1 ـ النعي على الحكم المطعون فيه بأنه خالف القانون إذ لم يلتزم بما ارتأته غرفة الاتهام - حين أحالت الدعوى إلى محكمة الجنح - من قيام عذر تجاوز حق الدفاع الشرعي لديه، مردود بأنه فضلاً عن أن قرار الغرفة فى هذا الشأن لا يلزم محكمة الموضوع، فإنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى هذا الخصوص طالما أن العقوبة التي أنزلها الحكم عليه - وهي الحبس - تدخل فى نطاق ما نصت عليه المادة 251 عقوبات فى صدد العقوبة المقررة لجناية العاهة المستديمة عند اقترانها بعذر تجاوز حق الدفاع الشرعي.
(الطعن رقم 1150 لسنة 32 جلسة 1962/11/05 س 13 ع 3 ص 700 ق 171)
2 ـ لا تنطبق المادة 251 عقوبات على أى الوالدين يخطف ولده .
(الطعن رقم 66 لسنة 47 جلسة 1930/01/02 س ع ع 1 ص 415 ق 366)
3 ـ لما كان الحكم المطعون فيه بين الواقعة بما مفاده - حدوث مشادة كلامية بين المتهم والمجني عليه تطورت إلى مشاجرة فقام الثاني بالتوجه ناحية الأول حاملاً سلاحاً أبيض – سكين – فأراد المتهم درء الاعتداء عنه فقام بإخراج سلاح ناري – فرد – وأطلق منه عياراً نارياً باتجاه المجني عليه فأحدث به إصابته الموصوفة بتقرير الطب الشرعي ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى لموته واعترف المتهم بارتكاب الواقعة بالسلاح المضبوط ....) وفي معرض حديثه عن نية القتل لدى الطاعن فقد اطرحها قائلاً ( ومن كل ذلك يتوافر لدى المحكمة قناعة كاملة بانتفاء نية إزهاق الروح لدى المتهم وأنه قصد فقط الاعتداء عليه وإيذائه بقصد إبعاده عنه دون قتله ...) مما مفاده أنه لم ينتوي قتلاً بل مجرد الضرب لدفع الأذى ثم عرض الحكم للدفع بتوافر حالة الدفاع الشرعي فاطرحه فى قوله :" وحيث إنه عن الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي فى حق المتهم استناداً إلى قوله بأن المجني عليه هو من بادر بالتعدي فمردود عليه بأن حق الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه وشرطه تناسب الدفاع مع الاعتداء بأن يبذل المدافع قدراً من القوة لرد الاعتداء يكون متناسباً مع الاعتداء ذاته ، ولما كان ذلك ، وكان الثابت من أوراق الدعوى أن المجني عليه توجه ناحية المتهم حاملاً سكيناً بقصد الاعتداء عليه فما كان من المتهم إلا أن أخرج سلاحه الناري وأطلق منه طلقة استقرت برأس المجني عليه وأحدثت إصابته التي أودت بحياته ، وكانت المسافة بين المتهم والمجني عليه ليست بعيده وذلك من أقوال الشهود فإن المحكمة ترى من ذلك أن المتهم كان فى مكنته تصويب سلاحه الناري إلى أجزاء من جسد المجني عليه غير المنطقة العليا من الجسد لكي يتناسب الدفاع مع الاعتداء بقصد منع المجني عليه من مباشرة الاعتداء عليه أما وقد صوب سلاحه الناري إلى الأجزاء العليا من جسد المجني عليه ، فإنه بذلك يكون تجاوز حق الدفاع الشرعي لأنها أجزاء قاتلة بطبيعتها حتى مع خوفه من تعديه عليه بالسلاح الأبيض ، فإن المحكمة لا ترى مبرراً للتعدي على المجني عليه بهذه الصورة ويكون معه الدفع فى غير محله تلتفت عنه المحكمة ، كما تتجاوز عن حقها الجوازي المنصوص عليه بالمادة 251 من قانون العقوبات بالنزول بالعقوبة إلى حد الحبس وتكتفي بعقابه بالقدر الوارد بمنطوق هذا الحكم " . لما كان ذلك ، وكان يبين من سياق مدونات الحكم على النحو السالف أنه بينما يثبت فى تحصيله لواقعة الدعوى أن الطاعن كان فى حالة رد للعدوان الحاصل من المجني عليه ، وفي موضع آخر ينفي عنه نية إزهاق الروح بما مفاده أنه لم يقصد حسبما أفصح الحكم سوى الضرب فقط ، ثم يخلص إلى رفض الدفع بتوافر حالة الدفاع الشرعي لتجاوز الطاعن له – الذي يفيد توافرها بداءة – ثم انتهى فى منطوقه إلى معاقبته بالسجن ثلاث سنوات وهو ما يكون معه الحكم المطعون فيه قد جاء مضطرباً ومتناقضاً فى أسبابه ولم يستقر على رأي ثابت يمكن معه لهذه المحكمة – محكمة النقض- مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما أثبتها ، ولا يغير من ذلك ما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة من أن الدفاع الشرعي هو حالة تقوم فى الواقع على أمور موضوعية بحتة لقاضي الموضوع وحده سلطة بحثها وتقدير ما يقوم عليها من الأدلة فيثبتها أو ينفيها بدون أن يكون لقضائه معقب من رقابة محكمة النقض ، إلا أنه فى حالة وجود غموض وتناقض ظاهر بين موجب الوقائع والظروف المادية التي يثبتها وبين النتيجة القانونية التي يستخلصها منها – كالحال فى الدعوى – فإن محكمة النقض لا يكون فى وسعها أن تتعرف على حقيقة الأساس القانوني الذي بنت عليه محكمة الموضوع معتقدها فى الدعوى وأساس تقديرها مسئولية الطاعن ، وما أنزلته به من عقاب، وهو ما يوجب نقض الحكم المطعون فيه والإعادة ، هذا فضلاً عما تردى فيه الحكم من خطأ إذ قضى بتوقيع الغرامة المقررة لجريمة إحراز السلاح الناري غير المششخن وهي الجريمة ذات العقوبة الأخف ، رغم أنه قضى بتوقيع العقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت – وهي الأشد – عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات ، ويكون قد خالف القانون ، مما كان يؤذن لهذه المحكمة أن تصحح هذا الخطأ إلا أنه إزاء ما انتهت إليه فيما تقدم من نقض الحكم لما شابه من غموض وتناقض لهما الصدارة على أوجه الطعن المتعلقة بمخالفة القانون ، فإنه لا يكون للتصحيح محل بل إن على محكمة الإعادة – إن رأت إدانة الطاعن – أن تطبق صحيح القانون ، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن .
(الطعن رقم 31278 لسنة 85 جلسة 2016/12/07)
4 ـ لا إرتباط بين تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات الخاصة بالظروف المخففة و بين المادة 251 الخاصة بالعذر القانونى المتعلق بتجاوز حدود الدفاع الشرعى - و كل ما تقتضيه المادة 251 هو ألا تبلغ العقوبة الموقعة الحد الأقصى المقرر للجريمة التى وقعت و فى حدود هذا القيد يكون للمحكمة أن توقع العقوبة التى تراها مناسبة نازلة بها فى الحد المقرر بالمادة 17 عقوبات إلا إذا وجدت أن ذلك لا يسعفها نظراً لما إستبانته من أن التجاوز كان فى ظروف تقتضى النزول بالعقوبة إلى ما دون هذا الحد فعندئذ فقط يكون عليها أن تعد المتهم معذوراً طبقاً للمادة 251 المذكورة و توقع عليه عقوبة الحبس لمدة يجوز أن تصل إلى الحد الأدنى . و لما كانت المحكمة قد رأت إعتبار الطاعن متجاوزاً حدود الدفاع الشرعى و أعملت فى حقه المادة 251 من قانون العقوبات فإن ما تزيدت به من إضافة المادة 17 عقوبات يكون نافلة و لا جدوى للطاعن من التحدى بالظروف المخففة التى تنص عليها تلك المادة .
