة الإغاثة في هذا الوقت، وإذا تبين فيما بعد أن الداخل لم يكن يقصد إرتكاب جريمة، فإن من توهم وجود الخطر لا يسأل لانتفاء القصد الجنائي لديه للغلط في الإباحة، بشرط أن يكون معتقداً وقت أن قتل من دخل المنزل أنه كان يقصد إرتكاب جريمة وكانت الظروف تبرر اعتقاده، وإذا كان اعتقاده لا يستند إلى أسباب معقولة فإنه يسأل عن القتل بوصفه جريمة غير عمدية، أما إذا ثبت أن القائل كان يعلم أن الداخل لم يكن يقصد سوءاً فإنه يسأل عن جريمة قتل عمدية، ويشترط لإباحة القتل أن يكون الدخول في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته، وأن يكون قد حصل ليلاً، ويجب أن يكون المنزل مسكوناً بالفعل، فلا يكفي أن يكون معداً للسكنى، ولكن القانون لا يتطلب وجود سكانه فيه وقت دخول المعتدي، فقد يقع الإعتداء حين يغادره السكان مؤقتاً، وحينئذٍ قد يصدر فعل الدفاع عن غيرهم، كأحد الجيران أو رجل الشرطة، ويراد بملحقات المنزل أماكن ليست مسكونة أو مخصصة للسكنى ولكنها متصلة بالمنزل، كالحديقة أو المكان المخصص للسيارة والغرف المقامة فوق سطح المنزل. ويشترط أن يكون دخول المنزل ليلاً.

(4) فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جروح بالغة إذا كان لهذا التخوف .

أسباب معقولة:

وهذه الحالة هي بذاتها الواردة في الفقرة أولا من المادة (249) من قانون العقوبات، ويرى بعض الفقهاء إعمالاً للنص وتنزيها للمشرع عن السهو الذي أدى لهذا التكرار أن المقصود بها مواجهة أفعال الإعتداء على المال التي ينجم عنها تهديد للحياة أو سلامة الجسد، كأن يشاهد شخص لصا يحمل سلاحاً وقت إرتكاب السرقة، والسرقة في ذاتها لأنها من الجنح لا تبرر الدفاع بالقتل، ولكن الخشية من استعمال اللص للسلاح تبرر للشخص الدفاع بالقتل، وكمثال لذلك أيضاً استعمال المفرقعات بطريقة تعرض أموال الغير للخطر، فقد يؤدي استعمال المفرقعات إلى تعريض الحياة أو سلامة الجسد للخطر، ولا شك أن الفقرة أولاً من المادة (249) تصلح لمواجهة الفرضين السابقين وما يماثلهما من حالات، وليس بذي شأن أن يكون تعريض الحياة أو سلامة الجسد للخطر قد حدث مباشرة أو بطريقة غير مباشرة تبعاً لجريمة ترتكب ضد المال، ولذلك فإن إعادة النص على هذه الحالة في المادة التي نحن بصددها لا فائدة منه.

 ثبوت حالة الدفاع الشرعي:

التحقق من قيام الوقائع التي يستنتج منها وجود حالة الدفاع الشرعي أو إنتفائها يتعلق بموضوع الدعوى، لذلك فهو من مطلق سلطة محكمة الموضوع تفصل فيه بلا معقب عليها من محكمة النقض، ويدخل في سلطة محكمة الموضوع تقدير ما إذا كان في استطاعة المدافع أن يركن في الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العامة، وما إذا كان في وسعه وقف الإعتداء بطريقة أخرى غير استعمال القوة، وإذا نفت المحكمة قيام حالة الدفاع الشرعي بما ثبت لديها من أن المتهم كان يرغب في الانتقام من المجني عليه وبدأة بالإعتداء فلا يجوز الجدل في ذلك لدى محكمة النقض.

