1 ـ من المقرر ان الحكم الصادر بالادانة يجب ان يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به كافة عناصر الجريمة التى دانه بها وان يبين مضمون كل دليل من ادلة الثبوت التى استند اليها وان يذكر مؤداه حتى يتضح وجه استدلاله به ، وكانت جريمة الاضرار بالحيوان المنصوص عليها فى المادة 355 اولا من قانون العقوبات لا تتوافر عناصرها الا اذا نتج عن الفعل ضرر كبير بالحيوان واذا استند الحكم فى قضائه بالادانة الى ما جاء بمحضر الضبط دون ان يورد مضمونه ودون ان يعنى فى مدوناته ببيان مدى الضرر الذى لحق بالدابة من جراء اصابتها مما لا يتيسر معه لمحكمة النقض مراقبة تطبيق القانون تطبيقا صحيحاً على الواقعة كما صار اثباتها فى الحكم . لما كان ذلك فان الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله.
(الطعن رقم 9863 لسنة 60 جلسة 1997/10/09 س 48 ع 1 ص 1066 ق 158)
2 ـإن معنى المقتضى المنصوص عنه فى المادة 355 عقوبات و هو الضرورة التى تلجئ الإنسان إلى الإضرار بالحيوان . و من ثم فكلما كان فى الإمكان أن يتقى خطر الحيوان بأية وسيلة غير إرتكاب جريمة عليه فإن المقتضى يكون منعدماً . و إذن فإذا كان الثابت بالحكم أن المتهم أحدث ضرراً بليغاً بخروف لأنه وجده فى زراعته ، و لم تر المحكمة فى ذلك مقتضياً ترتفع به المسئولية الجنائية عن المتهم لأنه كان فى وسعه أن يرد الخروف عن زراعته من غير أن يوقع به أذى ، فإن المحكمة لا تكون مخطئة ، و لا يصح الطعن على حكمها من هذه الناحية .
(الطعن رقم 1464 لسنة 11 جلسة 1941/05/12 س ع ع 5 ص 470 ق 258)
3 ـ جريمة الإضرار بالحيوان ضررا كبيرا لا يتصور فيها الشروع لأن تحقق نتيجة الفعل بوقوع ضرر كبير ركن لازم لقيامها . و لما كان الحكم قد اعتبر ما وقع من المتهم شروعا فى تلك الجريمة دون أن يعنى فى مدوناته ببيان مدى الضرر الذى لحق الدابة من جراء إصابتها مما لا يتيسر معه لمحكمة النقض مراقبة تطبيق القانون تطبيقا صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم . و من ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله و يستوجب نقضه و الإحالة .
(الطعن رقم 1104 لسنة 37 جلسة 1967/10/09 س 18 ع 3 ص 929 ق 186)
أولا: أركان الجريمة المنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة 355 عقوبات:
1- فعل مادي هو قتل الحيوان أو الإضرار به ضرراً كبيراً.
2- نوع الحيوان.
3- أن يكون الحيوان مملوكاً للغير.
4- القصد الجنائي.
5-عدم المقتضى.
وفيما يلي تفصيل لازم لكل ركن من الأركان سالفة الذكر:
1- فعل مادی :
فعل مادي هو قتل الحيوان أو الإضرار به ضرراً كبيراً ومن قبيل القتل إطلاق عيار على الحيوان يصيبه في رأسه ويرديه قتيلاً ومن قبيل الإضرار بالحيوان ضررا كبيراً قطع ذیل جاموسة وضرب جاموسة بحجر أحدث بها ورماً شديداً بالكفل الأيمن وشللاً بالقائمة اليمني الخلفية ولو تم شفاء الجاموسة بعد ذلك لأن القانون لايستلزم في الضرر الكبير أن يمتد أو يستديم في الزمن وإذا كان الضرر عاهة مستديمة فإنه يعتبر ضرراً كبيراً كذلك وضرب الجاموسة ضرباً مبرحاً يحدث بها إصابات تفضي إلى وفاتها يعتبر قتلاً إذا كان يقصد القتل فإن لم يكن بهذا القصد يعتبر إحداثاً لضرر كبير بالجاموسة فليس في الإضرار ما هو أكبر من ضرر الموت وقد سوى القانون في الجسامة بين إحداث الموت واحداث الضرر الكبير.
2- نوع الحيوان :
لا تعاقب المادة 355 عقوبات في فقرتها الأولى على القتل أو إحداث الضرر البليغ إلا بالنسبة للحيوانات المذكورة فيها فالبيان الوارد في هذا المادة قد جاء على سبيل الحصر ومن ثم لايجوز التوسع فيه من باب القياس وقد ذكرت الفقرة الأولى دواب الركوب والجر والحمل وأي نوع من أنواع المواشي ولكنها لم تعين ما هي المواشي التي جعلتها في حكم دواب الركوب والجر والحمل أما المادة 452 من قانون العقوبات الفرنسي فقد نصت خصيصاً على الخراف والمعيز والخنازير فيجب اعتبار الماعز والخراف والخنازير من أنواع المواشي بالمعنى المقصود في المادة 355 عقوبات.
وقد جاء بمنشور لجنة المراقبة القضائية أن الخراف والنعاج والخنازير تدخل في فصيلة الحيوانات التي أراد القانون في المادة 310 (قديم والمقابلة للنص الحالي) محل التعليق التشدد في حمايتها بالنظر إلى قيمتها وأهميتها للأعمال الزراعية.
3- أن يكون الحيوان مملوكاً للغير :
يشترط لقيام الجرائم المنصوص عليها في المادة 355 أن يكون الحيوان مملوكاً لغير الجاني ولم يرد هذا الشرط في القانون ولكنه لازم بداهة إذ أن الحيوان مال لمالكه أن يتصرف فيه ولو بالقتل دون أن يؤدي هذا إلى معاقبته ولو كان للغير حقوق على الحيوان وأراد المالك بفعله الإضرار بذلك الغير كما لو كان الحيوان محجوزاً عليه ولكن يشترط لذلك أن تكون ملكية الفاعل للحيوان خالصة فلو كان يملكه بالاشتراك مع غيره كان العقاب واجباً.
4- القصد الجنائي :
القصد في الجرائم المنصوص عليها بالمادة 355 من قانون العقوبات هو قصد جنائی عام يتحقق متى تعمد الجاني إحداث الفعل كما وصفه النموذج الإجرامي مع علمه بأنه يحدثه بغير حق.
5- عدم المقتضى :
تستلزم المادة 355 عقوبات في فقرتها الأولى شرطا خامساً هو أن يكون قتل الحيوان أو الإضرار به بدون مقتض وهذا الشرط غير لازم لتطبيق الفقرة الثانية الخاصة بالتسميم والمقتضى الذي يمنع تكوين الجريمة هو الضرورة التي تلجئ الإنسان إلى قتل الحيوان أو الإضرار به فكلما كان في الإمكان أن يتقی خطر الحيوان بأية وسيلة غير ارتكاب جريمة عليه فإن المقتضى يكون منعدماً ويشترط في الضرورة الملجئة أن يكون الحيوان المقتول قد كان خطراً علی نفس انسان أو ماله وأن تكون قيمة ذلك الحيوان ليست شيئا مذكوراً بجانب الضرر الذي حصل اتقاؤه بقتله وأن يكون الخطر الذي استوجب القتل خطراً عائقاً وقت القتل وما كان يمكن انقاؤه بوسيلة أخری، وعدم المقتضی المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 355 والذي هو ركن من أركان الجريمة المنصوص عليها فيها إنما هو حقيقة من الحقائق القانونية تستخلص من وقائع وظروف تكون منتجة لها وإذا كان قاضى الموضوع عندما يدعى أمامه بوجود المقتضی ويطلب إليه الفصل فيه مختصا وحده بإثبات هذه الوقائع والظروف ولا رقابة عليه في إثباتها أو نفيها فإن اعتباره إياه مقتضياً للقتل أو الإضرار أو غير مقتضية له أمر يقع تحت رقابة محكمة النقض.
ثانيا : جريمة الفقرة الثانية :
تنص المادة 355 عقوبات في فقرتها (ثانياً) على أنه يعاقب بالحبس مع الشغل " كل من سم حيواناً من الحيوانات المذكورة بالفقرة السابقة أو سمكاً من الأسماك الموجودة في نهر أو ترعة أو غدير أو مستنقع أو حوض" وتتكون هذه الجريمة من ثلاث أركان الركن الأول هو الركن المفترض متمثلاً في الدواب والحواشي سالفة الذكر في الفقرة الأولى أو الأسماك الموجودة في الأنهار والترع والقنوات والمستنقعات والأحواض وحظائر تربية الأسماك ومزارعها أما الركن المادي فيتمثل في استخدام اسم أياً كان نوعه طالما كان من شأنه إحداث الموت عاجلاً أ آجلاً أما الركن المعنوي فيتمثل في القصد الجنائي بمفهومه المعروف فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إزهاق روح الحيوان أو الأسماك عن علم بأنه يعتدي على مال مملوك لغيره وأن من شأنه الأداة التي يستعملها أن تحدث به الموت.
الشروع :
يعاقب القانون على الشروع في الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين الأولى والثاني من المادة 355 عقوبات.
ويوجد الشروع على الرأي الراجح متى ظهرت نية الفاعل بأفعال مقاربة للجريمة ومع جميع الظروف المكونة لها ومن المسلم به أن شراء الآلة القاتلة أو المادة السامة أو صنعها يعد عملاً تحضيرياً لا شروعاً في الجريمة وكذا مزج السم بالطعام أو الشراب الذي يراد تقديمه للحيوان.
وإنما يتحقق الشروع في القتل متى بدأ الجاني في استخدام الآلة القائلة أو المادة السامة أو صنعها يعد عملاً تحضيرياً لا شروعاً في الجريمة وكذا مزج السم بالطعام أو الشراب الذي يراد تقديمه للحيوان.
وإنما يتحقق الشروع في القتل متى بدأ الجاني في استخدام الآلة التي أعدها في الفتك بالحيوان بأن أطلق عليه عياراً نارياً أو طعنه بسكين ستواء أصيب الحيوان من العيار أو السكين وشفى لاسعافه بالعلاج أو لم يصب بسبب عدم أحكام الرماية أو تحرك الحيوان من مكانه إذ إفلاته من يد الجاني.
ويتحقق الشروع في التسميم بتقديم الطعام المسموم إلى الحيوان أو بوضعه تحت تصرفه أو بإلقاء السم في النهر أو الغدير أو المستنقع أو الحوض الذي به السمك.
ويعاقب على الشروع في التسميم ولو كان مقدار السم الذي قدم للحيوان صغيراً لا يكفي للقتل ولايتصور الشروع في جريمة الإضرار بالحيوان ضرراً كبيراً لأن من أركانها المادية نتيجة الفعل، ذلك أن الغرض هنا أن الفاعل لا يقصد قتل الحيوان فإذا لم ينشأ عن فعله ضرر كبير فإنه لايقع تحت حكم المادة 355 ولكن إذا نشأ عن الضرب أو الجرح ضرر كبير للحيوان دخل الفعل في مدلول عبارة " أو أضر به ضرراً كبيراً" فالعقاب مترتب على حصول الضرر الكبير بالفعل.
عقوبة الجريمة والظرف المشدد :
يعاقب القانون على كل من الجرائم المنصوص عليها بالفقرتين الأولى والثانية من المادة 355 عقوبات بالحبس مع الشغل وتنص المادة 356 عقوبات على أنه : " إذا ارتكب الجرائم المنصوص عليها في المادة السابقة ليلاً تكون العقوبة الأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنين إلى سبع.
وإذن فوقوع الجريمة ليلاً يجعل منها جناية ذلك لأن الظلام يسهل ارتكاب الجريمة ويزيد من صعوبة القبض على الجاني ولم يضع القانون تعريفاً لليل وبالتالي فإن القول بوقوع الجريمة ليلا هو بأن ترتكب بينما يخيم الظلام وتقضي محكمة الموضوع بتوافر الليل أو عدم توافره طبقاً لظروف الحال في لحظة ارتكاب الجريمة وحين يثبت أنه في تلك اللحظة كان الظلام مخيماً.
وتضيف المادة 355 عقوبات تكميلية جوازية هي جعل الجانين تحت ملاحظة البوليس مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر.
والشروع في الجريمة سواء في صورتها الأولى أم في صورتها الثانية يعاقب عليه بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لاتتجاوز مائتي جنيه فالقاضي مخير في حالة الشروع بين أن يحكم بالحبس وبين يحكم بالغرامة في حين أنه ملزم بأن يحكم بالحبس وجوبيا في حالة ارتكاب الجريمة كاملة.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة : 603)
الجريمة مادية من جرائم الضرر، وهي جريمة سلوك منتهي (وقتية)، والحدث الضار فيها قتل الحيوان أو الإضرار به ضرراً كبيراً أو سمه أو سم الأسماك، والشروع في الجريمة متضور على صورة الشروع في القتل بإطلاق عيار لا يصيب الحيوان في مقتل أو بوضع السم تحت تصرف الحيوان واكتشافه قبل أن يتناوله الحيوان، غير أن الشروع في الإضرار بالحيوان ضرراً كبيراً لا يتصور.
لأن الجريمة إما تقع فتكون كاملة وإما ألا تقع أصلاً ولا وسط بين الأمرين، ولا عقاب أصلاً على إحداث ضرر غير كبير.
ركنا الجريمة :
الركن المادي:
الركن المادي للجريمة المنصوص عليها في الفقرة (أو) سلوك مادي إيجابي يتمثل في قتل الحيوان أو الإضرار به ضرراً كبيراً.
فمن قبيل القتل إطلاق عيار ناري على الحيوان يصيبه في رأسه ويرديه قتيلاً.
ومن قبيل الإضرار بالحيوان ضرراً كبيراً قطع ذیل جاموسة، وإذا كان الضرر عاهة مستديمة فإنه يعتبر ضرراً كبيراً كذلك.
وضرب الجاموسة ضرباً مبرحاً يحدث إصابات تفضي إلى وفاتها يعتبر قتلاً إذا كان بقصد القتل، فإن لم يكن بهذا القصد، يعتبر إحداثاً لضرر كبير بالجاموسة ، فليس في الإضرار ما هو أكبر من ضرر الموت وإحداث الضرر الكبير.
والمراد بدواب الركوب أو الجر أو الحمل الجياد والحمير، والمراد بالمواشي الأبقار والعجول والخراف والماعز، فهذا ما عناه القانون بالمحل الذي يرد عليه سلوك القتل أو إحداث ضرر كبير.
على أنه يلزم في الركن المادي عنصر سلبي هو عدم وجود السبب المبيح هنا كما في كل جريمة، وهذا ما عناه القانون في الجريمة التي نحن بصددها إذ إشترط في القتل أو إحداث الضرر الكبير أن يكون بدون مقتضي.
والمقتضى هو أن يشكل الحيوان خطراً على نفس إنسان أو ماله وأن يكون الضرر المراد إتقاؤه أكبر قيمة من قيمة الحيوان أي ألا يكون تافهاً بالقياس إلى قيمة الحيوان، وأن يكون الخطر محدقاً لا يمكن إتقاؤه بوسيلة أخرى، وتطبيقاً لذلك حكم بعدم وجود المقتضى في واقعة قتل معزة دخلت في زراعة المتهم، وفي واقعة الإضرار الكبير بخروف وجده المتهم في زراعته. فمن البديهي في الواقعتين أنه كان يمكن انتزاع المعزة أو الخروف من الزراعة دون إضرار بهما.
أما إذا قتل شخص ثوراً هائجاً إنقض عليه في زراعته مهدد إياه بضرر على النفس وبضرر على المال، فإنه يوجد عندئذٍ المقتضي.
وتقدير كون الضرر الحادث بالحيوان كبيرا أم غير كبير متروك لمحكمة الموضوع.
أما الركن المادي للجريمة المنصوص عليها في الفقرة (ثانياً) من المادة فهو سم حيوان من الحيوانات السالف ذكرها (أي دواب الركوب أو الجر أو الحمل أو أي نوع من المواشي) أو سم سمك من الأسماك الموجودة في نهر أو ترعة أو غدير أو مستنقع أو حوض.
وتعتبر الجريمة كاملة بإعطاء السم ولو لم تترتب عليه الوفاة.
أما إذا ضبط الفاعل بعد أن وضع السم تحت تصرف الحيوان أو بمجرد إلقائه السم في نهر أو ترعة أو غدير أو مستنقع أو حوض، اعتبرت الواقعة شروعاً في جريمة التسميم.
ويلزم في صورتي الجريمة أن يكون الحيوان المقتول أو المضار ضرراً كبيراً أو المعطي سماً مملوكة للغير، لأنه لا جريمة في إحداث الفاعل القتل أو الإضرار أو التسميم بحيوان مملوك له.
أما السمك الموجود في نهر أو ترعة أو غدير أو مستنقع أو حوض فإنه مملوك لمن يصطاده ويعتبر إعطاؤه السم جريمة في جميع الأحوال، ما لم نتصور وجود السمك في مياه ليست إلا ملكاً للفاعل ولا يسهل أن تمتد إليها يد الغير، وهذا فرض قابل للتحقيق فإذا سمه الغير عوقب أما إذا سمه مالكه فلا عقاب.
الركن المعنوي :
والركن المعنوي في الجريمتين هو القصد الجنائي أي إنصراف إرادة الفاعل إلى قتل الحيوان أو إحداث ضرر كبير أو إلى سم الحيوان عن وعي بطبيعة المادة المستخدمة وكونها سامة أو إلى سم الأسماك.
العقوبة :
يعاقب القانون على الجريمة بالحبس مع الشغل فضلاً عن عقوبة تكميلية جوازيه هي جعل الجانين تحت ملاحظة البوليس مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر. ذلك أن جرائم العدوان على الحيوانات والأسماك كثيراً ما تفوت ملاحظتها على الناس وقت إقترافها، ومن ثم اقتضت وقاية المجتمع منها أن يوضع مقترفها عقب ارتكابها وعقابه من أجلها تحت مراقبة البوليس للتيقن من حركاته ومن كونه لا يعود من جديد إلى سابق عهده.
والشروع في الجريمة سواء في صورتها الأولى أم في صورتها الثانية يعاقب عليه بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه مصري. فالقاضي مخير في حالة الشروع بين أن يحكم بالحبس أو يحكم بالغرامة، في حين أنه ملزم بأن يحكم بالحبس وجوباً في حالة ارتكاب الجريمة كاملة.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع، الصفحة : 776 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 294 ، 295
(مادة 610)
يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه - كل من قتل عمداً بدون مقتض دابة من دواب الركوب ، أو الجر ، أو الحمل ، أو ماشية ، أو أضر بها إضراراً جسيماً ينقص من فائدتها ، أو نقل إليها مرضاً معدياً .
ويعاقب بذات العقوبة من أتلف ، أو سم سمكاً في البحر ، أو في مورد أو مجرى ماء أو حوض .
(مادة 612)
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه - كل من تسبب بخطئه في موت حيوان من الحيوانات المذكورة بالفقرة الأولى من المادة (610) ، أو الإضرار به إضراراً جسيماً .
(مادة 615)
يعاقب على الشروع في الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل بنصف العقوبة المقررة للجريمة التامة.
(مادة 616)
يجوز للمحكمة فضلاً عن العقوبات المتقدمة - الحكم بوضع الجاني تحت مراقبة الشرطة مدة لا تجاوز مدة العقوبة المقيدة للحرية المحكوم بها.
قتل الحيوان والإضرار به ، وإتلاف النبات
المواد من (610) - (616) :
تقابل هذه المواد نصوص المواد (355) ، (356) ، (357) ، (367) من القانون القائم ، وأهم سمات المشروع ما يلي :
1- المواد (610) ، (611) ، (612) تعرض لجرائم قتل الحيوانات عمداً ، أو الإضرار بها إضراراً جسیماً ينقص فائدتها ، أو ينقل إليها مرضاً معدياً ، أو يقوم بسم أو إتلاف سمكاً في البحر أو مورد أو مجرى ماء أو حوض ، كل ذلك يعاقب عليه المشروع في المادتين (610) ، (611) منه بعقوبة الجنحة مع التدرج فيها من الحبس إلى الحبس الذي لا يزيد على سنتين حسب الأحوال ، وبين الغرامة التي لا تجاوز ثلاثمائة جنيه إلى الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه على حسب الأحوال ، ومناط العقاب على هذه الجرائم أن يكون بدون مقتض ، وإلا فيحسن تطبيق نص التجريم ، أما المادة (612) فتعرض لجريمة التسبب بالخطأ في موت حيوان مما ورد ذكرها في الفقرة الأولى من المادة (610) من المشروع .
٢- المادتان (613)، (614) من المشروع تعرضان لجرائم إتلاف النبات ، أو الزرع ، أو الحقول المبذورة ، وتبين الظروف المشددة التي تجعل من الجريمة جناية .
3- المادة (615) من المشروع تعاقب على الشروع في الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل بنصف العقوبة المقررة للجريمة التامة .
4- المادة (616) من المشروع تجيز فضلاً عن العقوبات الواردة في نصوص هذا الفصل بالوضع تحت مراقبة الشرطة ، ويلاحظ ما تنص عليه المادة (51) من المشروع في هذا الخصوص .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني ، الصفحة / 186
فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ، اسْتِدْلاَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ).
أَوَّلاً: قَتْلُ الصَّيْدِ:
وُجُوبُ الْجَزَاءِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَمَلاً بِنَصِّ الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ السَّابِقَةِ.
إِنَّ غَيْرَ الْعَمْدِ فِي هَذَا الْبَابِ كَالْعَمْدِ، يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ؛ لأِنَّ الْعُقُوبَةَ هُنَا شُرِعَتْ ضَمَانًا لِلْمُتْلَفِ، وَذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَالْجَهْلُ وَالسَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ .
- إِنَّ هَذَا الْجَزَاءَ هُوَ كَمَا نَصَّتِ الآْيَةُ: مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. وَيُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلاَثِ. لَكِنِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ هَذَا فِي تَفْسِيرِ هَذَيْنِ الأْمْرَيْنِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ تُقَدَّرُ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِتَقْوِيمِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ لِلصَّيْدِ الْمَقْتُولِ نَظِيرٌ مِنَ النَّعَمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ. وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي مَوْضِعِ قَتْلِهِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ الْجَانِي بَيْنَ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ:
الأْوَّلُ - أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيًا وَيَذْبَحَهُ فِي الْحَرَمِ إِنْ بَلَغَتِ الْقِيمَةُ هَدْيًا. وَيُزَادُ عَلَى الْهَدْيِ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ إِلَى اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ إِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ، لَكِنَّهُ لاَ يَتَجَاوَزُ هَدْيًا وَاحِدًا فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، حَتَّى لَوْ قَتَلَ فِيلاً لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ شَاةٍ.
الثَّانِي - أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْقِيمَةِ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْمِسْكِينَ أَقَلَّ مِمَّا ذُكِرَ، إِلاَّ إِنْ فَضَلَ مِنَ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ.
وَلاَ يَخْتَصُّ التَّصَدُّقُ بِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ.
الثَّالِثُ - أَنْ يَصُومَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا، وَعَنْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ - إِذَا فَضَلَ - يَوْمًا أَيْضًا .
وَذَهَبَ الأْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى التَّفْصِيلِ فَقَالُوا: الصَّيْدُ ضَرْبَانِ: مِثْلِيٌّ: وَهُوَ مَا لَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ، أَيْ مُشَابِهٌ فِي الْخِلْقَةِ مِنَ النَّعَمِ، وَهِيَ الإْبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. وَغَيْرُ مِثْلِيٍّ، وَهُوَ مَا لاَ يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ النَّعَمِ.
أَمَّا الْمِثْلِيُّ: فَجَزَاؤُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّعْدِيلِ، أَيْ أَنَّ الْقَاتِلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:
الأْوَّلُ - أَنْ يَذْبَحَ الْمِثْلَ الْمُشَابِهَ مِنَ النَّعَمِ فِي الْحَرَمِ، وَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ.
الثَّانِي - أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا، وَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ. وَلاَ يَجُوزُ تَفْرِقَةُ الدَّرَاهِمِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ بَلْ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ نَفْسَهُ وَيَشْتَرِيَ بِهِ طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ مَوْضِعِ الصَّيْدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسَاكِينُ فَعَلَى مَسَاكِينِ أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ فِيهِ.
الثَّالِثُ - إِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَفِي أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ يَجِبُ صِيَامُ يَوْمٍ. وَيَجُوزُ الصِّيَامُ فِي الْحَرَمِ وَفِي جَمِيعِ الْبِلاَدِ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمِثْلِيِّ: فَيَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ وَيَتَخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ:
الأْوَّلُ - أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ: عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي مَوْضِعِ الصَّيْدِ.
الثَّانِي - أَنْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا كَمَا ذُكِرَ سَابِقًا. ثُمَّ قَالُوا فِي بَيَانِ الْمِثْلِيِّ: الْمُعْتَبَرُ فِيهِ التَّشَابُهُ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ. وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِيهِ نَقْلٌ عَنِ السَّلَفِ فَيُتْبَعُ؛ لقوله تعالي : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)، وَمَا لاَ نَقْلَ فِيهِ يَحْكُمُ بِمِثْلِهِ عَدْلاَنِ فَطِنَانِ بِهَذَا الأْمْرِ، عَمَلاً بِالآْيَةِ.
وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ بَيْنَ الدَّوَابِّ وَالطُّيُورِ:
أَمَّا الدَّوَابُّ فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ إِنْسِيَّةٌ، وَفِي الْغَزَالِ عَنْزٌ، وَفِي الأْرْنَبِ عَنَاقٌ وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي الأْرْنَبِ وَالْيَرْبُوعِ وَالضَّبِّ الْقِيمَةُ.
وَأَمَّا الطُّيُورُ: فَفِي أَنْوَاعِ الْحَمَامِ شَاةٌ. وَالْمُرَادُ بِالْحَمَامِ كُلُّ مَا عَبَّ فِي الْمَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَشْرَبَهُ جَرْعًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْيَمَامُ اللَّوَاتِي يَأْلَفْنَ الْبُيُوتَ، وَالْقُمْرِيُّ، وَالْقَطَا. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مُطَوَّقٍ حَمَامًا.
وَإِنْ كَانَ الطَّائِرُ أَصْغَرَ مِنَ الْحَمَامِ جُثَّةً فَفِيهِ الْقِيمَةُ. وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْحَمَامِ، كَالْبَطَّةِ وَالإْوَزَّةِ، فَالأْصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ، إِذْ لاَ مِثْلَ لَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ شَاةٌ فِي حَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامِهِمَا، وَفِي حَمَامِ وَيَمَامِ غَيْرِهِمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الطُّيُورِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الْوَاجِبُ فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالسَّمِينِ وَالْهَزِيلِ وَالْمَرِيضِ مِنَ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ؛لقوله تعالي ( فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ) وَهَذَا مِثْلِيٌّ فَيُجْزِئُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ فِيهِ كَبِيرٌ؛ ولقوله تعالي : ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) وَالصَّغِيرُ لاَ يَكُونُ هَدْيًا، وَإِنَّمَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ مَا يُجْزِئُ فِي الأْضْحِيَّةِ .
ثَانِيًا: إِصَابَةُ الصَّيْدِ:
إِذَا أَصَابَ الصَّيْدَ بِضَرَرٍ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِحَسَبِ تِلْكَ الإْصَابَةِ عِنْدَ الثَّلاَثَةِ: الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ . فَإِنْ جَرَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا، أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ. ضَمِنَ قِيمَةَ مَا نَقَصَ مِنْهُ، اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ، فَكَمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ بِالْكُلِّ تَجِبُ بِالْجُزْءِ. وَهَذَا الْجَزَاءُ يَجِبُ إِذَا بَرِئَ الْحَيَوَانُ وَظَهَرَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فَلاَ يَضْمَنُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِزَوَالِ الْمُوجِبِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ جَرَحَ صَيْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ قَدْرُ النَّقْصِ مِنْ مِثْلِهِ مِنَ النَّعَمِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلاَّ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِذَا أَحْدَثَ بِهِ عَاهَةً مُسْتَدِيمَةً فَوَجْهَانِ عِنْدَهُمْ، أَصَحُّهُمَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ.
أَمَّا إِذَا أَصَابَهُ إِصَابَةً أَزَالَتِ امْتِنَاعَهُ عَمَّنْ يُرِيدُ أَخْذَهُ وَجَبَ الْجَزَاءُ كَامِلاً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الأْمْنَ بِهَذَا. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَضْمَنُ النَّقْصَ فَقَطْ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ لاَ يَضْمَنُ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ سَلاَمَتُهُ مِنَ الصَّيْدِ بِإِصَابَتِهِ بِنَقْصٍ، وَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ فَرْقُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَقِيمَتِهِ بَعْدَ إِصَابَتِهِ.
ثَالِثًا: حَلْبُ الصَّيْدِ أَوْ كَسْرُ بَيْضِهِ أَوْ جَزُّ صُوفِهِ:
يَجِبُ فِيهِ قِيمَةُ كُلٍّ مِنَ اللَّبَنِ وَالْبَيْضِ وَالصُّوفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَيَضْمَنُ أَيْضًا قِيمَةَ مَا يَلْحَقُ الصَّيْدَ نَفْسَهُ مِنْ نَقْصٍ بِسَبَبٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْبَيْضِ أَنَّ فِيهِ عُشْرَ دِيَةِ الأْمِّ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فَرْخٌ وَيَسْتَهِلُّ ثُمَّ يَمُوتُ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً. وَهَذَا الأْخِيرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
رَابِعًا: التَّسَبُّبُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ:
- يَجِبُ فِي التَّسَبُّبِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ الْجَزَاءُ، وَذَلِكَ:
1- بِأَنْ يَصِيحَ بِهِ وَيُنَفِّرَهُ، فَيَتَسَبَّبَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ.
2-بِنَصْبِ شَبَكَةٍ وَقَعَ بِهَا صَيْدٌ فَمَاتَ، أَوْ إِرْسَالِ كَلْبٍ.
3- الْمُشَارَكَةُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ، كَأَنْ يُمْسِكَهُ لِيَقْتُلَهُ آخَرُ، أَوْ يَذْبَحَهُ.
4- الدَّلاَلَةُ عَلَى الصَّيْدِ، أَوِ الإْشَارَةُ، أَوِ الإْعَانَةُ بِغَيْرِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْيَدِ، كَمُنَاوَلَةِ آلَةٍ أَوْ سِلاَحٍ، يَضْمَنُ فَاعِلُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلاَ يَضْمَنُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ .
خَامِسًا: التَّعَدِّي بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ:
إِذَا مَاتَ الصَّيْدُ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لأِنَّهُ تَعَدَّى بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهُ وَلَوْ كَانَ وَدِيعَةً .
سَادِسًا: أَكْلُ الْمُحْرِمِ مِنْ ذَبِيحَةِ الصَّيْدِ أَوْ قَتِيلِهِ:
إِنْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِنْ ذَبِيحَةٍ أَوْ صَيْدِ مُحْرِمٍ أَوْ ذَبِيحَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلأْكْلِ، وَلَوْ كَانَ هُوَ قَاتِلَ الصَّيْدِ أَيْضًا أَوْ ذَابِحَهُ فَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ لِلأْكْلِ، إِنَّمَا عَلَيْهِ جَزَاءُ قَتْلِ الصَّيْدِ أَوْ ذَبْحِهِ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ هُوَ، وَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُمُ الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ، وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْدِ غَيْرِهِ، أَوْ صَيْدِ الْحَرَمِ إِذَا أَكَلَ مِنْهُ الْحَلاَلُ الَّذِي صَادَهُ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ أَوْ ذَبِيحَتِهِ مِنَ الصَّيْدِ الضَّمَانَ سَوَاءٌ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ الضَّمَانِ أَوْ بَعْدَهُ.
اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ صَيْدٌ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ، فَلَمْ يَضْمَنْ ثَانِيًا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ الأْكْلِ؛ وَلأِنَّ تَحْرِيمَهُ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً، وَالْمَيْتَةُ لاَ تُضْمَنُ بِالْجَزَاءِ.
وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ «حُرْمَتَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَحْظُورٌ إِحْرَامُهُ؛ لأِنَّ إِحْرَامَهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَالذَّابِحَ عَنِ الأْهْلِيَّةِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ، فَصَارَتْ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ مُضَافَةً إِلَى إِحْرَامِهِ».
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 119
إِطْعَامُ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَبَسِ
: - يَجُوزُ حَبْسُ حَيَوَانٍ لِنَفْعٍ، كَحِرَاسَةٍ وَسَمَاعِ صَوْتٍ وَزِينَةٍ، وَعَلَى حَابِسِهِ إِطْعَامُهُ وَسَقْيُهُ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ التَّخْلِيَةُ لِلْحَيَوَانَاتِ لِتَرْعَى وَتَرِدُ الْمَاءَ إِنْ أَلِفَتْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَأْلَفْهُ فُعِلَ بِهَا مَا تَأْلَفُهُ، لِقَوْلِ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم : «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأْرْضِ» .
فَإِنِ امْتَنَعَ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ عَلَفِهِ أَوْ ذَبْحِ مَا يُذْبَحُ مِنْهُ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ. وَهَذَا رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الرَّأْيُ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَجْرِي فِيهَا دَعْوَى الْحِسْبَةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 281
قَتْلُ حَيَوَانٍ غَيْرِ مُؤْذٍ أَوِ الإْضْرَارِ بِهِ :
نَهَى الرَّسُولُ صلي الله عليه وسلم عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ فِي قَوْلِهِ: «إِنَّ امْرَأَةً دَخَلَتِ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا، فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأْرْضِ» فَهَذَا الْفِعْلُ مَعْصِيَةٌ، فَيُعَزَّرُ الْفَاعِلُ مَا دَامَ الْفِعْلُ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ.
وَمِنَ الأْمْثِلَةِ عَلَى الْجَرَائِمِ فِي هَذَا الْمَجَالِ: قَطْعُ ذَنَبِ حَيَوَانٍ، فَقَدْ ذَكَرَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ: مِمَّا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ مَا ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ فِيمَنْ قَطَعَ ذَنَبَ بِرْذَوْنٍ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 263
«جِنَايَةُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ».
- هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقْتَبَسَةٌ مِنْ حَدِيثٍ شَرِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» وَالْعَجْمَاءُ: الْبَهِيمَةُ، لأِنَّهَا لاَ تُفْصِحُ، وَمَعْنَى جُبَارٌ: أَنَّهُ هَدَرٌ وَبَاطِلٌ.
وَالْمُرَادُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُسَيَّبَةً حَيْثُ تُسَيَّبُ الْحَيَوَانَاتُ، وَلاَ يَدَ عَلَيْهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ فَيَضْمَنُ، فَلَوِ اصْطَادَتْ هِرَّتُهُ طَائِرًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يَأْتِي فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ.
ضَمَانُ الشَّخْصِ فِعْلَ الْحَيَوَانِ:
هُنَاكَ نَوْعَانِ مِنَ الْحَيَوَانِ: أَحَدُهُمَا الْحَيَوَانُ الْعَادِيُّ، وَالآْخَرُ الْحَيَوَانُ الْخَطِرُ، وَفِي تَضْمِينِ جِنَايَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَنُوَضِّحُهُ فِيمَا يَلِي:
أ - ضَمَانُ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ الْعَادِيِّ غَيْرِ الْخَطِرِ:
102 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِ مَا يُتْلِفُهُ الْحَيَوَانُ الْعَادِيُّ، غَيْرُ الْخَطِرِ: فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى ضَمَانِ مَا تُفْسِدُهُ الدَّابَّةُ مِنَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، إِذَا وَقَعَ فِي اللَّيْلِ، وَكَانَتْ وَحْدَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ يَدٌ لأِحَدٍ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ، وَلَمْ تَكُنْ يَدٌ لأِحَدٍ عَلَيْهَا - أَيِ الدَّابَّةِ - فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله تعالي عنه - أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ فَدَخَلَتْ حَائِطًا، فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنَّ حِفْظَ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ حِفْظَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ مَا أَصَابَتِ الْمَاشِيَةُ بِاللَّيْلِ فَهُوَ عَلَى أَهْلِهَا» .
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلأِنَّ الْعَادَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاشِي إِرْسَالُهَا فِي النَّهَارِ لِلرَّعْيِ، وَحِفْظُهَا لَيْلاً، وَعَادَةُ أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ، فَإِذَا ذَهَبَتْ لَيْلاً كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ أَهْلِهَا، بِتَرْكِهِمْ حِفْظَهَا فِي وَقْتِ عَادَةِ الْحِفْظِ.
وَإِنْ أَتْلَفَتْ نَهَارًا، كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ أَهْلِ الزَّرْعِ، فَكَانَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَقَضَى عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بِالْحِفْظِ فِي وَقْتِ عَادَتِهِ.
وَقَالَ - أَيْضًا -: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّمَا يَضْمَنُ مَالِكُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلاً، إِذَا فَرَّطَ بِإِرْسَالِهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا أَوْ لَمْ يَضُمَّهَا بِاللَّيْلِ، أَوْ ضَمَّهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ، أَمَّا لَوْ ضَمَّهَا فَأَخْرَجَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ فَتَحَ عَلَيْهَا بَابَهَا، فَالضَّمَانُ عَلَى مُخْرِجِهَا، أَوْ فَاتِحِ بَابِهَا، لأِنَّهُ الْمُتْلِفُ .
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ عَدَمَ ضَمَانِ الإْتْلاَفِ نَهَارًا بِشَرْطَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنْ لاَ يَكُونَ مَعَهَا رَاعٍ.
وَالآْخَرُ: أَنْ تَسْرَحَ بَعِيدًا عَنِ الْمَزَارِعِ، وَإِلاَّ فَعَلَى الرَّاعِي الضَّمَانُ .
وَإِنْ أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ غَيْرَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ مِنَ الأْنْفُسِ وَالأْمْوَالِ ، لَمْ يَضْمَنْهُ مَالِكُهَا، لَيْلاً كَانَ أَوْ نَهَارًا، مَا لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالي عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» وَيُرْوَى «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ » وَمَعْنَى جُبَارٌ: هَدْرٌ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ، عَدَمَ ضَمَانِ ذَلِكَ لَيْلاً، بِمَا إِذَا لَمْ يُقَصِّرْ فِي حِفْظِهَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَعَهَا، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا وَطِئَ الْبَعِيرُ، فِي أَوَّلِ الْقِطَارِ أَوْ آخِرِهِ، وَإِنْ نَفَحَتْ رَجُلاً بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا، لَمْ يَضْمَنِ الْقَائِدُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ بِهَا .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا أَتْلَفَ مَالاً أَوْ نَفْسًا، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَوَقَعَ ذَلِكَ فِي لَيْلٍ أَمْ فِي نَهَارٍ .
وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا.
لَكِنْ قَيَّدَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، بِالْمُنْفَلِتَةِ الْمُسَيَّبَةِ حَيْثُ تُسَيَّبُ الأْنْعَامُ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْبَرَارِيِ، فَهَذِهِ الَّتِي جُرْحُهَا هَدْرٌ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ فَيَضْمَنُ، وَبَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حَافِظٌ، فَلاَ يَضْمَنُ، وَرَوَى فِي ذَلِكَ آثَارًا .
وَلأِنَّهُ لاَ صُنْعَ لَهُ فِي نِفَارِهَا وَانْفِلاَتِهَا، وَلاَ يُمْكِنُهُ الاِحْتِرَازُ عَنْ فِعْلِهَا، فَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ لاَ يَكُونُ مَضْمُونًا .
وَأَثَارَ الْمَالِكِيَّةُ - هُنَا - مَسْأَلَةَ مَا لَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ، وَلاَ حِرَاسَتُهُ كَحَمَامٍ، وَنَحْلٍ، وَدَجَاجٍ يَطِيرُ.
فَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ - وَهُوَ رَوِايَةُ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ - إِلَى أَنَّهُ يُمْنَعُ أَرْبَابُهَا مِنِ اتِّخَاذِهِ، إِنْ آذَى النَّاسَ.
وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَصْبَغُ إِلَى أَنَّهُمْ لاَ يُمْنَعُونَ مِنِ اتِّخَاذِهِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتْلَفَتْهُ مِنَ الزَّرْعِ، عَلَى أَرْبَابِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ حِفْظُهَا.
وَصَوَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ الأْوَّلَ، لإِمْكَانِ اسْتِغْنَاءِ رَبِّهَا عَنْهَا، وَضَرُورَةِ النَّاسِ لِلزَّرْعِ وَالشَّجَرِ.
وَيُؤَيِّدُهُ - كَمَا قَالَ الدُّسُوقِيُّ - قَاعِدَةُ ارْتِكَابِ، أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ عِنْدَ التَّقَابُلِ، لَكِنْ قَالَ: وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - قَوْلُ ابْنِ قَاسِمٍ.
وَالاِتِّجَاهَانِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ .
شُرُوطُ ضَمَانِ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ:
بَدَا مِمَّا تَقَدَّمَ اتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَضْمِينِ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ، كُلَّمَا كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ أَوْ حَافِظٌ، أَوْ ذُو يَدٍ، وَلاَ بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ تَوَفُّرِ شُرُوطِ الضَّمَانِ الْعَامَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: مِنَ الضَّرَرِ وَالتَّعَدِّي وَالإْفْضَاءِ.
103 - فَالضَّرَرُ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاقِعُ عَلَى النُّفُوسِ أَوِ الأْمْوَالِ وَصَرَّحَ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّ حَدِيثَ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» الْمُتَقَدِّمَ، مُحْتَمِلٌ لأَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى الأْبْدَانِ أَوِ الأْمْوَالِ ، وَذَكَرَ أَنَّ الأْوَّلَ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ ».
104 - وَالتَّعَدِّي بِمُجَاوَزَةِ ذِي الْيَدِ فِي اسْتِعْمَالِ الدَّابَّةِ، فَحَيْثُ اسْتَعْمَلَهَا فِي حُدُودِ حَقِّهِ، فِي مِلْكِهِ، أَوِ الْمَحَلِّ الْمُعَدِّ لِلدَّوَابِّ أَوْ أَدْخَلَهَا مِلْكَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، فَأَتْلَفَتْ نَفْسًا أَوْ مَالاً، لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذْ لاَ ضَمَانَ مَعَ الإْذْنِ بِخِلاَفِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ أَوْ أَوْقَفَهَا فِي مَحَلٍّ لَمْ يُعَدَّ لِوُقُوفِ الْحَيَوَانَاتِ، أَوْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا تُتْلِفُهُ حِينَئِذٍ إِذْ كُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلاً لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ .
وَالأْصْلُ فِي هَذَا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله تعالي عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، فَهُوَ ضَامِنٌ» .
وَنَصَّتْ الْمَجَلَّةُ فِي الْمَادَّةِ 930 عَلَى أَنَّهُ «لاَ يَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ الَّتِي أَضَرَّتْ بِيَدِهَا أَوْ ذَيْلِهَا أَوْ رِجْلِهَا، حَالَ كَوْنِهَا فِي مِلْكِهِ، رَاكِبًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ»، كَمَا نَصَّتْ (الْمَادَّةُ: 931) عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَدْخَلَ أَحَدٌ دَابَّتَهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، لاَ يَضْمَنُ جِنَايَتَهَا، فِي الصُّوَرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْمَادَّةِ آنِفًا حَيْثُ إِنَّهَا تُعَدُّ كَالْكَائِنَةِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ أَدْخَلَهَا بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهِ يَضْمَنُ ضَرَرَ تِلْكَ الدَّابَّةِ وَخَسَارَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ.
- كَمَا نَصَّتْ فِي (الْمَادَّةِ: 939) عَلَى أَنَّهُ إِذَا رَبَطَ شَخْصَانِ دَابَّتَيْهِمَا فِي مَحَلٍّ لَهُمَا حَقُّ الرَّبْطِ فِيهِ، فَأَتْلَفَتْ إِحْدَى الدَّابَّتَيْنِ الأْخْرَى، لاَ يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
وَفِي النُّصُوصِ: «لَوْ أَوْقَفَهَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ الأْعْظَمِ، أَوْ مَسْجِدٍ آخَرَ ، يَضْمَنُ إِلاَّ إِذَا جَعَلَ الإْمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ مَوْضِعًا يُوقِفُونَ دَوَابَّهُمْ فَلاَ يَضْمَنُ ».
وَلَوْ رَبَطَ دَابَّتَهُ فِي مَكَان، ثُمَّ رَبَطَ آخَرُ فِيهِ دَابَّتَهُ، فَعَضَّتْ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى، لاَ ضَمَانَ لَوْ كَانَ لَهُمَا فِي الْمَرْبِطِ وِلاَيَةُ الرَّبْطِ .
وَعَلَّلَهُ الرَّمْلِيُّ، نَقْلاً عَنِ الْقَاضِي، بِأَنَّ الرَّبْطَ جِنَايَةٌ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ ضَمِنَهُ .
105 - وَأَمَّا الإْفْضَاءُ، وَهُوَ وُصُولُ الضَّرَرِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا، فَإِنَّ فِعْلَ الْحَيَوَانِ لاَ يُوصَفُ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ تَسْبِيبٍ، لأِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَصِحُّ إِضَافَةُ الْحُكْمِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ صَاحِبُهُ، فَتُطَبَّقُ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ: أَنَّ الْمُبَاشِرَ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ، وَالْمُتَسَبِّبُ لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي .
وَيُعْتَبَرُ ذُو الْيَدِ عَلَى الْحَيَوَانِ، وَصَاحِبُهُ مُبَاشِرًا إِذَا كَانَ رَاكِبًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَوْ بِإِذْنِهِ أَوْ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ، فَيَضْمَنُ مَا يُحْدِثُهُ بِتَلَفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ.
فَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يَضْمَنُ مَا وَطِئَتْهُ بِرِجْلِهَا، أَوْ يَدِهَا - كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ - أَيْ وَمَاتَ لِوُجُودِ الْخَطَأِ فِي هَذَا الْقَتْلِ، وَحُصُولُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاشَرَةِ لأِنَّ ثِقَلَ الرَّاكِبِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَالدَّابَّةُ آلَةٌ لَهُ، فَكَانَ الْقَتْلُ الْحَاصِلُ بِثِقَلِهَا مُضَافًا إِلَى الرَّاكِبِ، وَالرَّدِيفُ وَالرَّاكِبُ سَوَاءٌ، وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ، وَيُحْرَمَانِ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ، لأِنَّ ثِقَلَهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ، وَالدَّابَّةُ آلَةٌ لَهُمَا، فَكَانَا قَاتِلَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ .
وَلَوْ كَدَمَتْ أَوْ صَدَمَتْ، فَهُوَ ضَامِنٌ، وَلاَ كَفَّارَةَ وَلاَ حِرْمَانَ، لأِنَّهُ قَتْلٌ بِسَبَبٍ.
وَلَوْ أَصَابَتْ وَمَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ ، فَلاَ كَفَّارَةَ وَلاَ حِرْمَانَ، لأِنَّهُ قَتْلٌ تَسْبِيبًا لاَ مُبَاشَرَةً، بِخِلاَفِ الرَّاكِبِ وَالرَّدِيفِ .
وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي مَجْمَعِ الأْنْهُرِ، حَيْثُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الرَّاكِبَ فِي مِلْكِهِ لاَ يَضْمَنُ شَيْئًا، لأِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ، فَيَضْمَنُ لِلتَّعَدِّي .
وَمِثَالُ مَا لَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِتَسْبِيبِ صَاحِبِهَا: مَا لَوْ أَوْقَفَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَجَالَتْ فِي رِبَاطِهَا، حَيْثُ طَالَ الرَّسَنُ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا، ضَمِنَ، لأِنَّهُ مُمْسِكُهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ ذَهَبَتْ، مَا دَامَتْ فِي مَوْضِعِ رِبَاطِهَا .
فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الضَّمَانِ بِالتَّسْبِيبِ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ الرَّبْطُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ.
وَمِثَالُ اجْتِمَاعِ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسْبِيبِ، حَيْثُ تُقَدَّمُ الْمُبَاشَرَةُ، مَا لَوْ رَبَطَ بَعِيرًا إِلَى قِطَارٍ، وَالْقَائِدُ لاَ يَعْلَمُ، فَوَطِئَ الْبَعِيرُ الْمَرْبُوطُ إِنْسَانًا، فَقَتَلَهُ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ الدِّيَةُ، لِعَدَمِ صِيَانَةِ الْقِطَارِ عَنْ رَبْطِ غَيْرِهِ، فَكَانَ مُتَعَدِّيًا (مُقَصِّرًا) لَكِنْ يُرْجَعُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ، لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبِ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَسَبِّبٌ، لأِنَّ الرَّبْطَ، مِنَ الْقَوَدِ، بِمَنْزِلَةِ التَّسْبِيبِ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ، لاِتِّصَالِ التَّلَفِ بِالْقَوَدِ دُونَ الرَّبْطِ .
وَمِثَالُ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُبَاشِرًا وَلاَ مُتَسَبِّبًا، حَيْثُ لاَ يَضْمَنُ، مَا إِذَا قَتَلَ سِنَّوْرُهُ حَمَامَةً فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُ، لِحَدِيثِ: «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا .
وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْهِرَّةَ إِنْ أَتْلَفَتْ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا لَيْلاً أَوَنَهَارًا ضَمِنَ مَالِكُهَا إِنْ عَهِدَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَإِلاَّ فَلاَ يَضْمَنُ فِي الأْصَحِّ .
106 - وَمِنْ مَشْمُولاَتِ الإْفْضَاءِ: التَّعَمُّدُ، كَمَا لَوْ أَلْقَى هِرَّةً عَلَى حَمَامَةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ، فَأَكَلَتْهَا ضَمِنَ لَوْ أَخَذَتْهَا بِرَمْيِهِ وَإِلْقَائِهِ، لاَ لَوْ بَعْدَهُ. وَيَضْمَنُ بِإِشْلاَءِ كَلْبِهِ، لأِنَّهُ بِإِغْرَائِهِ يَصِيرُ آلَةً لِعَقْرِهِ، فَكَأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ .
وَمِنْ مَشْمُولاَتِهِ التَّسَبُّبُ بِعَدَمِ الاِحْتِرَازِ: فَالأْصْلُ : أَنَّ الْمُرُورَ بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ، بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ، فِيمَا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ، لاَ فِيمَا لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ
فَلَوْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ مَا نَفَحَتْهُ، لأِنَّ بِإِمْكَانِهِ الاِحْتِرَازَ مِنَ الإْيقَافِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الاِحْتِرَازُ مِنَ النَّفْحَةِ، فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالإْيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ بِهِ .
بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً، أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا، فَفَقَأَتْ الْحَصَاةُ عَيْنَ إِنْسَانٍ، أَوْ أَفْسَدَ الْغُبَارُ ثَوْبَ إِنْسَانٍ فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ، لأِنَّ سَيْرَ الدَّوَابِّ لاَ يَخْلُو عَنْهُ .
وَلِلْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ .
وَجَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ (الْمَادَّةِ: 934): لَيْسَ لأِحَدٍ حَقُّ تَوْقِيفِ دَابَّتِهِ أَوْ رَبْطِهَا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ.
وَمِنْ مَشْمُولاَتِهِ التَّسَبُّبُ بِالتَّقْصِيرِ، وَمِنَ الْفُرُوعِ: مَا لَوْ رَأَى دَابَّتَهُ تَأْكُلُ حِنْطَةَ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْهَا، حَتَّى أَكَلَتْهَا، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ .
وَبِهَذَا أَخَذَتْ الْمَجَلَّةُ، حَيْثُ نَصَّتْ عَلَى أَنَّهُ «لَوْ اسْتَهْلَكَ حَيَوَانٌ مَالَ أَحَدٍ، وَرَآهُ صَاحِبُهُ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ يَضْمَنُ». (الْمَادَّةُ: 929).
107 - وَالضَّامِنُ لِجِنَايَةِ الْحَيَوَانِ، لَمْ يُقَيَّدْ فِي النُّصُوصِ الْفِقْهِيَّةِ، بِكَوْنِهِ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ، بَلْ هُوَ ذُو الْيَدِ، الْقَابِضُ عَلَى زِمَامِهِ، الْقَائِمُ عَلَى تَصْرِيفِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا، وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ، وَيَشْمَلُ هَذَا السَّائِسَ وَالْخَادِمَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ فِي مَالِ الَّذِي هُوَ مَعَهَا، سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا، أَوْ غَاصِبًا أَوْ مُودِعًا، أَوْ وَكِيلاً أَوْ غَيْرَهُ .
وَيَقُولُ الشَّرْقَاوِيُّ فِي جِنَايَةِ الدَّابَّةِ: لاَ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا، بَلْ بِذِي الْيَدِ عَلَيْهَا .
108 - وَلَوْ تَعَدَّدَ وَاضِعُو الْيَدِ عَلَى الْحَيَوَانِ، فَالضَّمَانُ - فِيمَا يَبْدُو مِنَ النُّصُوصِ - عَلَى الأْقْوَى يَدًا، وَالأْكْثَرِ قُدْرَةً عَلَى التَّصَرُّفِ، وَعِنْدَ الاِسْتِوَاءِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا.
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سَائِقًا، وَالآْخَرُ قَائِدًا، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا لأِنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّسْبِيبِ، فَيَشْتَرِكَانِ فِي الضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا سَائِقًا وَالآْخَرُ رَاكِبًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَائِدًا وَالآْخَرُ رَاكِبًا، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، لِوُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إِلاَّ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ، فِيمَا لَوْ وَطِئَتْ دَابَّتُهُ إِنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ، لِوُجُودِ الْقَتْلِ مِنْهُ وَحْدَهُ مُبَاشَرَةً وَإِنْ كَانَ الْحَصْكَفِيُّ صَحَّحَ عَدَمَ تَضْمِينِ السَّائِقِ، لأِنَّ الإْضَافَةَ إِلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، لَكِنَّ السَّبَبَ - هُنَا - مِمَّا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ، فَيَشْتَرِكَانِ كَمَا حَقَّقَهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ .
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ رَاكِبَانِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الأْوَّلِ مِنْهُمَا، لأِنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، الْقَادِرُ عَلَى كَفِّهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الأْوَّلُ مِنْهُمَا صَغِيرًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ نَحْوَهُمَا، وَيَكُونُ الثَّانِي الْمُتَوَلِّي لِتَدْبِيرِهَا، فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ مَعَ الدَّابَّةِ قَائِدٌ وَسَائِقٌ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ ضَمِنَ، فَإِذَا اجْتَمَعَا ضَمِنَا: وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا رَاكِبٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، لِذَلِكَ.
وَالآْخَرُ: أَنَّهُ عَلَى الرَّاكِبِ، لأِنَّهُ أَقْوَى يَدًا وَتَصَرُّفًا.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَائِدِ لأِنَّهُ لاَ حُكْمَ لِلرَّاكِبِ عَلَى الْقَائِدِ .
ب - ضَمَانُ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ الْخَطِرِ:
109 - وَيَتَمَثَّلُ فِي الْكَبْشِ النَّطُوحِ، وَالْجَمَلِ الْعَضُوضِ، وَالْفَرَسِ الْكَدُومِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، كَمَا يَتَمَثَّلُ فِي الْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَةِ، وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، وَالْحَيَوَانَاتِ الْوَحْشِيَّةِ الْمُفْتَرِسَةِ، وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ، كَالأْسَدِ وَالذِّئْبِ، وَسِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ، وَفِيهَا مَذَاهِبُ لِلْفُقَهَاءِ:
مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ ضَمَانُ مَا يُتْلِفُهُ الْحَيَوَانُ الْخَطِرُ، مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ إِذَا وُجِدَ مِنْ مَالِكِهِ إِشْلاَءٌ أَوْ إِغْرَاءٌ أَوْ إِرْسَالٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، الَّذِي أَوْجَبَ الضَّمَانَ فِي هَذَا كُلِّهِ، احْتِيَاطًا لأِمْوَالِ النَّاسِ خِلاَفًا لأِبِي حَنِيفَةَ وَالَّذِي أَفْتَوْا بِهِ هُوَ: الضَّمَانُ بَعْدَ الإْشْلاَءِ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ، فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ كَمَا فِي الإْغْرَاءِ .
وَعَلَّلَ الضَّمَانَ بِالإْشْلاَءِ، بِأَنَّهُ بِالإْغْرَاءِ. يَصِيرُ الْكَلْبُ آلَةً لِعَقْرِهِ، فَكَأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِحَدِّ سَيْفِهِ .
وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ، وَهُوَ:
إِذَا اتَّخَذَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ، بِقَصْدِ قَتْلِ إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ وَقَتَلَهُ فَالْقَوَدُ، أُنْذِرَ عَنِ اتِّخَاذِهِ أَوْ لاَ.
وَإِنْ قَتَلَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ فَالدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ إِنِ اتَّخَذَهُ لِقَتْلِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَقَتَلَ شَخْصًا فَالدِّيَةُ، أُنْذِرَ أَمْ لاَ.
وَإِنِ اتَّخَذَهُ لِوَجْهٍ جَائِزٍ فَالدِّيَةُ إِنْ تَقَدَّمَ لَهُ إِنْذَارٌ قَبْلَ الْقَتْلِ، وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَإِنِ اتَّخَذَهُ لاَ لِوَجْهٍ جَائِزٍ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَ، تَقَدَّمَ لَهُ فِيهِ إِنْذَارٌ أَمْ لاَ، حَيْثُ عَرَفَ أَنَّهُ عَقُورٌ، وَإِلاَّ لَمْ يَضْمَنْ، لأِنَّ فِعْلَهُ حِينَئِذٍ كَفِعْلِ الْعَجْمَاءِ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ الْخَطِرَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْبَطَ وَيُكَفَّ شَرُّهُ، كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَكَالسِّنَّوْرِ إِذَا عُهِدَ مِنْهُ إِتْلاَفُ الطَّيْرِ أَوِ الطَّعَامِ، فَإِذَا أَطْلَقَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ أَوِ السِّنَّوْرَ، فَعَقَرَ إِنْسَانًا، أَوْ أَتْلَفَ طَعَامًا أَوْ ثَوْبًا، لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، ضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ، لأِنَّهُ مُفَرِّطٌ بِاقْتِنَائِهِ وَإِطْلاَقِهِ إِلاَّ إِذَا دَخَلَ دَارَهُ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَعَقَرَهُ ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالدُّخُولِ، مُتَسَبِّبٌ بِعَدَمِ الاِسْتِئْذَانِ لِعَقْرِ الْكَلْبِ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، لأِنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى إِتْلاَفِهِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا اقْتَنَى سِنَّوْرًا، يَأْكُلُ أَفْرَاخَ النَّاسِ، ضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَهَذَا - هُوَ الأْصَحُّ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، كُلَّمَا عَهِدَ ذَلِكَ مِنْهُ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، قَالَ الْمَحَلِّيُّ: لأِنَّ هَذِه (الْهِرَّةَ) يَنْبَغِي أَنْ تُرْبَطَ وَيُكَفَّ شَرُّهَا .
