موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث،
وقد جاء بتعليقات الحقانية على قانون سنة 1904 تعليقا على نص المادتين 219، 220 منه والمقابلتين للنص الحالي بأن الحالة الأكثر وقوعاً عادة والتي ينطبق عليها النص هي التي يحرق فيها إنسان أشياء يملكها ليقبض مبلغاً طائلاً كانت أشياؤه مؤمنة عليه وليس هذا الفعل عبارة عن تدليس فقط بل هو يسبب خطراً كبيراً عاماً.
جاء حكم هذه المادة مكملاً لحكم المادة 253 السابقة عليها وذلك أن الشارع لم ير أن يترك المالك الذي يحرق ملكه غير المسكون ولا المعد للسكن بغير عقاب في كل الأحوال بل رأى أنه قد يترتب على هذا الفعل مساس بحقوق الغير في بعض الأحوال وليس من المستصوب أن يترك المالك بغير عقاب ولو تعمداً إحراق ملكه بقصد الإضرار بهذه الحقوق، فلهذا وضع له العقاب المنصوص عليه في المادة 254 عقوبات وهو على كل حال أخف من العقاب المقرر لمن يحرق ملك غيره لأن النص أجاز الحكم في هذه الحالة بالسجن بدلاً من الأشغال الشاقة المؤقتة وفيما مضى كان إحراق الإنسان ملكه من الأعمال الخاسرة التي لايرجى من ورائها فائدة ولذا كانت حوادثه نادرة جداً وكان الشراح الأقدمون في شك من أن هذا الأمر جريمة أما الآن فإن انتشار التأمين من الحريق قد أدى إلى تعدد الحوادث التي يعمد فيها الإنسان إلى إحراق ملكه رغبة في الحصول على مبلغ التعويض سواء أكان هذا المبلغ مساوياً لقيمة الشئ الحقيقة أو زائداً عنها.
للجريمة المنصوص عليها بالمادة 254 من قانون العقوبات خمسة أركان هی:
1- وضع النار أو فعل الحريق.
2- نوع الأشياء المحرقة.
3- أن يكون محدث الحريق مالكاً للشئ المحرق أو فعل ذلك بأمر مالكه.
4- أن يكون الحريق قد سبب ضرراً للغير.
5- القصد الجنائي.
وفيما يلي تفصيل لازم لكل ركن من الأركان سالفة الذكر :
وضع النار أو فعل الحريق :
سبق الكلام عن هذا الركن بمناسبة شرح أركان الجريمة المنصوص عليها بالمادة 252عقوبات.
نوع الأشياء المحرقة :
تحيل المادة 254 عقوبات فيما يتعلق بنوع الأشياء المحرقة على ما ذكر بالمادة السابقة أى المادة 253 عقوبات وقد سبق أن هذه الأشياء محددة على سبيل الحصر والتحديد فلا يجوز القياس عليها وهذه الأشياء هي المباني أو السفن أو المراكب أو المعامل أو المخازن التي ليست مسكونة أو معدة للسکنی أو معاصر أو سواقي أو آلات رى أو في غابات أو أجمات أو في مزارع غير محصودة.
ملك الشئ المحرق :
من شروط انطباق المادة 254 عقوبات أن يكون الفاعل مالكاً للشيء المحرق ولا يعتبر كذلك إذا كان مالكاً على الشيوع أو بالاشتراك مع غيره وإذا أثير نزاع على الملكية وجب على القاضي الفصل فيه أولاً ويسوي القانون بين المالك ومحدث الحريق بأمر المالك وقد أراد بهذا أن يتفادى ما في تطبيق قواعد الاشتراك العامة من حيف إذ ينبني على تطبيق هذه القواعد أن المالك الذي يأمر غيره بإحداث الحريق يعاقب بعقوبة أشد عقوبة- المادة 253 - مما لو كان هو الفاعل للجناية وأن من يضع النار بأمر المالك يعاقب بعقوبة أشد مما لو كان قد وضع النار في ملكه هو. مع أنه لا محل للتفرقة بين هذه الأحوال والمقصود بكلمة "أمر" الموافقة أو الرضاء فلا يشترط أن يكون هناك أمر بالمعنى الذي قد يفهم من اللفظ. ولا أن يكون هناك تحريض أو إغراء من جانب المالك بل يكفي أن يكون محدث الحريق قد فعل ذلك بموافقة المالك ويعاقب المالك في هذه الحالة باعتباره شريكاً بالاتفاق.
