loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- الإسقاط هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان ، و متى تم ذلك فإن أركان الجريمة تتوافر و لو ظل الحمل فى رحم الحامل بسبب وفاتها و ليس فى إستعمال القانون لفظ " الإسقاط " ما يفيد أن خروج الحمل من الرحم - فى مثل هذه الحالة - ركن من أركان الجريمة ، ذلك بأنه يستفاد من نصوص قانون العقوبات المتعلقة بجريمة الإسقاط أن المشرع إفترض بقاء الأم على قيد الحياة و لذلك إستخدم لفظ الإسقاط ، و لكن ذلك لا ينفى قيام الجريمة متى إنتهت حالة الحمل قبل الأوان و لو ظل الحمل فى الرحم بسبب وفاة الحامل .

(الطعن رقم 1127 لسنة 40 جلسة 1970/12/27 س21 ع 3 ص 1250 ق 302)

2- المادة 60 من قانون العقوبات إنما تبيح الأفعال التى ترتكب عملاً بحق قرره القانون بصفة عامة ، وتحريم الشارع للإسقاط يحول دون اعتبار هذا الفعل مرتبطا بحق وإنما يجعل منه إذا وقع جريمة يستحق جانيها العقاب الذى فرضه الشارع لفعلته ، فلا يكون مقبولا ما عرض إليه المتهم فى دفاعه أمام محكمة الموضوع من أن الشريعة الإسلامية تبيح إجهاض الجنين الذى لم يتجاوز عمره أربعة شهور وأن المادة 60 من قانون العقوبات تبيح ما تبيحه الشريعة .

(الطعن رقم 1193 لسنة 29 جلسة 1959/11/23 س 10 ع 3 ص 952 ق 195)

3- إن رضاء الحامل بالإسقاط لا يؤثر على قيام الجريمة ، ذلك أن النفس البشرية حرمة و لا تستباح بالإباحة . و من ثم فإن ذهاب المجنى عليها برضاها إلى المحكوم عليه الأول ليجرى لها عملية الإسقاط و وفاتها بسبب ذلك لا ينفى خطأ المحكوم عليه المذكور ، و ليس فى مسلك المجنى عليها ما يقطع علاقة السببية بين فعل المسقط و بين وفاة المجنى عليها .

(الطعن رقم 1127 لسنة 40 جلسة 1970/12/27 س 21ع 3 ص 1250 ق 302)

4- لما كان الحكم المطعون فيه وقد دان الطاعنين بجريمة الاشتراك مع المتهمتين الأولى والثانية فى جريمة إسقاط إمرأة حبلى بإعطائها أدوية واستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك فقد كان عليه أن يستظهر فى مدوناته عناصر هذا الاشتراك وطريقته أو يبين الأدلة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها .

(الطعن رقم 23796 لسنة 66 جلسة 1998/11/04 س 49 ص 1206 ق 167)

5- لما كان مؤدى ما حصله الحكم أن الطاعن بعد أن وقع الكشف الطبي على المجني عليه وتبين حملها، عمد إلى إجراء عملية تفريغ رحمها، فإن فى ذلك ما يكفي لبيان تعمده إنهاء الحمل قبل الأوان وهو ما يتحقق به الركن المعنوي فى جريمة الإسقاط التي دانه بارتكابها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذه الصدد يكون غير سديد.

(الطعن رقم 5699 لسنة 62 جلسة 2000/11/16 س 51 ص 727 ق 144)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 261عقوبات على أن " كل من أسقط عمدا امرأة حبلى بإعطائها أدوية أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدلالتها عليها سواء كان برضائها أم لايعاقب بالحبس " والجريمة هنا جنحة يستعمل فيها الجاني أية وسيلة أخرى غير الضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء يستوي فيها أن تكون المرأة راضية بالإجهاض أو غير راضية ويعتبر الجانى فاعلاً أصلياً ولو اقتصر دوره على مجرد دلالة الحامل على الوسائل المجهضة.

وخلاصة ذلك أن العبرة برضاء المرأة الحبلى بالإسقاط من عدمه فإن رضيت به فالواقعة جنحة ومهما كانت الوسيلة المستعملة أى ولو كانت الضرب وهنا ينطبق نص المادة 261 عقوبات أما إذا كان الإسقاط بغير رضاء المرأة الحامل فإنه هنا يكون الجنائية المنصوص عليها بالمادة 290 عقوبات إذا كانت الوسيلة الضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء ذلك أن الإسقاط في هذه الحالة جريمة ضد الجنين والأم.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة :  608)

إجهاض الغير للحامل

إجهاض الغير للحامل في صورته البسيطة نصت عليه المادة 241 من قانون العقوبات ؛ ولكن لهذه الجريمة صورتين مشددتين : يقوم الظرف المشدد في أولاهما على استعمال العنف في الإجهاض وعدم رضاء الحامل به، ويقوم الظرف المشدد في ثانيتهما على توافر صفة معينة للمجهض .

 إجهاض الغير الحامل في صورته البسيطة : نصت على هذه الجريمة المادة 261 من قانون العقوبات في قولها « كل من أسقط عمداً امرأة حبلى باعطائها أدوية أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدلالتها عليها سواء برضائها أم لا يعاقب بالحبس» . تتطلب هذه الجريمة توافر الأركان العامة للإجهاض ؛ وتتطلب بالإضافة إلى ذلك ركنين سلبيين تتميز بهما عن جريمة الإجهاض الأخرى وعن صورتها المشددة، وتفترض أن المتهم شخص غير الحامل ، وتفترض تجرد وسيلة الإجهاض عن العنف، وسواء أكانت الحامل راضية بالفعل أم كانت غير راضية به .

ولا صعوبة في تفصيل هذين الركنين ، فلهما كما قدمنا طابع سلبي ، إذ يفترضان انتفاء أمور معينة : فالركن الأول يفترض أن المتهم شخص غير الحامل التي أجهضت ، ويعني ذلك جواز أن يكون حاملاً تقترف فعل الإجهاض على حامل أخرى ، ومن ثم لم يكن من الصواب وصف هذا الركن بأنه يشترط « انتفاء صفة الحامل عن المتهم » . والركن الثاني يتطلب تجرد وسيلة الإجهاض عن العنف ، فإذا ثبت ذلك فان الشارع يسوى بين كل وسائل الإجهاض ، وقد صرح بذلك فنص على «إعطاء أدوية أو استعمال وسائل مؤدية إلى ذلك». وسواء أن تكون الحامل راضية بالفعل أو غير راضية به ، ويعلل ذلك بما قدمناه من أن رضاء الحامل ليس سبباً الإباحة الإجهاض، باعتبار أن محل الحماية هو حق الجنين في الحياة ، وليست للحامل صفة للتصرف فيه .

ويعتبر المتهم فاعلاً ولو لم يقترف فعل الإسقاط كله أو جزء منه، وإنما اقتصر على مجرد دلالة الحامل على وسيلة الإجهاض ، وهذا الحكم خروج على القواعد المقررة في شأن التفرقة بين الفاعل والشريك، وعلتها كما قدمنا أن هذه الدلالة هي المرحلة الصعبة والرئيسية في المشروع الإجرامي، وإذا استعملت الحامل الوسيلة التي لها عليها المتهم فهی لا تعتبر شريكة له، وإنما تعد فاعلة للجريمة التي تنص عليها المادة 262 من قانون العقوبات، ويترتب على اعتبار المتهم فاعلاً أن عقابه لا يتوقف على استعمال الحامل الوسيلة وحدوث الإجهاض نتيجة لذلك .

