(الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009)
انطلاقاً من أهمية علاقة العمل الجماعية يستحدث المشروع نظاماً جديداً للتسوية الودية هو نظام الوساطة ويستبدل بنظام التحكيم الإجباري نظام التحكيم الاختياري مراعاة للتوافق مع أحكام الدستور .
وفي هذا النطاق تجيز المادة (170) لطرفي الاتفاق أو أحدهما أو من يمثلها في حالة عدم تسوية النزاع ودية خلال ثلاثين يوماً من بدء المفاوضة الودية اللجوء إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات الوساطة.
(الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الرابع)
ولكن المادة 170 إذ تقابل الحكم الوارد في صدر المادة 95 من القانون 137 لسنة 1981 فإنها - ونظراً لنظام الوساطة الذي استحدثه المشروع - أجازت لطرفي الاتفاق أو لأحداهما أو لمن يمثلهما تحريك إجراءات الوساطة بطلب يقدم إلى الجهة الإدارية المختصة خلافاً لما كان عليه الحال في ظل القانون 137 لسنة 1981 من اللجوء مباشرة إلى لجنة تسوية المنازعات.
النصوص المقابلة :
تقابل المادة 95 من القانون رقم 137 لسنة 1981 كما تقابل المادة 96 من ذات القانون السابق .
كما تقابل المادة 190 من قانون العمل الموحد الأسبق رقم 91 لسنة 1959 .
كان سلوك طريق المفاوضة الجماعية من المبادئ المستحدثة في قانون العمل الملغي رقم 137 لسنة 1981 حيث حل محل مرحلة التوفيق التي كانت مرحلة سابقة على التحكيم وكانت تتركز في ضرورة إتباع الخطوات التالية:
أولاً: يتعين على المتنازعين أن يسلكوا طريق المفاوضة الجماعية لحل النزاع ودياً.
ثانياً: إذا فشلت المساعي الودية أو رفض أحد الطرفين سلوك نظام المفاوضة الجماعية يجوز لأي منهما عرض النزاع على اللجنة المحلية لتسوية المنازعات والموجودة بكل مديرية من مديريات القوى العاملة وتبحث اللجنة النزاع وتسعى لحله ودياً وذلك في ظرف ثلاثة أسابيع من تقديم الطلب إليها.
ثالثاً: إذا فشلت اللجنة المحلية تعين عليها خلال الأسبوع الرابع أن تحيل النزاع إلى المجلس المركزي لتسوية المنازعات الموجودة في ديوان وزارة القوى العاملة فإذا لم يستطع المجلس تسوية النزاع ودياً خلال الستين يوماً من تاريخ تقديم الطلب اللجنة المحلية وجب عليه إحالة النزاع بتقرير مفصل إلى هيئة التحكيم، وقد حل نظام الوساطة محل هذه اللجان المحلية لتسوية المنازعات الجماعية.
نظام الوساطة في تسوية المنازعات الجماعية:
استحدث القانون في المواد 170 - 179 منه نظاماً جديداً ليحل محل مرحلة التسوية الودية أو التوفيق conciliation السابقة على مرحلة التحكيم Arvitration وهو نظام الوساطة mediation وهي لا تبدأ عادة إلا بعد الإخفاق في المفاوضة الجماعية وعدم الوصول إلى نتيجة أو حل يتفق عليه أطراف النزاع.
وقد حددت المواد من 170 إلى 179 إجراءات الوساطة وكيفية اختيار الوسيط ونطاق عمله والتوصيات التي يصدرها وغير ذلك من الإجراءات التي تسبق مرحلة التحكيم، وهذا النظام الذي استحدثه المشرع يعد تطوراً هاماً في مجال تسوية المنازعات العمالية الجماعية أخذاً بأحدث النظم والمبادئ التي استقرت في التشريعات الغربية وخصوصاً القانون الفرنسي، وعلى الرغم من النقد الذي وجهناه والمثالب التي تؤخذ على بعض نصوص هذا القانون الجديد فإنه يمكن القول بأن الأحكام التي أوردها القانون بشأن نظام الوساطة والتحكيم في منازعات العمل الجماعية تعتبر من أفضل محاسن هذا القانون حيث تتضمن مبادئ وقواعد تحسب المشرع في مجال تطوير علاقات العمل. ولأن نظام الوساطة جديد ومستحدث ولم يسبق أن أشارت إليه تشريعات العمل الملغاة فإن الحاجة إذن تقتضي إلقاء الضوء على هذا النظام بشيء من التفصيل.
