loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

لما كان الحكم المطعون فيه صدر فى 10 من فبراير سنة 2002 بإدانة الطاعن بجرائم الضرب المفضى إلى الموت وإحراز سلاح نارى مششخن وذخيرة بدون ترخيص واستعراض القوة أمام المجنى عليهم لترويعهم والتأثير على إرادتهم لسلب أموالهم الأمر الذى كان من شأنه ارتكاب جناية الضرب المفضى إلى الموت ، والضرب وإطلاق أعيرة نارية داخل القرى وعاقبه بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات إعمالاً لنص المواد 236 فقرة أولى وثانية ، 242 فقرة أولى وثالثة ، 375 مكرراً فقرة أولى ، 375 مكرراً/ 1 فقرة ثانية ورابعة ، 377 فقرة سادسة من قانون العقوبات والمواد 1/1 ، 6 ، 26 فقرة ثانية وخامسة ، 30 فقرة أولى من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقم 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981 والبند أ من القسم الأول من الجدول الثالث الملحق بالقانون الأول مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات . وكانت المادتان 375 مكرراً فقرة أولى ، 375 مكرراً/ 1 من قانون العقوبات المضافتين بالقانون رقم 6 لسنة 1998 الباب السادس عشر والتى كانت الأخيرة ترصد فى فقرتها الثانية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت عقوبة السجن المشدد أو السجن إذا كان ارتكابها بناء على استعراض القوة . لما كان ذلك ، وكان قد صدر من بعد حكم المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 7 من مايو سنة 2006 فى القضية رقم 83 لسنة 23 قضائية دستورية قاضياً بعدم دستورية القانون رقم 6 لسنة 1998 الذى نص على إضافة الباب السادس عشر بالقانون رقم 6 لسنة 1998 وكان قضاء المحكمة الدستورية المشار إليه واجب التطبيق على الطاعن باعتباره أصلح له مادامت الدعوى الجنائية المرفوعة عليه لم يفصل فيها بحكم بات عملاً بالفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات إذ أنشأ له مركزاً قانونياً يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل سريان القانون رقم 6 لسنة 1998 ومن ثم فلا مجال لجريمة استعراض القوة والتى وقع بناء عليها جريمة الضرب المفضي إلى الموت . لما كان ذلك ، وكانت الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الفصل فيه بحكم بات قانون أصلح للمتهم ، وكان تقدير العقوبة من الأمور الموضوعية التى تدخل فى سلطة قاضى الموضوع فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة كى تتاح للطاعن فرصة محاكمته من جديد على ضوء حكم المحكمة الدستورية المشار إليه دون أن يحاج بتطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة للتهم المسندة إلى الطاعن وإيقاع عقوبة واحدة مقررة لأيهم إذ لا يعرف مبلغ الأثر فى توقيع العقوبة فى عقيدة المحكمة إعمالاً لهذا النص الذى قضى بعدم دستوريته ، باعتبار أن ذلك يشمل الحكم كله .

(الطعن رقم 18716 لسنة 72 جلسة 2008/09/25 س 59 ص 365 ق 67)  

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 7 مايو سنة 2006 الموافق 9 ربيع الآخر سنة 1427 هـ .

برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى                                          رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين : حمدى محمد على وماهر البحيرى وإلهام نجيب نوار والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف.

وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما                               رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن                                           امين السر

                                                               اصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 83 لسنة 23 قضائية "دستورية " بعد أن أحالت محكمة الاسكندرية الابتدائية الدائرة 34 جنح مستأنفة بموجب حكمها الصادر بجلسة 14/4/2001 ملف الدعوى رقم 21524 لسنة 2001 جنح مستأنف شرق.

المقامة من

 النيابة العامة .

ضد

1- السيد/ أحمد عطية أحمد.

2- السيد/ رئيس مجلس الوزراء.

" الإجراءات "

بتاريخ العشرين من مايو سنة 2001، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 21524 لسنة 2001 جنح مستأنف شرق من محكمة الإسكندرية (الدائرة 34) – جنح مستأنف بعد أن قضت المحكمة بجلسة 14/4/2001، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (375) مكرر من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 والمضافة بالقانون رقم 6 لسنة 1998 وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم، أصلياً: بعدم قبول الدعوى واحتياطياً: برفضها.

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها،

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .

حيث إن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت أحمد عطية أحمد وآخرين أنهم فى يوم 3/4/1998 بدائرة قسم المنتزه: -

أولاً: قاموا بأعمال من شأنها ترويع المجنى عليهم واستعراض القوة (مستخدمين فى ذلك الأسلحة البيضاء).

ثانياً: أتلفوا عمداً المنقولات المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق بأن جعلوها غير صالحة للإستعمال، وطلبت عقابهم بالمادتين (375 مكرراً/1، 31/361، 2) من قانون العقوبات. وقيدت الواقعة جنحة برقم 15975 لسنة 1998 جنح المنتزه وقضى فيها حضورياً على المتهم المذكور بالحبس سنتين مع الشغل وكفالة ألف جنيه لوقف التنفيذ وإذ لم يرتض المتهم هذا الحكم، فقد قام باستئنافه فى 13/9/1999، وتحدد لنظر الاستئناف جلسة 27/11/1999 إلا أنه لم يحضر ولم يسدد الكفالة فقضت المحكمة بسقوط الاستئناف، فعارض المتهم فى هذا الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر المعارضة عدلت المحكمة الاتهام بإضافة الفقرة الثانية من المادة (375) مكرراً لمواد الاتهام باعتبارها الواجبة التطبيق على النزاع بعد أن نبهت المتهم إلى ذلك.

وقضت ببطلان الحكم المستأنف وبوقف الدعوى وإحالتها للمحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية نص المادة (375 مكرراً /2) من قانون العقوبات، لما ارتأته من مخالفة هذا النص لأحكام المواد (41، 67، 165، 166) من الدستور.

      وحيث إن هيئة قضايا الدولة ، قد دفعت بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة تأسيساً على أن الحكم الذى صدر ضد المتهم قد أوقف تنفيذه، كما أن المتهم هو الذى استأنف هذا الحكم فقط فلا تملك محكمة الاستئناف تعديل القيد والوصف إلى الأشد بإضافة الفقرة الثانية من المادة (375) مكرر عقوبات المطعون بعدم دستوريتها تأسيساً على أنه لا يضار الطاعن بطعنه.

وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط قبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية مؤثراً فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك وكان إعمال قاعدة ألا يضار الطاعن بطعنه لا يحول بين المحكمة الاستئنافية وبين إسباغ الوصف القانونى الصحيح على الواقعة ولو كان أشد من الوصف الذى أسبغه عليها الحكم المستأنف ما دام الأمر لا يتجاوز هذا الحد.

وحيث إنه عن القول بأن حكم أول درجة كان قد قضى بحبس المتهم سالف الذكر سنتين مع الشغل وكفالة ألف جنيه لوقف التنفيذ بما يعنى إعمال القاضى بالفعل لأحكام المادتين (55، 56) عقوبات وهما مبنى الطعن بعدم الدستورية ، فهو قول فى غير محله ذلك لأن إيقاف التنفيذ المقضى به فى حكم أول درجة هو إيقاف التنفيذ المنصوص عليه بالمادتين (463، 464) من قانون الإجراءات الجنائية والتى تختلف عن وقف التنفيذ المنصوص عليه فى المادتين (55، 56) من قانون العقوبات ذلك أن الأحكام الجنائية الصادرة من محكمة أول درجة لا تكون واجبة التنفيذ إلا بعد صيرورتها نهائية عملاً بالمادة (460) من قانون الإجراءات الجنائية ويجوز للمحكمة أن تعلق تنفيذ الحكم الصادر منها بالحبس على شرط سداد كفالة مالية تقدرها ويلزم المتهم بسدادها، وبوقف التنفيذ فى هذه الحالة مؤقتاً أثناء الميعاد المقرر للاستئناف وأثناء نظر الاستئناف الذى يرفع فى المدة المذكورة وهذا هو وقف التنفيذ المؤقت الذى قضى به حكم أول درجة سالف البيان. والذى يختلف عن وقف التنفيذ المنصوص عليه بالمادتين (55، 56) من قانون العقوبات والذى يكون محله الأحكام النهائية . فيما قضى به من عقوبات أصلية أو تبعية وذلك وفقاً للشروط والأوضاع المقررة بنص هاتين المادتين وأولهما اشتراط أن لا تزيد مدة العقوبة المقضى بإيقاف تنفيذها عن سنة ، ويصدر الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذى يصبح فيه الحكم نهائياً.

