لما كانت الفقرة الأولى من المادة 269 مكرراً من قانون العقوبات تنص على أن " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر كل من وجد في طريق عام يحرض المارة على الفسق بإشارات أو أقوال " . بما مؤداه أن هذه الجريمة لا تتحقق الا بصدور إشارات أو أقوال من الجاني تنطوى على إيماءات جنسية منعكسة على الممارسة الجنسية بحيث لا تخرج دلالة الاشارة او دلالة القول عن ذلك , وأن يكون القصد هو تصيد من يأنس منه قبولاً لدعوته الى الفسق . لما كان ذلك , وكان البين من تحصيل الحكم المطعون فيه لواقعة الدعوى أن ما صدر من نشاط من الطاعنة الأولى هو دعوة صديقتها الى الخروج من المدرسة لقضاء وقت ممتع . وهى دعوة ذات معنى يتسع لأفعال شتى غير مؤثمة يتحقق بها الاستمتاع بزمان ومكان وإذ هى لا تنفى ذلك , فإنه يكون من الخطأ إفراد ألفاظها على الدعوة الى الفسق . لما كان ذلك , وكان الفعل المسند الى كل من الطاعنين كما حصله الحكم عل السياق المتقدم , لا يتحقق به جريمة التحريض على الفسق ولا يندرج تحت أى نص عقابى آخر , فإن الحكم المطعون فيه وقد دانهما بجريمة التحريض على الفسق في مكان عام , يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفى تأويله بما يوجب نقضه والغاء الحكم الابتدائي والقضاء ببراءة الطاعنين مما أسند اليهما .
( الطعن رقم 47084 لسنة 59 ق - جلسة 1996/12/22 - س 47 ع 1 ص 1379 ق 197 )
استحدث المشرع نص المادة 113 مكرراً في قانون الإجراءات الجنائية وذلك بموجب القانون رقم 177 لسنة 2020 المنشور في الجريدة الرسمية العدد 36 مكرر في 5/9/2020 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر برقم 150 لسنة 1950 ، والذي نص على أنه:
لا يجوز لمأموري الضبط أو جهات التحقيق الكشف عن بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، أو في أي من المادتين (306 مكرراً / أ ، 306/ مكرراً / ب) من ذات القانون، أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، إلا لذوي الشأن.)
مركز الراية للدراسات القانونية
(ملحوظة هامة: أصبح الإختصاص بنظر هذه الجرائم معقوداً للمحاكم الإقتصادية بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الصادر في شأن إنشاء المحاكم الإقتصادية وتعديلاته.)
مركز الراية للدراسات القانونية
جوهر هذه الجريمة هو "تحريض المارة ذكوراً أو إناثاً - في الطرق العامة أو في أي مكان مطروق على الفسق " بإشارات " أو "أقوال" ووجه العلاقة بين هذه الجريمة وبين مقتضيات الحشمة أو الحياء العام واضع إذ تهدف هذه الجريمة إلى الضرب على كل إشارة إلى قول ينطوي على إيماءات جنسية منعكسة على الممارسة الجنسية بمعناها الواسع لأن من شأن ذلك - حين يقع في . طريق عام أو مكان مطروق أن يخدش حياء العين بما تراه من إشارات أو حياء الأذن بما تسمعه من أقوال، فهي إذن من الجرائم المخصصة لحماية حياء الطرق العامة والأماكن المطروقة وهي كذلك من الجرائم الاحتياطية التي قررت المواجهة الإشارات التي لاتصل في جسامتها إلى درجة الفعل المخل بالحياء.. وكذلك الأقوال التي لاتدخل في مفهوم خدش الاعتبار فإن وصلت الإشارة أو القول إلى الحدود المذكورة كانت العقوبة المقررة للوصف الآخر هي الواجبة التطبيق باعتبارها المقررة للجريمة الأشد.
والتحريض المقصود هنا لايعني أكثر من الدعوى إليه بأي قول أو إشارة تفيده بصرف النظر عن تأثير تلك الدعوة على المارة إذ تقوم الجريمة بمجرد صدور الإشارة أو القول ولو لم ينتبه إليها أحد ولم يلتفت إليها وهذه الجريمة عمدية يلزم لقيامها توافر علم الجاني بما ينطوي عليه سلوكه الإرادی (القول أو الإشارة) من دعوى إلى الفسق.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 658)
الركن المادي للجريمة :
يتوافر الركن المادي لهذه الجريمة بتحريض المارة على الفسق بإشارات أو أقوال في محل عام أو مكان مطروق وعلى ذلك يلزم تحقق العنصرين الآتيين:
(1) تحريض المارة على الفسق
التحريض قانوناً هو بث فكرة معينة أو تزيينها أو تحسينها أو تحبيذها في ذهن المجني عليه بغية التأثير عليه لإعتناق هذه الفكرة وتحقيقها، ولا يشترط لوقوع هذه الجريمة تحقيق التأثير المراد إحداثه من التحريض فعلاً، بل يكفي مجرد صدرو فعل يوصف في حد ذاته بأنه نوع من التحريض على النحو الذي بيناه آنفة، والمعيار هنا موضوعی بحت، ينظر فيه إلى طبيعة الفعل في حد ذاته بغض النظر عن طبيعة الأشخاص الموجه إليهم ومدى قابليتهم للتأثر به، وبناء على ذلك تقع الجريمة، ولو لم تعرف المارة الذين وجه إليهم التحريض، أو كان التحريض بقول لم يسمعه أحد من المارة. فالخطر العام هو النتيجة القانونية لهذه الجريمة.