غير أنه إذا كانت النتيجة التي إنتهت إليها المحكمة لا تتفق منطقية مع ما أثبته من مقدمات ووقائع، فلمحكمة النقض في هذه الحالة أن تصحح استنتاجها، لأن الاستنتاج الخاطئ الذي تنتهي إليه محكمة الموضوع يعتبر خطأ منها في تطبيق القانون يخضع لرقابة محكمة النقض.

 أثر الدفاع الشرعي:

إذا توافرت الشروط التي يستلزمها القانون لقيام حق الدفاع الشرعي، ولم يخرج المدافع عن القيود التي فرضها القانون على استعمال هذا الحق، كان سلوكه مباحاً، فلا تترتب عليه أية مسئولية جنائية أو مدنية، لأن من قام به إنما استعمل حقاً مقررة بالقانون.

ويترتب على كون سلوك المدافع مشروعاً أن كل من يساهم فيه لا يسأل هو الآخر، لأنه يساهم في سلوك مباح، فمن يعطي سلاح لمن يدافع عن نفسه أو يساعد في تعطيل حركة المعتدي، لا يعد مساهماً في جريمة، وفضلاً عن ذلك فهو في موقف المدافع تماماً، لأن الدفاع عن الغير كالدفاع عن النفس بنص القانون.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 635)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 255 ، 256

( مادة 524 )

مع مراعاة ما نص عليه في المادة (14) من هذا القانون ، لا يباح القتل دفاعاً عن النفس ، أو العرض ، أو المال ، إلا إذا قصد به دفع إحدى الجرائم الآتية : 

1- إعتداء يتخوف أن يحدث منه الموت أو الجراح الجسيمة ، إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة . 

2- جناية إختطاف إنسان . 

3- جناية إغتصاب أنثى ، أو هتك عرض إنسان بالقوة أو التهديد ، أو أي وسيلة تعدم إرادته . 

4 - جناية حريق ، أو إتلاف ، أو سرقة . 

 

5- دخول مكان مسكون ليلاً أو إحدى ملحقاته أو إقتحامه . 

(مادة 527) 

يستوي في قيام حق الدفاع الشرعي أن يكون الخطر موجهاً إلى نفس الموانع ، أو عرضه ، أو ماله ، أو نفس الغير ، أو عرضه ، أو ماله . 

(مادة 528)

 لا يمنع من قيام حق الدفاع الشرعي أن يكون الخطر من شخص عديم المسئولية الجنائية أو ناقصها . 

الجرائم الواقعة على الأشخاص 

الفصل الأول 

المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه 

المواد من (510) - (529): 

أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي : 

١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب،  أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) . 

وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة . 

2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة. 

3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح. 

4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع . 

والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل . 

5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .

6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .

7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر . 

واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .

8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع . 

9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم . 

 

10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 103

صِيَالٌ

التَّعْرِيفُ:

الصِّيَالُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ صَالَ يَصُولُ، إِذَا قَدِمَ بِجَرَاءَةٍ وَقُوَّةٍ، وَهُوَ: الاِسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ وَالاِسْتِعْلاَءُ عَلَى الْغَيْرِ.

وَيُقَالُ: صَاوَلَهُ مُصَاوَلَةً، وَصِيَالاً، وَصِيَالَةً، أَيْ: غَالَبَهُ وَنَافَسَهُ فِي الصَّوْلِ، وَصَالَ عَلَيْهِ، أَيْ: سَطَا عَلَيْهِ لِيَقْهَرَهُ، وَالصَّائِلُ: الظَّالِمُ، وَالصَّئُولُ: الشَّدِيدُ الصَّوْلِ، وَالصَّوْلَةُ: السَّطْوَةُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا، وَصَؤُلَ الْبَعِيرُ: إِذَا صَارَ يَقْتُلُ النَّاسَ وَيَعْدُو عَلَيْهِمْ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الصِّيَالُ الاِسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْبُغَاةُ:

الْبَغْيُ: الظُّلْمُ وَالاِعْتِدَاءُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ.

وَالْبُغَاةُ هُمْ: قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، خَالَفُوا الإْمَامَ الْحَقَّ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الاِنْقِيَادِ لَهُ، أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ، بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ، وَتَأْوِيلٍ لاَ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ .

ب - الْمُحَارِبُ.

وَهُوَ: قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ، أَوْ أَخْذِ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ وَالصَّائِلُ أَعَمُّ مِنْهُ، لأِنَّهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

- الصِّيَالُ حَرَامٌ، لأِنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )  وَقَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم:  «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» .

دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّائِلُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، عَاقِلاً أَوْ مَجْنُونًا، بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا، مَعْصُومَ الدَّمِ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )  فَالاِسْتِسْلاَمُ لِلصَّائِلِ إِلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ لِلتَّهْلُكَةِ، لِذَا كَانَ الدِّفَاعُ عَنْهَا وَاجِبًا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ )  وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»  وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - يُرِيدُ قَتْلَهُ - فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ» .

وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ، يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا، وَلأِنَّهُ قَدَرَ عَلَى إِحْيَاءِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، كَالْمُضْطَرِّ لأِكْلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّائِلُ كَافِرًا، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَجَبَ الدِّفَاعُ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْكَافِرُ مَعْصُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ، إِذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لاَ حُرْمَةَ لَهُ، وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ، وَلأِنَّ الاِسْتِسْلاَمَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ فِي الدِّينِ، وَفِي حُكْمِهِ كُلُّ مَهْدُورِ الدَّمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجِنَايَاتِ.

كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْبَهِيمَةِ الصَّائِلَةِ، لأِنَّهَا تُذْبَحُ لاِسْتِبْقَاءِ الآْدَمِيِّ، فَلاَ وَجْهَ لِلاِسْتِسْلاَمِ لَهَا، مِثْلُهَا مَا لَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَنَحْوُهَا عَلَى إِنْسَانٍ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إِلاَّ بِكَسْرِهَا.

أَمَّا إِنْ كَانَ الصَّائِلُ مُسْلِمًا غَيْرَ مَهْدُورِ الدَّمِ فَلاَ يَجِبُ دَفْعُهُ فِي الأْظْهَرِ، بَلْ يَجُوزُ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَنُّ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: كُنْ كَابْنِ آدَمَ»  يَعْنِي هَابِيلَ - وَلِمَا وَرَدَ عَنِ الأْحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلاَحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟  قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ»  وَلأِنَّ عُثْمَانَ رضى الله عنه تَرَكَ الْقِتَالَ مَعَ إِمْكَانِهِ، وَمَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ نَفْسَهُ، وَمَنَعَ حُرَّاسَهُ مِنَ الدِّفَاعِ عَنْهُ - وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ يَوْمَ الدَّارِ - وَقَالَ: مَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ رضى الله عنهم فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.

وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، مَعْصُومَ الدَّمِ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) .

وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّائِلُ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَلاَ يَجُوزُ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُمَا؛ لأِنَّهُمَا لاَ إِثْمَ عَلَيْهِمَا كَالْبَهِيمَةِ.

وَاسْتَثْنَى الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَسَائِلَ مِنْهَا:

أ - لَوْ كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَالِمًا تَوَحَّدَ فِي عَصْرِهِ، أَوْ خَلِيفَةً تَفَرَّدَ، بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَتْلِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَيَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ.

ب - لَوْ أَرَادَ الصَّائِلُ قَطْعَ عُضْوِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ دَفْعُهُ لاِنْتِفَاءِ عِلَّةِ الشَّهَادَةِ.

قَالَ الأْذْرَعِيُّ رحمه الله: وَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ عُضْوٍ عِنْدَ ظَنِّ السَّلاَمَةِ، وَعَنْ نَفْسٍ ظَنَّ بِقَتْلِهَا مَفَاسِدَ فِي الْحَرِيمِ وَالْمَالِ وَالأْوْلاَدِ.

ج - قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: إِنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَهُ دَفْعَ الصَّائِلِ بِغَيْرِ قَتْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ وَإِلاَّ فَلاَ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَنِ النَّفْسِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْفِتْنَةِ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا.