أَمَّا مَا يُتْلِفُهُ الْكَلْبُ الْعَقُورُ لِغَيْرِ الْعَقْرِ، كَمَا لَوْ وَلَغَ فِي إِنَاءٍ، أَوْ بَالَ، فَلاَ يُضْمَنُ، لأِنَّ هَذَا لاَ يَخْتَصُّ بِهِ الْكَلْبُ الْعَقُورُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والثلاثون ، الصفحة / 132
قَتْلُ الْكَلْبِ:
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ قَتْلُ كُلِّ كَلْبٍ أَضَرَّ وَمَا عَدَاهُ جَائِزٌ قَتْلُهُ لأِنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ، وَلاَ اخْتِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ قَتْلُ كِلاَبِ الْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ.
قَالَ الْحَطَّابِ: ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ مِنَ الْكِلاَبِ أَسْوَدُ وَلاَ غَيْرُهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَقُورًا، مُؤْذِيًا، وَقَالُوا: الأْمْرُ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ كَلْبًا مِنْ غَيْرِهِ.
وَاحْتَجُّوا - كَذَلِكَ - بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْكَلْبِ الَّذِي كَانَ يَلْهَثُ عَطَشًا، فَسَقَاهُ الرَّجُلُ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ وَغَفَرَ لَهُ، وَقَالَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم : «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» قَالُوا: فَإِذَا كَانَ الأْجْرُ فِي الإْحْسَانِ إِلَيْهِ، فَالْوِزْرُ فِي الإْسَاءَةِ إِلَيْهِ، وَلاَ إِسَاءَةَ إِلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهِ.
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «الْكَلْبُ الأْسْوَدُ شَيْطَانٌ» مَا يَدُلُّ عَلَى قَتْلِهِ، لأِنَّ شَيَاطِينَ الإْنْسِ وَالْجِنِّ كَثِيرٌ، وَلاَ يَجِبُ قَتْلُهُمْ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَا لاَ يَظْهَرُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلاَ ضَرَرٌ - كَالْكَلْبِ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ - يُكْرَهُ قَتْلُهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَمُقْتَضَى كَلاَمِ بَعْضِهِمُ التَّحْرِيمُ.
وَالْمُرَادُ الْكَلْبُ الَّذِي لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةً، فَأَمَّا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهُ بِلاَ شَكٍّ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الأْسْوَدُ وَغَيْرُهُ.
وَالأْمْرُ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ مَنْسُوخٌ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ: يَحْرُمُ قَتْلُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ. وَقَاتِلُهُ مُسِيءٌ ظَالِمٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ كَلْبٍ مُبَاحٌ إِمْسَاكُهُ، لأِنَّهُ مَحَلٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ، يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ، فَحَرُمَ إِتْلاَفُهُ، كَالشَّاةِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا، وَلاَ غُرْمَ عَلَى قَاتِلِهِ.
قَالَ الرَّحِيبَانِيُّ لاَ يُبَاحُ قَتْلُ شَيْءٍ مِنَ الْكِلاَبِ سِوَى الأْسْوَدِ وَالْعَقُورِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : بِقَتْلِ الْكِلاَبِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلاَبِ؟» وَيُبَاحُ قَتْلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ.
فَكُلُّ مَا آذَى النَّاسَ وَضَرَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يُبَاحُ قَتْلُهُ، لأِنَّهُ يُؤْذِي بِلاَ نَفْعٍ، أَشْبَهَ الذِّئْبَ، وَمَا لاَ مَضَرَّةَ فِيهِ لاَ يُبَاحُ قَتْلُهُ وَقَالَ الرَّحِيبَانِيُّ: يَجِبُ قَتْلُهُ.
وَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ فِي الْحَرَمِ لِلْحَدِيثِ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ».
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِهِ، عَمَلاً بِنَصِّ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والأربعون ، الصفحة / 268
قَتْلُ الْهِرَّةِ الصَّائِلَةِ:
نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَتِ الْهِرَّةُ فِي الدَّفْعِ عَنْ حَمَامٍ وَنَحْوِهِ فَهَدَرٌ؛ لِصِيَالِهَا، وَذَلِكَ إِذَا تَعَيَّنَ قَتْلُهَا طَرِيقًا لِدَفْعِهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهَا بِدُونِهِ كَالصَّائِلِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ قَتْلُهَا طَرِيقًا لِدَفْعِهَا بِأَنْ أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِضَرْبٍ أَوْ زَجْرٍ فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهَا، بَلْ يَدْفَعُهَا بِالأَْخَفِّ فَالأَْخَفِّ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، فَلَوْ كَانَتِ الْهِرَّةُ صَغِيرَةً مَثَلاً وَلاَ يُفِيدُ مَعَهَا الدَّفْعُ بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنَ الْبَيْتِ وَيُغْلِقَهُ دُونَهَا، أَوْ بِأَنْ يُكَرِّرَ دَفْعَهَا عَنْهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهَا وَلاَ ضَرْبُهَا ضَرْبًا شَدِيدًا.
وَيَشْمَلُ حُكْمُ وُجُوبِ دَفْعِ الْهِرَّةِ بِالأْخَفِّ فَالأْخَفِّ كَالصَّائِلِ مَا لَوْ خَرَجَتْ أَذِيَّتُهَا عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ هَذِهِ الْعَادَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلاَفُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، كَمَا فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ.
وَلَوْ صَارَتِ الْهِرَّةُ ضَارِيَةً مُفْسِدَةً فَهَلْ يَجُوزُ قَتْلُهَا فِي حَالِ سُكُونِهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا - وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ - لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ ضَرَاوَتَهَا عَارِضَةٌ وَالتَّحَرُّزَ عَنْهَا سَهْلٌ، وَجَوَّزَ الْقَاضِي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَتْلَهَا مُطْلَقًا؛ أَيْ سَوَاءٌ فِي حَالِ صِيَالِهَا أَوْ حَالِ سُكُونِهَا، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِدُونِ الْقَتْلِ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ؛ لأِنَّهَا قَدْ تَعُودُ وَتُتْلِفُ مَا دُفِعَ عَنْهَا مَعَ التَّغَافُلِ عَنْهُ؛ وَلأِنَّهَا - فِي هَذِهِ الْحَالَةِ - لاَ يُكَفُّ شَرُّهَا إِلاَّ بِالْقَتْلِ.
وَاعْتَمَدَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ حَيْثُ أَفْتَى بِقَتْلِ الْهِرِّ إِذَا خَرَجَ أَذَاهُ عَنِ الْعَادَةِ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ وَاخْتَارَهُ الأْذْرَعِيُّ: فِي هِرٍّ مُهْمَلٍ لاَ مَالِكَ لَهُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَأَلْحَقَهُ الْقَاضِي بِالْفَوَاسِقِ الْخَمْسَةِ.
وَالْوَجْهُ جَوَازُ الدَّفْعِ كَذَلِكَ فِي الْهِرَّةِ الْحَامِلِ، بَلْ وُجُوبُهُ وَلاَ نَظَرَ لِكَوْنِهَا حَامِلاً أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ يُعْلَمُ الْحَمْلُ؛ لأِنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ حَيَاتَهُ، وَتَيَقَّنَّا إِضْرَارَهَا لَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا فَرُوعِيَ.
وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وِلاَدَةِ هِرَّةٍ فِي مَحَلٍّ وَتَأْلَفُ ذَلِكَ الْمَحَلَّ بِحَيْثُ تَذْهَبُ وَتَعُودُ إِلَيْهِ لِلإْيوَاءِ فَهَلْ يَضْمَنُ مَالِكُ الْمَحَلِّ مُتْلَفَهَا؟ وَأَجَابَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ وَإِلاَّ ضَمِنَ ذُو الْيَدِ.
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ ذَبْحَ الْهِرَّةِ إِذَا كَانَتْ مُؤْذِيَةً بِسِكِّينٍ حَادٍّ وَيُكْرَهُ ضَرْبُهَا وَفَرْكُ أُذُنِهَا، وَفِي الْقُنْيَةِ: يَجُوزُ ذَبْحُ الْهِرَّةِ لِنَفْعٍ مَا وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ إِذَا خَرَجَتْ إِذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَتْ إِذَايَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ إِذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ، وَوَقَعَتِ الإْذَايَةُ مِنْهُ فَلْتَةً فَلاَ يُقْتَلُ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (صِيَال ف 5).