loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد ضمن أسبابه أنه لم يقم لديه دليل على أن المطعون ضده تسلم من الطاعن الورقة الموقعة من الأخير على بياض والتي زعم الطاعن أن المطعون ضده ملأ بيانات المديونية فيها بأكثر من مديونية الطاعن للمطعون ضده، فإنه بحسب الحكم المطعون فيه ذلك لتأييد حكم البراءة من جريمة خيانة الأمانة المؤثمة بالمادة 340 من قانون العقوبات، ولا يغني فى ذلك نعي الطاعن بأن المحكمة لم تحجبه إلى طلب ضم الدعوى المدنية المرفق فيها السند المقال بأنه موقع على بياض ولا ما أثبته الخبير فى هذه الدعوى من أن التوقيع على بياض، لأن الجريمة لا تتصل بهذا التوقيع ولكن بزعم تغيير الحقيقة ممن استؤمن على الورقة .

(الطعن رقم 22691 لسنة 60 جلسة 1999/11/09 س 50 ص 556 ق 125)

2- لما كان الأصل فى الأوراق الموقعة على بياض أن تغيير الحقيقة فيها ممن استؤمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة معاقب عليه بالمادة 340 من قانون العقوبات ويخرج عن هذا الأصل حالة ما إذا كان من استولى على الورقة قد حصل عليها خلسة أم نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري فعندئذ يعد تغيير الحقيقية فيها تزويراً. لما كان ذلك، وكان يبين مما سطره الحكم فيما تقدم أنه استدل على ما أسنده إلى الطاعنة بمجرد القول بأنها استوقعت المجني عليه على بياض دون أن يبين ما إذا كانت الورقة الممضاة على بياض قد سلمت إلى الطاعنة على سبيل الأمانة أم أنها تحصلت عليها بطريق آخر رغم ما فى ذلك من أثر على صحة التكييف القانوني للواقعة، ومن ثم فإنه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب الأمر الذي يعجز محكمة النقض عن أعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى كما صار إثباتها بالحكم .

(الطعن رقم 5370 لسنة 55 جلسة 1987/11/30 س 38 ع 2 ص 1053 ق 191)

3- مناط الإثبات فى المواد الجنائية بحسب الأصل - فيما عدا ما ورد بشأنه نص خاص هو اقتناع القاضي و اطمئنانه إلى الأدلة المقدمة إليه فى الدعوى فمتى كان المجني عليه قد ادعى بأن الورقة التي تحمل توقيعه على بياض قد ملئت بخلاف المتفق عليه فكان يتعين على المحكمة أن تلزمه بإثبات ذلك بكافة طرق الإثبات القانونية لأن ما يدعيه على خلاف الظاهر و كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر و اتخذ من عجز الطاعن عن إثبات صحة بيانات سند الدين دليلا على ملء الطاعن هذه البيانات بخلاف المتفق عليه و انتهى إلى إدانته عن جريمة خيانة ائتمان الإمضاء المسلمة له على بياض المعاقب عليها بالمادة 340 من قانون العقوبات فإن المحكمة تكون قد فهمت القانون على غير وجهه الصحيح و يكون حكمها معيباً بالفساد فى الاستدلال مما يوجب نقضه .

(الطعن رقم 5881 لسنة 53 جلسة 1987/02/15 س 38 ع 1 ص 287 ق 40)

4- تغيير الحقيقة فى الورقة الموقعة على بياض ممن استؤمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة معاقب عليه بالمادة 340 من قانون العقوبات و أن ثبوت صحة التوقيع يكفي لإعطاء الورقة العرفية حجيتها فى أن صاحب التوقيع قد ارتضى مضمون الورقة و التزم به فإذا أراد نفي هذه الحجية بإدعائه ملء بيانات الورقة الموقعة منه على بياض بخلاف المتفق عليه بينه و بين الدائن كان عليه أن يثبت ما يدعيه بكافة طرق الإثبات .

(الطعن رقم 5881 لسنة 53 جلسة 1987/02/15 س 38 ع 1 ص 287 ق 40)

5- الأصل فى الأوراق الموقعة على بياض أن تغيير الحقيقة فيها ممن إستؤمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة معاقب عليه بالمادة 340 من قانون العقوبات و يخرج عن هذا الأصل حالة ما إذا كان من إستولى على الورقة قد حصل عليها خلسة . أو نتيجة غش أو طرق إحتيالية أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم الإختيارى فعندئذ يعد تغيير الحقيقة فيها تزويراً .

(الطعن رقم 1567 لسنة 45 جلسة 1976/01/25 س 27 ص 100 ق 22)

6- إن النص على جريمة خيانة ائتمان الإمضاء المسلمة على بياض الوارد فى الفقرة الأولى من المادة 340 من قانون العقوبات مقتبس من قانون العقوبات الفرنسى فى المادة 407 منه ، ولما كان التزوير فى المحررات عندهم معاقب عليه - باعتباره جناية - بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة فقد رأى الشارع فى خصوص جريمة التزوير التى تقع ممن عهد إليه بالورقة الممضاة على بياض أن يهبط بها درجة فى تدريج الجرائم وأن يهون عقوبتها فاعتبرها جنحة وعاقب عليها بعقوبة الحبس والغرامة المقررتين لجريمة النصب المنصوص عليها فى المادة 405 من قانون العقوبات الفرنسى وذلك لعلة لاحظها هو أن صاحب التوقيع مفرط فى حق نفسه بإلقائه زمام أمره فى يد من لا يصلح لحمل الأمانة .

(الطعن رقم 1028 لسنة 28 جلسة 1959/02/03 س 10 ع 1 ص 143 ق 31)

7- مجرد التأخير فى رد الشئ أو الامتناع عن رده لا يتحقق به القصد الجنائي فى جريمة خيانة الأمانة _، ما لم يكن مقروناً بانصراف نية الجاني إلى إضافة المال الذى تسلمه إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضراراً بصاحب الحق فيه ، وإذا كان الحكم لم يستظهر هذا الركن الأساسى فى مدوناته ، واتخذ من مجرد قعود الطاعن عن رد منقولات الزوجية دليلاً على تحقق الجريمة التى دانه بها بأركانها القانونية كافة . ومنها القصد الجنائي ، فإنه يكون معيباً بالقصور متعيناً النقض والإعادة فيما قضى به فى الدعويين المدنية والجنائية .

(الطعن رقم 10439 لسنة 61 جلسة 1998/01/12 س 49 ص 87 ق 12)

8- إن القصد الجنائي فى جريمة خيانة الامانة لا يتحقق بمجرد تصرف المتهم فى الشئ المسلم إليه أو خلطه بماله و إنما يتطلب ذلك ثبوت نية تملكه اياه و حرمان صاحبه منه . و إن العبرة فى ثبوت قيام عقد من عقود الائتمان هى بحقيقة الواقع . لما كان ذلك و كان الحكم الابتدائى المؤيد لاسبابه بالحكم المطعون فيه قد استدل على توافر أركان الجريمة فى حق الطاعن بما أثبته من تسلمه المنقولات الخاصة بالمجنى عليها بموجب عقد من عقود الائتمان و أن عدم ردها إليها عند مطالبتها بها يعد اختلاسا و قد خلت مدوناته من بيان الاساس الذى استمد منه واقعة تسلمه لهذه المنقولات استلاما فعليا ، و إذ كانت المجنى عليها - المدعية بالحقوق المدنية شهدت أمام محكمة أول درجة بغير ذلك . كما شهد الشاهد أن الموقعان على قائمة الاعيان بأنهما لم يشهدا واقعة تسلم الطاعن للاعيان الثابتة بالقائمة . لما كان ذلك فإن الحكم فيما تقدم يكون قد خلا من بيان ركن التسليم و لم يستظهر القصد الجنائي و هو عماد جريمة خيانة الامانة ، و من ثم فإنه يكون قد تعيب بالقصور فى التسبيب بما يبطله .

(الطعن رقم 8422 لسنة 58 جلسة 1989/03/09 س 40 ص 384 ق 63)

9- لما كانت جريمة خيانة الأمانة تتحقق بكل فعل يدل على أن الأمين إعتبر المال الذى أؤتمن عليه مملوكاً له يتصرف فيه تصرف المالك ، و يتحقق القصد الجنائي فيها بتصرف الحائز فى المال المسلم إليه على سبيل الأمانة بنية إضاعته على ربه و لو كان هذا التصرف يتغيير حيازته الناقصة إلى ملكية كاملة مع بقاء عين ما تسلمه تحت يده و لا يشترط لبيان القصد الجنائي فى تلك الجريمة أن يتحدث عنه الحكم بعبارة صريحة مستقلة ، بل يكفى أن يكون مستفادا - من ظروف الواقعة المبينة به - أن الجاني قد ارتكب الفعل المكون للجريمة عن عمد و بنية حرمان المجنى عليه من الشئ المسلم اضرارا به ، و كان الحكم المطعون فيه لم يخطىء تقدير ذلك كله ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص يكون غير سديد .

(الطعن رقم 4595 لسنة 58 جلسة 1989/12/27 س 40 ص 1357 ق 216)

10- المحكمة غير ملزمة بالتحدث استقلالا عن القصد الجنائي فى جريمة خيانة الأمانة ما دام فيما أوردته من وقائع الدعوى ما يكفي لاستظهاره كما هو معرف به فى القانون من انصراف نية الجاني إلى إضافة المال الذي تسلمه إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضراراً بمالكه, وكان توافر القصد الجنائي مما يدخل فى سلطة محكمة الموضوع التي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى, وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد استخلص مما له معينة الصحيح من الأوراق أن المتهم تسلم المنقولات الموضحة بالقائمة على سبيل الوديعة فأختلسها لنفسه بنية تملكها إضراراً بالمجني عليه, فقد ظل الطاعن ممتنعاً عن تسليم تلك المنقولات إلى المجني عليها منذ طلاقها فى 12/7/1970 وإلى ما بعد صدور الحكم الابتدائي بمعاقبته، وإذ حضر بجلسة 3 من مارس سنة 1976 التي صدر فيها الحكم المطعون فيه قرر بقيامه بالتسليم وقد اقترن ذلك بطلبه الطعن على الصفحة الأولى من قائمة المنقولات بالتزوير, ومن ثم فقد أفصحت مدونات الحكم عن أنه تسلم المنقولات المبينة بالقائمة كوديعة ولكنه أحتجزها لنفسه بغير مقتض ودون أن ينهض له حق فى احتباسها, مما يكفي لتوافر سوء القصد فى حقه وتتوافر به أركان جريمة خيانة الأمانة على ما هي معرفة به قانوناً, ويكون النعي لذلك فى غير محله.