ويرتكب هذه الجريمة من يجهض الحامل برضائها عن طريق العنف، وقد قرر القانون لهذه الجريمة عقوبة الحبس بين حديه العامين .(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:   592)

يتطلب لقيام جنحة الإسقاط المنصوص عليها في المادة محل التعليق توافر أركان الإسقاط وهي: وجود حمل يكون هو المحل الذي وقع عليه فعل الإعتداء، ورکن مادي هو فعل الإعتداء على الجنين الذي يؤدي إلى طرده خارج الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته، وركن معنوي يتخذ صورة القصد الجنائي  بالإضافة إلى ذلك يفترض النص أن المتهم هو شخص غير الحامل التي أسقط حملها.

كما يشترط تجرد وسيلة الإسقاط عن العنف، لأن نص المادة محل التعليق يتكلم عن إعطاء أدوية أو إستعمال وسائل مؤدية إلى الإسقاط لا تنطوي على عنف، لكون الإسقاط عن طريق العنف قد سبق النص عليه في المادة (260) عقوبات باعتباره جناية وليس جنحة منصوص عيها بالمادة محل البحث.

وقد إعتبر المشرع أن مجرد دلالة المرأة الحامل على وسائل الإسقاط يعد عملاً تنفيذياً لجريمة الإسقاط بصريح النص، ويكون من قام بدلالة الحامل على وسيلة الإسقاط فاعلاً للجريمة لا مجرد شريك فيها ويعد هذا الحكم خروجاً على القواعد العامة، ويترتب عليه أن من يدل الحامل على وسيلة الإسقاط يعاقب علي جريمة الإسقاط ولو لم تستعمل الحامل تلك الوسيلة في الإسقاط.

ويستوي لقيام جنحة الإسقاط النصوص عليها في المادة محل التعليق أن تكون الحامل قد رضيت بمباشرة فعل الإسقاط أم لا، لأن رضاء الحامل بالإسقاط لا يعد من أسباب إباحته.

العقوبة:

الحبس بین حديه العامين. ويعني ذلك أنه ترك للقاضي سلطة تقديرية واسعة في اختيار مدة الحبس بین حديه ولا عقاب على الشروع في هذه الجنحة بالنص الصريح. (المادة 264 من قانون العقوبات).(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 726)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 258

(مادة 533) 

يعاقب بالحبس من أجهض عمداً بأية وسيلة امرأة برضاها .

 وتعاقب المرأة التي رضيت بالإجهاض بذات العقوبة . 

وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات ، إذا حصل الإجهاض بغير رضاها ، أو كان الجاني طبيباً أو صيدلياً أو قابلة . 

وتكون العقوبة السجن المؤقت ، إذا إجتمع الظرفان السابقان ، أو إذا أفضى الإجهاض إلى الموت . 

ويحكم فضلاً عن ذلك بإغلاق عيادة الطبيب أو محل الصيدلي أو القابلة مدة لا تزيد على مدة العقوبة الأصلية . 

الإجهاض 

المواد من (533) إلى (535) : 

مواد هذا الفصل تقابل بصفة عامة المواد من (260) إلى (264) من القانون القائم ، مع معالجة ما يشوب هذه المواد من مآخذ : 

1- المادة (533) من المشروع تعاقب في فقرتيها الأولى والثانية، على الإجهاض بأية وسيلة، متى تم ذلك برضاء المرأة، بعقوبة الجنحة، وهي عقوبة تقع المرأة أيضاً تحت طائلتها، فإن حصل الإجهاض بغير رضاء المرأة، كانت العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات ، وتكون العقوبة كذلك إذا كان الجاني طبيباً أو صيدلاً أو قابلة ، أو أدى الإجهاض إلى الموت ، كانت عقوبة الجريمة هي السجن المؤقت،  هذا فضلاً عن أن الحكم بغلق العيادة أو الصيدلية أو محل القابلة على حسب الأحوال مدة لا تزيد على مدة العقوبة الأصلية .

2- المادة (534) من المشروع تجعل الإجهاض لا جريمة فيه ، متى كان المجهض طبيباً ، واعتقد بحسن نية ولأسباب مبررة طبياً أن الإجهاض ضروري للمحافظة على حياة المرأة ، وعلى شرط أن يحصل على موافقتها ، أو من ينوب عنها من زوج أو أب ، أو أم ، أو أخ ، أو غيرهم ممن ينوب عنها في حالة الضرورة ، وهذا النص يدخل في باب الضرورات ، الجزء الرابع ويجعل الفعل لا جريمة فيه نزولاً على حكمها ، إذ الضرورات شرعاً وقانوناً تبيح المحظورات فيها تندفع به هذه الضرورة دون تجاوز لذلك ، إذ هي تقدر بقدرها . 

3- المادة (535) من المشروع تنص على أنه لا عقاب على الشروع في الإجهاض ، إلا إذا حصل بغير رضاء أو بغستعمال وسائل العنف أو إعطاء المواد المجهضة على غير علم من المرأة ، هذا ما لم يكون الفعل جريمة أخرى. 

في التعزير في القتل 

المواد من (203) إلى (205) 

مادة (203): إذا لم يتوافر موجب الحكم بالقصاص وفق أحكام المواد (189) و(190) و(191) و (200)، أو إذا حكم بالدية أو سقط القصاص - يحكم بالعقوبة التعزيرية المقررة للفعل في هذا القانون أو أي قانون آخر. 

الإيضاح 

يتضمن هذا الفصل أحكام التعزير على القتل إذا لم يقتص من الجاني. 

والمعاصي بالنسبة للتعزير ثلاثة أنواع: 

(أ) نوع فيه حد ولا كفارة فيه، كالزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف، فهذا يكفي فيه الحد عن التعزير. 

صلى الله عليه وسلم: «نعم». قال: كلا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسمعوا إلى ما يقول سید کم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني». وفي رواية: «أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن». (صحيح البخاري بهامش فتح الباري ج (12) ص (142)). 

قال النووي في شرح مسلم: «وقال الماوردي وغيره: ليس قوله، هو لقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مخالفة سعد بن عبادة لأمره صلى الله عليه وسلم، وإنما معناه الإخبار عن حالة الإنسان عند رؤيته الرجل عند امرأته، واستيلاء الغضب عليه، فإنه حينئذ يعاجله بالسيف، وإن كان عاصياً» . 

3 - قال الإمام المطلبي في مختصر المزني: «لو قتل رجل رجلاً، فقال: وجدته على امرأتي. فقد أقر بالقود وادعى». أي: أقر بالقصاص، وادعى وجود الرجل على امرأته «فإن لم يقم البينة قتل». ومعنى هذا أنه إذا أقام القاتل البينة على الزنا لم يقتل. 

4 - وقد اختلف الفقهاء في البينة التي يعفى القاتل بموجبها من القتل قصاصاً. 

5 - فمذهب الجمهور: أنها أربعة شهداء، كما في الزنا. 

6 - ومذهب الحنابلة: أنه إذا وجد رجلاً يزني بامرأته فلا قصاص عليه ولا دية، إلا أن تكون المرأة مكرهة فعليه القصاص، هذا إذا كانت بينة أو صدقه الولي، وإلا فعليه الضيان في الظاهر، والبينة عندهم شاهدان، وهو ما اختاره أبو بكر (الإقناع ج (4) ص (291)). 

7- ومذهب المالكية: أن قاتل الزاني غير المحصن يقتل به إلا أن يقول: وجدته مع زوجتي. وثبت ذلك بأربعة يرونه، كالمرود في المكحلة، فقتله، فإنه لا يقتل بذلك سواء كان الزاني محصناً أو بكراً؛ لعذره بالغيرة التي صيرته كالمجنون. 

وقيل: عليه الدية في ماله، إن كان بكراً. وقيل: هدر. فإن لم يكن إلا مجرد قوله: وجدته مع زوجتي. قتل به، إلا أن يأتي بلطخ - أي بشاهد واحد - أو لفيف من الناس يشهدون رؤية المرود في المكحلة، فلا يقتل به لدرئه بالشبهة. 