(الطعن رقم 808 لسنة 36 جلسة 1966/05/09 س 17 ع 2 ص 586 ق 105)
5 ـ إذا كان الظاهر مما ورد فى أمر قاضى الإحالة أنه بعد أن تعرض للدفاع الشرعى و أثبت أن المتهم كان فى حالة من حالاته لكنه تجاوز بنية سليمة الحدود المرسومة له فى القانون ، و بعد أن بين أن المادة التى تجب معاملة المتهم بمقتضاها هى المادة 251 من قانون العقوبات ، قد قال إن الواقعة المقدمة إليه جنحة ، و إنه لذلك يعيد القضية إلى النيابة لتقدمها إلى محكمة الجنح لتفصل فيها ، فإنه يكون فى حقيقة الواقع قد قصد بهذا الأمر إحالة الدعوى إلى القاضى الجزئى للحكم فيها على أساس أن العقوبة الواجب توقيعها هى عقوبة الجنحة طبقاً للقانون الصادر فى 19 أكتوبر سنة 1925 بجعل بعض الجنايات جنحاً و لم يكن قصده القضاء بإعتبار الواقعة جنحة كما يتبادر مما قاله متجوزاً فى التعبير . و إذن فإنه يتعين أن يعد هذا الأمر فىالقانون أمراً بجعل جناية جنحة لا أمراً بإعتبار جناية جنحة ، و أن ترتب عليه بالتالى كل الأحكام القانونية التى يجب أن ترتب على الأوامر التى تصدر على مقتضى القانون الصادر فى 19 أكتوبر سنة 1925 .
(الطعن رقم 183 لسنة 13 جلسة 1942/12/28 س 6 ع 6 ص 76 ق 55)
6 ـ لما كان من المقرر أن الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء وتقدير التناسب بين تلك القوة وبين الاعتداء الذي يهدد المدافع لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة فيعامل بمقتضى المادة 251 من هذا القانون. إنما هو من الأمور الموضوعية البحتة التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - وفق الوقائع المعروضة عليها - بغير معقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها فى حكمها، وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم بيانه من أن الطاعن أخرج مسدسه من جيبه وأطلق عيارين ناريين على أفراد فريق المجني عليهما الذين كانوا يحملون العصي من شأنه أن يؤدي إلى ما ارتآه الحكم من أن الوسيلة التي سلكها الطاعن لرد الاعتداء الواقع على غيره من أفراد فريق المجني عليهما لم تكن لتتناسب مع هذا الاعتداء بل إنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده فإن هذا حسب الحكم لاعتبار الطاعن قد تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من قصور وخطأ فى تطبيق القانون لا يعدو فى حقيقته أن يكون جدلاً فى تحصيل محكمة الموضوع فهم الواقع فى الدعوى فى حدود سلطتها التقديرية وفي ضوء الفهم الصحيح للقانون وهو ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
(الطعن رقم 4074 لسنة 56 جلسة 1986/11/20 س 37 ع 1 ص 950 ق 180)
7 ـ من المقرر أن تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء، لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات، أم أنه تعدى حدوده - بنية سليمة - فيعامل بمقتضى المادة 251 من هذا القانون، إنما هو من الأمور الموضوعية البحت التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - وفق الوقائع المعروضة عليها - بغير معقب، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها فى حكمها. وإذ كان ما أثبته الحكم من أن الطاعن طعن المجني عليهما بالمدية فى أكثر من موضع بأكثر من طعنه رغم أنهما لم يكونا يحملان أية أسلحة من أي نوع - من شأنه أن يؤدي إلى ما ارتآه الحكم من أن الوسيلة التي سلكها الطاعن لرد الاعتداء الواقع عليه من المجني عليهما لم تكن لتتناسب مع هذا الاعتداء بل إنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده، فإن هذا حسب الحكم لاعتبار الطاعن قد تعدى - بنية سليمة - حدود حق الدفاع الشرعي، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من قصور لا يعدو - فى حقيقته - أن يكون جدلاً فى تحصيل محكمة الموضوع فهم الواقع فى الدعوى فى حدود سلطتها التقديرية وفي ضوء الفهم الصحيح للقانون، وهو ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
(الطعن رقم 778 لسنة 47 جلسة 1977/12/18 س 28 ع 1 ص 1062 ق 215)
8 ـ من المقرر أن تقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي أو إلى انتفائها وتقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء - لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود هذا الدفاع فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات، أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة فيعامل بمقتضى المادة 251 من هذا القانون، كل ذلك من الأمور الموضوعية البحت، التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - وفق الوقائع المعروضة عليها - بغير معقب، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها فى حكمها، وإذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد أحاطت بواقعة الدعوى وألمت بكافة الظروف والملابسات التي كانت الطاعنة محفوفة بها وقت وقوعها - عن بصر وبصيرة، وكانت الأدلة التي استند الحكم إليها من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من اعتبار الطاعنة قد تعدت بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي عن المال أثناء استعمالها إياه، تأسيساً على أن الوسيلة التي سلكتها - بطعنها المجني عليها بالسكين فى صدرها - لم تكن لتتناسب، فى تلك الظروف والملابسات، مع الاعتداء الواقع - نهاراً - على حيازتها الفعلية للشقة التي تسكنها، بما فى ذلك قيام المجني عليها بجذبها لمحاولة إخراجها منها، بل أنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرد هذا الاعتداء، فإن ما تعيبه الطاعنة على الحكم لا يعدو - فى حقيقته - أن يكون مجادلة فى تحصيل محكمة الموضوع فهم الواقع فى الدعوى فى حدود سلطتها التقديرية وفي ضوء الفهم الصحيح للقانون، وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(الطعن رقم 1056 لسنة 46 جلسة 1977/01/30 س 28 ع 1 ص 138 ق 30)
أن يكون الدفاع متناسباً مع درجة جسامة الخطر :
لا يكفي لتوافر الدفاع قانوناً أن يكون لزاماً وضرورياً لرد الاعتداء وإنما ينبغي أيضاً أن يكون متناسبها، ذلك أن الدفاع الشرعي يبيح الفعل بالقدر الذي يكون فيه لازماً ترد الخطر ومتناسبة معه، والقول بغير ذلك يؤدي إلى تحويل الدفاع إلى انتقام وهذا ما لا يمكن أن يكون مشروعاً، والتناسب يتطلب ارتكاب الأفعال التي تشكل القدر الضروري لرد الاعتداء والتناسب يتم تقديره وفقاً للظروف التي بوشر فيها الفعل وأيضاً الظروف المتعلقة بالمعتدى عليه، فالدفاع المباشر من شخص ضعيف البنية أو إمرأة يختلف في تناسبه عن ذلك الذي يباشره شخص في ظروف قوة تفوق قوي المعتدي، غير أن ذلك لا يحول دون تحديد معیار عام للتناسب، وفي هذا الصدد ثار خلاف في الفقه حول ما إذا كان التناسب يتعلق بالوسائل المستخدمة في الاعتداء وفي الدفاع أم أن التناسب يقاس بدرجة جسامة الخطر بغض النظر عن الوسائل المستخدمة ؟.
لا يخفي أن قياس التناسب بالموازنة بين الوسائل المستخدمة يؤدي إلى نتائج غير منطقية في بعض الفروض حيث يتوافر التناسب على الرغم من ضألة قيمة المصلحة المعتدى عليها بالنسبة لمصلحة المعتدي التي أجاز القانون الإضرار بها في الدفاع الشرعي، فمن يحاول قتل حيوان بسلاح ناري يجيز الدفاع الشرعي لصاحب الحيوان ويكون دفاعه متناسباً إذا استخدام سلاحاً نارياً قتل به المعتدي.
ولكن إذا كان الاعتداء يبرر أهدار الحماية الجنائية لمصلحة المعتدي فمؤدى ذلك أن يكون التناسب مناطه درجة جسامة الخطر بالنسبة للمصلحة المعتدى عليها مع جسامة المصلحة الخاصة بالمعتدي والتي تضار بالدفاع.
ومعني ذلك أن معيار التناسب يؤسس على درجة الضرر المتعلقة بالمصالح المتنازعة فالضرب الواقع من صغير على شخص قوي البنية يجيز له الدفاع بفعل لا يشكل ضرراً يفوق ما كان يمكن أن يحدث له بالاعتداء .