والمراد بالفسق الأعمال الجنسية غير المشروعة التي تقع من المرأة أو الرجل، سواء بالمواقعة أو دون ذلك من الأفعال التي تهدف إلى أي مساس شهوانی، فالفسق تعبير عام له مدلول أوسع من تعبير " البغاء " فالبغاء يعنى الفجور والدعارة وكلاهما نوع من إرتكاب الفحشاء مع الناس بغير تمييز فإن ارتكبه الرجل فهو فجور وإن قارفته الأنثى فهو دعارة، ويشترط القانون أن يقع التحريض بوسيلة معينة هي الإشارة أو القول، والمراد بالإشارة كل أنواع الإيماءات والحركات أياً كان شكلها التي تصدر من الجاني تجاه المارة، أما القول فهو العبارة الشفوية التي ينطق بها الجاني سواء مباشرة أو من خلال تسجيل معين، ويشترط بطبيعة الحال أن تكون الإشارات أو الأقوال دالة بذاتها على الغرض منها وهو التحريض على الفسق، ويستوي أن يكون المحرض على الفسق هو الذي يعرض نفسه للفسق مع أحد المارة أو أن يقصد الفسق مع غيره، كالقوادين الذين يعيشون في الطرقات لتصيد العملاء لحساب البغايا أو نحوهم.
ولا يشترط أن يوجه المحرض على الفسق إشارته أو حديثه إلى شخص معين من المارة، لأن التحريض الذي تقوم به الجريمة هو التحريض العام لا التحريض، الخاص الموجه لفرد معين.
(2) أن يكون التحريض في طريق عام أو مكان مطروق :
فقد رأى المشرع أن الخطر العام الذي ينتج من فعل التحريض على الفسق
يتطلب وقوع الفعل في طريق عام أو في مكان مطروق، وهو مما تتوافر به العلانية إلا أن العلانية التي يتطلبها القانون هي علانية محددة بالطريق العام أو المكان المطروق ولا يشترط وقت وقوع التحريض مرور أحد من المارة، إذا كان من المحتمل أن يمر أحد وقت هذا الفعل، كمن يقف في طريق عام ومعه مسجل يذيع أغنية تحرض على الفسق، فتقع الجريمة ولو لم يمر أحد وقت إذاعة الأغنية طالما أن مرور بعض الناس أمر محتمل ومتوقع، ويستوي في المارة أن يكونوا جالسين أو راكبين أو سائرين. فيعتبر من المارة مرتادو المقاهي، والواقفين أمام المحلات العامة في الطريق العام أو البائعين داخل الأكشاك أو ركاب وسائل النقل العام، طالما صدر فعل التحريض في طريق عام أو مكان مطروق مما يوجد هذا النوع من الناس.
الركن المعنوي :
هذه الجريمة عمدية يتطلب القانون لوقوعها توافر القصد الجنائي العام، ويكفي توافر هذا القصد الجنائي لوقوع الجريمة. فلا عبرة بالباعث على إرتكابها.
العقوبة :
عاقب القانون على هذه الجريمة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور. وشدد العقاب إذا توافر لدى الجاني عود خاص مؤقت، وذلك إذا عاد إرتكابها خلال سنة من تاريخ الحكم عليه في الجريمة الأولى. والعبرة هنا هي بالحكم البات، أي الحكم الذي إستنفذ جميع طرق الطعن شاملة الطعن بالنقض وفي حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ويستتبع الحكم بالإدانة في حالة العود وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة وهي عقوبة تبعية تترتب بقوة القانون.
ويلاحظ أن هذا الفعل قد يتعدد تعددة معنوية مع الجريمة المنصوص عليها في المادة 14 من القرار بقانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة، وهي الإعلان عن دعوة تتضمن إغراء بالفجور أو الدعارة أو لفت الأنظار إلى ذلك، والعقوبة الأصلية لهذه الجريمة الأخيرة هي الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مائة جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي هذه الحالة يعاقب الجاني بعقوبة الجريمة المنصوص عليها في المادة 14 من القرار بقانون رقم 10 لسنة 1961 بوصفها الجريمة ذات العقوبة الأشد.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 789 ).
جريمة التحريض على الفسق في مكان عام
يمكن ارتكاب هذه الجريمة عن طريق الانترنت والتليفون المحمول وذلك إذا صدر من الفاعل السلوك المادي المكون لها عن طريق هذه الأجهزة وهو في مكان مطروق أو في طريق عام أي أن هذه الأجهزة تؤدي إلي جعل القول أو الفعل مسموعاً أو مرئياً بالنسبة لعدد من الناس بغير تمييز في المكان العام أو الطريق العام أو المطروق أي في نطاق واسع ومثال ذلك أن يرسل الجاني للمجني عليه عبر البلوتوث أو أي برنامج من برامج المحادثات أفعالاً أو أقوالاً يعتبرها القانون تحريضاً علي الفسق مثل التحدث في أفعال اتصال جنسي أو لذات جسمانية أو الإقناع بوجود مكان لممارسة ذلك فيه.
والتحريض يعني خلق فكرة الإقدام على الأفعال المفسدة للأخلاق في ذهن الغير والحث والتشجيع على ذلك من خلال الانترنت أو التليفونات المحمولة أو أي من الأجهزة المقرونة أو المزودة ببرامج كومبيوتر وذلك مع أناس يتواجدون في الطرق العامة أو الأماكن العامة أو المطروقة لا سيما من خلال صفحات التواصل الاجتماعي إذا ما عرضت علي المجني عليهم في مثل هذه الأماكن ومع العامة دون تمييز.
وتتمثل خطورة التحريض الالكتروني في سرعة انتشاره وسهولة ارتكابه بوسائل التقنية الحديثة في مجال الاتصالات ومن ثم تصل إلى قطاع أكبر من المستهدفين بعكس الجريمة العادية ذلك أن صفحات الإنترنت مشاعاً للجميع وكذلك التويتر وليس أدل على شيوعها من قيام بعض البرامج بتخصيص جزء من وقتها لإذاعتها. ويتعين التنويه إلى أن صفحات التواصل الاجتماعي أو "التويترات" المتاحة للجميع لكي يشاهدها أو يستطيع أن يشاهدها لا يحتاج لاستصدار إذن من النيابة العامة للاطلاع عليها كما أنه يكفي أن يوافق المجني عليه علي فتح صفحته أو بريده الالكتروني لجهات التحقيق لمشاهدة ما وصل إليه من مادة تعتبر في حكم القانون جريمة وكذلك للوصول من خلالها إلى مرسل هذه المادة والوقوف على خط التليفون الذي يرتبط به جهاز الكومبيوتر أو جهاز الاتصال الذي تم الإرسال منه. ومن ثم تستطيع الجهات الأمنية المختصة رصد كل تحريض علي الفسق والفجور عبر الوسائل الالكترونية علي النحو السالف بيانه لضبط مرتكبيها شأنها شأن التصوير في الجرائم التي تحدث علي الملأ أما إذا احتاجت الجهات الأمنية إلي التسجيل أو الدخول علي الرسائل الخاصة أو البريد الالكتروني أو البروفيل المحجوب أو المحمي بنظام (privacy) فلابد من استصدار إذن بذلك من القاضي المختص أو النيابة العامة حسب الأحوال المقررة في قانون الإجراءات الجنائية.