(الطعن رقم 78 لسنة 48 جلسة 1978/04/10 س 29 ع 1 ص 393 ق 75)

11- لما كان مجرد التأخير فى رد الشئ أو الإمتناع عن رده ، لا يتحقق به القصد الجنائي فى جريمة خيانة الأمانة ، ما لم يكن مقروناً بإنصراف نية الجاني إلى إضافة المال الذى تسلمه إلى ملكه و إختلاسه لنفسه إضراراً بصاحب الحق فيه ، و إذ كان الحكم المطعون فيه لم يستظهر هذا الركن الأساسى فى مدوناته ، و إتخذ من مجرد قعود الطاعن عن رد منقولات الزوجية دليلاً على تحقق الجريمة التى دانه بها بأركانها القانونية كافة و منها القصد الجنائي ، فإنه يكون معيباً بالقصور ، متعيناً النقص و الإعادة فيما قضى به فى الدعويين المدنية و الجنائية ، مع إلزام المطعون ضدها المدعية بالحقوق المدنية المصاريف المدنية .

(الطعن رقم 1220 لسنة 54 جلسة 1984/11/14 س 35 ص 770 ق 171)

12- حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التبديد فقد انطوى على قصور فى التسبيب وإخلال بحق الدفاع وفساد فى الاستدلال، ذلك بأن دفاع الطاعن قام على عدم استلامه المبلغ الذي أسند إليه تبديده وأن السند الذي قدمه المجني عليه كدليل على استلامه ذلك المبلغ على سبيل الأمانة مزور عليه إذ كان ورقة وقعها على بياض وسلمها للمجني عليه لاستعمالها فى شئون شركة بينهما فاصطنع المجني عليه فوق إمضائه عليها بيانات تخالف ما اتفقا عليه وتتضمن قبضه المبلغ المدعى عليه بتبديده، إلا أن محكمة الموضوع بدرجتيها أطرحت هذا الدفاع الجوهري دون أن تحققه أو ترد عليه بما يسوغ به رده وعولت فى إدانة الطاعن على هذا السند رغم تزويره وذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

(الطعن رقم 763 لسنة 49 جلسة 1979/10/22 س 30 ع 1 ص 777 ق 164)

شرح خبراء القانون

تثير هذه الجريمة ثلاث مشکلات قانونية هي ماهية النشاط الإجرامي اللازم القيام الركن المادي للجريمة وماهية المحررات التي يقع فيها التزوير من خلال خيانة الائتمان إثبات خيانة الائتمان وفيما يأتي نبحث هذه المشكلات.

1. النشاط الإجرامي:

تفترض هذه الجريمة أن المحرر موضوع التزوير قد وقع على بياض سواء بالإمضاء أو الختم أو البصمة ثم سلم على سبيل الأمانة إلى الجاني لملء البياض الذي يحتويه ببيانات معينة ولا يشترط أن يكون المحرر برمته موقعاً على بياض بل قد يكون متضمناً لبيانات معينة ثم يترك به بياض لملئه بغيرها من البيانات فالجاني على هذه الصورة مكلف طبقاً لعقد الأمانة الذي ارتبط به مع صاحب التوقيع بأن يثبت وقائع معينة فإذا هو خان الأمانة وأثبت خلاف ما ائتمن عليه يكون قد ارتكب تزويراً معنوياً بتغيير إقرارات أولى الشأن التي كان الغرض من تحرير السندات إدراجها بها وقد حرص المشرع على إفراد نص خاص لهذه الصورة من صور التزوير المعنوي هو نص المادة 340 من قانون العقوبات وقانون العقوبات الإيطالي (المواد من 486 إلى 478).

ولا جدال في أن هذه الصورة من التزوير المعنوي لا تقع تحت طائل التزوير المادي لأن الجاني مكلف بكتابة المحرر وفقاً لعقد الأمانة وقد رفض الفقه الإيطالي اعتبارها من صور التزوير المعنوي بدعوى أن هذه الجريمة قد تقع ولو كان ما كتب مطابقاً للحقيقة لأن المؤتمن على التحرير لا يعبر عن فكره الخاص فيما يكتبه وإنما يدون ما اتفق عليه مع صاحب التوقيع على بياض ولو كان مخالفاً للحقيقة فإذا هو خالف هذا الاتفاق وكان ما أثبته متفقاً مع الحقيقة وقع تحت طائلة العقاب.

ولما كانت العبرة في تقدير الحقيقة ليست بالحقيقة المطلقة وإنما بالحقيقة الظاهرة كما يراها صاحب الشأن ولو لم تتفق مع الحقيقة المطلقة والواقع أنه إذا كان الجاني قد خالف الحقيقة التي أراد صاحب الشأن إثباتها بالمحرر فإنه يعد مرتكباً لتزوير معنوي على أنه لما كان النشاط الإجرامي لهذه الجريمة لا يتوافر إلا بالتزوير المعنوي فإن تداخل الغير الذي لم يؤتمن على التحرير بكتابة بيانات مزورة في المحرر ولو بناء على تواطئه مع مستلم الورقة - يعد تزويراً مادياً يخضع للقواعد العامة وقد صور كل من التشريعين الفرنسي والمصري هذه الجريمة بوصفها نوعاً من خيانة الأمانة وهو تصوير لا محل له وقد كان له ما يبرره في التشريع الفرنسي أيام أن كان يعد التزوير في المحررات العرفية من الجنايات أما بعد تعديل عام 1958 الذي اعتبر هذا التزوير من الجنح فليس له ما يبرره .

2-طبيعة المحرر محل الجريمة :

ولا يقتصر تصور وقوع هذا النوع من التزوير على المحررات العرفية وحدها بل إنه قد يقع على المحررات الرسمية والعرفية سواء بسواء.

ويفترض التزوير في المحرر الرسمي أن يكون الموظف العام الذي نيطت به كتابة الورقة قد سلمها إلى الغير بعد توقيعها لملء ما بها في حدود معينة فإذا كان من تسلم الورقة موظفاً عاماً مختصاً وقع منه تزوير معنوي في محرر رسمي بوصفه موظفاً عاماً وإذا كان من تسلمها فرد من آحاد الناس وقع منه تزوير مادي بطريق الاصطناع في محرر رسمي بوصفه من آحاد الناس.

ولما كان المشرع المصري عاقب بعقوبة الجنحة على التزوير في الأوراق الممضاة على البياض مستهدفاً فقط الأوراق العرفية وحدها دون الرسمية وهو ما يتجلى فيما نص عليه من صور خيانة الائتمان التي قد يرتكبها الحالي وهي كتابة سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات التي يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله وهو ما ينصرف إلى المحررات العرفية وحدها فإن حصول مثل هذا التزوير في المحررات الرسمية تسري عليه القواعد العامة للتزوير في هذا النوع الأخير من المحررات.

وغني عن البيان أنه يشترط لوقوع التزوير بالصورة المتقدمة أن يكون ما أثبته الجاني في المحرر الموقع على بياض له قرة الإثبات ويرتب عليه القانون أثراً وذلك لأنه وإن كان المشرع قد نظر إلى هذه الجريمة بوصفها نوعاً من خيانة الائتمان إلا أن ذلك لا يحول دون إرساء طبيعتها القانونية على الوجه الصحيح واعتبارها من جرائم التزوير ولما كانت جريمة التزوير تفترض لوقوعها أن يكون المحرر موضوع الجريمة مستوفياً لمظهره القانوني الذي يوحي بالثقة العامة فإنه يجب كذلك للعقاب على خيانة الائتمان في الورقة الموقعة على بياض أن يكون ما أثبته الجاني مستوفياً هذا المظهر القانوني بغض النظر عما أراد صاحب التوقيع إثباته وعلى ذلك فإذا وقع شخص على بياض ثم فرض غيره في ملء هذا البياض لدعوة أحد لحضور حفل في تاريخ معين فغير هذا الأخير في تاريخ الحفل فإنه لا يرتكب تزویراً لأن هذه الورقة لم تستوف المظهر القانوني للمحرر .

ومن أهم ما تثيره هذه الجريمة من مشكلات إثبات خيانة الائتمان الذي ارتكبه الجاني وهو ما يقتضي إثبات الاتفاق الذي خانه المزور حين كتب فوق التوقيع أمراً يخالفه ووجه الدقة أن المحكمة الجنائية تتقيد وهي تفصل في الدعوى الجنائية بقواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية إذا كان قضاؤها في الدعوى يتوقف على وجوب الفصل في مسألة مدنية أو تجارية هي عنصر من عناصر الجريمة المطروحة للبحث المادة 225 إجراءات.  (الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة  الكتاب الأول 2016،  الصفحة : 861)

يقصد بالأوراق الموقعة على بياض أي ورقة معدة لأن تكون مستند ولا تحمل سوى توقيع من صدرت منه و إقرار غير كامل في بعض البيانات القابلة للاستكمال وبعبارة واحدة يمكن القول بأن التوقيع على بياض ينصرف إلى الأوراق التي يترك فيها الموقع عليها فضلو قابلاً للاستكمال.

ولكن ليس كل إثبات لوقائع مختلفة للحقيقة في الفراغات المتروكة من الموقع على بياض يشكل تزويراً يعاقب عليه بمقتضى نصوص التزوير إذ أن الأمر يتطلب التمييز بين الفروض التي يتم فيها كتابة الفراغات بمعرفة حائز الورقة المرخص له أو المفروض عليه ملؤها وبين الفروض التي يتم فيها كتابتها من شخص مختلف عن الحائز لها والمرخص له بذلك.

ففي الحالة الأولى: لا نكون بصدد جريمة تزوير وإنما بصدد جريمة مستقلة عالجها المشرع المصري في المادة 340 عقوبات .

فخيانة الأمانة أو الثقة من قبل حائز الورقة على بياض والمرخص له بكتابتها لا يشكل تزويراً مادياً أو معنوياً إذا أثبت فيها ما يخالف ما اتفق عليه مع صاحب التوقيع كما لا يتوافر التزوير المعنوي باعتبار أن ما يثبته خلاف ما اتفق عليه تتحقق به الجريمة بغض النظر عن مطابقته للحقيقة من عدمه ولذلك فإننا هنا نكون في محيط جرائم خيانة الأمانة ولسنا في محيط جرائم التزوير.

أما الحالة الثانية: فهي المتعلقة بكتابة الفراغات من شخص غير مرخص له بكتابتها سواء في حيازته بطريقة غير مشروعة أو بطريقة مشروعة ولكن لا تخول له ملء الفراغ كما في حالة الحيازة على سبيل الوديعة في هذه الحالة يعتبر كاتب الفراغ مزوراً ويعاقب وفقاً لقواعد التزوير المادي باعتبار أنه غير مرخص له بملء الفراغ ويلاحظ أن نص المادة 340 عقوبات إنما يتعلق بالمحررات العرفية أما المحررات الرسمية فإنها تخضع للقواعد الخاصة بالتزوير بمعنى أنه إذا وجدت في حوزة الموظف بسبب وظيفته ورقة ممضاة على بياض فقام بكتابة الفراغات فيها استناداً إلى ترخيص أو إلزام بذلك فإننا نكون بصدد تزوير معنوي إذا توافرت طريقة من طرقه ويعاقب بمقتضى نصوص التزوير أما إذا شنت الموظف بيانات تتطابق والحقيقة فلا عقاب على مجرد خيانة الثقة إذا كان ما أثبت يختلف عما اتفق عليه مع صاحب التوقيع. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول،  الصفحة: 468)

خيانة الائتمان على التوقيع :

نصت على جريمة خيانة الائتمان على التوقيع المادة 340 من قانون العقوبات في قولها « كل من أؤتمن على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض فخان الأمانة وكتب في البيان الذي فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات التي يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله عوقب بالحبس ويمكن أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز خمسين جنيهاً مصرياً وفي حالة ما إذا لم تكن الورقة الممضاة أو المختومة على بياض مسلمة إلی الخائن و إنما استحصل عليها بأي طريقة كانت فإنه يعد مزوراً ويعاقب بعقوبة التزوير.

تفترض هذه الجريمة أن المجني عليه سلم إلى المتهم ورقة تحمل توقيعه أو ختمه على بياض لكي يدون فوق الإمضاء أو الختم بيانات معينة يقوم بها عمل قانونی ولكنه خان الثقة التي وضعت فيه فدون بيانات مخالفة وكان من شأن ذلك إحداث ضرر واقترن بالقصد الجنائي ونرى تعريف هذه الجريمة بأنها «تدوين من تسلم ورقة موقعة على بياض بيانات فوق الإمضاء تخالف ما اتفق عليه إذا كان من شأنه الإضرار بصاحب التوقيع».

علة الجريمة تنطوي هذه الجريمة على تغيير الحقيقة فقد أثبتت فوق الإمضاء بيانات تختلف عما كان يتعين إثباته أي تختلف عما اتجهت إليه إرادة صاحب التوقيع ومن هذه الوجهة كانت هذه البيانات مخالفة للحقيقة وهذه العلة هي علة تجريم التزوير وتقرب ما بينها وبين التزوير ولكن هذه الجريمة تنطوي كذلك على خيانة الثقة التي وضعها صاحب التوقيع فيمن تسلم الورقة الموقعة على بياض فقد وثق فيه کي يملأ الفراغ الذي يعلو الإمضاء ببيانات معينة ولكنه خان هذه الثقة فوضع بیانات مختلفة وأضر به وهذه العلة تقرب ما بين هذه الجريمة وخيانة الأمانة .

وعلى هذا النحو فإن علة التجريم مزدوجة : تغيير الحقيقة بما يعنيه من إخلال بالثقة في المحرر وخيانة الثقة التي وضعت في المتهم بما يعنيه من إخلال بحسن النية في التعامل .

العلاقة بين خيانة الائتمان على التوقيع وبين التزوير: خيانة الائتمان على التوقيع هي في جوهرها تزوير مادي عن طريق « الاصطناع أو زيادة كلمات » ولولا النص الخاص بها لاعتبرت تزويراً خالصاً ويمكن القول - بناء على ذلك - بأن مجال هذه الجريمة مقتطع من المجال العام للتزوير وعلة إيثار خيانة الائتمان على التوقيع بنص خاص والتمييز بينها وبين التزوير ترد إلى أمرين : أولهما أن المتهم لم يقتصر على تغيير الحقيقة في المحرر وإنما أضاف إلى ذلك خيانة الثقة التي وضعها فيه المجني عليه وثانيهما  أن المجني عليه مقصر إذ وضع ثقته في شخص غير جدير بها  ومن شأن الاعتبار الأول أن يشدد من مسئولية المتهم ومن شأن الاعتبار الثاني أن يخفف منها ومن شأنهما معاً التمييز بين هذه الجريمة والتزوير  ولكن هذا التمييز لا ينفي الصلة بينهما وأهميتها أنه إذا انتفى أحد العناصر المميزة بينهما عاد الفعل إلى أصله من حيث اعتباره تزويراً وفي تعبير آخر فقد رسم الشارع لهذه الجريمة مجالاً فإذا جاوزه الفعل اعتبر تزويراً وذلك ما عناه الشارع بقوله « وفي حالة ما إذا لم تكن الورقة الممضاة أو المختومة على بياض مسلمة إلى الخائن وإنما استحصل عليها بأي طريقة كانت فإنه يعد مزوراً ويعاقب بعقوبة التزوير».

وعلى سبيل المثال فإنه إذا لم تسلم الورقة الممضاة على بياض إلى المتهم وإنما استولى عليها خلسة أو عنوة وملأ الفراغ الذي يعلو الإمضاء أو لم تكن الورقة ممضاة على بياض وإنما كانت بياناتها كاملة فأضاف المتهم إليها بيانات أخرى لم يتفق عليها أو لم تكن الورقة معدة لكي يدون فوق الإمضاء شيء فدون المتهم بيانات فوقه فالواقعة في جميع هذه الحالات تزوير.

العلاقة بين خيانة الائتمان على التوقيع وخيانة الأمانة تقترب هذه الجريمة من خيانة الأمانة من حيث أنها تفترض تسليم المجني عليه شيئاً هو الورقة الممضاة على بياض من أجل أن يجري عن طريقها استعمالاً معيناً هو تدوين بيانات اتفق عليها ولكنه يخون هذه الثقة فيضع بيانات مختلفة وتشترك الجريمتان في العناصر التالية : سبق التسليم وخيانة الثقة والضرر  والقصد ولكن يفرق بينهما اختلاف الفعل الذي تقوم به كل منهما وأن الضرر الذي يترتب على خيانة الائتمان على التوقيع قد لا يصيب المال وإنما ينال حقاً شخصياً وبالإضافة إلى ذلك فبين الجريمتين فارق من حيث عناصر القصد ومقدار العقوبة وعدم سريان القيد الذي نصت عليه المادة 312 من قانون العقوبات على خيانة الائتمان علی التوقيع .

 أركان خيانة الائتمان على التوقيع : تتطلب هذه الجريمة موضوعاً هو الورقة الممضاة أو المختومة على بياض التي سلمت إلى المتهم وتتطلب صفة في المتهم هي أن يكون الشخص الذي سلمت إليه الورقة وتتطلب رکناً مادياً قوامه فعل تدوين بيانات فوق الإمضاء أو التوقيع تخالف ما اتفق عليه ومن عناصر الركن المادي الضرر وتتطلب هذه الجريمة في النهاية القصد الجنائي .

الورقة الممضاة أو المختومة على بياض : يفترض هذا العنصر أمرين : أن الورقة تحمل إمضاء أو ختماً وأن ذلك أي الإمضاء أو الختم قد وضع على بياض .

والإمضاء تفهم في مدلولها المعتاد فهي علامة تدل على شخص ويعني وضعها في ذيل محرر نسبة بياناته إليه وإقراره بصدورها عنه وارتباطه بالعمل القانوني الذي تفصح عنه وإذا وضعت الإمضاء على بياض فإنها تعني التصديق مقدماً على العمل القانوني الذي سوف تحمله الورقة وقد تتخذ الإمضاء صورة كتابة الإسم بالحروف العادية وتسوي بالإمضاء والختم بصمة الأصبع تطبيقاً للقواعد العامة .

ويراد بأن الإمضاء أو الختم على بياض أنه قد ترك عمداً في الورقة فراغ کي يملأه المتهم فيما بعد بيانات معينة يقوم بها عمل قانوني متفق عليه بينه وبين المجني عليه وفي تعبير آخر فإن الورقة الموقعة على بیاض معدة لأن تستكمل فيما بعد بإيفائها بياناً أو أكثر ينقصها كي تستكمل شكلها ويستكمل العمل القانوني الذي تثبته عناصره وشروطه .

وللورقة الممضاة أو المختومة على بياض صورتان : الأولى ألا تحمل الورقة أية بيانات فوق الإمضاء أو الختم أي لا تحمل سوي الإمضاء أو الختم في ذيلها والصورة الثانية تفترض أن الورقة تحمل بيانات ولكن تركت فيها عمداً فراغات لكي توضع فيها بيانات معينة يتفق عليها فيما بعد كما لو حرر شخص سند دين عليه وترك إسم الدائن أو مبلغ الدین علی بياض لكي يملأه بعد ذلك بإسم من يقرضه والمبلغ الذي يقرضه له ومثال ذلك أيضاً أن يضع شخص إمضاءه أسفل توكيل مطبوع ويترك إسم الوكيل على بياض ليضع فيه فيما بعد إسم الشخص الذي يستقر رأيه على اختياره وكيلا له وقد قالت محكمة النقض في ذلك لا يلزم لتحقق جريمة خيانة الأمانة بالنسبة للورقة الممضاة على بياض أن تكون الورقة خالية بالمرة من كل كتابة فوق لتوقيع بل تتحقق الجريمة أيضاً بملء بعض الفراغ الذي ترك قصداً لملئه فيما بعد بكتابة يترتب عليها حصول ضرر لصاحب التوقيع  .

وتفترض فكرة الورقة الموقعة أو المختومة على بياض أنها معدة لكي توضع عليها فيما بعد بيانات أي أنها غير كاملة وإنما يتعين استكمالها بوضع بيانات فيها وتطبيقاً لذلك فإن فكرة الورقة الموقعة على بياض تنتفي إذا وضعت الإمضاء في الورقة وكان وضعها كافياً في ذاته أي لم يكن في اتفاق الأطراف أن توضع بيانات فوقها مثال ذلك أن يعطي شخص آخر ورقة تحمل إمضاءه على سبيل التذكار كما لو وقع في  أتوجراف أو وقع  توقيعاً نموذجياً  کي يودعه في البنك لتضاهي عليه الإمضاء التي تحملها الأوراق المنسوبة إليه في هذه الحالات إذا دون شخص فوق الإمضاء التذكاري أو النموذجي سند دين فهو يرتكب تزويراً أي لا يرتكب جريمة خيانة الائتمان على التوقيع وإذا كانت الورقة تحمل بيانات كافية في ذاتها أي لم يكن ينقصها بیان ما في نية أطرافها وإنما ترك فيها فراغ دون قصد ملئه فيما بعد فوضع فيه من تسلم الورقة بيانات لم يتفق عليها ففعله تزوير إذ لا توصف الورقة في هذه الحالة بأنها موقعة على بياض مثال ذلك أن يتسلم شخص ورقة ممضاة تحمل عملاً قانونياً كاملاً مستوفياً جميع عناصره وشروطه فيضيف في الفراغ بين السطور أو في الفراغ بين السطر الأخير والتوقيع بيانات تتصل بالغرض من وضع الوقيع ولكن لم يتفق عليها وتطبيقاً لذلك فإذا تسلم شخص ورقة موقعاً عليها تحمل بيانات عقد قرض فأضاف إليها في فراغ ترك بها شرطاً بأداء فوائد فالواقعة تزوير ولكن تعتبر الواقعة خيانة ائتمان على توقيع إذا سلمت الورقة إلى المتهم لكي يدون فوق التوقيع بيانات معينة اتفق عليها فدونها وفق الاتفاق ولكنه وضع في فراغ تبقى فيها شرطاً لم يتفق عليه ذلك أن الورقة سلمت إلى المتهم موقعة على بياض فوضع فوق التوقيع بيانات تختلف في مجموعها عما اتفق عليه .

وتفترض جريمة خيانة الائتمان على التوقيع على بياض أن المتهم ملأ فراغاً في الورقة على غير ما اتفق عليه دون أن يجاوز ذلك إلى محو بيان كان مثبتاً في الورقة إذ لو محا بياناً ووضع آخر مكانه أو اقتصر على مجرد المحو فالواقعة تزوير وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا سلم المجني عليه (وهو طبيب إلى المتهم تذكرة طبية دون في أعلاها لفظ «إنذار» ثم ذيلها بامضائه لكي يملأ المتهم الفراغ الذي يتوسط بين لفظ إنذار والتوقيع بصيغة إنذار يوجهه إلى مستأجر لأرضه ولكنه محا لفظ إنذار أو أزال من الورقة جزءها الذي يحمل هذا اللفظ ثم دون فوق التوقيع سند دین كانت الواقعة تزويراً.

تسليم الورقة الموقعة أو المختومة على بيان إلى المتهم: هذا العنصر يعني أن المجني عليه وضع ثقته في المتهم فإن هذه الثقة وهذا العنصر هو الذي يثبت أن المجني عليه كان مقصراً حين وضع ثقته في شخص غير جدير بها ومؤدي ذلك أن هذا العنصر يحقق جوهر فكرة هذه الجريمة ويضع جانباً هاماً من أوجه التمييز بينها وبين التزوير .

وتطبيقاً لذلك فإذا حاز شخص ورقة موقعة على بياض دون أن تكون قد سلمت إليه وملأ الفراغ الذي يعلو الإمضاء ببيانات من شأنها الإضرار بصاحب التوقيع فالواقعة تزوير ولا يتصور اعتبارها خيانة ائتمان على توقيع  إذ لم يؤتمن على الورقة باعتبارها لم تسلم إليه فإذا سرق شخص الورقة الموقعة على بياض أو عثر عليها بعد فقدها من حائزها ثم ملأ البيانات التي تعلو التوقيع فالواقعة تزوير وسواء في حالة سرقة الورقة أن يختلسها المتهم خفية أو عنوة كما لو اختطفها من حائزها أو استعمل الإكراه في الاستيلاء عليها وإذا حصل المتهم على الورقة بتدليس مما تقوم به جريمة النصب قامت بمجرد تسلم الورقة جريمة النصب فإذا ملأ بعد ذلك الفراغ الذي يعلو التوقيع سئل كذلك عن تزوير ولا وجه لسؤاله عن خيانة الائتمان على التوقيع إذ التدليس يستبعد التسليم الاختياري الصادر عن إرادة معتبرة فينفي تبعاً لذلك الائتمان على التوقيع.

والتسليم الذي تفترضة جريمة خيانة الائتمان على التوقيع هو تسليم ناقل للحيازة الناقصة باعتباره تسليماً للقيام بعمل معين على الورقة (أي ملء بياناتها على نحو معين) أو كما يقول بعض الفقهاء الفرنسيين « تسليم مقترن بتوكيل موضوعه إثبات بيانات عمل قانوني معين » أما إذا كان التسليم على سبيل اليد العارضة كما لو سلمه الورقة لكي يطلع على إمضائه أو کي يعاين مادة الورقة فاستغل ذلك لوضع بيانات معينة فوق الإمضاء فالواقعة تزوير إذ التسليم على سبيل اليد العارضة ينفي فكرة الائتمان .

ويستوي أن يفصل بين التوقيع والتسليم زمن أو أن يعقبه مباشرة وسواء كذلك أن يحصل التسليم من الموقع نفسه أو من وكيل أو مندوب عنه.

صفة المتهم: تعتبر صفة المتهم كمتسلم للورقة الممضاة أو المختومة على بياض ركناً في جريمة خيانة الائتمان على التوقيع وقد عبر الشارع عن هذا الركن بقوله « كل من اؤتمن على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض » ومؤدي ذلك أن هذه الجريمة تدرج بين « جرائم ذوي الصفة الخاصة » وتخضع لأحكامها وأهمها أنه لا يعتبر فاعلاً لها إلا من يحمل الصفة التي تطلبها الشارع أي من سلمت إليه الورقة على سبيل الائتمان.

وبناء على ذلك فإذا سلمت الورقة الممضاة أو المختومة على بیاض إلى شخص ولكن شخصاً آخر استطاع الحصول عليها كما لو سرقها وملأ البياض الذي يعلو الإمضاء فلا يرتكب هذه الجريمة إذ قد تخلف أحد أركانها وإنما يسأل عن تزوير وإذا ارتكب الفعل من سلمت إليه الورقة بناء على تحريض أو اتفاق أو مساعدة شخص آخر سئل متسلم الورقة عن هذه الجريمة باعتباره فاعلا لها وسئل الشخص الآخر عنها باعتباره شريكاً فيها ويدق الحكم إذا ارتكب الفعل شخص غير من تسلم الورقة ولكن بناء على تحريض أو اتفاق أو مساعدة متسلم الورقة كما لو أعطاه الورقة وطلب إليه كتابة البيانات المخالفة لما اتفق عليه مع المجني عليه يذهب الرأي السائد في الفقه إلى القول بأن من ارتكب الفعل يعتبر فاعلا لتزوير أما متسلم الورقة الذي اشترك معه في فعله فيسأل باعتباره شريكاً في هذا التزوير ويحتاج هذا الرأي بأنه محض تطبيق للقواعد العامة في المساهمة الجنائية فالفاعل من ارتكب الفعل الذي تقوم به الجريمة والفعل الإجرامي هو تغيير الحقيقة وقد ارتكبه من دون البيانات فوق الإمضاء وبالإضافة إلى ذلك فإن وصف الجريمة يتحدد بالنظر إلى فاعلها وعيب هذا الرأي أنه يتجاهل طبيعة هذه الجريمة، وأنها من « جرائم ذوي الصفة الخاصة » وهذه الجرائم يميزها أنه لا يعتبر فاعلا لها غير من يحمل الصفة التي تطلبها القانون وأن هذا الشخص يعتبر فاعلاً أياً كان مدى نشاطه الإجرامي وطبيعة ما صدر عنه من أفعال ونرى تطبيقاً لذلك أن من تسلم الورقة يعتبر فاعلاً لجريمة خيانة الائتمان على التوقيع ويعتبر الشخص الذي دون البيانات فوق التوقيع شريكاً له في هذه الجريمة ذلك أنه لا يتوافر لديه عنصر مطلوب في صفة الفاعل لهذه الجريمة.

الركن المادي لخيانة الائتمان على التوقيع عبر الشارع عن الركن المادي لهذه الجريمة بقوله إن المتهم « خان الأمانة وكتب في البياض الذي فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات التي يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله » . ويتطلب الركن المادي فعلاً هو كتابة بيانات مما نص عليه القانون في البياض الذي فوق الختم أو الإمضاء ونتيجة هي الضرر ويتعين أن تربط بينهما علاقة السببية .

الكتابة في البيان الذي يعلو الختم أو الإمضاء : عبر الشارع عن هذا الفعل بقوله إن المتهم « خان الأمانة وكتب في البياض الذي فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات.

وتعبير « خان الأمانة » يشير به الشارع إلى وجوب أن يكون ما أثبته المتهم فوق الختم أو الإمضاء مخالفاً لما اتفق عليه مع المجني عليه إذا لو كان مطابقاً لاتفاقهما لما قامت جريمة إذ لا توجد « خيانة » وبصفة خاصة لا يوجد تغيير للحقيقة وهو جوهر جريمة خيانة الائتمان على التوقيع ولكن لا يشترط أن يكون كل ما يثبته المتهم مخالفاً لما اتفق عليه وإنما يكفي أن يكون بیان واحد مخالفاً لذلك  ويستوي الموضع الذي يتخيره المتهم لما يدونه من كتابه إذ يكفي أن يكون ذلك فوق الإمضاء أو الختم وتطبيقاً لذلك فإذا تضمنت ورقة مكتوبة من قبل توقيعاً في هامشها إشارة إلى التصديق على تصحيح أدخل عليها فكتب المتهم فوقه سند دین كان مسئولاً عن جريمة خيانة الائتمان على التوقيع.

ويستوي شكل الكتابة أكانت مخطوطة أم مطبوعة . وتستوى اللغة التي استعملت فيها ، ولو كانت حروفها مختلفة عن حروف لغة الإمضاء ويستوي أن تدون الكتابة لحظة التسليم أو بعد ذلك بزمن قصير أو طويل .

وقد أشار الشارع إلى موضوع الكتابة فقال إنه سند دین أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات وتفهم عبارة الشارع في معنى تطلبه أن يكون موضوع الكتابة عملاً قانونياً يؤكد ذلك أنه تطلب أن يكون من شأنها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله وتطبيقاً لذلك يرتكب هذه الجريمة من وضع فوق الإمضاء أو الختم سند دين أو مخالصة أو عقداً أياً كان مسمى أو غير مسمى أو إقراراً بطلاق أو بنوة أو اعترافا بارتكاب جريمة أو فعل ضار يستوجب المسئولية المدنية أو فعل مخالف للأخلاق ولكن لا يرتكب هذه الجريمة من كتب فوق الإمضاء رسالة عادية أو حقيقة علمية أو اعترافاً بارتكاب فعل لا تترتب عليه أية مسئولية.

الضرر: تطلب الشارع لقيام الجريمة  حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله وعبارة الشارع من الاتساع بحيث تشمل كل أنواع الضرر فيستوي الضرر المادي والضرر المعنوي وسواء قيمة الضرر المادي  ويستوي الضرر المحقق و الضرر الاحتمالي وقد تطلب الشارع أن ينال الضرر صاحب التوقيع أو الإمضاء ومؤدي ذلك أنه لا يكفي ضرر ينال غيره ولكن إذا انعكس الضرر الذي أصاب الغير على صاحب التوقيع أو الختم قامت الجريمة بذلك إذ يعد الضرر في هذا القدر واقعاً على المجني عليه .

أما إذا ثبت أنه لم يترتب على الفعل ضرر قط فلا تقوم الجريمة مثال ذلك أن يدون المتهم فوق الامضاء أو الختم عملاً نافعاً نفعاً محضاً كقبول هبة أو وصية .

وقد ثار التساؤل حول ما إذا كانت الجريمة تقوم إذا كان العمل الذي أثبت فوق الإمضاء أو الختم باطلاً يذهب الرأي الراجح إلى التفرقة بين البطلان المطلق والبطلان النسبي والقول بقيام الجريمة في الحالة الثانية دون الأولى وهذا الرأي علته الحقيقية إفتراض انتفاء الضرر في البطلان المطلق دون البطلان النسبي ولكن يجب ملاحظة أن الشارع قد افترض في جميع حالات الجريمة بطلان العمل الذي أثبت فوق الامضاء أو الختم إذ مخالفته للإرادة الحقيقية للأطراف سبب لبطلانه ويعني ذلك أن الشارع لم ير في البطلان ما يحول دون توافر أركان الجريمة  ولذلك يكون الأدنى إلى الصواب القول بأن البطلان لا يحول دون قيام الجريمة إلا إذا كان من شأنه نفي الضرر إطلاقاً وفي هذه الحالة تكون علة انتفاء الجريمة تخلف الضرر لا البطلان وفي معظم الفروض لا يحول البطلان دون حصول الضرر أو احتماله فالمجني عليه لا يستطيع في غالب الحالات إثبات البطلان بغير دعوى يقيمها فتكبده جهودا ومصاريف وفي ذلك ضرر يناله وقد تتداول الورقة بين أشخاص لا يدركون بطلانها فتكون عاقبة ذلك ضرر ينال المجني عليه في النهاية وقد يفوت وقت تدارکه.

القصد الجنائي : يمثل القصد الركن المعنوي لخيانة الائتمان على التوقيع  ويقوم القصد على عنصرية العلم والإرادة فيجب أن يعلم المتهم أن ما أثبته فوق الامضاء أو الختم مخالف لما اتفق عليه وأن يعلم كذلك بالضرر الذي يلزم أو يحتمل أن يترتب على الفعل  ويجب أن تتجه إرادة المتهم وفقاً للقواعد العامة إلى إثبات البيانات التي وضعها فوق الإمضاء أو الختم وإلى الضرر ولو في صورته الاحتمالية .

وينتفي القصد إذا اعتقد المتهم أن ما أثبته هو ما اتفق عليه أو أنه لن يترتب على الفعل ضرر قط أو انتفت ارادته في اتجاهها إلى الفعل وإلى الضرر وأبرز صور انتفاء القصد أن يعتقد المتهم أنه لن يترتب ضرر أو أن تنتفى إرادة الإضرار لديه مثال ذلك ألا يكون منتویاً استعمال الورقة بعد وضعه البيانات التي أثبتها كما لو كانت الورقة تحمل إمضاء صديق على بياض فوضع فوقه - على سبيل المزاح اعترافاً بارتكاب الجريمة وكان منتويا إتلاف الورقة بعد ذلك ويبقى القصد منتفياً ولو وصلت الورقة إلى حيازة شخص استعملها استعمالاً ضاراً بالمجني عليه وثبت أن وصولها إلى حيازة هذا الشخص كان الإهمال المتهم   .

ويتعين - وفقاً للقواعد العامة - أن يتوافر القصد لحظة الفعل وتطبيقاً لذلك فإذا لم يكن القصد متوافراً وقت إثبات البيانات ثم توافر وقت استعمال الورقة فلا يسأل المتهم عن هذه الجريمة .

ولا عبرة بالبواعث في توافر القصد : فإذا استهدف المتهم بفعله إنشاء سند الإثبات حق له أو لإثبات التخالص من دين أوفى به لم يكن ذلك حائلاً دون توافر القصد لديه .

تمام الجريمة : تتم الجريمة بمجرد إثبات البيانات المخالفة لما اتفق عليه فوق الإمضاء أو الختم ولا يشترط لتمام الجريمة أن يتحقق الضرر بالفعل إذ يكفى احتماله إذ أن احتمال الضرر يحقق - على ما تقدم - النتيجة في هذه الجريمة .

وليس من شروط تمام الجريمة أن تستعمل الورقة فالمتهم يسأل عن جريمة تامة إذا أثبت فوق الإمضاء أو الختم البيانات المخالفة لما اتفق عليه ولكنه لم يستعمل الورقة وإذا أضاف المتهم إلى إثبات البيانات استعمال الورقة فلا تجاوز مسئوليته خيانة الائتمان على التوقيع وإذا استعمل شخص ورقة أثبت فيها شخص آخر فوق الامضاء أو الختم بيانات تخالف ما اتفق عليه فلا يرتكب المستعمل جريمة ذلك أن الشارع لم يجرم الاستعمال استقلالاً عن خيانة الائتمان على التوقيع وذلك وجه للاختلاف بين هذه الجريمة والتزوير .

وخيانة الائتمان على التوقيع جريمة وقتية باعتبارها علی ما تقدم تتم بمجرد إثبات البيانات فوق الإمضاء أو الختم ولا يعتبر الاستعمال اللاحق من بين عناصرها ويترتب على ذلك سريان التقادم المسقط للدعوى الجنائية اعتباراً من لحظة الفعل فلا يتراخى إلى انتهاء الاستعمال ولا تقطعه أفعال الاستعمال ويقتصر الاختصاص بالجريمة على المحكمة التي ارتكب فيها الفعل فلا تختص بها المحاكم التي ارتكبت فيها أفعال الاستعمال .

إثبات الجريمة أهم عناصر جريمة خيانة الائتمان على التوقيع التي يثور التساؤل حول كيفية إثباتها : واقعة تسليم الورقة إلى المتهم ومخالفة البيانات التي أثبتت فوق الامضاء أو الختم لما اتفق عليه ولا شك في أن التسليم في ذاته واقعة مادية أما البيانات فهي تثبت عملاً قانونياً فإذا كان الإدعاء يقوم على مخالفة هذه البيانات لما اتفق عليه أي يتجه إلى إثبات عكس الثابت كتابة تعين تطبيق « قاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف أو يجاوز الثابت كتابة إلا بالكتابة .

استقر القضاء الفرنسي على أن التسليم غير منفصل عن العمل القانوني الذي أثبت فوق الإمضاء أو الختم ومن ثم يخضعان معاً لقواعد الإثبات المدنية واحتج لتدعيم مذهبه بأن القول بجواز الإثبات بجميع الطرق من شأنه أن يهدم نظام الإثبات المدني إذ يكفي أن يدعي من يحتج عليه بالورقة أنه كان قد سلمها إلى خصمه موقعة على بياض حتى يسمح له بإثبات عكسها بجميع الطرق  .

ولكن هذا المذهب يرد عليه بأن الأمر لا يتعلق بإثبات عمل قانونی ولكنه يتعلق بإثبات فعل إجرامي ذلك أن تدوين بيانات فوق الامضاء أو الختم تخالف المتفق عليه هو الفعل الذي تقوم به جريمة خيانة الائتمان على التوقيع والقاعدة أن إثبات الفعل الإجرامي جائز بجميع الطرق وقد قالت محكمة النقض تقريراً لذلك « إن تسليم الورقة الممضاة على بياض هو واقعة مادية لا تقتضي من صاحب الإمضاء إلا إعطاء إمضائه المكتوب على تلك الورقة إلى شخص يختاره وهذه الواقعة المادية منقطعة الصلة بالاتفاق الصحيح المعقود بين المسلم وأمينه على ما يكتب فيما بعد في تلك الورقة بحيث ينصرف إليه الامضاء وهذا الاتفاق هو الذي يجوز أن يخضع لقواعد الإثبات المدنية كشفاً عن حقيقته أما ما يكتب زوراً فوق الإمضاء فهو عمل مجرم يسأل مرتكبه جنائياً متى ثبت للمحكمة أنه قارفه .

عقوبة خيانة الائتمان على التوقيع : حدد الشارع عقوبة هذه الجريمة بالحبس بین حديه العامين وأجاز أن تضاف إليه غرامة لا تتجاوز خمسين جنيهاً ولا عقاب على الشروع في هذه الجريمة .

ولا يسري على الدعوى الجنائية الناشئة عنها القيد الذي نصت عليه المادة 312 من قانون العقوبات إذ لا وجه لقياسها على السرقة ذلك أن هذه الجريمة أدني إلى التزوير باعتبارها تمثل مجالاً مقتطعاً منه وتفترض تغيير الحقيقة وتنطوي على اعتداء على الثقة العامة في المحررات وبالإضافة إلى أن ضررها لا يقتصر على المال وإنما قد ينال النفس كذلك .

 بيانات حكم الإدانة: يتعين أن يتضمن حكم الإدانة إثباتاً لتوافر أركان الجريمة وبصفة خاصة إثبات أن الورقة ممضاة أو مختومة على بياض وأنه حصل تسليمها إلى المتهم وأن ما أثبته فوق الإمضاء أو الختم يخالف المتفق عليه ولا يشترط أن يثبت الحكم صراحة حصول الضرر وتوافر القصد إذ يكفي أن يكون ذلك مستخلصاً من سرد وقائع الدعوى ومن سیاق عبارات الحكم ويعتبر دفع المتهم بأن ما أثبته يطابق المتفق عليه أو دفعه بانتفاء الضرر أو انتفاء القصد الجنائي دفعاً جوهرياً.  ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:  1393)

التزوير بهذه الطريقة وخيانة الائتمان في ورقة ممضاة أو مختومة على بياض : فصل الشارع بين جرائم التزوير عامة وبين خيانة الائتمان في ورقة ممضاة أو مختومة على بياض فجعل من هذه الخيانة جريمة متميزة عن التزوير وقد نصت المادة 340 من قانون العقوبات على أن « كل من ائتمن على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض فخان الأمانة وكتب في البياض الذي فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات التي يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله عوقب بالحبس ويمكن أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز خمسين جنيهاً مصرياً وفي حالة ما إذا لم تكن الورقة الممضاة أو المختومة على بياض مسلمة إلى الخائن وإنما استحصل عليها بأي طريقة كانت فإنه يعد مزوراً ويعاقب بعقوبة التزوير » .

وعلة هذا الفصل أن خيانة الائتمان ليست مجرد تغيير في الحقيقة بنسبة بيانات إلى صاحب الإمضاء لم تتجه إرادته إلى أن تصدر عنه وهو ما يحقق معنى التزوير في هذه الجريمة وإنما هي بالإضافة إلى ذلك خيانة الثقة وضعت في المتهم حينما عهد إليه المجني عليه بحيازة الورقة الممضاة أو المختومة على بياض والمحافظة عليها وهذا الاعتبار الذي يجعل هذه الجريمة أشد من التزوير خطورة يقابله اعتبار آخر يقلل من خطورتها ذلك أن المجني عليه مقصر في رعاية مصالحه إذ عهد بالورقة التي تحمل إمضاءه إلى شخص غير جدير بالثقة ومؤدي ذلك أن هذه الجريمة تتضمن من حيث علة تجريمها ذات علة تجريم التزوير مما يعني أنها في أصلها تزوير ولكنها تتميز باعتبارات حملت الشارع على أن يجعل منها جريمة على حدة والنتيجة التي تترتب على ذلك أنه إذا زالت هذه الاعتبارات عادت الجريمة إلى أصلها فاعتبر الفعل الذي تقوم به تزويراً والاعتبارات الخاصة بهذه الجريمة ترد إلى فكرة خيانة الائتمان بما يعنيه ذلك من وضع الثقة في شخص ثم إخلاله بهذه الثقة ويفترض ذلك أن الورقة قد سلمت إلى المتهم على سبيل الوديعة كي يحافظ عليها ثم يردها لدى طلبها أو كلا يملأ فراغها وفق إرادة صاحب الإمضاء حينما يطلب منه ذلك ولكن المتهم خان هذه الثقة فملأ ذلك الفراغ خلافاً لإرادة المجني عليه .

فإن لم تتوافر العناصر الخاصة السابقة عادت الواقعة تزويراً : فإذا كان موضوع الائتمان ورقة مكتوبة وممضاة فأضاف إليها المتهم بياناً جديداً ، أو محا بياناً ووضع محله بيانا آخر أو وقف نشاطه عند المحو فهو مسئول عن تزوير وإذا كان ملء الفراغ بفعل شخص غير المؤتمن على الورقة فالفعل كذلك تزوير وإذا لم تكن الورقة مسلمة إلى المتهم ولكنه استولى عليها عنوة كما لو اختطفها أو حصل عليها خلسة أو احتيالاً وملا فراغها فالفعل تزوير وهذه الحالة قد عنى الشارع بالنص عليها فقرر أنه «في حالة ما إذا لم تكن الورقة الممضاة أو المختومة على بياض مسلمة إلى الخائن وإنما استحصل عليها بأي طريقة كانت فإنه يعد مزوراً ويعاقب بعقوبة التزوير ». وأخذا بذات الفكرة يسأل عن تزوير من يمسك بيد أمي بزعم تعليمه الكتابة ويجعله يضع اسمه على الورقة ثم يملأ الفراغ الذي يعلوه ببيانات لا تعبر عن إرادة صاحب هذا الاسم . (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة: 263)

تقوم جريمة خيانة الائتمان على التوقيع على أركان ثلاثة :

الأول : محل الجريمة وهو الورقة الموقعة على بياض المسلمة إلى الجاني على سبيل الأمانة.

الثاني : فعل خيانة يترتب عليه ضرر لصاحب التوقيع.

الثالث : القصد الجنائي.

محل الجريمة :

يجب أن يتحقق في محل الجريمة شرطان :

أولا : أن يكون ورقة موقعاً عليها من المجني عليه على بياض ويعني ذلك أن يكون المجني عليه قد وضع توقيعه على ورقة لم يملأ مضمونها سواء كان التوقيع بالإمضاء أو بالختم كتحديق مسبق لما سوف تشتمل عليه الورقة مطابقاً لما اتفق عليه الجاني والمجني عليه.

وليس بشرط أن تكون الورقة خالية تماماً من أي كتابة فوق التوقيع وإنما تقع الجريمة ولو كان قد حرر جزءاً من الورقة قبل التوقيع وترك جزءاً آخر لملء فراغه فيما بعد.

وقد قضى تطبيقاً لذلك بأنه إذا تسلم شخص سند دین بمبلغ معين ترك فيه إسم الدائن على بياض للبحث عمن يقرض الموقعين عليه المبلغ الوارد به السداده لبنك معين حتى إذا وجد من يقبل الإقراض وضع اسمه في الفراغ المتروك بالسند فبدلاً من أن يفعل الأمين ذلك وضع أسمه هو في الفراغ مع أنه لم يسدد الدين للبنك تنفيذاً للاتفاق ثم طالب الموقعين بقيمة السند فهذه الواقعة تتحقق فيها جريمة خيانة الائتمان المنطبقة على المادة 340 ع.

(۱) نقض 15 فبراير سنة 1937 مجموعة القواعد القانونية ج4 رقم 49 ص 48 .

ثانياً : أن تكون الورقة الموقع عليها على بياض قد سلمت إلى الجاني من صاحب التوقيع سواء أكان التسليم مباشرة أم كان بواسطة شخص آخر أو عن طريق البريد وسواء أكان التوقيع عليها أو تسليمها بناء على إرادة صحيحة أو بناء على إرادة معيبة كما لو تم التوقيع أو التسليم تحت تأثير الاحتيال من الجاني أما إذا لم يتحقق التسليم و إنما حصل الجاني على الورقة بأي طريق آخر كما لو خطف الورقة أو اختلسها أو كانت له اليد العارضة عليها فإن فعل الجاني يعد تزويراً وقد نص المشرع على ذلك صراحة في نهاية المادة 340 ع. وقد قضى تطبيقاً لذلك بأن اختطاف ورقة ممضاة على بياض وملأها بسند دین أو مخالصة أو بغير ذلك من الإلتزامات التي يترتب عليها ضرر لصاحب الإمضاء يعد تزويراً.

وتعتبر واقعة تسليم الورقة الممضاة على بياض واقعة مادية تثبت بكافة الطرق فلا يتقيد إثباتها بقواعد الإثبات المدنية .

ثالثاً : أن يكون التسليم على سبيل الأمانة أي أن يكون المجني عليه قد ائتمن الجاني على ملء الفراغ المتروك فوق التوقيع وفقاً لما اتفق عليه بينهما ويشترط لذلك أن يكون المجني عليه قد قصد ترك الفراغ ليملأه الأمين وعلى ذلك لا تقع الجريمة إذا كان المجني عليه قد وقع على ورقة بيضاء دون أن يأتمن الأمين على ملء الفراغ كما لو كان قد وقع في دفتر أحد هواة جمع التوقيعات أو وقع على ورقة سلمها للموظف المختص في البنك الذي يضع فيه حسابه باعتبارها تحمل توقيع النموذجي كذلك لا تقع الجريمة إذا كان المجني عليه قد ملأ الورقة التي وقع عليها فلم يترك بها فراغاً أو ترك بها فراغاً غير مقصود في جميع هذه الحالات إذا عمد الجاني إلى كتابة بيانات لم يتفق عليها في الورقة أو حشر بعض البيانات في الورقة التي ملأها المجنى عليه أو أضاف بعض العبارات في الجزء الذي ترك فارغاً عن غير قصد وكان ذلك إضراراً بالمجني عليه لا تقع جريمة خيانة الائتمان على التوقيع لأن شرط الائتمان قد تخلف إذ أن نية الموقع لم تنصرف إلى ائتمان الجاني على الورقة لملء الفراغ.

فعل الخيانة هو الركن المادي للجريمة وقد عبر عنه المشرع بقوله : كل من اؤتمن ... فخان الأمانة وكتب في البياض الذي فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات التي يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله فيتحقق فعل الخيانة بتوافر أمرين : الأول : أن يكون الأمين قد كتب في الفراغ الذي فوق التوقيع أمراً لا يطابق ما اتفق عليه الموقع وقد ضرب له المشرع مثلاً كتابة سند دين أو مخالصة ولكنه قد يتخذ ص ورة أخرى كاعتراف بارتكاب جريمة أو استقالة من وظيفة الأمر الثاني أن يترتب على ذلك ضرر بالمجني عليه ولا يتحقق فعل الخيانة إذا تخلف أحد هذين العنصرين وعلى ذلك لا تقع الجريمة إذا كان الأمين قد كتب كتابة مطابقة لما اتفق عليه و إن ترتب على ذلك ضرر بصاحب التوقيع أو كتب كتابة مغايرة لما اتفق عليه إذا لم يترتب على ذلك ضرر بالموقع.

ولا يشترط أن تكون البيانات التي سطرها الجاني مختلفة كلية عما اتفق عليه وإنما يكفى لتحقق الجريمة أن يكون الاختلاف قد لحق بعض البيانات وإن كان باقي البيانات صحيحاً ولا صعوبة في الأمر إذا كان الأمين قد ملأ بنفسه الفراغ الموجود فوق التوقيع ولكن تثور الصعوبة في حالة ما إذا قام بالتدوين شخص آخر عهد إليه الأمين بذلك يبدو لنا أن التكييف الصحيح في هذه الحالة أن من كتب البيانات يعتبر مرتكباً لجريمة التزوير بينما الأمين يعتبر شريكاً له فيها .

كذلك لا يشترط في الضرر المترتب على كتابة بيانات مخالفة لما اتفق عليه أن يكون ضرراً مادياً فتقع الجريمة إذا كان الضرر معنوياً فالنص صريح في كون الضرر قد يلحق بنفس الشخص كما قد يلحق ماله كذلك لا يشترط أن يكون الضرر محققاً وإنما يكفي أن يكون محتملاً كما لو كان الأمين قد حرر فوق التوقيع صيغة عقد باطل بطلاناً نسبياً فكل ما يشترط هو أن يقع الضرر على صاحب التوقيع لا على شخص آخر غيره.

القصد الجنائي :

جريمة خيانة الائتمان على بياض جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ويتحقق القصد إذا كان الجاني عالماً وقت تحریر الورقة أنه يكتب بيانات تخالف ما اتفق عليه وأن هذه الكتابة من شأنها أن ترتب ضرراً للمجني عليه وعلى ذلك تنتفي الجريمة لانتفاء القصد إذا كان الأمين معتقداً وقت كتابة البيانات المخالفة للاتفاق أنه يكتب ما اتفق عليه لنسيانه تفاصيل الاتفاق مثلاً أو لسوء فهمها أو كان يعتقد وقت تحریر البيانات المخالفة للاتفاق أن ذلك لا يلحق به ساحب التوقيع أي ضرر كما لو حرر فيها اعترافاً بارتكاب جريمة وذلك على سبيل المزاح منتوياً إعدام الورقة بعد ذلك حتى ولو وقعت في يد شخص آخر استعملها ضد صاحب التوقيع.

تمام الجريمة والعقوبة :

تتم جريمة خيانة الائتمان على التوقيع بمجرد تحرير الجاني البيانات المخالفة للمتفق عليه إذا كان من شأن ذلك الإضرار بصاحب التوقيع مع توافر القصد الجنائي وهي جريمة وقتية تتم وتنتهي بمجرد توافر أركانها  سواء استعملت الورقة بعد ذلك أو لم تستعمل شأنها في ذلك شأن جريمة التزوير التي تستقل تماماً جريمة استعمال المحرر المزور مع وجود فارق هام يتمثل في كون المشرع لم يورد نصاً خاصاً يعاقب على استعمال الورقة التي خان الأمين الائتمان على توقيعها ويجدر بالمشرع أن يورد مثل هذا النص.

ويقرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة الحبس ويمكن أن يزاد عليه الغرامة التي لا تتجاوز خمسين جنيها مصريا. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:  1053)

يبين من مطالعة المادة 340 من قانون العقوبات أن أركان جريمة خيانة الأمانة في ورقة ممضاة أو مختومة على بياض خمسة.

1- التسليم على وجه الأمانة.

2- موضوع التسليم.

3- خيانة الأمانة وهي الركن المادي.

4- الضرر.

5- القصد الجنائي.

وفيما يلي تفصيل لكل ركن :

الركن الأول : التسليم على وجه الأمانة :

التسليم هو الركن المميز للجريمة فهو يدل من جهة على أن الموقع الذي سلم توقيعه على بياض كان مقصراً وهو ما يبعد جريمة التزوير ويدل من جهة أخرى على أن من تسلم هذا التوقيع قد خان الأمانة التي أؤتمن عليها وهو ما يكون هذه الجريمة فيجب إذن الرجوع إلى عقوبة التزوير في الأحوال التي يرتكب فيها الموقع هذا التقصير ولا يولي فيها هذه الأمانة وهو ما يحدث.

أولاً: إذا كان التوقيع لم يسلم إلى من سطر المحرر.

ثانياً: إذا كان هذا التوقيع لم يسلم على أنه حاصل على بيان وإنما على عقد كامل.

ثالثاً: إذا كان التسليم غير اختیاري.

ولايكفي مجرد تسليم الورقة وإنما يجب أن يكون هذا على وجه الأمانة الغرض معين فإن لم يكن الأمر كذلك فلا يعد فعل متسلم الورقة خيانة أمانة فمن يسلم لآخر ورقة ممضاة منه على بياض على سبيل التذكر فيقوم المتسلم بملئها بالتزام بدين أو مخالصة من شأنها الإضرار بالشخص الذي وقع على الورقة عد العمل تزويراً في محرر عرفي لا خيانة أمانة.

الركن الثاني : موضع التسليم :

لا تقع الجريمة المنصوص عليها في المادة 340 عقوبات إللى على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض سلمت إلى الجاني على سبيل الأمانة.

ويتفرع ذلك إلى شرطين :

1- أن تكون الورقة ممضاة أو مختومة على بياض ولكن لا يلزم أن تكون الورقة خالية بالمرة من كل كتابة فوق الإمضاء أو الختم بل تتحقق أيضاً بملء بعض الفراغ الذي ترك قصداً لملئه فيما بعد بكتابة يترتب عليها حصول ضرر لصاحب التوقيع .

2- يشترط أن يكون الفراغ قد ترك ليملأ فيما بعد أما إذا انتهز الجاني فرصة فراغ بين السطور أو في أواخرها بدون قصد ترکه فملأه بكتابة ضارة فإن الفعل يعد تزوير.

الركن الثالث : الركن المادي (خيانة الأمانة ) :

فعل الخيانة هو الركن المادي في الجريمة وقد عبرت عنه المادة 340 ع بقولها (فخان الأمانة وكتب في البياض الذي فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات) فخيانة الأمانة في هذه الجريمة لاتتم بتغيير نية الحيازة من ناقصة إلى كاملة وإنما يكون بإثبات كتابة في الورقة الممضاة أو المختومة على بيان غيرها اتفق عليه من صاحب الإمضاء أو الختم وسيان أكان الإثبات بالكتابة باليد أم بآلة كتابة أو بمطبعة ويشترط أن تكون الكتابة بغير ما اتفق على تحريره في البياض المتروك فإذا كانت الكتابة التي حررها المؤتمن هو ما تم الاتفاق عليها فلا جريمة في الأمر لأنها تعتبر صادرة من صاحب التوقيع أم الختم وإذا كانت الكتابة في غير المكان المعد لأن تحرر فيه خرج الفعل عن نطاق خيانة الأمانة ودخل في دائرة التزوير في الأوراق العرفية متى تكاملت أركان هذه الجريمة وقد ذكرت المادة 340 عقوبات بعض أنواع المحررات التي ثبت في البياض فوق التوقيع أو الختم ثم أردفها بعبارة (أو غير ذلك مما مفاده أنها وردت على سبيل التمثيل لا الحصر ومع أن المادة تكملت على سندات ومخالصات إلا أنها تنطبق أيضاً لو حرر فوق الإمضاء أو الختم أية كتابة يترتب عليها ضرر أدبي لشخص الموقع.

الركن الرابع : الضرر:

تطلب الشارع لقيام الجريمة حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله وعبارة الشارع من الاتساع بحيث تشمل كل أنواع الضرر فيستوي الضرر المادي والضرر المعنوي وسواء قيمة الضرر المادي كما يستوي الضرر المحقق والضرر الاحتمالي وقد تطلب الشارع أن ينال الضرر صاحب التوقيع أو الإمضاء مؤدي ذلك أنه لايكفي ضرر ينال غيره ولكن إذا انعكس الضرر الذي أصاب الغير على صاحب التوقيع أو الختم قامت الجريمة بذلك إذا يعد الضرر في هذا القدر واقعة على المجني عليه أما إذ ثبت أنه لم يترتب على الفعل ضرر قط فلا تقوم الجريمة.

وهنا محل البحث فيما إذا كان العقد الباطل يمكن أن يكون ضارة وبالتالي إذا كانت الجريمة تنعدم متى كان العقد الذي كتب فوق الإمضاء أو الختم الموقع به على بياض مشوباً بالبطلان والراجح أنه يشترط لتكوين الجريمة أن يترتب على العقد حصول ضرر فعلی أما إذا كان البطلان يستحيل معه حصول ضرر حتى ولو كان هذا الظرف مجهولاً من المتهم فإنه لا يكون في الأمر إلا شروع غير معاقب عليه ويستدل من نص المادة على أن العقد الباطل بطلاناً جوهرياً يمكن في بعض الأحوال أن يسبب ضرراً فإنه ظاهر أن العبث بالورقة الممضاة أو المختومة على بياض يفترض وقوع شئ من هذا البطلان لأن العقد المكتوب فوق الإمضاء أو الختم هو عقد باطل لانعدام القبول انعداماً تاماً .

 الركن الخامس : القصد الجنائي :

يتوافر القصد الجنائي بعلم الجاني أن ما يكتبه فوق التوقيع أو الإمضاء يخالف ما عهد إليه به وأن هذه الكتابة تضر بصاحب التوقيع أو من شأنها الإضرار به ولايشترط أن يكون العلم بالضرر واقعية بل يكفي أن يكون علماً فرضية ويجب أن يكون القصد الجنائي متوافرة وقت التحرير". (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع،  الصفحة: 525)

تستلزم هذه الجريمة توافر الشروط الآتية:

(1) وجود ورقة ممضاة أو مختومة على بياض.

(2) أن تكون الورقة قد سلمت إلى الجاني على سبيل الأمانة.

(3) فعل الخيانة بالكتابة في البياض.

(4) سوء قصد.

أولاً : ورقة ممضاة أو مختومة على بياض:

ولا يلزم لتحقق الجريمة أن تكون الورقة خالية بالمرة من كل كتابة فوق الإمضاء أو الختم بل تتحقق الجريمة أيضاً بملء بعض الفراغ الذي ترك بقصد ملئه فيما بعد بكتابة يترتب عليها حصول ضرر لصاحب التوقيع فإذا تسلم شخص سند دین بمبلغ معين ترك فيه إسم الدائن على بياض للبحث عمن يقرض الموقعين عليه المبلغ الوارد به لسداده لبنك معين حتى إذا وجد من يقبل الإقراض وضع اسمه في الفراغ المتروك بالسند بدلاً من أن يفعل الأمين ذلك وضع أسمه هو في الفراغ مع أنه لم يسدد الدين للبنك تنفيذاً للاتفاق ثم طالب الموقعين بقيمة السند هذه الواقعة تتحقق فيها الجريمة المنصوص عليها بالمادة محل التعليق ولكن يشترط أن يكون الفراغ قد ترك ليملأ فيما بعد أما إذا أنتهز الجاني فرصة فراغ بين السطور أو في أواخرها لم يقصد تركه ليملا فيما بعد فملأه بكتابة ضارة فإن الفعل يعد تزويراً وكذلك لا تعد ورقة موقعاً عليها على بياض بالمعنى المقصود هنا توقيع شخص على ورقة دون أن يقصد ملء ما فوق التوقيع فيما بعد ببيانات معينة كتوقيع شخص على تذكار أو في كراسة أحد هواة جمع الإمضاءات وما إلي ذلك.

ثانياً: تسليم الورقة على سبيل الأمانة

ويشترط أن تكون الورقة الممضاة أو المختومة على بياض قد سلمت إلي الجاني على سبيل الأمانة فإذا كان الجاني قد تحصل عليها بطريق آخر فإن ملء البياض يعد تزويراً.

ثالثا: فعل الخيانة

الركن المادي في الجريمة بينته المادة محل التعليق بقولها وكتب في البياض الذي فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات التي يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو الماله وفي هذا ما يدل بوضوح على أن النص يتناول بالعقاب كل من يكتب فوق التوقيع كتابة يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب التوقيع أو لماله أو يكون من شأنها الإضرار به كائناً ما كان هذا الضرر مادياً أو أديباً محققاً أو محتملاً فقط كما هي الحال تماماً بالنسبة إلى ركن الضرر فى جريمة التزوير مع فارق واحد هو أن الضرر أو احتماله هنا يجب أن يكون واقعاً على صاحب التوقيع ذاته لا على غيره ولا يشترط أن تكون كل البيانات التي سطرها الجاني مخالفة لما اتفق عليه بل يكفي أن يكون بعضها مخالفة ولو كان البعض الآخر صحيحاً ما دامت البيانات المخالفة تعود بالضرر على صاحب التوقيع أما إذا كانت البيانات التي شطرها الفاعل مطابقاً لما حصل الاتفاق عليه فلا جريمة.

رابعاً : القصد الجنائي:

ويتوافر بعلم الجاني أن ما يكتبه فوق التوقيع أو الإمضاء يخالف ما عهد إليه به وأن هذه الكتابة تضر بصاحب التوقيع أو من شأنها الإضرار به ولا يشترط أن يكون العلم بالضرر واقعية أو فعلية بل يكفي أن يكون علماً فرضياً ويجب أن يكون القصد الجنائي متوافرة في وقت التحرير.

عقوبة الجريمة :

إذا توافرت الشروط السابقة عوقب الجاني بالحبس ويمكن أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز خمسين جنيهاً مصرياً أما إذا تخلف شرط من هذه الشروط فلا تنطبق المادة محل التعليق وإنما قد يعتبر الفعل تزوير إذا توافرت شروطه. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع، الصفحة : 604)

 

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 230 ، 285 ، 286 

(مادة 471)

 يعاقب بالحبس كل من اؤتمن على ورقة ممضاة أو مختومة أو مبصومة على بياض فخان الأمانة ، وكتب في البياض خلافاً للمتفق عليه سند دین أو مخالصة أو عقد أو أية كتابات ، يترتب عليها حصول ضرر لصاحب الإمضاء أو الختم أو البصمة . 

 

وتضاعف العقوبة إذا كان الجاني غير من اؤتمن على الورقة ، وحصل عليها بأية وسيلة غير مشروعة . 

(مادة 587) 

يعاقب بالحبس كل من أعطى بسوء نية شيكاً ليس له مقابل وفاء كاف وقائم وقابل للصرف ، أو إذا إسترد بعد إعطائه كل المقابل أو بعضه ، بحيث لا يفي الباقي بقيمته ، أو أمر المسحوب عليه بعدم صرفه ، أو كان قد تعمد تحريره أو توقيعه بصورة تمنع من صرفه . 

ويعاقب بذات العقوبة من ظهر لغيره شیكاً أو سلمه إليه ، وهو يعلم بعدم وجود مقابل يفي بقيمته ، أو أنه غير قابل للصرف . 

ويعاقب أيضاً بذات العقوبة أو بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه من يحمل غيره على أن يعطيه أو يظهر له أو يسلمه شیكاً ، وهو يعلم عدم وجود مقابل له يفي بقيمته ، أو أنه غير قابل للصرف . 

ويجوز في الحالة الأخيرة إعفاء من أعطى الشيك أو ظهره أو سلمه من العقوبة، إذا رأت المحكمة محلاً لذلك. 

(مادة 588) 

يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين المسحوب عليه الشيك ، إذا قرر عمداً وعلى خلاف الحقيقة عدم وجود رصيد قابل للصرف ، أو وجود رصيد أقل من القائم لديه فعلاً . 

(مادة 589) 

 

تسري أحكام المادتين السابقتين على الشيكات البريدية . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 32

خَدِيعَةٌ

التَّعْرِيفُ :

الْخَدِيعَةُ وَالْخُدْعَةُ مَصْدَرُ خَدَعَ يَخْدَعُ إِظْهَارُ الإِْنْسَانِ خِلاَفَ مَا يُخْفِيهِ. أَوْ هُوَ بِمَعْنَى الْخَتْلِ وَإِرَادَةِ الْمَكْرُوهِ. وَالْفَاعِلُ: الْخَادِعُ، وَخَدَّاعٌ وَخَدُوعٌ مُبَالَغَةٌ، وَالْخُدْعَةُ - بِالضَّمِّ - مَا يُخْدَعُ بِهِ الإِْنْسَانُ مِثْلُ اللُّعْبَةِ لِمَا يُلْعَبُ بِهِ وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ - مُثَلَّثَةُ الْخَاءِ - وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. قَالَ ثَعْلَبٌ: بَلَغَنَا أَنَّهَا لُغَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ هَذَا.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الْغَدْرُ :

الْغَدْرُ، هُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، أَوْ نَقْضُهُ. قَالَ: غَدَرَهُ وَغَدَرَ بِهِ غَدْرًا: أَيْ خَانَهُ، وَنَقَضَ عَهْدَهُ.

ب - الْغَبْنُ :

هُوَ مِنْ غَبَنَهُ يَغْبِنُهُ غَبْنًا - بِتَسْكِينِ الْبَاءِ - فِي الْبَيْعِ أَيْ: خَدَعَهُ، وَغُبِنَ الرَّأْيَ وَغُبِنَ فِيهِ غَبْنًا

وَغَبَنًا - بِفَتْحِ الْبَاءِ - غَلِطَ فِيهِ وَنَسِيَهُ وَأَغْفَلَهُ. وَالْغَبْنُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يَكُونُ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً.

فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْخَدِيعَةِ.

ج - الْخِيَانَةُ :

الْخِيَانَةُ: التَّفْرِيطُ فِي الْعَهْدِ وَالأْمَانَةِ وَتَرْكُ النُّصْحِ فِيهَا. وَالْخَدِيعَةُ قَدْ تَكُونُ مَعَ خِيَانَةِ الأْمَانَةِ وَقَدْ لاَ تَكُونُ.

د - الْغُرُورُ، وَالتَّغْرِيرُ:

الْغُرُورُ مَصْدَرُ غَرَّهُ يَغُرُّهُ غُرُورًا، إِذَا خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ.

وَالتَّغْرِيرُ إِيقَاعُ الشَّخْصِ فِي الْغَرَرِ.

وَالْغَرَرُ مَا انْطَوَتْ عَنْكَ عَاقِبَتُهُ، أَوْ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا.

هـ - الْغِشُّ :

وَهُوَ مَصْدَرُ غَشَّهُ يَغُشُّهُ - بِالضَّمِّ - غِشًّا لَمْ يُمَحِّضْهُ النُّصْحَ، أَوْ أَظْهَرَ لَهُ خِلاَفَ مَا يُبْطِنُهُ، يُقَالُ: شَيْءٌ مَغْشُوشٌ.

و - التَّدْلِيسُ :

التَّدْلِيسُ، كِتْمَانُ عَيْبِ الشَّيْءِ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْبَيْعِ.

فَالتَّدْلِيسُ نَوْعٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ.

ز - التَّوْرِيَةُ :

وَهِيَ مِنْ وَرَّى الْخَبَرَ تَوْرِيَةً: أَيْ سَتَرَهُ، وَأَظْهَرَ غَيْرَهُ

فَهِيَ أَيْضًا نَوْعٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ.

ح - التَّزْوِيرُ :

هُوَ تَحْسِينُ الشَّيْءِ، وَوَصْفُهُ بِخِلاَفِ صِفَتِهِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى مَنْ يَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ أَنَّهُ بِخِلاَفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ. وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَنَدَاتِ مِنَ الْوَثَائِقِ وَالشَّهَادَاتِ

 ط - الْحِيلَةُ :

هِيَ فِي اللُّغَةِ الْحِذْقُ وَجَوْدَةُ النَّظَرِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي تَدْبِيرِ الأْمُورِ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّهُ غَلَبَ فِي الْعُرْفِ عَلَى الْحِيلَةِ اسْتِعْمَالُهَا فِي سُلُوكِ الطُّرُقِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِهَا الرَّجُلُ إِلَى حُصُولِ غَرَضِهِ، بِحَيْثُ لاَ يَتَفَطَّنُ لَهُ إِلاَّ بِنَوْعٍ مِنَ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا فِي تَعَاطِيهِ خَبَثٌ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا فِي اسْتِعْمَالِهِ حِكْمَةٌ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :

الْخَدِيعَةُ بِمَعْنَى - إِظْهَارِ الإِْنْسَانِ خِلاَفَ مَا يُخْفِيهِ - حَرَامٌ إِذَا كَانَ فِيهَا خِيَانَةُ أَمَانَةٍ، أَوْ نَقْضُ عَهْدٍ. وَهَذَا لاَ يُعْلَمُ فِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ عُلَمَاءِ الأْمَّةِ، وَتَوَاتَرَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ فِي النَّهْيِ عَنْهَا.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وَقَوْلُهُ: ( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ)

وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: « يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلاَلِ كُلِّهَا إِلاَّ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ». وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  : « إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأْعْيُنِ »

وَعَدَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  مِنْ عَلاَمَاتِ النِّفَاقِ فَقَالَ: « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ ».

وَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: « إِنِّي لاَ أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلاَ أَحْبِسُ الْبُرُدَ ».

قَالَ الصَّنْعَانِيُّ فِي سُبُلِ السَّلاَمِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حِفْظِ الْعَهْدِ، وَالْوَفَاءِ بِهِ. وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  : عَنْ عُقُودٍ مُعَيَّنَةٍ تَدْخُلُ فِيهَا الْخَدِيعَةُ مِنَ النَّجْشِ، وَالتَّصْرِيَةِ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ. وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمَخْدُوعِ فِيهَا حَقَّ خِيَارِ الْفَسْخِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ  رضي الله عنه  : قَالَ: « إِنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ » أَيْ لاَ خَدِيعَةَ.

(ر: نَجْشٌ، وَتَصْرِيَةٌ، وَتَدْلِيسٌ).