كما أن الاعتداء الواقع بعصا في غير الأماكن الخطرة بالجسم لا يبرر إطلاق النار على المعتدي في مقتل، إذا أن الضرر الذي يلحق بسلامة الجسم لا يتناسب مع الضرر الذي يلحق المعتدي في الحياة.
وقد تبدو الموازنة بين المصالح المتعارضة لتقدير التناسب صعبة عند الاختلاف الكيفي فيها، كأن يكون الاعتداء مكوناً لجريمة على المال بينما الدفاع منصباً على النفس، ولهذا بين المشرع وحدد الحالات التي يجوز فيها أن يصل الدفاع إلى حد القتل في جرائم النفس وجرائم المال، كما سنرى.
وإذا كان التناسب يقاس بدرجة جسامة الخطر فلا ضير على المعتدي عليه أو غيره إذا استخدم وسيلة أشد عنفاً من درجة جسامة الخطر فاستخدام القوة الجسدية للمعتدي في اعتدائه يجيز للمعتدي عليه، ضعيف البينة، أن يستخدم عصا في رد الاعتداء طالما كان الضرر الذي يمكن ينشأ عن استخدام القوة البدنية يتناسب مع الضرر الذي أحدثه المجني عليه في جسم المعتدي.
فإذا كان الدفاع غير متناسب مع درجة جسامة الخطر كنا في مجال التجاوز الذي لا ينفي عن الفعل الصفة غير المشروعة وخرجنا بذلك من نطاق الإباحة، ومعنى ذلك أن المدافع عليه أن يناسب دفاعه مع جسامة خطر الاعتداء.
ويستفاد من النص السابق أن المشرع السابق يعتبر التجاوز في استعمال حق الدفاع الشرعي فعلاً غير مشروع، بل أنه اعتبره جريمة عمدية وقرر بصددها عذراً قانونياً بتخفيف العقوبة إذا كان الفعل جناية، أما إذا كان جنحة فقد ترك الأمر للقاضي في حدود السلطة التقديرية الممنوحة له.
ويلاحظ أن معالجة التجاوز بالصورة السابقة يعتبر مخالفاً للقواعد المتعلقة بالتجاوز في استعمال الحق وفي الغلط في الإباحة، إذا كان ينبغي اعتبار الجريمة في هذه الحالة جريمة غير عمدية إذا توافرت عناصر الركن المعنوي فيها.
ولبيان قواعد التجاوز في الدفاع ينبفي تحديد معنى التجاوز ثم بيان العناصر التي يلزم توافرها لقيامه قانوناً.
معنى التجاوز :
رأينا أن الدفاع الشرعي يتطلب شروطاً معينة في الخطر وأخرى في رد الاعتداء، ولتحديد المقصود بالتجاوز ينبغي التفرقة بين شروط الخطر وشرط لزوم الدفاع من ناحية وبين شروط التناسب، فتخلف شرط من الشروط الأولى ينفي وجود حق الدفاع الشرعي قانوناً، فإذا كان الخطر مشروعاً أو كان مستقبلاً أو كان يهدد بجريمة ضد المال لم ينص عليها المشرع فلا نكون بصدد حق الدفاع الشرعي وإنما في محيط التجريم، كذلك إذا لم يكن الدفاع لازماً ولم يكن موجهاً لمصدر الخطر، فإن سبب الإباحة لا يقوم قانوناً، أما شرط التناسب فهو يفترض توافر الشروط الأخرى مجتمعة والتي بها يثبت الحق قانوناً، وما شرط التناسب إلا الإطار الذي يجب أن يباشر الدفاع في نطاقه، ولذلك إذا تخلف التناسب بين جسامة الخطر والدفاع كنا في نطاق التجاوز، وهذا هو المعنى الذي أفصح عنه المشرع في المادة 251 حين تحدث عن التعدي بنية سليمة حدود حق الدفاع أثناء استعماله دون أن يكون المدافع يقصد إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع.
عناصر التجاوز:
يقوم التجاوز قانوناً على عنصرين الأول : مادي والثاني: نفسي، فالعنصر المادي للتجاوز يتمثل في الإضرار بمصلحة للمتعدي بقدر يفوق الخطر الذي يتهدد المعتدي عليه بفعل الاعتداء، ولذلك فالتجاوز هو خروج عن الحدود المقررة قانوناً لجسامة الدفاع، ومن أجل ذلك كان غير مشروع من الناحية الموضوعية.
أما العنصر النفسي للتجاوز فيتمثل في حسن النية، والذي عبر عنه المشرع بالنية السليمة، ويتحقق ذلك إذا كان الخروج عن حدود التناسب عن غير قصد من الجاني بأن كان يعتقد أن السلوك الذي حققه متناسب مع جسامة الخطر على خلاف الحقيقة، أما إذا كان الجاني يعلم بأن دفاعه يجاوز قدر التناسب المطلوب قانوناً ورغم ذلك فإنه أراد تحقيقه فإننا لا نكون بصدد التجاوز في استعمال حق الدفاع الشرعي وإنما بصدد جريمة عمدية غير مقترنة بعذر التجاوز.
وحسن النية بالتحديد السابق يختلف عن حسن النية الناشئ عن الجهل بأحكام القانون المتعلقة بسبب الإباحة، فالذي يقتل من دخل إلى بيت مسكون ليلاً دون مسوغ مستفاد من درجة خطورة الاعتداء معتقداً أن القانون يبيح القتل في هذه الحالة دون اشتراط التناسب لا يستفيد من عذر التجاوز، فحسن النية المطلوب في التجاوز هو الذي يقصد فيه الجاني إحداث ضرر متناسب مع الخطر إلا أنه يحقق ضرراً أشد اعتقاداً منه أنه في حدود التناسب، وبطبيعة الحال يتعين أن يكون لهذا الاعتقاد مسوغ من الظروف المحيطة بارتكاب الفعل، فإذا لم يكن له مسوغ وإنما كان نتيجة وهم أصاب الجاني في تقدير جسامة الخطر فإننا نكون أيضاً في إطار التجاوز وإن كان الجاني لا يستفيد من العذر استفادة كاملة.
حكم التجاوز :
أعتبر المشرع المصري التجاوز بالتحديد السابق جريمة عمدية لا يعفي فيها الجاني من المسئولية وإنما رتب على التجاوز أثراً متعلقاً بالعقوبة جعل استخدامه جوازياً للمحكمة تبعاً للظروف الخاصة بالجاني، أي بحسب ما إذا كانت هناك ظروف أدت إلى خطأ الجاني في تقدير التناسب من عدمه.
وعلي ذلك يجوز للقاضي أن يحكم بالعقوبة المقررة أصلاً للجريمة إذا وجد أن التجاوز ليس له ما يبرره بشرط ألا يصل إلى حدها الأقصى.
كما يجوز إذا كانت الواقعة جناية أن يخفف العقاب بالتطبيق للمادة 17 من قانون العقوبات الخاصة باستعمال الرأفة وينزل بالإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وينزل بعقوبة الأشغال المؤبدة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن، وينزل بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إلى السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور، وينزل بعقوبة السجن إلى الحبس الذي لا ينقص عن ثلاثة أشهر.
ومع ذلك إذا كانت الواقعة جناية ورأي القاضي أن ظروف المتهم تستدعي استخدام الرأفة بما يخالف الضوابط السابق بيانها المادة 17 عقوبات فله أن يحكم الحبس بدلاً من العقوبة المقررة قانوناً حتى ولو كانت الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة.
أما في مواد الجنح فقد ترك المشرع الأمر للقاضي بحيث يحكم بالعقوبة التي يراها مناسبة تبعاً لسلطته التقديرية في إطار الحد الأقصى والحد الأدنى المقرر أصلاً للجريمة.
وغني عن البيان أنه إذا تبين للقاضي أن التجاوز لم يكن بسبب خطأ الجاني وإنما كان نتيجة ظروف لو وجد فيها الشخص العادي لما تصرف بغير التصرف الذي حققه الجاني، فإن الركن المعنوي للجريمة ينتفي وتمتنع المسئولية كلياً ليس بسبب توافر التجاوز وإنما بسبب انتفاء الركن المعنوي للجريمة، والقول بغير ذلك معناه الاعتراف بالمسئولية الجنائية عن فعل التجاوز.
طبيعة العذر المخفف بسبب التجاوز :
أن التجاوز يعتبر في نظر البعض عذراً قانونياً مخففاً باعتبار أن المشرع نص عليه صراحة والنص الصريح على التخفيف هو سمة الأعذار القانونية بينما يري آخرون أنه مجرد ظرف قضائي مخفف شأنه في ذلك شأن ظروف التخفيف للرأفة المنصوص عليها بالمادة 17 عقوبات، باعتبار أن استخدامه جوازي للمحكمة، على خلاف الأعذار القانونية المخففة والتي لا يترك للقاضي سلطة تقديرية في استخدامها، ويرى فريق ثالث أنه عذر من نوع خاص يجمع بين مضمون كل من النوعين ويختلف عنهما في الوقت ذاته وهذا الرأي الأخير هو الأولي بالاتباع باعتبار أن المشرع نص عليه صراحة لعدم كفاية الظروف القضائية المخففة في هذا الشأن، أما كون استخدامه يناط بالسلطة التقديرية للقاضي فهذا لا يتعلق بجوهر الطبيعة القانونية للعذر بقدر ما يتعلق بالآثار المترتبة عليه والتي يملك المشرع أن يغير فيها تبعاً لسياسته في التجريم والعقاب، ونظراً لأن هذا العذر المخفف جوازي وليس وجوبية فأنه لا يؤثر على الطبيعة القانونية للجريمة حيث تظل جناية.(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 263)
كون المجني عليه جريح حرب : نصت على هذا الظرف المادة 251 مکرراً من قانون العقوبات التي وردت في نهاية الباب الأول من الكتاب الثالث المخصص للقتل والجرح والضرب ويسرى حكمها على جميع الجرائم الواردة فيه، ولهذا الظرف ذات نطاق سبق الإصرار والترصد.
ويتطلب هذا الظرف ذات الشرطين اللذين يتطلبهما في القتل، إذا المادة 251 مکرراً من قانون العقوبات قد حددت شروطه بالنسبة لفئتي الجرائم وأعطته ذات المدلول، فيتعين أن يكون المجني عليه جريحاً، وأن يكون سبب جراحه راجعاً إلى العمليات الحربية، ويتعين أن يرتكب الفعل خلال الوقت الذي تعتبر حالة الحرب خلاله قائمة.
وإذا توافر هذا الظرف وقعت عقوبة الجرح أو الضرب المقترن بسبق الإصرار أو الترصد ،ويقتضي ذلك تحديد درجة جسامة الأذى الذي نزل بالمجنى عليه، وتبين العقوبة التي يقررها القانون للجرح أو الضرب الذي أفضى إلى أذى بهذه الجسامة ثم تغليظها على النحو الذي تغلظ به عند توافر سبق الإصرار أو الترصد.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 559)
تجاوز حدود الدفاع الشرعي
ماهية التجاوز: تجاوز حدود الدفاع الشرعي هو انتفاء التناسب بين جسامة فعل الدفاع والخطر الذي هدد المعتدى عليه، وذلك على الرغم من توافر سائر شروط الدفاع الشرعي، وفي تعبير آخر یعني التجاوز استعمال قدر من القوة يزيد على ما كان كافياً لدرء الخطر، وعلى ذلك فليس المقصود انتفاء أي شرط من شروط الدفاع الشرعي، وإنما المقصود انتفاء شرط معين منها هو التناسب، أما إذا انتفی شرط سواه فليس للدفاع الشرعي وجود، ولذلك لا يكون محل للبحث في تجاوز حدوده، لأن هذا البحث محله أن يثبت أولاً قيام الحق، وعلى هذا النحو، فإن شروط الدفاع الشرعي نوعان : نوع لازم لقيام الحق ، ونوع لازم للبقاء في حدوده.
حكم القواعد العامة في التجاوز إذا انتفى التناسب فقد انتفى شرط للدفاع الشرعي، فلا يكون للإباحة - طبقاً للقواعد العامة - محل، وبذلك يعد فعل الدفاع غير مشروع، ولتحديد مسئولية المتجاوز يتعين التمييز بين حالات ثلاث : إذا كان الخروج على حدود الدفاع الشرعی عمدياً، أي كان المدافع مدركاً جسامة الخطر وفي وسعه رده بفعل متناسب معه ولكنه فضل اللجوء إلى قوة تزيد على ذلك، فهو مسئول مسئولية عمدية كاملة، أما إذا كان خروجه على هذه الحدود ثمرة الخطأ غير العمدي، كأن حدد جسامة الخطر أو جسامة فعل الدفاع على نحو غير صحيح في حين كان في وسعه التحديد الصحيح، فهو مسئول مسئولية غير عمدية، وفي النهاية لا يكون محل المسئولية المدافع إذا ثبت تجرد فعله من العمد والخطأ معاً، كما لو كان التجاوز ولید الاضطراب ودقة الموقف اللذين بلغا حداً أزال كل سيطرة لإرادته على فعله ، وتعليل انتفاء المسئولية هو انتفاء الركن المعنوي للجريمة.
حكم القانون في التجاوز: نصت المادة 251 من قانون العقوبات على أنه «لا يعفى من العقاب بالكلية من تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه دون أن يكون قاصداً إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع، ومع ذلك يجوز للقاضي إذا كان الفعل جناية أن يعده معذوراً إذا رأى محلاً وأن يحكم عليه بالحبس بدلاً من العقوبة المقررة في القانون، ولدراسة هذا الحكم يتعين بيان أنواع التجاوز، وحكم كل نوع، وتحديد سلطة القاضي وفقاً لهذا النص، ومدى ما لمحكمة النقض من رقابة عليه، وفي النهاية يتعين الفصل فيما إذا كان هذا النص يقرر عذراً قانونياً أو ظرفاً مخففاً.
أنواع التجاوز: يفرق القانون بين نوعين من التجاوز : التجاوز بنية سليمة والتجاوز دون هذه النية، وضابط التفرقة هو النية، وقد عرف القانون المدافع ذا النية السليمة بأنه «من لا يقصد إحداث ضرر أشد مما يستلزمه الدفاع»، وفي تعبير آخر يعني حسن النية اعتقاد المدافع أن القانون يخوله ارتكاب ما ارتكبه، وأن ما ارتكبه هو السبيل الوحيد والملائم لدرء الخطر، ونرى أن ضابط التفرقة بين نوعي التجاوز هو توافر الخطأ غير العمدي أو توافر العمد، فإن لم يتوافر غير الخطأ فالتجاوز بنية سليمة، أما إذا تعمد المدافع تخطى حدود الدفاع فالتجاوز غير مقترن بنية سليمة، وإلى جانب هذين النوعين، يوجد النوع الثالث حيث لا يقترن التجاوز بعمد أو خطأ، ولم ينص القانون على هذا النوع، ولكن لا شك في وجوده وحكمه، إذ لا يتصور أن تقوم المسئولية دون رکن معنوي.
حكم كل نوع من أنواع التجاوز إذا كان التجاوز بغير نية سليمة، أي كان مقترناً بالعمد فالقانون يترك حكمه للقواعد العامة، وهذه تقرر أن يسأل المدافع عن جريمته عمداً ويوقع عليه العقاب المقرر لها، وللقاضي أن يخفف عنه العقاب إذا التمس له ظرفاً مخففاً.