- أركان الجريمة:
تتكون هذه الجريمة من ركنين أحدهما مادي والآخر معنوي بأن يقوم المتهم بقول مصحوب بإشارة أو أي فعل دال على التحريض لإتيان أفعال فاسقة وذلك في الأماكن العامة والطريق العام أو المطروق وأن يكون قاصداً ذلك.
- الركن المادي:
يتمثل في إتيان السلوك المادي في طريق عام أو مكان عام أو مكان مطروق بالتخصيص أو بالمصادفة على نحو ما سلف بيانه بصدد جريمة الفعل الفاضح العلني ولو لم تقع الجريمة أي لم يستجب المجني عليه لسلوك الفاعل.
ولا يشترط في جريمة الاعتياد على التحريض على الفسق والفجور أن يكون قد وقع بناء علي التحريض أفعال اتصال جنسي أو لذات جسمانية بل يكفي أن يكون قد وقع أي فعل من الأفعال المفسدة للأخلاق إذن فإعداد المتهم محلاً للدعارة وتكليفه ابنته وهي عذراء قاصر بالاشتراك في مباشرة إدارته والإشراف عليه ومجالسة رواده من الرجال والنساء والتحدث معهم في ذلك الشأن الذي أعد المحل له ذلك تتوافر به العناصر القانونية لهذه الجريمة، ويقع التحريض من ذكر أو أنثي سواء أكان المجني عليه ذكرا أو أنثى وسواء تحققت النتيجة أو لم تتحقق.
وهذه الجريمة لا يمكن أن تتوافر بالكلام المجرد ولو فحش أو فحشت مراميه لأن كلمة "تعرض" هنا معناها الاعتداء بالفعل كما هو الظاهر من مدلول الكلمة الفرنسية المقابلة لها والتي استعملها القانون في المادتين 268، 269 السابقتين عليها في تحديد معنى هتك العرض هذا فضلاً عن استعمالها في عنوان الباب الواردة به هذه الجرائم وغيرها مما انعقد الإجماع على أنه لا يقع بمجرد القول.
فإذا كان الحكم القاضي بالإدانة في هذه الجريمة قد بني علي أن المتهم زين للمجني عليها بالقول طريق الدعارة مرة ثم دعاها للخلوة بالرجال مرة ثانية فإنه يكون واجباً نقضه إذ أن ما حدث في المرة الأولي هو مجرد قول غير مصحوب بأي فعل فلا يصح اعتباره تحريضاً على ما سبق بيانه وما حدث في المرة الثانية لا يكفي وحده لتكوين ركن الاعتياد المطلوب قانوناً.
كما لا تتحقق هذه الجريمة إلا بصدور إشارات أو أقوال من الجاني تنطوي على إيماءات جنسية منعكسة على الممارسة الجنسية بحيث لا تخرج دلالة الإشارة أو دلالة القول عن ذلك وأن يكون القصد هو تصيد من يأنس منه قبولاً لدعوته إلى الفسق.
فإذا كان ما صدر من نشاط من الطاعنة الأولي هو دعوة صديقتها إلى الخروج من المدرسة لقضاء وقت ممتع وهي دعوة ذات معنى يتسع لأفعال شتى غير مؤثمة يتحقق بها الاستمتاع بزمان ومكان فإنه يكون من الخطأ إفراد ألفاظها علي الدعوة إلى الفسق ومعاشرة رجل لامرأة في منزله معاشرة الأزواج لا يعد من أعمال الفسق والدعارة المؤثمة في القانون إذ أن المقصود بالتجريم هو مباشرة الفحشاء مع الناس بغير تمييز.
أما إذا بلغت أفعال لتحريض إلي درجة جسيمة من الفحش كانت هتك عرض ذلك أن الركن المادي في جريمة هتك العرض "يتحقق بوقوع أي فعل مخل بالحياء العرضي للمجني عليه ويستطيل إلى جسمه فيصيب عورة من عوراته ويخدش عاطفة الحياء عنده من هذه الناحية فإذا كان المتهم قد حاول حسر ملابس المجني عليه عنه دون رضاه حتى كشف جزءاً من جسمه ولما أعاد المجني عليه ملابسه كما كانت أمسك المتهم بيده علي غير رضاه ووضع فيها قبله حتى أمني وكانت هذه الملامسة وإن لم تقع في موضع يعد عورة فيها من الفحش والخدش بالحياء العرضي بما يكفي لتوافر الركن المادي للجريمة ومما تتحقق به أركان جريمة هتك العرض كما هي معرفة به في القانون.
ويتعين أن يكون التحريض موجهاً للمارة أو الجلوس في الطريق العام أو الأماكن المطروقة وبالطريقة سالفة البيان.
- مفهوم المكان العام أو المطروق:
المكان العام:
المكان العام قد يكون عاماً بطبيعته أو بالتخصيص أو بالمصادفة أما المكان الخاص فهو مكان لا يحق لغير شخص أو أشخاص معينين الدخول فيه إلا بإذن منهم ومثال ذلك المسكن الخاص والغرفة في فندق أو مكتب خاص أو شركة يغلقها صاحبها ولا يسمح بالدخول فيها إلا لمن يطرق بابها.
- المكان العام بطبيعته :
أي مكان يستطيع أي شخص أن يدخل فيه أو يمر منه دون إذن هو ودون قيد سواء أكان مقابل أداء رسم أو توافر شرطاً ما كالشوارع والميادين والحدائق العامة والساحات والمتنزهات وسواء كانت الطرق برية أو نهرية أو نيلية "فمتى كان الفعل قد صدر في الترام أوفي الطريق أو في إحدى المنتزهات وهي أماكن عامة بطبيعتها ويحتمل مشاهدة ما يقع فيها فإن ذلك يتحقق به ركن العلانية.