وذهب بعض الحنابلة والمالكية إلى أن شهادة العدلين كافية لإسقاط القصاص. 

ونقل عن بعض العلماء قبول الأمارات الدالة على الصدق. وظاهر ذلك ما روي من أن رجلاً غيوراً قيل له حين نزلت الحدود: أرأيت لو أنك رأيت مع امرأتك رجلاً، أي شيء كنت تصنع؟ قال: كنت ضاربها بالسيف، أأنتظر حتى أجيء بأربعة إلى ما ذاك، وقد قضى حاجته وذهب، أو أقول: رأيت كذا وكذا فتضربوني الحد، ولا تقبلوا لي شهادة أبدا. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كفى بالسيف شاهدا». ثم قال: «إني أخاف أن يتابع في ذلك السكران والغيران». 

8- قال السبكي في تكملة المجموع: «اختلف العلماء من السلف في من وجد مع امرأته رجلا فقتله، هل يقتل به أو لا؟ فقال بعضهم: يقتل به؛ لأنه ليس له أن يقيم الحد بغير إذن الحاكم. وقال بعضهم: لا يقتل، ويعزر في فعله إذا ظهرت أمارات صدقه. 

9- وروي أنه يكفي شاهدان؛ لأن البينة تشهد على وجوده على المرأة، وهذا يثبت بشاهدين، وإنما الذي يحتاج إلى الأربعة الزنا، وهذا لا يحتاج إلى إثبات الزنا، فإن قيل: فحديث عمر في الذي وجد مع امرأته رجلاً ليس فيه بينة، وكذلك روي أن رجلا من المسلمين خرج غازيا وأوصى بأهله رجلا، فبلغ الرجل أن يهودياً يختلي إلى امرأته، فكمن له حتى جاء فقتله، فرفع ذلك إلى عمر فأهدر دمه. فالجواب: أن ذلك ثبت عنده بإقرار الولي، وإن لم تكن بينة، فادعى علم الولي بذلك، فالقول قول الولي مع يمينه). 

10- وقد روي عن عمر رضي الله عنه: «أنه كان يوماً يتغذى إذ جاءه رجل يعدو وفي يده سیف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا قتل صاحبنا. فقال له عمر: ما يقولون؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إني ضربت فخذي امرأتي، فإن كان بينهما أحد فقد قتلته. فقال عمر: ما يقول؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، إنه ضرب بالسيف، فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة. فأخذ عمر سيفه فهزه، ثم دفعه إليه، وقال: إن عادوا فعد». رواه سعيد في سننه. 

(تبصرة الحكام ج (2) ص (185) الطبعة الثانية، تكملة المجموع ج (14) من ص (34) حتى ص(36)، والمغني لابن قدامة ج (9) ص (165) و(166)، وصحيح البخاري بهامش فتح الباري ج (2) ص (142)، والمهذب ج (2) ص (225)، والإقناع ج (4) ص(291)).

11- فالحاصل أن ثمة أمارات ودلائل في الفقه لا توجب القصاص على قاتل زوجته، أو من يزني بها، أو هما معاً، إذا رآهما في حالة تلبس بالزنا، وقد اختار المشروع الأخذ بهذا النظر؛ لأنه يتفق مع طبائع الأمور ذلك بأن الزوج الذي يفاجأ بمشاهدة زوجته في حالة تلبس بالزنا لا يستساغ معاقبته معاقبة القاتل المعتدي بغير عذر، كما أنه من غير المستساغ أيضا مطالبته في هذه الحالة بإقامة الدليل الشرعي على ثبوت الزنا، وهو أربعة شهداء، فضلا عن أن الزوج الذي يتدبر أمره حتى يأتي بأربعة شهداء تنحسر عنه تلك الحالة التي تسببها المفاجأة، وما يترتب عليها من ثورة نفسية عارمة، هي المناط في اعتباره معذوراً وتخفيف العقوبة أو رفعها كلية. ولما كان المجال هنا مجال إسقاط للقصاص، وليس مجال إثبات للزنا الذي يشترط فيه شهادة أربعة شهداء - فقد رأى المشروع أن يكون الإثبات - في حالة من يفاجأ بمشاهدة زوجته حال تلبسها بالزنا فقتلها في الحال هي أو من يزني بها - بكافة الطرق المقررة في قانون الإجراءات الجنائية، هذا ولا يشترط في حالة التلبس بالزنا مشاهدة الفعل ذاته، وإنما يكفي في ذلك وجود ما ينبئ بما لا يدع مجالاً للشك بحصول الزنا فعلاً، ومرد تقدير ذلك متروك لقاضي الموضوع، وقد شمل نص هذه المادة من المشروع أيضاً البنت والأم والأخت بجامع حصول الغيرة على كل، وهو ما يتفق وطبيعة النفس البشرية التي تحرص على طهارة العرض، بل إن الزوج قد يتخلص من عار زوجته بطلاقها، في حين أنه لا سبيل إليه للخلاص من عار زنا ابنته أو أمه أو أخته.

هذا ورفع القصاص في هذه الحالة لا يؤدي إلى الإفلات من أية عقوبة، وإنما توقع عقوبة تعزيرية؛ لأن بالك النفس مأمور به على أنه حال. 

ويشترط النص فيها يشترط أن يفاجأ القاتل بحالة التلبس بالزنا، وأن يرتكب القتل في الحال. 

فإذا كان على علم مسبق بالزنا أو سهل حصوله أو ساهم في إتمامه أو تباطأ ففات أثر المفاجأة، فإنه لا يتمتع بحكم هذه المادة. 

وقد أخذ المشروع بالتدرج في العقوبة فجعلها الحبس في حالة القتل، وأما في حالة ما إذا نشأ عن الفعل عاهة مستديمة فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، ولا عقاب في غير هاتين الحالتين، وفي جميع الأحوال فإنه لا يجوز المطالبة بدية أو تعويض أمام أية محكمة عن القتل أو العاهة أو ما دونها. وغني عن البيان أن بقاء أي ممن شوهد في حالة التلبس بالزنا على قيد الحياة لا يمنع من إقامة حد الزنا عليه، إذا ما توافرت شروط إقامة هذا الحد شرعا. 

مادة (205): مع عدم الإخلال بالدية أو الغرة تطبق على القتل أو إسقاط الجنين الذي يقع من غير البالغ بالأمارات الطبيعية أحكام هذا القانون والقانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

ومع ذلك يجوز الحكم بالضرب بعصا رفيعة من عشر إلى خمسين، بدلاً من التدبير 

المقرر بقانون الأحداث أو بالإضافة إليه. 

الإيضاح 

تعالج هذه المادة جريمة القتل أو جريمة إسقاط الجنين إذا ارتكبها غير البالغ بالأمارات الطبيعية، ونصت على أنه - مع عدم الإخلال بالدية أو الغرة -: تطبق على القتل وإسقاط الجنين أحكام هذا القانون وقانون الأحداث. 

وجوزت هذه المادة الحكم بضربه بعصاً رفيعة من عشر إلى خمسين، بدلاً من التدبير المقرر بقانون الأحداث أو بالإضافة إليه. 

(الفصل الرابع) 

في أولياء الدم 

المواد من (206) حتى (211) 

مادة (206): 

إذا وقعت جريمة قتل أو إسقاط جنين كان على سلطة التحقيق إخطار أولياء الدم بحصول الجريمة، ودعوتهم للحضور خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلانهم؛ لسماع أقوالهم. 

وأولياء الدم: هم ورثة القتيل وقت وفاته، أو ورثة الجنين عند إسقاطه. 