وإذا كان التجاوز بنية سليمة، فالقانون يقرر تخفيف عقاب المدافع : فيجوز للقاضي أن يحكم عليه بالحبس بدلاً من العقوبة المقررة في القانون، والتخفيف الذي يقرره القانون جوازي: فإذا قدر القاضي أن المتهم غير جدير به، فله أن يحكم بالعقوبة العادية المقررة للجريمة، وإذا رأى جدارته بالتخفيف، فله أن يطبق المادة 17 من قانون العقوبات الخاصة بالظروف المخففة ويهبط بالعقوبة في الحدود التي تقررها، وإذا تبين للقاضي أن المتهم جدير بقدر من التخفيف يجاوز ما تسمح به المادة 17 من قانون العقوبات، فله أن يطبق المادة 251 منه الخاصة بالتجاوز المقترن بنية سليمة، وهذه تسمح له أن يحكم بالحبس الذي يجوز أن يهبط إلى حده الأدنى، وهو أربع وعشرون ساعة، والحكم الذي يقرره القانون لهذا النوع من التجاوز يتضمن خروجاً على القواعد العامة، إذ كانت تقضي بأن يسأل المدافع عن تجاوزه مسئولية غير عمدية، وأن توقع عليه العقوبة المقررة لجريمته بوصفها غير عمدية إذا كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف، ولكن القانون يخفف العقاب دون تقيد بهذه القواعد، بل ويجيز أن توقع عليه العقوبة المقررة لجريمته بوصفها عمدية .
وإذا كان التجاوز غير مقترن بعمد أو خطأ، فلم ينص القانون عليه تاركاً حكمه للقواعد العامة، وهذه القواعد تقرر عدم توقيع العقاب علی المدافع، إذ لم يتوافر لجريمته ركن معنوي، ولا يسوغ القول بأن هذا النوع يعد من قبيل «التجاوز بنية سليمة»، وأن العقاب المخفف يوقع من أجله، إذ لا دليل على أن الشارع قد أراد بالمادة 251 من قانون العقوبات أن يخالف إحدى القواعد الأساسية في القانون، ولذلك نرى أن هذه القاعدة تقيد مطلق النص .
سلطة قاضي الموضوع في القول بالتجاوز ورقابة محكمة النقض عليه : القول بتجاوز المدافع حدود الدفاع الشرعي من اختصاص قاضي الموضوع ، إذ يتطلب بحثاً في وقائع الدعوى ومقارنة بين جسامة الخطر وجسامة فعل الدفاع، والقول بتوافر النية السليمة أو انتفائها هو كذلك من شأن قاضي الموضوع ، وتحديد ما إذا كان المتجاوز ذو النية السليمة جديراً بالتخفيف الذي تقرره المادة 251 من قانون العقوبات أم يكفي في شأنه التخفيف الذي تقرره المادة 17 أم أنه جدير بالعقوبة العادية لجريمته يختص به قاضي الموضوع، وفقاً لما يستخلصه من وقائع الدعوى وخاصة ما تعلق بمقدار التجاوز، ولا يقبل الجدال أمام محكمة النقض فيما يدخل على النحو السابق في سلطة قاضي الموضوع.
ولكن لمحكمة النقض أن تراقب استنتاج قاضي الموضوع، فإذا كان ما استخلصه لا يتفق عقلاً وما أثبته من وقائع، فلمحكمة النقض أن تصحح حكمه، كما لو أثبت انتفاء شرط من شروط الدفاع الشرعي غير التناسب وقال باعتبار المتهم متجاوزاً حدود حقه ،إذ الفرض أن الحق لم ينشأ على الإطلاق، أو أثبت توافر شروط الدفاع الشرعي فيما عدا التناسب ثم أنكر على المتهم الحق في الدفاع الشرعي، فالقاضي في هذه الحالات قد أخطأ في فهم القانون وتطبيقه، ويعد قاضى الموضوع مخطئاً كذلك إن أثبت تجاوز حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة وقضى على المتهم بالحد الأقصى العقوبة جريمته، فعلى الرغم من أن التخفيف جوازي، فثمة تناقض بين اعتبار المتهم متجاوزاً حدود حقه بحسن نية والحكم عليه بأشد عقاب يقرره القانون، ولكن إذا حكم القاضي بعقوبة دون الحد الأقصى، فهو في حدود سلطته التقديرية، ولا تثريب عليه .
تكييف سبب التخفيف الذي تنص عليه المادة 251 من قانون العقوبات : أسباب التخفيف نوعان : أعذار قانونية وظروف قضائية، فالأولى يميزها أن التخفيف عند توافرها وجوبي، في حين أنه في الثانية جوازي، وبالإضافة إلى ذلك، فالقانون ينص على العذر القانوني ويحدد الوقائع التي يقوم عليها، في حين يترك تحديد الظروف القضائية لفطنة القاضي .
ويجمع سبب التخفيف الذي تنص عليه المادة 251 من قانون العقوبات بين خصائص النوعين، فالتخفيف وفقاً له جوازي، ولكن الشارع قد حرص على النص عليه وتحديد سببه، ونحن نری ترجیح اعتباره ظرفاً قضائياً مستندين إلى تمتع القاضي في شأنه بسلطة تقديرية تخول له تخفيف العقاب أو عدم تخفيفه، أما النص عليه في القانون ،فعلته تقدير الشارع أن السلطة التقديرية التي تخولها للقاضي المادة 17 من قانون العقوبات غير كافية فأراد التوسع فيها، وكون القاضي لا يزال يحتفظ بهذه السلطة هو الضابط في اعتبار هذا السبب للتخفيف ظرفاً قضائياً ينص القانون عليه لعلة خاصة.(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة:254)
مفاد نص المادة 251 عقوبات أن شروط نشوء عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة ثلاثة هي :
أن تكون بصدد حالة دفاع شرعى :
ذلك أن البحث في عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة يقتضي قيام حالة الدفاع الشرعي بالشروط التي تقدم بيانها أما إذا تخلف أحد شروط الدفاع الشرعي كعدم وجود خطر بارتكاب جريمة أو كون هذا الخطر غير حال أو إمكانية الاحتماء برجال السلطة العامة فإن الفعل يكون خارجاً عن نطاق الدفاع الشرعي وليس تجاوزاً له فالبحث في تجاوز حدود الدفاع الشرعي لا يكون إلا إذا توافرت سائر شروطه فيما عدا التناسب بين الاعتداء والدفاع .
أن يحدث التجاوز بنية سليمة :
ومقتضى النية السليمة في عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي هو ألا يكون المدافع قد تعمد إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع على حد تعبير المادة 251 أي أن يكون المدافع معتقداً أنه لايزال في حدود الدفاع الشرعي وأن الفعل لايزال متناسبة مع القدر اللازم من القوة الدفع الاعتداء أو خطر الاعتداء وهذه مسألة موضوعية لاتثير صعوبة عملية تذكر.
ولاينفي هذه النية السليمة توافر قصد إزهاق روح المعتدي لدى المدافع فهذا القصد كما لاينفي بقيامه توافر حالة الدفاع الشرعي فإنه لاینفي كذلك إمكان الاستفادة من عذر تجاوز حدود هذه الحالة إذا كانت جريمة المتعدي لاتسمح بدفعها عن طريق القتل العمد فإن الإباحة التامة تكون متوافرة.
أثر توافر عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي :
إذا تبين لمحكمة الموضوع توافر عذر تجاوز حدود الدافع الشرعي وفقاً لشروط سالفة الذكر فالقانون يقرر تخفيف عقاب المدافع فيجوز للقاضي أن يحكم عليه بالحبس بدلاً من العقوبة المقررة في القانون والتخفيف الذي يقرره القانون جوازي فإذا قدر القاضي أن المتهم غير جدير به فله أن يحكم بالعقوبة العادية المقررة للجريمة كذلك يمكن للمحكمة أن تخفف من عقوبة الجريمة وتستخدم الظروف القضائية المخففة المنصوص عليها في المادة 17 عقوبات أما إذا وجدت أن الظروف تستدعي التخفيف أكثر مما تقضي به المادة 17 فإنها تطبق العذر المنصوص عليه في المادة 21 عقوبات فتنزل بالعقوبة إلى الحبس والحبس قد يصل في حده الأدنى إلى 24 ساعة فقط.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة: 478)
المقصود بتجاوز حدود الدفاع الشرعي :
يقصد بتجاوز حدود الدفاع انتفاء التناسب بين فعل الدفاع والخطر الذي يهدد المدافع، وذلك بالرغم من توافر سائر شروط الدفاع الشرعي.