وكذلك طالما استقر عرف الناس على أن المكان عاماً كمن يمر في شارع هو أصلاً مقرر عليه حق ارتفاق بالرغم من أنه ملكية خاصة لصاحبه.
فإذا كان المكان عاماً على هذا النحو وحصل التحريض على الفسق فيه تحقق الركن المادي للجريمة سواء أكان التحريض نهاراً أو ليلاً وكذلك لو كان هذا المكان خالياً من الناس إلا شخص المجني عليه.
- المكان العام بالتخصيص:
وهو مكان يباح فيه للناس دخوله في خلال أوقات معينة فقط كالمساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات ودور السينما والمسارح.
وهذه الأماكن تعتبر عامة في الوقت المحدد لدخول الناس فيها فقط أما ما عدا ذلك من الوقت فهي أماكن خاصة.
"فالمكان العام بالمصادفة كالمستشفيات هو بحسب الأصل مكان خاص قاصر على أفراد أو طوائف معينة ولكنه يكتسب صفة المكان العام في الوقت الذي يوجد فيه عدد من أفراد الجمهور بطريق المصادفة أو الاتفاق فتتحقق الجريمة في الوقت المحدد لاجتماع الجمهور بالمكان ولو كان فيه شخص واحد.
ولكن متي شاهد الفعل أحد أصحاب المكان أو نزلائه أو كان من المستطاع رؤيته بسبب عدم احتياط الفاعل أي أن المصادفة تسبغ على المكان وصف العمومية وقت ارتكاب الفعل.
ومن ثم تقع الجريمة إذا قام الفاعل بالتحريض على الفسق في دار سينما خلال العرض أو الوقت المحدد لدخول الجمهور للاستعداد للعرض أو قطع التذاكر وينتفي إذا حصل في القاعة بعد انتهاء العرض ولم يبق إلا شخص واحد قام الفاعل بتحريضه
المكان العام بالمصادفة :
وهذا المكان هو خاص بطبيعته ولكن يباح للناس الدخول فيه على وجه عارض كالمطاعم والمقاهي والمحال التجارية وعربات النقل العام . والمقابر فإذا ارتكب فعل التحريض على الفسق أثناء الوقت الذي يوجد فيه الناس في هذه الأماكن وقعت الجريمة.
فالمكان العام بالمصادفة كالمقابر هو بحسب الأصل مكان خاص قاصر على أفراد طوائف معينة لكنه يكتسب صفة المكان العام في الوقت الذي يوجد فيه عدد من أفراد الجمهور بطريق المصادفة أو الاتفاق فتتحقق العلانية في الفعل في الوقت المحدد لاجتماع الجمهور بالمكان أما في غير هذا الوقت يأخذ حكم الأماكن الخاصة.
الركن المعنوي:
جريمة التحريض على الفسق في مكان عام جريمة عمدية تتطلب قصدا جنائيا بعنصريه العلم والإرادة فيتعين أن يعلم المتهم أن فعله هو تحريض على الفسق وأنه يوجه الفعل إلي المجني عليه في مكان عام أو مطروق فإذا جهل ذلك كان للفعل وصف قانوني آخر وأن تتجه إرادة المتهم إلي فعل التحريض علي الفسق لتصيد من يأنس منه قبولاً لدعوته إلى الفسق. والبواعث ليست من عناصر القصد الجنائي فلا يشترط أن تكون غاية المتهم هو تحدي النظام العام أو الآداب العامة أو مجرد مضايقة المجني عليه فيتحقق القصد ولو كان ما يقوم به يحقق إشباع نزوة أو مجرد فضول.
العود:
نصت الفقرة الثانية من المادة 269 مكرراً عقوبات على أنه "فإذا عاد الجاني إلى ارتكاب هذه الجريمة خلال سنة من تاريخ الحكم عليه نهائياً في الجريمة الأولى تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد علي ثلاثة آلاف جنيه ويستتبع الحكم بالإدانة وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة. (موسوعة المُري في الجرائم الاقتصادية، للمستشار بهاء المُري رئيس محكمة الجنايات، دار روائع القانون للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة 2023، الكتاب الأول، الصفحة 559).
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 89 .
(مادة 133)
يعاقب بالحبس كل من وجد في طريق عام أو مكان مطروق يحرض المارة على الفسق بإشارات أو أقوال.
فإذا عاد الجاني إلى ارتكاب هذه الجريمة خلال سنة من تاريخ الحكم عليه في الجريمة الأولى، فتكون العقوبة الحبس وغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً.
و يستتبع الحكم بالإدانة وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة.
مادة (133): يعاقب بالحبس كل من وجد في طريق عام أو مكان مطروق يحرض
المارة على الفسق بإشارات أو أقوال.
ويستبع الحكم بالإدانة وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة.
مادة (134): كل من فعل علانية فعلاً فاضحاً مخلاً بالحياء - يعاقب بالحبس.
مادة (135): يعاقب بالعقوبة المبينة بالمادة السابقة كل من ارتكب مع امرأة أمراً مخلاً بالحياء ولو فى غير علانية.
الإيضاح
لما كان قانون العقوبات الحالي لا يتضمن نصاً يعاقب على الوقاع بالرضا الحاصل بين رجل وامرأة بالغين، وهو الوقاع المجرد من أي ظرف مشدد کما جاء خلوا من نص يعاقب على هتك العرض بالرضا، إلا بشروط معينة رغم بشاعة أي من الفعلين، وأثرهما على المجتمع، ولما يترتب على انتشارهما من فساد بين أفراده، لذلك رأت اللجنة كيا يتسق مشروع قانون العقاب حدا على الزنا مع المواد التي تعاقب تعزيراً على الجرائم التي لم تتوافر أركانها إذا لم يثبت دليلها الشرعي، أو تلك التي يرى ولي الأمر وضع عقوبة لها حماية للآداب العامة - أن يشمل العقاب هاتين الجريمتين، وتحديد العقوبة في بعض الحالات التي استحدثها مشروع حد الزنا وهي حالات وقوع الجريمة من محصن أو بين محرمين، وتغليظها إذا اجتمع الشرطان في المادتين (128، 130). کا نص المشروع على حالة وقوع الفعل بغير الرضا وهي حالات المباغتة أو المخادعة، واعتبرها حالة من حالات الإكراه في المادتين (129 و 131)، وإن لم يسار بينها وبين الإكراه الحاصل بالقوة أو التهديد في العقوبة، باعتبار أن هذه الحالات الأخيرة أكثر جسامة من الأولى من حيث ما ترتبه من أثر في المجني عليه، ورأت اللجنة رفع السن إلى ثماني عشرة سنة بالنسبة للمجني عليه الذي تقع عليه جريمة هتك العرض بالإكراه، كطرف مشدد تمشياً مع سن البلوغ الذي أخذ به مشروع العقاب على حد الزنا على التفصيل الوارد به.
وقد رأت اللجنة إطلاق عقوبة الحبس، وعدم تحديد حد أقصى للعقوبة بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في المواد (133، 134، 135).
مادة (136):
(أ) كل من حرض ذكرا أو أنثى على ارتكاب الفجور أو الدعارة، أو أعانه على ذلك، أو سهله له، وكذلك كل من استخدمه، أو استدرجه أو أهواه بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة - يعاقب بالسجن وبغرامة من ألف جنيه إلى ثلاثة آلاف جنيه.
(ب) إذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يتم من العمر الثامنة عشرة سنة هجرية كانت العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنية.
مادة (137):
يعاقب بالسجن المؤبد :
(أ) كل من استخدم أو استدرج أو أغرى شخصاً ذكراً أو أنثى بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة، وذلك بالخداع أو بالقوة أو بالتهديد أو بإساءة استعمال السلطة، أو غير ذلك من وسائل الإكراه.
(ب) كل من استبقى بوسيلة من هذه الوسائل شخصاً ذكراً كان أو أنثى بغير رغبته
في محل للفجور أو الدعارة.
مادة (138): كل من حرض ذكراً لم يتم من العمر الثامنة عشرة سنة هجرية، أو أنثى أیاً كان سنها على مغادرة جمهورية مصر العربية، أو استخدمه أو صحبه معه خارجها للاشتغال بالفجور أو الدعارة، وكل من ساعد على ذلك مع علمه به - يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وبغرامة من ألف جنيه إلى خمسة آلاف جنيه.
وتكون العقوبة السجن المؤقت لمدة لا تقل عن سبع سنين إذا وقعت الجريمة على شخصين فأكثر، أو إذا ارتبطت بوسيلة من الوسائل المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة السابقة، بالإضافة إلى الغرامة المقررة.
مادة (139): في الأحوال المنصوص عليها في المواد الثلاثة السابقة تكون العقوبة السجن المؤبد إذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يتم من العمر ست عشرة سنة هجرية، أو إذا كان الجاني زوجا أو من محارم المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته، أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان خادما بالأجرة عنده أو عند من تقدم ذكرهم.
مادة (140): كل من أدخل إلى جمهورية مصر العربية شخصا، أو سهل له دخولها الارتكاب الفجور أو الدعارة - يعاقب بالسجن المؤقت، وبغرامة من ألف جنيه إلى خمسة آلاف جنيه.
مادة (141):
يعاقب بالسجن المؤقت:
(أ) كل من عاون أنثى على ممارسة الدعارة ولو عن طريق الاتفاق المالي.
(ب) كل من استغل بأية وسيلة بغاء شخص أو فجوره.
وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا اقترنت الجريمة بأخذ الظرفين المشددين المنصوص عليها في المادة (139) من هذا القانون.
مادة (142): كل من فتح أو أدار محلاً للفجور أو الدعارة، أو عاون بأية طريقة كانت في إدارته - يعاقب بالسجن المؤقت، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثة آلاف جنيه، ويحكم بإغلاق المحل ومصادرة الأمتعة والأثاث الموجود به.
وإذا كان مرتكب الجريمة زوجاً أو محرماً لمن يمارس الفجور أو الدعارة أو المتولين تربيته، أو من لهم سلطة عليه - تكون العقوبة السجن المؤبد بالإضافة إلى الغرامة المقررة.
مادة (143):
يعاقب بالسجن المؤقت وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألفي جنيه:
(أ) كل من أجر أو قدم بأية صفة كانت منزلاً أو مكاناً يدار للفجور، أو الدعارة، أو لسكني شخص أو أكثر، إذا كان يمارس فيه الفجور أو الدعارة مع علمه بذلك.
(ب) كل من يملك أو يدير منزلاً مفروشاً أو غرقاً مفروشة، أو محلاً مفتوحاً للجمهور - يكون قد سهل عادة الفجور أو الدعارة، سواء بقبوله أشخاصاً يرتكبون ذلك، أو بسراحه في محله بالتحريض على الفجور أو الدعارة.
(ج) كل من اعتاد ممارسة الفجور أو الدعارة.
وفي الأحوال المنصوص عليها في البندين (أ - ب) يحكم بإغلاق المحل لمدة سنة، وينفذ الإغلاق دون نظر لمعارضة الغير، ولو كان حائرا بموجب عقد صحیح ثابت التاريخ.
مادة (144): كل مستغل أو مدير لمحل عام، أو لمحل من محال الملاهي، أو محل آخر مفتوح للجمهور يستخدم أشخاصاً ممن يمارسون الفجور أو الدعارة بقصد تسهیل ذلك لهم، أو بقصد استغلالهم في ترويج نشاطه - يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة، وبغرامة من ألفين إلى أربعة آلاف جنيه.
وإذا كان الفاعل من الأشخاص المذكورين في الفقرة الأخيرة من المادة (142) تكون العقوبة السجن المؤبد والغرامة من أربعة آلاف إلى ثمانية آلاف جنيه.
