( الموسوعة العمالية ، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال ، مطبعة علاء الدين ، طبعة : 2009 )
( الأحكام العامة ) :
اعتبر المشروع أحكامه في القانون العام الذي يحكم علاقات العمل ، مع مراعاة اتفاقيات العمل الجماعية والإعتداد بالاتفاقات التي تزيد من حقوق العامل أو تضيف إليها ولو لم تكن واردة في أحكام المشروع ( المادة 3 ) ، وأبقى المشروع على استثناء الفئات الواردة في القانون القائم ، ما لم يرد نص فيه يخضعهم لبعض أحكامه ( المادة 4 ) . وحرص على استمرار تمتع الدعاوى الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكامه بالإعفاء من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي إذا رفعها العاملون والصبية المتدرجون وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقون عنهم ، وكذلك على إعفائهم من ضريبة الدمغة على كل الشهادات والصور التي تعطى لهم والشكاوى والطلبات التي تقدم منهم تطبيقاً لأحكام المشروع ( المادة 5 ) . وأبقى المشروع كذلك على حق الإمتياز لمستحقات العامل أو المستحقين عنه لدى صاحب العمل على جميع أموال المدين ، وأضاف حماية أوفي لأجر العامل بإعطائه أولوية في الإستيفاء تسبق المصروفات القضائية والمبالغ المستحقة للخزانة العامة ومصروفات الحفظ والترميم ( المادة 6 ) .
وإبقاء على الطابع الأمر لأحكام قانون العمل ، تنص المادة (7) على بطلان كل اتفاق مخالف لها ولو كان سابقاً على العمل بها إذا كان ينتقص من حقوق العامل ، أما إذا كان الإتفاق المخالف يزيد من حقوقه أو يتيح له مزايا لا يقررها القانون فمثل هذا الإتفاق لا يكون باطلاً . ويعيد المشروع ما كان منصوص عليه في قانون العمل الموحد رقم 91 لسنة 1959 وجرى القضاء على تقريره رغم غياب النص عليه في القانون القائم ، وهو امتداد البطلان إلى كل مصالحة تتضمن انتقاصاً أو إبراء من الحقوق الناشئة للعامل عن عقد العمل خلال مدة سريان هذا العقد أو خلال شهر من تاريخ انتهائه ( المادة 7 ) . وتقصر المادة (8) نطاق التضامن بين أصحاب الأعمال على الوفاء بالإلتزامات الناشئة عن تطبيق أحكام القانون بعد أن كان هذا التضامن شاملاً للمسئولية عن أية مخالفة لهذه الأحكام .
( الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل ، الدكتور على عوض حسن ، الدكتور علاء فوزي زكي ، طبعة دار الحقانية ، المجلد الرابع )
المادتان (3، 4) من المشروع مستحدثتان : وقد كان الإتجاه العام للمشروع هو إعتبار قانون العمل هو القانون العام الذي يحكم كل علاقات العمل التابع ولذلك حاول التضييق من حالات عدم سريانه ورأى أن يبقى في النهاية قانون العمل هو القانون العام الذي يحكم علاقات العمل حتى بالنسبة للفئات المستثناة وذلك في حالة عدم وجود حكم لها في قانونها الخاص الذي يحكمها وعلى هذا الأساس رأی المشروع ضرورة استثناء العاملين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات العامة بإعتبار أن علاقتهم اللائحية التنظيمية بالدولة تحول دون خضوعهم لأحكام قانون العمل الذي ينظم العلاقات التعاقدية ، ولكن يطبق قانون العمل على هؤلاء في حالة عدم وجود نص في قانونهم الخاص .
كما أبقى المشروع على الفئات المستثناة والواردة بالقانون 137 لسنة 1981 وهي خدم المنازل ومن في حكمهم وأفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم بالفعل وذلك لنفس الأسباب التي استثنيت من أجلها في ظل القانون 137 لسنة 1981 .
1- النص في المادة التاسعة من القانون رقم 6 لسنة 1984 بإنشاء الهيئة القومية للإنتاج الحربى على أن " يضع مجلس إدارة الهيئة اللوائح المتعلقة بنظام العاملين بها والشركات للوحدات التابعة لها وتحديد نظم تعيينهم وترقياتهم ومرتباتهم ومكافآتهم والمزايا والحوافز وغير ذلك من اللوائح المتعلقة بشئون العاملين وذلك دون التقيد بالقوانين والنظم والقواعد المعمول بها في الحكومة أو الهيئات العامة أو القطاع العام ٠٠٠ وفى المادة 19 من ذلك القانون على أنه " تسرى على الهيئة وشركاتها الأحكام المنصوص عليها في هيئات وشركات القطاع العام والصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص بهذا القانون ٠٠٠ وفى المادة 16 من قانون هيئات وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 على أن " يسرى على العاملين بهيئات القطاع العام قانون نظام العاملين بالقطاع العام الصادر به القانون 48 لسنة 1978 والذى نص في المادة الأولى على أن " تسرى أحكام هذا القانون على العاملين في شركات القطاع العام وتسرى أحكام قانون العمل فيما لم يرد به نص في هذا القانون " مؤداه أن علاقة العاملين بالهيئة القومية للإنتاج الحربى والشركات والوحدات التابعة لها تخضع لأحكام لوائح نظم العاملين التي تصدر إعمالاً لحكم المادة التاسعة من قانون إنشاء تلك الهيئة رقم 6 لسنة 1984 كما تخضع لأحكام قانون نظام العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978 فيما لم يرد به نص في تلك اللوائح وتخضع فيما لم يرد به نص في ذلك القانون لأحكام قانون العمل .
( الطعن رقم 4040 لسنة 83 ق - جلسة 2018/3/18 )
2- إذ كان القانون رقم 19 لسنة 1998 - بتحويل الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مساهمة مصرية - بعد أن نص في المادة الأولى منه على أن " تُحول الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مساهمة مصرية تسمى الشركة المصرية للاتصالات وذلك اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون " أوجب في الفقرة الثانية من المادة العاشرة والمادة الحادية عشرة منه أن يستمر رئيس وأعضاء مجلس إدارة الهيئة الحالى في مباشرة أعمالهم بالشركة الجديدة إلى أن يتم تشكيل مجلس إدارة جديد ، وأن يستمر العمل باللوائح المنظمة لشئون العاملين بالهيئة لحين إصدار لائحة جديدة للشركة من مجلس إدارتها وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة الثانية من القانون آنف البيان ، ونصت الفقرة الثانية من المادة الثانية على أن " يسرى على العاملين بالشركة أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في اللوائح التى يضعها مجلس إدارة الشركة " مؤداه أن أحكام اللوائح المنظمة لشئون العاملين بالهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية المعمول بها قبل صدور القانون رقم 19 لسنة 1998 تظل سارية إلى أن يضع مجلس إدارة الشركة لائحة جديدة وفقاً لأحكام هذا القانون فتكون هى الأساس في تنظيم علاقة العاملين بها ويرجع إلى أحكام قانون العمل فيما لم يرد به نص خاص فيها ، وكان البين من الأوراق أن الفترة التى يُطالب المطعون ضده بصرف نصف راتبه الموقوف لحبسه احتياطياً والتى تبدأ من 23 / 8 / 1998 وحتى 21 / 5 / 1999 تسبق صدور لائحة نظام العاملين بالشركة الطاعنة الصادرة بالقرار رقم 763لسنة 1999 نفاذاً لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1998 ، ومن ثم ينطبق بشأنها أحكام اللوائح المنظمة لشئون العاملين المعمول بها قبل صدورها .
( الطعن رقم 5630 لسنة 75 ق - جلسة 2007/5/20 )
3- مؤدى نصوص المواد 1 ، 11 ، 20 من القانون رقم 12 لسنة 1976 والمادة الأولى والحادية عشر من القانون رقم 164 لسنة 2000 أن هيئة كهرباء مصر كانت بحسب النظام القانوني الموضوع لها مصلحة حكومية رأت الدولة إدارتها عن طريق هيئة عامة ذات شخصية معنوية مستقلة وذلك حتى 1 / 7 / 2000 تاريخ العمل بالقانون رقم 164 لسنة 2000 بتحويلها إلى شركة مساهمة مصرية بإسم الشركة القابضة لكهرباء مصر – الطاعنة – ومن ثم فإن علاقتها بالعاملين بها إلى ما قبل ذلك التاريخ هى علاقة تنظيمية بوصفهم موظفين عموميين .
( الطعن رقم 1476 لسنة 72 ق - جلسة 2004/4/22 )
4- يدل النص في المواد 12 / 1 ، 42 / 1 ، 48 / 2 من القانون رقم 203 لسنة 1991 بإصدار قانون قطاع الأعمال العام على أن قانون قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 واللائحة التنفيذية الصادرة نفاذاً له بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1590 لسنة 1991 ولوائح العاملين التى تصدر إعمالاً لحكم المادة 42 من القانون المشار إليه هى الأساس في تنظيم علاقات العاملين لشركات قطاع الأعمال العام تطبق أحكامها ولو تعارضت مع أحكام قانون العمل أو أى قانون آخر ، وأن قانون العمل مكمل لأحكامها فتسرى أحكامها على تلك العلاقات عند خلو القانون واللوائح من نص بشأنها . لما كان ذلك ، وكان الثابت في الأوراق إنه قد صدر قرار وزير قطاع الأعمال العام رقم 550 لسنة 1995 بتاريخ 2 / 11 / 1995 باعتماد لائحة نظام العاملين بالشركة الطاعنة والتى وضعتها بالإشتراك مع النقابة العامة للكيماويات ، ونظمت في المادة 89 منها حق العامل الذى تنتهى خدمته في مقابل رصيد إجازاته الاعتيادية على أساس الأجر الشامل الأخير وقيدته بحد أقصى ثلاثة أشهر فإنه يتعين إعمال أحكام هذا النص على العاملين بالشركة الطاعنة دون أحكام المادة 45 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 وحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 47 لسنة 18 ق " دستورية " في شأن الفقرة الثالثة من المادة المذكورة ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى للمطعون ضده بالمقابل النقدى عن كامل رصيد إجازاته بالتطبيق لحكم المحكمة الدستورية العليا السالف الذكر ولنص المادة 47 من قانون العمل المشار إليه ودون أن يعمل حكم المادة 89 من لائحة نظام العاملين بالشركة الطاعنة آنفة البيان فإنه كون قد أخطأ في تطبيق القانون .
( الطعن رقم 145 لسنة 70 ق - جلسة 2000/10/29 )
في مصر ، يمكن القول أن هناك العديد من القوانين التي تحكم علاقات العمل ، وعلى الأخص :
- قانون العاملين المدنيين بالدولة ( قانون رقم 47 لسنة 1978م ) .
- قانون العاملين بالقطاع العام ( قانون رقم 48 لسنة 1978 ) .
- قانون رقم 137 لسنة 1981 والذي تم إلغاؤه ، وكان يحكم علاقات العمل في القطاعين الخاص والعام . ولكن أحكامه لا تنطبق على القطاع العام إلا في حالة عدم وجود نص يحكم الحالة المعروضة في القانون رقم 48 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين في القطاع العام ، وهو ازدواج تشريعي لم يكن له مبرر .
- هناك أيضاً القانون 203 لسنة 1991 (المنظم لقطاع الأعمال العام) والذي تضمن - بشكل معيب لا تناسق فيه - أحكاماً متفرقة لتنظيم علاقات العمل في هذا القطاع ، وترتب على عدم وضوحه (بالإضافة إلى تأخر صدور اللوائح النوعية للشركات) العديد من المشاكل بين الإدارة والعمال .
هذا بالإضافة إلى مجموعة من التشريعات الخاصة ببعض فئات العمال وأهمها - على سبيل المثال لا الحصر - قانون المناجم والمحاجر ، العاملين في الصحافة العاملين في المدارس الخاصة .
وإزاء تعدد القوانين التي تحكم علاقات العمل التابع في مصر ، وأنه من الأفضل بل من الضروري العمل توحيد القواعد التي تنظم علاقات العمل التابع في مصر .
ربما ثارت مشكلة واحدة بالنسبة للقطاع الحكومي ، وهي الفكرة العزيزة إلى قلب رجال القانون العام : كون العامل في مركز (لائحي) وليس تعاقدي .
ولكن ذلك كان لا يحول دون التوحيد.. ربما تثور مشكلة واحدة بالنسبة لعمال الحكومة ، تتعلق بممارسة حق الإضراب وطبيعة ما يجري في هذا القطاع من مفاوضات جماعية ، ولكن ليس ثمة ما يمنع من مراعاة ذلك ، لأننا إزاء الحاجة لقانون موحد يضع الأحكام العامة التي تحكم جميع علاقات العمل التابع في كافة القطاعات ، وليس ثمة ما يمنع من تخصيص فصل أو باب، في نفس القانون ، لبيان بعض الأحكام الإستثنائية الخاصة بقطاع أو بآخر ، والتي تستلزمها طبيعة هذا القطاع .
ولكن المشرع أقر استثناء العاملين بالحكومة من أحكام هذا القانون وإن كان التوحيد أمر مهم ، سيساعد على استتباب العلاقات الإجتماعية ، وعلى رفع المستوى المعيشي للطبقات العمالية ، وعلى وضوح الأحكام التي تخضع لها علاقات العمل . خاصة وأن توحيد الحد الأدنى للأجور أمر مفيد لكافة القطاعات ، لأنه سيمكن كل قطاع من المحافظة على عماله - حيث تقل المغريات التي تجذب العمال نحو قطاع آخر ، فيتمكن كل قطاع من تنظيم البرامج التدريبية الخاصة لعماله ، علاوة على تراكم الخبرة لدى هؤلاء في نشاط القطاع التابعين له ، ولاشك أن في ذلك رفعاً مستمراً لكفاية العامل ، وارتفاع مستوى العملية الإنتاجية برمتها على الصعيد الوطني ، بل وينعكس أيضاً على علاقات القطاعات المختلفة بعضها ببعض .
هذا بالإضافة إلى أن عملية توحيد قانون العمل هي التي تتفق والتحولات الاقتصادية في مصر ، وخاصة تكلفة العمالة ، ضماناً لتحقيق المنافسة الحرة ، دعامة التحول إلى اقتصاديات السوق .
وحرصاً من المشرع على الحفاظ على الحقوق المكتسبة للعاملين المقررة بمقتضى اتفاقيات العمل الجماعية أو لوائح النظم الداخلية للمنشآت التي تكون قد قررت قبل صدور هذا القانون، فقد حرص على التأكيد بسريانها في ظل أحكام هذا القانون .
ومع حرص واضعي المشروع على التأكيد بأن يعتبر هذا القانون (أي المشروع بعد موافقة مجلس الشعب عليه)؛ «القانون العام الذي يحكم علاقات العمل» (مادة 3 من المشروع) فإلى أي مدى يمكن تطبيق ذلك على القانون والعاملين بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام؟ ومدى انطباق نص المادة الثالثة على العاملين بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام .
وحيث إن قانون العمل الجديد رقم 12 لسنة 2003 لم يلغ كافة القوانين الأخرى الخاصة بالعمال إذ لو أراد المشرع ذلك ما كان نص في المادة السابعة من مواد إصداره فقط على إلغاء قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 فلو كان مراده أو هدفه ذلك لكان نص صراحة على إلغاء كافة القوانين والتي منها قانون قطاع الأعمال رقم 203 لسنة 1991 والقانون 47 لسنة 1972 والقانون (47) ، (48) لسنة 1987 والقانون 79 لسنة 1975، إذ كلها قوانین خاصة بالعمال والعاملين بالدولة والتأمين عليهم ، بمعنى أن ينص على إلغاء كافة القوانين محدداً إياها كما نص على إلغاء قانون العمل 137 لسنة 1981 محدداً إياه .
ولما كان من المقرر فقهاً أن قانون العمل الجديد ولو أنه لاحق لقانون شركات قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 فهو لم يلغ قانون شركات قطاع الأعمال العام فيما تضمنه هذا الأخير من نصوص تنظيم علاقات هذه الشركات بالعاملين لديها ، ولأن هذه نصوص تشريعية خاصة ولا ينسخها قانون العمل الجديد بإعتبارها نصوصاً تشريعية عامة ، فمن المسلم به أن النص الخاص القديم لا ينسخه النص العام الجديد ، ولا تعارض بين المادة السابعة من مواد الإصدار في القانون 12 لسنة 2003 وبين المادة الثالثة من الكتاب الأول في الباب الثاني وتنص على أن يعتبر هذا القانون هو القانون العام الذي يحكم علاقات العمل ومفهوم ذلك أن القانون رقم 12 لسنة 2003 جاء بدلاً من القانون رقم 137 لسنة 1981 ولكافة القوانين الأخرى الخاصة بالعمال فيما لم يرد به نص أو تنظمه لائحة ، أما في حالة وجود قانون آخر مثل قانون قطاع الأعمال العام أو أية قوانين أخرى فهي التي تكون واجبة التطبيق ، وفي حالة خلوها أو خلو لائحتها من نص في منازعة ما يكون القانون الواجب التطبيق هو فى القانون 12 لسنة 2003م ، ولا ينال من ذلك ما ورد في اللجنة المشتركة بمجلس الشعب أو مشروع القانون ، إذ أن ما يحكم قرار اللجنة ليس اللجنة المشتركة بمجلس الشعب أو الأعمال التحضيرية للقانون ، إنما الذي يحكمها هي مواد القانون التي أصدرها المشرع ، وكان المشرع - وهو المنزه عن الخطأ أو اللغو - أصدر القانون رقم 12 لسنة 2003 بمواد صريحة هي إلغاء القانون رقم 137 لسنة 1981م فقط ، ومن ثم تظل كافة القوانين سارية وواجبة التطبيق على المنازعات التي تحكمها إلى أن تصدر تشريعاً خاصاً ينص على إلغائها . ( الموسوعة العمالية ، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال ، مطبعة علاء الدين ، طبعة 2009 ، الصفحة : 44 )
هذا النص مستحدث وليس له نظير بالتشريعات السابقة بما فيها قانون 137 لسنة 1981 ونعتقد أن عبارة «علاقات عمل» يندرج تحتها كافة روابط العمل في مختلف القطاعات فالمعروف أن العاملين بالجهاز الإداري للدولة وحدات الحكم المحلي والهيئات العامة تربطهم بجهات عملهم علاقات عمل لائحية reglementaire في حين أن العاملين بقطاع الأعمال العام والخاص والوحدات والمشروعات الاستثمارية تربطهم بجهات عملهم علاقات تعاقدية Contractuelle وكما هو واضح أن كلها علاقات عمل أي أنها جميعاً تندرج تحت هذه العبارة المطلقة الأمر الذي قد يستفاد منه أن أحكام قانون العمل الراهن يمكن أن تنطبق على العاملين المرتبطين بعلاقات لائحية وهو ما لا يقصده المشرع ولذا كانت الصياغة تقتضي تحديد نوع هذه العلاقات بحيث تشمل فقط علاقات العمل التابع الذي يكون فيه العامل خاضعاً لسلطة صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه وهو المقصود بتعريف العامل وصاحب العمل . كذلك يصعب كشف المقصود من عبارة « وذلك مع مراعاة اتفاقيات العمل الجماعية وأحكام المادة (7) من هذا القانون الواردة بعجز المادة ». ( الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل ، الدكتور على عوض حسن ، الدكتور علاء فوزي زكي ، طبعة دار الحقانية ، المجلد الأول ، صفحة : 124 )
يقصد بقانون العمل مجموعة القواعد القانونية التي تنظم روابط العمل التابع أو الخاضع والتي تنشأ بين صاحب العمل والعامل الذي يعمل تحت إدارته وإشرافه .
فيقتصر قانون العمل على تنظيم العمل التابع أو الخاضع ، فالعامل يخضع في عمله لتوجيه وإشراف وإدارة صاحب العمل وهو ما يطلق عليه عنصر التبعية لصاحب العمل .
أما من يقوم بعمل مستقل لحساب الغير كمن يمارس حرفة أو تجارة فإنه لا يخضع لقانون العمل ، ولهذا فإن قانون العمل يجب أن يؤخذ بمعناه الإصطلاحی فلا يؤخذ على إطلاقه ، أي لا يسري على العمل الإنساني ككل وإنما يسرى فقط على العمل الخاضع فهو قانون العمل التابع ، ومن يقوم بعمل تابع بأجر يخضع لقانون العمل .
ولكن قانون العمل لا يسري على كل علاقات العمل التابع فإذا كان صاحب العمل هو الدولة وأجهزتها المختلفة فإن علاقات العمل تخضع للقانون الإداري وعلى وجه التخصيص أحكام الوظيفة العامة ، فقانون العمل يحكم بحسب الأصل علاقات العمل التابع والتي تخضع للقانون الخاص .
- وقانون العمل إذ ينظم العمل التابع فإنه يقوم بتحديد حقوق والتزامات كل من صاحب العمل والعامل ، فلا يجب أن ينظر لقانون العمل على أنه قيود على صاحب العمل ومزايا لحماية العامل .
فبالرغم من أن الهدف الأول لقانون العمل هو حماية حقوق العمال ، إلا أنه يعطى حقوقاً أيضاً لأصحاب الأعمال ، فالحق والإلتزام وجهان متقابلان لشيء واحد . فقانون العمل في مصر ينظم واجبات العاملين وتأديبهم وهي تمثل في نفس الوقت حقوق أصحاب الأعمال تجاه العمال .
ويقوم قانون العمل بتنظيم علاقات العمل الفردية أي التي تنشأ بناء على عقد عمل فردي بين العامل وصاحب العمل والذي بمقتضاه يقوم العامل بالعمل لحساب صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه مقابل الأجر .
ولكن روابط العمل لم تعد تقتصر على الروابط أو العلاقات الفردية التي تنشأ بين أشخاص ، فقد ظهرت العلاقات الجماعية للعمل حيث قام العمال بتكوين جماعات أو نقابات ، كما أن أصحاب الأعمال قد كونوا روابط ، وأصبح التعامل بين العامل وصاحب العمل يتم من خلال هذه الجماعات ، ومن هنا كانت علاقات العمل الجماعية .
فإلى جانب عقد العمل الفردي ظهر عقد العمل الجماعي والذي عرفته المادة 152 من قانون العمل بأنه اتفاق نظم بمقتضاه شروط العمل وظروفه وأحكام التشغيل بين منظمة نقابية أو أكثر وبين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال أو أكثر منظماتهم .
فعقد العمل الجماعي لا ينشىء علاقة العمل وإنما ينظمها .
وتشمل علاقات العمل الجماعية تنظيم نقابات العمال وعقد العمل الجماعي والتحكيم في منازعات العمل الجماعية ، ولهذا فإن قانون العمل قد خصص الكتاب الرابع لعلاقات العمل الجماعية التي أصبحت من أهم ما يميز قانون العمل ويبرز مدى أصالته .
ويجب الإشارة إلى الصلة القوية بين العلاقات الفردية والجماعية للعمل ، فالاتفاقات الجماعية تستهدف تحسين حال العمال وتؤثر على عقود العمل الفردية التي تطبق الشروط الواردة فيها .
- وسريان قانون العمل على علاقات العمل التابع الخاص لا يرتبط بوجود عقد عمل صحيح ، فسواء وجد عقد عمل صحيح أو لم يوجد فإن العديد من أحكام قانون العمل تنطبق ، فتحديد ساعات العمل والحد الأدنى للأجور وقواعد السلامة المهنية وغيرها تسرى لمجرد وجود علاقة عمل أيا كان مصدرها ، فلا يجب الخلط بين قانون العمل وعقد العمل ، فعقد العمل ليس إلا مجرد أداة من الأدوات الأساسية لإعمال قانون العمل ولكنه لا يستغرقه ، فبالرغم من أن رابطة العمل التعاقدية هي الأصل إلا أن مجرد وجود رابطة عمل غير تعاقدية سواء للبطلان أو لغير ذلك يكفي لإنطباق العديد من أحكام قانون العمل .
موضوع قانون العمل بين فروع القانون
قانون العمل وتقسيم القانون إلى عام وخاص
- من التقسيمات التقليدية للقاعدة القانونية تقسيمها إلى قواعد تتعلق بالقانون العام وأخرى تتصل بالقانون الخاص .
ومن المناقشات الفقهية التي أثيرت مدى اعتبار قانون العمل من فروع القانون العام أوالقانون الخاص .
الاتجاه الأول : قانون العمل فرع من فروع القانون العام :
- بالرغم من أن قانون العمل قد نشأ في أحضان القانون المدني ، إلا أن بعض الشراح رأوا أن قانون العمل قد استقر وأصبح يقترب من فروع القانون العام ، واستندوا في ذلك إلى عدة أسانيد .
تعتبر قواعد قانون العمل متعلقة بالنظام العام ، ومن ثم فهي قواعد آمرة ، وحيث يختفي سلطان الإرادة ويتلاشى الإختيار فإن القانون العام يضع أقدامه ، فالقانون العام هو قانون السلطة والقهر ، أما القانون الخاص فهو يقوم على سلطان الإرادة .
كما أن تدخل الدولة في مجال قانون العمل أصبح من مميزات هذا القانون ، فالدولة تتدخل في التشغيل حيث تنشئ مكاتب الإستخدام والتشغيل ، وتقوم جهة الإدارة بالتفتيش على أماكن العمل وتراقب تطبيق القانون ، وأجهزة الدولة تصدق على اللوائح الداخلية للمنشأة وقرارات جهة الإدارة في هذا المجال تعتبر قرارات إدارية .
ويضاف إلى ذلك أيضاً أنه قد ظهرت عدة فروق بين قانون العمل والقانون المدني بمعناه التقليدي ، فقد أفسحت نصوص قانون العمل مجالاً كبيراً لوصف وتنظيم أنظمة العمل وأجهزته مثل النقابات ، وهذا لا يحدث عادة في القانون المدني ، بل أن معيار العمل هو التبعية والسلطة التنظيمية لصاحب العمل وفكرة السلطة بعيدة عن العقود المدنية العادية .
كما أن قانون العمل يعتبر من القانون العام لأنه يستهدف تحقيق مصلحة اجتماعية ومصلحة عامة للجماعة ، أما القانون الخاص فهو يستهدف تحقيق مصلحة خاصة فردية .
- ولكن هذه الحجج مردود عليها : فالقاعدة الآمرة أو المكملة ليست معیار تقسيم القانون إلى عام وخاص ، فهناك اليوم تغلغلاً كبيراً للقواعد الآمرة في كافة مجالات القانون الخاص ولم يغير ذلك من طبيعة هذه الفروع ، فكل قواعد الأحوال الشخصية قواعد آمرة ولكنها لا تعتبر من القانون العام ، وفي مسائل الأحوال العينية ، فقد تدخلت الدولة في العديد من المجالات لحماية الضعفاء عن طريق قواعد آمرة ، فالعبرة بموضوع وطبيعة المسائل التي ينظمها القانون وليس بكون القاعدة آمرة أم مكملة .
والقانون يستهدف دائماً وأبداً تحقق المصلحة العامة فتنظيم القانون لأدق العلاقات الفردية الخاصة يستهدف وضع أسس سليمة للعلاقات تمنع المشاحنات بما يحقق المصلحة العامة ، فالقانون الخاص يحقق المصلحة العامة شأنه في ذلك شأن القانون العام ، وأخيراً فإن الدولة تتدخل للتحقق من تنفيذ أحكام القانون دون أن يؤثر ذلك في طبيعة القاعدة القانونية .
الاتجاه الثاني : قانون العمل قانون مختلط :
- أمام صعوبات قبول الحجج التي نادى بها الاتجاه السابق وفي ظل سياسة التدخل من جانب الدولة في العلاقات العمالية ، فقد ذهب اتجاه إلى أن قانون العمل يعتبر قانون مختلطاً ما بين القانون العام والقانون الخاص ، فهو يجمع بين دفتيه قواعد تنتمي للقانون العام والقانون الخاص على حد سواء ، فهناك بعض النظم مثل نظام مكاتب التخديم للعاطلين ، ونظام التفتيش على أماكن العمل وتجريم مخالفة أحكام قانون العمل ، فهذه الأمور جميعها تتعلق بالقانون العام ، هذا بالإضافة إلى أن قانون العمل يشمل عقد العمل الفردي وهو ينظم العلاقة بين شخصين ، وبالتالي يدخل في إطار القانون الخاص من هذه الوجهة .
الاتجاه الثالث : قانون العمل فرع من فروع القانون الخاص :
- نرى أن الحجج المقدمة في الاتجاهين السابقين ليست مقنعة تماماً ، ففي العصر الحديث نادراً ما يخلو قانون من القوانين من بعض الجوانب التي تتصل بالقانون العام ، بل أنه في إطار القانون المدني بدأ يظهر تجريم العديد من حالات الخروج على القواعد العقدية ، فالبيع بأكثر من التسعيرة يعاقب عليه ، وبيع ملك الغير يعاقب عليه جنائية بشروط معينة ، بل أن التدليس المدني قد أصبح معاقبة عليه في حالات خاصة ، وتعدد بيع الوحدات السكنية أصبح جريمة في ظل القانون رقم 136 لسنة 1981.
ولا يقبل أن يكون تجريم مخالفة أحكام قانون من القوانين أساساً لخروجه من القانون الخاص ووضعه في إطار القانون العام .
بل أن تدخل المشرع والسلطة في تطبيق قواعد القانون المدني لم يؤد إلى إخراج هذه الأحكام من نطاق القانون الخاص أو القانون المدني . فتحديد أجرة المساكن عن طريق لجنة من قبل الدولة ، وتدخلها في تحديد أجرة الأرض الزراعية لم يستتبع خروجها عن نطاق القانون المدني ، والحقيقة أن التطور لم يلحق قانون العمل ، وإنما لحق القانون بأسره وانعكس على جزء من أجزائه وهو قانون العمل ..
ولهذا فإن تحديد القانون العام والقانون الخاص يكون بالرجوع إلى طبيعة العلاقة محل التنظيم وليس بالقاعدة القائمة على التنظيم .
وإذا نظرنا إلى قانون العمل لوجدنا أن موضوعه تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل ، بل أنه لا ينظم إلا علاقات العمل الخاصة ، وعلى هذا فالدولة أو السلطة العامة لا توجد طرفاً في العلاقة بإعتبارها شخصاً صاحب سيادة ، وإذا ظهرت الدولة في مجال التفتيش على أماكن العمل فذاك بإعتبارها مسئولة عن تنفيذ القوانين وهو صمیم دورها في المجال القانوني .
الصلة بين قانون العمل والقانون المدني :
يذهب رأي إلى أن القانون المدني لا يصلح کشريعة عامة لقانون العمل ، فلا يمكن لقانون أن يعيش في نسيج قانوني غريب عنه ، بل وعدائي بالنسبة له ، وعدم فاعلية العديد من أحكام قانون العمل يرجع إلى تطبيق المبادئ العامة للقانون المدني ، فاللجوء إلى القاعدة المدنية التي تقرر أنه إذا أصر المدين على رفض التنفيذ العيني فإن التزامه يصبح التزام بدفع التعويض (1142 مدني فرنسی)، . أصبح يعوق إعادة العمال الذين يفصلون بغير حق إلى العمل ، واللجوء إلى القواعد العامة في الفسخ يعوق إعمال قواعد الفصل الواردة في قانون العمل ، وينادي أنصار هذا الاتجاه بضرورة أن يتم الإنفصال بين القانون المدني وقانون العمل .
والتأكيد على استقلالية قانون العمل وذاتيته في مواجهة القانون المدني كان يقوم على أساس أن القانون المدني الفرنسي يتميز بطابع فردی حر ويقوم على المساواة الفردية ، أما قانون العمل فهو يقوم على أسس وأهداف اجتماعية استوجبت المناداة بالمساواة الإجتماعية والتي تعتبر خرقاً للمساواة المدنية الفردية .
- ونعتقد أن قانون العمل قد لعب دوراً طليعياً بالنسبة لباقي فروع القانون من حيث تطوره في اتجاه حماية الطبقة العاملة ، واستطاع أن يواجه الظروف الإقتصادية والإجتماعية المتطورة.
لكن التطورات الإجتماعية والإقتصادية استوجبت في نفس الوقت تحولاً في مبادئ باقي فروع القانون ، فالطابع التقدمي الذي يميز قانون العمل سرعان ما فرضت الظروف الإجتماعية والإقتصادية امتداده إلى باقي الفرع وعلى رأسها القانون المدني نفسه .
فهذه التطورات أثرت تأثيراً لا يمكن إنكاره على أساليب ومنهج القانون المدني بل ومبادئه الأساسية .
ففكرة النظام العام الإجتماعي لم تعد قاصرة على قانون العمل بل امتد إعمالها إلى قانون الإيجار والقانون الزراعي ، فلم يعد النظام العام في مفهوم القانون المدني قاصرة على النظام العام بمفهومه التقليدي ، بل أصبح يشمل النظام العام الإجتماعي والإقتصادي وظهرت التفرقة بين النظام العام الحمائي والنظام العام الذي يمس الإقتصاد نفسه أو المصلحة الإقتصادية العليا في حد ذاتها ، ففكرة حماية أحد أطراف العقد بقاعدة تتعلق بالنظام العام لم تعد قصراً على قانون العمل ، بل أصبحت خصيصة هامة تميز فكرة النظام العام الإقتصادي والإجتماعي في إطار القانون المدني ككل .
والإستقلالية الكاملة أو الإنفصال بين القانون المدني وقانون العمل كان يقوم على النظر إلى القانون المدني التقليدي والذي يقوم على مبدأ سلطان الإرادة ومقارنته بقانون العمل الذي كان في طور التكوين بأفكاره الجديدة ، أما الآن فالقانون المدني قد تطور برمته وأصبح الطابع الإجتماعي من خصائصه وأصبح تدخل الدولة والتوجيه الإقتصادي أمراً طبيعياً في مجال نظرية العقد ، فالقانون المدني استطاع أن يجدد شبابه واحتوى ، بحيويته الجديدة وشبابه ، ما كان قد ابتعد عنه من فروع وعلى رأسها قانون العمل ، ويصدق هذا أساساً على القانون المدني المصري الذي كان منذ وضعه سباقاً في الأخذ بالأفكار الإجتماعية ، كما أن التعديلات التشريعية المتعاقبة في مجال إيجار الأماكن والأرض الزراعية حافظت على الطابع الإجتماعي المتطور للتشريعات المدنية ، وحتى بالنسبة للقانون المدني الفرنسي العتيق والصادر في سنة 1804 فإنه قد تطور تطوراً تقدمياً للغاية فبالرغم من أن التقنيين لم يتغير إلا أن أغلب نصوصه قد عدلت في سنة 1965 وخصوصاً تعديل سنة 2016 في مجال الإلتزامات .
فحماية الضعفاء والبعد الإجتماعي للتشريع لم تعد أموراً دخيلة على القانون المدني ، بل أصبحت من صميم مبادئه ، فقد استطاع بأساليبه الفنية المتطورة أن يضفي الحماية الحقيقية على هذه الأفكار المستحدثة ، فالحماية قد اتخذت مسلكاً جديداً ومظاهر عدة تتلائم من جهة مع مدى حاجة الضعيف ، أو مع ما أصبحت عليه الدولة من قوة من جهة أخرى .
ونضيف أن تطور الأساليب الفنية والمتماسكة للقانون المدني تقدم حماية للعامل ، أفضل مما تقدم الحلول غير المتماسكة وغير المستقرة في قانون العمل ، فإذا كان قانون العمل قانوناً تقدمياً ، فإن القانون المدني لم يعد قانوناً محافظاً ، فقد أخذ بزمام التقدم وطور أساليبه وأصل مبادئ التقدم الحديث في مجال القانون الخاص .
فمن المبالغة إقامة حواجز عالية للتفرقة بين قانون العمل والقانون المدني ، ففي داخل القانون المدني توجد بعض التناقضات بين حدود إعمال مبدأ سلطان الإرادة أو الخروج عليه، فقواعد القانون المدني تنقسم إلى قسمين ، قسم يترك المحض إرادة المتعاقدين أي يسيطر عليه مبدأ سلطان الإرادة ، وقسم يضعف فيه سلطان هذا المبدأ ويزداد تدخل الدولة حيث تؤدي الظروف الإقتصادية والإجتماعية إلى ضرورة حماية الطرف الضعيف .
الاتجاه الاجتماعي للقانون المدني جعله أكثر إنسانية يهتم بالإنسان بعد أن كان جل اهتمامه بالمال ، وفي نفس الوقت اتجه قانون العمل إلى أن يظهر ويطور طابعه العقدي إلى جانب الطابع الإنساني ، فإذا كان قانون العمل قد ظهر لإضفاء الطابع الإنساني على علاقات العمل سواء في مجال الأجور أو ساعات العمل أو تشغيل النساء والأطفال ، إلا أن علاقة العمل تنشأ من خلال عقد العمل الفردي وعقد العمل الجماعی .
ويتأكد ذلك من أن القانون المصري قد نظم عقد العمل في القانون المدني بإعتباره من العقود المسماة الواردة على العمل ، فالاتجاه في علاقة قانون العمل بالقانون المدني هو اتجاه نحو التقارب وليس التباعد فالقانون المدني يزداد اهتمامه بالإنسان ، وقانون العمل بالإضافة إلى اهتمامه بالإنسان اهتم بالطابع العقدي لعلاقة العمل في صورتيها الفردية والجماعية .
ومع هذا فإننا لا نعارض أن يكون لقانون العمل ذاتية كفرع مستقل ، ولكن يمت بصلة قوية للقانون المدني ، فالذاتية تؤدي إلى إمكان تطور قانون العمل حيث تتجمع كافة المسائل الخاصة بالعمل ويمكن أن تساهم في إقامة المبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات العمالية دون أن تمر دائماً أبداً بقنوات القانون المدني .
ومن أهم الأفكار التي يتميز بها قانون العمل وتعطيه ذاتية واستقلالاً معيناً فكرة المشروع.
فكرة المشروع كأسلوب فني متميز في قانون العمل :
- مما لا جدال فيه أن فكرة المشروع قد لعبت دوراً لا يمكن إنكاره في تكوين قانون العمل ، ويكفي للدلالة على ذلك الإشارة إلى أن الفصل بين المشروع ومالكه أصبح من المسلمات في قانون العمل ، وفكرة المشروع قد أدخلت العديد من التعديلات على القواعد العقدية في قانون العمل .
ويقصد بالمشروع مجموع من العناصر الإنسانية ، والوسائل المادية وغير المادية المنظمة والمتناسقة من أجل تحقيق هدف .
ويمكن تحديد عناصر المشروع في ثلاثة عناصر ، أولها العمالة ، وثانيها رئيس المشروع أو المدير المسئول الذي يعمل العامل تحت سيطرته وسلطته ، ورئيس المشروع هو الذي يقوم بدور المنسق والمنظم للعنصر البشري وللوسائل المدنية للوصول إلى الغرض المشترك وهو هدف المشروع ، وأخيراً الهدف أو النشاط المشترك ونجمعها في عنصرين : العنصر البشري ، الهدف المشترك.
وندرس بإيجاز كل عنصر من هذه العناصر المكونة للمشروع .
أولاً : العنصر البشرى :
- ونجمع تحت هذا العنصر كل من العمالة والإدارة أو رئيس المشروع بإعتبارهما العنصر البشري للمشروع .
ويهتم القانون الإجتماعي بالمجموع البشري الذي يتكون منه المشروع ، فالمشرع مجتمع منظم ومتدرج يشغل كل شخص فيه المنصب الذي يعهد له به .
1- العمالة :
- يتكون الجانب الرئيسي من العنصر البشري المتمثل في العمال واهتمام قانون العمل بالمشروع يرجع أساساً إلى وجود العمال ، فقانون العمل يهتم بحماية العامل الخاضع وتنظيم علاقته بالإدارة .
ويتوافر هذا العنصر من مجرد وجود عامل واحد يخضع لسلطة صاحب العمل ، فلا أهمية لعدد العمال لوجود المشروع ، ولكن لا يجب إغفال أن حجم المشروع الذي يستمد من حجم عمالته يؤثر في النظام القانوني للمشروع وما يقع على عاتقه من التزامات .
وكذلك لا أهمية لتوصيف وظيفة العامل ، فكل العمال يدخلون في عنصر العمالة ، الذي يعتبر جزءاً من المشروع ، بصرف النظر عن درجاتهم وأهمية أعمالهم .
ويجب أن تتوافر علاقة عمل خاضع ، وفي إطار فكرة المشروع لا يلزم أن يوجد عقد صحيح بين العامل وصاحب العمل ، ففكرة علاقة العمل تحل محل العقد الذي قد لا يوجد إما لبطلانه أو لغير ذلك من الأسباب ، فالعامل يعتبر بالرغم من ذلك جزء من العمالة في المشروع حيث يكفي أن يرتبط بالمشروع أي توجد رابطة المشروع .
2- رئيس المشروع :
- يجب أن تمارس العمالة نشاطها تحت سلطة رئيس المشروع ، وهو عنصر أساسي في المشروع لأنه السلطة التي تتولى إدارة المشروع وتحمل المسئولية الناجمة عن نشاطه ، ويمارس رئيس المشروع سلطاته على العمالة وعلى الأشياء التي توضع تحت تصرف المشروع .
ولقد ثار الخلط بين مدير المشروع وصاحب العمل .
ولا تثور صعوبة إذا كان المشروع مملوكاً لشخص طبيعي ، فغالباً ما يجمع هذا الشخص بين صفتي صاحب العمل ومدير المشروع أو المدير المسئول .
أما إذا كان المتعاقد مع العامل شخصاً معنوياً ، فإن الفصل يحدث بين صاحب العمل والشخص الطبيعي الذي يتولى الإدارة ، فالشخص المعنوي يكون هو صاحب العمل ، فصاحب العمل هو الشخص المعنوي ، أما مدير المشروع فهو الشخص الطبيعي الذي يخول سلطات الإدارة وفقاً للنظام الأساسي للشخص المعنوي .
ومدير المشروع يكون في مركز الدائن أو المدين بالنسبة للإلتزامات الناشئة عن عقد العمل، ولما كان يتمتع بسلطات واسعة فإنه يتحمل بعدة مسئوليات ومنها على وجه الخصوص المسئولية الجنائية عن مخالفة أحكام قانون العمل .
ثانياً : العنصر الثاني - العنصر الاقتصادي (هدف مشترك) :
- يتجمع العنصر البشرى من أجل القيام بعمل مشترك يعتبر في نفس الوقت موضوع أو محل المشروع .
وتحقيق ذلك يستلزم من جهة توافر بعض الوسائل اللازمة ، ومن جهة أخرى لابد من تحديد هدف المشروع .
فيجب لقيام أي مشروع ولممارسة نشاطه أن تتوافر لديه الوسائل المادية اللازمة ، كالعقار والمواد الأولية وكذلك غير المادية مثل براءة الإختراع وعنصر العملاء .
ويجب التأكيد على أن المشروع فكرة مالية بحتة ، فالمشروع عنصر من عناصر الذمة المالية القائم بالمشروع .
- ويلزم أن يكون لكل مشروع هدفاً محدداً ، وهذا الهدف غالباً ما يكون ذات طابع اقتصادي ، أو تجاري ، أو صناعي ، أو زراعي ، سواء كان يستهدف الإنتاج ، أو صناعة تحويلية ، أو مجرد البيع والتسويق للبضائع أو الخدمات ، وقد يكون ذلك الهدف ممارسة مهنة حرة ، ولا يلزم أن يكون هدفه تحقيق الربح ، فقد لا يستهدف الربح کالجمعيات والنقابات حيث يمكنهم إنشاء مشروعات متى كانت هناك عمالة بأجر تعمل لتحقيق هدف يتصل بالبر والخير .
ويجب أن يستهدف صاحب العمل والعمال تحقيق هدف مشترك فإذا انتفى هذا الهدف قد نكون بصدد عقود عمل ولكن لا نكون بصدد مشروع ، وذلك مثل خدم المنازل .
ويتميز نشاط المشروع بحد أدنى من الإستمرار والدوام ، وهذا ما يميز المشروع عن علاقات العمل العرضية التي تتم بمناسبة تقديم خدمة لشخص معين ، فيلزم لوجود المشروع أن يتوافر في نشاطه الحد الأدنى من الإستمرار .
التمييز بين المشروع والمنشأة :
- المشروع وحدة اقتصادية وقانونية ، أما المنشأة فهي وحدة فنية يرتبط نشاطها بنطاق جغرافي محدد .
ويختلط المشروع بالمنشأة في حالة المنشآت الصغيرة حيث ينشأ المشروع في موقع واحد تتجمع فيه الوسائل المادية والبشرية للإنتاج ، وتدور فيه علاقات العمل ، وذلك مثل مصنع للنسيج.
ولكن تظهر الحاجة للتمييز بين المشروع والمنشأة في المشروعات الكبيرة التي تستخدم عدداً كبيراً من العمال حيث تتوزع وسائل الإنتاج وأدوات النشاط على عدة مواقع أو أمكنة ، ففي هذه الحالة يكون للمشروع الواحد عدة منشآت ، وتبدو كل منشأة كقسم متفرع عن المشروع ، بحيث يمارس المشروع نشاطه من خلال المنشآت المتعددة ، وغالباً ما تقابل كل منشأة توزيعاً جغرافياً محدداً ، ونوعاً من لامركزية السلطة .
وتعدد المنشآت قد يرجع إلى بداية المشروع الذي يستلزم نشاطه تعدد المنشآت مثل المحلات التجارية الكبرى والبنوك ، وقد يبدأ المشروع بمنشأة واحدة ثم يتوسع نشاطه فتنشأ له عدة منشآت في أماكن عدة .
وبناء عليه فإن المنشأة عبارة عن وحدة فنية تقوم بدورها في سبيل تحقيق غرض المشروع ، فهي بمثابة أفرع للمشروع الواحد ، ولهذا فإن حسابات الأرباح والخسائر للمنشآت تندمج في نهاية الأمر في مجموع حساب الأرباح والخسائر للمشروع ككل .
ولهذا فمن الأهمية بمكان تحديد المخاطب بنصوص قانون العمل ، المشروع أم المنشأة فتارة يقصد المشرع المشروع وتارة أخرى يقصد المنشأة ، ويكون تحديد المقصود بالرجوع إلى المعيار السابق بيانه ، ومع هذا يلاحظ أن المشرع يخلط أحياناً بين المشروع والمنشأة لأن تلك التفرقة لم تلق العناية الكافية في الفقه المصري ولم تتأصل بعد في القانون المصري عامة.
- وفي ضوء ما سبق يجدر بنا التفرقة بين رئيس المشروع ورئيس المنشأة .
رئيس المشروع هو من يتولى سلطة الإدارة والتوجيه وتكون له اليد العليا في هذا الشأن وخصوصاً في علاقات العمل وفي المسائل الإقتصادية .
ورئيس المنشأة تابع ومرؤوس لرئيس المشروع ، والأصل أن تكون سلطاته قاصرة على النطاق الفني ، وهو مسئول أمام رئيس المشروع .
ولرئيس المشروع أن يفوض رئيس المنشأة في بعض اختصاصاته ، ويكون التفويض ضرورياً وهاماً بالنسبة للمشروعات الكبرى وحيث تبدو ضرورة عدم مركزية الإدارة والسلطة ، ويتحقق ذلك أساساً في المسائل الفنية حيث يفوض صاحب العمل رؤساء المنشآت في كل ما يتعلق بهذه المسائل ويرتبط بها تنظيم العمل من حيث أوقاته وغير ذلك ، ومن هنا يبدأ البحث عمن يتحمل المسئولية الناشئة عن مخالفة قانون العمل ، رئيس المشروع أم رئيس المنشأة . فالأصل أن رئيس المشروع هو المسئول ولكن إذا كان رئيس المنشأة قد فوض في السلطات فإن ذلك يجب أن يقابله المسئولية وتبدو أهمية هذه المسألة في القانون المصري حيث يسأل جنائياً عن مخالفة أحكام قانون العمل صاحب العمل أو المدير المسئول ، فالمدير المسئول قد يكون مدير المشروع أو مدير المنشأة .
- والأخذ بفكرة المشروع يؤدي إلى إمكان تبرير العديد من الأحكام الواردة في قانون العمل والتي يصعب تبريرها في ضوء المبادئ العامة للقانون المدني .
فمن مبادئ القانون المدني عدم إنتقال الإلتزام إلى الخلف الخاص إلا وفقاً لأحكام المادة 146 من القانون المدني ، ولا تبرر هذه القواعد بسهولة ما ورد في قانون العمل من مسئولية الخلف بالتضامن عن التزامات السلف ، واستمرار عقد استخدام عمال المنشأة قائماً في حالات التصرف وغيرها ، أما فكرة المشروع فهي تقدم التبرير المقنع وهو ضرورة استمرار المشروع .
وفكرة المشروع تبرر العديد من النتائج التي تعجز الفكرة العقدية عن تبريرها خصوصاً عند بطلان عقد العمل . ( شرح قانون العمل ، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ، الطبعة الرابعة 2020 ، دار النهضة العربية ، الصفحة : 11 )
نطاق تطبيق قانون العمل من حيث الأشخاص :
يتميز نطاق قانون العمل في مصر بالإتساع التدريجي في مجال تطبيقه حتى تمتد الحماية الخاصة التي يقررها قانون العمل إلى أكبر عدد ممكن من العمال .
وضعت المادة الثالثة من قانون العمل مبدأ هاماً وهو أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 هو القانون العام الذي يحكم علاقات العمل وذلك مع مراعاة اتفاقيات العمل الجماعية وأحكام المادة الخامسة من القانون .
فالأصل هو أن قانون العمل يحكم جميع علاقات العمل التابع الخاصة ، والخروج على ذلك يكون بقانون من نفس قوة قانون العمل .
ولقد استهدف المشرع بذلك النص الهام التوصل إلى قانون عمل موحد لكافة علاقات العمل التابع .
ويخضع العاملون في شركات القطاع العام للقانون رقم 48 لسنة 1978، ويسري على العاملين في قطاع الأعمال العام للقانون رقم 203 لسنة 1991 واللوائح الصادرة تنفيذاً لهذا القانون .
ويثور الخلاف في دوائر الفقه والقضاء بشأن مدى إعمال قانون العمل إذا اختلفت أحكامه مع قانون ولوائح قطاع الأعمال العام .
فقد ذهبت محكمة النقض إلى أن شركات قطاع الأعمال العام تخضع لما تصدره تلك الشركات من لوائح بنظام العاملين فيها وهي الأساس في تنظيم علاقات عملهم ولو تعارضت مع قانون العمل أو أي قانون آخر ، والرجوع إلى قانون العمل - لا يكون إلا فيما لم يرد بشأنه خاص في قانون ولوائح شركات قطاع الأعمال العام .
وبعد صدور قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، فقد ذهب جانب من الفقه إلى أن مفاد المادة الثالثة من قانون العمل هو سريان هذا القانون على هيئات وشركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام في علاقتها بعمالها .
وقانون العمل قد حدد في المادة الثالثة نطاق تطبيقه وهو لم يستثن عمال القطاع العام أو قطاع الأعمال العام من نطاق تطبيقه ، وأن قانون العمل قد راعى الحفاظ على حقوق العمال في المادة الثانية ، وكذلك بموجب المادة الرابعة من قانون الإصدار .
ولقد رفض جانب من الفقه ذلك الإتجاه على سند من أن الحكم الخاص الوارد في القوانين الخاصة بتلك القطاعات يقيد الحكم العام في قانون العمل ، والمادة الثالثة تعبر عن أمل وهو لم يتحقق في ظل القانون 12 لسنة 2003 شأنه في ذلك شأن القوانين السابقة .
ومازال قضاء النقض مستقراً على الرأي السابق وهو يمثل ما يجري عليه العمل . ( شرح قانون العمل ، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ، الطبعة الرابعة 2020 ، دار النهضة العربية ، الصفحة : 101 )