فالتجاوز يعني انتفاء شرط واحد وهو التناسب، باستعمال قدر من القوة يزيد عما كان كافية لدرء الخطر، أما إذا انتفی شرط سواه - كأن يكون الخطر غير حال، أو يمكن توقيه باللجوء لرجال السلطة العامة – فلا يقوم حق الدفاع الشرعي، وبالتالي لا يكون هناك محل للبحث في تجاوز حدوده، لأن هذا البحث مناطه أن يثبت أولاً قيام الحق.
التكييف القانوني للأفعال التي تتجاوز حدود الدفاع :
إن الأفعال التي يأتيها المدافع ويتجاوز بها حدود الدفاع تكون جريمة عمدية، ذلك لأن الأفعال التي يأتيها المدافع متجاوز حدود الدفاع يعلم بها ويريد إحداثها هي والنتيجة التي ترتبت عليها، والعلم والإرادة بهذا التصوير كافيان لتوافر القصد الجنائي لديه، وبالتالي يكون ما وقع منه مكونة جريمة عمدية، ولا يمكن أن تكون الأفعال التي تتجاوز حدود الدفاع جريمة خطيئة إلا إذا كان المدافع لا يريد إحداث النتيجة ولكنها تقع عن رعونة أو طیش، كما لو تعمد المدافع إصابة السارق في ساقه فلا يحكم التصويت وتصيب الرصاصة مقتلاً منه، ففي هذه الحالة يعاقب عن جريمة خطئية تطبيقاً للقواعد العامة.
أثر تناسب أفعال الدفاع مع الخطر الذي يهدد المدافع:
وانتفاء التناسب يؤدي إلى عدم قيام سبب الإباحة، وبذلك تصبح الأفعال التي تتعدى حدود الدفاع أفعالاً غير مشروعة ومكونة لجريمة عمدية، غير أن المشرع قدر دقة موقف المدافع الحسن النية الذي اعتقد أن ما لجأ إليه هو السبيل الوحيد لرد الإعتداء، فاعتبره معذورة، وتقدير قيام العذر من عدمه مسألة موضوعية يفصل فيها قاضي الموضوع، فهو الذي يبت أولاً في قيام حق الدفاع الشرعي، ثم هو الذي يبت في حسن نية المدافع، فإذا تبين للمحكمة توافر العذر تعين عليها أن تحكم على المدافع بالحبس بدلاً من عقوبة الجناية التي وقعت منه، وقد يبدو من ظاهر النص أن الحكم بالحبس جوازي للمحكمة، فلها أن تحكم به أو تحكم بعقوبة الجناية المقررة أصلاً، غير أن هذا النظر غير سليم، فكل ما للمحكمة هو حرية تقدير توافر العذر أولاً، فإذا قالت بقيامه تعين عليها أن تحكم بالحبس.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة:644)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 256
(مادة 526)
يجب في جميع الأحوال أن يكون الدفاع الشرعي بالقدر المناسب واللازم لدفع الخطر.
ومع ذلك إذا جاوز المدافع بحسن نية حق الدفاع الشرعي حال إستعماله إياه - عد معذوراً ، وحكم عليه القاضي بعقوبة الحبس أو الغرامة التي لا تجاوز ثلاثمائة جنيه إذا كان الفعل جناية ، وبالغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه إذا كان الفعل جنحة.
کا يجوز له الحكم بالعفو في الحالتين .
الجرائم الواقعة على الأشخاص
الفصل الأول
المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه
المواد من (510) - (529):
أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي :
١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب، أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) .
وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة .
2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة.
3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح.
4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع .
والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل .
5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .
6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .
7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر .
واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .
8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع .
9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم .
10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 103
صِيَالٌ
التَّعْرِيفُ:
الصِّيَالُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ صَالَ يَصُولُ، إِذَا قَدِمَ بِجَرَاءَةٍ وَقُوَّةٍ، وَهُوَ: الاِسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ وَالاِسْتِعْلاَءُ عَلَى الْغَيْرِ.
وَيُقَالُ: صَاوَلَهُ مُصَاوَلَةً، وَصِيَالاً، وَصِيَالَةً، أَيْ: غَالَبَهُ وَنَافَسَهُ فِي الصَّوْلِ، وَصَالَ عَلَيْهِ، أَيْ: سَطَا عَلَيْهِ لِيَقْهَرَهُ، وَالصَّائِلُ: الظَّالِمُ، وَالصَّئُولُ: الشَّدِيدُ الصَّوْلِ، وَالصَّوْلَةُ: السَّطْوَةُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا، وَصَؤُلَ الْبَعِيرُ: إِذَا صَارَ يَقْتُلُ النَّاسَ وَيَعْدُو عَلَيْهِمْ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الصِّيَالُ الاِسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبُغَاةُ:
الْبَغْيُ: الظُّلْمُ وَالاِعْتِدَاءُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ.
وَالْبُغَاةُ هُمْ: قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، خَالَفُوا الإْمَامَ الْحَقَّ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الاِنْقِيَادِ لَهُ، أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ، بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ، وَتَأْوِيلٍ لاَ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ .
ب - الْمُحَارِبُ.
وَهُوَ: قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ، أَوْ أَخْذِ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ وَالصَّائِلُ أَعَمُّ مِنْهُ، لأِنَّهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
- الصِّيَالُ حَرَامٌ، لأِنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) وَقَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» .
دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّائِلُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، عَاقِلاً أَوْ مَجْنُونًا، بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا، مَعْصُومَ الدَّمِ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ.
وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فَالاِسْتِسْلاَمُ لِلصَّائِلِ إِلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ لِلتَّهْلُكَةِ، لِذَا كَانَ الدِّفَاعُ عَنْهَا وَاجِبًا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ) وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - يُرِيدُ قَتْلَهُ - فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ» .
وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ، يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا، وَلأِنَّهُ قَدَرَ عَلَى إِحْيَاءِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، كَالْمُضْطَرِّ لأِكْلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّائِلُ كَافِرًا، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَجَبَ الدِّفَاعُ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْكَافِرُ مَعْصُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ، إِذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لاَ حُرْمَةَ لَهُ، وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ، وَلأِنَّ الاِسْتِسْلاَمَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ فِي الدِّينِ، وَفِي حُكْمِهِ كُلُّ مَهْدُورِ الدَّمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجِنَايَاتِ.
كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْبَهِيمَةِ الصَّائِلَةِ، لأِنَّهَا تُذْبَحُ لاِسْتِبْقَاءِ الآْدَمِيِّ، فَلاَ وَجْهَ لِلاِسْتِسْلاَمِ لَهَا، مِثْلُهَا مَا لَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَنَحْوُهَا عَلَى إِنْسَانٍ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إِلاَّ بِكَسْرِهَا.
أَمَّا إِنْ كَانَ الصَّائِلُ مُسْلِمًا غَيْرَ مَهْدُورِ الدَّمِ فَلاَ يَجِبُ دَفْعُهُ فِي الأْظْهَرِ، بَلْ يَجُوزُ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَنُّ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: كُنْ كَابْنِ آدَمَ» يَعْنِي هَابِيلَ - وَلِمَا وَرَدَ عَنِ الأْحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلاَحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» وَلأِنَّ عُثْمَانَ رضى الله عنه تَرَكَ الْقِتَالَ مَعَ إِمْكَانِهِ، وَمَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ نَفْسَهُ، وَمَنَعَ حُرَّاسَهُ مِنَ الدِّفَاعِ عَنْهُ - وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ يَوْمَ الدَّارِ - وَقَالَ: مَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ رضى الله عنهم فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، مَعْصُومَ الدَّمِ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) .
وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّائِلُ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَلاَ يَجُوزُ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُمَا؛ لأِنَّهُمَا لاَ إِثْمَ عَلَيْهِمَا كَالْبَهِيمَةِ.
وَاسْتَثْنَى الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَسَائِلَ مِنْهَا:
أ - لَوْ كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَالِمًا تَوَحَّدَ فِي عَصْرِهِ، أَوْ خَلِيفَةً تَفَرَّدَ، بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَتْلِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَيَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ.
ب - لَوْ أَرَادَ الصَّائِلُ قَطْعَ عُضْوِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ دَفْعُهُ لاِنْتِفَاءِ عِلَّةِ الشَّهَادَةِ.
قَالَ الأْذْرَعِيُّ رحمه الله: وَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ عُضْوٍ عِنْدَ ظَنِّ السَّلاَمَةِ، وَعَنْ نَفْسٍ ظَنَّ بِقَتْلِهَا مَفَاسِدَ فِي الْحَرِيمِ وَالْمَالِ وَالأْوْلاَدِ.
ج - قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: إِنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَهُ دَفْعَ الصَّائِلِ بِغَيْرِ قَتْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ وَإِلاَّ فَلاَ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَنِ النَّفْسِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْفِتْنَةِ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا.
أَمَّا فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ» وَلأِنَّ عُثْمَانَ رضى الله عنه تَرَكَ الْقِتَالَ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ غَيْرَهُ قِتَالَهُمْ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لأَنْكَرَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ذَلِكَ .
قَتْلُ الصَّائِلِ وَضَمَانُهُ:
إِنْ قَتَلَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ الصَّائِلَ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ وَنَحْوِهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ.
أَمَّا إِذَا تَمَكَّنَ الصَّائِلُ مِنْ قَتْلِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.
وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ الصَّائِلِ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ يَضْمَنُ الْبَهِيمَةَ الصَّائِلَةَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِهِ، لأِنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ لإِحْيَاءِ نَفْسِهِ، كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ إِذَا أَكَلَهُ.
وَمِثْلُ الْبَهِيمَةِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَيَضْمَنُهُمَا إِذَا قَتَلَهُمَا، لأِنَّهُمَا لاَ يَمْلِكَانِ إِبَاحَةَ أَنْفُسِهِمَا، وَلِذَلِكَ لَوِ ارْتَدَّا لَمْ يُقْتَلاَ.. لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّ قَاتِلِ الصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ الصَّائِلَيْنِ الدِّيَةُ لاَ الْقِصَاصُ؛ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي حَقِّ قَاتِلِ الْبَهِيمَةِ فَهُوَ الْقِيمَةُ .
وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالأْخَفِّ فَالأْخَفِّ إِنْ أَمْكَنَ ، فَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِكَلاَمٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ بِالنَّاسِ حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ بِسَوْطٍ، أَوْ بِسَوْطٍ حَرُمَ بِعَصًا، أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ دَفْعُهُ بِقَتْلٍ، لأِنَّ ذَلِكَ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ فِي الأْثْقَلِ مَعَ إِمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِالأْخَفِّ.
وَعَلَيْهِ فَلَوِ انْدَفَعَ شَرُّهُ بِشَيْءٍ آخَرَ، كَأَنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ، أَوِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَطَّلَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ كُفَى شَرُّهُ وَلأِنَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الدَّفْعُ لاَ حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ غَلَبَةُ ظَنِّ الْمَصُولِ عَلَيْهِ، فَلاَ يَكْفِي تَوَهُّمُ الصِّيَالِ، أَوِ الشَّكُّ فِيهِ، فَإِنْ خَالَفَ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ، وَعَدَلَ إِلَى رُتْبَةٍ - مَعَ إِمْكَانِ دَفْعِهِ بِمَا دُونَهَا - ضَمِنَ، فَإِنْ وَلَّى الصَّائِلُ هَارِبًا فَاتَّبَعَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ، وَقَتَلَهُ ضَمِنَ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، وَكَذَا إِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ ثُمَّ وَلَّى هَارِبًا فَضَرَبَهُ ثَانِيَةً وَقَطَعَ رِجْلَهُ مَثَلاً فَالرِّجْلُ مَضْمُونَةٌ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، فَإِنْ مَاتَ الصَّائِلُ مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ فَعَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لأِنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ.
وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا مِنْهَا:
أ - لَوْ كَانَ الصَّائِلُ يَنْدَفِعُ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا وَنَحْوِهِمَا، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ لاَ يَجِدُ إِلاَّ السَّيْفَ فَلَهُ الضَّرْبُ بِهِ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إِلاَّ بِهِ، وَلَيْسَ بِمُقَصِّرٍ فِي تَرْكِ اسْتِصْحَابِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ.
ب - لَوِ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا، وَاشْتَدَّ الأْمْرُ عَنِ الضَّبْطِ فَلَهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا لَدَيْهِ، دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ.
ج - إِذَا ظَنَّ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّائِلَ لاَ يَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالْقَتْلِ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا إِنْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ هُوَ بِهِ فَلَهُ ضَرْبُهُ بِمَا يَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْطَعُ طَرَفَهُ. وَيُصَدَّقُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ إِمْكَانِ التَّخَلُّصِ بِدُونِ مَا دَفَعَ بِهِ، لِعُسْرِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ.
د - إِذَا كَانَ الصَّائِلُ مُهْدَرَ الدَّمِ - كَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ - فَلاَ تَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي حَقِّهِ بَلْ لَهُ الْعُدُولُ إِلَى قَتْلِهِ، لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ .
الْهَرَبُ مِنَ الصَّائِلِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْهَرَبِ مِنَ الصَّائِلِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَهْرُبَ أَوْ يَلْتَجِئَ إِلَى حِصْنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ حَاكِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقِتَالُ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالأْهْوَنِ فَالأْهْوَنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى الأْشَدِّ مَعَ إِمْكَانِ الأْسْهَلِ وَلأِنَّهُ أَمْكَنَهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ إِضْرَارِ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِوُجُوبِ الْهَرَبِ أَنْ يَكُونَ بِلاَ مَشَقَّةٍ، فَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ فَلاَ يَجِبُ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الصَّائِلُ مَعْصُومَ الدَّمِ، فَلَوْ صَالَ عَلَيْهِ مُرْتَدٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ لَمْ يَجِبِ الْهَرَبُ وَنَحْوُهُ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ - حَيْثُ وَجَبَ الْهَرَبُ - فَقَاتَلَ وَقَتَلَ الصَّائِلَ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، فِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الأْوْجَهُ، وَلَزِمَتْهُ الدِّيَةُ فِي الْقَوْلِ الآْخَرِ لَهُمْ أَيْضًا.
وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْهَرَبِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ إِقَامَتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ جَائِزَةٌ، فَلاَ يُكَلَّفُ الاِنْصِرَافُ.
وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ إِنْ تَيَقَّنَ النَّجَاةَ بِالْهَرَبِ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ .
الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ:
لاَ يَخْتَلِفُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ إِذَا صَالَ عَلَيْهَا صَائِلٌ - عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ إِذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ مَعْصُومَ الدَّمِ، بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا.
وَاسْتَدَلُّوا فِي وُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ وَأَطْرَافِهِ بِنَفْسِ الأْدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الدِّفَاعَ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ - إِذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا - حُكْمُهُ كَحُكْمِ دِفَاعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ، وَيَنْتَفِي حَيْثُ يَنْتَفِي، إِذْ لاَ يَزِيدُ حَقُّ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ - عِنْدَهُمْ - إِذَا أَمِنَ الْهَلاَكَ عَلَى نَفْسِهِ، إِذْ لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ بَدَلاً عَنْ رُوحِ غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي قِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ فَلاَ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِالْخَوْفِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا أَصَحُّ الطُّرُقِ عِنْدَهُمْ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ آخَرَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
أَوَّلُهُمَا: يَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ قَطْعًا، لأِنَّ لَهُ الإْيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ - أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
ثَانِيهِمَا: لاَ يَجُوزُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ، لأِنَّ شَهْرَ السِّلاَحِ يُحَرِّكُ الْفِتَنَ، وَخَاصَّةً فِي مَجَالِ نُصْرَةِ الآْخَرِينَ، وَلَيْسَ الدِّفَاعُ عَنِ الْغَيْرِ مِنْ شَأْنِ آحَادِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَظِيفَةُ الإْمَامِ وَوُلاَةِ الأْمُورِ.