أَمَّا فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ»  وَلأِنَّ عُثْمَانَ رضى الله عنه تَرَكَ الْقِتَالَ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ غَيْرَهُ قِتَالَهُمْ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لأَنْكَرَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ذَلِكَ .

قَتْلُ الصَّائِلِ وَضَمَانُهُ:

إِنْ قَتَلَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ الصَّائِلَ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ وَنَحْوِهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ.

أَمَّا إِذَا تَمَكَّنَ الصَّائِلُ مِنْ قَتْلِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.

وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ الصَّائِلِ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ يَضْمَنُ الْبَهِيمَةَ الصَّائِلَةَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِهِ، لأِنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ لإِحْيَاءِ نَفْسِهِ، كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ إِذَا أَكَلَهُ.

وَمِثْلُ الْبَهِيمَةِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَيَضْمَنُهُمَا إِذَا قَتَلَهُمَا، لأِنَّهُمَا لاَ يَمْلِكَانِ إِبَاحَةَ أَنْفُسِهِمَا، وَلِذَلِكَ لَوِ ارْتَدَّا لَمْ يُقْتَلاَ.. لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّ قَاتِلِ الصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ الصَّائِلَيْنِ الدِّيَةُ لاَ الْقِصَاصُ؛ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي حَقِّ قَاتِلِ الْبَهِيمَةِ فَهُوَ الْقِيمَةُ .

وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالأْخَفِّ فَالأْخَفِّ إِنْ أَمْكَنَ ، فَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِكَلاَمٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ بِالنَّاسِ حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ بِسَوْطٍ، أَوْ بِسَوْطٍ حَرُمَ بِعَصًا، أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ دَفْعُهُ بِقَتْلٍ، لأِنَّ ذَلِكَ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ فِي الأْثْقَلِ مَعَ إِمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِالأْخَفِّ.

وَعَلَيْهِ فَلَوِ انْدَفَعَ شَرُّهُ بِشَيْءٍ آخَرَ، كَأَنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ، أَوِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَطَّلَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ كُفَى شَرُّهُ وَلأِنَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الدَّفْعُ لاَ حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ.

وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ غَلَبَةُ ظَنِّ الْمَصُولِ عَلَيْهِ، فَلاَ يَكْفِي تَوَهُّمُ الصِّيَالِ، أَوِ الشَّكُّ فِيهِ، فَإِنْ خَالَفَ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ، وَعَدَلَ إِلَى رُتْبَةٍ - مَعَ إِمْكَانِ دَفْعِهِ بِمَا دُونَهَا - ضَمِنَ، فَإِنْ وَلَّى الصَّائِلُ هَارِبًا فَاتَّبَعَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ، وَقَتَلَهُ ضَمِنَ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، وَكَذَا إِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ ثُمَّ وَلَّى هَارِبًا فَضَرَبَهُ ثَانِيَةً وَقَطَعَ رِجْلَهُ مَثَلاً فَالرِّجْلُ مَضْمُونَةٌ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، فَإِنْ مَاتَ الصَّائِلُ مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ فَعَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لأِنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ.

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا مِنْهَا:

أ - لَوْ كَانَ الصَّائِلُ يَنْدَفِعُ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا وَنَحْوِهِمَا، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ لاَ يَجِدُ إِلاَّ السَّيْفَ فَلَهُ الضَّرْبُ بِهِ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إِلاَّ بِهِ، وَلَيْسَ بِمُقَصِّرٍ فِي تَرْكِ اسْتِصْحَابِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ.

ب - لَوِ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا، وَاشْتَدَّ الأْمْرُ عَنِ الضَّبْطِ فَلَهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا لَدَيْهِ، دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ.

ج - إِذَا ظَنَّ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّائِلَ لاَ يَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالْقَتْلِ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا إِنْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ هُوَ بِهِ فَلَهُ ضَرْبُهُ بِمَا يَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْطَعُ طَرَفَهُ. وَيُصَدَّقُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ إِمْكَانِ التَّخَلُّصِ بِدُونِ مَا دَفَعَ بِهِ، لِعُسْرِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ.