ويحكم بإغلاق المحل لمدة سنة، وينفذ الإغلاق دون نظر المعارضة الغير، ولو كان
حائرا بموجب عقد صحیح ثابت التاريخ ، ويكون الإغلاق نهائياً في حالة العود.
الإيضاح
تمشياً مع منهج الشريعة الغراء في تشديد العقوبات على الجرائم الأخلاقية ارتأت اللجنة أن نصوص القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة الحالي - لا تتفق فيها تضمنته من عقوبات تعزيرية مع ما توجبه الشريعة الإسلامية من عقوبة حدية رادعة على ارتكاب جريمة الزنا ، وكانت الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الدعارة - هي بلا شك من العقوبات التي تسهل ارتكاب جريمة الزنا النكراء، وغيرها من الفواحش مما تجب محاربتها بالعقوبات الشديدة التي تتلاءم مع العقوبات الحدية لجريمة الزنا.
ومما لاشك فيه أن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون هي جرائم بالغة الخطورة، من حيث أثرها في المجتمع وما تحمله في طياتها من تهديد الأخلاقيات الأمة مما يتعين معه أخذ مرتكبيها بالشدة الواجبة؛ لحملهم على عدم الإقدام عليها؛ حماية لمصالح المجتمع الإسلامي الذي تنشده الشريعة الإسلامية.
ولذلك رأت اللجنة تعديل المواد (1، 2، 3، 4، 5، 6، 8) والفقرتين الأولى والأخيرة من المادة (۹)، والمادة (11) من هذا القانون، بحيث اعتبرت الجرائم المنصوص عليها فيها من الجنايات، ووضع لكل منها العقوبة المناسبة لها، وتعديل سن من وقعت عليه الجريمة إلى ثاني عشرة سنة هجرية بدلا من إحدى وعشرين في الحالتين المنصوص عليها في الفقرة (ب) من المادة (136) و في المادة (138) من القانون؛ تمشياً مع سن البلوغ الذي أخذت به اللجنة في هذا المشروع على التفصيل الوارد به.
كما أضاف المشروع إلى الظروف المشددة في المادة (139) حالة ما إذا وقعت الجرائم المنصوص عليها في المواد الثلاثة السابقة من الزوج أو من محارم المجني عليه، باعتبار أن أیاً منهما له سلطة على المجني عليه فضلاً عن بشاعة الجرم في هذه الحالات.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 304
حَالاَتُ الْحَبْسِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الأْخْلاَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ :
أ - حَبْسُ الْبِكْرِ الزَّانِي بَعْدَ جَلْدِهِ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْبِكْرِ الزَّانِي مِائَةُ جَلْدَةٍ لِلآْيَةِ: ) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ). وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْيِهِ الْوَارِدِ فِي «قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم لِرَجُلٍ زَنَى ابْنُهُ: وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ».
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ: أَنَّ التَّغْرِيبَ جُزْءٌ مِنْ حَدِّ الزِّنَى، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَيُبْعَدَانِ عَنْ بَلَدِ الْجَرِيمَةِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ إِذَا خِيفَ إِفْسَادُ الْمُغَرَّبِ غَيْرَهُ قُيِّدَ وَحُبِسَ فِي مَنْفَاهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ التَّغْرِيبَ جُزْءٌ مِنْ حَدِّ الزِّنَى أَيْضًا، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ فَلاَ تُغَرَّبُ خَشْيَةً عَلَيْهَا. وَيَنْبَغِي حَبْسُ الرَّجُلِ وُجُوبًا فِي مَنْفَاهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالأْوْزَاعِيِّ لِلْمَنْقُولِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: إِذَا تَعَذَّرَ تَغْرِيبُ الْمَرْأَةِ سُجِنَتْ بِمَوْضِعِهَا عَامًا، لَكِنِ الْمُعْتَمَدُ الأْوَّلُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ التَّغْرِيبَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ حَدِّ الزِّنَى، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ السِّيَاسَةِ وَالتَّعْزِيرِ، وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْحَاكِمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه بَعْدَ أَنْ نَفَى رَجُلاً وَلَحِقَ بِالرُّومِ: لاَ أَنْفِي بَعْدَهَا أَبَدًا. وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه : كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً. وَقَالُوا: إِنَّ الْمُغَرَّبَ يَفْقِدُ حَيَاءَهُ بِابْتِعَادِهِ عَنْ بَلَدِهِ وَمَعَارِفِهِ فَيَقَعُ فِي الْمَحْظُورِ. لَكِنْ إِذَا رَأَى الْحَاكِمُ حَبْسَهُ فِي بَلَدِهِ مَخَافَةَ فَسَادِهِ فَعَلَ.
ب - حَبْسُ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ :
- لِلْفُقَهَاءِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ فِي عُقُوبَةِ اللِّوَاطِ مِنْهَا قَوْلٌ بِحَبْسِهِمَا. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (زِنًى، وَلِوَاطٌ).
ج - حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالْقَذْفِ :
- مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى قَذْفِهِ حُبِسَ قَاذِفُهُ لاِسْتِكْمَالِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ. وَمَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفَهُ وَبَيِّنَتُهُ فِي الْمِصْرِ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيُحْضِرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى قِيَامِ الْحَاكِمِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَإِلاَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِخِلاَفِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْقَذْفِ: لاَ يُجْلَدُ بَلْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ بَلِ الشَّتْمَ وَالسَّبَّ وَالْفُحْشَ فِي الْكَلاَمِ. وَقِيلَ: يُسْجَنُ سَنَةً لِيَحْلِفَ، وَقِيلَ: يُحَدُّ.
د - حَبْسُ الْمُدْمِنِ عَلَى السُّكْرِ تَعْزِيرًا بَعْدَ حَدِّهِ :
- رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ يَلْزَمَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ السِّجْنَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَلَدَ أَبَا مِحْجَنٍ الثَّقَفِيَّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ، وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، فَأُوثِقَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، ثُمَّ أُطْلِقَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ.
هـ - الْحَبْسُ لِلدِّعَارَةِ وَالْفَسَادِ الْخُلُقِيِّ :
- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَتَبُّعِ أَهْلِ الْفَسَادِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ بِالسَّجْنِ حَتَّى يَتُوبُوا. فَمَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بَاشَرَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ يُحْبَسُ إِلَى ظُهُورِ تَوْبَتِهِ. وَمَنْ خَدَعَ الْبَنَاتِ وَأَخْرَجَهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَأَفْسَدَهُنَّ عَلَى آبَائِهِنَّ حُبِسَ.
وَتُحْبَسُ الْمَرْأَةُ الدَّاعِرَةُ وَالْقَوَّادَةُ وَتُضْرَبُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهَا.
و - الْحَبْسُ لِلتَّخَنُّثِ :
- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى حَبْسِ الْمُخَنَّثِ تَعْزِيرًا لَهُ حَتَّى يَتُوبَ، وَنُقِلَ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ يُحْبَسُ إِذَا خِيفَ بِهِ فَسَادُ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِذَا نُفِيَ الْمُخَنَّثُ وَخِيفَ فَسَادُهُ يُحْبَسُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
ز - الْحَبْسُ لِلتَّرَجُّلِ :
- ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُتَشَبِّهَةَ بِالرِّجَالِ تُحْبَسُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؛ لأِنَّ جِنْسَ هَذَا الْحَبْسِ مَشْرُوعٌ فِي جِنْسِ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ الزِّنَى. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ حَبْسُهَا عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ فَتُحْبَسُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي دَارٍ وَتُمْنَعُ مِنَ الْخُرُوجِ.
ح - الْحَبْسُ لِكَشْفِ الْعَوْرَاتِ فِي الْحَمَّامَاتِ :
- نَصَّ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ الْقَاضِي الأْنْدَلُسِيُّ عَلَى سَجْنِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ وَغَلْقِ حَمَّامِهِ إِذَا سَهَّلَ لِلنَّاسِ كَشْفَ عَوْرَاتِهِمْ وَرَضِيَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الدُّخُولِ مَكْشُوفِي الْعَوْرَاتِ.
ط - الْحَبْسُ لاِتِّخَاذِ الْغِنَاءِ صَنْعَةً :
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى حَبْسِ الْمُغَنِّي حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً لِتَسَبُّبِهِ فِي الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ غَالِبًا.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 155
مُجُونٌ
التَّعْرِيفُ :
الْمُجُونُ فِي اللُّغَةِ: الصَّلاَبَةُ وَالْغِلْظَةُ، وَهُوَ مَصْدَرُ مَجَنَ الشَّيْءُ يَمْجُنُ مُجُونًا: صَلُبَ وَغَلُظَ، وَالْوَصْفُ مَاجِنٌ، وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الْمَاجِنِ لِصَلاَبَةِ وَجْهِهِ وَقِلَّةِ حِيَائِهِ، وَقِيلَ: الْمُجُونُ. خَلْطُ الْجِدِّ بِالْهَزْلِ.
وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الْمَاجِنُ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الَّذِي يَرْتَكِبُ الْمَقَابِحَ الْمُرْدِيَةَ، وَالْفَضَائِحَ الْمُخْزِيَةَ، وَلاَ يَمْنَعُهُ عَذْلُ عَاذِلِهِ وَلاَ تَقْرِيعُ مَنْ يُقَرِّعُهُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ أَنْ لاَ يُبَالِيَ الإْنْسَانُ بِمَا صَنَعَ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
السَّفَهُ :
السَّفَهُ فِي اللُّغَةِ: نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ.
وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: صِفَةٌ لاَ يَكُونُ الشَّخْصُ مَعَهَا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ.
وَالصِّلَةُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُجُونِ وَالسَّفَهِ نَقْصٌ فِي الشَّخْصِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُجُونِ :
- الْمُجُونُ يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ وَيَخْرِمُ الْعَدَالَةَ فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَاجِنِ وَهُوَ مَنْ لاَ يُبَالِي مَا صَنَعَ وَلاَ يَتَرَفَّعُ عَنِ التَّصَرُّفَاتِ الدَّنِيئَةِ الَّتِي يَسْتَحْيِي مِنْهَا أَهْلُ الْمَرُوءَاتِ: وَذَلِكَ إِمَّا لِنَقْصِ عَقْلٍ أَوْ قِلَّةِ مُبَالاَةٍ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ تَبْطُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
الْحَجْرُ عَلَى الْمَاجِنِ
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُفْتِي الْمَاجِنَ الَّذِي يَعْلَمُ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ، كَتَعْلِيمِ الْمَرْأَةِ الرِّدَّةَ لِتَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا، وَيُمْنَعُ طَبِيبٌ جَاهِلٌ، وَهُوَ الَّذِي يَسْقِي الْمَرْضَى دَوَاءً مُهْلِكًا، وَيُمْنَعُ مُكَارٍ مُفْلِسٌ كَمَنْ يَكْرِي إِبِلاً وَلَيْسَ لَهُ إِبِلٌ وَلاَ مَالٌ لِيَشْتَرِيَهَا بِهِ، وَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْخُرُوجِ يُخْفِي نَفْسَهُ، وَمَنْعُ هَؤُلاَءِ الْمُفْسِدِينَ لِلأْدْيَانِ وَالأْبْدَانِ وَالأْمْوَالِ دَفْعُ إِضْرَارٍ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَنْعِ هُنَا حَقِيقَةَ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ، لأِنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ أَفَتَى بَعْدَ الْمَنْعِ وَأَصَابَ جَازَ، وَكَذَا الطَّبِيبَ لَوْ بَاعَ الأَْدْوِيَةَ نَفَذَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ.
مَحْكُومٌ عَلَيْهِ
التَّعْرِيفُ :
الْمَحْكُومُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْقَضَاءُ، وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ يُقَالُ: حَكَمْتُ عَلَيْهِ بِكَذَا: إِذَا مَنَعْتَهُ مِنْ خِلاَفِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَكَمْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ: فَصَلْتُ بَيْنَهُمْ فَأَنَا حَاكِمٌ وَحَكَمٌ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُقْضَى عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ.
وَفِي اصْطِلاَحِ الأْصُولِيِّينَ هُوَ الْمُكَلَّفُ: وَهُوَ مَنْ تَعَلَّقَ بِفِعْلِهِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِالاِقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ.
الأْحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ :
تَتَعَلَّقُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ مِنْهَا:
أ - لُزُومُ إِصْدَارِ الْقَاضِي الْحُكْمَ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ
إِذَا قَامَتِ الْحُجَّةُ وَتَوَفَّرَتْ أَسِبَابُ الْحُكْمِ لَزِمَ الْقَاضِيَ إِصْدَارُ الْحُكْمِ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إِذَا طَلَبَ الْمَحْكُومُ لَهُ ذَلِكَ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (قَضَاءٌ ف 75 وَمَا بَعْدَهَا).
ب - طَلَبُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَسْخَ الْحُكْمِ
الأْصْلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ لاَ يُتَتَبَّعَ أَحْكَامُ الْقُضَاةِ، وَلاَ _يُمَكَّنَ الْعَامَّةُ مِنْ خُصُومَةِ قُضَاتِهِمْ لأِقْضِيَةِ حَكَمُوا بِهَا، وَلاَ تُسْمَعَ عَلَيْهِمْ دَعْوَاهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، لأِنَّ فِي ذَلِكَ امْتِهَانًا لِمَنْصِبِ الْقَضَاءِ، وَإِهَانَةً لِلْقُضَاةِ وَاتِّهَامًا لِنَزَاهَتِهِمْ، وَلأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى رَغْبَةِ الْعُلَمَاءِ عَنِ الْقَضَاءِ، وَلأِنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ أَحْكَامِهِمْ وَكَوْنُهَا صَوَابًا، لأِنَّهُ لاَ يُوَلَّى إِلاَّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْوِلاَيَةِ، وَتَتَبُّعُ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ تَشْكِيكٌ فِي نَزَاهَتِهِمْ، وَاتِّهَامٌ لَهُمْ فِي عَدَالَتِهِمْ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (نَقْضٌ).
الأْحْكَامُ الأْصُولِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ :
لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ - وَهُوَ الْمُكَلَّفُ عِنْدَ الأْصُولِيِّينَ - شُرُوطٌ مِنْهَا: أَحَدُهَا: الْحَيَاةُ، فَالْمَيِّتُ لاَ يُكَلَّفُ، وَلِهَذَا لَوْ وَصَلَ عَظْمُهُ بِنَجَسٍ لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ.
الثَّانِي: كَوْنُهُ مِنَ الثَّقَلَيْنِ: الإْنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلاَئِكَةِ.
الثَّالِثُ: الْعَقْلُ، فَلاَ تَكْلِيفَ لِمَجْنُونٍ وَلاَ صَبِيٍّ لاَ يَعْقِلُ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيِّ.
مُرَاقَبَةٌ
التَّعْرِيفُ :
الْمُرَاقَبَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ رَاقَبَ، وَيُقَالُ: رَاقَبَهُ مُرَاقَبَةً وَرِقَابًا: رَقَبَهُ: أَيْ حَرَسَهُ وَلاَحَظَهُ، وَيُقَالُ: رَاقَبَ اللَّهَ أَوْ ضَمِيرَهُ فِي عَمَلِهِ أَوْ أَمْرَهُ: خَافَهُ وَخَشِيَهُ، وَفُلاَنٌ لاَ يُرَاقِبُ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ: لاَ يَنْظُرُ إِلَى عِقَابِهِ فَيَرْكَبُ رَأْسَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ :
تَتَعَلَّقُ بِالْمُرَاقَبَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى
- يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا يَأْتِي وَمَا يَدَعُ مِنَ الأْمُورِ، لأِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ ذَلِكَ وَمُحَاسَبٌ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلأِنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مُسَجَّلٌ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) وَقَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).
وَمُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ، قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ مُرَاقَبَةُ الْحَقِّ عَلَى دَوَامِ الأْوْقَاتِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ جِبْرِيلَ رضى الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإْحْسَانِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» قَالَ الزُّبَيْدِيُّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» إِشَارَةٌ إِلَى حَالِ الْمُرَاقَبَةِ، لأِنَّ الْمُرَاقَبَةَ عِلْمُ الْعَبْدِ بِاطِّلاَعِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ، وَاسْتِدَامَتُهُ لِهَذَا الْعِلْمِ مُرَاقَبَةٌ لِرَبِّهِ، وَهَذَا أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ.
دَوَامُ الْمُرَاقَبَةِ لِتَحَقُّقِ الْحِرْزِ
- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَسْرُوقِ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ أُمُورٌ مِنْهَا:
أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِمُلاَحَظَةِ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ، وَشَرْطُ الْمُلاَحِظِ قُدْرَتُهُ عَلَى مَنْعِ سَارِقٍ بِقُوَّةٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ، وَالدَّارُ الْمُنْفَصِلَةُ عَنِ الْعِمَارَةِ إِنْ كَانَ بِهَا قَوِيٌّ يَقْظَانُ حِرْزٌ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلاَقِهِ، وَإِلاَّ فَلاَ، وَالدَّارُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْعُمْرَانِ حِرْزٌ مَعَ إِغْلاَقِهِ وَمَعَ حَافِظٍ وَلَوْ نَائِمٍ، وَمَعَ فَتْحِهِ وَنَوْمِهِ غَيْرُ حِرْزٍ لَيْلاً وَكَذَا نَهَارًا فِي الأْصَحِّ، وَكَذَا يَقْظَانُ فِي دَارٍ تَغَفَّلَهُ سَارِقٌ وَسَرَقَ فَلَيْسَ بِحِرْزٍ فِي الأْصَحِّ، لِتَقْصِيرِهِ بِإِهْمَالِ الْمُرَاقَبَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ، وَالثَّانِي مُقَابِلُ الأْصَحِّ: أَنَّهَا حِرْزٌ لِعُسْرِ الْمُرَاقَبَةِ دَائِمًا.
وَأَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ الآْخَرُونَ الْحُكْمَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا لَفْظَ الْمُرَاقَبَةِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (سَرِقَةٌ ف 37 - 41).