وَيَجْرِي هَذَا الْخِلاَفُ فِي الْمَذْهَبِ بِالنِّسْبَةِ لآِحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإْمَامُ وَغَيْرُهُ - مِنَ الْوُلاَةِ - فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى نَفْسِ الْغَيْرِ اتِّفَاقًا .
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ، وَمَعَ ظَنِّ سَلاَمَةِ الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ عَنْهُ، وَإِلاَّ حَرُمَ الدِّفَاعُ .
دَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الْعِرْضِ:
- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى بُضْعِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِ أَهْلِهِ، لأِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَمِثْلُ الزِّنَا بِالْبُضْعِ فِي الْحَكَمِ مُقَدِّمَاتُهُ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ حَتَّى لَوْ أَدَّى إِلَى قَتْلِ الصَّائِلِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. بَلْ إِنْ قُتِلَ الدَّافِعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهُوَ شَهِيدٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .
وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى - وَهُوَ مَنْعُ الْفَاحِشَةِ - وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» .
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطُوا لِوُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْ عِرْضِهِ وَعِرْضِ غَيْرِهِ: أَنْ لاَ يَخَافَ الدَّافِعُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِ أَعْضَائِهِ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَصُولُ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ الزِّنَا بِهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا إِنْ أَمْكَنَهَا ذَلِكَ، لأِنَّ التَّمْكِينَ مِنْهَا مُحَرَّمٌ، وَفِي تَرْكِ الدَّفْعِ نَوْعُ تَمْكِينٍ، فَإِذَا قَتَلَتِ الصَّائِلَ - وَلَمْ يَكُنْ يَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالْقَتْلِ - فَلاَ تَضْمَنُهُ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً أَضَافَ نَاسًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَأَرَادَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رضى الله عنه: وَاللَّهِ لاَ يُودَى أَبَدًا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .
وَفِي الْمُغْنِي: لَوْ رَأَى رَجُلاً يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ - أَوْ بِامْرَأَةِ غَيْرِهِ - وَهُوَ مُحْصَنٌ فَصَاحَ بِهِ، وَلَمْ يَهْرُبْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنِ الزِّنَا حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلاَ دِيَةَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رضى الله عنه - بَيْنَمَا هُوَ يَتَغَدَّى يَوْمًا إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَعْدُو وَمَعَهُ سَيْفٌ مُجَرَّدٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، فَجَاءَ حَتَّى قَعَدَ مَعَ عُمَرَ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَأَقْبَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا قَتَلَ صَاحِبَنَا مَعَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: إِنَّهُ ضَرَبَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ بِالسَّيْفِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ فَقَدْ قَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ فَأَصَابَ وَسَطَ الرَّجُلِ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ .
- وَإِذَا قَتَلَ رَجُلاً، وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ بَيْتَهُ، فَإِذَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهَا وَقَتَلَهُ، قَالَ عَلِيٌّ: إِنْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَإِلاَّ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ، وَلأِنَّ الأْصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ، فَلاَ يَسْقُطُ حُكْمُ الْقَتْلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.
إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْبَيِّنَةِ.
فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّهَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، لِخَبَرِ عَلِيٍّ السَّابِقِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ «سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضى الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعِهِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ». الْحَدِيثَ .
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَكْفِي شَاهِدَانِ، لأِنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ عَلَى وُجُودِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الزِّنَا .
وَكَذَا لَوْ قَتَلَ رَجُلاً فِي دَارِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ عَلَى مَنْزِلِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ، قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ قِصَاصًا ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنَ الْقَاتِلِ فِي الْقِيَاسِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فِي الاِسْتِحْسَانِ، لأِنَّ دَلاَلَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لاَ الْمَالِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلاَ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ يَحْضُرُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ قَوْلُهَا: دَخَلَ دَارَهُ شَاهِرًا السِّلاَحَ، وَلاَ يَكْفِي قَوْلُهَا: دَخَلَ بِسِلاَحٍ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ، إِلاَّ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ يُعْرَفُ بِفَسَادٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا مُقْبِلاً إِلَى هَذَا بِالسِّلاَحِ الْمَشْهُورِ فَضَرَبَهُ هَذَا، فَقَدْ هُدِرَ دَمُهُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ دَاخِلاً دَارَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلاَحًا، أَوْ ذَكَرُوا سِلاَحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ لِحَاجَةٍ، وَمُجَرَّدُ الدُّخُولِ لاَ يُوجِبُ إِهْدَارَ دَمِهِ.
وَإِنْ تَجَارَحَ رَجُلاَنِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا قَائِلاً: إِنِّي جَرَحْتُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِي، حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا جَرَحَهُ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الآْخَرِ مَا يُنْكِرُهُ، وَالأْصْلُ عَدَمُهُ .
وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص، شَهَادَة).
دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى الْمَالِ:
- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى الْمَالِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» . وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ. فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى مَالِهِ إِلاَّ بِالْقَتْلِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .
وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ. فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ رَأَى رَجُلاً يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ، أَوْ رَأَى رَجُلاً يَثْقُبُ حَائِطَهُ، أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ .
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِلْوُجُوبِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَخْذِهِ هَلاَكٌ، أَوْ شِدَّةُ أَذًى، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ الدَّفْعُ اتِّفَاقًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنِ الْمَالِ، لأِنَّهُ يَجُوزُ إِبَاحَتُهُ لِلْغَيْرِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَا رُوحٍ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْهُ، قَالَ الإْمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا إِنْ كَانَ مَالَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ وَقْفٍ أَوْ مَالاً مُودَعًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ عَلَى بُضْعٍ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى شَخْصًا يُتْلِفُ حَيَوَانَ نَفْسِهِ إِتْلاَفًا مُحَرَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، مِنْ بَابِ الأْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
كَمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ الصَّائِلَ عَلَى الْمَالِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالأْدِلَّةِ السَّابِقَةِ بِالْقِتَالِ وَالْقَتْلِ، وَبَيْنَ الأْمْرِ بِالْقِتَالِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، قَالَ تَعَالَى: ) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» وَقَالَ أَيْضًا: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».
وَيُسْتَثْنَى عِنْدَهُمْ مِنْ جَوَازِ الدِّفَاعِ عَنِ الْمَالِ صُورَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لَوْ قَصَدَ مُضْطَرٌّ طَعَامَ غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ لِمَالِكِهِ دَفْعُهُ عَنْهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا مِثْلَهُ، فَإِنْ قَتَلَ الْمَالِكُ الصَّائِلَ الْمُضْطَرَّ إِلَى الطَّعَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَالأْخْرَى: إِذَا كَانَ الصَّائِلُ مُكْرَهًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالِ غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْهُ، بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ، كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ.
قَالَ الأْذْرَعِيُّ: وَهَذَا فِي آحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإْمَامُ وَنُوَّابُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الدِّفَاعُ عَنْ أَمْوَالِ رَعَايَاهُمْ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: لاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلاَ مَالِ غَيْرِهِ، وَلاَ حِفْظِهِ مِنَ الضَّيَاعِ وَالْهَلاَكِ، لأِنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُهُ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُ ظُلْمًا. وَتَرْكُ الْقِتَالِ عَلَى مَالِهِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِتَالِ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ.
أَمَّا دَفْعُ الإْنْسَانِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ ظَنِّ سَلاَمَةِ الدَّافِعِ وَالصَّائِلِ، وَإِلاَّ حُرِّمَ الدِّفَاعُ.
قَالُوا: وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعُونَةُ غَيْرِهِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ مَالِهِ مَعَ ظَنِّ السَّلاَمَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» ، وَلأِنَّهُ لَوْلاَ التَّعَاوُنُ لَذَهَبَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ وَأَنْفُسُهُمْ، لأِنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إِذَا انْفَرَدُوا بِأَخْذِ مَالِ إِنْسَانٍ - وَلَمْ يُعِنْهُ غَيْرُهُ - فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْكُلِّ، وَاحِدًا وَاحِدًا .