د - إِذَا كَانَ الصَّائِلُ مُهْدَرَ الدَّمِ - كَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ - فَلاَ تَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي حَقِّهِ بَلْ لَهُ الْعُدُولُ إِلَى قَتْلِهِ، لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ .

الْهَرَبُ مِنَ الصَّائِلِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْهَرَبِ مِنَ الصَّائِلِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَهْرُبَ أَوْ يَلْتَجِئَ إِلَى حِصْنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ حَاكِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقِتَالُ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالأْهْوَنِ فَالأْهْوَنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى الأْشَدِّ مَعَ إِمْكَانِ الأْسْهَلِ وَلأِنَّهُ أَمْكَنَهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ إِضْرَارِ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ.

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِوُجُوبِ الْهَرَبِ أَنْ يَكُونَ بِلاَ مَشَقَّةٍ، فَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ فَلاَ يَجِبُ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الصَّائِلُ مَعْصُومَ الدَّمِ، فَلَوْ صَالَ عَلَيْهِ مُرْتَدٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ لَمْ يَجِبِ الْهَرَبُ وَنَحْوُهُ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ - حَيْثُ وَجَبَ الْهَرَبُ - فَقَاتَلَ وَقَتَلَ الصَّائِلَ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، فِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الأْوْجَهُ، وَلَزِمَتْهُ الدِّيَةُ فِي الْقَوْلِ الآْخَرِ لَهُمْ أَيْضًا.

وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْهَرَبِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ إِقَامَتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ جَائِزَةٌ، فَلاَ يُكَلَّفُ الاِنْصِرَافُ.

وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ إِنْ تَيَقَّنَ النَّجَاةَ بِالْهَرَبِ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ . 

الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ:

لاَ يَخْتَلِفُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ إِذَا صَالَ عَلَيْهَا صَائِلٌ - عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ إِذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ مَعْصُومَ الدَّمِ، بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا.

وَاسْتَدَلُّوا فِي وُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ وَأَطْرَافِهِ بِنَفْسِ الأْدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الدِّفَاعَ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ - إِذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا - حُكْمُهُ كَحُكْمِ دِفَاعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ، وَيَنْتَفِي حَيْثُ يَنْتَفِي، إِذْ لاَ يَزِيدُ حَقُّ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ - عِنْدَهُمْ - إِذَا أَمِنَ الْهَلاَكَ عَلَى نَفْسِهِ، إِذْ لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ بَدَلاً عَنْ رُوحِ غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي قِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ فَلاَ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِالْخَوْفِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا أَصَحُّ الطُّرُقِ عِنْدَهُمْ. 

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ آخَرَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

أَوَّلُهُمَا: يَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ قَطْعًا، لأِنَّ لَهُ الإْيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ - أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

ثَانِيهِمَا: لاَ يَجُوزُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ، لأِنَّ شَهْرَ السِّلاَحِ يُحَرِّكُ الْفِتَنَ، وَخَاصَّةً فِي مَجَالِ نُصْرَةِ الآْخَرِينَ، وَلَيْسَ الدِّفَاعُ عَنِ الْغَيْرِ مِنْ شَأْنِ آحَادِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَظِيفَةُ الإْمَامِ وَوُلاَةِ الأْمُورِ.

وَيَجْرِي هَذَا الْخِلاَفُ فِي الْمَذْهَبِ بِالنِّسْبَةِ لآِحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإْمَامُ وَغَيْرُهُ - مِنَ الْوُلاَةِ - فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى نَفْسِ الْغَيْرِ اتِّفَاقًا .

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ، وَمَعَ ظَنِّ سَلاَمَةِ الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ عَنْهُ، وَإِلاَّ حَرُمَ الدِّفَاعُ .

دَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الْعِرْضِ:

- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى بُضْعِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِ أَهْلِهِ، لأِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَمِثْلُ الزِّنَا بِالْبُضْعِ فِي الْحَكَمِ مُقَدِّمَاتُهُ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ حَتَّى لَوْ أَدَّى إِلَى قَتْلِ الصَّائِلِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. بَلْ إِنْ قُتِلَ الدَّافِعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهُوَ شَهِيدٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .

وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى - وَهُوَ مَنْعُ الْفَاحِشَةِ - وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:  «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» .

إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطُوا لِوُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْ عِرْضِهِ وَعِرْضِ غَيْرِهِ: أَنْ لاَ يَخَافَ الدَّافِعُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِ أَعْضَائِهِ.

أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَصُولُ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ الزِّنَا بِهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا إِنْ أَمْكَنَهَا ذَلِكَ، لأِنَّ التَّمْكِينَ مِنْهَا مُحَرَّمٌ، وَفِي تَرْكِ الدَّفْعِ نَوْعُ تَمْكِينٍ، فَإِذَا قَتَلَتِ الصَّائِلَ - وَلَمْ يَكُنْ يَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالْقَتْلِ - فَلاَ تَضْمَنُهُ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً أَضَافَ نَاسًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَأَرَادَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رضى الله عنه: وَاللَّهِ لاَ يُودَى أَبَدًا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ قُتِلَ دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .

وَفِي الْمُغْنِي: لَوْ رَأَى رَجُلاً يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ - أَوْ بِامْرَأَةِ غَيْرِهِ - وَهُوَ مُحْصَنٌ فَصَاحَ بِهِ، وَلَمْ يَهْرُبْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنِ الزِّنَا حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلاَ دِيَةَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رضى الله عنه - بَيْنَمَا هُوَ يَتَغَدَّى يَوْمًا إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَعْدُو وَمَعَهُ سَيْفٌ مُجَرَّدٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، فَجَاءَ حَتَّى قَعَدَ مَعَ عُمَرَ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَأَقْبَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا قَتَلَ صَاحِبَنَا مَعَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: إِنَّهُ ضَرَبَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ بِالسَّيْفِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ فَقَدْ قَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ فَأَصَابَ وَسَطَ الرَّجُلِ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ .

- وَإِذَا قَتَلَ رَجُلاً، وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ بَيْتَهُ، فَإِذَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهَا وَقَتَلَهُ، قَالَ عَلِيٌّ: إِنْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَإِلاَّ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ، وَلأِنَّ الأْصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ، فَلاَ يَسْقُطُ حُكْمُ الْقَتْلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.

إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْبَيِّنَةِ.

فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّهَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، لِخَبَرِ عَلِيٍّ السَّابِقِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ «سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضى الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعِهِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ». الْحَدِيثَ .

وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَكْفِي شَاهِدَانِ، لأِنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ عَلَى وُجُودِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الزِّنَا .

وَكَذَا لَوْ قَتَلَ رَجُلاً فِي دَارِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ عَلَى مَنْزِلِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ، قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ قِصَاصًا ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنَ الْقَاتِلِ فِي الْقِيَاسِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فِي الاِسْتِحْسَانِ، لأِنَّ دَلاَلَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لاَ الْمَالِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلاَ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ يَحْضُرُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ قَوْلُهَا: دَخَلَ دَارَهُ شَاهِرًا السِّلاَحَ، وَلاَ يَكْفِي قَوْلُهَا: دَخَلَ بِسِلاَحٍ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ، إِلاَّ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ يُعْرَفُ بِفَسَادٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا مُقْبِلاً إِلَى هَذَا بِالسِّلاَحِ الْمَشْهُورِ فَضَرَبَهُ هَذَا، فَقَدْ هُدِرَ دَمُهُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ دَاخِلاً دَارَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلاَحًا، أَوْ ذَكَرُوا سِلاَحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ لِحَاجَةٍ، وَمُجَرَّدُ الدُّخُولِ لاَ يُوجِبُ إِهْدَارَ دَمِهِ.