الإيضاح 

أوجبت هذه المادة في فقرتها الأولى على سلطة التحقيق في حالة وقوع جريمة قتل، أو إسقاط جنين - أن تخطر أولياء الدم بحصول الجريمة، ودعوتهم للحضور لسماع أقوالهم خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلانهم. 

وعرضت الفقرة الثانية من المادة إلى تحديد المقصود بأولياء الدم، مقررة أنهم ورثة 

القتيل وقت وفاته أيا كان سبب الإرث، أو ورثة الجنين بعد إسقاطه. 

مادة (207): إذا كان القتل موجبا للقصاص فعلى أولياء الدم تحديد موقفهم من القصاص أو الدية أو المصالحة على مال أو العفو، وذلك في محضر تحقيق النيابة العامة، أو قاضي التحقيق، أو المحكمة بحسب الأحوال، وإذا لم يكن لولي الدم محل إقامة معلوم أو مضت ثلاثون يوما على دعوته للحضور أمام سلطة التحقيق، أو على إعلانه للحضور أمام المحكمة - وجب المضي في الإجراءات .

الإيضاح 

عرضت هذه المادة لأمرين: أولهما: إذا حضر أولياء الدم للتحقيق إثر دعوتهم، فيتعين عليهم تحديد موقفهم من القصاص أو الدية أو المصالحة على مال أو العفو، أو يتم ذلك بطریق رسمي إما في محضر تحقيق النيابة العامة، أو قاضي التحقيق، أو المحكمة. 

ثانيهما: إذا لم يحضر أولياء الدم، إما لعدم وجود محل إقامة معلوم لهم، أو تخلفهم عن الحضور خلال ثلاثين يوما من دعوتهم للحضور أمام سلطة التحقيق، أو إعلانهم للحضور أمام المحكمة، ففي هذه الأحوال يتعين المضي في الإجراءات. 

مادة (208): في حالة القتل الموجب للقصاص إذا كان ولي الدم دون البلوغ أو | 

مجنونا أو معتوها أو ذا غفلة أو سفيها أو عاجزا عن التعبير عن إرادته لأي سبب آخر - كان لأبيه المطالبة بالقصاص، وكان له ولغيره ممن ينوب عن ولي الدم، وللنيابة | العامة – في حالة عدم وجود من ينوب عن ولي الدم - المطالبة بالدية أو المصالحة على مال لا يقل عنها، ولمن بلغ من أولياء الدم المطالبة بأي مما تقدم، أو العفو دون توقف على بلوغ غيره. 

ولولي الدم الذي صار کامل الأهلية وقادرا على التعبير عن إرادته قبل تنفيذ الحكم، 

- المطالبة بأي مما تقدم أو العفو. 

وتعتبر النيابة العامة ولي دم من ليس له ولي دم، أو من كان وليه مجهولا أو غائبا، وتعذر إعلانه، أو أعلن ولم يحدد موقفه على النحو المبين في المادة السابقة، وتكون لها الحقوق المقررة لولي الدم. 

الإيضاح 

اختلف رأي الفقهاء فيمن يعتبر ولياً للدم: 

فذهب رأي على رأسه الشافعية إلى أن: القصد من القصاص التشفي ودرء الغيظ، وإلى أن العبرة فيه بالميراث، ومن ثم يثبت لجميع الورثة صغيراً أو كبيراً، عاقلاً أو مجنوناً أو سفيهاً، حاضراً أو غائباً، ورتبوا على ذلك عدم جواز انفراد أحد الورثة دون الباقين باستيفائه، كما أنه لا يجوز لولي الصغير استيفاؤه، وإنما يؤجل حتى يبلغ الصغير، ويعقل المجنون، ويقدم الغائب. 

وذهب الرأي الثاني إلى أن: استيفاء القصاص باعتبار الولاية دون الوراثة، وتكون 

للعاصب من الرجال، ومن النساء الأنثى التي تكون وارثة ولم يسارها عاصب، ولو فرض أنها ذكر كانت عاصبا، ومن ثم لا دخل فيه لزوج ولا لأخ لأم ولا لجد لها، كما أنه لا ينتظر صغير حتى يبلغ، ولا مجنون مطبق، ولا غائب تبعد غيبته حدا لا تصل إليه الأخبار. والمالكية من أنصار هذا الرأي (يراجع المبسوط ج (26) ص (157) وما بعدها، المهذب ج (2) ص (184)، الشرح الكبير للدردير ج (4) - ص (227)/ (228)). 

أما من لا وارث له ولا ولي، فإن القصاص يكون للمسلمين، واستيفاؤه للسلطان، ويرى المالكية أنه إن لم يكن للقتيل عاصب أصلا، فعلى الإمام أن يقتص وليس له العفو. 

وقد مزج المشروع بين الرأيين، فأخذ بالرأي الأول في خصوص تحديد أولياء الدم وأنهم الورثة، ومن الرأي الثاني أخذ بأنه في حالة ما إذا كان ولي الدم مجنوناً، أو معتوهاً، أو ذا غفلة أو سفيهاً، أو عاجزاً عن التعبير عن إرادته لأي سبب آخر - كان لأبيه المطالبة بالقصاص، وكان لأبيه أو من ينوب عن ولي الدم في الأحوال السابقة إن لم يكن والده موجودا، وللنيابة العامة ممثلة السلطان في حالة عدم وجود من ينوب عن ولي الدم، كان لأي من هؤلاء المطالبة بالدية أو المصالحة على مال لا يقل عنها. 

فإذا بلغ أحد أولياء الدم الذي كان صغيراً، أو أفاق المجنون أو عقل السفيه وذو الغفلة، أو أصبح العاجز عن التعبير عن إرادته قادراً - ذلك قبل تنفيذ الحكم - كان له المطالبة بأي مما تقدم أو العفو. 

واعتبرت المادة في فقرتها الأخيرة النيابة العامة ولي دم من ليس له ولي دم، أو كان وليه مجهولا أو غائبا وتعذر إعلانه، أو لم يحدد موقفه على النحو المبين في المادة (207)، وتكون لها الحقوق المقررة لولي الدم، وهو ما يتفق مع ما سبق بيانه من رأي الفقهاء. 

مادة (209): في حالة القتل الموجب للدية أو الإسقاط الموجب لها أو للغرة - يكون الولي الدم المطالبة بها أو المصالحة على مال أو العفو، ويكون للأب أو لغيره من الأولياء، أو للنيابة العامة حسب الأحوال المذكورة في المادة السابقة - المطالبة بالدية أو الغرة. 

الإيضاح 

وعرضت هذه المادة لحالة وجوب الدية، فنصت على أنه يكون لولي الدم المطالبة بها، أو المصالحة على مال أو العفو، وأنه يكون للأب أو لغيره من أولياء الدم أو النيابة العامة ولاية المطالبة بالدية أو الغرة دون المصالحة على مال أو العفو. 

مادة (210): إذا حضر ولي الدم المجهول أو الغائب قبل تنفيذ القصاص - كان له طلب المضي في التنفيذ أو طلب الدية أو المصالحة على مال أو العفو، وفي الحالات الثلاث الأخيرة يتبع حكم الفقرة الأخيرة من المادة (221) من هذا الباب. 

الإيضاح 

وعالجت هذه المادة حالة حضور ولي الدم المجهول أو الغائب قبل تنفيذ القصاص، فجعلت له الحق في طلب المضي في التنفيذ، كما جعلت له الحق في طلب الدية أو المصالحة على مال أو العفو، ويتبع في حالات طلب الدية أو المصالحة على مال أو العفو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (221) من وجوب أن تقوم النيابة العامة بتقديم القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم حسب الأحوال، للنظر في الحكم بالعقوبة التعزيرية، وفي الدية . 