وحيث إنه بالبناء على ما تقدم وكانت محكمة الجنح المستأنف قد أصدرت حكمها ببطلان الحكم المستأنف والتصدى لموضوع الدعوى من جديد بعد تعديل الاتهام بإضافة الفقرة الثانية من المادة (375) مكرر من قانون العقوبات. إلى مادة الاتهام ونبه المتهم لذلك باعتبار أنها المادة الواجبة التطبيق على واقعة النزاع، وهو النص الذى انصب عليه حكم الإحالة الصادر من محكمة الموضوع، والذى تتوافر المصلحة الشخصية المباشرة فى الطعن عليه لما للقضاء فى المسألة المتعلقة بمدى دستوريته من أثر وانعكاس على الدعوى الموضوعية . وقضاء محكمة الموضوع فيها، كما يمتد نطاق الدعوى الراهنة والمصلحة فيها ليشمل نص الفقرة الأولى من المادة (375) مكرر لارتباطها بنص الفقرة الثانية الطعينة ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة ، بحكم الإحالة الواردة فى نص هذه الفقرة على الفقرة الأولى سالفة الذكر فى بيان الفعل أو التهديد محل التأثيم المقرر بها.

وحيث إنه من المقرر - وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - أن التحقق من استيفاء النصوص القانونية لأوضاعها الشكلية يعتبر أمراً سابقاً بالضرورة على الخوض فى عيوبها الموضوعية ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص القانونية هى من مقوماتها، لا تقوم إلا بها ولا يكتمل بنيانها أصلاً فى غيابها، وبالتالى تفقد بتخلفها وجودها كقاعدة قانونية تتوافر لها خاصية الإلزام، ولا كذلك عيوبها الموضوعية ، إذ يفترض بحثها - ومناطها مخالفة النصوص القانونية المطعون عليها لقاعدة فى الدستور من زاوية محتواها أو مضمونها - أن تكون هذه النصوص مستوفية لأوضاعها الشكلية ، ذلك أن المطاعن الشكلية - وبالنظر إلى طبيعتها - لا يتصور أن يكون تحريها وقوفاً على حقيقتها، تالياً للنظر فى المطاعن الموضوعية ، ولكنها تتقدمها ويتعين على المحكمة الدستورية العليا أن تتقصاها - من تلقاء نفسها- بلوغاً لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها من حصراً فى المطاعن الموضوعية دون سواها، منصرفاً إليها وحدها، ولا يحدد قضاء هذه المحكمة برفض المطاعن الشكلية دون إثارة مناع موضوعية يدعى قيامها بهذه النصوص ذاتها، ذلك خلافاً للطعون الموضوعية ، ومن ثم يكون الفصل فى التعارض المدعى به بين نص قانونى ومضمون قاعدة فى الدستور، بمثابة قضاء ضمنى باستيفاء النص المطعون فيه للأوضاع الشكلية التى يتطلبها الدستور فيه ومانعاً من العودة لبحثها.

وحيث إن المادة (195) من الدستور تنص على أن :-

" يؤخذ رأى مجلس الشورى فيما يلى :

1-  .......   2- مشروعات القوانين المكملة للدستور.

3-.......    4-........       5-......

6-.......

ويبلغ المجلس رأيه فى هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس الشعب" ومؤدى ذلك - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن عرض مشروعات هذه القوانين على مجلس الشورى ليقول كلمته فيها لا يكون إلا وجوبياً، فلا فكاك منه ولا محيص عنه، ولا يسوغ التفريط فيه أو إغفاله، وإلا تقوض بنيان القانون برمته من أساسه، فإذا تحققت المحكمة من تخلف هذا الإجراء، تعين إسقاط القانون المشوب بذلك العوار الشكلى بكامل النصوص التى تضمنها، ولبات لغواً - بعدئذ- التعرض لبحث اتفاق بعضها مع الأحكام الموضوعية للدستور أو منافاتها لها.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن ثمة شرطين يتعين إجتماعهما معاً لاعتبار مشروع قانون معين مكملاً للدستور:

(أولهما): أن يكون الدستور ابتداء قد نص صراحة فى مسألة بعينها على أن يكون تنظيمها بقانون أو وفقاً لقانون أو فى الحدود التى بينها القانون أو طبقاً للأوضاع التى يقررها، فإن هو فعل، دَل ذلك على أن هذا التنظيم بلغ فى تقديره درجة من الأهيمة والثقل لا يجوز معها أن يعهد به إلى أداة أدنى .

(ثانيهما): أن يكون هذا التنظيم متصلاً بقاعدة كلية مما جرت الوثائق الدستورية على إحتوائها وإدراجها تحت نصوصها، وتلك هى القواعد الدستورية بتطبيقها التى لا تخلو منها فى الأعم أى وثيقة دستورية ، والتى يتعين كى يكون التنظيم التشريعى مكملاً لها أن يكون محدداً لمضمونها مفصلاً لحكمها مبيناً لحدودها، بما مؤداه: أن الشرط الأول وإن كان لازماً كأمر مبدئى يتعين التحقق من توافره قبل الفصل فى أى نزاع حول ما إذا كان مشروع القانون المعروض يعد أو لا يعد مكملاً للدستور، إلا أنه ليس الشرط الوحيد، بل يتعين لاعتبار المشروع كذلك أن يقوم الشرطان معاً متضافرين استبعاداً لكل مشروع قانون لا تربطه أية صلة بالقواعد الدستورية الأصلية ، بل يكون غريباً عنها مقحماً عليها. واجتماع هذين الشرطين مؤداه: أن معيار تحديد القوانين المكملة للدستور، والتى يتعين أن يؤخذ فيها رأى مجلس الشورى قبل تقديمها إلى السلطة التشريعية لا يجوز أن يكون شكلياً صرفاً، ولا موضوعياً بحتاً، بل قوامه مزاوجة بين ملامح شكلية ، وما ينبغى أن يتصل بها من العناصر الموضوعية ، وعلى النحو المتقدم بيانه.

وحيث إنه متى كان ما تقدم وكان القانون المطعون فيه قد انصرف حكمه إلى إنشاء الجريمة المشار إليها - وحدد أركانها والعقوبة المقرر جزاء إثباتها لتوقعها المحكمة التى اختصها بنظرها على مقترفها - ومن ثم فإن النص الطعين يكون متعلقاً بالعديد من الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور أخصها الحرية الشخصية ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات فضلاً عن تنظيم القانون الطعين لضوابط توقيع العقوبات الأصلية فيها والنصية وسلطة المحكمة فى هذا الشأن وهو الأمر وثيق الصلة بولاية القضاء والحق فى التقاضى ، والتى تدخل جميعها ضمن المسائل التى تتصف بالطبيعة الدستورية الخالصة والتى حرصت الدساتير المصرية المتعاقبة على تفويض القانون فى تنظيمها وهو ما تناوله الدستور الحالى الصادر سنة 1971 فى المواد (66، 67، 68، 165، 167) ومن ثم فإنه يكون قد توافر فى القانون الطعين العنصران اللازمان لاعتباره من القوانين المكملة للدستور وإذا كان البين من كتاب أمين عام مجلس الشورى رقم 73 بتاريخ 18/5/2005 المرفق بالأوراق أن هذا القانون - بوصفه كذلك - لم يعرض مشروعه على مجلس الشورى لأخذ رأيه فيه، فإنه يكون مشوباً بمخالفة نص المادة (195) من الدستور.

وحيث إنه لما كان ما تقدم وكان العيب الدستورى المشار إليه قد شمل القانون رقم 6 لسنة 1998 الذى صدر بإضافة الباب السادس عشر إلى قانون العقوبات بعنوان (الترويع والتخويف) (البطلجة ) وتضمن هذا الباب المادتين (375) مكرر، (375) مكرر (1) ونشر هذا القانون بالجريدة الرسمية بالعدد (8) تابع فى 19/2/1998وبدأ العمل به فى 20/8/1998، فإن القضاء بعدم دستوريته برمته يكون متعيناً، وذلك دون حاجة إلى الخوض فيما قد يتصل ببعض نصوصه من عوار دستورى موضوعى .

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية القانون رقم 6 لسنة 1998 بإضافة باب جديد إلى أبواب الكتاب الثالث من قانون العقوبات.

شرح خبراء القانون

ملحوظة 1 : بموجب قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 وقرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية رقم 174 لسنة 2021 في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 24 /7 /2021، وبتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون المشار إليه فقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 المنشور في الجريدة الرسمية العدد 28 (مكرر) في 18 يوليو 2021 والذي تضمن إحالة الجريمة موضوع هذا النص إلى محاكم أمن الدولة طوارئ وذلك خلال فترة سريان قرار رئيس الجمهورية بمد حالة الطوارئ .

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها .

عناصر الركن المادي:

يقوم الركن المادي في هذه الجريمة على عنصرين: الأول: سلوك إجرامي ، الثاني ، طبيعة خاصة لهذا السلوك .

أولاً : السلوك الإجرامي :

وصف القانون سلوك الجاني في هذه الجريمة بأنه استعراض القوة أي إظهارها وإبراز مظاهرها أو التلويح بالعنف أي التهديد غير المباشر به أو التهديد المباشر باستعمال القوة أو العنف سواء ضد المجني عليه أو ضد زوجه أو أحد أصوله أو فروعه ويستوي في الفعل أن يقوم الجاني بنفسه باستعراض القوة أو أن يفعل ذلك بواسطة غيره .

 ثانياً : طبيعة خاصة للسلوك الإجرامي :

يشترط القانون لوقوع الجريمة أن يكون من شأن الفعل أي من طبيعته بحسب السير العادي للأمور أن يلقى الرعب في نفس المجني عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره.

ويلاحظ أن الجريمة تقع إذا كان من طبيعة الفعل أن يحقق الترويع أو أي أمر من الأمور السابق بيانها ولو لم يتحقق هذا الرعب فعلاً في نفس المجني عليه .

الركن المعنوي:

القصد الجنائي:

جريمة الترويع والتخويف جريمة عمدية تتطلب لوقوعها توافر قصد عام وقصد خاص .

القصد العام:

يقوم القصد العام على العلم والإرادة فيجب أن يكون الجاني عالماً بأن من شأن فعله أن يحقق ترويع المجنى عليه أو تخويفه أو المساس بطمأنينته وسكينته كما يجب أن تتجه إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة وهو الفعل الذي يقوم به لاستعراض قوته أو للتلويح بالعنف أو التهديد بأيهما  ويجب أن تكون هذه الإرادة معتبرة قانوناً بأن تكون مميزة ومدركة ومختارة فإذا أكره شخص على ارتكاب فعل الترويع إنتفى القصد الجنائي في هذه الجريمة .

القصد الخاص

لا يكفي أن يتوافر القصد العام لوقوع هذه الجريمة، وإن كان يمكن أن تتحقق به جريمة أخرى مثل جريمة التهديد وإنما يجب لوقوع جريمة الترويع والتخويف أن يتوافر إلى جانب القصد العام قصد خاص يتمثل في إرادة الجاني تخويف المجني عليه بإلحاق الأذى المادي أو المعنوي به أو الإضرار بممتلكاته أو سلب ماله أو الحصول على منفعة منه أو التأثير في إرادته أو إرغامه على القيام بعمل أو بالامتناع عنه أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو الأحكام أو الإجراءات القضائية واجبة التنفيذ أو مقاومة السلطة أو تكدير الأمن والسكينة العامة.

 تشديد عقوبة الجريمة التي تقع بناء على ارتكاب جريمة الترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة :

شدد المشرع في المادة 375 مكررا (أ) المضافة بالمرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011 عقوبة أية جريمة تقع بناء على ارتكاب جريمة الترويع والتخويف وميز في ذلك بين عدة حالات:

أولاً: إذا وقعت بناء على جريمة الترويع والتخويف جنحة يضاعف كل من الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة المقررة لهذه الجنحة .

ثانياً: إذا وقعت بناء على الجريمة المذكورة جناية يرفع الحد الأقصى لعقوبتي السجن والسجن المشدد إلى عشرين سنة .

ثالثاً: إذا وقعت بناء على هذه الجريمة جناية الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة المفضي إلى الموت المنصوص عليها في المادة 236 من قانون العقوبات تكون العقوبة السجن المشدد أو السجن فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد .

رابعاً: إذا تقدمت هذه الجريمة (الترويع والتخويف) أو اقترنت بها أو ارتبطت بها أو تلتها جناية القتل العمد المنصوص عليها في المادة 234 من قانون العقوبات تكون العقوبة الإعدام وهذا التشديد يتطلب أن تكون الجريمتان قد ارتكبتا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن .

العقوبة التكميلية

يقضي في جميع هذه الحالات بوضع المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه بحيث لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنين .(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:  562)

 

مضاعفة الحدين الأدنى والأقصى :

عملاً بنص الفقرة الأولى محل التعليق يضاعف كل من الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة المقررة لأية جنحة أخرى تقع بناء على ارتكاب الجريمة المنصوص عليها بالمادة السابقة أي بالمادة 375 مكرراً أي إذا ارتكبت الجنحة الأخرى في ظروف يتوافر فيها الترويع والتخويف أي البلطجة وإذا أغفلت النيابة العامة تكييف التهمة على هذا الأساس ورأت المحكمة من ظروف الدعوى إنطباق هذا الوصف عليها كان عليها أن تنبه المتهم إلى تكييفها الجديد للتهمة واعطائه الفرق حتى يتسنى له إعداد دفاعه بناء على هذا التكييف.

كما يرفع الحد الأقصى لعقوبتي السجن السجن المشدد إلى عشرين سنة لأية جناية أخرى تقع بناء على ارتكابها.

جريمة الجرح أو الضرب المفضي إلى الموت (م 236 من قانون العقوبات).

تنص المادة 236 من قانون العقوبات "كل من جرح أو ضرب أحداً أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلاً لكنه أفضى إلى الموت يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع.

وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد فتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن.

وتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد".

وإعمالاً نص الفقرة الثانية من المادة 375 مكررا (أ) من القانون رقم 6 السنة 1998 تكون العقوبة السجن المشدد أو السجن إذا ارتكبت جناية الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة المفضي إلى موت المنصوص عليها في المادة (336) بناء على ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة السابقة وهي المادة 375 مکرراً الخاصة بالبلطجة فإذا كانت مسبوقه بإصرار أو ترصد تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد.

القتل العمد :

وعملاً بنص الفقرة الثالثة من المادة 375 مكرراً (أ) والمضافة بالقانون رقم 6 لسنة 1998 تكون العقوبة الإعدام إذا تقدمت الجريمة المنصوص عليها في المادة السابقة أو اقترنت أو ارتبطت بها أوتلتها جناية القتل العمد المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (234).

ويلاحظ أنه عملاً بنص الفقرة الأخيرة من المادة محل التعليق فإنه يقضي في جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه بحيث لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنين. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة : 764 )

إذا حدث بعد ارتكاب جنحة الترويع أو التخويف أن ارتكبت جنحة سرقة مثلاً ضوعفت كل من الحدين الأدنى والأقصى لعقوبة هذه السرقة.

وإذا حدث بعد ارتكاب تلك الجنحة أن وقعت جناية هتك عرض للمجني عليه مثلاً رفع الحد الأقصى لعقوبتي السجن أو السجن المشدد إلى عشرين سنة.

وإذا ارتكبت بعد جنحة البلطجة جناية جرح أو ضرب أو إعطاء مواد ضارة أفضى إلى الموت (236) عوقب عليها بالسجن المشدد أو السجن فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد عوقب عليها بالسجن المؤبد أو المشدد وإذا تقدمت جريمة البلطجة أو اقترنت أو ارتبطت بها أو تلتها جناية القتل العمد (م 234 ع) كانت العقوبة الإعدام.

على أنه يلاحظ أن الجريمة المادية التي يشدد العقاب عليها على الوجه المتقدم يلزم أن تكون قد ارتكبت بناء على جريمة البلطجة كما يتطلب صريح النص بأن تكون بين الجريمتين صلة السببية.

عقوبة تكميلية وجوبية:

يقضي في جميع الأحوال فضلاً عن عقوبة الجريمة المادية الراجعة إلى جنحة البلطجية كجريمة شكلية بوضع المحكوم عليه في تلك الجريمة بعقوبة مقيدة للحرية (ويراد بها عقوبة سالبة للحرية) تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه بحيث لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنين. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع،الصفحة : 897 )

 

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 77 ، 78 ، 79 .

 

الباب الثاني 

حد الحرابة 

 

(مادة 100)

يعد محارباً كل من ارتكب جريمة ضد النفس أو العرض أو المال أو إرهاب المارة، سواء وقع الفعل في طريق عام، أو في أي مكان داخل العمران، مع اجتماع الشروط الآتية: 

(أ) أن يقع الفعل من شخصين فأكثر، أو من شخص واحد، متى توافرت له القدرة 

على ارتكاب الجريمة.

(ب) أن يقع الفعل باستعمال السلاح، أو أية أداة صالحة للإيذاء أو بالتهديد بأي منها. (ج) أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً غير مضطر. 

(د) أن يكون الجاني قد باشر ارتكاب الجريمة بنفسه، أو اشترك فيها بالتسبب أو 

المعاونة، بشرط أن تقع الجريمة بناءً على هذا الاشتراك. 

(مادة 101) 

يعاقب المحارب حداً بالعقوبات الآتية:

(أ) بالإعدام إذا قتل نفساً عمداً، سواء استولى على مال أو لم يستول عليه. 

(ب) بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو السجن، إذا اعتدى على المال أو العرض 

أو الجسم، ولم يبلغ القتل أو الزنا.

(ج) بالسجن إذا أخاف السبيل فقط. 

(مادة 102) 

لا يجوز إبدال العقوبات المبينة في المادة السابقة، ولا العفو عنها. 

(مادة 103) 

يعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون آخر. 

(مادة 104) 

يسقط الحد المبين في المادة (101) من هذا القانون، إذا ترك الجاني تائبا باختياره ما هو عليه من الحرابة قبل القدرة عليه، وذلك بإحدى الطريقتين الآتيتين: 

(أ) إذا ترك فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وبشخص مرتكبها، بشرط إعلان توبته إلى سلطات الأمن أو النيابة العامة بأية وسيلة كانت. 

(ب) إذا سلم نفسه تائباً بعد علم السلطات بالجريمة، وقبل القبض عليه.

ولا يخل سقوط الحد بالتوبة بحقوق المجني عليهم من قصاص، أو دية، أو رد المال. 

كما لا يخل بالعقوبات التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً. 

(مادة 105)

إذا تحققت النيابة العامة من توبة الجاني وفقاً لأحكام المادة السابقة - أمرت بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى. 

(مادة 106) 

إذا لم يكن الجاني بالغاً بالأمارات الطبيعية وقت ارتكاب الجريمة - يعزر على الوجه الآتي: 

(أ) إذا كان قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه إلى أحد والديه أو إلى ولي نفسه، أو بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة في القانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

(ب) إذا أتم الثانية عشرة، ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.

(ج) إذا أتم الخامسة عشرة، ولم يتم الثامنة عشرة، يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات. 

(مادة 107) 

إثبات جريمة الحرابة المعاقب عليها حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين 

الآتيتين: 

الأولى: إقرار الجاني قولا أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غير منهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها. 

الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين، غير متهمين في شهادتها، 

مبصرین قادرين على التعبير قولاً أو كتابة، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها. 

وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة.

ويفترض في الشاهد العدالة ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة . 

ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة، لا نقلاً عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها.

ولا يعد المجني عليه شاهدا إلا إذا شهد لغيره. 

(مادة 108)

يجوز للجاني العدول عن إقراره إلى ما قبل الحكم النهائي من محكمة الجنايات، وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتاً إلا بالإقرار. 

(مادة 109)

إذا سقط الحد لعدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المادة (107) من هذا القانون، أو لعدول الجاني عن إقراره طبقاً للمادة (108)، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به - تطبق العقوبات التعزيرية الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً، وذلك متى ثبت للقاضي وقوعها بأدلة أو قرائن أخرى. 

(مادة 110)

إذا عاد الجاني الذي نفذت عليه عقوبة القطع في جريمة الحرابة إلى ارتكاب فعل من أفعال الحرابة يوجب حد الإعدام، وقعت عليه هذه العقوبة، فإذا ارتكب من أفعال الحرابة ما يوجب توقيع عقوبة أخرى، يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن سبع سنوات. 

فإذا تكرر العود، تكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات. 

(مادة 111) 

يجوز للجاني العائد طبقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة السابقة بعد انقضاء ثلاث سنوات هجرية على سجنه - أن يتقدم بطلب إلى النيابة العامة يعلن فيه توبته عن جريمة الحرابة، وعلى النيابة أن تحيل الطلب بعد تحقيقه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم. 

وتحكم المحكمة بالإفراج عن الجاني إذا ثبتت لها توبته، ويجوز لها أن تأمر بوضعه تحت مراقبة الشرطة لمدة لا تزيد عن باقي العقوبة المحكوم بها. 

وإذا رفضت المحكمة الطلب، فلا يجوز تجديده قبل انقضاء سنة هجرية على الأقل 

من تاريخ الحكم برفضه. 

(مادة 112)

إذا رأت النيابة العامة بعد انتهاء التحقيق توافر أركان الجريمة الحدية ودليلها الشرعي - أصدر رئيس النيابة أو من يقوم مقامه أمرا بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة. 

(مادة 113) 

لا تسري على جريمة الحرابة الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، بشأن انقضاء الدعوى الجنائية، أو سقوط العقوبة بمضي المدة. 

(مادة 114)

تعتبر عقوبة قطع اليد والرجل من خلاف سابقة في الترتيب على العقوبات المبينة في المادة (72) من هذا القانون. 

وفي جميع الأحوال تجب هذه العقوبة باقي العقوبات السالبة للحرية الواردة في هذا القانون، إذا كانت عن جرائم وقعت قبل الحكم بعقوبة الحد. 

(مادة 115)

تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى للمحكوم عليه ولو كانت شلاء أو مقطوعة الإبهام أو الأصابع إذا لم يخش عليه من الهلاك في حالة الشلل. 

ويمتنع القطع في الحالات الآتية:

(أ) إذا كانت يده اليسرى مقطوعة أو شلاء، أو مقطوعة الإبهام أو إصبعين غير الإبهام. 

(ب) إذا كانت رجله اليمنى مقطوعة أو شلاء، أو بها عرج يمنع المشي عليها.

(ج) إذا ذهبت يده اليمنى ورجله اليسرى لسبب وقع بعد ارتكابه جريمة الحرابة. 
وإذا امتنع القطع يستبدل به السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وفي هذه الحالة يعرض رئيس النيابة أو من يقوم مقامه الأمر على المحكمة التي أصدرت الحكم؛ للقضاء بعقوبة السجن بعد التحقق من امتناع القطع للأسباب المبينة بالفقرة السابقة. 

حد الحرابة 

تعتبر الحرابة - أو قطع الطريق - من أخطر الجرائم على أمن المجتمع؛ لما فيها من خروج على سلطان الدولة، وترويع للآمنين من مواطنيها، واعتداء على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم، لذلك واجهت الشريعة الغراء هذه الجريمة بأشد العقوبات؛ ردعا للجناة وإرهاباً لنفوسهم، وتأميناً لسلامة المجتمع، ومحافظة على أمنه واستقراره. 

والأصل في جريمة الحرابة قول الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الآيتان (33)، (34) من سورة المائدة. 

ومن الأحاديث النبوية ما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا » 

وقد التزم المشروع في تقنين جريمة الحرابة أحكام الفقه الإسلامي دون التقيد بمذهب معين، مؤثراً عند الخلاف الرأي الذي قدر أنه أوفي بالمصلحة، وأكثر مسايرة لتطور المجتمع. 

مادة (100): 

يعد محارباً كل من ارتكب جريمة ضد النفس أو المال أو إرهاب المارة، سواء وقع الفعل في طريق عام، أو في مكان داخل العمران، مع اجتماع الشروط الآتية: 

(أ) أن يقع الفعل من شخصين فأكثر، أو من شخص واحد، متى توافرت له القدرة على ارتكاب الجريمة. 

(ب) أن يقع الفعل باستعمال السلاح، أو أية أداة صالحة للإيذاء، أو بالتهديد بأي منهما. 

(ج) أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً غير مضطر. 

(د) أن يكون الجاني قد باشر ارتكاب الجريمة بنفسه، أو اشترك فيها بالتسبب أو المعاونة بشرط أن تقع الجريمة بناء على هذا الاشتراك. 

الإيضاح 

الجريمة وشروطها: 

استهل المشروع أحكامه بتعريف لهذه الجريمة بين فيه الحالات التي يعتبر فيها الجاني مرتكباً لجريمة الحرابة، وأوضح شروطها، وأولها: أن تقع في طريق عام، وقد اتفق الفقهاء على ذلك فيما عدا الإمام مالك وأهل الظاهر، الذين يوسعون معنى الحرابة حتى تشمل كل الأماكن حتى الدار إذا دخل الجاني مسلحاً ومعه قوة، كما اختلف الفقهاء في مكان الطريق، وهل ينبغي أن يكون خارج العمران؟ أم تقع الحرابة ولو كان الطريق داخل المدينة. فقال أبو حنيفة ومحمد: إن العمل المكون للجريمة يعتبر حرابة، إذا حصل خارج المصر أي خارج العمران. أما داخل العمران فلا يكون حرابة ولا قطعاً للطريق، لإمكان الغوث غالباً داخل العمران. (البدائع، الجزء السابع ص 92 ، شرح فتح القدير، ج 4 / ص 275). وأخذ بهذا الرأي أكثر فقهاء الشيعة. وحجة هذا الرأي أن قطع الطريق يقتضي الانقطاع عن الناس وعن قوة الدولة، والطريق لا ينقطع فيه المرور أو يمكن قطعه على المارين إلا خارج الأمصار والقرى، وجدير بالذكر أن هذا الرأي هو الذي أخذ به الفقه الحديث في القوانين الوضعية، حيث يجمع فقهاء القانون الجنائي في جريمة السرقة بإكراه في الطريق العام، على أن المقصود بالتجريم هو حماية الطرق التي تقع خارج المدن، وتصل بين مواقع العمران، وذلك لقلة المرور فيها، وحاجتها إلى التأمين والحماية. 

وذهب أبو يوسف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (مواهب الجليل، ج 6 / ص 314 ، مغني المحتاج، ج 4 / ص 180 ، المغني، ج 10/ ص 303). إلى أن قطع الطريق يتحقق داخل العمران أو خارجه، إذ العبرة فيه بإمكان الغوث لا بموقع الطريق (البحر الرائق، الجزء الخامس ص 66، والبدائع، الجزء السابع ص 92). 

وقد أخذ المشروع باعتبار الفعل حرابة، سواء وقع في طريق عام، أو في مكان داخل العمران. 

كما وقع الخلاف بين الفقهاء فيما إذا كان يشترط في جريمة الحرابة تعدد الجناة، أم تتحقق الجريمة ولو وقعت من شخص واحد ؛ فذهب رأي إلى أنه يشترط التعدد؛ لأن المحاربين هم الذين يجتمعون في قوة وشوكة يحمي بعضهم بعضاً ، وتكون لهم القدرة على إخافة الناس وإثارة القلق والفزع بينهم. وذهب أبو حنيفة وبعض فقهاء الشافعية إلى جواز وقوع الجريمة من جماعة أو من شخص واحد، متى كانت له قوة القطع (ابن عابدین، جزء 3 ص 293 ، والبدائع، جزء 7 ص 10). وبهذا الرأي أخذ المشروع؛ نظراً لتطور الأسلحة الحديثة وشدة فتكها، وإمكان استخدامها من شخص واحد، بحيث تكون له القدرة بمفرده على ارتكاب الجريمة، والتغلب على عديد من الناس. 

كما تناولت الفقرة (ج) من هذه المادة الشروط الواجب توافرها في المحارب الذي يقام عليه الحد وأولها العقل والبلوغ، وهما شرطان لا خلاف عليها؛ لأنها أساس التكليف. ثم يأتي بعد ذلك الاختيار؛ لأن المكره لا إرادة له، ولا حد عليه باتفاق الفقهاء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». (مواهب الجليل) جزءاً ص312 ، وحاشية الدسوقي جزء ص340، وبدائع الصنائع، جزء 7 ص 176، والمغني جزء 8 ص 260 ، ومغني المحتاج، جزء 4 ص 174). 

کا اشترط المشروع في الجاني عدم الاضطرار، فإذا كان الجاني مضطراً للحرابة لدفع الهلاك عن نفسه بأخذ مأكل أو ملبس أو ما أشبه - سقط عنه الحد والتعزير جميعاً ؛ لقوله تعالى: ومن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا قطع في مجاعة مضطر». كما أسقط عمر بن الخطاب الله عنه الحد في عام المجاعة. 

وقد اختلف الفقهاء في تحقيق الحرابة من المرأة، فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أن الحرابة لا تتحقق من المرأة، وأنه يشترط في المحارب الذكورة: «البدائع جزء 7 ص 91). وذهب مالك، والشافعي، وأحمد، والزيدية، وأهل الظاهر إلى أن المرأة والرجل سواء يؤخذون بالحد جميعا؛ لأن النص عام. مواهب الجليل جزء 6 ص 313 - والمدونة جزء 16 ص 102 وحاشية الدسوقي جزء 4 ص 348 ، ومغني المحتاج جزء 4 ص 180) وقد أخذ المشروع برأي الجمهور فلم يشترط الذكورة في المحارب. 

کما اختلف الفقهاء في اشتراط وجود سلاح مع الجاني فذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يشترط السلاح ويكفي أن يعتمد المحارب على قوته الجسدية. مواهب الجليل ج6/ ص 314، أسنى المطالب، ج 4 / ص 154). وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى أنه يجب أن يكون للجاني قوة القطع بسلاح أو غيره مما في حكمه کالعصا والحجر والخشب ونحوها (بدائع الصنائع، ج ۷ ص ۹۰، المبسوط، ج ۹ ص ۱۹۸، والمغني، ج ۱۰/ ص ۳۰۶). 

وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير. 

وقد وقع الخلاف فيما إذا كان يشترط لتوقيع حد الحرابة أن يبلغ المال المأخوذ نصاباً معيناً أو أن يكون في حرز مثله. فذهب الحنفية والشافعية إلى اشتراط النصاب والحرز الإيقاع الحد (شرح فتح القدير، جزء 4 ص 269 ، والمبسوط، جزء 9 ص 200) وذهب مالك إلى عدم اشتراط ذلك، على أساس أن العقوبة إنها توقع على المحاربة لله ورسوله دون نظر إلى قدر المال وحرزه. ( مواهب الجليل، جزء 6 ص 314 ، وحاشية الدسوقي، جزء 4 ص 348 ، والمدونة جزء 16 ص 100). ولذات العلة يرى مالك، وأهل الظاهر عدم سقوط حد الحرابة ليكون بعض الجناة من ذوي الأرحام لأن العقوبة لحق الله، لحماية أمن الأمة ولا ينظر فيها إلى الآحاد، وإنما ينظر فيها إلى الاعتداء على محارم الله تعالى المغني ج 10 / ص 318 . وقد أخذ المشروع في هذا الصدد برأي مالك فلم يشترط النصاب أو الحرز، ولم يسقط الحد عن ذوي الأرحام استناداً إلى أن المقصود بالحد في الحرابة هو خطورة الفعل في ذاته، وما ينطوي عليه من اعتداء على أمن الجماعة، والسعي في الأرض فساداً بغض النظر عن المال موضوع الجريمة، أو أشخاص آخذيه. 

الاشتراك في الجريمة: 

الأصل في القانون الوضعي هو التسوية في التأثيم والعقاب بين الفاعل الأصلي الذي يباشر الجريمة بنفسه، وبين الشريك الذي يساهم في ارتكابها بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة. أما في الفقه الإسلامي فهناك خلاف في الرأي: ذهب الشافعي إلى أنه لا يعتبر محارباً إلا من باشر فعل الحرابة بنفسه، أما المتسبب فيه أو المعين عليه فلا يعد محارباً ، ولو كان حاضراً وقت المباشرة فيكتفى بتعزیره ؛ إذ الحد لا يجب إلا بارتكاب المعصية التي تستوجبه الأحكام السلطانية للماوردي، ص 59 و 61، ونهاية المحتاج جزء 7 ص 164، والمغني جزء 10 ص 318). 

وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن كل من ساهم في أفعال الحرابة يعتبر محارباً وتوقع عليه ذات العقوبة، سواء كان شریكاً بالمباشرة أو متسبباً في الجريمة (محرضاً) أو معيناً عليها. واستندوا في ذلك إلى أن المحاربة على خلاف غيرها من الحدود - تقوم على التكاليف والمعاضدة والمناصرة، وأن دور الردء والمعين فيها لا يقل أهمية عن دور المباشر، إذ لا يتمكن المباشر من ارتكابها في الغالب إلا بقوة المعين وشوكته (المدونة جزء 16 ص100 ، وشرح الزرقاني جزء 8 ص 110 ، والبدائع جزء 7 ص 91 ، وشرح فتح القدير جزء 4 ص 271 ، والمغني جزء 10 ص 319). 

وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير، فنص في البند (د) من المادة (100) على أنه يشترط في الجاني أن يكون قد باشر الجريمة بنفسه، أو اشترك فيها بالتسبب أو المعاونة، بشرط أن تقع الجريمة بناء على هذا الاشتراك». . 

مادة (101): يعاقب المحارب حدا بالعقوبات الآتية:

 (أ) بالإعدام إذا قتل نفسا عمدا، سواء استولى على مال، أو لم يستول عليه. 

(ب) بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو السجن، إذا اعتدى على المال أو العرض أو الجسم، ولم يبلغ القتل أو الزنا.

 (ج) بالسجن إذا أخاف السبيل فقط. 

الإيضاح 

العقوبة: 

اختلف الفقهاء فيما إذا كانت العقوبات الواردة في الآية الكريمة قد وردت على سبيل 

التخيير، أو على سبيل التنويع. 

فذهب رأي إلى أن هذه العقوبات قد وردت على سبيل التخيير، حيث عبرت الآية الكريمة بلفظه أو ، وهي في اللغة أداة تخيير، فيكون الإمام - بناء على ذلك مخيراً - في توقيع هذه العقوبات على من يرتكب فعل الحرابة غير مفيد بنوع الفعل المرتكب، وإنها يترك لتقديره فيوقع ما يراه مناسباً من العقوبات لظروف كل فعل، وممن رأى هذا الراي سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح، ومن الفقهاء مالك وأهل الظاهر. (شرح الخرشي، ج5/ ص 248 ، وحاشية الدسوقي، ج 4 / ص 349). 

وذهب رأي آخر إلى أن الآية الكريمة قد جعلت عقوبة لكل نوع من أفعال الحرابة،  وأن لفظ «أو» إنما يفيد تنوع العقاب بتنوع الفعل. وبهذا الرأي أخذ الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد في بعض الروايات. وحجة هذا الرأي أنه لا يمكن إجراء التخيير على ظاهره، بل لا بد أن تكون العقوبة متناسبة مع قدر الاعتداء، ويقول الكاساني في البدائع « إن قطع الطريق متنوع في ذاته، وإن كان متحداً من حيث الأصل، فقد يكون بأخذ المال وحده، وقد يكون بالقتل لا غير، وقد يكون بالجمع بين أمرين، وقد يكون بالتخويف لا غير، فكان سبب الوجوب مختلفاً ، فلا يحمل على التخيير بل على بيان الحكم لكل نوعه البدائع، جزء 7 ص 94، المبسوط، ج 9 ص 195، مغني المحتاج ج 4 / ص 182). 

ويستند هذا الرأي إلى ما روي عن ابن عباس في تفسير النص القرآني، من أنهم: « إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا؛ وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض». وقد روى الشافعي هذا الأثر في مسنده. 

وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير، فجعل العقاب قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو السجن، إذا اعتدى المحارب على المال أو العرض أو الجسم، ولم يبلغ الاعتداء القتل أو الزنا، ويعاقب المحارب بالسجن إذا أخاف السبيل فقط، وبالإعدام إذا قتل نفساً عمداً ، سواء استولى على مال أو لم يستول عليه (شرح فتح القدير، ج 4 / ص 268 ، المبسوط، ج 6 / ص 195 ، البدائع، ج 7 ص 93). كما اختار المشروع السجن في تطبيق عقوبة النفي أخذاً برأي الحنفية، الذين قالوا بأن النفي من الأرض لا يمكن أن يراد بحقيقته ؛ لأن الخروج من أرض الله مستحيل، فلا بد من المجاز الذي يتفق مع إرادة العقاب والزجر وكف الأذى عن المسلمين، وهو ما يتحقق بالحبس ( البدائع جزء 7 ص 95، و الجصاص أحكام القرآن، جزء 2 ص 412، وبداية المجتهد جزء 4 ص 456). 

 مادة (102): لا يجوز إبدال العقوبات المبينة في المادة السابقة ولا العفو عنها. 

الإيضاح 

ولما كانت حدود الله عقوبات مقدرة محددة لا مجال لتخفيضها، أو استبدال غيرها بها، أو وقفها، كما أنه لا عفو فيها ولا شفاعة - فقد حرص المشروع على تأكيد هذا المعنى في هذه المادة، فنص على أنه لا يجوز إبدال العقوبات الجدية في جريمة الحرابة، ولا العفو عنها. 

مادة (103): يعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون آخر. 

الإيضاح 

الشروع في الجريمة :

وإذا كانت جرائم الحدود هي أشد أنواع الجرائم في نظر الشارع الإسلامي - فقد نص المشروع في هذه المادة على اعتبارها جناية، ولما كان لا خلاف على أن الحد في الحرابة لا يجب إلا على الجريمة التامة، أما الشروع أو الجريمة غير التامة فلا حد عليها، وإنما يعزر الجاني إذا اشتمل فعله على معصية (المبسوط للسرخسي، ج 9 ص 199 ، والهداية، جزء 2 ص 98 ، و درر الأحكام، جزء 2 ص 85 ، ونهاية المحتاج، جزء 7 ص 162 ، والمغني، جزء 10 ص 313 و 314). فقد نص المشروع على أنه يعاقب على الشروع في الحرابة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون. 

مادة (104): يسقط الحد المبين في المادة (101) من هذا القانون، إذا ترك الجاني تائباً باختياره ما هو عليه من الحرابة قبل القدرة عليه، وذلك بإحدى الطريقتين الآتيتين: 

(أ) إذا ترك فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وبشخص مرتكبها، بشرط إعلان توبته إلى سلطات الأمن أو النيابة العامة بأية وسيلة كانت. 

(ب) إذا سلم نفسه تائباً بعد علم السلطات بالجريمة وقبل القبض عليه. 

ولا يخل سقوط الحد بالتوبة بحقوق المجني عليهم من قصاص أو دية أو رد المال. 

كما لا تخل بالعقوبات التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا کون الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً . 

الإيضاح  

سقوط الحد بالتوبة: 

ولما كان حد الحرابة يسقط بالتوبة عملاً بقوله تعالى: ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ). 

فقد عالج المشروع في المادة (104) سقوط الحد بتوبة الجاني. وقد فرض المشروع 

حالتين للتوبة، الأولى: أن يترك الجاني فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وبشخص مرتكبها، بشرط إعلان توبته لسلطات الأمن أو النيابة العامة بأي وسيلة كانت. والثانية: أن يسلم الجاني نفسه تائباً بعد اكتشاف الجريمة وقبل القبض عليه من السلطات. 

وفي كلا الحالتين لا يخل سقوط الحد بالتوبة بحقوق المجني عليهم من قصاص أو دية أو رد المال؛ لأنها من حقوق العباد، كما لا يخل بتوقيع العقوبات التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كان الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً » 

کا نصت المادة (105) من المشروع على أنه إذا تحققت النيابة من توبة الجاني وفقاً  لأحكام المادة السابقة - أمرت بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى. 

مادة (106): إذا لم يكن الجاني بالغا وقت ارتكاب الجريمة، يعزر على الوجه الآتي: 

(أ) إذا كان قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه لوالديه، أو لمن له حق الولاية على نفسه، أو إيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة في القانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

(ب) إذا أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. 

(ج) إذا أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة، يعاقب بالسجن من ثلاث إلى عشر سنوات. 

تعزير الصبي: 

يمر الإنسان وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بمرحلتين قبل أن يصل إلى البلوغ، الذي يفترض أنه قد اكتمل له فيه الإدراك والإرادة وأصبح مسئولاً عن أفعاله بصورة كاملة الأولى: مرحلة عدم التمييز، وهي من تاريخ الولادة حتى قبل إتمامه السابعة، وفيها لا يكون مسئولاً جنائياً. والثانية: وتبدأ من السابعة حتى البلوغ، وفيها يعزر على الجرائم التي يرتكبها بأوجه التعزير المناسبة لسنه، مع العمل على إصلاح شأنه ، وهو ما التزمه المشروع في المادة (106) عند تحديد عقوبات التعزير التي توقع على الصغير  . 

وإذا كانت سن البلوغ - حسبما تقضي المادة (31) من المشروع - هو بإتمام ثاني عشرة سنة هجرية، ما لم يثبت بلوغ الجاني قبل ذلك بالطريق الشرعي - فإنه إذا أثبت للمحكمة أنه قد ظهرت على الصبي أمارات البلوغ الطبيعية قبل تمام الثامنة عشرة - فتوقع عليه عقوبة الحد التي توقع على البالغ، متى توافرت شروط توقيعها. 

الإثبات: 

مادة (107): 

إثبات جريمة الحرابة المعاقب عليها حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين: 

الأولى: إقرار الجاني قولاً أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها. 

الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين، غير متهمين في شهادتها، مبصرین قادرين على التعبير قولاً أو كتابة، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها.  

وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة. 

ويفترض في الشاهد العدالة ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة، ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة، لا نقلاً عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها، ولا يعد المجني عليه شاهداً إلا إذا شهد لغيره. 

الإيضاح تثبت جريمة الحرابة بها تثبت به جرائم الحدود عامة، وقد أخذت الشريعة الغراء في إثبات جرائم الحدود بنظام الدليل المحدد، حتى لا يترك الأمر فيها المحض تقدير القاضي، والدليل الشرعي المقبول في جرائم الحدود هو الإقرار والشهادة، وهو ما التزمه المشروع في إثبات حد الحرابة. 

كما حرص المشروع على النص على أنه يكفي الإقرار مرة واحدة؛ نظراً لاختلاف الرأي فيما إذا كان ينبغي أن يتكرر الإقرار بمقدار عدد الشهود، أم يكفي الإقرار مرة واحدة، وقد أخذ المشروع في ذلك برأي الجمهور من أنه لا حاجة للتكرار إلا في حد الزنا، ولا يقاس عليه. «المبسوط، ج 9 ص 182 ، البدائع ج 7 ص 51 ، ابن عابدين جزء 2 ص 294». كما نص المشروع على أن تكون البينة بشهادة رجلين، وتثبت الجريمة عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة. 

شروط صحة الإقرار والشهادة: 

کا حرص المشروع على أن تضم نصوصه شروط صحة الإقرار والشهادة، دون إحالة في ذلك إلى كتب الفقه - کا جرت بعض التشريعات العربية -، وذلك التزاماً منه بمبدأ الشرعية الذي يقضي بأن يبين القانون الجنائي كل ما يتصل بالجريمة والعقوبة من أركان وشروط وأحكام، دون أن يكمل في ذلك بها يخرج عن نصوصه، هذا فضلاً عن مشقة الرجوع إلى كتب الفقه، وصعوبة تحديد الراجح بين المذاهب أو داخل المذهب الواحد. 

وقد تناولت المادة (107) من المشروع شروط صحة الإقرار، وهي أن يكون الجاني عاقلاً بالغاً مختاراً وقت الإقرار، غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً لا خفاء فيه، تفصح عبارته عن حقيقة المقصود به دون لبس أو غموض، وأن يكون منصباً على ارتكاب الجريمة بكل أركانها وشروطها «تبصرة الحكام، جزء 2 ص 40». 

کا نص المشروع في المادة (108) على جواز رجوع الجاني عن إقراره آخذاً برأي الجمهور. وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتاً إلا بالإقرار « شرح الخرشي، جزء 5 ص 344، حاشية الدسوقي، جزء 4 ص 345، مواهب الجليل، جزء 6 ص 312 ، وأسني المطالب، جزء 4 ص 150 ، والبدائع، جزء 7 ص 88 ، وفتح القدير، ج 4 / ص 258. 

ولا خلاف بين الفقهاء في اشتراط العدالة في الشاهد؛ لقوله سبحانه وتعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ)، ولقوله تعالى: (إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ). والمراد بالعدالة أن يجتنب الشخص الكبائر، ويتقي في الغالب الصغائر. ومن المتفق عليه أن مما يخل بالعدالة ارتكاب أفعال الفسق، والأفعال التي تنال من المروءة، أو تجرح الكرامة. «شرح الخرشي، ج5/ ص 177 ، ومواهب الجليل، ج 6 / ص 150 ، وشرح فتح القدیر، ج 4 / ص 407، وتبصرة الحكام، ج 1 / ص 217». 

وقد اختلف الفقهاء في ثبوت العدالة، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب على القاضي التحري عن عدالة الشهود، والتحقق من ثبوتها ولو لم يجرحهم المشهود عليه، لأن عدالة الشاهد شرط لازم للحكم بمقتضى شهادته « مواهب الجليل، ج 6 / ص 150 ، وأسنى المطالب ج 4 / ص 312 ، والمغني، ج 9 ص 165». 

وذهب أبو حنيفة إلى أنه يفترض في الشاهد العدالة ما لم يجرحه المشهود عليه قبل أداء الشهادة. واستثنى من ذلك الحدود والقصاص فإنه يسأل فيها عن الشهود وإن لم يجرحهم الخصم لأنه يحتال لإسقاطها فيشترط الاستقصاء فيها. (شرح فتح القدير ج4 ص 116، البدائع ج 6 / ص 270 ، المبسوط ج 9 ص 38). 

وذهب المالكية إلى أنه يكتفى بظاهر عدالة الشاهد ولا يسأل عنه، إلا إذا جرحه المشهود عليه؛ وذلك استنادا إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الناس عدول بعضهم على بعض، إلا محدودا في قذف». (حاشية الدسوقي، ج 4 / ص 319). 

وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع، فنص في المادة (107) الفقرة الثالثة على أنه «فترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة». وقد آثر المشروع هذا الرأي عملاً على سرعة البت في القضايا، ولصعوبة تحقيق صفة تتناول كل حياة الشاهد ولا تقتصر على وقائع محددة، وهو تحقيق قد يطول أمده، ويتعذر في أغلب الأحيان إجراؤه. ولذلك اعتبر المشروع أن الأصل في الشاهد العدالة، ما لم يثبت العكس بأن يجرحه المشهود عليه قبل أداء الشهادة بنسبة وقائع معينة محددة من شأنها أن تحل بعدالته، فإذا ثبت للقاضي من التحقيق صدق ادعائه، رد شهادة الشاهد لانتفاء العدالة. 

كما اشترط المشروع في الشاهد الإبصار والقدرة على التعبير قولاً أو كتابة، وإنما اشترط المشروع الإبصار رغم وقوع الخلاف عليه في الفقه؛ لأن جريمة الحرابة تقوم على الأفعال المرئية التي تقتضي تمييز الأشخاص والأفعال بالبصر. ويستند المشروع في ذلك إلى ما يراه الحنفية من اشتراط الإبصار في الشاهد عند التحمل وعند الأداء؛ لأن الشهادة تقتضي العلم بالواقعة وتمييزها بأوصافها الخاصة ومعرفة المشهود له والمشهود عليه « المبسوط، ج 16 / ص 129 ، وشرح فتح القدير، ج 6 / ص 29 » كما يستند المشروع كذلك إلى ما يراه الشافعية من عدم جواز شهادة الأعمى في الأفعال المرئية كالقتل والسرقة وقطع الطريق «المهذب، ج2/ ص 33، ومغني المحتاج، ج 4 / ص 44 » 

أما اشتراط القدرة علي التعبير قولاً أو كتابة، فقد أخذ المشروع فيه برأي المالكية من قبول شهادة الأخرس إذا استطاع أن يؤديها بالكتابة، ذلك أن الكتابة تستوي مع القول في إمكان التعبير عن الفكرة في وضوح. «حاشية الدسوقي، ج4/ ص167، شرح الخرشي ج5/ ص 179 ومواهب الجليل ج6 ص154،،. 

وإذا كان لا خلاف في الفقه حول قطعية الشهادة وصراحتها وورودها على كافة وقائع الجريمة وزمانها و مكانها، فقد اشترط المشروع في الفقرة الرابعة من المادة (107) لصحة الشهادة أن تكون صريحة الدلالة على وقوع الجريمة بالشروط المبينة في القانون، فلا يكفي أن يشهد الشاهد على بعض وقائع الجريمة وشروطها، ويشهد الآخر على باقيها بحيث تتكامل الشهادتان، بل ينبغي أن يشهد كل شاهد منها على كافة وقائع الجريمة وشروطها المبينة في القانون، أما إذا زاد عدد الشهود عن اثنين، فيكفي أن يتوفر نصاب الشهادة بالنسبة لكل واقعة على حدة، فيجوز أن يشهد شاهدان على واقعة، ويشهد آخران على واقعة أخرى، وتثبت الجريمة بشهادتهم جميعاً طالما اكتمل نصاب الشهادة بالنسبة لكل واقعة. 

كما أفسح المشروع للجاني مجال الرجوع في إقراره طوال مراحل نظر الدعوى، حتى صدور الحكم النهائي من محكمة الجنايات، إذ بهذا الحكم تخرج الدعوى من ولاية المحكمة. 

عدم اكتمال شروط الدليل الشرعي: 

عني المشروع بالنص في المادة (109) على أنه في حالة عدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المواد (107) من المشروع، أو لعدول الجاني عن إقراره طبقاً للمادة (108)، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به تطبق العقوبات التعزيرية الواردة في قانون العقوبات أو أي قانون آخر إذا كون الفعل جريمة معاقبا عليها قانوناً ، وذلك متى ثبت للقاضي ارتكابها بأي دليل أو قرينة أخرى، وذلك على أساس أن الإثبات في الحدود يعتبر ركناً موضوعياً في الجريمة الحدية، بحيث إذا لم يتوافر انتفت الجريمة لفقدان أحد أركانها، فإذا كون ذات الفعل المادي جريمة معاقباً عليها تعزيراً بمقتضى هذا القانون أو أي قانون آخر، وجب معاقبة الجاني عليها على أساس أنها تعتبر جريمة أخرى تختلف عن الجريمة الحدية في أركانها. إذ ينقصها ركن الإثبات وإن اتحدت مع الجريمة الحدية في باقي الأركان، ويكون إثباتها في هذه الحالة متروكاً المطلق تقدير القاضي الجنائي دون التقيد بدليل أو قرينة معينة تمشياً مع ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، من أن إثبات جرائم التعزير - خلافاً لجرائم الحدود والقصاص - لا يتقيد بطرق خاصة « الفتاوی الهندية، ج 2 ص 167». وهو ما يتفق مع مبدأ حرية الإثبات في المسائل الجنائية المعمول به في القانون الوضعي. 

العود: 

کا عالج المشروع في المادة (110) عود الجاني إلى ارتكاب الجريمة بعد توقيع الحد، عليه. وإذا كان الأصل في القوانين الوضعية هو تشديد العقاب في حالة العود؛ زيادة في ردع الجاني الذي لم تردعه عقوبة الجريمة الأولى - فإن الوضع يختلف بالنسبة للحدود، فالعقوبة الحدية لا يجوز تشدیدها مهما تكرر العود؛ ذلك أن الحدود عقوبات معينة محددة لا مجال للزيادة فيها أو النقص منها، ولا يحل للحاكم أو القاضي تجاوزها، وإلا كان متجاوزاً حدود الله، هذا أمر لا جدال فيه ولا خلاف عليه، وإنما وقع الخلاف في إمكان توقيع حد القطع في الجريمة التالية على الجاني العائد الذي سبق قطع يده اليمنى ورجله اليسرى، وهل تقطع باقي أطرافه، أو تستبدل بعقوبة القطع عقوبة أخرى؟ 

ذهب رأي إلى جواز تكرار القطع حتى تقطع كل أطرافه، وحجته خبر روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مضمونه أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في السرقة الثالثة والرابعة، كما يستدل هذا الرأي من القياس بأن الأطراف تقطع جميعها في القصاص لأجل حقوق العباد، فتقطع أيضاً إذا تكررت السرقة، ومن هذا الرأي مالك والشافعي. 

وذهب رأي آخر إلى أنه بعد قطع يده اليمنى ورجله اليسرى لا تقطع له يد ولا رجل، بل يحبس حتى تستبين توبته. وحجة هذا الرأي أن قطع شيء بعد اليد اليمنى والرجل اليسرى لا يمكن معه أن يقوم المقطوع بحاجاته، ويستند هذا الرأي إلى ما روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من أنه أتي برجل مقطوع اليد والرجل اليسرى، فقال لأصحابه ما ترون في هذا؟ قالوا: « اقطعه يا أمير المؤمنين». قال: « قتلته إذن، وما عليه القتل». ومن هذا الرأي الحسن البصري، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وأبو سفيان الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد بن حنبل. 

وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع؛ لأن فيه إبقاء على حياة الجاني، وحتى يستطيع أن ينال بنفسه المطالب الضرورية لحياته، وفي هذا الأساس جرى المشروع في المادة (110) على أنه إذا ارتكب العائد من أفعال الحرابة ما يستوجب الإعدام أو الإعدام والصلب - وقعت عليه هاتان العقوبتان، أما إذا اقتصر على ارتكاب ما يوجب حد القطع، فإنه لا قطع عليه، ويكتفى بعقوبة السجن. 

أما ما نصت عليه المادة (111) بشأن إجراءات التحقق من توبة العائد، فهي إجراءات تنظيمية قصد بها التثبت من حصول التوبة بالفعل، والاطمئنان إلى عدم عودة الفاعل للجريمة مرة أخرى، ولكن كانت التوبة في ذاتها أمراً مضمراً بين العبد وربه، إلا أنه لما كانت الأحكام لا تناط إلا بالمظاهر الخارجية الواضحة - فقد وضعت هذه الإجراءات التحقيق هذه الغاية. 

أحكام خاصة في القطع: 

وقد يحدث أحياناً أن تكون يد السارق اليمني ورجله اليسرى شلاء أو مقطوعة الإبهام أو الأصبع، وفي هذه الحالة اختلف الفقهاء في شأن القطع، فذهب الحنفية إلى أنها تقطع؛ لأنها لو كانت سليمة تقطع باتفاق، فالناقصة المعيبة أولى بالقطع « البدائع، ج 7/ ص 87». وبهذا الرأي أخذ المشروع في الفقرة الأولى من المادة (115).  

كما أن هناك حالات أخرى رأى الفقهاء ألا قطع فيها، وهي الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة. 

فبالنسبة للحالتين (أ)، (ب) أخذ فيهما المشروع بمذهب الحنفية؛ لأن القطع شرع للزجر لا للإهلاك «شرح فتح القدير، ج 4 / ص 250 ، المبسوط، ج 9 ص 168). 

أما بالنسبة للحالة (ج) فقد أخذ المشروع فيها برأي الجمهور الذي يرى أن القطع يسقط، ولا ينتقل الحد إلى عضو آخر «شرح الخرشي، ج5/ ص 345، حاشية الدسوقي ج 4 / ص 347 ، مواهب الجليل، ج 6 / ص 313 ، البدائع ج 7 ص 88 ، المغني ج 10/ ص 269 . 

على أن امتناع القطع في الحالات السابقة لا يعفي الجاني من عقوبة التعزير، ولذلك قضى المشروع في الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أن تستبدل بالقطع في هذه الحالات السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 231

مَحْكُومٌ عَلَيْهِ

التَّعْرِيفُ :

الْمَحْكُومُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْقَضَاءُ، وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ يُقَالُ: حَكَمْتُ عَلَيْهِ بِكَذَا: إِذَا مَنَعْتَهُ مِنْ خِلاَفِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَكَمْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ: فَصَلْتُ بَيْنَهُمْ فَأَنَا حَاكِمٌ وَحَكَمٌ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُقْضَى عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ.

وَفِي اصْطِلاَحِ الأْصُولِيِّينَ هُوَ الْمُكَلَّفُ: وَهُوَ مَنْ تَعَلَّقَ بِفِعْلِهِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِالاِقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ.

الأْحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ :

تَتَعَلَّقُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ مِنْهَا:

أ - لُزُومُ إِصْدَارِ الْقَاضِي الْحُكْمَ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ

إِذَا قَامَتِ الْحُجَّةُ وَتَوَفَّرَتْ أَسِبَابُ الْحُكْمِ لَزِمَ الْقَاضِيَ إِصْدَارُ الْحُكْمِ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إِذَا طَلَبَ الْمَحْكُومُ لَهُ ذَلِكَ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي (قَضَاءٌ ف 75 وَمَا بَعْدَهَا).

ب - طَلَبُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَسْخَ الْحُكْمِ

الأْصْلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ لاَ يُتَتَبَّعَ أَحْكَامُ الْقُضَاةِ، وَلاَ _يُمَكَّنَ الْعَامَّةُ مِنْ خُصُومَةِ قُضَاتِهِمْ لأِقْضِيَةِ حَكَمُوا بِهَا، وَلاَ تُسْمَعَ عَلَيْهِمْ دَعْوَاهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، لأِنَّ فِي ذَلِكَ امْتِهَانًا لِمَنْصِبِ الْقَضَاءِ، وَإِهَانَةً لِلْقُضَاةِ وَاتِّهَامًا لِنَزَاهَتِهِمْ، وَلأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى رَغْبَةِ الْعُلَمَاءِ عَنِ الْقَضَاءِ، وَلأِنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ أَحْكَامِهِمْ وَكَوْنُهَا صَوَابًا، لأِنَّهُ لاَ يُوَلَّى إِلاَّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْوِلاَيَةِ، وَتَتَبُّعُ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ تَشْكِيكٌ فِي نَزَاهَتِهِمْ، وَاتِّهَامٌ لَهُمْ فِي عَدَالَتِهِمْ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي (نَقْضٌ).

الأْحْكَامُ الأْصُولِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ :

لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ - وَهُوَ الْمُكَلَّفُ عِنْدَ الأْصُولِيِّينَ - شُرُوطٌ مِنْهَا: أَحَدُهَا: الْحَيَاةُ، فَالْمَيِّتُ لاَ يُكَلَّفُ، وَلِهَذَا لَوْ وَصَلَ عَظْمُهُ بِنَجَسٍ لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ.

الثَّانِي: كَوْنُهُ مِنَ الثَّقَلَيْنِ: الإْنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلاَئِكَةِ.

الثَّالِثُ: الْعَقْلُ، فَلاَ تَكْلِيفَ لِمَجْنُونٍ وَلاَ صَبِيٍّ لاَ يَعْقِلُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيِّ.

مُرَاقَبَةٌ

التَّعْرِيفُ :

الْمُرَاقَبَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ رَاقَبَ، وَيُقَالُ: رَاقَبَهُ مُرَاقَبَةً وَرِقَابًا: رَقَبَهُ: أَيْ حَرَسَهُ وَلاَحَظَهُ، وَيُقَالُ: رَاقَبَ اللَّهَ أَوْ ضَمِيرَهُ فِي عَمَلِهِ أَوْ أَمْرَهُ: خَافَهُ وَخَشِيَهُ، وَفُلاَنٌ لاَ يُرَاقِبُ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ: لاَ يَنْظُرُ إِلَى عِقَابِهِ فَيَرْكَبُ رَأْسَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ :

تَتَعَلَّقُ بِالْمُرَاقَبَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى

- يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا يَأْتِي وَمَا يَدَعُ مِنَ الأْمُورِ، لأِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ ذَلِكَ وَمُحَاسَبٌ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلأِنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مُسَجَّلٌ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:  ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) وَقَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).

وَمُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ، قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ مُرَاقَبَةُ الْحَقِّ عَلَى دَوَامِ الأْوْقَاتِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ جِبْرِيلَ رضى الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإْحْسَانِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» قَالَ الزُّبَيْدِيُّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» إِشَارَةٌ إِلَى حَالِ الْمُرَاقَبَةِ، لأِنَّ الْمُرَاقَبَةَ عِلْمُ الْعَبْدِ بِاطِّلاَعِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ، وَاسْتِدَامَتُهُ لِهَذَا الْعِلْمِ مُرَاقَبَةٌ لِرَبِّهِ، وَهَذَا أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ.

دَوَامُ الْمُرَاقَبَةِ لِتَحَقُّقِ الْحِرْزِ

- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَسْرُوقِ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ أُمُورٌ مِنْهَا:

أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِمُلاَحَظَةِ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ، وَشَرْطُ الْمُلاَحِظِ قُدْرَتُهُ عَلَى مَنْعِ سَارِقٍ بِقُوَّةٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ، وَالدَّارُ الْمُنْفَصِلَةُ عَنِ الْعِمَارَةِ إِنْ كَانَ بِهَا قَوِيٌّ يَقْظَانُ حِرْزٌ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلاَقِهِ، وَإِلاَّ فَلاَ، وَالدَّارُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْعُمْرَانِ حِرْزٌ مَعَ إِغْلاَقِهِ وَمَعَ حَافِظٍ وَلَوْ نَائِمٍ، وَمَعَ فَتْحِهِ وَنَوْمِهِ غَيْرُ حِرْزٍ لَيْلاً وَكَذَا نَهَارًا فِي الأْصَحِّ، وَكَذَا يَقْظَانُ فِي دَارٍ تَغَفَّلَهُ سَارِقٌ وَسَرَقَ فَلَيْسَ بِحِرْزٍ فِي الأْصَحِّ، لِتَقْصِيرِهِ بِإِهْمَالِ الْمُرَاقَبَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ، وَالثَّانِي مُقَابِلُ الأْصَحِّ: أَنَّهَا حِرْزٌ لِعُسْرِ الْمُرَاقَبَةِ دَائِمًا.

وَأَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ الآْخَرُونَ الْحُكْمَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا لَفْظَ الْمُرَاقَبَةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي (سَرِقَةٌ ف 37 - 41).