وَإِنْ تَجَارَحَ رَجُلاَنِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا قَائِلاً: إِنِّي جَرَحْتُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِي، حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا جَرَحَهُ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الآْخَرِ مَا يُنْكِرُهُ، وَالأْصْلُ عَدَمُهُ .

وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص، شَهَادَة).

دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى الْمَالِ:

- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى الْمَالِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» . وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ. فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى مَالِهِ إِلاَّ بِالْقَتْلِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .

وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ. فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ رَأَى رَجُلاً يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ، أَوْ رَأَى رَجُلاً يَثْقُبُ حَائِطَهُ، أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ .

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِلْوُجُوبِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَخْذِهِ هَلاَكٌ، أَوْ شِدَّةُ أَذًى، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ الدَّفْعُ اتِّفَاقًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنِ الْمَالِ، لأِنَّهُ يَجُوزُ إِبَاحَتُهُ لِلْغَيْرِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَا رُوحٍ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْهُ، قَالَ الإْمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا إِنْ كَانَ مَالَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ وَقْفٍ أَوْ مَالاً مُودَعًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ عَلَى بُضْعٍ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى شَخْصًا يُتْلِفُ حَيَوَانَ نَفْسِهِ إِتْلاَفًا مُحَرَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، مِنْ بَابِ الأْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

كَمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ الصَّائِلَ عَلَى الْمَالِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالأْدِلَّةِ السَّابِقَةِ بِالْقِتَالِ وَالْقَتْلِ، وَبَيْنَ الأْمْرِ بِالْقِتَالِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، قَالَ تَعَالَى: ) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»  وَقَالَ أَيْضًا: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».

وَيُسْتَثْنَى عِنْدَهُمْ مِنْ جَوَازِ الدِّفَاعِ عَنِ الْمَالِ صُورَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: لَوْ قَصَدَ مُضْطَرٌّ طَعَامَ غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ لِمَالِكِهِ دَفْعُهُ عَنْهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا مِثْلَهُ، فَإِنْ قَتَلَ الْمَالِكُ الصَّائِلَ الْمُضْطَرَّ إِلَى الطَّعَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَالأْخْرَى: إِذَا كَانَ الصَّائِلُ مُكْرَهًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالِ غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْهُ، بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ، كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ.

قَالَ الأْذْرَعِيُّ: وَهَذَا فِي آحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإْمَامُ وَنُوَّابُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الدِّفَاعُ عَنْ أَمْوَالِ رَعَايَاهُمْ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: لاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلاَ مَالِ غَيْرِهِ، وَلاَ حِفْظِهِ مِنَ الضَّيَاعِ وَالْهَلاَكِ، لأِنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُهُ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُ ظُلْمًا. وَتَرْكُ الْقِتَالِ عَلَى مَالِهِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِتَالِ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ.

أَمَّا دَفْعُ الإْنْسَانِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ ظَنِّ سَلاَمَةِ الدَّافِعِ وَالصَّائِلِ، وَإِلاَّ حُرِّمَ الدِّفَاعُ.

قَالُوا: وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعُونَةُ غَيْرِهِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ مَالِهِ مَعَ ظَنِّ السَّلاَمَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»  ، وَلأِنَّهُ لَوْلاَ التَّعَاوُنُ لَذَهَبَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ وَأَنْفُسُهُمْ، لأِنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إِذَا انْفَرَدُوا بِأَخْذِ مَالِ إِنْسَانٍ - وَلَمْ يُعِنْهُ غَيْرُهُ - فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْكُلِّ، وَاحِدًا وَاحِدًا .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 297

اللَّيْلُ:

اللَّيْلُ: فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوِ الشَّمْسِ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: هُوَ مِنْ غِيَابِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.

وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوْ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.

والصلة بين اليوم والليل التضاد