مادة (211): يكون ولي الدم طرفا في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، ويتعين إدخاله في الدعوى الجنائية، وله التدخل فيها في أية حالة تكون عليها حتى صدور الحكم، ويتبع هذا الإجراء أمام محكمة النقض في حالة الحكم بالإعدام قصاصا، وتجري على ولي الدم الأحكام المقررة للمدعي بالحقوق المدنية في قانون الإجراءات الجنائية، ويعفى من الرسوم القضائية. 

الإيضاح 

ولكي يكون ولي الدم على علم بمراحل التحقيق والمحاكمة وما يتم فيها، فضلا عن حقه في الطعن فيها يصدر فيها من أوامر أو أحكام، فقد نصت هذه المادة على اعتباره طرفاً في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، ووجوب إدخاله في الدعوى الجنائية. 

كما أجازت له المادة التدخل فيها في أي حالة كانت عليها الدعوى، وأمام محكمة النقض أيضا في حالة الحكم بالإعدام قصاصاً، واعتبرته في حكم المدعي بالحقوق المدنية وفق قانون الإجراءات الجنائية، وأعفته من الرسوم القضائية غير أن ذلك لا يعني أنه ليس له الطعن في الحكم الصادر في دعوى القصاص، أو الأمر الذي يصدر من النيابة في خصوصه أو أن حقه ينصرف إلى الدية فحسب، كما هو المقرر في قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمدعي بالحقوق المدنية، والذي تنصرف خصومته إلى دعواه المدنية فحسب، وإنما المقصود بهذا النص هو وجوب إعلانه بها يتخذ من إجراءات، وبیان وضعه في الدعوى الجنائية. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني  ، الصفحة / 56

إِجْهَاضٌ

التَّعْرِيفُ:

يُطْلَقُ الإْجْهَاضُ فِي اللُّغَةِ عَلَى صُورَتَيْنِ: إِلْقَاءِ الْحَمْلِ نَاقِصَ الْخَلْقِ، أَوْ نَاقِصَ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ مِنَ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَالإْطْلاَقُ اللُّغَوِيُّ يَصْدُقُ سَوَاءٌ كَانَ الإْلْقَاءُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ أَمْ تِلْقَائِيًّا .

- وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ إِجْهَاضٍ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنِ الإْجْهَاضِ بِمُرَادِفَاتِهِ كَالإْسْقَاطِ وَالإْلْقَاءِ وَالطَّرْحِ وَالإْمْلاَصِ.

صِفَةُ الإْجْهَاضِ حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:

مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ، وَبَيْنَ حُكْمِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ التَّكَوُّنِ فِي الرَّحِمِ وَالاِسْتِقْرَارِ، وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ مَوْضِعَ اتِّفَاقٍ كَانَ الأْنْسَبُ الْبَدْءَ بِهِ ثُمَّ التَّعْقِيبُ بِحُكْمِهِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ، مَعَ بَيَانِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ وَاتِّجَاهَاتِهِمْ فِيهِ.

أ - حُكْمُ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ:

نَفْخُ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» . وَلاَ يُعْلَمُ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَتْ فِي الْجَنِينِ الرُّوحُ حُرِّمَ الإْجْهَاضُ إِجْمَاعًا. وَقَالُوا إِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ، بِلاَ خِلاَفٍ .

وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ إِطْلاَقِ الْفُقَهَاءِ تَحْرِيمَ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ فِي بَقَائِهِ خَطَرٌ عَلَى حَيَاةِ الأْمِّ وَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَصَرَّحَ ابْنُ عَابِدِينَ بِذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا، وَيُخْشَى عَلَى حَيَاةِ الأْمِّ مِنْ بَقَائِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ؛ لأِنَّ  مَوْتَ الأْمِّ بِهِ مَوْهُومٌ، فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُ آدَمِيٍّ لأِمْرٍ مَوْهُومٍ .

ب - حُكْمُ الإْجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ:

فِي حُكْمِ الإْجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ اتِّجَاهَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، حَتَّى فِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالإْبَاحَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُبَاحُ الإْسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْلِ، مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ. وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلُّقِ فِي عِبَارَتِهِمْ تِلْكَ نَفْخُ الرُّوحِ . وَهُوَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا قَبْلَ الأْرْبَعِينَ يَوْمًا  وَقَالَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْلَ الأْرْبَعِينَ أَيْضًا، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: لَوْ كَانَتِ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْجَوَازُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ . وَالإْبَاحَةُ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَوَّلِ مَرَاحِلِ الْحَمْلِ، إِذْ أَجَازُوا لِلْمَرْأَةِ شُرْبَ الدَّوَاءِ الْمُبَاحِ لإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ لاَ عَلَقَةٍ، وَعَنِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ مَا لَمْ تَحِلَّهُ الرُّوحُ لاَ يُبْعَثُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لاَ يَحْرُمُ إِسْقَاطُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَلِكَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ وَجْهٌ .

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالإْبَاحَةِ لِعُذْرٍ فَقَطْ، وَهُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ. فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ كَرَاهَةِ الْخَانِيَّةِ عَدَمَ الْحِلِّ لِغَيْرِ عُذْرٍ، إِذِ الْمُحْرِمُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ ضَمِنَ لأِنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ. فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ فَلاَ أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا - مَنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا - إِثْمٌ هُنَا إِذَا أَسْقَطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ مِنَ الأْعْذَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَلَيْسَ لأِبِي الصَّبِيِّ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ (الْمُرْضِعَ) وَيَخَافُ هَلاَكَهُ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: إِنَّ إِبَاحَةَ الإْسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ . وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالإْبَاحَةِ دُونَ تَقْيِيدٍ بِالْعُذْرِ فَإِنَّهُ يُبِيحُهُ هُنَا بِالأْوْلَى، وَقَدْ نَقَلَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ لِشُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الإْجْهَاضُ فَيَنْبَغِي أَنَّهَا لاَ تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ .

- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَا قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ. فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْهُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الإْلْقَاءُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ؛ لأِنَّ  الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ، كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ . وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا قَبْلَ الأْرْبَعِينَ يَوْمًا  وَقَوْلٌ مُحْتَمَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. يَقُولُ الرَّمْلِيُّ: لاَ يُقَالُ فِي الإْجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ إِنَّهُ خِلاَفُ الأْوْلَى، بَلْ مُحْتَمَلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ، وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لأِنَّهُ جَرِيمَةٌ .

- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. يَقُولُ الدَّرْدِيرُ: لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْلَ الأْرْبَعِينَ يَوْمًا، وَعَلَّقَ الدُّسُوقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ يُكْرَهُ. مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي عِبَارَةِ الدَّرْدِيرِ التَّحْرِيمُ . كَمَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: كُلُّ مَا طَرَحَتْهُ الْمَرْأَةُ جِنَايَةٌ، مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ، مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ، فَفِيهِ الْغُرَّةُ  وَقَالَ: وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْغُرَّةِ.

وَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ هُوَ الأْوْجَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ  النُّطْفَةَ بَعْدَ الاِسْتِقْرَارِ آيِلَةٌ إِلَى التَّخَلُّقِ مُهَيَّأَةٌ لِنَفْخِ الرُّوحِ . وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلاَمُ ابْنِ قُدَامَةَ وَغَيْرِهِ بَعْدَ مَرْحَلَةِ النُّطْفَةِ، إِذْ رَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا، وَعَلَى الْحَامِلِ إِذَا شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَلْقَتْ جَنِينًا .

بَوَاعِثُ الإْجْهَاضِ وَوَسَائِلُهُ:

بَوَاعِثُ الإْجْهَاضِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا قَصْدُ التَّخَلُّصِ مِنَ الْحَمْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ نَتِيجَةَ نِكَاحٍ أَمْ سِفَاحٍ، أَوْ قَصْدُ سَلاَمَةِ الأُْمِّ لِدَفْعِ خَطَرٍ عَنْهَا مِنْ بَقَاءِ الْحَمْلِ أَوْ خَوْفًا عَلَى رَضِيعِهَا، عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.