الإضرار بالغير :
هذا الركن هو علة العقاب في هذه الجريمة لأن الأصل أن للمالك حق التصرف في ملكه بكافة أنواع التصرفات ومنها الإتلاف بالنار أو غيرها ولكن، الشارع أراد أن يستثني الحالة التي يكون فيها الإحراق سبباً فى الإضرار بحقوق الغير ومنبعثاً عن الرغبة في إحداث ذلك الضرر عمداً وهذه هي الحالة التي يعاقب عليها القانون في المادة 254 عقوبات فإذا كان الشئ المحرق من الأشياء الواردة على سبيل الحصر في المادة 253 عقوبات وكان محدث الحريق هو مالك ذلك الشئ أو شخصاً آخر وضع النار بأمر المالك للإضرار بالغير ووقع الضرر فعلاً استحق مرتكب الحريق العقاب بالمادة 254 عقوبات.
ويلاحظ أن القانون لم يعين الضرر الذي يستوجب توقيع العقاب ولا درجته فالأمر في تقدير ذلك موكول إلى المحاكم ويقول الشراح أنه لايشترط أن يكون الضرر حالاً بل يكفي أن يكون محتمل الحلول وإنما يجب على كل حال أن يكون الضرر حقيقياً ومباشراً، وكان هناك رأى في الفقه يذهب على أنه ليس بشرط أن يكون الضرر مادياً بل يصح أن يكون أدبياً ولكن هذا الرأي بعيد عن روح التشريع وقد رفعت إلى المحاكم الفرنسية قضية اتهم فيها شخص بإحراق شئ تبين أنه مملوك له بقصد اتهام شخص أخر بإحداث هذا الحريق فقضت محكمة النقض و الإبرام الفرنسية بأن هذا الفعل لا يكون جناية الحريق عمداً بقصد الإضرار بالغير وإنما يصح اعتباره بلاغاً كاذباً مع سوء القصد.
المادة 255 إذا توافرت شروطها وإذا حدث وضع النار بباعث آخر غير الإضرار بالاقتصاد القومی مثل باعث النكاية في رئيس مجلس الإدارة لسخط على قرار صدر منه فلا تقوم الجريمة التي نحن بصددها وإنما تتوافر جناية تعطيل أو توقيف أعمال مصلحة ذات منفعة عامة ويعاقب عليها بالسجن (م 2/ 361 ) أو جناية التعطيل العمدي بأية طريقة كانت لوسيلة من وسائل الإنتاج ويعاقب عليها بالسجن (م 361 مکرراً) (أ).
وأكثر ما يقع من أنواع الجرائم التي ينطبق عليها نص المادة 254 عقوبات أن يحرق المالك ملكه المؤمن عليه لدى إحدى شركات التأمين ليقبض مبلغ التعويض من الشركة ولكن ليست هذه هي الحالة الوحيدة التي تدخل في حكم المادة المذكورة بل يصح أن يدخل في حكمها أيضاً المالك الذي يحرق ملكه ليضر بذلك دائناً له على هذا الملك حق امتياز أو حق رهن عقاري، والمزارع الذي يحرق مزروعاته القائمة على الأرض ليضر بذلك صاحب الأرض الذي أوقع حجزاً على هذه المزروعات، فإذا انعدم الضرر فلا عقاب لانعدام أحد أركان الجريمة فالمالك الذي أمن على منزل له لدى شركة التأمين إذ أحرق إسطبلاً تابعاً لهذا المنزل ليطهره من جراثیم مرض معد نفق به بعض خيله لا يعاقب إذا أخبر شركة التأمين بأنه قد أخرج هذا الإسطبل من عداد المباني المؤمن عليها، وكذلك لا يعاقب الشخص الذي أضرم النار في هذا الإسطبل بأمر المالك .
القصد الجنائي :
لما كان الضرر ركناً في الجريمة فيجب أن ينصرف إليه قصد الجاني فضلاً عن تعمد وضع النار فإذا لم تتوافر هذه النية فلا جريمة كما إذا أحرق المالك شيئاً مؤمناً عليه دون أن تكون لديه نية مطالبة الشركة بمبلغ التأمين وكما إذا جهل المالك أن للغير حقوقاً على الشئ المحرق.
فهذه الجناية إذن تتميز باشتراط نية الغش وهي أن يكون الجاني قد عمد إلى إحراق ملكه بقصد الإضرار بالغير أو الحصول لنفسه أو لغيره على ربح غير مشروع.
عقوبة الجريمة :
يعاقب الجاني في هذه الجريمة بالأشغال بالسجن المشدد أو السجن وإذا رأت المحكمة استعمال الرخصة المخولة لها بمقتضى نص المادة 17 من قانون العقوبات فإن لها أن تنزل درجتين بمعنى أن لها أن تنزل بعقوبة الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة شهور.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 574)
أركان الجريمة:
فضلاً عن الركنين المادي والمعنوي اللازمين في كل جرائم الحريق، يستلزم المشرع هنا ركنين آخرين، وهما أن يكون فاعل الحريق مالكاً وأن يترتب على فعله ضرر للغير.
