1- لما كان يبين من الأوراق أن الدعوى الجنائية أقيمت على الطاعن وآخرين بوصف أنهم بتاريخ.../.../.... قتلوا الطفلة/ .... عمداً ، وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه فى ذات الزمان والمكان هتكوا عرضها بالقوة حال كونها لم تبلغ ست عشرة سنة كاملة ، ومحكمة جنايات .... بعد أن سمعت الدعوى انتهت بحكمها المطعون فيه إلى إدانة الطاعن بوصف إنه اشترك مع آخرين سبق الحكم عليهما بطريقي الاتفاق والمساعدة فى هتك عرض المجني عليها سالفة الذكر التي لم تبلغ ثماني عشرة سنة كاملة بغير قوة أو تهديد بأن اصطحبوها إلى أحد الأماكن النائية ، وانفرد بها أحد المتهمين سابق الحكم عليه ، وقام بحسر سروالها ، وأولج قضيبه بدبرها، وتواجد المتهم خارج المكان يشد من أزره حال مواقعتها مترقباً ومنتظراً ليقضى منها وطراً ، فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة ، وأن عقابه وفقاً لنص المواد 40/ثانيا، ثالثاً ، 269/1 من قانون العقوبات و116 مكررًا من القانون 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون 126 لسنة 2008 ، ولما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن مرافعات الدفاع عن الطاعن دارت حول الوصف الذي أقيمت به الدعوى الجنائية المار ذكره ، وكانت المحكمة لم تعدل وصف التهمة فى مواجهته أو تلفت نظر الدفاع إلى ما أجرته من تعديل كي يعد دفاعه على أساسه ، فإن ذلك يعيب إجراءات المحاكمة بما يبطلها ، ذلك بأنه إذا كان الأصل أن المحكمة غير مقيدة بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الواقعة كما وردت بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور وأن من واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقاً للقانون ، لأن وصف النيابة العامة ليس نهائياً بطبيعته، وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى هي أنه الوصف القانوني السليم ، إلا أنه إذا تعدى الأمر مجرد تعديل الوصف إلى تغيير التهمة ذاتها بتحوير كيان الواقعة المادية التي أقيمت بها الدعوى وبنيانها القانوني نتيجة إدخال عناصر جديدة تضاف إلى تلك التي أقيمت بها – الدعوى – ، وتكون قد شملتها التحقيقات كتعديل التهمة من جريمة قتل طفلة عمداً مقترن بجناية هتك عرضها إلى جريمة اشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة فى هتك عرض الطفلة التي لم تبلغ ثماني عشرة سنة كاملة بغير قوة أو تهديد ، فإن هذا التغيير يقتضي من المحكمة تنبيه المتهم إليه ، ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه إذا طلب ذلك عملاً بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية ، أما وهي لم تفعل فإنها تكون قد أخلَّت بحق الدفاع ، ولا يغير من ذلك ما تضمنه محضر جلسة المرافعة الأخيرة من تنبيه المحكمة الدفاع إلى تكييف الواقعة على أساس المادة 269 من قانون العقوبات إذ لا شأن له فى تحديد ما إذا كان الطاعن فاعلاً لجريمة هتك العرض أم شريكاً لآخر بطريقي الاتفاق والمساعدة فى مقارفتها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد دان الطاعن بجريمة الاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة فى هتك عرض الطفلة التي لم تبلغ ثماني عشرة سنة كاملة بغير قوة أو تهديد، فقد كان عليه أن يستظهر عناصر هذا الاشتراك وأن يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها و يكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى و ظروفها ، إلا أن ما أورده الحكم سواء فيما حصله من صورة الواقعة التي وقرت لديه أو ما أورده من أدلة إثباتها من مجرد اتفاق الطاعن مع المجنى عليها على ارتكاب الفحشاء معها وتواجده وآخر خارج المكان الذى تم فيه هتك عرضها من آخر ليقضى منها وطرا ، لا يفيد بذاته الاتفاق مع الفاعل الأصلي كطريق من طرق الاشتراك ، كما لم يثبت فى حق الطاعن توافر الاشتراك بطريق المساعدة الذى تمثل فيما خلص إليه الحكم فى وصف التهمة من تواجد الطاعن خارج موقع ممارسة فاعل هتك العرض لجريمته يشد من أزره ، ذلك أن سائر ما عول عليه الحكم من أدلة وقرائن – بحسب تحصيله لها – خلا من ذكر تلك المؤازرة ، فإن الحكم بذلك يكون مشوباً بالقصور .
(الطعن رقم 11193 لسنة 83 جلسة 2014/02/05)
2- لما كانت الفقرة الأولى من المادة 269 من قانون العقوبات - بعد استبدالها بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 - قد جرى نصها على أنه " كل من هتك عرض صبى أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالسجن " فصار التقويم الميلادي هو الأساس فى احتساب عمر المجنى عليها ، ويكون منعى الطاعن فى هذا الخصوص بلا سند من القانون .
(الطعن رقم 35317 لسنة 85 جلسة 2010/10/17)
3- لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت نقلاً عن التقرير الطبي الشرعي أن المجني عليها تعاني من درجة متوسطة من التأخر العقلي وقدر عمرها العقلي بحوالي ثلاث عشرة سنة وأن المحكمة تقضي فى الدعوى على هذا الأساس فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون إذ دان الطاعن على الوجه الذى خلص إليه ذلك لأن التأخر فى النمو العقلي يجعل المجنى عليها فى حكم من لم يبلغ من العمر الثامنة عشرة كاملة وعاقبه بالفقرة الأولى من المادة 269 من قانون العقوبات ، ولا يقبل من الطاعن من بعد القول بأنه كان يجهل سن المجني عليها الحقيقي ، ذلك بأن كل من يقوم على مقارفة فعل من الأفعال الشائنة فى ذاتها أو التي تؤثمها قواعد الأدب وحسن الأخلاق يجب عليه أن يتحرى بكل الوسائل الممكنة حقيقة جميع الظروف المحيطة قبل أن يقدم على فعله ، فإذا هو أخطأ التقدير حق عليه العقاب ما لم يقم الدليل على أنه لم يكن فى مقدوره بحال أنه يعرف الحقيقة ويكون منعى الطاعن فى هذا الصدد غير قويم .
(الطعن رقم 34532 لسنة 77 جلسة 2008/11/06 س 59 ص 483 ق 89)
4- لما كان تحديد سن المجني عليه فى جريمة هتك العرض المنصوص عليها فى المادة 269 من قانون العقوبات ركنا هاما فى الجريمة لما يترتب عليه من أثر فى توقيع العقوبة, والأصل فى إثبات السن لا يعتد فيه إلا بوثيقة رسمية, أما إذ أثبت عدم وجودها فتقدر السن بواسطة خبير. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد خلا من بيان واقعة الدعوى واكتفى فى بيان الدليل بالإحالة على التحقيقات دون أن يورد مضمونها ووجه استدلاله بها على ثبوت التهمة بعناصرها القانونية كافة ولم يعن البتة باستظهار سن المجني عليها وقت وقوع الجريمة من واقع وثيقة رسمية أو الاستعانة بخبير عند عدم وجودها مع إنه ركن جوهري فى الجريمة موضوع المحاكمة, فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور.
(الطعن رقم 478 لسنة 62 جلسة 2001/12/04 س 52 ع 1 ص 945 ق 181)
5- لايشترط لتشديد العقاب فى جريمة هتك العرض التى يكون فيها الجاني من المتولين تربية المجنى عليه مع غيره من التلاميذ أو أن تكون فى مدرسة أو معهد تعليم بل يكفى أن تكون عن طريق إلقاء دروس خاصة على المجنى عليه ولو كان ذلك فى مكان خاص ومهما يكن الوقت الذى قام فيه الجاني بالتربية قصيراً وسيان أن يكون فى عمله محترفاً أو فى مرحلة التمرين مادامت له ولاية التربية بما تستبعه من ملاحظة وما تستلزمه من سلطة ، ومن ثم يكون منعى الطاعن فى هذا الخصوص غير قويم هذا فضلاً عن أن الحكم أوقع على الطاعن عقوبة تدخل فى نطاق العقوبة المبينة بالفقرة الأولى منالمادة 269 من قانون العقوبات فإن مصلحة الطاعن فيما يثيره من كونه لا شأن له بتعليم المجنى عليها ولا سلطة له عليها لعدم تكليفه بإعطائها دروساً خاصة تكون منتفية ولا جدوى مما ينعاه على الحكم فى هذا الشأن.
(الطعن رقم 3919 لسنة 62 جلسة 1998/11/15 س 49 ص 1277 ق 181)
6- لما كانت المادة 269 من قانون العقوبات إذ سكتت عن النص على التقويم الذى يعتد به فى حساب عمر المجنى عليه فى الجريمة المنصوص عليها فيها - وهو ركن من أركانها - فإنه يجب الأخذ بالتقويم الهجرى الذى يتفق مع صالح المتهم أخذا بالقاعدة العامة فى تفسير القانون الجنائي والتى تقضى بأنه إذا جاء النص العقابى ناقصا أو غامضا فينبغى أن يفسر بتوسع لمصلحة المتهم وبتضيق ضد مصلحته وأنه لا يجوز أن يؤخذ فى تفسير قانون العقوبات بطريق القياس ضد مصلحة المتهم لأنه من المقرر أن لا جريمة ولا عقوبة بغير نص ومتى كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذه القاعدة القانونية التى تعتبر أصلا هاما من أصول تأويل النصوص العقابية . وكان حساب عمر المجنى عليه بالتقويم الهجرى على أساس تاريخ ميلاده الثابت فى شهادة ميلاده والذى لم يجادل فيه يجعل منه وقت وقوع الفعل الذى نسب إلى الطاعن مقارفته يزيد عن سبع سنوات فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تأويل القانون .
(الطعن رقم 5275 لسنة 64 جلسة 1996/02/11 س 47 ع 1 ص 210 ق 30)
7- لما كان الحكم المطعون فيه قد اثبت أن كل من المجنى عليها والطاعنين يعملون بمديرية الشباب والرياضة بمنطقة...... فهم مشمولون بسلطة رب عمل واحد ومن ثم فإنه ينطبق على المتهمين الظرف المشدد المنصوص عليه فى الفقرة الأولى من المادة 267 والفقرة الثانية من المادة 269 من قانون العقوبات.
(الطعن رقم 5249 لسنة 62 جلسة 1994/04/19 س 45 ص 541 ق 88)
8- لما كانت المادة 269 من قانون العقوبات إذ سكتت عن النص على التقويم الذى يعتد به فى احتساب عمر المجنى عليها، فى الجريمة المنصوص عليها فيها - وهو ركن من أركانها - فإنه يجب الأخذ بالتقويم الهجرى الذى يتفق مع صالح المتهم أخذا بالقاعدة فى تفسير القانون الجنائى، والتى تقضى بأنه إذا جاء النص العقابى ناقصا أو غاضبا فينبغى أن يفسر بتوسع لمصلحة المتهم وبتضييق ضد مصلحته، وأنه لا يجوز أن يؤخذ فى قانون العقوبات بطريق القياس ضد مصلحة المتهم، لأن من المقرر أنه لا جريمة ولا عقوبة بغير نص، وكان البين من الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه إذ دان الطاعن بجريمة هتك عرض صبية بغير قوة أو تهديد حالة كونها لم تبلغ ثمانية عشر عاما من عمرها، اطلق القول بأن المجنى عليها عليها من مواليد 1968/4/6 وأنها لم تبلغ ثمانية عشر عاما وقت وقوع الجريمة، دون أن يحدد بداءة تاريخ الحادث، ودون أن يورد مصدر ما أورده عن تاريخ ميلاد المجنى عليها، وهل هو ورقة رسمية أم تقدير أهل الخبرة، ودون أن بيبن الأساس الذى استند إليه فى احتساب عمر المجنى عليها، وهل اعتمد فى ذلك على تقويم الهجرى أم التقويم الميلادى - مع أن سن المجنى عليها ركن جوهرى فى الجريمة موضوع المحاكمة - مما يصم الحكم بالقصور فى البيان .
(الطعن رقم 9026 لسنة 59 جلسة 1992/11/25 س 43 ع 1 ص 1064 ق 164)
9- لما كان يبين من مطالعة الأوراق أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية على الطاعن بوصف أنه فى خلال الفترة من شهر يوليو سنة 1985 حتى السادس من أكتوبر سنة 1985 بدائرة مركز دمياط هتك عرض .............. والتي لم يبلغ سنها ثماني عشرة سنة كاملة بغير قوة أو تهديد. وطلبت عقابه بالمادة 269/1 من قانون العقوبات والمواد 1، 15/3، 29 من القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث، ومحكمة الأحداث الجزئية قضت بحبسه ستة أشهر مع الشغل، فاستأنف ومحكمة دمياط الابتدائية بهيئة إستئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. لما كان ذلك، وكانت المادة 269 من قانون العقوبات قد نصت فى فقرتها الأولى على أن "كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشرة سنة كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس" وكانت المادة السابعة من القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث تنص على أنه "فيما عدا المصادرة وإغلاق المحل، لا يجوز أن يحكم على الحدث الذي لا تجاوز سنه خمس عشرة سنة ويرتكب جريمة، أية عقوبة أو تدبير مما نص عليه فى قانون العقوبات، وإنما يحكم عليه بأحد التدابير الآتية: 1- التوبيخ، 2- التسليم، 3- الإلحاق بالتدريب المهني، 4- الإلزام بواجبات معينة، 5- الاختبار القضائي، 6- الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الإجتماعية، 7- الإيداع فى إحدى المستشفيات المتخصصة " كما تنص المادة الثانية والثلاثون منه على أن "لا يعتد فى تقدير سن الحدث بغير وثيقة رسمية، فإذا ثبت عدم وجودها تقدر سنه بواسطة خبير"، فإن مؤدى ذلك أنه لا يجوز الحكم على الحدث الذي لا تجاوز سنه خمس عشرة سنة بعقوبة الحبس إعتباراً بأنها من العقوبات المنصوص عليها فى قانون العقوبات، وهو ما يضحى معه تحديد السن - بالركون فى الأصل إلى الأوراق الرسمية قبل ما عداها - ذا أثر فى تعيين ما إذا كان يحكم على الحدث بإحدى العقوبات المنصوص عليها فى قانون العقوبات ومنها الحبس، ومن ثم يتعين على المحكمة استظهار هذه السن فى هذه الحال فى حكمها على نحو ما ذكر. لما كان ذلك، ولئن كان الأصل أن تقدير السن هو أمر متعلق بموضوع الدعوى لا يجوز لمحكمة النقض أن تعرض له، إلا أن محل ذلك أن تكون محكمة الموضوع قد تناولت مسألة السن بالبحث والتقدير وأتاحت للمتهم والنيابة العامة إبداء ملاحظاتهما فى هذا الشأن، وإذ كان كلا الحكمين الابتدائي والمطعون فيه الذي تبنى أسبابه، لم يعن البتة فى مدوناته باستظهار سن الطاعن، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور الذي يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة، وهو ما يتسع له وجه الطعن، ويتعين لذلك نقضه والإعادة
(الطعن رقم 5306 لسنة 59 جلسة 1991/12/26 س 42 ع 1 ص 1379 ق 188)
10- لما كانت الواقعة على الصورة التي اعتنقها الحكم المطعون فيه تشكل الجناية المنصوص عليها فى المادتين 2/267، 269 من قانون العقوبات، وكانت العقوبة التي أنزلها الحكم المطعون فيه على الطاعن تدخل فى نطاق العقوبة المنصوص عليها فى المادة 269 من قانون العقوبات ومن ثم فإن عدم تخصيص هذه المادة بفقرتها الثانية لا يعيب الحكم مادام أنه قد وصف الفعل وبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً كافياً وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها - وهي الأمور التي لم يخطئ الحكم تقديرها - فإن منعى الطاعن على الحكم بقالة الخطأ فى تطبيق القانون يكون فى غير محله.
(الطعن رقم 45743 لسنة 59 جلسة 1990/11/01 س 41 ع 1 ص 982 ق 174)
11- إن الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون العقوبات - التى دين الطاعن بها - تقضى بتغليظ العقاب فى جريمة هتك العرض إذا وقعت ممن نص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة 267 منه ، حيث يكون الفاعل من أصول المجنى عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان خادما بالأجرة عنده أو عند من تقدم ذكرهم .
(الطعن رقم 1884 لسنة 59 جلسة 1989/07/06 س 40 ص 668 ق 113)
12- لما كان تحديد سن المجني عليه فى جريمة هتك العرض المنصوص عليها فى المادة 269 من قانون العقوبات ركناً هاماً فى الجريمة لما يترتب عليه من أثر فى توقيع العقوبة ، و الأصل فى إثبات السن لا يعتد فيه إلا بوثيقة رسمية ، أما إذا ثبت عدم وجودها فتقدر السن بواسطة خبير ، و إذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يكشف عن سنده فى تقدير سن المجني عليها و أطلق القول بأن سنها لم يبلغ ثماني عشرة سنة كاملة و لم يعن البتة باستظهار سن المجني عليها وقت وقوع الجريمة من واقع وثيقة رسمية أو الاستعانة بخبير عند عدم وجودها مع أنه ركن جوهري فى الجريمة موضوع المحاكمة . لما كان ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور .
(الطعن رقم 482 لسنة 57 جلسة 1987/04/05 س 38 ع 1 ص 570 ق 94)
13- لما كانت المادة 269 من قانون العقوبات إذ سكتت عن النص على التقويم الذى يعتد به فى إحتساب عمر المجنى عليها فى الجريمة المنصوص عليها فيها - و هو ركن من أركانها - فإنه يجب الأخذ بالتقويم الهجرى الذى يتفق مع صالح المتهم أخذاً بالقاعدة العامة فى تفسير القانون الجنائي ، و التى تقضى بأنه إذا جاء النص العقابى ناقصاً أو غامضاً فينبغى أن يفسر بتوسع لمصلحة المتهم و بتضييق ضد مصلحته و أنه لا يجوز أن يؤخذ فى قانون العقوبات بطريق القياس ضد مصلحة المتهم ، لأنه من المقرر أنه لا جريمة و لا عقوبة بغير نص .
(الطعن رقم 7902 لسنة 54 جلسة 1985/01/24 س 36 ص 146 ق 19)
14- تقضى الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون العقوبات بتغليظ العقاب فى جريمة هتك العرض إذا وقعت ممن نص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة 267 " حيث يكون الفاعل من أصول المجنى عليهم أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو من لهم سلطة عليه أو كان خادماً بالأجرة عنده أو عند من تقدم ذكرهم " و هذا النص يدخل فى متناوله الخادم بالأجره الذى يقارف جريمته على من يتولى مخدومه تربيته أو ملاحظته .
(الطعن رقم 409 لسنة 42 جلسة 1972/05/29 س 23 ع 2 ص 839 ق 190)
15- إذ سكتت المادة 269 من قانون العقوبات عن النص على التقويم الذى يعتد به فى احتساب عمر المجنى عليه فى الجريمة المنصوص عليها فيها - و هو ركن من أركانها ، فإنه يجب الأخذ بالتقويم الهجرى الذى يتفق مع صالح المتهم ، أخذا بالقاعدة العامة فى تفسير القانون الجنائي ، و التى تقضى بأنه إذا جاء النص العقابى ناقصا أو غامضا فينبغى أن يفسر بتوسع لصالح المتهم و بتضييق ضد مصلحته .
(الطعن رقم 1779 لسنة 37 جلسة 1967/12/04 س 18 ع 3 ص 1208 ق 254)
16- نصت الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون العقوبات على عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إذا كان من وقع عليه فعل هتك العرض صغيراً لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة . و عدم بلوغ الصغير السابعة من عمره إنما هو ركن مميز لجريمة خاصة يختلف عقابها عن الجريمة المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من تلك المادة ، ذلك لأن الرضا فى سن الطفولة لا يعتد به بتاتاً لإنعدام التمييز و الإرادة . فإذا كانت محكمة ثانى درجة قد أوردت فى مدونات حكمها أن " المجنى عليه يبلغ من العمر من 9 - 10 سنوات و أن نموه العقلى متأخر عن سنه بحوالى أربع سنوات " إلا أنها لم تبد رأياً فيما نقلته عن التقرير الطبى الشرعى خاصاً بتأخر نمو المجنى عليه العقلى و أثر ذلك فى إرادته و رضاه . فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بالقصور فى التسبيب مما يتعين معه نقضه .
(الطعن رقم 2119 لسنة 33 جلسة 1964/04/14 س 15 ع 2 ص 318 ق 62)
17- متى كان يبين من الأمر المطعون فيه أن المجنى عليها قررت أنها ولدت فى 21 من مارس سنة 1933 و عملت فى الفترة من أول سنة 1949 حتى أكتوبر سنة 1951 كسكرتيرة للمتهم و أنه إرتكب الجريمة إبان إشتغالها طرفه ، و كانت غرفة الإتهام قد قصرت بحثها على أساس أن الواقعة - على ما روته المجنى عليها - هى وقاع بالإكراه المنصوص عليه فى المادة 267 من قانون العقوبات و لما تكشف لها أن ركن الإكراه لم يتوفر إستبعدته و إعتبرت أن الفعل بعد إستبعاد هذا الركن لا يتحقق به الجريمة المذكورة و لم تبحث الموضوع على أساس أن الواقعة لو صحت و كان الفعل قد وقع من المتهم على المجنى عليها بغير قوة أو تهديد لكانت الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون العقوبات واجبة التطبيق متى كانت شروطها قد توافرت - فإن إغفالها هذا البحث يجعل الأمر الصادر منها مخطئاً فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 237 لسنة 24 جلسة 1954/04/13 س 5 ع 3 ص 525 ق 177)
18- مجرد ارتكاب فعل هتك العرض فى الظلام وفي وحشة الليل وفي مكان غير آهل بالناس لا يفيد أنه قد تم بغير رضاء المجنى عليه .
(الطعن رقم 2002 لسنة 28 جلسة 1959/02/23 س 10 ع 1 ص 226 ق 49)
19- يتحقق الركن المادي فى جريمة هتك العرض بوقوع أي فعل مخل بالحياء العرضي للمجني عليه ويستطيل إلى جسمة ويقع على عورة من عوراته ويخدش عاطفة الحياء عنده من هذه الناحية، ولا يشترط لتوفره قانوناً أن يترك الفعل أثراً بجسم المجني عليه - ووضع الأصبع فى دبر المجني عليه هو مساس بعورة من جسمه وفيه نوع من الفحش لا يترك مجالاً للشك فى إخلاله بحيائه العرضي.
(الطعن رقم 503 لسنة 31 جلسة 1961/06/27 س 12 ع 2 ص 747 ق 144)
20- القصد الجنائي فى جريمة هتك العرض يتحقق بنية الإعتداء على موضع يعد عورة، سواء أكان ذلك إرضاء للشهوة أم بقصد الإنتقام.
(الطعن رقم 503 لسنة 31 جلسة 1961/06/27 س 12 ع 2 ص 747 ق 144)
21- متى كانت الحقائق العلمية المسلم بها فى الطب الشرعي الحديث تفيد أن تحليل فصائل الدماء قد تقطع نتيجته فى نفي نسب الطفل عند المنازعة فيه، وإن كان من غير اللازم أن تقطع فى ثبوته، واتحاد الفصائل أو اختلافها بين الأصول والفروع أياً كان الرأي العلمي فيه، هو اعتبار عام لا ينهض فى وجه ما تمسك به المتهم فى خصوص دعواه من أن الطفل لا يمكن نسبته إليه ولو بدليل محتمل، محتكماً إلى الخبرة الفنية البحت التي لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها فيها إلا بمعونة ذويها، وكان لا يعرف حاصل ما كان ينتهي إليه رأي المحكمة لو ثبت لها بيقين من نتيجة تحليل الفصائل أن الطفل لا يمكن أن يعزي إلى المتهم، وكان رد الدفاع يحدث فى وجدان القاضي ما يحدثه دليل الثبوت، فإنه كان يتعين على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهري عن طريق المختص فنياً وهو الطبيب الشرعي، أما وهي لم تفعل اكتفاء بما قالته من أنه ليس من اللازم أن تتحد فصائل دماء الأصول والفروع، فإنها بذلك تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفني فى مسألة فنية، ويكون حكمها معيباً بالإخلال بحق الدفاع مما يتعين معه نقضه.
(الطعن رقم 1217 لسنة 38 جلسة 1968/10/21 س 19 ع 3 ص 850 ق 168)
22- وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل ولا عبرة بما يكون قد دفع الجاني إلى فعلته أو بالغرض الذي توخاه منها ، ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه .
(الطعن رقم 10896 لسنة 88 ق - جلسة 6 / 2 / 2021 )
(ملحوظة من مركز الراية للدراسات القانونية: استحدث المشرع نص المادة 113 مكرراً في قانون الإجراءات الجنائية وذلك بموجب القانون رقم 177 لسنة 2020 المنشور في الجريدة الرسمية العدد 36 مكرر في 5/9/2020 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر برقم 150 لسنة 1950 ، والذي نص على أنه:
لا يجوز لمأموري الضبط أو جهات التحقيق الكشف عن بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، أو في أي من المادتين (306 مكرراً / أ ، 306/ مكرراً / ب) من ذات القانون، أو في المادة(96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، إلا لذوي الشأن.)
مركز الراية للدراسات القانونية
نصت المادة 269 عقوبات المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 على أن كل من هتك عرض إنسان لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشرة سنة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالسجن وإذا كان سنه لم يبلغ اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة مما نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، ويلاحظ أن هذه الجريمة جنحة إلى أن جاء المرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 فاعتبرها جناية بموجب رفع العقوبة في حالة توافر الظرف المشدد إلى السجن بدلاً من الحبس، وأن القانون قد اعتد بسن المجني عليه (دون الثامنة عشر) بوصفه ركناً فيها ثم جعله ظرفاً مشدداً، ولا تثير هذه الجريمة صعوبة ما، إذ يتعين الإحالة على ما ذكرناه بشأن معنى هتك العرض، مع إسقاط عنصر القوة أو التهديد الذي أسلفنا بيانه في هذه الجريمة السالف بيانها، ويبقى بعد هذا الإشارة إلى أهمية السن في هذه الجريمة.
سن المجني عليه كعنصر في الركن المادي للجريمة :
لا تقع الجريمة إلا إذا كان سن المجني عليه (ذكراً أو أنثى) دون الثمانية عشر عاماً، وللمحكمة أن تتحقق من هذا السن بسائر طرق الإثبات ومنها تقارير الأطباء إذا تعذر معرفة السن الحقيقي بالحصول على شهادة الميلاد، أو ما في حكمها، وكانت محكمة النقض تحتسب السن وفقاً للتقويم الهجري - كما سبق أن بينا، إلى أن جاء المرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 وأخذ بالتقويم میلادي.
وإذا كان العمر العقلي للمجني عليه أقل من عمره الحقيقي بسبب تخلفه العقل، فلا يعتد برضائه إذا كان التخلف العقلي لا يسمح بإعطاء رضاء حر قانوناً، وهنا يكون التخلف العقلي مانعاً للرضاء الحر رغم توافر السن الفعلي للرضاء قانوناً، فالمسألة ليست في استعاضة السن العقلي بالسن الفعلي، وإنما هي في التحقق من قدرة المجني عليه على الرضاء الحقيقي.
الظرف المشدد :
إذا كانت القاعدة هي المعاقبة على هذه الجريمة بالحبس، إلا أن العقوبة تشدد إلى السجن المشدد إذا توافر أحد ظرفين مشددين.
1- أن يكون المجني عليه دون الثانية عشر .
2- أن يكون الجاني ممن نصت عليهم الفقرة الثانية من المادة 267 عقوبات، أي من أصول المجني عليه أو المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان خادماً بالأجر عنده أو عند من تقدم ذكرهم.
ولم يشدد القانون العقوبة فيما لو اجتمع الطرفان معاً .
وقد كان القانون رقم 568 الصادر سنة 1955 بتعديل قانون العقوبات قد استحدث هذه الجريمة وعاقب عليها بعقوبة المخالفة إلا في حالة العود فقد عاقب عليها بعقوبة الجنحة. وجاء القانون رقم 29 لسنة 1982 فعدل هذه المادة بما يجعل هذه الجريمة جنحة.
والمصلحة المحمية في هذه الجريمة هي الحياء العام بالإضافة إلى أخلاق أفراد المجتمع، فالقانون يريد حماية هذه المصلحة في مواجهة ما يخدش هذا الحياء وما ينبه الناس إلى ما يفسد أخلاقهم.
وهذه الجريمة هي من جرائم الخطر العام، فهي تعرض المصلحة المحمية للخطر، فلا يشترط لوقوعها حدوث أي ضرر.
الركن المادي للجريمة :
يتوافر الركن المادي لهذه الجريمة بتحريض المارة على الفسق بإشارات أو أقوال في محل عام أو مكان مطروق، وعلى ذلك يلزم تحقق عنصرين أساسيين هما تحريض المارة على الفسق، وأن يكون ذلك في طريق عام أو مكان مطروق.
أولاً: تحريض المارة على الفسق:
التحريض قانوناً هو بث فكرة معينة أو تزيينها أو تحسينها أو تحبيذها في ذهن شخص ما بغية التأثير عليه لاعتناق هذه الفكرة وتحقيقها.
وفي هذه الجريمة لا يشترط لوقوعها تحقيق التأثير المراد إحداثه من التحريض فعلاً، بل يكفي مجرد صدور فعل يوصف في حد ذاته بأنه نوع من التحريض على النحو الذي بيناه آنفاً، والمعيار هنا موضوعي بحت ينظر فيه إلى طبيعة الفعل في حد ذاته بغض النظر عن طبيعة الأشخاص الموجه إليهم ومدى قابليتهم للتأثر به وبناء على ذلك تقع الجريمة ولو لم يعرف المارة الذين وجه إليهم التحريض، أو كان التحريض بقول لم يسمعه أحد من المارة، فالخطر العام هو النتيجة القانونية لهذه الجريمة.
والمراد بالفسق الأعمال الجنسية غير المشروعة التي تقع من المرأة أو الرجل ، سواء بالمواقعة أو دون ذلك من الأفعال التي تهدف إلى أي مساس شهواني، فالفسق تعبير عام له مدلول أوسع من تعبير البغاء الذي يعني الفجور والدعارة، وكلاهما نوع من ارتكاب الفحشاء مع الناس بغير تمييز، فإن ارتكبه الرجل فهو فجور وإن قارفته أنثى فهو دعارة، وقد قضت محكمة النقض أن التحريض على الفسق في مكان عام لا يتحقق إلا بصدور إشارات أو أقوال من الجاني تنطوي على إيحاءات جنسية، وأنه بناء على ذلك فإن دعوة الطاعنة صديقتها للخروج من المدرسة لقضاء وقت ممتع يتسع لأفعال غير مؤلمة ولا تتحقق بما جريمة التحريض .
(2) نقض 22 ديسمبر سنة 1996، مجموعة الأحكام، س 47، رقم 197 ص 1379.
ويشترط القانون أن يقع التحريض بوسيلة معينة هي الإشارة أو القول، والمراد بالإشارة كل أنواع الإيماءات والحركات أياً كان شكلها التي تصدر من الجاني تجاه المارة، أما القول فهو العبارة الشفوية التي ينطق بها الجاني سواء مباشرة أو من خلال تسجيل معين، ويشترط بطبيعة الحال أن تكون الإشارات أو الأقوال دالة بذاتها على الغرض منها، وهو التحريض على الفسق.
ولم ينص القانون في المادة 269 مكرراً على التحريض بالكتابة أو الرسوم أو الصور أو غير ذلك من صور النشر، لكن يمكن أن يندرج الفعل تحت طائل العقاب طبقاً للمادة 14 من القرار بقانون رقم 10 لسنة 1961 بشأن مكافحة الدعارة الذي عاقب كل من أعلن بأية طريقة من طرق الإعلان دعوة تتضمن إغراء بالفجور أو الدعارة أو لفت الأنظار إلى ذلك.
ويستوي أن يكون المحرض على الفسق هو الذي يعرض نفسه للفسق مع أحد المارة أو أن يقصد الفسق مع غيره، كالقوادين الذين يعيشون في الطرقات لتصيد العملاء لحساب البغايا أو نحوهم.
ولا يشترط أن يوجه المحرض على الفسق إشارته أو حديثه إلى شخص معين من المارة، لأن التحريض الذي تقوم به الجريمة هو التحريض العام لا التحريض الخاص الموجه لفرد معين.
ثانياً: أن يكون التحريض في طريق عام أو مكان مطروق :
رأى المشرع أن الخطر العام الذي ينتج من فعل التحريض على الفسق يتطلب وقوع الفعل في طريق عام أو في مكان مطروق، وهو مما تتوافر به العلانية، لكن العلانية التي يتطلبها القانون هي علانية محددة بالطريق العام أو المكان المطروق، فلا تقع الجريمة إذا وقع فعل التحريض في مكان خاص على مرأى أو مسمع ممن في الخارج، وهنا تختلف العلانية في هذه الجريمة عن العلانية في جريمة الفعل الفاضح.
ولا يشترط وقت وقوع التحريض مرور أحد من المارة، إذا كان من المحتمل أن يمر أحد وقت هذا الفعل، كمن يقف في طريق عام ومعه مسجل يذيع أغنية تحرض على الفسق، فتقع الجريمة ولو لم يمر أحد وقت إذاعة الأغنية، مادام مرور بعض الناس أمراً محتملاً ومتوقعاً، كما لا يشترط أن يشاهد الفعل أو يسمعه أحد من المارة، فالمرأة التي تمس في آذان المارة لتحريضهم على الفسق بما قد لا يصل الهمس إلى مسامعهم، والشخص الذي يجلس في سيارة مغلقة قد يتحدث إلى بعض المارة أو يشير إليهم دون أن يلحظوا ما صدر عنه إذ لم ينتبهوا إليه، وعلة ذلك أن القانون لا يشترط أن يحدث التحريض أثره على الغير.
ويستوي في المارة أن يكونوا جالسين أو راكبين أو سائرين، فيعد من المارة مرتادو المقاهي والواقفون أمام المحلات العامة في الطريق العام أو البائعون داخل الأكشاك أو ركاب وسائل النقل العام، مادام فعل التحريض قد صدر في طريق عام أو مكان مطروق مما يوجد به هذا النوع من الناس.
الركن المعنوي :
هذه الجريمة عمدية يتطلب القانون لوقوعها توافر القصد الجنائي العام، ويكفي توافر هذا القصد الجنائي لوقوع الجريمة، فلا عبرة بالباعث على ارتكابها، ومن ثم فلا يصلح دفاعاً الادعاء بأن الجاني كان يهدف من أغنيته التي تحرض على الفسق مجرد إحداث الطرب، ولا يصلح دفاعاً أيضاً الادعاء بأن الإشارة أو القول كان لمجرد المداعبة.
العقوبة :
عاقب القانون على هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على شهر، وشدد العقاب إذا توافر لدى الجاني عود خاص مؤقت، وذلك إذا عاد إلى ارتكابها خلال سنة من تاريخ الحكم عليه في الجريمة الأولى، والعبرة هنا هي بالحكم البات، أي الحكم الذي استنفد جميع طرق الطعن شاملة الطعن بالنقض.
وفي حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً، ويستتبع الحكم بالإدانة في حالة العود وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة، وهي عقوبة تبعية تترتب بقوة القانون.
ويلاحظ أن هذا الفعل قد يتعدد تعدداً معنوياً مع الجريمة المنصوص عليها في المادة 14 من القرار بقانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة، وهي الإعلان عن دعوة تتضمن إغراء بالفجور أو الدعارة أو لفت الأنظار إلى ذلك، والعقوبة الأصلية لهذه الجريمة الأخيرة هي الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي هذه الحالة يعاقب الجاني بعقوبة الجريمة المنصوص عليها في المادة 14 من القرار بقانون رقم 10 لسنة 1961 بوصفها الجريمة ذات العقوبة الأشد.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة : 262)
هتك العرض :
تعريف : هتك العرض هو الإخلال العمدي الجسيم بحياء ۔ المجنى عليه بفعل يرتكب على جسمه ، ويمس في الغالب عورة فيه.
وقد خصص الشارع لهتك العرض نصين : أولهما هو المادة 268 من قانون العقوبات المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 20111 والتي قضت بأن « كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالسجن المشدد، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نص عنهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معاً يحكم بالسجن المؤبد، أما النص الثاني فهو المادة 269 من قانون العقوبات ، المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة ۲۰۱۱ ، التي قررت أن «كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشر سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالسجن . وإذا كان سنه لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات».
جريمتا هتك العرض : ليس هتك العرض جريمة واحدة ذات ظروف مشددة أو ذات عذر قانوني، وإنما هو جريمتان متميزتان، ولكل منهما أركانها الخاصة بها : الجريمة الأولى، هي هتك العرض بالقوة أو التهديد، والجريمة الثانية هي هتك العرض دون قوة أو تهديد، فالأولى تتطلب من بين أركانها القوة أو التهديد، والثانية تفترض انتفاء هذا الركن وحلول ركن آخر محله، هو صغر سن المجني عليه وبين الجريمتين ركن مشترك، هو أهم أركانهما، وهو الركن المادي، وتنال الجريمتان بالاعتداء ذات الحق ، وإن اختلفت کيفية هذا الاعتداء.
الحق المعتدى عليه بهتك العرض : هذا الحق هو «الحرية الجنسية»، فعلى الرغم من أن هتك العرض لا يفترض اتصالاً جنسياً بين الجاني والمجني عليه إلا أنه يفترض «فعلاً جنسياً»، فالفعل المخل بالحياء علی نحو جسيم هو بحسب المجرى العادي للأمور تمهيد لاتصال جنسي أو هو على الأقل يثير في ذهن المجني عليه فكرة الاتصال الجنسي، وهو اتصال لا يرغب فيه ، فثمة فعل جنسي ارتكب على جسمه دون إرادته، وبالإضافة إلى ذلك فهذه الجريمة تنطوي على مساس بالشرف وحصانة الجسم والحرية بصفة عامة على نحو ما تبيناه في الاغتصاب، وهذه المعاني في الاعتداء واضحة حين يرتكب هتك العرض بالقوة أو التهديد، أي حين يرتكب دون رضاء المجنى عليه، ولكن هذه المعاني واضحة كذلك حين يرتكب هتك العرض دون قوة أو تهديد، فعلى الرغم من رضاء المجنى عليه بالفعل، فإن هذا الرضاء ليست له قيمة قانونية كاملة بالنظر إلى صغر سن المجني عليه .
هتك العرض دون قوة أو تهديد :
تمهيد : نص الشارع على هذه الجريمة في المادة 269 من قانون العقوبات، المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 ، التي قضت بأن «كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنين»، ولهذه الجريمة صورة بسيطة تقوم إذا توافرت لها أركانها، ولها صورتان مشددتان تفترض إحداهما أن المجني عليه لم يجاوز الثانية عشرة وتفترض الثانية توافر صفة في الجاني.
المطلب الأول
هتك العرض دون قوة أو تهديد في صورته البسيطة :
أركان هتك العرض دون قوة أو تهديد في صورته البسيطة، تتطلب هذه الجريمة ركناً مادياً قوامة الفعل الذي يخل بحياء المجنى عليه على نحو جسيم ، فهو - من حيث المبدأ – ذات الفعل الذي تقوم به جريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد ، وتفترض صغر سن المجني عليه، أي عدم بلوغه الثامنة عشرة من عمره، وتتطلب رکناً سلبياً هو انتفاء القوة أو التهديد، وتتطلب في النهاية توافر القصد الجنائي لدى مرتكبها.
وعلة تجريم هتك العرض دون قوة أو تهديد على الرغم من رضاء المجني عليه به أن صغر سنه، وما يرتبط به بالضرورة من ضعف عن مقاومة إغراء الغواية الجنسية، وما يعنيه من نقص في الخبرة بالحياة ، وعجز عن فهم كامل لماهية الفعل ، وعن تقدير صحيح لمخاطرة، كل ذلك يجعل هذا الرضاء غير ذي قيمة قانونية كاملة، مما ينفي عنه أن يعتبر استعمالاً صحيحاً من المجني عليه لحريته الجنسية، ولا ينفي بالتالي عن فعل المتهم أنه اعتداء على هذه الحرية، بما يحقق العلة العامة لتجريم الاعتداء على العرض.
الركن المادي لجريمة هتك العرض دون قوة أو تهديد يخضع هذا الركن الذات القواعد التي يخضع لها في جريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد، ولكن يرد على تماثله في الجريمتين قيد يتسع به نطاق هذا الركن في جريمة هتك العرض دون قوة أو تهديد، إذ يتسع وفقاً للرأي الراجح في الفقه والقضاء للصلة الجنسية الكاملة بمن يقل عمرها عن الثامنة عشرة في حين أن هذه الصلة مستبعدة من نطاق هتك العرض بالقوة أو التهديد لدخولها في نطاق الاغتصاب، فإذا كانت الصلة الجنسية برضاء من لم تكتمل الثامنة عشرة من عمرها، فإن هذا الرضاء ينفي عن الصلة أن تعتبر اغتصاباً، إذ يفترض الاغتصاب انتفاء الرضاء، ومن ثم فلا يبقى للفعل غير أنه إخلال بحياء المجني عليها بالغ أقصى درجات الجسامة، ووفقاً لهذا الوصف يعد هنكاً لعرضها ويعني هذا التكييف أن يسوي - في المسئولية والعقاب - بين هذه الصلة وبين أفعال أقل منها من حيث الفحش.
وليس من عناصر هذا الركن أن يكون المجني عليه قد فهم طبيعة الفعل، أو أن يكون حياؤه قد خدش أو أن يكون له تأثير سيء على أخلاقه، فمن المتصور ألا يتحقق شيء من ذلك لصغر سنه، وسواء أن يأتي الجاني الفعل على جسم المجنى عليه أو أن يدعوه لإتيان هذا الفعل عليه.
سن المجني عليه: تفترض هذه الجريمة أن المجني عليه لم يبلغ من عمره ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، وهذا الركن هو أهم أركان الجريمة لاتصاله بعلة تجریمها، باعتبار أن صغر السن يعني - كما قدمنا - أن إرادة المجنى عليه بالرضاء بالفعل غير ذات قيمة قانونية كاملة، ويثير هذا الركن البحث في عدد من الموضوعات : طبيعة هذا الركن ، والتقويم الذي يحتسب وفقاً له السن، وحكم التخلف العقلي للمجني عليه، وكيفية إثبات توافر هذا الركن.
طبيعة ركن السن: نريد بالبحث في طبيعة هذا الركن أن نحدد ما إذا كان موضوعياً العبرة فيه بحقيقة سن المجني عليه، أم شخصياً العبرة فيه بتقدير الجاني لهذه السن بحيث لو اعتقد أن المجني عليه قد جاوز الثامنة عشرة في حين كان في الحقيقة أقل من ذلك كان ذلك نافياً للجريمة، أجابت على ذلك محكمة النقض بأن «العبرة في السن في جريمة هتك العرض هي بالسن الحقيقية للمجنى عليه ولو كانت مخالفة لما قدره الجاني أو قدره غيره من رجال الفن اعتماداً على مظهر المجني عليه وحالة نمو جسمه أو على أي سبب آخر» ويعني ذلك أن العبرة هي بما يصل إلى اقتناع المحكمة عن حقيقة سن المجني عليه استناداً إلى وسائل الإثبات التي يجيز القانون اعتمادها عليها، ولا أهمية بعد ذلك لكون الجاني قد اعتقد أن سنه أكثر من ذلك أو أن رجل الفن قد قدره بأكثر من ذلك أو أن مظهر المجني عليه ونضوجه الجنسي وخبرته تحمل على الاعتقاد بتجاوزه هذه السن، ومؤدی ذلك أن لهذا الركن طابعاً موضوعياً.
التقويم الذي يحتسب وفقاً له من المجني عليه : قضت محكمة النقض باحتساب هذه السن وفقاً للتقويم الهجري، وعللت ذلك بأن هذا التقويم هو « الذي يتفق مع صالح المتهم أخذاً بالقاعدة العامة في تفسير القانون الجنائي، والتي تقضي بأنه إذا جاء النص العقابي ناقصاً أو غامضاً فينبغي أن يفسر بتوسع لمصلحة المتهم وبتضييق ضد مصلحته، وأنه لا يجوز أن يؤخذ في قانون العقوبات بطريق القياس ضد مصلحة المتهم» وحجة المحكمة محل نظر : فتفسير النص يجب أن يستهدف تحري قصد الشارع به، فإن تكشف هذا القصد تعين إعماله سواء كان في مصلحة المتهم أو ضد مصلحته، ولا وجه للاحتجاج بمصلحة المتهم إلا إذا استحال - في صورة قاطعة - الكشف عن قصد الشارع وعندنا أن المادة 560 من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت على أن «جميع المدد المبينة في هذا القانون تحسب بالتقويم الميلادي» تعتبر مقررة القاعدة العامة في المواد الجنائية كافة، إذ لا يجوز أن يؤخذ بتقويم في تطبيق قانون الإجراءات الجنائية وبتقويم آخر في تطبيق قانون العقوبات للارتباط الوثيق بين القانونين.
وقد حسم المشرع هذا الخلاف فنص في المواد 267، 268، 269 الخاصة بالاغتصاب وهتك العرض والمستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 11 السنة 2011 الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة على أن السن المنصوص عليه في هذه المواد يحتسب وفقاً للتقويم الميلادي .
التخلف العقلي للمجني عليه : إذا أثبت الفحص العقلي للمجني عليه أن عمره العقلي يقل عن سنه المثبتة في شهادة ميلاده أو ما يعادلها من وسائل إثبات السن، فهل تكون العبرة بالعمر العقلي أم بالسن الفعلية ؟ ولهذا التساؤل أهميته إذا كانت سن المجني عليه تجاوزت الثامنة عشرة بقليل التاسعة عشرة مثلاً، ولكنه متخلف عقلاً عن ذلك بأربع سنوات مثلاً بحيث لا تزيد مدارکه وخبراته عمن كان في الخامسة عشرة من عمره : هل تقوم الجريمة إذا أتى الجاني فعله برضاء هذا المجني عليه ؟ نعتقد وجوب الاعتداد بالعمر العقلي، إذ هو المتصل بعلة التجريم، فمن ثبت أن إدراكه وخبرته تقل عما يتوافر عادة لدى من بلغ الثامنة عشرة يجب أن تنتفي عن إرادته القيمة القانونية الكاملة، ولا يعترف له بالسلطة في استعمال حريته الجنسية، وإذا كان الشارع قد أشار إلى السن الفعلية فقط ، فلأنه افترض أنها كاشفة عن العمر العقلي، إذ هما في الغالب متطابقان، ولكن إذا ثبت اختلافهما، كانت العبرة بحقيقة النضوج العقلي لا بالمظهر الكاشف عنه، ويبدو أن محكمة النقض قد أخذت بهذا الرأي.
إثبات سن المجني عليه : الوسيلة المعتادة لإثبات سن المجني عليه هي شهادة ميلاده أو مستخرج رسمي منها : فإذا وجدت هذه الشهادة التزمت المحكمة بما أثبتته ، فلا يجوز لها أن تهدر ما هو ثابت فيها إلا إذا ثبت تزويرها، ومن ثم يعتبر الحكم معيباً إذا أحال المجني عليه إلى الطبيب التقدير سنه على الرغم من وجود شهادة الميلاد واعتمد على ما قرره هذا الطبيب وجاء مخالفاً لما هو ثابت في شهادة الميلاد، ومن باب أولى يكون الحكم معيباً إذا اعتمد على أقوال المجني عليه أو أحد أبوية في تقدير السن وعلى الرغم من وجود شهادة الميلاد، ولا يشترط أن تطلع المحكمة على شهادة الميلاد، بل يكفي أن تطلع على ورقة رسمية أخرى نقلت بياناتها عن شهادة الميلاد ، كمستخرج رسمي منها أو إفادة من المدرسة أو جهة العمل التي التحق بها المجنى عليه.
وتنص المادة من قانون الطفل - رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 - في فقرتيها الثانية والثالثة على أن تثبت السن بموجب شهادة الميلاد أو بطاقة الرقم القومى أو أي مستند رسمي آخر، فإذا لم يوجد المستند الرسمي أصلاً قدرت السن بمعرفة إحدى الجهات التي يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الصحة»
انتفاء القوة أو التهديد : تفترض هذه الجريمة ركناً سلبياً ، هو انتفاء القوة أو التهديد أو ما يعادلهما من الحالات التي تزول فيها عن الإرادة القيمة القانونية كالجنون أو النوم أو التدليس أو المباغتة .... ، فالفرض أن المجني عليه راض عن الفعل - وهو على بينة من أمره - ولولا صغر سنه لما كان لجريمة هتك العرض محل، فإذا توافرت القوة أو التهديد أو إحدى الحالات المعادلة لهما انتفت هذه الجريمة، وقامت بدلاً منها جريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد.
القصد الجنائي : يفترض القصد الجنائي في هذه الجريمة علم الجاني بصفة فعله من حيث إخلاله الجسيم بحياء المجني عليه، وعلمه بعدم مشروعيته، وعلمه بسن المجنى عليه، ويتطلب القصد بعد ذلك اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب هذا الفعل، ولا عبرة بالبواعث التي دفعت إلى الفعل، فلا يشترط أن يكون باعثه إليه إشباع شهوة، فقد يكون مجرد الانتقام ويخضع القصد الجنائي في هذه الجريمة لأحكام قريبة من الأحكام التي يخضع لها في جريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد، فينتفي القصد إذا جهل الجاني أن فعله يخل بحياء المجني عليه إخلالاً جسيماً، سواء لأنه اعتقد أنه غير مخل بالحياء على الإطلاق، أو اعتقد أن إخلاله بالحياء يسير، وينتفي القصد إذا اعتقد الجاني مشروعية فعله، وأبرز أمثلة ذلك أن يأتي فعله على من يربطه بها عقد زواج باطل أو فاسد جاهلاً سبب بطلانه أو فساده، ومن يأتي فعله على مطلقته رجعياً معتقداً - لخطأ في الحساب- أن العدة لم تنقض بعد، أو يأتيه على مطلقته بائناً معتقدا أن من حقه إتيانه أثناء عدتها.
والأصل أن يعلم الجاني بحقيقة سن المجنى عليه ، فإن جهلها فقد تعلق جهله بركن في جريمة فينتفي به القصد، وصورة ذلك أن يعتقد أن المجني عليه قد أتم الثامنة عشرة، والحقيقة أن سنه تقل عن ذلك، ولكن محكمة النقض افترضت علم المتهم بحقيقة سن المجني عليه، واعتبرت القصد في الفرض السابق متوافراً، بل أنها قررت أنه «لا يقبل من المتهم الدفع بجهله هذه السن إلا إذا اعتذر عن ذلك بظروف قهرية أو استثنائية، وتقدير هذه الظروف من شأن محكمة الموضوع، ولا دخل لمحكمة النقض فيه مادام مبنياً على ما يسوغه من الأدلة» وعللت ذلك بأن «كل من يقدم على مقارفة فعل من الأفعال الشائنة في ذاتها أو التي تؤثمها قواعد الآداب وحسن الأخلاق يجب عليه أن يتحرى بكل الوسائل الممكنة حقيقة جميع الظروف المحيطة قبل أن يقدم على فعلته، فإذا هو أخطأ التقدير حق عليه العقاب عن الجريمة التي تتكون منها ما لم يقم الدليل على أنه لم يكن في مقدوره بحال أن يقف على الحقيقة.
ولم ينف هذا القضاء عن العلم بحقيقة سن المجني عليه أن يكون عنصراً في القصد الجنائي، ولكنه أخضع إثباته لقواعد خاصة : فلم يلزم النيابة العامة - تطبيقاً للقواعد العامة - بإثباته، بل افترضه لدى المتهم ثم أجاز له إثبات جهله به، ولكنه لم يقبل منه أي دليل، بل تطلب أن يثبت أن جهله يرجع إلى ظروف قهرية أو استثنائية، وأنه تبعاً لذلك لم يكن في مقدوره بحال أن يقف على الحقيقة، ويبرر هذا القضاء أن السن حالة يحيطها القانون بالعلانية ويكفل لها الإشهار ويجعل لكل شخص شهادة تثبت تاريخ ميلاده، ويفترض بعد هذه الإجراءات أن حقيقة السن معروفة للكافة، وبالإضافة إلى ذلك فالمظهر الخارجي لكل شخص يكشف غالباً عن حقيقة سنه.
وليست البواعث - تطبيقاً للقواعد العامة - من عناصر القصد، فإذا كان الباعث إلى الفعل عادة هو إرضاء الشهوة، فقد يكون الباعث في بعض الحالات هو الانتقام من المجني عليه أو أهله، كمن يغرر بفتاة استجلاباً للعار على أسرتها، أو الكسب المادي، كما إذا تقاضى نظيره مالاً من المجني عليه، ولكن تنتفي الجريمة إذا اعتبر الفعل عملاً طبياً كفحص الطبيب جسم المريضة التي تقل سنها عن الثامنة عشرة وما قد يرتبط بذلك من اطلاعه برضائها على عورات جسمها أو مساسه بها، طالما كانت الأصول الطبية هي التي فرضت ذلك، ونعتقد أن ذات الحكم يطبق على كل عمل تمارس به مهنة اعترف بها النظام القانوني وكان ضرورياً أو ملائماً لمباشرتها وفق أصولها الفنية، كعمل المدلك أو المجبر.
عقوبة الجريمة : حدد الشارع عقوبة هذه الجريمة بالسجن بين حديها الأدنى والأقصى العامين، ويستعمل القاضي سلطته التقديرية بين هذين الحدين وفقاً للقواعد العامة : ومن بين الاعتبارات التي يسترشد بها القاضي في الهبوط بالعقوبة أن يؤتي الفعل بناء على طلب المجنى عليه، أو أن تكون سنه قد اقتربت من الثامنة عشرة، أو أن يكون سيء الخلق، أو أن يعقب الفعل زواج المتهم بالمجني عليها، ومن الاعتبارات التي تحمل على الارتفاع بالعقوبة في حدود السلطة التقديرية السابقة أن يكون المجني عليه صغير السن (ولكن قد جاوز الثانية عشرة سنة ميلادية كي لا يتوافر الظرف المشدد) أو أن تكون المجني عليها حسنة السمعة وعانت من إغراء قوي تعرضت له من قبل المتهم أو أن ينكث المتهم بوعد بالزواج كان قد أغراها به على الرضاء بالفعل.
ويعاقب المشرع على الشروع في هذه الجريمة، إذ هي جناية ، والشروع في الجناية معاقب عليه دائماً.
الظرفان المشددان للجريمة : نص الشارع على تشديد العقاب بقوله «وإذا كان سنه أي سن المجني عليه) لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات»، وقد نص الشارع على ظرفين مشددين، كل منهما مستقل عن الآخر ويكفى بذاته لتشديد العقاب على النحو الذي بينه النص : الأول مصدره سن المجنى عليه، وكونه لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة، والثاني مرده إلى صفة الجاني وكونه «من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن له سلطة عليه أو خادماً بالأجر عنده أو عند من تقدم ذكرهم .
فالظرف الأول لا يثير التحقق منه صعوبة، إذ يقوم على عنصر وحيد هو سن المجني عليه، والعبرة بسنه وقت ارتكاب الفعل الذي تقوم به الجريمة، ويخضع السن لذات القواعد التي سلف تفصيلها عند البحث في «عدم اكتمال المجني عليه سن الثامنة عشرة» كركن تقوم عليه هذه الجريمة : فالعبرة بالسن الحقيقية للمجني عليه، ويفترض علم المتهم بهذه السن، وإذا ادعى جهله بها فلا يقبل منه أي دليل وإنما يتعين أن يثبت أن جهله يرجع إلى ظروف قهرية أو استثنائية، وتحتسب هذه السن وفق ذات التقويم الذي يحتسب له سن الثامنة عشرة كركن في الجريمة ، وهو - وفقاً النص المادة 269 المستبدل بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 - التقويم الميلادي، وتتبع في إثباته ذات القواعد التي سبق تفصيلها، ويعلل اعتبار هذا السن ظرفاً مشدداً بأن المجني عليه قد تجردت إرادته من القيمة القانونية تماماً، إذ قد انتفى التمييز لديه، ويعني ذلك أن رضاءه بالفعل لا قيمة له وأن وضعه يعادل وضع من لم يرض بالفعل .
والظرف المشدد الثاني لا يثير بدوره صعوبة، فقوامه صفة من الصفات السابقة توافرت لدى الجاني، وهذه الصفات هي ذاتها التي نصت عليها المادة 267 من قانون العقوبات (الفقرة الثانية) في شأن جريمة الاغتصاب و أحالت إليها المادة 268 في صدد هتك العرض بالقوة أو التهديد، ولهذه الصفات ذات الدلالة في هذه الجرائم الثلاث، وعلة تشديدها العقاب واحدة.
والعقوبة التي يقررها القانون لهتك العرض دون قوة أو تهديد إذا توافر له أحد الظرفين السابقين في السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، ولم ينص الشارع على مزيد من التشديد إذا اجتمع هذان الظرفان على نسق ما فعل بالنسبة لهتك العرض بالقوة أو التهديد، وبناء على ذلك فالعقوبة عند اجتماع الطرفين هي ذاتها العقوبة إذا لم يتوافر سوی طرف واحد.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 623)
يعد هتك العرض بغير قوة ولا تهديد من الجنح إذا كان المجني عليه قد بلغ السابعة من عمره دون أن يبلغ الثامنة عشرة ولم يكن وقوع الفعل من أحد ممن تنص عليهم الفقرة الثانية من المادة 267 من قانون العقوبات وبهذا يجعل القانون صغر السن أساساً للمسئولية والعقاب ويعده قرينة قاطعة على انعدام الرضاء، ولم يرد ما يقابل المادة 269 بالنسبة للاغتصاب إذا وقع على أنثى دون الثامنة عشرة برضائها ولكن لما كان الاغتصاب يتضمن هتك العرض فإن نص المادة 269 من باب أولى على من يواقع أنثى دون الثامنة عشرة برضائها ولا نزاع في أن الجريمة لا تقع من زوج على زوجته فكل ما يأتيه عليها برضائها مباح له شرعاً بغض النظر عن سنها ولما كان من المجني عليه ركناً في هذه الجريمة وجب بيانه في الحكم مع الركنين الآخرين وتحسب السن بالتاريخ الهجري فالقانون لم ينص على أي التقويمين يتبع والتقويم الهجري أصلح للمتهم والعبرة هي بالسن الحقيقة للمجنى عليه ولو كانت مخالفة لما قدره الجاني أو قدره غيره من رجال الفن اعتماداً على مظهر المجني عليه وحالة جسمه أو على سبب آخر.
جناية هتك العرض :
شدد المشرع العقاب على هتك العرض بغير قوة فارتفع بهذه الجريمة إلى مصاف الجنايات وذلك في حالتين هما : عدم بلوغ المجنى عليه سن السابعة ووقوع الفعل ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 عقوبات وذلك على التفصيل الآتي:
1- عدم بلوغ المجني عليه سن السابعة :
اعتبر المشرع عدم بلوغ المجني عليه سن السابعة ركناً في هذه الجريمة لا يقوم بدونه فإذا توافر هذا الركن تغير نوع الجريمة من جنحة إلى جناية عقوبتها السجن المشدد والعبرة بسن المجني عليه وقت ارتكاب الفعل الذي تقوم به الجريمة وفقاً للتقويم الهجري ويفترض علم المتهم بالسن الحقيقة إلا إذا أثبت أن جهله بها راجع إلى ظروف قهرية و استثنائية.
2- صفة الجاني :
عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون العقوبات، فإن العقوبة تشدد أيضاً إذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفترة الثانية من المادة 267 أي إذا كان من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم وهنا تكون - العقوبة السجن المشدد.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 654)
الركن المادي :
فعل مخل بالحياء العرضي للمجني عليه يستطيل إلى جسمه :
المساس بالحياء العرضي بالمجني عليه في هتك العرض يلزم أن يتم بفعل يستطيل إلى جسمه، وعلى ذلك فإنه إذا كان الثابت أن ما باشره الجاني من أفعال قد جاءت قاصرة على جسمه هو (أي جسم الجاني) دون أن تمتد إلى جسم المجني عليه، عن طريق حاسة البصر أو السمع، فلا يسأل عن هتك عرض من يكشف عن عضوه التناسلي لشخص آخر، أو يكرهه على رؤيته وهو يمارس الجنس مع غيره، وإن كان الجاني يسأل في هذه الأحوال عن جريمة الفعل الفاضح.
المساس الجسيم بالحياء العرضي ( معيار العورة):
لا قيام لجريمة هتك العرض ما لم يكن فعل الجاني الذي استطال إلى جسم المجني عليه قد بلغ درجة من الفحش يمكنه أن يوصف معها بأنه قد مس بالحياء العرضي للمجني عليه وكان مساسه به على قدر من الجسامة، فالمساس اليسير بالحياء العرضي لا يوفر به هتك العرض وإن جاز أن يشكل جريمة الفعل الفاضح.
وفي محاولة منها لوضع ضابط لماهية المساس الجسيم بالحياء العرضي الذي يميز هتك العرض عن جريمة الفعل الفاضح في الأحوال التي ترتكب فيها هذه الأخيرة بأفعال تستطيل إلى جسم المجني عليه - فقد تبنت محكمة النقض معيار "العورة" إذ جرى قضاؤها على أنه "يتحقق الركن المادي في جريمة هتك العرض بوقوع أي فعل مخل بالحياء العرضي بالمجني عليه ويستطيل إلى الجسم ويقع على عورة من عوراته ويخدش عاطفة الحياء عنده من هذه الناحية، وعلى ذلك فأنه إذا كان الفعل الذي أتاه الجاني - وعلى ما تبين مما جرى عليه قضاء النقض - لا يعد جسيماً في معنى المساس بالحياء العرضي للمجني عليه، ومن ثم لا تقوم به جريمة هتك العرض وان جاز أن يتحقق به الفعل الفاضح.
ويقصد بعورات الجسم الأجزاء الداخلة في خلقة كل إنسان وكيانه الفطري والتي لا يجوز العبث بحريتها ويحرص الفرد على صونها وحجبها عن الأنظار، والمرجع في تحديد ما يعد من العورات وما لا يعد كذلك إلى العرف الاجتماعي السائد في البيئة التي ارتكب فيها الفعل، وقد اعتبر قضاء النقض أن كل عورة يشكل المساس بها إخلاء جسيمة بالحياء العرض بالمجنى عليه بما تقوم به جريمة هتك العرض، ومن أمثلة ذلك:
(1) وضع الجاني إصبعه في دبر المجنى عليه.
(2) وضع الجاني يده على إلية المجني عليه واحتضانه ووضع قلبه في يده.
(3) قرص المجنى عليها في عجزها أو في فخذها.
(4) استلقاء المتهم فوق المجني عليها بعد أن طرحها أرضاً.
بينما لا يعتبر مساساً بعورة، مما لا تقوم به جريمة هتك العرض التامة، مجرد التحسيس على شعر الفتاة أو التقبيل من الوجنتين، أو الإمساك باليد وتقبيلها أو ملامسة القدم حتى ولو كانت هذه الأفعال قد ارتكبت بدافع من الشهوة الجنسية.
وتبنى محكمة النقض لمعيار العورة كضابط لما يعد مساساً جسيمة بالحياء العرضي للمجني عليه، بما يقوم به الركن المادي في هتك العرض، لا يعني وجوب ملامسة الجاني لعورة المجني عليه ملامسة مخلة بالحياء وإنما يكفي أن يكون الجاني قد كشف عن هذه العورة ولو لم يقترن ذلك بفعل مادي آخر من أفعال الفحش، فالجريمة تتوافر بالكشف عن عورة الغير أو ملامستها دون كشف عنها أو بالأمرين معاً.
وعلى ذلك يعد هتكاً للعرض مجرد قيام الجاني بخلع سروال المجني عليها والكشف عن عورتها ولو لم يأتي بأي فعل آخر يأكل مساساً بها، وإجبار الجاني المجني عليهم بخلع ملابسهم بما كشف عن عوراتهم ولو لم يكن قاصداً المساس بأجسامهم بل قصد مجرد تعذيبهم بتعريضهم للبرد، وكذلك قيام الجاني بتمزيق ملابس المجني عليها بما يكشف عن ثديها ولو لم يلامسها.
الإخلال الجسيم بالحياء العرضي دون مساس بالعورة :
ظاهر مما تقدم أن قضاء النقض قد جرى على الأخذ بمعيار العورة كضابط لما يعد مساساً جسيمة بالحياء العرضي للمجني عليه بما يتحقق به الركن المادي في جريمة هتك العرض.
إلا أنه قد تبين للمحكمة أن الاقتصار على الأخذ بهذا المعيار يؤدي إلى إخراج أفعال من دائرة هتك العرض على الرغم من بلوغها درجة من الفحش تنطوي لا محالة على إخلال جسيم بالحياء العرضي ولو أنها لا تمس ما يعد من العورات في جسم المجنى عليه، وقد حدا هذا بالمحكمة إلى أن تقرر أنها لم ترد بمعيار العورة حصر الحالات التي يصح أن تندرج تحت جريمة هتك العرض والقول بأن ما عداها خارج تماما عن الجريمة المذكورة وإنما هو مبدأ جنائي تناولت فيه المحكمة جريمة هتك العرض من ناحيتها الأكثر وقوعاً، تلك الناحية التي يقع فيها المساس بجزء من جسم المجني عليه يدخل عرفة في حكم العورات وقطعت المحكمة بأن مثل هذا المساس يجب حتماً وفي كل الأحوال أن يعد من قبيل هتك العرض لما فيه من الإخلال بحياء المجني عليه العرضي، وظاهر أن هذا لا يفيد أن أفعال هتك العرض محصورة في هذه الناحية أو أن الجريمة لا يتصور وقوعها إلا على هذا النحو، بل قد يتصور العقل في أحوال قد تكون في ذاتها نادرة أو قليلة الوقوع إن كان الإخلال بحياء المجنى عليه العرضي بأفعال لا تصيب من جسمه موضعاً يعد عورة ولا يجوز مع ذلك التردد في اعتبارها من قبيل هتك العرض نظراً لمبلغ ما يصاحبها من فحش، ولأنها من ناحية أخرى أصابت جسم المجنى عليه فخدشت حيائه العرضي وإن لم يقع المساس فيها بشيء من عوراته، كما لو وضع الجاني عضوه التناسلي في يد المجني عليه أو في فمه أو في جزء أخر من جسمه لا يعد عورة، فهذه الأفعال ونظائرها لا يمكن أن يشك في أنها من قبيل هتك العرض وكل ذلك مما ينبغي أن يبقى خاصاً لتقدير المحكمة، إذ من المتعذر إن لم يكن من المستحيل حصره في نطاق واحد وإخضاعه لقاعدة واحدة.
وهكذا تكون محكمة النقض – وقد تبين لها قصور معیار العورة وعجزه عن شمول كافة صور أفعال الفحش الماسة بالحياء العرضي - قد أفسحت المجال المحكمة الموضوع في تقدير ما يعد من الأفعال ماساً بالحياء العرضي بالمجني عليه ولو لم يستطيل إلى ما يعد عورة من جسمه مع ملاحظة أن المساس بالعورة - على النحو سالف البيان - يبقى إخلالاً بالحياء العرضي في جميع أحواله وصورة دون تقدير في ذلك لمحكمة الموضوع متى انتهت إلى اعتبار الجزء من الجسم الذي مسه فعل الفحش من العورات.
ما لا يؤثر في الركن المادي في هتك العرض :
يتوفر الركن المادي في جريمة هتك العرض متى ثبت في حق الجاني إتيانه سلوكاً يمثل إخلالاً جسيماً بالحياء العرضي للمجني عليه، بالمفهوم المتقدم، دون أن ينال من ذلك أي من الاعتبارات الآتية :
(1) جنس الجاني او المجنى عليه :
خلافاً لجريمة الاغتصاب التي لا يتصور وقوعها إلا من ذكر على أنثى، فإن هتك العرض لا عبرة فيه بجنس الجاني أو المجنى عليه، وكما يكون متصور حصول الفعل المخل بالحياء العرضي من رجل على أنثى، فاتحاد الجاني والمجني عليه جنساً أو اختلافهما لا أثر لهما في توافر الركن المادي أو تخلفه.
(ب) ألا تتم المباشرة الجنسية:
خلافاً لجريمة الإغتصاب كذلك فإنه لا يشترط لتوافر الركن المادي في جريمة هتك العرض قانوناً أن يتم إيلاجاً كلياً أو جزئياً، فقد بينا وقوع الجريمة من أنثى على ذكر أو من أنثى على أنثى أو من ذكر على ذكر بما يستبعد معه تصور حصول إيلاج بمفهومه الذي عرضنا لها، وحتى عندما يرتكب هتك العرض من ذكر على أنثى - حيث يكون وقوع الإيلاج متصوراً - فإن وقوع المباشرة الجنسية ليس بشرط لازم، ومن ثم فإنه لا يجدى المتهم دفعة بكونه عنيناً، فمن الممكن أن يقع هتك العرض من عنين بفرض ثبوت عنته.
(ج) ألا يترك الفعل أثرا بجسم المجنى عليه :
لا يشترط لتوافر الركن المادي قانوناً في جريمة هتك العرض أن يترك الفعل أثراً بجسم المجنى عليه، فليس بلازم ثبوت استمناء الجاني على المجني عليها أو فض غشاء بكارتها أو وجود سحجات أو آثار احتكاك أو جروح بجسم المجنى عليه أحدثها الفعل المخل بالحياء، وعلى ذلك فإنه لا يصلح دفاعة للمتهم قوله أن ملابس المجني عليها وجسمها خاليتان تماماً من أي أثر لسائل منوي، أو أنها لا تزال بكراً أو أن التقرير الطبي قد أثبت عدم تخلف آثار من الفعل المنسوب إليه.
(د) وقوع الفعل سراً أو علانية:
ليس بلازم في الركن المادي لجريمة هتك العرض أن يتم فعل الإخلال بالحياء العرضي علانية، فالعلانية والسر سواء في هذا الخصوص، وإن كان ارتكاب الفعل بطريق العلانية تحقق به أيضاً جريمة الفعل الفاضح العلني فنكون أمام حالة تعدد معنوي للجرائم.
(هـ) ألا تقع ملامسة لعورة المجنى عليه :
أوضحنا سلفاً أنه لا يشترط لتوافر الركن المادي في هتك العرض وقوع ملامسة من الجاني بعورة من عورات المجني عليه ملامسة مخلة بالحياء، وإنما يكفي مجرد الكشف عن العورة ولو لم يصحبه ذلك أي فعل مادي آخر من أفعال الفحش.
الشروع في هتك العرض :
هتك العرض بالقوة أو بالتهديد هو من الجنايات، ومن ثم فقد كان إعمال القواعد العامة في العقاب على الشروع في الجنايات (مادة 46 عقوبات) يقضي بأنه ينزل بمن شرع في هتك العرض دون أن يتمه عقاب أخف من العقاب المقرر قانوناً للجريمة التامة، إلا أن الشارع - وعلى ما بين من نص المادة محل التعليق قد ساوى بين فعل الشروع من حيث العقاب الواجب في كلتا الحالتين.
ومساواة المشرع في العقاب بين الشروع في هتك العرض وبين تمامه لا ينبغي أن يقود إلى القول بعدم جدوى بحث ما يعد شروعاً في الجريمة، ذلك أن الفعل المادي الواحد يصح في بعض الحالات ألا يبلغ درجة الجسامة التي تسوغ عدة من قبيل هتك العرض التام، ومن ثم يكون من الجائز أن يوصف تارة بكونه شروعاً في هتك عرض (وهو من الجنايات) وتارة أخرى بكونه فعلاً فاضحاً (وهو من الجنح) وهنا تكمن القيمة الحقيقة لوضع معيار يحدد متى يعتبر الفعل شروعاً في جناية هتك عرض ومتى يعتبر جنحة فعل فاضح.
ومن أمثلة الحالات التي تدق فيها التفرقة بين الشروع في هتك العرض وبين الفعل الفاضح أن يقف نشاط الجاني عند حد ملامسة يد المجني عليها، أو جذب سروال المجني عليه عنوه بقصد خلعه وتقبيله من وجهه، أو الإمساك بملابس المجني عليها وجذبها، والمرجع في هذه الحالات وما شابهها إلى تقصي قصد الجاني من ارتكاب فعلته، فإذا كان قصده قد انصرف إلى ما وقع منه فقط فالفعل قد لا يخرج من دائرة الفعل الفاضح، أما إذا كانت تلك الأفعال قد ارتكبت بقصد التوغل في أعمال الفحش فإن ما وقع منه بعد بدء في تنفيذ جريمة هتك العرض ولو كانت هذه الأفعال في ذاتها غير منافية للآداب، لأنه لا يشترط لتحقيق الشروع - حسبما تقضي القواعد العامة أن يبدأ الفاعل تنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتباره كذلك أن يأتي فعلاً سابقاً على تنفيذ الركن المادي لها متى كان من شأن هذا الفعل أن يؤدي إليها حالاً وبطريق مباشر إذا و ترك وشأنه.
أركان الجريمة :
تقوم جنحة هتك العرض بغير قوة أو تهديد على أركان ثلاثة :
الركن الأول: مادي، ويتمثل في الفعل المخل بالحياء العرضي للمجنى عليه، ولا اختلاف بين مفهوم هذا الركن المادي في جناية هتك العرض بالقوة أو التهديد وبين مفهومة في الجنحة التي نحن بصددها، فنحيل إلى ما سبق ذكره في هذا الخصوص، وغني عن البيان أن ركن القوة أو التهديد اللازم توافره لقيام جناية هتك العرض طبقاً للمادة (268) عقوبات لا محل له في جنحة هتك العرض الواردة بالمادة محل التعليق، فقد إستلزم المشرع صراحة في هذه الجنحة أن يقع هتك العرض "بغیر قوة أو تهديد"، ومن ثم يكون تخلف ركن القوة أو التهديد مفترضاً فيها.
الركن الثاني: معنوي، ويتمثل في قيام القصد الجنائي بعنصرية من علم وإرادة لدى الجاني وقت مباشرته لنشاطه المؤثم، فهي جريمة عمدية.
الركن الثالث: سن المجني عليه، ظاهر من النص التشريعى أنه لا قيام لجنحة هتك العرض ما لم يكن المجني عليه _ ذكرا كان أو أنثى - دون الثامنة عشرة من عمره فإذا كان قد بلغ كاملة أو جاوزها ووقع الفعل المخل بالحياء العرضي برضائه الصحيح - كما هو مفترض - فلا يسري حكم المادة محل التعليق ولا يكون الجاني محلاً للمساءلة الجنائية بموجبه.
أما إذا كان المجني عليه لم يبلغ ثماني عشرة سنة كاملة فإنه مع وقوع الفعل المخل، بالحياء العرضي عليه برضائه إلا أن الشارع - مقدراً صغر سن المجني عليه لم يعتد بهذا الرضاء كلية ولم يضف عليه قيمة قانونية كاملة كما أنه - في نفس الوقت - لم يهدر كل قيمة لهذا الرضاء ولذلك اعتبر الفعل جنحة لا جناية والفرض هنا أن سن المجني عليه قد بلغ سبع سنوات كاملة، لأنه إذا كان لم يبلغها عدت الواقعة جناية.
وعلى ذلك فإن بلوغ المجنى عليه سن السابعة وعدم اكتماله الثامنة عشرة من عمره يجعل من رضائه بالأفعال المخلة بحيائه العرضي قيمة قانونية تتمثل في نفي ركن الإكراه أو التهديد عن الواقعة، والعبرة في إحتساب سن المجني عليه بالتقويم الهجري لا التقويم الميلادي.
والمرجع في تقدير السن أولاً إلى الأوراق الرسمية المثبتة له، فإذا تعذر ذلك كان للمحكمة أن تستعين في تقدير سن المجني عليه بأهل الخبرة أو تقدره هي بنفسها ويكون لزاماً على المحكمة أن تبين في حكمها الأساس الذي استندت إليه في تحديدها لسن المجني عليه وإلا كان حكمها معيباً بالقصور في البيان مستوجباً النقض.
عقوبة الجريمة:
قرر المشرع السجن عقوبة لجنحة هتك العرض بغير قوة أو تهديد بغير تحديد الحدين الأدنى والأقصى.
الظرفان المشددان :
يبين من نص المادة محل التعليق أن المشرع قد إعتاد بظرفين مشددين : أولهما : ظرف صغر سن المجني عليه دون الثانية عشر بالتقويم الميلادي.
وثانيهما : أن يكون الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (297) عقوبات.
ورتب المشرع على قيام أحد هذين الطرفين عقاب الجاني وجوباً بعقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 753)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 88 ، 89 .
(مادة 130)
من هتك عرض إنسان برضاه يعاقب كل منهما بالحبس، وفي حالة الإحصان تكون العقوبة السجن المؤقت.
وإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثالثة من المادة السابقة - تكون العقوبة
السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات.
(مادة 131) كل من هتك عرض إنسان بغير رضاه يعاقب بالسجن المؤقت.
فإذا ارتكب الجاني الجريمة بالقوة أو التهديد، أو شرع في ذلك، أو كان من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثماني عشرة سنة كاملة، أو كان مرتكبها ممن نص عليهم في الفقرة الثالثة من المادة (129) - تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذا الشرطان معاً أو كان المجني عليه لم يبلغ سبع سنين كاملة، أو كان مجنوناً أو به عاهة في العقل - يحكم بالسجن المؤبد.
(مادة 132)
من أتى إنساناً في الدبر بالرضا، يعاقب كل منهما تعزيراً بالحبس وبالجلد أربعين جلدة.
وفي الحالات المبينة في المادة السابقة يحكم بالعقوبة التعزيرية المقررة فيها، وبالجلد تعزیراً ثمانين جلدة.
مادة (130): من هتك عرض إنسان برضاه يعاقب كل منهما بالحبس، وفي حالة
الإحصان تكون العقوبة السجن المؤقت.
وإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثالثة من المادة السابقة - تكون العقوبة
السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات.
مادة (131): كل من هتك عرض إنسان بغير رضاه يعاقب بالسجن المؤقت.
فإذا ارتكب الجاني الجريمة بالقوة، أو التهديد، أو شرع في ذلك، أو كان من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثماني عشرة سنة كاملة، أو كان مرتكبها ممن نص عليهم في الفقرة الثالثة من المادة (129) - تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الشرطان مقا، أو كان المجني عليه لم يبلغ سبع سنين كاملة أو كان مجنونا او به عاهة في العقل - يحكم بالسجن المؤبد.
(مادة 132): من أتى إنسانا في الدبر بالرضا يعاقب كل منهما تعزيراً بالحبس وبالجلد أربعين جلدة.
وفي الحالات المبينة في المادة السابقة يحكم بالعقوبة التعزيرية المقررة لها فيها، وبالجلد. تعزيراً ثمانين جلدة.
الإيضاح
أجمع أهل العلم على تحريم اللواط، وأنه من الكبائر، وذمة الله تعالى في كتابه، وذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ)
[الأعراف: 80، 81]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من عمل عمل قوم لوط».
واختلف الفقهاء في حكم مقترف جريمة اللواط، والعقوبة التي يجب أن تنزل به، فروي عن الشافعي في أصح قوليه أنه يحد حد الزنا؛ لأنه يعد زنا بجامع إيلاج محرم في فرج محرم لا ملك له فيه ولا شبهة ملك، فكان زنا كالإيلاج في فرج المرأة، وإذا ثبت كونه زنا دخل في عموم الآية: (الزانية والزاني). والأخبار فيه، ولأنه فاحشة فكان زنا کالفاحشة بين الرجل والمرأة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان». .
وهذا القول أيضا للهادوية وجماعة من السلف والخلف منهم سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وقتادة والنخعي والثوري والأوزاعي، وهذا القول ليس بسديد؛ لأنه يصدم العرف واللغة، ألا ترى أنه لو حلف لا يزني فلاط أو بالعکس، لا يحنث، وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول: هذا الفعل ليس بزنا لغة، ألا ترى أنه ينفي عنه هذا الاسم بإثبات غيره، فقال: لاط وما زنا. وكذلك أهل اللغة فصلوا بينهما.
وكيف يكون اللواط زنا وقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في حكمه وهم أعلم باللغة وموارد اللسان. وقال بعض آخر من الشافعية: اللواط غير الزنا، إلا أنه يقاس عليه بجامع كون الطبع داعياً إليه فيناسب الزاجر، وهذا أيضاً ليس بسديد؛ لأنه بعد تسليم أن الطبع يدعو إلى اللواط فإن الزنا أكثر وقوعاً، وأعظم ضررا لما يترتب عليه من فساد الأنساب، فكان الاحتياج فيه إلى الزاجر أشد وأقوى، ولعل حديث: «إذا أتي الرجل الرجل فهما زانيان». هو أقوى أدلة الشافعي، وهو مروي عن أبي موسى الأشعري، فإن هذا الخبر إن لم يدل على اشتراك اللواط والزنا في الإثم فلا أقل من اشتراكهما في الحكم، ويرى أبو يوسف و محمد من الحنفية مثل الشافعي، ويرى أبو حنيفة أن نسبة الزنا للرجلين في الحديث السابق مجاز لا حقيقة لغوية، والمراد في حق الإثم، وأما تسمية اللواط بالفاحشة فقد سمى الله تعالى كل كبيرة فاحشة، فقال: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ [الأنعام: 151].
وروي عن الشافعي في أحد قوليه غير المشهور أن حد اللواط قتل اللائط إما بحز الرقبة (بالسيف) كالمرتد، وإما بالرجم، وهو مروي عن ابن عباس، وقول أحمد وإسحاق ورواية عن مالك، وإما بالهدم أو بالتحريق، ويروى عن أبي بكر الصديق وهو قول ابن الزبير لما روى صفوان بن سليم عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح کا تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر رضي الله عنه، فاستشار أبو بكر الصحابة فيه، فكان علي كرم الله وجهه أشدهم قولا فيه، فقال: ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة، وقد علمتم ما فعل الله بهما أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بذلك فحرقه وقال الحافظ المنذري: حرق اللوطية بالنار أربعة من الخلفاء أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك.
وقيل: يرمى به من أعلى بناء في القرية منکا، ثم يتبع بالحجارة رواه البيهقي عن علي، وروي عن ابن عباس رضي الله عنها.
ونقل بعض الحنابلة إجماع الصحابة على أن حد اللواط القتل، وإنما اختلفوا في كيفيته، فمنهم من قال: يرمى من شاهق. وقال عمر وعثمان: يهدم عليه حائط. ومنهم من قال يرجم بالحجارة بكراً كان أم ثيباً. والأخير قال به أيضا علي، وابن عباس، وجابر بن زید، وعبد الله بن معمر، والزهري، وأبو حبيب، وربيعة، ومالك، وإسحاق، وأبو يوسف، و محمد، وأحد قولي الشافعي، وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: ليس في اللواط حد بل فيه تعزير. جاء في ابن عابدين 3/ 160 ، ولا يحد لوطء دبر. وقالا إن فعل في الأجانب حد، وإن فعل في عبده، أو أمته أو زوجته، فلا حد إجماعاً بل يعزر، قال في الدر: يكون بالإحراق، وهدم الجدار، والتنكيس من محل مرتفع بإتباع الأحجار. وفي الحاوي: والجلد أصح. وفي الفتح: يعزر ويسجن حتى يموت أو يتوب. ولو اعتاد اللواطة قتله الإمام سياسة، وفي الحاشية: (قال في الزيادات والرأي إلى الإمام إن شاء قتله، وإن شاء ضربه وحبسه) انتهى.
وقول أبي حنيفة له وجاهته، ذلك لأن اللواط وطء لا يتعلق به المهر فلا يتعلق به الحد، ولأنه لا يساوي الزنا في الحاجة إلى شرع الحد؛ لأن اللواط لا يرغب فيه المفعول به طبعاً، وليس فيه إضاعة النسب. وأيضاً فقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، وكفر بعد إيمان، وقتل نفس بغير نفس». قد حظر قتل المسلم إلا بإحدى هذه الثلاث، وفاعل ذلك خارج عن ذلك؛ لأنه لا يسمى زانياً، والمعلوم أنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قضى في اللواط بشيء؛ لأن هذا المنكر لم تكن تعرفه العرب، ولم يرفع إليه صلى الله عليه وسلم حادثة منه. ولكن يثبت عنه أنه قال: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» رواه الخمسة إلا النسائي، وهو مروي عن عكرمة عن ابن عباس، وقد قال فيه الحافظ: رجاله موثقون، إلا أن فيه اختلافاً.
وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو، فقال: «ملعون من عمل عمل قوم لوط». ولم يذكر القتل. وقال يحيى بن معين: عمرو بن أبي عمرو ثقة، وهو مولى المطلب، واستنكر النسائي هذا الحديث (رواية عكرمة).
وهذا الذي قال به أبو حنيفة من تعزير اللائط هو أيضاً قول المرتضى والمؤيد بالله تعالى، وأحد الأقوال المروية عن الشافعي رضي الله عنه (المغني لابن قدامة 8/ 187 وما بعدها، سبل السلام لابن حجر 4/ 1887، نيل الأوطار للشوكاني 7/ 97 و98 و 99 تفسیر آیات الأحكام ص 15 و 17، والمبسوط 9/ 78).
وقد رأت اللجنة أن تأخذ بقول الإمام أبي حنيفة؛ للأدلة الوجيهة التي تؤيده، وفي هذا الصدد أخذت بالجلد تعزيراً، وحتى تكون عقوبة اللائط فاعلاً أو مفعولاً به تتناسب مع فحشها وبشاعتها، فقد رأت اللجنة أن ترتفع بها في عدد الجلدات بما لا يبلغ حد الزنا الذي فرضه الله من الجلد.
کما نص المشروع في الفقرة الثانية على تشديد العقوبة في الحالات المنصوص عليها في المادة (131) فرئي توقيع عقوبة الجلد تعزیراً ثمانين جلدة، فضلاً عن العقوبة المقررة في المادة المذكورة.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 304
حَالاَتُ الْحَبْسِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الأْخْلاَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ :
أ - حَبْسُ الْبِكْرِ الزَّانِي بَعْدَ جَلْدِهِ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْبِكْرِ الزَّانِي مِائَةُ جَلْدَةٍ لِلآْيَةِ: ) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ). وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْيِهِ الْوَارِدِ فِي «قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم لِرَجُلٍ زَنَى ابْنُهُ: وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ».
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ: أَنَّ التَّغْرِيبَ جُزْءٌ مِنْ حَدِّ الزِّنَى، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَيُبْعَدَانِ عَنْ بَلَدِ الْجَرِيمَةِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ إِذَا خِيفَ إِفْسَادُ الْمُغَرَّبِ غَيْرَهُ قُيِّدَ وَحُبِسَ فِي مَنْفَاهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ التَّغْرِيبَ جُزْءٌ مِنْ حَدِّ الزِّنَى أَيْضًا، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ فَلاَ تُغَرَّبُ خَشْيَةً عَلَيْهَا. وَيَنْبَغِي حَبْسُ الرَّجُلِ وُجُوبًا فِي مَنْفَاهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالأْوْزَاعِيِّ لِلْمَنْقُولِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: إِذَا تَعَذَّرَ تَغْرِيبُ الْمَرْأَةِ سُجِنَتْ بِمَوْضِعِهَا عَامًا، لَكِنِ الْمُعْتَمَدُ الأْوَّلُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ التَّغْرِيبَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ حَدِّ الزِّنَى، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ السِّيَاسَةِ وَالتَّعْزِيرِ، وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْحَاكِمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه بَعْدَ أَنْ نَفَى رَجُلاً وَلَحِقَ بِالرُّومِ: لاَ أَنْفِي بَعْدَهَا أَبَدًا. وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه : كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً. وَقَالُوا: إِنَّ الْمُغَرَّبَ يَفْقِدُ حَيَاءَهُ بِابْتِعَادِهِ عَنْ بَلَدِهِ وَمَعَارِفِهِ فَيَقَعُ فِي الْمَحْظُورِ. لَكِنْ إِذَا رَأَى الْحَاكِمُ حَبْسَهُ فِي بَلَدِهِ مَخَافَةَ فَسَادِهِ فَعَلَ.
ب - حَبْسُ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ :
- لِلْفُقَهَاءِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ فِي عُقُوبَةِ اللِّوَاطِ مِنْهَا قَوْلٌ بِحَبْسِهِمَا. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (زِنًى، وَلِوَاطٌ).
ج - حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالْقَذْفِ :
- مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى قَذْفِهِ حُبِسَ قَاذِفُهُ لاِسْتِكْمَالِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ. وَمَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفَهُ وَبَيِّنَتُهُ فِي الْمِصْرِ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيُحْضِرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى قِيَامِ الْحَاكِمِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَإِلاَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِخِلاَفِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْقَذْفِ: لاَ يُجْلَدُ بَلْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ بَلِ الشَّتْمَ وَالسَّبَّ وَالْفُحْشَ فِي الْكَلاَمِ. وَقِيلَ: يُسْجَنُ سَنَةً لِيَحْلِفَ، وَقِيلَ: يُحَدُّ.
د - حَبْسُ الْمُدْمِنِ عَلَى السُّكْرِ تَعْزِيرًا بَعْدَ حَدِّهِ :
- رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ يَلْزَمَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ السِّجْنَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَلَدَ أَبَا مِحْجَنٍ الثَّقَفِيَّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ، وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، فَأُوثِقَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، ثُمَّ أُطْلِقَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ.
هـ - الْحَبْسُ لِلدِّعَارَةِ وَالْفَسَادِ الْخُلُقِيِّ :
- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَتَبُّعِ أَهْلِ الْفَسَادِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ بِالسَّجْنِ حَتَّى يَتُوبُوا. فَمَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بَاشَرَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ يُحْبَسُ إِلَى ظُهُورِ تَوْبَتِهِ. وَمَنْ خَدَعَ الْبَنَاتِ وَأَخْرَجَهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَأَفْسَدَهُنَّ عَلَى آبَائِهِنَّ حُبِسَ.
وَتُحْبَسُ الْمَرْأَةُ الدَّاعِرَةُ وَالْقَوَّادَةُ وَتُضْرَبُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهَا.
و - الْحَبْسُ لِلتَّخَنُّثِ :
- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى حَبْسِ الْمُخَنَّثِ تَعْزِيرًا لَهُ حَتَّى يَتُوبَ، وَنُقِلَ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ يُحْبَسُ إِذَا خِيفَ بِهِ فَسَادُ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِذَا نُفِيَ الْمُخَنَّثُ وَخِيفَ فَسَادُهُ يُحْبَسُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
ز - الْحَبْسُ لِلتَّرَجُّلِ :
- ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُتَشَبِّهَةَ بِالرِّجَالِ تُحْبَسُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؛ لأِنَّ جِنْسَ هَذَا الْحَبْسِ مَشْرُوعٌ فِي جِنْسِ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ الزِّنَى. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ حَبْسُهَا عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ فَتُحْبَسُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي دَارٍ وَتُمْنَعُ مِنَ الْخُرُوجِ.
ح - الْحَبْسُ لِكَشْفِ الْعَوْرَاتِ فِي الْحَمَّامَاتِ :
- نَصَّ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ الْقَاضِي الأْنْدَلُسِيُّ عَلَى سَجْنِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ وَغَلْقِ حَمَّامِهِ إِذَا سَهَّلَ لِلنَّاسِ كَشْفَ عَوْرَاتِهِمْ وَرَضِيَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الدُّخُولِ مَكْشُوفِي الْعَوْرَاتِ.
ط - الْحَبْسُ لاِتِّخَاذِ الْغِنَاءِ صَنْعَةً :
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى حَبْسِ الْمُغَنِّي حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً لِتَسَبُّبِهِ فِي الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ غَالِبًا.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والثلاثون ، الصفحة / 339
لِوَاطٌ
التَّعْرِيفُ:
اللِّوَاطُ لُغَةً: مَصْدَرُ لاَطَ، يُقَالُ: لاَطَ الرَّجُلُ وَلاَوَطَ: أَيْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ.
وَاصْطِلاَحًا: إِيلاَجُ ذَكَرٍ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الزِّنَا:
الزِّنَا فِي اللُّغَةِ: الْفُجُورُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهُ الْفُقَهَاءُ بِتَعْرِيفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ لِلزِّنَا بِالْمَعْنَى الأْعَمِّ وَهُوَ يَشْمَلُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَمَا لاَ يُوجِبُهُ بِأَنَّهُ: وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ.
وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: إِيلاَجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ خَالٍ عَنِ الشُّبْهَةِ مُشْتَهًى طَبْعًا.
وَيَتَّفِقُ اللِّوَاطُ وَالزِّنَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَطْءٌ مُحَرَّمٌ، لَكِنِ اللِّوَاطُ وَطْءٌ فِي الدُّبُرِ، وَالزِّنَا وَطْءٌ فِي الْقُبُلِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ اللِّوَاطَ مُحَرَّمٌ لأِنَّهُ مِنْ أَغْلَظِ الْفَوَاحِشِ.
وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ وَعَابَ عَلَى فِعْلِهِ فَقَالَ تَعَالَى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) وَقَالَ تَعَالَى: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ).
وَقَدْ ذَمَّهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ».
عُقُوبَةُ اللاَّئِطِ
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عُقُوبَةَ اللاَّئِطِ هِيَ عُقُوبَةُ الزَّانِي، فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُهُ وَيُغَرَّبُ لأِنَّهُ زِنًا بِدَلِيلِ قوله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) وَقَالَ تَعَالَى: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ».
هَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَلِمُخَالِفِيهِمْ فِي هَذَا الْحُكْمِ تَفْصِيلٌ: فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْحَدُّ لِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلِهَا وَلاَ بِاللِّوَاطَةِ بَلْ يُعَزَّرُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: اللِّوَاطُ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ جَلْدًا إِنْ لَمْ يَكُنْ أُحْصِنَ وَرَجْمًا إِنْ أُحْصِنَ.
وَمَنْ تَكَرَّرَ اللِّوَاطُ مِنْهُ يُقْتَلُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَمَنْ فَعَلَ اللِّوَاطَ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ مَنْكُوحَتِهِ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لاِرْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ رُجِمَ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّكْلِيفُ فِيهِمَا، وَلاَ يُشْتَرَطُ الإْسْلاَمُ وَلاَ الْحُرِّيَّةُ. وَأَمَّا إِتْيَانُ الرَّجُلِ حَلِيلَتَهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ فَلاَ حَدَّ بَلْ يُؤَدَّبُ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ بِاللِّوَاطِ حَدُّ الزِّنَا، وَفِي قَوْلٍ يُقْتَلُ الْفَاعِلُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ».
وَقِيلَ: إِنَّ وَاجِبَهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ كَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ.
وَشَمَلَ ذَلِكَ دُبُرَ عَبْدِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ هَذَا حُكْمُ الْفَاعِلِ.
وَأَمَّا الْمَفْعُولُ بِهِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا جُلِدَ وَغُرِّبَ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلاً أَمِ امْرَأَةً لأِنَّ الْمَحَلَّ لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الإْحْصَانُ، وَقِيلَ تُرْجَمُ الْمَرْأَةُ الْمُحْصَنَةُ.
وَأَمَّا وَطْءُ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فِي دُبْرِهَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ وَاجِبَهُ التَّعْزِيرُ إِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلاَ تَعْزِيرَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَالزَّوْجَةُ وَالأَْمَةُ فِي التَّعْزِيرِ مِثْلُهُ سَوَاءً.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ اللِّوَاطِ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ كَزَانٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما السَّابِقِ، وَلأِنَّهُ فَرْجٌ مَقْصُودٌ بِالاِسْتِمْتَاعِ فَوَجَبَ فِيهِ الْحَدُّ كَفَرْجِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللِّوَاطُ فِي مَمْلُوكِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ لأِنَّ الذَّكَرَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ، فَلاَ يُؤَثِّرُ مِلْكُهُ لَهُ، أَوْ فِي دُبُرِ أَجْنَبِيَّةٍ لأِنَّهُ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ كَالْقُبُلِ، فَإِنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي دُبُرِهَا أَوْ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَلاَ حَدَّ فِيهِ لأِنَّهَا مَحَلٌّ لِلْوَطْءِ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ يُعَزَّرُ لاِرْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ.
مَا يَثْبُتُ بِهِ اللِّوَاطُ
يَثْبُتُ اللِّوَاطُ بِالإْقْرَارِ أَوِ الشَّهَادَةِ.
وَأَمَّا عَدَدُ الشُّهُودِ، فَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدَدُهُمْ بِعَدَدِ شُهُودِ الزِّنَا أَيْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 23
عُقُوبَةُ اللِّوَاطِ:
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عُقُوبَةِ مَنْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ:
الأْوَّلُ: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالأْوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَهُوَ أَنَّ حَدَّ اللِّوَاطِ - الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ - كَالزِّنَا، فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ، وَيُجْلَدُ الْبِكْرُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ» وَلأِنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى طَبْعًا
مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ قِيَاسًا عَلَى قُبُلِ الْمَرْأَةِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَدِّ، لأِنَّهُ إِتْيَانٌ فِي مَحَلٍّ لاَ يُبَاحُ الْوَطْءُ فِيهِ بِحَالٍ، وَالْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ يُبَاحُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُحْصَنِ يُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ كَالزِّنَا.
الثَّانِي: لأِبِي حَنِيفَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْحَكَمِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ. وَلَوِ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ أَوْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ، قَتَلَهُ الإْمَامُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، سِيَاسَةً.
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ حَدُّ الزِّنَا، لأِنَّهُ لَمْ يَنْطَلِقْ عَلَيْهِ اسْمُهُ، فَكَانَ كَالاِسْتِمْتَاعِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلأِنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ لاَ يُسْتَبَاحُ بِعَقْدٍ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ حَدٌّ، كَالاِسْتِمْتَاعِ بِمِثْلِهِ مِنَ الزَّوْجَةِ، وَلأِنَّ أُصُولَ الْحُدُودِ لاَ تَثْبُتُ قِيَاسًا. وَأَيْضًا: فَلأِنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلٍّ لاَ تَشْتَهِيهِ الطِّبَاعُ، بَلْ رَكَّبَهَا اللَّهُ عَلَى النَّفْرَةِ مِنْهُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يَزْجُرَ الشَّارِعُ عَنْهُ بِالْحَدِّ، كَأَكْلِ الْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَشُرْبِ الْبَوْلِ... غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْصِيَةً مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَمْ يُقَدِّرِ
الشَّارِعُ فِيهَا حَدًّا مُقَدَّرًا، كَانَ فِيهِ التَّعْزِيرُ.
الثَّالِثُ: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ حَدَّ اللِّوَاطِ الرَّجْمُ مُطْلَقًا، فَيُرْجَمُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَا مُحْصَنَيْنِ أَمْ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ حَبِيبٍ وَرَبِيعَةَ وَإِسْحَاقَ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ».
وَبِأَنَّهُ إِيلاَجٌ فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ يُقْصَدُ الاِلْتِذَاذُ بِهِ غَالِبًا كَالْقُبُلِ، فَكَانَ الرَّجْمُ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَالْمَرْأَةِ، وَلأِنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا إِنَّمَا وُضِعَ زَجْرًا وَرَدْعًا لِئَلاَّ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهِ، وَوَجَدْنَا الطِّبَاعَ تَمِيلُ إِلَى الاِلْتِذَاذِ بِإِصَابَةِ هَذَا الْفَرْجِ كَمَيْلِهَا إِلَى الْقُبُلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الرَّدْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُبُلِ، بَلْ إِنَّ هَذَا أَشَدُّ وَأَغْلَظُ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الإْحْصَانُ كَمَا اعْتُبِرَ الزِّنَا، إِذِ الْمَزْنِيُّ بِهَا جِنْسٌ مُبَاحٌ وَطْؤُهَا، وَإِنَّمَا أُتِيَتْ عَلَى خِلاَفِ الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَالذَّكَرُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ وَطْؤُهُ، فَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَغْلَظَ مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا.
الرَّابِعُ: لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقْتَلُ اللُّوطِيُّ بِالسَّيْفِ كَالْمُرْتَدِّ، مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ هَذَا سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ». حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بَيْنَ مُحْصَنٍ وَغَيْرِ مُحْصَنٍ. وَلأِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ كُلَّمَا تَغَلَّظَتْ، تَغَلَّظَتْ عُقُوبَتُهَا، وَوَطْءُ مَنْ لاَ يُبَاحُ بِحَالٍ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْ وَطْءِ مَنْ يُبَاحُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ حَدُّهُ أَغْلَظَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا.
الْخَامِسُ: يُحْرَقُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ بِالنَّارِ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم، فَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ سَلِيمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلاً يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَكَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه الصَّحَابَةَ فِيهِ، فَكَانَ عَلِيٌّ أَشَدَّهُمْ قَوْلاً فِيهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا إِلاَّ أُمَّةٌ مِنَ الأْمَمِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهَا، أَرَى أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ بِذَلِكَ فَحَرَقَهُ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ رَأَى الإْمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ فَلَهُ ذَلِكَ.
السَّادِسُ: يُعْلَى اللُّوطِيُّ أَعْلَى الأَْمَاكِنِ مِنَ الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُلْقَى مَنْكُوسًا فَيُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً).
وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.