كَمَا أَنَّ وَسَائِلَ الإْجْهَاضِ كَثِيرَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَهِيَ إِمَّا إِيجَابِيَّةٌ وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ. فَمِنَ الإْيجَابِيَّةِ: التَّخْوِيفُ أَوِ الإْفْزَاعُ كَأَنْ يَطْلُبَ السُّلْطَانُ مَنْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ بِسُوءٍ فَتُجْهَضُ فَزَعًا، وَمِنْهَا شَمُّ رَائِحَةٍ، أَوْ تَجْوِيعٌ، أَوْ غَضَبٌ، أَوْ حُزْنٌ شَدِيدٌ، نَتِيجَةَ خَبَرٍ مُؤْلِمٍ أَوْ إِسَاءَةٍ بَالِغَةٍ، وَلاَ أَثَرَ لاِخْتِلاَفِ كُلِّ هَذَا.

وَمِنَ السَّلْبِيَّةِ امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنِ الطَّعَامِ، أَوْ عَنْ دَوَاءٍ مَوْصُوفٍ لَهَا لِبَقَاءِ الْحَمْلِ. وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا شَمَّتْ رَائِحَةَ طَعَامٍ مِنَ الْجِيرَانِ مَثَلاً، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَأْكُلْ مِنْهُ أُجْهِضَتْ فَعَلَيْهَا الطَّلَبُ. فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِحَمْلِهَا، حَتَّى أَلْقَتْهُ، فَعَلَيْهَا الْغُرَّةُ لِتَقْصِيرِهَا وَلِتَسَبُّبِهَا .

عُقُوبَةُ الإْجْهَاضِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ هُوَ غُرَّةٌ. لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صلي الله عليه وسلم  مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى، فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ ».

- وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْغُرَّةِ فِي ذَلِكَ هُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُرَّةِ كُلُّ جِنَايَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْفِصَالُ الْجَنِينِ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ أَمْ قَوْلٍ أَمْ تَرْكٍ، وَلَوْ مِنَ الْحَامِلِ نَفْسِهَا أَوْ زَوْجِهَا، عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً . 

- وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ - وَهِيَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى - مَعَ الْغُرَّةِ. (وَالْكَفَّارَةُ هُنَا هِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)

فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً، لأِنَّ  النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  لَمْ يَقْضِ إِلاَّ بِالْغُرَّةِ. كَمَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لأِنَّ هَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً، وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لأِنَّ هَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ. وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلاَ يَتَعَدَّاهَا لأِنَّ  الْعُقُوبَةَ لاَ يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ، وَالْجَنِينُ يُعْتَبَرُ نَفْسًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لاَ مُطْلَقًا. وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ، فَكَذَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لأِنَّ  الأْعْضَاءَ لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا. وَإِذَا تُقُرِّبَ بِهَا إِلَى اللَّهِ كَانَ أَفْضَلَ. وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ .

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْغُرَّةِ. لأِنَّ هَا إِنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لاَ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ؛ وَلأِنَّهُ نَفْسٌ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ.

وَتَرْكُ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ لاَ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا. فَقَدْ ذَكَرَ الرَّسُولُ صلي الله عليه وسلم  فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّارَةَ .

وَهَذَا الْخِلاَفُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجَنِينِ الْمَحْكُومِ بِإِيمَانِهِ لإِيمَانِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِالذِّمَّةِ.

كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فِي جِنَايَةِ الإْجْهَاضِ لَزِمَ كُلَّ شَرِيكٍ كَفَّارَةٌ، وَهَذَا لأِنَّ  الْغَايَةَ مِنَ الْكَفَّارَةِ الزَّجْرُ. أَمَّا الْغُرَّةُ فَوَاحِدَةٌ لأِنَّ هَا لِلْبَدَلِيَّةِ .

الإْجْهَاضُ الْمُعَاقَبُ عَلَيْهِ:

يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ بِمَوْتِ الْجَنِينِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ، كَمَا يَتَّفِقُونَ عَلَى اشْتِرَاطِ انْفِصَالِهِ مَيِّتًا، أَوِ انْفِصَالِ الْبَعْضِ الدَّالِّ عَلَى مَوْتِهِ. إِذْ لاَ يَثْبُتُ حُكْمُ الْمَوْلُودِ إِلاَّ بِخُرُوجِهِ؛ وَلأِنَّ  الْحَرَكَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِرِيحٍ فِي الْبَطْنِ سَكَنَتْ، وَبِالإْلْقَاءِ ظَهَرَ تَلَفُهُ بِسَبَبِ الضَّرْبِ أَوِ الْفَزَعِ وَنَحْوِهِمَا، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: لَوْ عُلِمَ مَوْتُ الْجَنِينِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَالْمُنْفَصِلِ . وَالْحَنَفِيَّةُ يَعْتَبِرُونَ انْفِصَالَ الأْكْثَرِ كَانْفِصَالِ الْكُلِّ، فَإِنْ نَزَلَ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ فَالأْكْثَرُ خُرُوجُ صَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ فَالأْكْثَرُ انْفِصَالُ سُرَّتِهِ . وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِنْ خَرَجَ جَنِينٌ مَيِّتٌ بَعْدَ مَوْتِ الأْمِّ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ؛ لأِنَّ  مَوْتَ الأْمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا، إِذْ حَيَاتُهُ بِحَيَاتِهَا،  فَيَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ بِمَوْتِهَا، فَلاَ يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، إِذِ الاِحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ، فَلاَ يُضْمَنُ بِالشَّكِّ؛ وَلأِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى أَعْضَائِهَا، وَبِمَوْتِهَا سَقَطَ حُكْمُ أَعْضَائِهَا .

وَقَالَ الْحَطَّابُ وَالْمَوَّاقُ: الْغُرَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجَنِينِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ . وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَخْرُجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا وَلاَ تَمُوتُ أُمُّهُ مِنَ الضَّرْبِ .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَيُوجِبُونَ الْغُرَّةَ سَوَاءٌ أَكَانَ انْفِصَالُ الْجَنِينِ مَيِّتًا حَدَثَ فِي حَيَاةِ الأْمِّ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا لأِنَّهُ كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: جَنِينٌ تَلِفَ بِجِنَايَةٍ، وَعُلِمَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ سَقَطَ فِي حَيَاتِهَا. وَلأِنَّهُ لَوْ سَقَطَ حَيًّا ضَمِنَهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا سَقَطَ مَيِّتًا كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْهُ فِي حَيَاتِهَا . وَيَقُولُ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الأْنْصَارِيُّ: ضَرَبَ الأْمَّ، فَمَاتَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْ مَيِّتًا، وَجَبَتِ الْغُرَّةُ، كَمَا لَوِ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا . يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ فِي أَصْلِ تَرَتُّبِ الْعُقُوبَةِ إِذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِ الْجَنِينِ، كَظُفُرٍ وَشَعْرٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ تَامِّ الْخَلْقِ اتِّفَاقًا وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ إِلاَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا.

وَتَوَسَّعَ الْمَالِكِيَّةُ فَأَوْجَبُوا الْغُرَّةَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَوْ أَلْقَتْهُ عَلَقَةً أَيْ دَمًا مُجْتَمِعًا، وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنِ الإْمَامِ مَالِكٍ قَوْلَهُ: كُلُّ مَا طَرَحَتْ مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَفِيهِ غُرَّةٌ وَالأْجْوَدُ أَنْ يُعْتَبَرَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ.

وَالشَّافِعِيَّةُ يُوجِبُونَ الْغُرَّةَ أَيْضًا لَوْ أَلْقَتْهُ لَحْمًا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لاَ شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ. أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، إِذْ يَنْقُلُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الشُّمُنِّيِّ: أَنَّ الْمُضْغَةَ غَيْرَ الْمُتَبَيِّنَةِ الَّتِي يَشْهَدُ الثِّقَاتُ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ .

تَعَدُّدُ الأْجِنَّةِ فِي الإْجْهَاضِ:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ مِنْ غُرَّةٍ أَوْ دِيَةٍ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الأْجِنَّةِ. فَإِنْ أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ جَنِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِتَعَدُّدِهِمْ؛ لأِنَّهُ ضَمَانُ آدَمِيٍّ، فَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِهِ، كَالدِّيَاتِ . وَالْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْغُرَّةِ - وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ - يَرَوْنَ أَنَّهَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجَنِينِ أَيْضًا .

مَنْ تَلْزَمُهُ الْغُرَّةُ:

- الْغُرَّةُ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فِي سَنَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَنِينِ الْحُرِّ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ»، وَلاَ يَرِثُ الْجَانِي وَهَذَا هُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَلَوِ الْحَامِلَ نَفْسَهَا؛ لأِنَّ  الْجِنَايَةَ عَلَى الْجَنِينِ لاَ عَمْدَ فِيهَا حَتَّى يُقْصَدَ بِالْجِنَايَةِ، بَلْ يَجْرِي فِيهَا الْخَطَأُ وَشِبْهُ الْعَمْدِ. سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ خَطَأً أَمْ عَمْدًا أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ .

وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ: فَلَوْ ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ امْرَأَتِهِ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ الأْبِ الْغُرَّةُ، وَلاَ يَرِثُ فِيهَا، وَالْمَرْأَةُ إِنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا مُتَعَمِّدَةً دُونَ إِذْنِ الزَّوْجِ، فَإِنَّ عَاقِلَتَهَا تَضْمَنُ الْغُرَّةَ وَلاَ تَرِثُ فِيهَا، وَأَمَّا إِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ، أَوْ لَمْ تَتَعَمَّدْ، فَقِيلَ. لاَ غُرَّةَ؛ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، لأِنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ وَالْغُرَّةُ حَقُّهُ، وَقَدْ أَذِنَ بِإِتْلاَفِ حَقِّهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْغُرَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَيْضًا؛ لأِنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْغُرَّةَ حَقُّهُ لَمْ يَجِبْ بِضَرْبِهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ لأِنَّ  الآْدَمِيَّ لاَ يَمْلِكُ أَحَدٌ إِهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاقِلَةٌ فَقِيلَ فِي مَالِهَا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالُوا: إِنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ أَمَرَتْ غَيْرَهَا أَنْ تُجْهِضَهَا، فَفَعَلَتْ، لاَ تَضْمَنُ الْمَأْمُورَةُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ .

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وُجُوبَ الْغُرَّةِ فِي مَالِ الْجَانِي فِي الْعَمْدِ مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي الْخَطَأِ، إِلاَّ أَنْ يَبْلُغَ ثُلُثَ دِيَتِهِ فَأَكْثَرَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَجُوسِيٌّ حُرَّةً حُبْلَى، فَأَلْقَتْ جَنِينًا، فَإِنَّ الْغُرَّةَ الْوَاجِبَةَ هُنَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْجَانِي .

وَيُوَافِقُهُمُ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ غَيْرِ صَحِيحٍ عِنْدَهُمْ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، إِذْ قَالُوا: وَقِيلَ: إِنْ تَعَمَّدَ الْجِنَايَةَ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ لاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، بِنَاءً عَلَى تَصَوُّرِ الْعَمْدِ فِيهِ وَالأْصَحُّ عَدَمُ تَصَوُّرِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى عِلْمِ وُجُودِهِ وَحَيَاتِهِ .

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ جَعَلُوا الْغُرَّةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا مَاتَ الْجَنِينُ مَعَ أُمِّهِ وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، أَوْ مَاتَ الْجَنِينُ وَحْدَهُ، فَتَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي.

وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلاً فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، وَقِيلَ: مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَفِي مَالِهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ مَا حَمَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ خَطَأِ الإْمَامِ وَالْحَاكِمِ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ (عَاقِلَةٌ. غُرَّة. جَنِينٌ. دِيَةٌ. كَفَّارَةٌ.)

الآْثَارُ التَّبَعِيَّةُ لِلإْجْهَاضِ:

بِالإْجْهَاضِ يَنْفَصِلُ الْجَنِينُ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، وَيُسَمَّى سِقْطًا . وَالسِّقْطُ هُوَ الْوَلَدُ تَضَعُهُ الْمَرْأَةُ مَيِّتًا أَوْ لِغَيْرِ تَمَامِ أَشْهُرِهِ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ . وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنْ حُكْمِ تَسْمِيَتِهِ وَتَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ . وَمَوْضِعُ بَيَانِ ذَلِكَ وَتَفْصِيلُهُ مُصْطَلَحُ سِقْطٍ.

أَثَرُ الإْجْهَاضِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْعِدَّةِ وَالطَّلاَقِ:

لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْجْهَاضَ بَعْدَ تَمَامِ الْخَلْقِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الأْحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْوِلاَدَةِ. مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ، وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَوُقُوعُ الطَّلاَقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلاَدَةِ، لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِذَلِكَ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْجْهَاضَ لاَ أَثَرَ لَهُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الْجَنِينِ عَلَى تَحَقُّقِ الْحَيَاةِ وَانْفِصَالِهِ عَنْ أُمِّهِ حَيًّا كَالإْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ.

أَمَّا الإْجْهَاضُ فِي مَرَاحِلِ الْحَمْلِ الأْولَى قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فَفِيهِ الاِتِّجَاهَاتُ الْفِقْهِيَّةُ الآْتِيَةُ: فَبِالنِّسْبَةِ لاِعْتِبَارِ أُمِّهِ نُفَسَاءَ، وَمَا يَتَطَلَّبُهُ ذَلِكَ مِنْ تَطَهُّرٍ، يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ، اعْتِبَارَهَا نُفَسَاءَ، وَلَوْ بِإِلْقَاءِ مُضْغَةٍ هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ، أَوْ بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ .

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَصِيرُ بِهِ نُفَسَاءَ . وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ غُسْلَ عَلَيْهَا، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .

وَبِالنِّسْبَةِ لاِنْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوُقُوعِ الطَّلاَقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلاَدَةِ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَيُّ صُورَةِ آدَمِيٍّ لاَ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ، وَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلاَدَةِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَلَدٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلاَ بِالْبَيِّنَةِ. أَمَّا الْمُضْغَةُ الْمُخَلَّقَةُ وَالَّتِي بِهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ وَلَوْ خَفِيَّةً، وَشَهِدَتِ الثِّقَاتُ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ، فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ وَيَقَعُ الطَّلاَقُ؛ لأِنَّهُ عُلِمَ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ لاَ يُوقِعُونَ الطَّلاَقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْوِلاَدَةِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُسَمَّى وِلاَدَةً، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِانْفِصَالِ الْحَمْلِ كُلِّهِ وَلَوْ عَلَقَةً .

إِجْهَاضُ جَنِينِ الْبَهِيمَةِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إِذَا أَلْقَتْهُ بِجِنَايَةٍ مَيِّتًا مَا نَقَصَتِ الأْمُّ، أَيْ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا. وَإِذَا نَزَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ فَقِيمَتُهُ مَعَ الْحُكُومَةِ، وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَهُوَ مَا قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ . وَلَمْ نَقِفْ لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى كَلاَمٍ فِي هَذَا أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ صَالَتِ الْبَهِيمَةُ وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى إِنْسَانٍ، فَدَفَعَهَا، فَسَقَطَ جَنِينُهَا، فَلاَ ضَمَانَ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الدَّفْعَ لَوْ كَانَ عُدْوَانًا لَزِمَهُ الضَّمَانُ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 270

الْجِنَايَةُ عَلَى حَيَاةِ الْجَنِينِ:

 إِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ - بِسَبَبِ ذَلِكَ - جَنِينَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ، فَإِمَّا أَنْ تُلْقِيَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا:

أ - إِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» .

وَالْغُرَّةُ: الْعَبْدُ أَوِ الأْمَّةُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لأِنَّهُمَا مِنْ أَنْفَسِ الأْمْوَالِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ الْمُلْقَى مَيِّتًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لإِطْلاَقِ الْخَبَرِ، وَلِئَلاَّ يَكْثُرَ التَّنَازُعُ فِي الذُّكُورَةِ وَالأْنُوثَةِ لِعَدَمِ الاِنْضِبَاطِ.

وَتَتَعَدَّدُ الْغُرَّةُ بِتَعَدُّدِ الْجَنِينِ الْمُلْقَى. وَتَجِبُ مَعَ الْغُرَّةِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأِنَّ الْجَنِينَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، وَلأِنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْكَفَّارَةَ مَنْدُوبَةٌ لاَ وَاجِبَةٌ.

 وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجَنِينِ الْمُلْقَى الَّذِي يَجِبُ فِيهِ مَا سَبَقَ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَظُفْرٍ وَشَعْرٍ فَهُوَ كَمَنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الأْحْكَامِ، وَأَضَافَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَنَّهُ لاَ يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إِلاَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ عَنِ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرَّأْسِ، وَفِي الشُّمُنِّيِّ: لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلاَ غُرَّةَ فِيهِ، وَتَجِبُ فِيهِ عِنْدَنَا حُكُومَةٌ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فِي الْجَنِينِ مَا سَبَقَ مِنَ الأْحْكَامِ وَإِنْ كَانَ عَلَقَةً أَيْ دَمًا مُجْتَمِعًا إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَارٌّ لاَ يَذُوبُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لَحْمًا، قَالَ الْقَوَابِلُ: - أَيْ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلاَنِ - فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ - أَيْ تَخْفَى عَلَى غَيْرِ الْقَوَابِلِ - كَنَحْوِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ لاَ يَعْرِفُهَا غَيْرُهُنَّ فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَالْكَفَّارَةُ. وَلَوْ قُلْنَ: لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلاَ خَفِيَّةٌ وَلَكِنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلاَ غُرَّةَ فِيهِ وَلاَ كَفَّارَةَ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لاَ شَيْءَ فِيهِ لأِنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ كَالْعَلَقَةِ، وَلأِنَّ الأْصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلاَ تُشْغَلُ بِالشَّكِّ، وَالثَّانِي: فِيهِ غُرَّةٌ لأِنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ. 

ب - إِنْ أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ - بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا - جَنِينَهَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ انْفِصَالِهِ حَيًّا فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ بِالْجِنَايَةِ، وَفِيهِ مَعَ الدِّيَةِ الْكَفَّارَةُ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ إِنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا بَعْدَ انْفِصَالِهِ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الأْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَنُوطَةُ بِهَا، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحَيَاةُ مِنَ الأْمُورِ الأْخْرَى كَالْعُطَاسِ وَالاِرْتِضَاعِ وَالتَّنَفُّسِ وَالْحَرَكَةِ .وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (اسْتِهْلاَلٌ).

وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا وَمَاتَتْ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا فَلاَ شَيْءَ فِيهِ بِخُصُوصِهِ .

وَفِي جِنَايَةِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ عَلَى حَيَاةِ جَنِينِهَا تَفْصِيلٌ فِي (إِجْهَاضٌ).

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والثلاثون ، الصفحة / 100

مُضْغَةٌ

التَّعْرِيفُ:

الْمُضْغَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ قَدْرَ مَا يَمْضُغُ وَجَمْعُهَا مُضَغٌ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ).

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأْلفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْعَلَقَةُ:

الْعَلَقَةُ فِي اللُّغَةِ: قِطْعَةٌ مِنَ الدَّمِ الْجَامِدِ مُتَكَوِّنَةٌ مِنَ الْمَنِيِّ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ أَنَّ الْمُضْغَةَ طَوْرٌ مِنْ أَطْوَارِ الْجَنِينِ وَكَذَلِكَ الْعَلَقَةُ، فَالْمُضْغَةُ مَرْحَلَةٌ بَعْدَ مَرْحَلَةِ

الْعَلَقَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإْنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ).

النُّطْفَةُ:

 النُّطْفَةُ لُغَةً: مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَجَمْعُهَا نُطَفٌ وَفِي التَّنْزِيلِ: ( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ).

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ أَنَّ النُّطْفَةَ مَرْحَلَةٌ مِنْ مَرَاحِلِ الْجَنِينِ تَسْبِقُ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ.

الْجَنِينُ:

الْجَنِينُ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مَسْتُورٍ وَأَجْنَتْهُ الْحَامِلُ سَتَرَتْهُ، وَالْجَنِينُ وَصْفٌ لَهُ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.

وَالصِّلَةُ أَنَّ الْجَنِينَ يَكُونُ بَعْدَ مَرْحَلَةِ الْمُضْغَةِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُضْغَةِ:

حُكْمُهَا مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُضْغَةَ نَجَسٌ، لأِنَّهَا دَمٌ وَالدَّمُ نَجَسٌ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْوَجْهِ الآْخَرِ وَابْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُضْغَةَ لَيْسَتْ بِنَجَسٍ بَلْ طَاهِرَةٌ، لأِنَّ الْمُضْغَةَ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ كَالْمَنِيِّ.

عُقُوبَةُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُضْغَةِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى امْرَأَةٍ حَامِلٍ إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَشَهِدَتْ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلاَ غُرَّةَ فِيهِ وَتَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ مُضْغَةً بِضَرْبٍ أَوْ تَخْوِيفٍ أَوْ شَمِّ رِيحٍ فَفِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ أَوْ غُرَّةٌ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْغُرَّةِ لِلْجَانِي لاَ لِمُسْتَحِقِّهَا، وَهَذَا الْوَاجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ إِنَّمَا هُوَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، أَمَّا جَنِينُ الأْمَةِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّقْدُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ ضُرِبَ بَطْنُ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ تَظْهَرْ فِيهَا صُورَةُ الآْدَمِيِّ فَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّ فِيهَا صُورَةَ الآْدَمِيِّ وَجَبَتْ فِيهَا الْغُرَّةُ لأِنَّهُنَّ يُدْرِكْنَ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُدْرِكُ غَيْرُهُنَّ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَكْفِي الظُّهُورُ فِي طَرَفٍ وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ الأْطْرَافِ، وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً يَخْتَصُّ بِمُعْرِفَتِهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَجَبَتِ الْغُرَّةُ أَيْضًا، وَإنْ قُلْنَ: لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ لَكِنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٌّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ لَمْ تَجِبِ الْغُرَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ شَكَكْنَ هَلْ هُوَ أَصْلُ آدَمِيٌّ لَمْ تَجِبْ قَطْعًا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لاَ شَيْءَ فِيهِ لأِنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ كَالْعَلَقَةِ، وَلأِنَّ الأْصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلاَ تَشْغَلْهَا بِالشَّكِّ.

وَالثَّانِي: فِيهِ غُرَّةٌ لأِنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ.