loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- لما كان دفاع الطاعنة بتمتعها بالإعفاء القانونى المنصوص عليه بالمادة 304 من قانون العقوبات هو دفاع قانونى ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أثبت تحقق القصد الجنائي فى حقها لما أثبته من قصدها التشهير بالمدعى بالحقوق المدنية ومن ثم لايكون هناك محل للتحدث عن حسن النية أو صحة وقائع القذف مادام أن المدعى بالحقوق المدنية ليس من الموظفين العموميين أو من فى حكمهم .

(الطعن رقم 13784 لسنة 60 جلسة 1998/03/05 س 49 ص 311 ق 48)

2- طلب دفاع الطاعن وقف الفصل فى الدعوى حتى يفصل فى الجنحة رقم 407 لسنة 1983 ، بيد أن المحكمتين كلتيهما لم تعرضا البتة لهذا الدفاع . لما كان ذلك ، و كان دفاع الطاعن - ..... هو فى وصفه الحق و تكييفه الصحيح ، دفع بطلب وقف الفصل فى الدعوى الجنائية الماثلة المقامة ضده ، حتى يفصل فى الدعوى الجنائية المقامة ضد المجني عليه ( المدعي بالحقوق المدنية ) عن الوقائع التي نسبها إليه الطاعن و اتخذ الحكم المطعون فيه منها محلاً لجريمة البلاغ الكاذب المطروحة ، و كان الشارع قد دل - بما نص عليه فى المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية من إجازته لكل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية عنها بغير شكوى أن يبلغ النيابة العامة عنها أو أحد مأموري الضبط القضائي - على أن التبليغ عن الوقائع الجنائية حق لكل إنسان ، فلا تصح معاقبته و اقتضاء التعويض منه إلا إذا كان قد تعمد الكذب فيه ، كما أنه بمقتضى المادة 304 من قانون العقوبات لا يحكم بعقوبة القذف على من أخبر بالصدق و عدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله .

(الطعن رقم 6352 لسنة 56 جلسة 1987/04/01 س 38 ع 1 ص 522 ق 86)

3- متى كان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها، أن الدفاع عن الطاعن قدم مذكرة بدفاعه أورد فيها دفعاً مؤداه أن الوقائع المسندة إلى المدعي بالحقوق المدنية محل الاتهام مرفوع بشأنها دعاوى جنح مباشرة لما يفصل فيها بعد ويحتمل أن يصدر فيها أحكام لصالحه، وكان هذا الدفاع فى تكييفه الحق ووصفه الصحيح، لا يعدو أن يكون دفاعاً بطلب وقف الدعوى الجنائية المقامة ضد الطاعن، حتى يفصل فى الدعاوى الجنائية المقامة ضد المجني عليه المدعي بالحقوق المدنية عن الوقائع التي نسبها إليه واتخذ منها محلاً لدعوى القذف هذه، وكانت المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز لكل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية عنها بغير شكوى أن يبلغ النيابة العامة عنها أو أحد مأموري الضبط القضائي، كما أنه عملاً بالمادة 304 من قانون العقوبات لا يحكم بعقوبة القذف على من أخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله، فإن دفاع الطاعن - على السياق المتقدم - يكون دفاعاً جوهرياً إذ يترتب عليه لو حكم بصدق الوقائع التي نسبها الطاعن إلى المدعي بالحقوق المدنية واتخذ منها الأخير محلاً للدعوى الماثلة، أن يتغير وجه الرأي فى الدعوى فلا يعد الطاعن قاذفاً، إذا ما ثبت صدق هذه الوقائع وانتفى سوء نية الطاعن.

(الطعن رقم 2466 لسنة 53 جلسة 1984/10/31 س 35 ص 702 ق 154)

4- التبليغ عن الوقائع الجنائية حق لكل إنسان بل هو واجب مفروض عليه، فلا تصح معاقبته عليه واقتضاء التعويض منه إذ كان قد تعمد الكذب فيه، أما اقتضاء التعويض من المبلغ مع القضاء ببراءته فى هذه الجريمة فلا يكون لمجرد كذب بلاغه ولحوق الضرر بالمبلغ ضده بل يجب أيضاً أن يكون قد أقدم على التبليغ عن رعونة وعدم ترو دون أن يكون لذلك من مبرر. لما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد قضى ببراءة المطعون ضدها ورفض الدعوى المدنية المقامة قبلها من الطاعن تأسيساً على أن الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة فى القضية ..... بإلغاء الحكم المستأنف القاضي بإدانة الطاعن فى تهمة السرقة المسندة إليه قد قام على الشك فى الدليل المستمد من أقوال المجني عليها (المطعون ضدها) والشهود وأنه ما دام هذا الحكم لم يقطع بكذب البلاغ فإنه لا يعد دليلاً على كذب ما أبلغت به المطعون ضدها وخاصة أن الحكم المستأنف قد قضى بإدانة الطاعن عما أسندته إليه المطعون ضدها، وكان يبين من مدونات هذا الحكم (المشار إليه) أنه بعد أن عرض للأدلة القائمة فى الدعوى على الاتهام المسند إلى المتهمين وملاحظاته على تلك الأدلة انتهى إلى عدم الاطمئنان إليها لأنها لا تبلغ فى وجدانه الدليل المقنع الكافي على اقتراف المتهمين (والطاعن أحدهما) للجريمة المسندة إليهما وأنه إزاء هذا الشك فى أدلة ثبوت الجريمة فإنه لا يكون هناك محل للحكم بالتعويض فإنه يثير الطاعن يكون على غير أساس

(الطعن رقم 239 لسنة 44 جلسة 1974/04/01 س 25 ع 1 ص 355ق 77)

شرح خبراء القانون

يقرر هذا النص مشروعية القذف الذي يقع استعمالاً لحق الأشخاص في التبليغ عن الجرائم، وذلك بالشروط الآتية:

1- أن يكون الفعل الذي تضمنه البلاغ معاقباً عليه جنائياً أو إدارياً.

والاكتفاء بالعقوبة الإدارية مستفاد من النص على عدم العقاب على البلاغ المقدم إلى الحكام الإداريين فإذا كان الفعل المعاقب عليه جنائياً تعين طبقاً للمادتين 25 و 26 إجراءات أن يكون رفع الدعوى الجنائية عنه بغير شكوى أو طلب، وإلا فإن حق التبليغ في هذه الحالة الأخيرة يكون قاصراً على من له حق تقديم الشكوى أو الطلب دون غيره .

2- أن يكون البلاغ صادقاً.

بأن يثبت للمحكمة صحة الواقعة المبلغ بها. وليس على المبلغ عبء إثبات صدق البلاغ، بل إن ذلك أمر متروك للسلطات المختصة، بخلاف الطعن في أعمال الموظف العام. وقد قضت محكمة النقض أنه إذا دفع المتهم بأن الوقائع رفعت عنها دعوى جنائية مباشرة فإن ذلك يعد طلباً لوقف الدعوى حتى يفصل في الدعوى المباشرة.

وقد تطلبت المادة 304 عقوبات أن يكون الجاني حسن النية، ولكن هذا الشرط لا لزم له مادام البلاغ صادقاً، وذلك أن مجرد تقديم البلاغ الصادق إلى السلطات القضائية أو الإدارية ينطوي على غاية مشروعة هي عقاب الجاني. ولا تتأثر الإباحة إذا اقترنت هذه الغاية المشروعة بغاية أخرى غير مشروعة وهي نية الإضرار كإشباع رغبة المبلغ في الانتقام، إذ في هذه الحالة تتغلب الغاية المشروعة وتسبح سبباً صحيحاً للعمل الذي أتاه المبلغ، أما نية الإضرار فلا تعدو في هذه الحالة أن تكون مجرد ظرف عرضي لا أثر له.

ومتى كان البلاغ صادقاً صار القذف الذي يتضمنه مباحاً لا يستوجب أياً من المسئوليتين الجنائية والمدنية. ولكن قد لا يكون البلاغ صادقاً ويعتقد الجاني خطأ بصدقه. هنا تنتفي مسئولية الجاني الجنائية العمدية، بسبب انتفاء قصده الجنائي إعمالا لفكرة الغلط في الإباحة التي بيناها فيما تقدم. على أنه يشترط في هذه الحالة حسن نية الجاني، بأن يتوافر لديه قصد تحقيق المصلحة العامة، وهو ما يقتضي بحكم اللزوم أن يكون معتقداً صحة الواقعة. وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض أن مجرد تقديم شكوى في حق شخص إلى جهات الاختصاص وإسناد وقائع معينة إليه لا يعد قذفاً معاقبا ًعليه مادام القصد لم يكن إلا التبليغ عن هذه الوقائع لا مجرد التشهير للنيل من المبلغ ضده.

ويبين من ذلك أن أهمية اشتراط حسن النية لا تتضح إلا إن كان البلاغ كاذباً  ونخلص مما تقدم إلى أن تقرير عدم العقاب على القذف إما بسبب صدق البلاغ أو بسبب حسن نية المبلغ، مع اختلاف الأساس القانوني في الحالتين، فهو الإباحة في حالة البلاغ الصادق وانتفاء القصد الجنائي في حالة البلاغ الكاذب مع حسن النية. وتأكيداً لهذا المعنى تطلبت المادة 350 عقوبات للعقاب على البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ كاذباً مع سوء القصد، مما مؤداه أن توافر الأمرين معاً لازم لتحقق جريمة البلاغ الكاذب، وأن تخلف أحدهما يكفي وحده لعدم قيامها.

ويلاحظ أنه إذا تضمن البلاغ طعناً في أعمال أحد الموظفين العموميين فإن إباحة القذف تخضع لشروط حق التبليغ.

الشهادة:

تمثل الشهادة أحد إجراءات الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة، ويعاقب القانون على النكول عنها في مرحلتي التحقيق والمحاكم. ويكون من التناقض أن يلقي القانون (في المواد 117 و 119 و 208 و 279 و 280 و 284 من قانون الإجراءات الجنائية) واجب الإدلاء بالشهادة أمام القضاء والالتزام بذكر الحقيقة، ثم تعريضهم لخطر العقاب إذا تضمنت الشهادة إسناد وقائع مما يعد قذفاً، وعلى هذا الأساس فإن هذه الإباحة تستند إلى استعمال حق مقرر بمقتضى القانون، ومن ثم تتقيد بشروط هذا الاستعمال، فيجب أن يكون الشاهد صادقاً وحسن النية. فإذا خرج عن هذه الشروط وقع في حومة شهادة الزور أو القذف وعلى ذلك، فإنه إذا . انطوت الشهادة على قذف في حق أحد الأشخاص كان الفعل مباحاً بشرط ألا تخرج الشهادة عما يستلزمه تحقيق الدعوى.

ويجب أن تكون الشهادة متعلقة بموضوع الدعوى، فإذا انحرف الشاهد عن نطاقها تعين مساءلته عما ينزلق به لسانه من وقائع مكونة للقذف، إلا إذا حسنت نيته فاعتقد أن موضوع الشهادة يتطلب ذكر هذا النوع من الوقائع، ففي هذه الحالة الأخيرة يتعين عدم مساءلته لانتفاء القصد الجنائي.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ،  الصفحة: 369)

حق التبليغ: 

سند هذا الحق: تعددت النصوص التي أشار فيها الشارع إلى هذا الحق ، وأهمها المادة 63 من الدستور التي نصت على أن « لكل فرد حق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه »، ويتسع هذا الحق بداهة لحالة ما إذا انطوت هذه المخاطبة على إسناد واقعة ماسة بالشرف إلى شخص إسناداً علنياً، وتتحقق العلانية غالبا باعتبار أن الأوراق التي تتضمن هذه المخاطبة تتداول بالضرورة بين أيدي أشخاص عديدين يمثلون هذه السلطات ويستند هذا الحق كذلك إلى المادتين 25، 26 من قانون الإجراءات الجنائية : فأولاهما نصت على أن «لكل من علم بوقوع جريمة - يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب - أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها» ؛ أما ثانيتهما فقد نصت على أنه «يجب على كل من علم من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته بوقوع جريمة من الجرائم التي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب، أن يبلغ فوراً النيابة العامة أو أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي» بل إن النص الثاني قد ارتقى بهذا الحق إلى مرتبة الواجب  وقد نص بعد ذلك قانون العقوبات على هذه الإباحة صراحة في المادة 304 منه التي قضت بأنه «لا يحكم بهذا العقاب - أي عقاب القذف - على من أخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله ».

علة الإباحة :

علة الإباحة أن للمجتمع مصلحة جوهرية في أن يعلم بالجرائم التي ترتكب کی يتخذ في شأنها الإجراءات التي يحددها القانون، فمن يبلغ رجال السلطات العامة الذين يمثلون المجتمع في هذا النطاق بالجرائم إنما يحقق للمجتمع هذه المصلحة؛ وهذه المصلحة ترجح على حق المبلغ ضده في الشرف والاعتبار وتتضح أهمية هذه المصلحة إذا كانت الجريمة تتسم بالخفاء، فلا يستطيع ممثلو المجتمع العلم بها إلا عن طريق التبليغ عنها.

شروط حق التبليغ :

صرحت المادة 304 من قانون العقوبات بتطلب شروط ثلاثة : أن يكون التبليغ لأحد الحكام القضائيين أو الإداريين؛ وأن يكون ذلك بالصدق؛ وأن يكون بعدم سوء القصد.

التبليغ لأحد الحكام القضائيين أو الإداريين: يعني الشارع بهؤلاء الحكام رجال السلطات العامة الذين يختصون بتلقي البلاغات في شأن الوقائع التي تستوجب عقوبة من تنسب إليهم واتخاذ الإجراءات التي تنشأ عنها؛ وسواء لدى القانون نوع الوقائع التي يختصون بها وقدر اتساع اختصاصهم في شأنها . وإشارة الشارع إلى الحكام الإداريين - بالإضافة إلى الحكام القضائيين - وإطلاقه تعبير «عقوبة فاعله» دون تحديد نوع هذه العقوبة ثم ربطه بين قواعد هذه الإباحة والأحكام التي تخضع لها جريمة البلاغ الكاذب يستخلص منه أنه يستوي استحقاق الفعل عقوبة جنائية أو تأديبية  ولكن يتعين أن تقوم به جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية الناشئة عنها بغير شكوى أو طلب (المادتان 25، 26 من قانون الإجراءات الجنائية). ومؤدى ذلك أنه إذا كان التبليغ في شأن جريمة تتوقف الدعوى الناشئة عنها على شكوى أو طلب، فلا يستفيد المتهم من الإباحة.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة : 772)

حق التبليغ :

يقرر المشرع لكل فرد الحق في إبلاغ السلطات المختصة عما يعلم به من جرائم أو مخالفات إدارية، بل إن المشرع قد فرض ذلك التبليغ على فئات معينة  وهو يستهدف في الحالتين تمكين السلطات العامة من العلم بهذه الجرائم حتى تتعقب مرتكبيها عن طريق اتخاذ الإجراءات التي ينص عليها القانون وقد يشتمل التبليغ على جريمة قذف، ومساءلة المبلغ عن جريمة القذف يجعله يحجم عن الإبلاغ تجنبا لتوقيع العقوبة عليه وقد ارتأى المشرع أن مصلحة المجتمع في الكشف عن الجرائم وتعقب المجرمين تربو على مصلحة المقذوف في حقه في شرفه واعتباره فتدخل بنص المادة 304 مبيحاً القذف الذي يتضمنه إخبار الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر يستوجب عقوبة فاعله.

وتتطلب الإباحة في هذه الحالة توافر الشرطين الآتيين :

الأول : أن يكون التبليغ لأحد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله؛ ويثير هذا الشرط التساؤل : هل قصد المشرع بالأمر المستوجب لعقوبة فاعله الجريدة الجنائية وحدها ؟ أم أن الاباحة تمتد إلى الإبلاغ عن الجريمة التأديبية أيضاً ؟

الواقع أن تحديد المشرع للجهة التي يقدم لها البلاغ يفيد أنه قد قصد إباحة الإبلاغ عن الجريمة الجنائية والإدارية إلى حد سواء ، إذ أنه نص على ألا يحكم بعقوبة القذف على من أخبر الحكام القضائيين أو الإداريين .. ، وإخبار الحكام الإداريين لا يكون إلا عن جريدة إدارية مع ملاحظة أنه يشترط في الجريمة الإدارية أن تكون مما يوجدى، الاحتقار حتى تقوم بالإبلاغ عنها جريمة القذف.

عنها بغير شكوى أو طلب (م 25 ، 26 من قانون الإجراءات الجنائية) . فإذا كانت الجريمة مما يعلق المشرع رفع الدعوى عنها على الشكوى أو الطلب فإنه لا يستفيد من الإباحة إلا من له حق تقديم الشكوى أو الطلب وعلى ذلك ولا يستفيد من الإباحة من يبلغ عن جريمة زنا، أو عن جريمة سرقة بين الأول أو الفروع أو الأزواج، إلا إذا كان المبلغ هو الزوج المجني عليه في جريمة الزنا، أو المجني عليه في جريمة السرقة.

الثاني : الصدق وعدم سوء القصد : يؤدي ظاهر النص إلى القول باشتراط الأمرين معا لتحقق الإباحة : أن تكون الواقعة صحيحة، وأن يكون المبلغ حسن النية ، والواقع أن تحقق أي الأمرين، يكفي لإباحة القذف ، وقد استنتج جانب من الفقه هذا الحكم من المقابلة بين المادتين 304، 305 فالأولى تقضى بأن «لا يحكم بهذا العقاب على من أخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله . والمادة 305 تذكر الحكم في حالة انتفاء شروط المادة 304 بقولها : « وأما من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة .. إلخ » فإذا كان النص الأخير يتطلب الشرطين : أن يكون الأمر كاذباً وأن يكون المبلغ سيء القصد فإن ذلك يعني أن توقع العقوبة إذا انتفى أحد هذين الشرطين بأن كانت الواقعة صحيحة أو كان المبلغ غير سيء القصد أي حسن النية.

ويشترط لتوافر الإباحة تحقق شرطين :

الأول : أن يلتزم الشاهد الحدود التي يقتضيها موضوع الدعوى، فإذا خرج عن هذه الحدود فإنه يدخل بفعله في نطاق عدم المشروعية فيعاقب على ما تتضمنه أقواله من قذف.

الثاني : أن يكون حسن النية، أي مستهدفاً بشهادته كشف الحقيقة، ومقتضى ذلك أن يكون معتقداً صحة الواقعة . فإذا كان الشاهد يرمى بشهادته إلى التشهير بالمجنى عليه انتفى هذا الشرط وانهارت الإباحة.

تحديد الأشخاص الذين يوجه إليهم البلاغ :

اشترطت المادة 304 أن يكون الإخبار موجهاً إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين.

ويقصد بالحكام القضائيين رجال السلطة القضائية ، وهم يشملون كل من يقوم بعمل قضائي سواء في ذلك القضاة الذين يختصون بنظر الدعاوى أيا كان نوعها، جنائية أو مدنية أو تأديبية أو عسكرية، ورجال النيابة العامة أو الإدارية ومأمورو الضبط القضائى ذوو الاختصاص العام أو ذوو الاختصاص الخاص فيما يتعلق بنطاق اختصاصهم.

أما الحكام الإداريون فهم الرؤساء الإداريون الذين لهم سلطة تلقی بلاغات عما يرتكبه الموظفون العموميون من إخلال بواجباتهم ، وتوقيع الجزاءات التأديبية على من يثبت إخلاله بهذه الواجبات وعلى ذلك يدخل في نطاق هؤلاء الحكام رئيس الدولة ورئيس الوزراء، ورؤساء المرافق والمصالح وأي موظف له أي قدر من السلطة التأديبية على غيره من العاملين.

ويستوي في البلاغ أن يقدم إلى الحاكم القضائي أو الإداري مباشرة أو أن يقدم إليه بطريق غير مباشر عبر شخص آخر أو جهة أخرى، ولذلك يتحقق الركن محل البحث إذا قدم البلاغ إلى السلطة التشريعية، على الرغم من أنه ليس لها اختصاص قضائي أو إداري : إذ أن هذه السلطة سوف تقوم بتقديم البلاغ إلى الجهة المختصة؛ ويتحقق هذا الركن إذا نشر البلاغ في صورة خطاب مفتوح إلى المختصين في الجرائد؛ كذلك يتحقق هذا الركن إذا قدم البلاغ إلى حاكم قضائي أو إداري غير مختص إذ مقتضی السير العادي للأمور أن يقدمه إلى الحاكم المختص.

وإذا لم يتحقق هذا الركن لا تقوم جريمة البلاغ الكاذب، وعلى ذلك فلا تقع الجريمة إذا قدم البلاغ إلى جهة خاصة كمصرف أو شركة أو إلى أحد الأفراد، مثال ذلك أن يبلغ شخص والداً كذباً عن جريمة ارتكبها ابنة، أو زوجة مدير شركة عن جريمة ارتكبها أحد العاملين في هذه الشركة .(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:  611)

التبليغ عن الجرائم والمخالفات الإدارية حق لكل إنسان بل إنه قد يكون في بعض الأحوال واجباً عليه يسأل جنائياً أو تأديبياً عن عدم القيام به، وفي ذلك تقول محكمة النقض أن " البليغ عن الجرائم حق بل واجب على الناس كافة ".

ويقتضي الصالح العام تشجيع الأفراد على التبليغ عما يصل إلى عملهم من الجرائم معاونة منهم للسلطات العامة على كشف هذه الجرائم وتعقب مرتكبيها وتوقيع الجزاء عليهم، ولكن قد يكون التبليغ محققاً في ذاته جريمة كما لو كان التبليغ عن واقعة تعد جريمة جنائية أو تأديبية توجب عقاب أو إحتقار من أسندت إليه وهو ما يحقق جريمة القذف. لذلك رأى المشرع رفع المسئولية عن المبلغ حتى لا تدفعه خشية العقاب إلى الإحجام عن التبليغ، ومن قبيل ذلك ما نص عليه في المادة محل التعليق من أنه لا يحكم بعقاب القذف " على من أخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله ".

وحق التبليغ عن الجرائم والمخالفات الإدارية لا يبيح القذف إلا إذا توافرت شروط معينة وهي :

(1) أن يكون التبليغ عن واقعة تعد جريمة جنائية أو مخالفة إدارية. وإذا كانت الواقعة المبلغ عنها جريمة جنائية فينبغي أن تكون من الجرائم التي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية عنها بغير شكوى أو إذن أو طلب كما يستفاد من نصوص المواد (25، 26) من قانون الإجراءات الجنائية. وعلى ذلك فإذا كانت الجريمة المبلغ بها مما لا يجوز رفع الدعوى الجنائية الناشئة عنها إلا بناء على شكوى أو طلب كجريمة زنا أو جريمة سرقة بين الأصول والفروع فلا يستفيد المبلغ من الإباحة.

(2) أن يكون التبليغ إلى أحد الحكام الإداريين أو القضائيين، أي إلى جهة مختصة بتلقي البلاغات عن الجرائم الجنائية والمخالفات الإدارية واتخاذ الإجراءات الناشئة عنها، كأعضاء النيابة العامة والإدارية ورجال الشرطة ورؤساء المصالح والإدارات.

(3) أن تكون الوقائع المبلغ عنها صحيحة، وهذا ما يستفاد من اشتراط المشرع أن يكون الإخبار " بالصدق " فإذا لم تكن الوقائع صحيحة في ذاتها فيلزم على الأقل للإستفادة من الإباحة أن يكون المبلغ معتقداً صحة هذه الوقائع وأن يكون اعتقاده هذا مبنياً على أسباب معقولة تبرءه، تطبيقاً لنظرية الغلط في الإباحة وتبرير هذا الحكم أنه لو اشترط المشرع للإستفادة من سبب الإباحة، أن تكون الوقائع صحيحة في ذاتها، لأحجم الشخص عن التبليغ عن الجريمة إن لم يكن واثقاً من صحة بلاغه. 

(4) أن يكون المبلغ حسن النية، أي مستهدفاً ببلاغة تحقيق المصلحة العامة، وليس مجرد التشهير والإنتقام ممن يبلغ ضده، ويستفاد هذا الشرط من تطلب المشرع أن يكون الإخبار بالصدق وعدم سوء القصد.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع،  الصفحة: 85 )

 

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات :  96  . 272 ، 273

(مادة 151) 

لا يحكم بحد القذف في الأحوال الآتية:

1- ثبوت صحة الواقعة المقذوف بها بإحدى الوسيلتين الآتيتين:

(أ) تصديق المقذوف قاذفة فيها رماه به.

(ب) إثبات القاذف صحة الواقعة بشهادة أربعة رجال.

2- زوال إحصان المقذوف في أية حالة كانت عليها الدعوى.

3- إذا كان القاذف زوجاً وليس لديه شهداء وطلب اللعان.     

(المادة 558) 

لا جريمة في الحالات الآتية :

 1- إذا وقع القذف أو السب المرتبط بواقعة في حق موظف عام ، أو شخص ذي صفة نيابية عامة ، أو مكلف بخدمة عامة وأثبت الفاعل صحة الواقعة ، وأنها مرتبطة بأعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة . 

2- إذا وقع القذف أو السب فيما يتضمنه دفاع الخصوم شفاهة أو كتابة أمام جهات الإستدلال ، أو التحقيق ، أو الحكم ، وبما يستوجبه حق الدفاع . 

3- إذا وقع القذف أو السب في إبلاغ السلطات القضائية ، أو الإدارية بحسن نية بأمر يستوجب مسئولية فاعله . 

4- إذا قصد الفاعل بحسن نية وللصالح العام نقدا لوقائع تاريخية ، أو نقداً لعمل أدبي أو فني . 

5- إذا قصد الفاعل بحسن نية وللصالح العام تردید ما جاء في إجتماع عقد على وجه قانوني ، أو سرداً لما دار أمام محكمة قضائية أو إدارية أو تأديبية ، ما لم تحظر هذه الجهات نشرها . 

الجرائم الماسة بالاعتبار والآداب العامة واستراق السمع وإفشاء الأسرار 

المواد من (554) - (566) : 

تقابل هذه المواد بصفة عامة المواد (181)، (182)، ومن (302) - (310) من القانون الحالي معدلة بالقوانين (617) لسنة 1953، (97) لسنة 1955، (112) لسنة 1957، (37) لسنة 1972، وقد نقل المشروع أحكام المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وكانتا واردتين في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني ضمن مواد الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها ، وذلك لأن أحكام هاتين المادتين من صور جرائم هذا الفصل الذي يشمل في معظم الجرائم الماسة بالإعتبار وغيرها ، وقد استهدف المشروع من ذلك تبسيط الأحكام المتماثلة أو المتشابهة وتجميعها في مكان واحد ، هذا ومن أهم سمات المشروع ما يلي : 

1- المادة (554) من المشروع بينت الوقائع التي تشكل جريمة القذف ، وبينت الظروف المشددة التي يترتب على توافرها تغليظ العقوبة ، ثم بينت كذلك ما يعد من قبيل القذف ، وأفصحت أن ذكر أخبار أو تعليقات أو نشر صور تتصل بأسرار الحياة الخاصة للأسر والأفراد - تعد كذلك ، ولو كانت صحيحة ، ما دام من شأن هذا النشر الإساءة إليهم . 

2- المادة (555) من المشروع نهجت ذات نهج المادة السابقة عليها في تبيان ما يشكل الجريمة ، والظروف المشددة لها . 

3- المادة (556) من المشروع ذات حکم مستحدث؛ إذ تعاقب بالعقوبات المبينة في المادتين السابقتين على حسب الأحوال من باع ، أو عرض ، أو وزع بأية وسيلة محررات ومطبوعات ، أو تسجيلات تتضمن عبارات أو رسماً أو صوراً أو علامات تنطوي على قذف أو سب ، والجريمة عمدية تتطلب علم الجاني بما تتضمنه هذه الوسائل .

 4- المادة (557) من المشروع تعرض لصورة القذف أو السب بغير إستفزاز في مواجهة المجني عليه أو بحضور غيره ، وجعلت عقوبتها الحبس مدة لا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه، فإن وقع ما تقدم في مواجهة المجني عليه دون حضور أحد غيره ، أو وقعت الجريمة بطريق الهاتف والتليفون - عد ذلك ظرفاً مخففاً ، فتقتصر العقوبة على الغرامة فقط ، فإن توافر ظرف من الظروف المنصوص عليها في المادة (554) من المشروع - تضاعف العقوبات السابقة. 

5- المادة (558) من المشروع ، أفرد المشروع هذه المادة كسبب لإباحة القذف في حق الموظف العام أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة ، أو المكلف بخدمة عامة متى أثبت الفاعل صحة الواقعة المسندة وإرتباطها بأعمال الوظيفة والنيابة ، أو الخدمة العامة وتعلقها بها ، وقد وسع النص الوارد في المشروع فشمل بالإباحة السب إذا وجه إلى أحد من تقدم ذکر هم متى كان مرتبطاً بواقعة القذف ، واستبعد المشروع شرط حسن نية الجاني كموجب من موجبات التمتع بالإباحة ، ذلك بأن العبرة في الإباحة هي ثبوت الواقعة لتعلقها بالصالح العام ، فمناط الإباحة إذن هو ثبوت الواقعة المتعلقة بالصفة العامة ؛ حتى يسلك القائمون بالوظائف العامة أو ما شابهها مما ورد به النص النهج القديم الذي يخدم الصالح العام ، فإن جنحوا عن ذلك ، حق عليهم ما تقدم دون تثريب على الجاني. 

وكذلك أباح نص المشروع في فقرته الثانية القذف أو السب ، إذ تضمنه دفاع الخصوم شفاهة أو كتابة أمام جهات الإستدلال أو التحقيق والحكم ، وبهذا النص قضى المشروع على الخلاف حول ما إذا كانت الإباحة تشمل ما يسبق المحاكمة أم لا ، إذ إن النص القائم يجعل الإباحة مقصورة على القذف والسب أمام المحاكم ، ونص المشروع بما فيه من توسعة الإباحة وفق ما استقر عليه قضاء محكمة النقض في هذا الصدد. 

والفقرة الثالثة من المادة تبيح أيضاً القذف أو السب في إبلاغ يقدم إلى السلطات القضائية أو الإدارية ، متى تم بحسن نية بأمر يستوجب عقوبة المبلغ ضده ، والهدف هو کشف الجرائم وإماطة اللثام عنها ؛ لما في ذلك من تحقيق للمصلحة العامة . 

كذلك فإن الفقرة الرابعة من المادة تجعل الفعل لا جريمة فيه متى كان قصد فاعله نقداً لوقائع تاريخية ، أو نقداً لعمل أدبي أو فني ، والمهم من حكم الفقرة الأخيرة هو إباحة النقد علمياً كان أم فنياً أم لوقائع تاريخية . 

والفقرة الأخيرة من المادة تبيح تردد ما حدث في إجتماع عقد على نحو قانوني ، أو سرد ما دار أمام المحاكم طالما لم تحظر النشر ، وحسنت نية الفاعل وقصد الصالح العام . 

6- المادة (559) من المشروع استحدث حكمها لتبادل بالعقاب بعقوبة الجنحة من ينشر بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المشروع أخباراً ، أو صوراً أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد ، ولو كانت صحيحة ، متى كان من شأن نشرها الإساءة إليهم ، واستهدف المشروع من ذلك حماية سمعة الأسر والأفراد . 

7- المادة (560) من المشروع تقابل المادة (309) مكرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (37) لسنة 1972، مع إستبدال لفظ «الأفراد» بلفظ «المواطن» الذي تضمنه النص القائم ، وقصد بهذا الإستبدال أن تتسع الحماية للأفراد كافة ، مواطنين أم أجانب ، حال أن لفظ المواطن يقصر الحماية على كل من يتمتع بالجنسية المصرية ، النص يشمل بالحماية الحياة الخاصة بالأفراد فيحظر الإعتداء على ما لها من حرمة ، وذلك بياناً لما يعد اعتداء على هذه الحرمة ، والفرض أنه ما دامت الحياة الخاصة للفرد لم تخرج عن النطاق الخاص ، فإن مفاد ذلك عدم رضائه بها بعد إنتهاكاً لها ، فإن جاوز الأمر النطاق الخاص - أي دائرة العمومية - افترض رضاء صاحب الحق في الحرمة ، لأنه بمسلكه هذا في مجال عام يفترض أنه تحلل بإرادته من هذه الحماية ، والأفعال المؤثمة في المشروع هي إستراق السمع أو تسجيل أو نقل محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف بواسطة أي جهاز مهما كان نوعه ، وكذلك إلتقاط صور ونقلها بأي جهاز متى كان التصوير أو النقل الصورة لشخص في مكان يتسم بصفة الخصوصية . 

وقد غلظ نص المادة العقوبة إذا وقعت الجريمة من موظف عام أو مكلف بخدمة عامة ، فرفع حدها الأقصى ليصل إلى ثلاث سنوات حبس . 

8- المادة (561) من المشروع مرتبطة بالمادة السابقة ، وتعاقب من أذاع أو سهل إذاعة أو إستعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة في المادة السابقة، أو كان الحصول عليه بغير رضاء صاحب الشأن . 

والفقرتان الثانية والثالثة من المادة تبين أن الظروف المشددة التي ترفع عقوبة الجريمة من الجنحة إلى عقوبة الجناية ، وذلك إذا حصل تهدید بإفشاء أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق سالفة الذكر بقصد حمل شخص على القيام بعمل أو الإمتناع عنه. 

وكذلك إذا كان الجاني موظفاً عاماً ومكلفاً بخدمة عامة متى إرتكب الأفعال المبينة في المادة إعتماداً على سلطة الوظيفة أو الخدمة العامة . 

9- المادة (562) من المشروع تقابل بصفة عامة المادة (310) من القانون القائم مع إضافة فقرة مستحدثة إليها ، وضبط صياغتها ليتسع حكمها فيشمل كل من كان بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه أو علمه أو فنه - مستودع سر فأفشى هذا السر الذي اؤتمن عليه بحكم صفته تلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ، أو إستعمله لمنفعته الخاصة أو منفعة شخص آخر ، طالما لم يأذن صاحب الشأن بإفشاء السر أو إستعماله. 

فإن كان من أفشى السر موظفاً عاماً ، أو مكلفاً بخدمة عامة ، أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة ، واستودع السر لديه أثناء أو بسبب تأدية الوظيفة ، أو الخدمة العامة ، أو النيابة العامة ، أو بمناسبتها - كانت عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات ، وهذا النص في عمومه لا يمنع بداهة من تطبيق أي نص آخر ينص على عقوبة أشد ، وعلى سبيل المثال فإن إفشاء الإمتحانات ممن اؤتمن على سرها يدخل تحت طائلة التأثيم بهذه الفقرة ، وإفشاء أسرار الدفاع أو الحصول على رشوة مقابل إفشاء السر - يعاقب عليه كذلك بالنصوص الخاصة في هذا المنحى . 

10 - المادة (563) من المشروع تجرم كل من يفض رسالة بريدية أو برقية بغير رضاء من أرسلت إليه ، وتكون العقوبة مغلظة لمن يفشي الرسالة أو البرقية للغير دون إذن من وجهت إليه ، متى كان من شأن ذلك إلحاق ضرر بالغير ، وهذا النص لا يمنع أيضاً من تطبيق أي نص خاص ، مثل نص المادة (201) من المشروع الوارد في الفصل الثالث ، وهي تحظر على الموظف العام إفشاء الرسائل والبرقيات للغير ، أو تسهيل ذلك له . 

11 - المادة (564) من المشروع تجمع بين نصي المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وهي تجرم العيب في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية ، أو ممثل لها معتمد في مصر بسبب تأدية وظيفة هذا الأخير أو بمناسبتها ، متى تم العيب في الحالتين بإحدى طرق العلانية المبينة في المادة (547) من المشروع ، وقد رئي أن الموضع المناسب لهاتين الجريمتين هو بين أحكام هذا الباب . 

12 - المادة (566) من المشروع تتضمن أحكام المواد (306) مکرراً (أ) مضافة بالقانون رقم (67) لسنة 1953، (394) (378)/ (أ) معدلتين بالقرار بالقانون رقم 169 لسنة 1981 من القانون القائم ، وقد شدد المشروع العقوبة في الحالة الأولى فرفع العقوبة لهما إلى عقوبة الجنحة . 

مادة (150): 

إثبات القذف المعاقب عليه حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين: الأول: إقرار الجاني قولاً أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون بالغًا عاقلاً مختاراً وقت الإقرار غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها، ولا يقبل الرجوع عن الإقرار. 

الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين غير متهمين في شهادتها، مبصرين قادرين على التعبير قولا أو كتابة عند تحمل الشهادة وعند أدائها. 

وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة. 

ويفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة. 

ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة لا نقلا عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها. 

ولا يعد المجني عليه شاهدا إلا إذا شهد لغيره . 

الإيضاح 

يجب أن يكون الإثبات بمجلس القضاء؛ لأنه وسيلة الحكم والمؤدي إلى القضاء في 

الدعوى، ويثبت القذف بإحدى وسيلتين: الإقرار أو البينة. 

والإقرار: هو إخبار الشخص بها عليه من الحقوق، أو إظهار مکلف مختار ما عليه لفظاً الزيلعي (5)/ (2)، المهذب (2)/ (362))، وهو حجة شرعية ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. وهو سيد الأدلة؛ لأن العاقل لا يقر على نفسه كذباً بما فيه ضرر على نفسه وماله، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه لعدم التهمة، ولكمال الولاية، ولأنه إذا وجب الحكم بإشهاده وهي مظنة الريبة، فلان يجب بالإقرار أولى؛ لأنه من الريبة أبعد (المهذب (2)/ (362)). 

ولقد أجمعت الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على أن الإقرار حجة في حق المقر نفسه، فتقام عليه الحدود، ويقتص منه بموجب إقراره. وعلى ذلك عمل أصحابه والتابعين دون مخالفة لهم من أحد، واشترطوا أن يكون المقر مكلفا (بالغاً، عاقلاً) مختاراً قادراً على الكلام على التفصيل الوارد في كتب الفقه، وأشرنا إليه في إيضاح المادة (146) من هذا المشروع، كما اشترطوا أيضا ألا يكون المقر منها في إقراره؛ لأن التهمة تخل برجحان جانب الصدق على جانب الكذب في الإقرار، کما اشترطوا في المقر له أن يكون معلوماً، فلو كان مجهولاً لا يصح الإقرار؛ لأن شرط إقامة الحد في القذف مطالبة المقذوف، فإذا كان مجهولاً لا تتأتى المطالبة (البدائع (7)/ (223)). ويجب أن يكون الإقرار صريحاً منصباً على الجريمة بأركانها، فلا يقبل فيه الكتابة أو التعريض ولا الإجمال في ذكر واقعة القذف، حتى يكون إقراره مؤدياً للحكم ومطابقاً للدعوى. 

ويكفي في الإقرار بالقذف أن يقر به القاذف مرة واحدة؛ لأنه إخبار، والمخبر به لا يزداد بتكرر الخبر، وذكر صاحب البدائع الإجماع على عدم التعدد، والاكتفاء بالإقرار مرة واحدة (البدائع (7)/ (223))، وهذا مذهب الجمهور ومنهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأهل الظاهر، وقال البعض - ومنهم أحمد والزيدية وأبو يوسف -: إن الإقرار يجب أن يكون مرتين؛ ليقام به الحد اعتباراً بالشهادة، فلو أقر مرة لا يحد بل يعزر. 

وقد اختارت اللجنة رأي الجمهور للأسباب التي ذكرت آنفاً. 

وغني عن البيان أن إقرار القاذف يبطل بتكذيب المقر له (المقذوف)؛ لأن الإقرار دلیل لزوم المقر به وتكذيب المقذوف دلیل عدم اللزوم، واللزوم لم يعرف ثبوته بعد، فلا يثبت بالشك خاصة فيما يدرأ بالشبهات ولأن في تكذيب المقذوف للمقر إسقاطاً للخصومة وحد القذف لا يجب استيفاؤه إلا بخصومة المقذوف، ولا يبطل الإقرار بالقذف بالرجوع عنه؛ لأنه حق وجب لصيانة حق الآدمي، فلا يقبل فيه الرجوع (کشاف القناع (4)/ (63)، المهذب (2)/ (164))، ولأن المقر إذا رجع يكون متهماً في رجوعه، فلا يصح الرجوع في الإقرار بحد القذف أسوة بسائر الحقوق المستحقة للعباد (البدائع (7)/ (233)) ولوجود من يكذبه فيه. 

هذا بخلاف إنكاره الإقرار في سائر الحدود، فإنه يبطله؛ لأن إنكاره الإقرار فيه خبر محتمل للصدق وللكذب كالإقرار ولا مكذب له فيه، فتحققت شبهة كافية في إسقاط الحد (ابن عابدين (3)/ (157)). 

الشهادة 

الوسيلة الثانية لإثبات القذف هي البينة الشرعية، وحجية الإثبات بالبينة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، ويجب على الحاكم الحكم بمقتضاها إذا تمت بأركانها وشرائطها (التاج والإكليل (6)/ (150)، الزيلعي (4)/ (207)، ابن عابدین (4)/ (407) و(408)). 

ورأت اللجنة أن يكون الأصل هو شهادة رجلين، إلا أنه عند الضرورة يجوز الإثبات بشهادة رجل وامرأتين، أو أربع نسوة، وذلك على النحو الذي أخذت به اللجنة في حد السرقة، ويشترط أن يكونا بالغين، ولأن الشهادة من باب الولاية والصبي لا ولاية له على نفسه، فلا ولاية له على غيره من باب أولى، وقد سبق بيان سن البلوغ في المادة رقم (31) من هذا المشروع. 

كما يشترط أن يكون الشاهدان عاقلين، فلا تقبل شهادة المجنون؛ لأنه لا يعقل ما يقول ولا يضبطه، فلا يلتفت إلى قوله، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأنه: «رفع القلم عن ثلاث...». ذكر منهم المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق (سنن أبي داود (4)/ (140))، كما يشترط في الشاهدين أن يكونا مبصرین، فلا تقبل شهادة الأعمى في القذف، ولا في غيره من الحدود (الزيلعي (4)/ (217)/ (218)، مواهب الجليل (6)/ (154)، المهذب (2)/ (354)، المغني (12)/ (61) و(62)، المحلى (9)/ (433)، شرائع الإسلام (2)/ (236) و (237)). 

کا اشترط الفقهاء قدرة شاهد القذف على الكلام والسمع؛ لأن في إشارة الأخرس شبهة تدرأ الحد. ويرى الحنابلة أن شهادة الأخرس كتابة بخطه مقبولة؛ لأن الخط يدل على اللفظ وكذلك الإشارة، وهو ما أخذت به اللجنة، ولأن الشهادة تعتمد على تمييز الأصوات في القذف، فكان اشتراط السمع ضروریاً. 

كما اشترط الفقهاء عدالة شاهدي القذف ظاهراً وباطناً، ولا يكتفى بظاهر عدالته. احتيالا لدرء الحد المطلوب في قوله صلى الله عليه وسلم : «ادرءوا الحدود بالشبهات». ويرى أبو حنيفة اقتصار الحاكم على عدالة الشاهد المسلم الظاهرة. ولا يسأل عنه إلا إذا طعن الخصم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف». ولأن الظاهر الانزجار عما هو محرم في دينه، وبالظاهر كفاية؛ إذ لا وصول إلى القطع إلا في الحدود والقصاص، فإنه يسأل فيها عن الشهود وإن لم يطعن الخصم؛ لأنه يحتال لإسقاطها، فيشترط الاستقصاء فيها، وإن طعن الخصم في الشهود سأل القاضي عنهم؛ لأنه تقابل الظاهران، فيسأل طلباً للترجيح. هذا إذا لم يعلم القاضي حالهم، أما إذا علم بجرح أو عدالة فلا يسأل عنهم. وقال الصاحبان: لا بد للقاضي أن يسأل عنهم في السر والعلانية في سائر الحقوق، طعن الخصم فيهم أم لا؛ لأن الحكم إنها يجب بشهادة العدل، فوجب البحث عن العدالة. وقيل: هذا اختلاف عصر وأوان. والفتوى على قولها في هذا الزمان (ومثله في الجوهرة، وشرح الإسبيجابي، وشرح الزاهدي والينابيع، وقال صدر الشهيد: والفتوى اليوم على قولها. ومثله في شرح المنظومة والحقائق، وقاضیخان، ومختارات النوازل، والبرهاني، وصدر الشريعة، (اللباب في شرح القدوري (343)). 

ومن هذا يعلم أن تعديل شهود الحدود عامة ظاهراً وباطناً - شرط في قبول شهادتهم عند الحنفية ويرى المالكية أن يكتفى بظاهر عدالة الشاهد، ولا تسأل عنه المحكمة إلا إذا طعن الخصم في عدالته. وقالوا: إن العدل هو الذي يجتنب الكبائر من المعاصي، ويتقي في أغلب الحالات الصغائر منها؛ لقول عمر رضي الله تعالى عنه: «المسلمون عدول بعضهم على بعض». 

وقد اختارت اللجنة الأخذ بمذهب المالكية؛ لأنه أيسر في العمل خاصة في زماننا هذا الذي انتشر فيه الفساد، وعمت الفتنة، وتعذر القطع بمعيار العدالة الدقيق فيهم، مما قد يختلط معه الأمر على القضاء، ويؤثر في الأحكام (حاشية الدسوقي (4)/ (319)). 

ومن ثم نص في المادة على أنه يفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك. كما رأى الفقهاء في شاهدي القذف أن يكونا قادرين على حفظ الشهادة، فاهمين لها، مأمونين على ما يدلیان به، فإذا كان الشاهد مغفلاً لا تقبل شهادة كبير الغلط؛ لعدم ائتمان الغلط في شهادته، فإن كان غلطه قليلاً قبلت شهادته لعدم انفكاك أحد عنه، ولا تقبل شهادة من يعرض له غالبا؛ لجواز سماعه شيئا نسي بعضه، وكذا الأبله لعدم تفطنه الأمور (التاج والإكليل (6)/ (154)، المهذب (2)/ (342)، منتهى الإرادات (4)/ (321)، الزيلعي (4)/ (207)). 

ويشترط أن تكون شهادة كل من الشاهدين صريحة في الدلالة على الجريمة ووقوعها من الجاني بأركانها، وألا تكون بالتسامع، بل عن معاينة حتى تكون شهادة صحيحة مستوفية لأركانها الشرعية مؤدية للقضاء بموجبها. 

مادة (151): 

لا يحكم بحد القذف في الأحوال الآتية: 

1- ثبوت صحة الواقعة المقذوف بها بإحدى الوسيلتين الآتيتين: 

(أ) تصديق المقذوف قاذفه فيها رماه به. 

(ب) إثبات القاذف صحة الواقعة بشهادة أربعة رجال. 

2- زوال إحصان المقذوف في أية حالة كانت عليها الدعوى. 

3- إذا كان القاذف زوجاً وليس لديه شهداء وطلب اللعان. 

الإيضاح 

تقدم أن القذف فيه حق للعبد، ومن أجل ذلك اشترط الفقهاء فيه قيام الدعوى به من المقذوف أو من وكيله أو من أحد الورثة عن غير طريق الزوجية، إذا كان القاذف ميتاً على النحو السابق بيانه في المادة (148)، ولا بد أن تكون الدعوى به قائمة إلى أن يتم تنفيذ الحد (کشاف القناع (4)/ (63)). ولكن دعوى القذف قد يرد عليها ما يستوجب سقوطها مما يستوجب سقوط حد القذف تبعا لذلك، وقد أوضحت المادة الحالات التي تسقط فيها دعوى حد القذف. 

الحالة الأولى: التي تثبت فيها واقعة القذف إما بأن يأتي القاذف باربعة رجال يشهدون بصحة ما رمی به المقذوف من الزنا، وحينئذ تسقط دعوى الحد على القاذف، فلا يقام عليه حد القذف؛ لأنه بعد ثبوت واقعة القذف ظهر أنه صادق فيما رمی به المقذوف، ولأن المقذوف بعد ثبوت الزنا عليه سقطت عفته ووجب حده للزنا، فلا يحد قاذفه؛ حيث لا يعد كاذبا، والله تعالى يقول:لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) [النور: 13]. فإذا أتى القاذف بالشهداء الأربعة الذين يشهدون بصدق واقعة القذف - لم يعد كاذباً، ويسقط الادعاء عليه بالقذف، وهذا باتفاق الفقهاء. 

كذلك إذا صدق المقذوف قاذفه في واقعة الزنى التي رماه بها، تسقط دعوى حد القذف؛ لظهور صدق القاذف بإقرار المقذوف بالزنى، فلم يعد كاذبا . (المغني (10)/ (204)، (205)). 

الحالة الثانية: إذا زال إحصان المقذوف بسقوط عفته، وقد تقدم في إيضاح المادة (147) أن إحصان المقذوف شرط لإقامة الحد على القاذف؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية، وذلك باتفاق الفقهاء. وتقدم أنهم متفقون كذلك على أن معنى الإحصان في آية القذف العفة، وإن اختلفوا في المعنى المقصود من العفة على أقوال رأت اللجنة الأخذ منها برأي الحنابلة الذين قالوا: إن العفة هنا معناها البعد عن الزنا ظاهراً. ومعنى هذا يكفي أن يكون المقذوف بعيدا في الظاهر عن ارتكاب جريمة الزنا حتى ولو كان تائبا من زنا ليكون عفيفاً عندهم يجد قاذفه. 

فإذا زالت عفة المقذوف بالمعنى المذكور بأن ارتكب جريمة الزنا - فإن عفته تسقط وتسقط، تبعا لذلك دعواه على قاذفه؛ لأنه هو الذي فرط في سمعته وشرفه بارتكابه جريمة الزنى، وكشف ستر الله عنه بارتكاب جريمة الزنا المحرم، فلم يعد أهلا لأن يقام على قاذفه الحد؛ لأنه فقد عفته التي شرع حد القذف للحفاظ عليها. 

الحالة الثالثة: إذا كان قذف الرجل زوجته بالزنا دون أن يتوفر لديه الدليل الشرعي - لا يقام عليه حد القذف إذا طلب اللعان. وجاء في تفسير زاد المسير (6)/ (14)، طبعة المكتب الإسلامي: إذا قذف الرجل زوجته بالزنا لزمه الحد، وله التخلص منه بإقامة البينة أو باللعان الدعوى. 

مادة (152): تسقط دعوى القذف بعفو المقذوف في أية حالة كانت عليها الدعوى. 

الإيضاح 

للفقهاء في جواز عفو المقذوف عن قاذفه أقوال مختلفة، ومرد الخلاف إلى اختلافهم في تكييف طبيعة حد القذف هل هو حق الله تعالى خالصاً كالزنى، أو حق لله وللعبد. فذهب الظاهرية إلى أنه حد خالص لله تعالى ولا حق فيه للعبد (المحلى (11)/ (288)، (290)). 

ولم يختلف باقي الفقهاء في أن الحد من الحدود التي اجتمع فيها الحقان حق الله وحق العبد، فمن حيث كونه شرع لصيانة عرض العبد ولدفع العار عن المقذوف، وأنه هو الذي ينتفع به على الخصوص صار حقاً للعبد، ومن حيث أنه شرع للانزجار وإخلاء الأرض من الفساد صار حقاً الله تعالى، وإنما الخلاف بينهم في ترجيح أحد الحقين على الآخر. 

فذهب الحنفية إلى تغليب حق الله تعالى (فتح القدير (4)/ (198)، الزيلعي (3)/ (203)). 

وذهب الشافعي وأحمد ومحمد من الحنفية إلى تغليب حق العبد؛ لأنه هو المنتفع به على الخصوص. (المهذب (3)/ (292)، المغني (10)/ (204)، الزيلعي (3)/ (204)). 

وذهب الإمام مالك إلى عدم تغليب أي من الحقين على الآخر، بل ذهب إلى تغليب حق الله تعالى بعد شكوى المقذوف إلى الإمام وإلى تغليب حق العبد قبل ذلك. 

وقد ترتب على هذا الخلاف اختلافهم في جواز العفو عن القاذف على أقوال: 

الأول: أنه يجوز العفو عن القاذف إلى وقت إقامة الحد. وإليه ذهب الشافعي وأحمد والشيعة الجعفرية، وبه قال أبو يوسف (فتح القدير (4)/ (198)، المهذب (2)/ (292)، المغني (10)/ (205)، المختصر النافع (2)/ (220)). 

الثاني: أنه لا يجوز العفو عن القاذف. وإليه ذهب أبو حنيفة والأوزاعي والحسن البصري في رواية عنه (المحلى (11)/ (288)، فتح القدير (4)/ (198)). 

الثالث: أنه يجوز العفو في حالات منها قبل بلوغ الشكوى للإمام، وقيل: إلى ما قبل سماع الشهود. وقيل: إلى ما قبل بلوغ الإمام أو بعده إذا قصد المقذوف الستر، أو كان المقذوف أبا للقاذف، أو أنها له أو جدا. وإليه ذهب الإمام مالك (الدسوقي (4)/ (331)، (332)، الباجي (7)/ (148)، تبصرة الحكام (2)/ (262)، الزرقاني (8)/ (90)). 

ورأت اللجنة الأخذ بمذهب الإمام الشافعي وأحمد والشيعة الجعفرية؛ اعتباراً بتغليب حق العبد على حق الله تعالى في حد القذف؛ وتقديماً لحق العباد لحاجتهم إليه وغنى الله عنه، ولأن العبد هو المنتفع به على الخصوص ومن ثم يجوز للمقذوف أن يعفو عن قاذفه في أية حالة كانت عليها الدعوى؛ لأن حق الادعاء شرع لصيانة عرضه وشرفه وذلك شأنه، وله شرعا حق استعماله، فإذا عفا عن الجاني فقد تنازل عن هذا الحق، والمعروف أن من يملك حقا يملك التنازل عنه، ولأن المقذوف قد يلجأ إلى الستر وعدم التمادي في خصومة القاذف لما يراه من مصلحة له في ذلك، فوجب ألا يضار برد قصده . 

وإذا كان هذا حقه، له أن يستعمله في أية حالة كانت عليها الدعوى، فله كذلك إذا رأى العفو عن القاذف أثناء تنفيذ الحد عليه أن يوقف تنفيذ عقوبة الجلد إلى ما قبل إتمامه، طالما تأكد حقه في العفو وإسقاط الحد، ولأنه لا يستوف كله إلا بطلب المقذوف، فله العفو عما بقي منه من باب أولى.