فمن شروط تطبيق المادة التي نحن بصددها أن يكون الفاعل مالكاً للشيء الحرق، ولا يعتبر كذلك إذا كان مالكة على الشيوع أو بالإشتراك مع غيره، وإذا أثير نزاع على الملكية وجب على القاضي الفصل فيه أولاً.
ويسوي القانون بين المالك ومحدث الحريق بأمر المالك وقد أراد بهذا أن يتفادى ما في تطبيق قواعد الإشتراك العامة من حيف، إذ ينبني على تطبيق هذه القواعد أن المالك الذي يأمر غيره بإحداث الحريق يعاقب بعقوبة أشد - عقوبة المادة (253) - مما لو كان هو الفاعل للجناية، وأن من يضع النار بأمر المالك يعاقب بعقوبة أشد مما لو كان قد وضع النار في ملكه هو، مع أنه لا محل التفرقة بين هذه الأحوال، والمقصود بكلمة "أمر" الموافقة أو الرضاء، فلا يشترط أن يكون هناك أمر بالمعنى الذي قد يفهم من اللفظ، ولا أن يكون هناك تحريض أو إغراء من جانب المالك، فيكفي أن يكون محدث الحريق قد فعل ذلك بموافقةالمالك.
ويعاقب المالك في هذه الحالة باعتباره شريكاً إذا توافرت في حقه أركان الإشتراك، فلا يرتكب جريمة إذا إختلف قصده عن قصد الفاعل بأن كان لا يقصد الإضرار بالغير.
ويستلزم المشرع زيادة على ذلك أن يترتب على الحريق ضرر للغير، فتطبق المادة التي نحن بصددها على المالك الذي يحرق ملكه المؤمن عليه لدى إحدى شركات التأمين ليقبض مبلغ التعويض من الشركة، وعلى مالك الرقبة إذا أحرق ملكه إضراراً بصاحب حق الإنتفاع، وعلى المدين الذي يحرق ملكه إضراراً بالدائن الحاجز أو المرتهن، وعلى المالك المؤجر الذي يضع النار في المكان المؤجر إضراراً بالمستأجر، وهكذا.
والظاهر أن الضرر يجب أن يكون مادياً، فلا تطبق المادة التي نحن بصددها على المالك الذي يحرق ملکه بغرض إتهام شخص آخر بإحداث الحريق، وإنما يصح أن يعد إخباره بلاغ كاذبة.
ولما كان الضرر ركناً في الجريمة فيجب أن ينصرف إليه قصد الجاني فضلاً عن تعمد وضع النار، فإذا لم تتوافر هذه النية فلا جريمة، كما إذا أحرق المالك شيئاً مؤمنين عليه دون أن تكون لديه نية مطالبة الشركة بمبلغ التأمين، وكما إذا جهل المالك أن للغير حقوقاً على الشيء المحرق.
عقوبة الجريمة
يعاقب الجاني في هذه الجريمة بالسجن المشدد أو السجن، وإذا رأت المحكمة استعمال الرخصة المخولة لها بمقتضى نص المادة (17) من قانون العقوبات فإن لها أن تنزل درجتين، بمعنى أن لها أن تنزل بعقوبة الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة شهور.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 702)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني ، الصفحة / 119
الإْحْرَاقُ الْعَمْدُ:
- يُعْتَبَرُ الإْحْرَاقُ بِالنَّارِ عَمْدًا جِنَايَةُ عَمْدٍ. وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعَمْدِ؛ لأِنَّ هَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْمُحَدَّدِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي (الْجِنَايَاتِ) .
الْقِصَاصُ بِالإْحْرَاقِ:
- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ؛ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى قَتْلِ الْقَاتِلِ بِمَا قَتَلَ بِهِ وَلَوْ نَارًا. وَيَكُونُ الْقِصَاصُ بِالنَّارِ مُسْتَثْنًى مِنَ النَّهْيِ عَنِ التَّعْذِيبِ بِهَا. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ، وَفِيهِ: «مَنْ حَرَقَ حَرَقْنَاهُ» .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ الْقَوَدَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالسَّيْفِ وَإِنْ قَتَلَ بِغَيْرِهِ، فَلَوِ اقْتَصَّ مِنْهُ بِالإْلْقَاءِ فِي النَّارِ عُزِّرَ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا: «لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ». وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَالطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ .