loading

موسوعة قانون العمل

المذكرة الإيضاحية

ملحوظة :صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2103 لسنة 2023 باستبدال اسم وزارة العمل باسم وزارة القوى العاملة أينما ورد فى اللوائح والقرارات .

(الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الرابع)

تناولت المادة 146 من المشروع تعريف المفاوضة الجماعية وهي الحوار والمناقشات التي تجري بين المنظمات النقابية العمالية وبين أصحاب الأعمال أو منظماتهم من أجل : 

- تحسين شروط وظروف العمل وأحكام الاستخدام. 

- التعاون بين طرفي الإنتاج لتحقيق التنمية الإجتماعية لعمال المنشأة. 

- تسوية المنازعات بين العمال وأصحاب الأعمال .   

 

قرار وزارة القوى العاملة والهجرة رقم 124 لسنة 2003 
بتحديد مستويات التفاوض الجماعي وموضوعاته والإجراءات التي تتبع في شأنه

وزير القوى العاملة والهجرة 

بعد الإطلاع أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003؛ وعلى الاتفاقيات الدولية والعربية المصادق عليها من جمهورية مصر العربية؛ 

وبعد الإتفاق مع منظمات العمال ومنظمات أصحاب الأعمال؛ 

قرر:

(المادة الأولى) 

تكون المفاوضة الجماعية على مستوى المنشأة أو فرع النشاط أو المهنة أو الصناعة ، كما تكون على المستوى الإقليمي أو القومي ، وذلك على النحو التالي :

أ- على مستوى المنشأة : بين اللجنة النقابية بالمنشأة و ممثلي النقابة العامة المعنية وصاحب العمل .

ب- على مستوى المنشآت متعددة الفروع : بين ممثلين عن المركز الرئيسي يمثلون الشركة ، و المنظمات النقابية العمالية المعنية .

ج- على مستوى الصناعة : بين أصحاب الاعمال أو منظماتهم التي تشترك في صناعة معينة وبين ممثلي النقابة العامة طبقاً للتصنيف المهني للنقابات .

د- على المستوى الإقليمي : بين مجموعة ممثلي أصحاب العمل في صناعة واحدة أو منظماتهم في منطقة جغرافية محددة وبين النقابة العامة المعنية ، وإذا تعددت الانشطة طبقاً للتصنيف المهني للنقابات يكون التفاوض بين أصحاب العمل أو منظماتهم وممثلي الاتحاد العام لنقابات عمال مصر .

هـ- على المستوى القومي : بين الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ومنظمات أصحاب الأعمال المعنية .

 

( المادة الثانية )

يتم التفاوض على ما من شأنه تحسين شروط وظروف العمل وأحكام الاستخدام و التعاون بين طرفي العمل لتحقيق التنمية الاجتماعية لعمال المنشأة ، وتسوية المنازعات بين العمال وأصحاب الأعمال ، و على الأخص :

- تقرير مزايا أفضل للعمال .

- الخدمات الاجتماعية والثقافية والرياضية .

- الوقاية من الحوادث وحماية العمال من أمراض المهنة .

- تنظيم الخدمات الصحية والاسعافات الاولية الملائمة في مجال العمال .

- الإجراءات الرضائية التي يتفق على اتباعها عند قيام نزاع جماعي .

- التدريب على استخدام التكنولوجيا الحديثة والتدريب التحويلي .

- ساعات العمل وساعات العمل الاضافية .

- الاجازات مدفوعة الأجر .

- العلاوات والمنح والحوافز والبدلات .

- المكافآت المرتبطة بالإنتاج .

 

( المادة الثالثة )

يتم التفاوض في المنشآت التي تستخدم 50 عاملاً فأكثر بين ممثلين عن اللجنة النقابية بالمنشأة والنقابة العامة وبين صاحب العمل .

فإذا لم توجد لجنة نقابية بالمنشأة يكون التفاوض بين صاحب العمل و خمسة عمال تختارهم النقابة العامة المعنية على أن يكون من بينهم ثلاثة على الأقل من عمال المنشأة .

بالنسبة للمنشآت التي تستخدم أقل من 50 عاملاً يتم التفاوض بين ممثلين عن النقابة العامة المعنية وبين ممثلين عن منظمة أصحاب الأعمال المعنية أو عن صاحب العمل ؛ ويعتبر ممثلو كل طرف مفوضين قانوناً في إجراء التفاوض و إبرام ما يسفر عنه من اتفاق .

إذا رفض أحد الطرفين البدء في إجراءات المفاوضة الجماعية ، جاز للطرف الآخر أن يطلب من الجهة الادارية المختصة تحريك اجراءات التفاوض بإخطار منظمة أصحاب الأعمال أو المنظمة النقابية لعمال بحسب الأحوال لمباشرة التفاوض الجماعي نيابة عن الطرف الرافض ، وتعتبر المنظمة المختصة في هذه الحالة مفوضة قانوناً في التفاوض وتوقيع الاتفاق الجماعي .

 

( المادة الرابعة )

يحظر على صاحب العمل أثناء المفاوضة الجماعية اتخاذ او إصدار قرارات تتعلق بالموضوعات المطروحة للتفاوض إلا في حالة الضرورة والاستعجال ، ويشترط الاجراء او القرار في هذه الحالة مؤقتاً .

 

( المادة الخامسة )

يدون الاتفاق الذي تسفر عنه المفاوضة في اتفاقية جماعية طبقاً للشروط والأوضاع التي أوجبها القانون في هذا الشأن، فإذا لم تسفر المفاوضة عن اتفاق كان لأي من الطرفين أن يلجأ إلى الإدارة المختصة بشئون المفاوضة واتفاقيات العمل الجماعية بوزارة القوى العاملة و الهجرة أو مديريات القوى العاملة والهجرة لمحاولة التوفيق بينهما ومساعدتهما للوصول إلى اتفاق .

 

( المادة السادسة )

إذا لم يتم تسوية النزاع كلياً خلال 30 يوماً من تاريخ بدء المفاوضة ، جاز للطرفين أو لأحدهما أو لمن يمثلهما التقدم بطلب إلى وزارة القوى العاملة و الهجرة لاتخاذ إجراءات الوساطة .

 

( المادة السابعة )

ينشر هذا القرار في الوقائع المصرية ، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره .

تحريراً في 14 - 7 - 2003

وزير القوى العاملة والهجرة 
أحمد أحمد العماوي 

شرح خبراء القانون

تعريف المفاوضة الجماعية :

تعريف المفاوضة الجماعية في مستويات العمل الدولية :

اهتمت منظمة العمل الدولية بالمفاوضة الجماعية إهتماماً بالغاً ، حيث أصدرت الاتفاقية الدولية رقم "98" لسنة 1949 ، والاتفاقية الدولية رقم (154) لسنة 1981 بتشجيع المفاوضة الجماعية، والتوصية رقم "143" ، والتوصية رقم "163" لسنة 1981 .. إلخ . ولم تتضمن الاتفاقية الدولية رقم "98" لسنة 1949 - بشأن الحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية - تعريفاً للمفاوضة. 

ولكن الاتفاقية رقم "154" لسنة 1981 الخاصة بتشجيع المفاوضة الجماعية عرفت المفاوضة الجماعية في الجزء الأول بعنوان «النطاق والتعريف، في مادتها الثانية والتي تنص على أنه: « في مفهوم هذه الاتفاقية، يشمل تعبير المفاوضة الجماعية جميع المفاوضات التي تجري بين صاحب عمل ، أو مجموعة من أصحاب الأعمال أو واحدة أو أكر من منظمات أصحاب الأعمال من جهة، ومنظمة عمال أو أكثر من جهة أخرى، من أجل : 

أ) تحديد شروط العمل وأحكام الاستخدام.

ب) تنظيم العلاقات بين أصحاب الأعمال والعمال. 

ج) تنظيم العلاقات بين أصحاب الأعمال أو منظماتهم ومنظمة أو منظمات العمال. 

وأوضحت الاتفاقية بأن موضوعات المفاوضة تكمن في الثلاثة موضوعات السابق الإشارة إليها. 

کما بینت هذه الاتفاقية أطراف المفاوضة الجماعية، إذ أوضحت أن المفاوضة تجري بين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال، أو واحدة أو أكثر من منظمات أصحاب الأعمال من جهة، ومنظمة عمال أو أكثر من جهة أخرى. 

وعرفت المفاوضة بأنها جميع المفاوضات التي تجري بين الأطراف المعنية. 

تعريف المفاوضة الجماعية في مستويات العمل العربية : 

اهتمت منظمة العمل العربية بالمفاوضة الجماعية منذ نشأتها، باعتبارها حقاً من الحقوق النقابية. ووضح ذلك في كافة المستويات العربية، غير أن الاتفاقية المباشرة هي الاتفاقية العربية رقم "11" لسنة 1979 بشأن المفاوضة الجماعية، والتي تم إقرارها في الدورة السابعة لمؤتمر العمل العربي الذي عقد بالخرطوم (مارس / آذار) 1979 م ، ونصت المادة الأولى على أن المفاوضة الجماعية بجميع أشكالها القانونية حق لكل منظمات العمال وأصحاب الأعمال او منظماتهم في كافة قطاعات النشاط الاقتصادي العامة أو الخاصة دون تدخل من أية جهة كانت". 

وأوضحت هذه المادة أن مجال المفاوضة الجماعية في كافة قطاعات النشاط الاقتصادي بصرف النظر عن كون هذا النشاط نشاطاً عاماً ، أو نشاطاً خاصاً. وبينت هذه المادة مدى شرعية المفاوضة الجماعية، باعتبارها حقاً شرعياً لمنظات العمال وأصحاب الأعمال أو منظماتهم. 

ونصت هذه المادة على أطراف المفاوضة الجماعية، وهما منظمات العمال وأصحاب الأعمال أو منظماتهم. وبهذا فإن الاتفاقية العربية رقم (11) لسنة 1977 حاولت أن تجمع أكثر من اتجاه في تعريف المفاوضة الجماعية. 

تعريفات شائعة : 

وإذا كان الاصطلاح النقابي وهو أن المفاوضة أو المساومة الجماعية) يظهر في حد ذاته كمفهوم بسيط، ولكن تعددت التعريفات لمفهوم المفاوضة الجماعية من خلال آراء الكتاب والقوانين على النحو التالي :

1) ذهب البعض إلى تعريف المفاوضة الجماعية بأنها: «المساومات والمناقشات التي يجريها أو يقوم بها مثلو نقابات أو اتحادات العمال أو ممثلو العيال مع صاحب العمل أو منظمات أصحاب الأعمال أو ممثليهم من أجل التوصل إلى حسم منازعات العمل الجماعية التي قد تحدث بينهما في مجال العمل والشغل أو من أجل إبرام إتفاقي العمل الجماعي أو عقد العمل الجماعي بينها لتحديد الشروط والظروف والمستلزمات التي يقبل بها الطرفان جماعية لممارسة النشاط الاقتصادي لحساب او مصلحة أصحاب العمل، كل هذه المساومات والمناقشات تسمى (بالمفاوضة الجماعية).

2) وهناك من عرف المفاوضة الجماعية بأنها: « العملية التي تجري بن أصحاب الأعمال وممثلي العمال وعندما يتوافر الإيمان بأن المفاوضة الجماعية هي وسيلة مهمة التنظيم علاقات العمل على أسس تحقق إلى حد ما نوعاً من العدالة تنسجم مع التطور الاقتصادي والاجتماعي في أي بلد فيعتبر الإيمان أحد المرتكزات، يضاف إليه اللقاء بين إرادة الطرفين لتنظيم شروط وظروف العمل وتحديد الحقوق والمزايا الخاصة بالعمال ، ولما كانت تشريعات العمل تمثل الحد الأدني لحقوق العمال رغم تباینها بين بلد وآخر ، لذلك تكون المفاوضة الجماعية وسيلة أساسية لتحسين مستويات العمل ورفع المستوى المعيشي للطبقة العاملة ورفع الكفاءة الإنتاجية في آن واحد.

3) ويذهب رأي ثالث في هذا الاتجاه إلى تعريف المفاوضة الجماعية بأنها: 

كمصطلح نقابي تشير إلى عملية الاتفاق المشترك من خلال المفاوضات التي تتم بين العمال وأرباب الأعمال حول المشاكل الناجمة عن علاقة العمل ويستطرد صاحب هذا الرأي فيضيف : وبمعنى آخر إنها تعبر عن المفاوضات التي تدور بين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال، أو منظمة أو أكثر من منظمات أصحاب الأعمال من جانب ، وبين منظمة عمالية أو أكثر من جانب آخر بهدف التوصل إلى إتفاق يتضمن تحديد وتنظيم علاقات العمل وشروطه».

4) وذهب رأي رابع في تعريف المفاوضة الجماعية إلى أنها : « إنها تعني على وجه التحديد ذلك السعي الدءوب بين أطراف الإنتاج من أجل الوصول إلى إتفاق يتجاوز ما بينهم من تناقضات كامنة أو ظاهرة في مجال العلاقات الصناعية).

5) وذهب رأي خامس في تعريف المفاوضة الجماعية إلى أنها : « المفاوضات التي تدور بين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال، وبين منظمة نقابية أو أكثر بهدف الوصول إلى اتفاق يضمن تحديد الأجور وشروط وقواعد العمل الأخرى).

6) ويذهب رأي آخر إلى تعريف المفاوضة الجماعية بأنها: «عبارة عن موقف تعبيري حركي بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا ، يتم من خلاله نوع من تبادل الآراء ، وعرض وجهات النظر واستخدام كافة أساليب التأثير والإقناع ومحاولة للتقريب بين المواقف والمواءمة بين المصالح المختلفة، والتكيف مع المتغيرات بهدف الوصول إلى اتفاق مشترك تقبله الأطراف المعنية وترضى به، ضماناً لاستمرارية العلاقة بين الأطراف واستقرارها والتفاوض عموماً - أياً كان نوعه وبصرف النظر عن أطرافه - لابد أن يدور حول قضية ما أو موضوع معين ، ويعتبر بمثابة محور العملية التفاوضية ».

7) ويذهب رأي إلى تعريف المفاوضة الجماعية بما يلي : «يعتبر الحوار الجماعي أحد أبرز سمات المجتمعات المتطورة ، وذلك لما يهدف إليه هذا الحوار من تنمية للعلاقات المهنية والاجتماعية وتدعيم البناء الديمقراطي، ذلك أن الشعور بالحداثة والرغبة في مواكبتها أدى بهذه المجتمعات إلى الإيمان بأن تعزيز العدالة الاجتماعية خاصة في ميدان العمل لا يمكن أن يتحقق إلا بمشاركة الفاعلين الاجتماعيين والبحث عن أنظمة وحلول مناسبة لمختلف القضايا التي يطرحها میدان العلاقات المهنية والاجتماعية بشكل عام. وهذا هو ما أدى إلى الاقتناع بأن الحوار الجماعي والمفاوضة الجماعية هما من أفضل السبل للوصول إلى تلك الأهداف ".

8) وهناك تعريف للمفاوضة الجماعية من حيث أطرافها بأنها: « المفاوضات التي تتم بين نقابة عامة أو أكثر ، وبين واحد أو أكثر من أصحاب الأعمال أو بين الاتحاد العام للعمال وأحد أصحاب الأعمال أو منظماتهم».

9) وهناك تعريف للمفاوضة الجماعية من حيث الموضوعات على النحو التالي :

" أتجهت بعض التعريفات إلى تعريف المفاوضة الجماعية من حيث بيان الموضوعات : التي تكون دائماً محل التفاوض بين العمال ومنظماتهم وبين أصحاب الأعمال ومنظماتهم حيث أتجهت الاتفاقية الدولية رقم (154) لسنة 1981م بشأن تشجيع المفاوضة الجماعية إلى تعريف من حيث بیان الموضوعات وذلك على النحو التالي: 

( في مفهوم هذه الاتفاقية يشمل تعبير المفاوضة الجماعية ؛ جميع المفاوضات التي تجري بين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال، أو واحدة أو أكثر من منظمات أصحاب الأعمال من جهة، ومنظمة عمال أو أكثر من جهة أخرى ، من أجل : 

أ) تحديد شروط العمل وأحكام الاستخدام .

ب) تنظيم العلاقات بين أصحاب الأعمال والعمال. 

ج) تنظيم العلاقات بين أصحاب الأعمال أو منظماتهم ومنظمة أو منظمات العمال“.

10) التعريف من حیث بیان مستويات المفاوضة الجماعية: اتجه تعريف للمفاوضة الجماعية من حيث مستوياتها ، حيث يقول : " ... وقد تقوم المفاوضة الجماعية على مستوى المنشأة ، وقد تقوم على مستوى الصناعة بين النقابة أو عدة نقابات عامة وممثلي صناعة معينة كصناعة النسيج أو البترول على المستوى القومي. 

بعد استعراض التعريفات سالفة الذكر ، نجد أنها تجمع على أن المفاوضة حق للعمال ومنظماتهم ، بحيث تؤدي إلى استقرار العلاقات داخل المنشأة من خلال المفاوضات حول شروط وظروف العمل، وتنتهي إلى وضع قواعد تحكم هذه العلاقة ، يسيطر عليها مبدأ سلطان الإرادة. 

مجالات المفاوضة الجماعية : 

على المستوى العالمي ، فلقد شملت الاتفاقية الدولية رقم (154) لسنة 1981 م موضوعات المفاوضة الجماعية في الآتي : 

1) تحديد شروط العمل وأحكام الاستخدام.

2) تنظيم العلاقات بين أصحاب الأعمال والعمال.

3) تنظيم العلاقات بين أصحاب الأعمال أو منظماتهم ومنظمة أو منظمات العمال. وبذلك فإن الموضوعات التي حددتها الاتفاقية الدولية إنها تغطي مجالات وموضوعات التفاوض، ونعرض لبعض موضوعات التفاوض الأخرى غير المحددة في الاتفاقية.

أولاً : المفاوضة بشأن الأجور: 

يعتبر الأجر هو المحور الأساسي والأول للمفاوضة الجماعية ، باعتبار أن من أهم وظائف النقابات الدفاع عن مستوى معيشة أعضائها والارتقاء بهم ، لذا فإنه بالنسبة للنقابات في اقتصاد السوق عليها أن تنتهج سياسة نشطة للتفاوض بشأن الأجور .. وسوف نتحدث عن موضوعات الأجر.

يعتبر الدفاع عن مستوى معيشة العامل هو المحافظة على القوى الشرائية للأجر النقدي.والأجر يشمل عدة عناصر ، منها الأجر الأساسي والعلاوات ، والمكافآت والأجر الإضافي والبدلات بصفة عامة ، والمكافآت السنوية ، والنصيب في الأرباح، وسوف نلقي الضوء على بعض هذه العناصر.

أ) الأجر الأساسي : لا يوجد تعريف دولي للأجر الأساسي، ولكن جرت محاولات عديدة لتحديد المقصود بالأجر الأساسي، فهل هو الحد الأدنى للأجر الذي يتيح للعامل ومن يعولهم المعيشة ؟ أم هو الأجر الضروري للحياة بشكل ملائم ؟ والاتفاقية الدولية رقم (3) لسنة 1970 حددت العناصر التي تراعى عند تحديد مستوى الحد الأدنى للأجور ، وهي :

1- حاجات العمال وأسرهم، مع مراعاة المستوى العام للأجور في البلاد وتكاليف المعيشة ومزايا التأمين الاجتماعي ومستويات المعيشة بالمقارنة للفئات الاجتماعية  والأخرى. 

2- العوامل الاقتصادية بما في ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية ومستويات الكفاية الإنتاجية وأهمية الوصول إلى مستوى مرتفع للعدالة والإبقاء عليه. 

وإن كنا نميل بتعريف الحد الأدنى للأجر بالحد الذي يكفل معيشة لائقة للعامل من مسکن و صحة وتغذية وتعليم فهو بمثابة حد الدفاع الاجتماعي للإنسان. 

ب) ربط الأجر بالإنتاج: قد يكون العمل منظماً على أساس أن الأجر مرتبط بالقطعة وهو أمر نجده كثيرة في مجالات عمل مختلفة.

ج) الحوافز: وهو يتمثل في إعطاء العامل مبلغاً عن كل وحدة إنتاج معينة. 

د) الدخل خارج نطاق الأجر: لا يعد الأجر مصدر الدخل كله في كثير من الحالات، 

برغم أنه يمثل إلى حد بعيد العنصر الأساسي فيه، وهذا الدخل الإضافي هو ذلك الذي ينص عليه الضمان الاجتماعي، وذلك من خلال الإعانات التي تدفع وتشمل في أغلب الدول مسائل التقاعد والعجز وحوادث العمل والمرض. 

هـ) أسلوب المفاوضة الجماعية بشأن الأجور: ويتم ذلك من خلال طلب يكتب بعناية فائقة لكل العمال ، ومختلف فئات العمال .

ومن بين الأسس الهامة في هذا المجال التركيز على التضخم وعلاقته بالأجر الفعلي وكذلك ربحية المنشأة ، وإنتاجية العمل، ومقارنة المهن الأخرى، وغلاء المعيشة.

ثانيا : التفاوض بشأن ساعات العمل: 

ظل خفض ساعات العمل من بين أهداف الحركة النقابية وبمثابة المحور الرئيسي للمظاهرات والمسيرات العمالية، وعند إنشاء منظمة العمل الدولية في عام 1919م وضعت مسألة تخفيض ساعات العمل على رأس قائمة مطالبهم، وصدرت الاتفاقيات والتوصيات عن مؤتمر العمل الدولي ، إلا أن النجاح كان محدودة في هذا النطاق، وصادق عدد قليل على اتفاقيات ساعات العمل. 

وبرغم ذلك فإن العمال - في المفاوضة الجماعية بشأن ساعات العمل - أرتكزوا على مستويات العمل الدولية لتأكيد مطالبهم أثناء المفاوضة الجماعية. 

و موضوع ساعات العمل - کمسألة مطروحة للمفاوضة الجماعية - يتسم بالتعقيد ووجود مشاكل ، منها على سبيل المثال : هل تحسب كل ساعات العمل على نحو متساو، حتى لو كانت فترة ليلية ، أو في عطلة نهاية الأسبوع، أو في أثناء العطلات الرسمية ؟ وكيف تحسب الفترات التي يتواجد فيها العامل ، في حين أنه لا يتمكن من العمل مثلاً بسبب سوء الأحوال الجوية ، أو بسبب عدم توافر المواد الخام ؟ وهل ينبغي التفاوض التحديد ساعات عمل مختلفة للعمال صغار السن ولكبار السن وللنساء ؟ وهل يجب تقلیل ساعات العمل اليومية في المهن والأعمال الشاقة وغير الصحية ؟ ..الخ.

 تلك هي بعض المشاكل التي يجب أن تكون موضع مفاوضة. 

ثالثاً : التفاوض بشأن الإجازات 

لقد استطاعت النقابات العمالية أن نصل إلى أنواع عديدة من الإجازات مدفوعة الأجر ، وقبل إنشاء النقابات لم يكن العمال يحصلون على أجر أثناء العطلات.

رابعاً : التفاوض بشأن السلامة والصحة المهنية: . 

ويمكن أن تم المفاوضة الجماعية بشأن موضوع السلامة والصحة المهنية بأحد أسلوبين : 

الأسلوب الأول : وهو يتمثل في الوقاية من خلال إدخال تحسينات في مجال الوقاية من الحوادث وحماية العمال من أمراض المهنة، وذلك بطرح موضوع يحدده من لهم خبرة في مجال السلامة والصحة المهنية تتمثل مهمتهم في التأكد من تطبيق لوائح السلامة بكل دقة ، وبالفعل هناك قوانين وطنية تنص على هذا الاتجاه.

الأسلوب الثاني : يتمثل في تنظيم الخدمات الصحية والإسعافات الأولية الملائمة في مقر العمل، ذلك أن توفير مركز للعلاج والإسعافات الأولية في مكان العمل يعد من الاستثمارات الجيدة لصاحب العمل، إذ إن العامل الذي يصاب أثناء العمل ويجد الإسعافات الأولية والعلاج السريع ويعود إلى أداء عمله فور إجراء هذه الإسعافات إنها يزيد من قوة العمل ويؤثر على الإنتاج با یزید من أرباح صاحب العمل، وهذا أمر توضحه القيادات النقابية في هذا المجال التفاوضي. 

خامساً : التفاوض بشأن معايير المفاضلة بين العمال في حالة الخفض الجزئي للعمالة والتعويضات المستحقة :

ويتم ذلك إذا واجهت المنشأة ظروفاً اقتصادية تتطلب إيقاف جزئية من مشروعاتها بما يؤدي للمساس بحجم العمالة بها.

سادساً : التفاوض بشأن قواعد التعويض في حالة الاستغناء عن العمالة بسبب التطورات التكنولوجية :

ويحدث ذلك في حالة استخدام المنشأة معدات تكنولوجية حديثة تؤول إلى الاستغناء ان عدد من العمال ، فها هي التعويضات المستحقة ودور المنشأة التي كانوا يعملون بها فيها لإعادة تأهيلهم للعمل على وظائف أخرى. 

أطراف المفاوضة الجماعية : 

نصت اتفاقية العمل الدولية رقم (98) لسنة 1949 وهي إتفاقية حق التنظيم والمفاوضة الجماعية - على أن المفاوضة الجماعية تجري بين أصحاب الأعمال أو منظماتهم، والعمال ومنظماتهم. 

کما اتجهت اتفاقية العمل الدولية رقم (154) لسنة 1981 ذات الاتجاه، حيث نصت المادة الثانية على أنه : " في مفهوم هذه الاتفاقية ، يشمل تعبير المفاوضة الجماعية جميع المفاوضات التي تجري بين صاحب عمل ، أو مجموعة من أصحاب العمل أو واحدة أو أكثر من منظمات أصحاب العمل من جهة ، ومنظمة عمال أو أكثر من جهة أخرى “. 

وقد أوضحت اتفاقية العمل العربية رقم (11) لسنة 1979 بأن طرفي المفاوضة الجماعية هما منظمات العمال وأصحاب الأعمال ، فنصت المادة الأولى من هذه الاتفاقية على أن : ” المفاوضة الجماعية بجميع أشكالها القانونية حق لكل منظمات العمال وأصحاب الأعمال أو منظماتهم في كافة قطاعات النشاط الاقتصادي العامة أو الخاصة دون تدخل من أية جهة كانت“.

مستويات المفاوضة : 

إن البناء أو الهيكل التنظيمي للمفاوضة الجماعية يشير إلى المستوى التنظيمي الذي سيتولى القيام بالمفاوضة ، ويشير أيضاً إلى نطاق العمال وأصحاب الأعمال الذين سوف يغطيهم أو يشملهم الاتفاق الجماعي ويخضعون لشروطه ويتأثرون به. ففي مجال المستويات التي تتولى المفاوضة ، فإن الواقع العملي زاخر بالاختلافات، فهناك على المستوى العالي مساحة عريضة من التباين فيما يتعلق بنظم العلاقات الصناعية، وبالتالي تعدد أشكال ومستويات المفاوضة الجماعية، وذلك انطلاقا من إختلاف الظروف المحيطة (تاريخية / سياسية / اقتصادية / اجتماعية ... الخ). 

المفاوضة على المستوى القومي : 

وعلى خريطة العالم نجد أن هناك من يميل إلى المركزية في التفاوض (المستوى القومي) وهناك من يفضل الاتجاه نحو اللامركزية (مستوى المشروع، وفيها بين هذين الاتجاهين توجد مساحة لعدد من النماذج الوسيطة الأخرى. 

والواقع أن الدول التي تمارس المفاوضة الجماعية على أساس مرکزي تعتبر قليلة نسبياً. 

المفاوضة على مستوى المشروع : 

وعلى الجانب الآخر، نجد أن النمط الأكثر شيوعاً هو المفاوضة على مستوى المشروع، والمفاوضة الجماعية على مستوى المنشأة أو المشروع تعتبر من أقدم صور المفاوضة، حيث بدأت المفاوضة الجماعية أول ما بدأت على مستوى المنشاة ، وكان من الطبيعي أن تكون بدايتها كذلك لأن المتعاملين في مصنع معين يعملون في ظروف عمل واحدة أو متماثلة ، وتجمع بينهم المصلحة المشتركة في العمل على حماية مصالحهم وتحسين ظروف معيشتهم. 

ويرجع إنتشار المفاوضة الجماعية على مستوى المشروع أو المصنع إلى عدد من الأسباب نذكر منها :

- سهولة الوصول إلى اتفاق بين الأطراف ، وبالتالي تقليل الخلافات وتضييق دائرة النزاع. 

- يستطيع العمال أن يتقابلوا ويناقشوا مشاكلهم دون صعوبة ودون حاجة إلى إنتقال من مكان لآخر. 

- لا توجد حاجة إلى آلية متطورة ومعقدة للمفاوضة.

- مشاكل أقل فيما يتعلق بانتخاب ممثلي العاملين ، ومشاكل أقل أيضا بالنسبة لتبادل الآراء والمعلومات. 

- تأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة بالمشروع. 

- يمكن أن تؤدي إلى زيادة الإنتاجية ، حيث يأمل العمال في زيادة نصيبهم عند زيادة المجهود. 

وعلى جانب أصحاب الأعمال فإن المفاوضة على مستوى المشروع أو المصنع توفر بعض المزايا ، منها :

- على مستوى المصنع الواحد (الصغير نسبياً) يستطيع صاحب العمل أن يقود المفاوضات شخصياً. 

- سوف تتعامل الإدارة مع نقابيين تعرفهم تماماً ، ولديها رصيداً من التعامل الشخصي معهم وكلما بعدنا عن المستوى المحلي في اتجاه المركزية ، كلما اتسعت الهوة بين ممثلي الأطراف على الجانبين، أي أن المركزية تعني بعد القواعد العمالية عن الذين يمثلونهم ويتكلمون باسمهم ، ونفس الوضع يحدث على جانب أصحاب الأعمال، الأمر الذي يستلزم تنسيقاً أكبر وأقوى. 

وعلى ذلك فإن المفاوضة الجماعية على مستوى المشروع أو المنشاة تبدو أنها الاختبار الطبيعي للنقابات العمالية في الدول النامية، ومع ذلك فهي تمثل ايضاً الاختيار الملائم لعدد من الدول الكبيرة والمتقدمة صناعياً مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. 

ومع ذلك، فإن المفاوضة على مستوى المشروع أو المصنع لها مساوئها أيضا، ومن هذه المساوئ :

- يمكن أن تؤدي إلى اختلافات واضحة في دخول العمال الذين يعملون في أعمال مماثلة داخل المشروعات والمواقع المختلفة.

- قد لا يستطيع العمال الذين يعملون في مصانع صغيرة أن يحصلوا على أجور ومزايا معقولة، وقد لا توجد لديهم القوة التفاوضية للحصول على ذلك. 

لذلك فإن المفاوضة على مستوى الصناعة ، تعمل على تقريب القوة ، ولهذا السبب يتم تفضيلها في بعض الحالات ، والواقع أن المفاوضات على مستوى الصناعة هي الصورة الشائعة الاستخدام في أوروبا الغربية ، والأكثر أن هذا النمط بدأ ينتشر في عدد من الدول النامية أيضاً ، وخاصة تلك التي تتميز بنمو وانتشار المؤسسات الصناعية. 

وعموماً يمكن القول إن الساحة العملية تتسع لأشكال ونماذج عديدة ، ارتباطاً بطبيعة الظروف السائدة في المجتمع من جانب، وظروف المنظمات الخاصة بأصحاب الأعمال ، وتلك الخاصة بالعمال من جانب آخر. 

والخلاصة أنه لا يوجد شكل أو نمط مثالي أو کامل تماماً ، فأي منها قد يكون أقدر من غيره على تلبية احتياجات الأطراف المعنية في ظروف معينة ، وقد يكون أحدها أكثر ملاءمة للاحتياجات العملية ، وفي النهاية تظل إمكانية التطور والتغيير قائمة في ضوء تغير الظروف والاحتياجات.

المفاوضة الجماعية على مستوى الصناعة : 

إن المفاوضة الجماعية على مستوى الصناعة وما يتمخض عنها من اتفاقات، تعني أن الإتفاق الجماعي (العقد) الذي يتم التوصل إليه عن طريق الأطراف المعنية ، يغطي أعداداً كبيرة من المشروعات أو الشركات العاملة في ميدان صناعة معينة ، وبمعنى آخر ؛ فإن مثل هذه الاتفاقات الجماعية تصبح واجبة التطبيق على عدد من الشركات التي تعمل في ذات الصناعة. 

والاتفاقات الجماعية على مستوى الصناعة يصاحبها العديد من المشاكل، ولعل أحد وأهم أسباب هذه المشاكل يرجع إلى الاختلافات الأساسية في الظروف الاقتصادية بين المشروعات الداخلة تحت مظلة الاتفاق، فهذه المشروعات - وإن كانت تعمل في مجال صناعي واحد - إلا أنها لا تتماثل في الكفاءة، ولا في درجة الرواج أو الازدهار، إلى غير ذلك من اختلافات. 

وعلى ذلك فإن المشروع الأكثر رواجاً وازدهاراً ، وبالتالي الأكثر قدرة على تلبية مطالب عماله قد يكون قادراً وربما راغباً في زيادة الأجور بنسبة معينة (ولتكن 10 % مثلاً)، بينها قد لا تستطيع المشروعات الأقل كفاءة والأقل قدرة أن تتحمل الزيادة بنفس النسبة. 

مسئولية الحكومات في مجال المفاوضة الجماعية وفقاً للمستويات الدولية والعربية : 

إن من أهم مسئوليات الحكومات مسئوليتها عن رخاء عمالها ، وهذا ما أكدته دیباجة دستور منظمة العمل الدولية الصادر عام 1919 م ، حيث يؤكد أن (عدم اعتماد أي دولة لنظام يوفر ظروف عمل إنسانية يعوق جهود الدول الأخرى التي تتطلع إلى تحسين الظروف داخل بلادها). 

وفي عام 1944 اعتمد مؤتمر العمل الدولي ما أصبح معروفة بإعلان فيلادلفيا، الذي أرفق بدستور منظمة العمل الدولية ، والذي يحدد بشكل أكبر مسئولية الدولة في بعض المجالات ، منها : رفع مستويات المعيشة، والتدريب المهني ، والأجور العادلة، والضمان الاجتماعي .. والاعتراف الفعلي بالحق في المفاوضة الجماعية، وقد أكد إعلان فيلادلفيا أن واجب الدولة يتمركز في هذا الجانب من حيث الاعتراف الفعلي بحق المفاوضة الجماعية. 

وباستعراض مستويات العمل الدولية التي أقرتها منظمة العمل الدولية، ومستويات العمل العربية يتبين أن مسئولية الدولة في مجال المفاوضة الجماعية يكمن في الآتي :

أولاً : ضمان وحماية ممارسة الحقوق والحريات النقابية طبقاً للمقررات الدولية والعربية :

أصدرت منظمة العمل الدولية اتفاقيات وتوصيات عديدة في مجال الحقوق والحريات النقابية ، وعلى ذات الدرب أصدرت منظمة العمل العربية اتفاقيات في هذا المجال، ولعل أشهرها الاتفاقية الدولية رقم 87 لسنة 1948م والاتفاقية الدولية رقم 98 لسنة 1949 م .

ويعني هذا الضمان حق العمال وأصحاب الأعمال في تكوين تنظيمات لهم يختارونها بمحض إرادتهم ، وينضمون إليها وينسحبون منها بحرية كاملة ، ولهذا نصت المادة الثانية من اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم رقم (87) لسنة 1948 على أنه: ” للعمال وأصحاب الأعمال دون أي تمييز على الإطلاق، الحق في تكوين المنظمات التي يختارونها، وكذلك الحق في الانضمام إلى منظمات دون إذن مسبق ولا يتقيدون إلا بلوائح هذه المنظمات . 

ويعتبر الحق في المفاوضة الجماعية امتداداً مباشراً لحق التنظيم، وذلك استنادا إلى أن الأهداف الرئيسية لمنظمة العمال وأصحاب الأعمال هو تحديد الأجور وغيرها عن طريق الاتفاقيات الجماعية بدلاً من عقود العمل الفردية والتي قد يخضع فيها العامل إلى شروط يمليها صاحب العمل أو يفرضها على العمال. 

وبمعنى آخر؛ فإن حق المفاوضة الجماعية بين أصحاب الأعمال أو منظماتهم وبين العمال ومنظماتهم النقابية ، حول شروط العمل هو عنصر جوهري في الحرية النقابية ، وأنه يجب أن يكون من واجبات النقابات العمالية أن تسعى إلى تحسين ظروف وأحوال معيشة عمالها ، ويتم ذلك من خلال إجراء المفاوضة الجماعية أو وسائل قانونية أخرى ، وأنه يجب على السلطات العامة أن تمتنع عن أي تدخل قد يعرقل هذا الحق أو يضر بممارسته القانونية ، ذلك لأن التدخل يعتبر انتهاكاً كمبدأ وجوب أن يكون المنظمات العمال وأصحاب الأعمال حق تنظيم أنشطتها وصياغة برامجها في حرية كاملة. 

وبذلك لابد من وجود منظمات لها حق التمثيل ، وتتمتع بالشخصية المعنوية، ومخول قانوناً بإجراء التفاوض والتعاقد باسم المنضمين إليها، ويتمثل هذا الجانب في الآتي : 

1- وجود منظمات عالية ومنظمات أصحاب الأعمال في الواقع القانوني هو عنصر جوهري في الحرية النقابية. 

2- أن تكون مهمة المنظمات العمالية السعي لتحسين ظروف معيشة العمال ، ووضع ظروف وشروط عمل محققة الارتقاء بمستواهم.

3- يتم ذلك عن طريق المفاوضة الجماعية أو وسائل قانونية أخرى. 

4- يجب على السلطات العامة في الدولة أن تمتنع عن أي تدخل يقيد هذا الحق التفاوضي أو يضر بممارسته القانونية. 

5- التأكيد على قانونية تمثيل نقابات العمال ومنظمات أصحاب الأعمال في المفاوضة وإبرام اتفاقيات العمل الجماعية .

6- الحكومة مطالبة بالاعتراف القانوني بهذه التنظيمات وشخصياتها المعنوية.

7- الحكومة مطالبة بتنظيم حرية التفاوض وتشرف على تنفيذ الاتفاقيات وتضع الطرق والوسائل التي تسهل قيام الأطراف بواجباتهم. 

8- إن تدخل الحكومة لا يعدو أن يكون دور الناصح أو الحكم المحايد أو المرشد ولا يكون تدخلها تدخلاً يسلب حرية الطرفين المتفاوضين لحرية ممارسة المفاوضة الجماعية.

ثانياً : تشجيع المفاوضة الجماعية : 

وهذا أمر يتعلق بالتزام الحكومة بتنشيط المفاوضة الجماعية بين طرفي علاقة العمل ، وهما العمال ومنظماتهم وأصحاب الأعمال أو منظماتهم. 

ولقد نصت المادة الرابعة من الاتفاقية الدولية رقم (98) لسنة 1949م والخاصة بحق التنظيم والمفاوضة الجماعية على : " إتخاذ إجراءات متوافقة مع الظروف القومية ، حيثما اقتضى الأمر لتشجيع وتدعيم وتنمية واستخدام آلية المفاوضة الطوعية بين اصحاب الأعمال أو منظمات أصحاب الأعمال وبين منظمات العمال بهدف تنظيم شروط وظروف العمل، وذلك عن طريق الاتفاقيات الجماعية ".

كما أن الاتفاقية الدولية رقم (154) لسنة 1984 بشأن تشجيع المفاوضة الجماعية قد خصصت الجزء الثالث منها بعنوان ( تشجيع المفاوضة الجماعية) تضمنت أربع مواد من المادة (5) إلى المادة (8) على النحو التالي: 

نصت المادة الخامسة من الاتفاقية على أن :

1) تتخذ تدابير تتكيف مع الظروف الوطنية من أجل تشجيع المفاوضة الجماعية. 

2) تكون أهداف التدابير المشار إليها في الفقرة (1) من هذه المادة ، هي :

أ) تيسير إمكانية المفاوضة الجماعية لجميع أصحاب العمل وكافة مجموعات العمل في فروع الأنشطة التي تغطيها هذه الاتفاقية.

ب) شمول المفاوضة الجماعية تدريجية لجميع المسائل التي تغطيها الفقرات الفرعية (أ) و (ب) و (ج) من المادة (2) من هذه الاتفاقية. . 

ج) تشجيع وضع قواعد إجرائية يتفق عليها بين منظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال.

د ) عدم إعاقة المفاوضة الجماعية بسبب عدم وجود قواعد تنظم الإجراء الواجب إتباعه أو بسبب عدم كفاية أو عدم ملائمة مثل هذه القواعد.

هـ) تشکیل هیئات ووضع إجراءات لتسوية نزاعات العمل لكي تساعد على تعزيز المفاوضة الجماعية.

کما نصت المادة السادسة من الاتفاقية على أن : ” لا تحول أحكام هذه الاتفاقية دون تطبيق نظم للعلاقات المهنية تجري فيها المفاوضة الجماعية بصورة طوعية “. 

کما نصت المادة السادسة من الاتفاقية على أن : ” لا تحول أحكام هذه الاتفاقية دون تطبيق نظم للعلاقات المهنية تجري فيها المفاوضة الجماعية في إطار آلية أو هيئات للتوفيق أو التحكيم تشترك فيها الأطراف في عملية المفاوضة الجماعية بصورة طوعية “.

کما نصت المادة السابعة من الاتفاقية على أن: " تكون التدابير التي تتخذها السلطات العامة لتشجيع وتعزيز تنمية المفاوضة الجماعية موضع استشارات مسبقة، وكلما أمكن موضع اتفاق بين منظمة أصحاب العمل ومنظمات العمال».

ونصت المادة الثامنة من الاتفاقية على أن : " لا توضع التدابير التي تتخذ لتعزيز المفاوضة الجماعية ولا تنفذ بطريقة تعيق حرية المفاوضة الجماعية . 

وفي الدورة السابعة والستين لمؤتمر العمل الدولي (يونيو/ حزيران 1981)، أصدر المؤتمر التوصية الدولية رقم (193) لسنة 1981 بشأن تشجيع المفاوضة الجماعية، حيث بينت أن تطبيق أحكام التوصية يكون عن طريق القوانين أو اللوائح الوطنية أو الاتفاقيات الجماعية. وأوضحت هذه التوصية في البند ثانية بعنوان ( اساليب تشجيع المفاوضة الجماعية ) وحددته في النقاط الآتية: 

1) ينبغي - عند الاقتضاء - اتخاذ تدابير مكيفة مع الظروف الوطنية لتسهيل إقامة وتطوير منظمات حرة ومستقلة وممثلة لأصحاب العمل والعمال على أساس طوعي. 

2) ينبغي - عند الاقتضاء - اتخاذ تدابير مكيفة مع الظروف الوطنية من أجل: 

أ) الاعتراف بالمنظمات الممثلة لأصحاب العمل والعمال لأغراض المفاوضة الجماعية. 

ب) استناد تحديد المنظمات التي تعطي حق المفاوضة الجماعية، في البلدان التي تطبق فيها السلطات المختصة إجراءات اعتراف بهذا الحق، إلى معايير موضوعية ومحددة مسبقة تتعلق بالصفة التمثيلية للمنظمات، وتوضع بالتشاور مع المنظمات الممثلة لأصحاب العمل والعمال. 

3) ينبغي - عند الاقتضاء - اتخاذ تدابير مكيفة مع الظروف الوطنية، لكي تكون المفاوضة الجماعية ممكنة على كافة المستويات ، بما فيها مستوى المؤسسة أو المنشأة ، أو فرع النشاط، أو الصناعة ، إلى المستويين الإقليمي والوطني. 

4) ينبغي في البلدان التي تجري فيها المفاوضة الجماعية على مستويات متعددة أن تسعى الأطراف في المفاوضات إلى كفالة وجود تنسيق فيما بين هذه المستويات. 

5) ينبغي للأطراف في المفاوضة الجماعية إتخاذ تدابير لكي يتمكن المتفاوضون  على كافة المستويات من تلقي تدريب ملائم. 

6) يجوز للسلطات العامة تقديم المساعدة إلى منظمات العمال وأصحاب العمل بناء على طلبها للاضطلاع بهذا التدريب. 

7) ينبغي أن يجيء تحديد مضمون البرامج الخاصة بهذا التدريب وطريقة الإشراف عليها من قبل منظمة العال أو أصحاب العمل الملائمة المعنية. 

8) لا ينبغي أن ينطوي هذا التدريب على مساس بحق منظمات العمال وأصحاب العمل في اختيار ممثليها لأغراض المفاوضة الجماعية.

9) ينبغي لكل طرف من الأطراف في المفاوضة الجماعية تزويد مفاوضين بالتفويض اللازم لإجراء المفاوضة والبت فيها ، مع الالتزام بأية أحكام تتخذها منظمات كل من هذه الأطراف بشأن المشاورات. 

10) ينبغي عند الضرورة اتخاذ تدابير مكيفة مع الظروف الوطنية لكي تتمكن الأطراف من الوصول إلى المعلومات اللازمة لإجراء مفاوضات مجدية. لهذا الغرض: 

أ) ينبغي لأصحاب العمل في القطاعين العام والخاص أن يقدموا بناء على طلب منظمات العمال ، المعلومات اللازمة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الوحدة المفاوضة والمؤسسة عموماً ، حتى يمكن إجراء مفاوضات مجدية ، وإذا كان من المحتمل أن يضر الكشف عن بعض هذه المعلومات بالمنشأة، يجوز تقديمها شريطة التعهد باعتبارها سرية إلى الحد المطلوب ، ويجوز الاتفاق على المعلومات التي يجب تقديمها بين الأطراف في المفاوضة الجماعية.

ب) ينبغي للسلطات العامة أن تقدم المعلومات اللازمة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الإجمالي للبلد ولفرع النشاط المعني، بالقدر الذي لا ينطوي منه نشر هذه المعلومات على أضرار بالمصلحة الوطنية. 

7) ينبغي عند الضرورة اتخاذ تدابير مكيفة مع الظروف الوطنية لكي تؤدي إجراءات تسوية منازعات العمل إلى مساعدة الأطراف على أن تجد بنفسها حلولاً للنزاع ، سواء كان هذا النزاع قد برز أثناء التفاوض بشأن إتفاقيات ، أو في معرض تفسير أو تطبيق الاتفاقيات ، أو كان نزاعاً تنطبق عليه توصية فحص الشكاوى. 

ويتبين من مطالعة الاتفاقيات الدولية والتوصية سالفة الذكر أن الاتجاه يكمن في اتخاذ الوسائل والسبل التي تشجع على إجراء المفاوضات الجماعية والتي تعين الأطراف ، مواصلة الحوار بينها. كما اتجهت هذه الاتفاقيات والتوصية المنوه عنها سابقاً إلى جميع الحكومات بها لديها من ممارسات وسلطة التشريع أن تتخذ التدابير اللازمة لتشجيع المفاوضة الجماعية ، وعدم إعاقتها . وهذا ما يوضح مسئوليات الدولة في نطاق منويات العمل الدولية (اتفاقيات وتوصيات). 

ولقد اتجهت اتفاقية العمل العربية رقم (11) لسنة 1979 إلى تشجيع المفاوضة الجماعية وبيان دور الدولة في إبرام الاتفاقيات المشتركة للعمل. 

فلقد نصت المادة الثانية من الاتفاقية على أن : ” ينظم تشریع کل دولة الإطار القانوني مفاوضة الجماعية والأجهزة والإجراءات المتعلقة بها دون المساس بحرية المفاوضة داعية المكفولة بمقتضى هذه الاتفاقية .

کما نصت المادة الرابعة من الاتفاقية على أنه:’’ على أصحاب الأعمال ومنظماتهم أن يقدموا لممثلي العمال المعلومات والبيانات التي يطلبونها والتي تساعدهم على مباشرة المفاوضة الجماعية“.

ونصت المادة الخامسة على أن : " تؤمن الجهات الرسمية لمنظمات العمال وأصحاب الأعمال أو منظاتهم ، الحصول على كافة الإحصاءات والبيانات الاقتصادية والاجتماعية والفنية وغيرها ، لتيسير إجراءات المفاوضة الجماعية على أسس سليمة "" .

ونصت المادة الثامنة على أن : " لكل دولة من الدول الأعضاء أن تنشئ أجهزة للتوفيق والتحكيم تتولى عند الاحتكام إليها باتفاق الطرفين تسوية ما قد ينشأ من خلاف بسبب فشل المفاوضة الجماعية ، وينظم تشریع كل دولة شكل هذه الأجهزة “

 

ونصت المادة الحادية عشرة على أن : " يجدد التشريع الوطني فترة زمنية للدخول في التفاوض والانتهاء منه ، کما بنظم أيضاً قواعد الإضراب وقفل مكان العمل أثناء سير التفاوض "".

ومن جماع هذه النصوص ، يتضح دور الحكومة في تمكين أطراف علاقات العمل المتوصل إلى اتفاق جماعي، كما يتبين من النصوص أيضاً مسئوليات الحكومة في مجال المفاوضة الجماعية طبقاً لمستويات العمل الدولية والعربية. 

وبذلك فإن مسئولية الحكومة تتمثل في تنظيم حرية التفاوض وتحديد أطرها وجعلها كنة بالنسبة لجميع العمال وأصحاب الأعمال ، وأن يشجع التشريع الوطني الذي تصدره الدولة على المفاوضة الجماعية بين الشركاء الاجتماعيين ، وعدم عرقلة المفاوضة الجماعية بسبب عدم وجود قواعد تنظم سيرها أو بسبب عدم ملاءمة هذه القواعد. 

والواقع المعاش في أغلب بلداننا العربية يؤكد أن المفاوضة الجماعية لا تتم في فراغ، لكنها تتم في مناخ معين له ظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا المناخ يعبر عن نفسه في شكل اتجاهات وقيم سائدة وسياسات عامة للمجتمع، بالإضافة إلى ما صدره الدولة من تشريعات وقرارات. ومن هذا المنطلق كانت الظروف السياسية الملائمة والسياسات العامة المواتية ،وما تهيؤه الدولة من ظروف مشجعة من مقومات نجاح المفاوضة الجماعية. 

وتأثير الدولة على عملية المفاوضة الجماعية يأخذ صوراً وأساليب مختلفة ، فالدولة بأجهزتها المختلفة قد تكون طرفاً مباشراً في المفاوضة باعتبارها صاحب عمل، وقد تؤثر بشكل مباشر عن طريق القوانين والقرارات التي تصدرها، وكذلك عن طريق السياسات التي تتبناها، والدولة أيضاً تلعب دوراً أساسياً كحكم بين الأطراف المتفاوضة، علاوة على قيامها بمسئولية الحماية اللازمة للمواطنين عموماً وللأطراف المتفاوضة خصوصاً. 

والملاحظ أن مسئولية الدولة قد إتسعت بشكل واضح في كل المجتمعات تقريباً في غضون القرنين الماضيين، الأمر الذي أدى إلى الزيادة المضطردة في كم ونوع التشريعات. 

تشريعات العمل وعلاقتها بالمفاوضة الجماعية :

إن المفاوضة الجماعية يجب النظر إليها على أنها مكملة للتشريع، وليست بديلاً عنه. ولذلك كان على النقابين أن يعرفوا ما تتضمنه القوانين السائدة، وما تحويه من مواد وبنود تؤثر على بيئة وعلاقات العمل. 

وقد يكون من الصعب على النقابيين أن يلموا بكل التفاصيل القانونية، وذلك نظرة لاتساع دائرة القوانين وتشعبها في معظم الدول، إلا أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال توافر المستشارين القانونيين والأجهزة البحثية التابعة للنقابات. 

إن المفاوضة الجماعية يجب أن تستخدم لتحسين ظروف العمل بأعلى من الحدود الدنيا التي تحددها القوانين. فمثلاً إذا تحددت ساعات العمل في مجتمع ما ب 44 ساعة كحد أقصى أسبوعياً طبقاً للقوانين السائدة، فإن النقابات تسعى من خلال المفاوضة إلى جعلها 40 ساعة فقط. وفي بعض الحالات تتدخل الدولة بالتشريع مثلاً لمنع تشغيل الأطفال، وهنا يكون القانون هو وسيلة الحماية الأساسية وربما الوحيدة. 

والنقطة الأساسية هنا هي أن الدولة يمكن النظر إليها على أنها مسئولة عن تنظيم الكثير من النواحي الأساسية في مجتمع العمل، ولكن يترك الباب مفتوحة للعيال وأصحاب الأعمال لكي يتفقا على معايير ومعدلات أفضل تفوق الحدود الدنيا المحددة بالقانون كلما كان ذلك ممكنا.

الخلاصة : 

ورغم أن مستويات العمل الدولية والعربية تؤكد مبدأ العلاقة بين التشريع الداخلي والتشريع الدولي، فإن الأمر يتطلب أن يقوم المشرع الوطني على إعداد النصوص التشريعية في مجال المفاوضة الجماعية والتشجيع عليها وبيان أطرافها ، وإيضاح موضوعاتها مع ذكر الشروط الواجب توافرها لإنجاح المفاوضة الجماعية ونتيجة المفاوضة، والتي تظهر في عقود العمل الجماعية وتنظيم حق الإضراب والوساطة والتوفيق والتحكيم. 

وحتى لو تقاعس المشرع الوطني عن تنظيم وتشجيع المفاوضة الجماعية، فإن أحكام الاتفاقيات الدولية تنفذ برغم عدم النص عليها في التشريع الوطني، ذلك لأن مجرد التصديق على الاتفاقية الدولية من جانب السلطة المختصة في الدولة، تصبح الاتفاقية نافذة في نطاق إقليم الدولة المصدق عليها. 

وهذا ما دعا القضاء المصري إلى تبرئة عمال السكك الحديدية المضربين عام 1986م برغم وجود نصوص تشريعية عقابية إعمالاً لأحكام الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنقابية والصادرة عن الأمم المتحدة في 16/ 12 / 1966م وصدقت عليها جمهورية مصر العربية عام 1981م.

هل المفاوضة الجماعية بديل عن تشريعات العمل؟ 

تعد تشريعات العمل فرعاً جديداً من فروع التشريعات الاجتماعية، حيث كان نتاج الثورة الصناعية بعد أن ساد مبدأ سلطان الإرادة، واتضحت مساوئه، فظهر ذلك الفرع مستقلاً عن القانون المدني، ولذلك تعددت تسمياته، فمنها التشريع الصناعي، ومنها التشريع الاجتماعي، ومنها التشريع العالي، وأخيراً التسمية الشائعة وهي قانون العمل.وقد قدر المشرعون أن المفاوضة الجماعية قد لا تغطي كل المهن أو قد لا تتوافر شروطها وأن الجانب العالي في العلاقة «فهو العامل» يعتبر الجانب الأضعف. 

لذلك فإن تشريعات العمل لا تعد بديلاً عن المفاوضة الجماعية، وإنما هي أساس وليس استكمالاً ، كما يعتبر قانون العمل حافظاً للحد الأدني للحقوق العمالية، وذلك حفاظا على أضعف أطراف العلاقة، ولذلك سمي بالقانون الحمائي.

أهمية المفاوضة الجماعية :

ترجع أهمية المفاوضة الجماعية إلى كونها أداة وآلية نقابية سليمة وحضارية غيرت من سلوكيات المجتمع العالي الإنتاجي، وطبعته بطابع الحوار الديمقراطي، تهدف إلى إحداث السلام الاجتماعي، سواء في نطاق العمل أو على مستوى المجتمع البشري الذي يطلق عليه بالشعب كعنصر من عناصر أو ركن من أركان المجتمع السياسي للأسباب الآتية: 

أولاً : المفاوضة الجماعية من أخطر وظائف النقابات العمالية : 

إن السبب الحقيقي وراء نشأة النقابات العمالية هي حماية المصالح المهنية المتعارضة مع مصالح أصحاب الأعمال ، فكان لابد لعيال أن يتجمعوا في شكل جمعيات أو نقابات تحمي مصالحهم وتعمل على تحسين ظروف وشروط العمل ورفع مستوى معيشتهم، وذلك من خلال المفاوضات الجماعية مع أصحاب الأعمال.. ذلك أن العامل وحده لا يستطيع ذلك مع صاحب العمل ، وبالتالي فالتجمع العمالي ضرورة أوجدتها شروط وظروف العمل للدفاع عن المصالح المهنية للعمال.

ثانياً : المفاوضة الجماعية أدت إلى تكتل عمالي يعزز المبدأ الديمقراطي: 

استطاعت الظروف التي تكونت فيها النقابات العمالية أن تتجه النقابات العمالية إلى خلق أسلوب خاص بها بديلاً عن أسلوب العنف، يتمثل في الحوار الديمقراطي نستند إليه النقابات العمالية في تمثيلها الشرعي للعمال.

هذا الأسلوب التفاوضي قد رسخ المبادئ الديمقراطية، والحريات العامة، ومن بينها حرية الرأي والاجتماع، وحرية النقابية. هذا فضلاً عن أن الأسلوب التفاوضي كان يهدف إلى إقامة العدالة الاجتماعية، التي هي الأساس الذي بني عليه حماية العنصر البشري (عنصر العمل)، وذلك بالحرص على تحسين الظروف الحياتية للعامل.

ثالثاً : تحقيق العدالة الاجتماعية في مجال العمل :

إذا كانت المفاوضة الجماعية تتم بين طرفي الإنتاج ، فإنها تهدف إلى الوصول لحلول لمختلف القضايا والمشاكل التي تظهر في علاقات العمل بشكل خاص، ويترتب على ذلك كأن المفاوضة الجماعية تؤدي إلى تنمية العلاقات الاجتماعية داخل المنشأة بين طرف الإنتاج، وتؤدي إلى علاقات متميزة بينهم ، فتتسم هذه العلاقات بالإنسانية والود والتفاهم، ومن هنا ظهرت العلاقات الإنسانية كمادة تدرس في أقسام إدارة الأعمال بكليات ومعاهد التجارة. 

وتحقق العدالة الاجتماعية بمشاركة الشركاء الاجتماعيين في الحوار بينهما بشكل يؤدي إلى ضوء قواعد تحكم علاقات العمل المهنية والاقتصادية. 

وتعني العدالة الاجتماعية في علاقات العمل حصول العمال على ناتج عملهم بما يحدد أجورهم ومستواهم المادي ومستوى معيشتهم ، فتكون الأجور عادلة وبرضا الأطراف المعنية بما يحقق العدالة الاجتماعية ، كذلك فإن العدالة الاجتماعية تتطلب نوعاً من توفير الخدمات الاجتماعية، وكل ذلك يؤثر دون شكل على الإنتاج ، کماً وكيفاً، بما يعزز ربح أصحاب الأعمال ، بل وزيادته وما يكفل حقوقه ويتعامل مع التزاماته الناتجة عن المفاوضة الجماعية وإذا ما تحققت تلك العدالة الاجتماعية على مستوى المشروع الواحد. فإنها تتحقق على كافة مستويات العمل داخل المجتمع فتسود العدالة الاجتماعية في المجتمع بصفة عامة بما يحقق الاستقرار والسلام الاجتماعي.

رابعاً : المفاوضة الجماعية آلية نقابية لفض الخلافات المهنية الجماعية :

النقابات العمالية وسيلة ديمقراطية لتعبر عن وجهة نظر أعضائها حول مشاكل المجتمع العمالي بصفة خاصة، ومشاكل المجتمع كلهل بصفة عامة. والخلافات المهنية بالمنشآت إما أن تكون خلافات ونزاعات فردية ، وإما أن تكون منازعات جماعية، ونظراً لاختلاف طبيعة النوعين من الخلافات فلقد وجدت آليات متنوعة لمواجهتها، فالتشريعات الوطنية قد فرقت في الوسائل القانونية بينهما. ففي المنازعات الفردية، وضعت التشريعات الوطنية الوسائل الإدارية والقضائية لمواجهتها وحلها، أما المنازعات الجماعية فلها طبيعتها وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، إذا قد تستمر طويلاً فتؤثر على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فلها مردودها على المجتمع كله، بل تمتد إلى المجال الدولي، لهذا اتجهت السياسات الوطنية لإيجاد سبيل لحل النزاعات الجماعية ، وتتمثل فى : 

الاتجاه الأول: المفاوضة الجماعية وفي حالة فشلها يتم اللجوء إلى الاتجاه الثاني: التوفيق والوساطة والتشاور والتحكيم. 

والمفاوضة الجماعية هي المفاوضة المباشرة بين طرفي الإنتاج، وهي أنجح الوسائل للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين وتسوية سريعة للنزاع، بعكس أن يكون هناك حلول مفروضة أو مقترحة من جهاز أو طرف أجنبي عن النزاع وهو الوسيط.

والمفاوضة الجماعية تتيح جواً من التفاهم والتعاون بين طرفي الإنتاج وتبادل المواقف الآراء والمقترحات، فكل طرف يحاول إيجاد الحل المناسب للنزاعات والخلافات المهنية الجماعية، بما يسمح بالوصول إلى نقطة إتفاق تسمح باستئناف العمل. 

خامساً : المفاوضة الجماعية وسيلة لصياغة شروط وظروف العمل : 

يتبين مما سبق أن المفاوضة الجماعية تعتبر وسيلة سليمة لتنظيم شروط وظروف العمل ، عن طريق الأطراف المعنية في الإنتاج ، وهما : العمال وتنظيماتهم ، وأصحاب الأعمال أو تنظیماتهم، بما يحقق وجود قانون اتفاقي وهو ما يؤكد الأهمية القانونية للمفاوضة الجماعية ، حيث تؤدي هذه الوسيلة إلى عقد اتفاقية عمل جماعية تساوي بين الواجبات والحقوق ، وذلك بما يتفق والظروف الإقتصادية ، والطابع الواقعي الخاص بكل مهنة أو منشأة ، وبها يحقق الملائمة والتكيف مع كل التحولات والتغيرات التي يعرفها عالم العمل، أي ملائمة المقتضيات القانونية مع حاجات ومتطلبات المهنة أو المنشأة. 

سادساً : الأهمية السياسية والإجتماعية للمفاوضة الجماعية : 

إن تطور النظام الاقتصادي الليبرالي ، وظهور المشاكل الإجتماعية الناجمة عن المحولات الكبرى في علاقات العمل بظهور التطور التكنولوجي ، والتراكات الرأسمالية وظهور الشركات العملاقة ، وكذلك ظهور الشركات متعددة الجنسيات والتكتلات الإقتصادية والمنافسة الدولية أو الصراع على القمة الإقتصادية بين أمريكا واليابان..الخ، كل ذلك جعل اللجوء إلى التفاوض ضرورة اجتماعية وسياسية. 

فالقواعد التشريعية لضبط علاقات العمل إنها تختص به السلطة التشريعية وهي إحدى سلطات الدولة كنظام سياسي ، وبالتالي فهي جهاز سياسي من أجهزة الدولة ووجود نزاعات العمل الجماعية فرضت التفاوض الجماعي وبذلك تصبح القواعد الإتفاقية بين طرفي الإنتاج ، مصدراً أساسياً للتشريع الإجتماعي. 

ومن الجانب السياسي أيضاً فإن التفاوض الجماعي يصبح مطلباً أساسية لتجاوز الأزمات الإقتصادية والمنازعات الجماعية ذات الأثر الإجتماعي والإقتصادي فتخلق وعياً سیاسياً لدى الأطراف بها يعزز الديمقراطية السياسية وما يؤكد الديمقراطية الإجتماعية التي يكتمل بها النظام الديمقراطي.

سابعاً : الأهمية الإقتصادية للتفاوض الجماعي : 

المفاوضة الجماعية لها آثارها في الحياة الإقتصادية للمنشأة بصفة خاصة ، والمجتمع بصفة عامة ذلك أنها تؤثر على الإنتاج والإنتاجية بها تهدف إليه من تحسين أوضاع العامل المعنوية وما تزيد به من الروابط الإجتماعية بالمنشأة ووجود علاقات إنسانية ، بحيث ينظر إلى العامل بإعتباره إنساناً لا ترساً من تروس الآلات ، كما تهدف المفاوضة الجماعية إلى تحسين أحوال العامل المادية ، حيث يحصل العامل على أجر عادل يحقق له مستوی معقول من المعيشة ، كما تحقق للعامل الحصول على دخل في مناسبات عديدة مثل تعویض الحوادث والتأمينات الإجتماعية .. الخ ، مما يزيد دخل العامل وهو ما يحفزه على الإنتاج والإنتاجية إلى أعلى حد ممكن، ومما يجعل العامل ضمن أعداد المستهلكين وما يؤدي إلى عدم نشوء أزمات اقتصادية والتي حددها الإقتصاديون بإنکماش الطلب ، كل ذلك وغيره يؤدي إلى تقوية القدرات الإقتصادية والتنافسية والإنتاجية للدولة. 

فتحسين أوضاع العمال المعنوية والمادية يؤثر على الإنتاج والإنتاجية ، ويؤثر على مستوى الدخول والإستهلاك ذلك أن الأجور هي من الموضوعات الأساسية للإتفاقيات الجماعية ، فإذا ما شملتها الزيادة فإنها تؤدي إلى زيادة القوة الشرائية بما يزيد من الطلب على السلع وما يؤدي إلى إحداث دورة اقتصادية لا تتعرض للأزمات الإقتصادية . 

كما أن المفاوضة الجماعية والتي تنتهي بإبرام عقد عمل مشترك إنها تحد - أو بالأحرى تلغي - المنافسة بين العمال في سوق العمل الداخلى ، فيعمل عقد العمل المشترك على ضمان الإستقرار الإقتصادي للعمال ، فالمشروعات تصبح في مناخ آمن للإنتاج ، قادرة على المنافسة بانخراط العمال في الإسهام في تنفيذ خطتها التنافسية ، فتحمي بذلك الإتفاقية الجماعية مصالح المشروعات وبصفة خاصة مصالح الإقتصاد الوطني بصفة عامة. 

مزايا المفاوضة الجماعية : 

يتبين من العرض السابق لأهمية المفاوضة الجماعية أنها تتسم بمزايا عديدة ، نعرض هنا لأهمها فيما يلي : 

أولاً : تدعم مركز العامل بالمنشأة ، لأنه لا يتفاوض مع صاحب العمل منفرداً ،  حيث تتم المفاوضة الجماعية بين النقابة العالية وصاحب العمل دون تمييز أي طرف منهم على الآخر. 

ثانياً : عد النقابات العالية بهذه المثابة مشاركة في وضع القواعد والنظم المتعلقة بعلاقات العمل عن طريق المفاوضة الجماعية، كما تصبح بذلك مشاركة في إدارة المنشأة . 

ثالثاً : إذا أبرم العامل أو العمال عقود عمل منفردة مع أصحاب الأعمال فإنها تتسم بالتفاوت بينها ، غير أن المفاوضة الجماعية تؤدي إلى توفير العدالة والمساواة في شروط العمل بالنسبة لجميع العاملين.

رابعاً : تحقق المفاوضة الجماعية التفاهم بين طرفين الإنتاج بما يؤدي إلى تحقيق السلام الإجتماعي بالمنشأة بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة. 

خامساً : تحد المفاوضة الجماعية من المنازعات الجماعية ومن استخدام وسائل العنف مثل الإضراب والإعتصام .

سادساً : تؤدي المفاوضة الجماعية باهتمامها بالعنصر البشري ومشاكله إلى الاهتمام بالعلاقات الإنسانية التي تؤثر على الإنتاج کماً وكيفاً . 

سابعاً : تحقق المفاوضة الجماعية مزايا اقتصادية للعامل ولصاحب العمل ، فبالنسبة لصاحب العمل فإن المساواة في شروط العمل وتوحيد معدلات الأجور وتعادلها بين المشروعات يحقق العدل في المنافسة بين المشروعات ، ومن جانب العامل فإنها تحقق له قدرة مناسبة من المعيشة بما يحقق له قوة شرائية تمكنه من الوفاء بمتطلباته وما يزيد من الإستقرار له ولأسرته ، وما يحقق الدوران المستمر للأموال بما يواجه الأزمات الإقتصادية كما أن هذه الأوضاع التي تفرضها المفاوضة الجماعية تفيد المواطن كمستهلك ، لإستمرار الإنتاج وذلك بشكل يحقق الإنتاجية العالية ، وذلك بتکالیف میسرة. 

ثامناً : تؤدي المفاوضة الجماعية إلى تيسير استخدام القوى العاملة من خلال وضع الشروط الملائمة والمقبولة ، سواء بالنسبة للعال ، أو بالنسبة لأصحاب الأعمال .   

تاسعاً : توفر المفاوضة الجماعية شروطاً مرنة ومتطورة للاستخدام تراعي المتغيرات الإقتصادية والفنية والتقنية . 

الخلاصة ..

ترجع الأهمية القصوى لكون المفاوضة الجماعية من أخطر وظائف المنظمات العالية إلى كونها تنتهي بإبرام عقد عمل جماعي وهي الإتفاقية المشتركة بينها وبين صاحب عمل أو أصحاب الأعمال أو منظماتهم ، وإن لم يتم ذلك قد يتم اللجوء إلى وسيط أو التحكيم ، ثم الإضراب . 

والمفاوضة الجماعية بإعتبارها من أخطر الوظائف النقابية ؛ وسيلة سلمية يتم من خلالها التوفيق والتقريب بين وجهتي النظر إلى أن يتم التراضي بين الطرفين على حل وسط ينتهي باتفاق جماعي . (راجع الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009، الصفحة 434)

 النصوص المقابلة: 
ليس لهذا النص شبيه بالتشريعات الملغاة، فالباب الثاني من الكتاب الرابع (6 مواد) تناول المفاوضة الجماعية وجميع نصوصه مستحدثة.  

تعريف المفاوضة الجماعية: 

عرف النص المفاوضة الجماعية بأنها المناقشات بين منظمات العمال وبين أصحاب الأعمال حين يثور نزاع معين يتعلق بشروط أو ظروف العمل، ويعتمد التشريع الفرنسي أسلوب المفاوضة الجماعية في نطاق المشروعات الخاصة فحسب بل وأيضاً في مجال المشروعات العامة وشبه الحكومية والحكومية أيضاً وقد يدعي ممثلون للجهات الحكومية لحضور هذه المفاوضات الجماعية، والتي تشكل في غالب الأحيان أسس التنظيم الاتفاقي للعمل الذي يتقرر على أساسه إتفاقيات العمل الجماعية حيث يكون للمنظمات النقابية دور رئيسي في إعتمادها. 

اللجان الاستشارية في المنشآت: 

نصت المادة 77 من قانون العمل الملغي رقم 137/ 1981 على أن تشكل لجان إستشارية مشتركة في المنشآت التي تستخدم خمسين عاملاً فأكثر تتكون من ستة أعضاء نصفهم يمثلون المنشآت والنصف الأخر يمثلون العمال، ويكون اختيار ممثلي العمال من بين عمال المنشأة بمعرفة اللجنة النقابية في بداية كل سنة ويراعى تمثيلهم لجميع أقسام العمل على قدر الإمكان. 

ويجوز للجنة أو لمندوب العمال أو المنشأة دعوة مندوب عن الجهة الإدارية المختصة لحضور جلساتها خلال نظر الموضوعات التي يختلف عليها. 

وعلى اللجان المذكورة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تكوينها أن تضع لائحة داخلية تنظم طريقة إختيار رئيسها على أن يتناوب أصحاب الأعمال والعمال رئاسة اللجنة وفي الحالات التي يدعي فيها مندوب من الجهة الإدارية تكون له الرئاسة كما تبين اللائحة طريقة تنظيم الإجتماعات ومواعيدها ومكان انعقادها وتعتمد هذه اللائحة من الجهة الإدارية المختصة.  

وقد ظهرت هذه اللجان المشتركة أول ما ظهرت في ظل القانون (91/ 59) حيث لم تكن معروفة من قبل في تشريعات العمل السابقة عليه وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون العمل الملغي أن نظام اللجان المشتركة بين أصحاب الأعمال والعمال هدفه تحقيق التشاور والتعاون بين الطرفين بما يكفل الإستقرار والنهوض بمستوى الإنتاج والصناعة. 

ويلاحظ أن النص الجديد للمادة 146 قد جعل التشاور والحوار مباشرة بين منظمات العمال وأصحاب الأعمال أو منظماتهم دون أن يتطلب مباشرة هذه المفاوضات من خلال لجان معنية كاللجان الإستشارية المشار إليها والتي كانت قائمة في ظل التشريعات السابقة. (راجع الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الثالث، صفحة 17)