تاريخ الوساطة في التشريع المقارن :
ظهرت مرحلة الوساطة phase de mediation أول ما ظهرت عملية في الولايات المتحدة بموجب مبادئ عامة أقرتها الجهة الإدارية بالاتفاق مع منظمات العمال وأصحاب الأعمال. وقد أخذت فرنسا بهذا النظام حيث كانت أول إشارة له في المرسوم الصادر في 5 مايو سنة 1955 وقانون 11 يولية سنة 1957 المعدل بقانون 28 يولية سنة 1958 (مادة 27 منه) ثم صدر القانون رقم 561 في يوليه سنة 1971 وحددت المادة (16) منه مهلة ثمانية أيام لكي يقدم أطراف النزاع مقترحاتهم وملاحظاتهم إلى الوسيط mediateur. ومنذ أول أغسطس سنة 1957 كانت حصيلة المنازعات التي تناولتها الوساطة 70 حالة منها 17 حتى نهاية العام المذكور (1957) و 13 في سنة 1958 ومنذ سنة 1959 كان عدد حالات الوساطة المطروحة قد انخفضت إلى أربع حالات ثم أصبحت في المتوسط ست حالات عن كل سنة من السنوات التالية. وتعول الجهة الإدارية على مرحلة الوساطة كسبيل لحل الأنزعة الجماعية العمالية لما قد يؤدي إلى إزالة المشكلات المعقدة وخاصة فيما يتعلق بالأجور في المشروعات العامة والخاصة وبالتالي فإن هذا النظام المدني لا غنى عنه في إمكان إعطاء نتائج مرضية تبدو أهميتها في الحيلولة دون وقوع اضطرابات ومنع الإضطراب عن العمل، وتوضح الإحصائية التالية عدد حالات الوساطة التي عرضت في المدة من عام 1955 حتى عام 1964 في فرنسا وما حققته من نجاح أو فشل، ففي سنة 1955 عرضت 37 حالة وساطة نجحت منها 22 حالة وفشلت 8 حالات وفي سنة 1956 بلغت عدد حالات الوساطة 45 حالة نجحت منها 19 وفشلت 19 وفي سنة 1957 عرضت 33 حالة نجحت منها 12 وفشلت 11 حالة وفي سنة 1958 عرضت 13 حالة نجحت منها 3 حالات وفشلت 6 حالات وفي سنة 1959 عرضت أربع حالات نجحت منها اثنتان وفي سنة 60 عرضت ثمان حالات نجحت منها خمسة وفي سنة 1961 عرضت ست حالات نجحت واحدة وفشلت ثلاثة وفي سنة 1962 عرضت تسع حالات نجحت أربعة وفشلت اثنتان وفي سنة 1963 عرضت ثمان حالات نجحت منها خمسة وفشلت حالة واحدة وفي سنة 1964 عرضت خمس حالات نجحت واحدة وفشلت منها واحدة
طبيعة الوساطة:
الوساطة إجراء تال للمفاوضة الجماعية وسابق للتحكيم ويلجأ إليه أطراف النزاع إذا لم يسفر الحوار في جلسات المفاوضات عن تقابل في وجهات النظر بشأن حل يرتضيه الأطراف في النزاع المطروح. وإجراءات الوساطة لا تبدأ عادة إلا بعد الإخفاق في إجراءات التوفيق conciliation حيث تستطيع الأطراف حينئذ إختيار العودة إلى إجراءات الوساطة أو إجراء التحكيم ويكون من حق رئيس لجنة التوفيق أو المسئول في الوزارة تحريك الوساطة حتى ولو لم يقدم أي من الطرفين طلباً بذلك. إذ أن نظام الوساطة في حل المنازعات العمالية الجماعية أصبح شبه إجباري في القطاع الخاص .
الوساطة نظام جوازي وليس إجبارياً:
نصت المادة 170 الراهنة على أنه إذا لم تتم تسوية النزاع كلياً خلال ثلاثين يوماً من بدء تاريخ المفاوضة جاز للطرفين الالتجاء لإجراءات الوساطة.
ومفاد ذلك أنه عند نشوب النزاع العمالي بالمعنى السابق شرحه. فإن طرفي النزاع يقومان بإجراء المفاوضة الجماعية فإذا لم يتوصلا إلى إتفاق جاز لهما مجتمعين أو لأي منهما أن يتقدم بطلبه إلى وزارة القوى العاملة (الإدارة المختصة). لبدء إجراءات الوساطة على أن يتم تقديم الطلب في مدة أقصاها ثلاثين يوماً من تاريخ بدء المفاوضة.
ويجوز أن ينوب عنهم في تقديم الطلب ممثلهما القانوني وقد يكون عضواً مفوضاً من المنظمة النقابية وقد يكون محامياً موكلاً عن مقدم الطلب، وليس لهذا الطلب شكل معين كما أنه معفي من الرسوم القضائية ورسوم الدمغة.
ولم يضع النص أي جزاء جنائي على مخالفة أحكامه.
لكن ما هو الحكم إذا لم يتقدم طرفا المنازعة أحدهما أو كلاهما بطلب اتخاذ إجراءات الوساطة في حالة فشل المفاوضة؟
هل يحق له الإلتجاء إلى التحكيم دون المرور بمرحلة الوساطة؟
للإجابة على هذه التساؤلات نرى أن نظام الوساطة المستحدث في القانون المصري لأول مرة هو نظام أختياري بدليل أن المادة 170 موضوع الشرح قالت «.. جاز للطرفين أو أحدهما .. الخ» وبالتالي يكون من حق أي طرف لم يلجأ إلى اتخاذ إجراءات الوساطة خلال الشهر المنصوص عليه بالمادة أن يتقدم مباشرة بعد مضي هذه المدة إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم طبقاً للمادة 179 وما بعدها من القانون.
نرى أنه كان من الأفضل أن يقول نص المادة 170 «وجب» بدلاً من قوله «جاز» حتى يصبح اللجوء إلى نظام الوساطة إجبارياً كما هو الحال في التشريع الفرنسي خصوصاً وأن المشرع أخذ بمبدأ التوفيق الإجباري في المنازعات (راجع كتابنا - التعليق على القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن التوفيق في المنازعات - طبعة 2001 ص 9 وما بعدها).(الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الثالث، صفحة 107)
وكان القانون الملغي في حالة فشل المفاوضات وعدم التمكن من تسوية النزاع أو رفض أحد الطرفين سلوك المفاوضة إذ جاز لأي منها عرض النزاع على اللجنة المحلية لتسوية المنازعات بالمحافظة وإذا لم يتمكن ينقل النزاع إلى المجلس المركزي لتسوية المنازعات بوزارة القوى العاملة وإذا تعذر تسوية النزاع خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم الطلب بشأن عقد لجنة تسوية المنازعات المحلية وجب إحالة الأوراق إلى هيئة التحكيم المختصة خلال أسبوع من تعذر التسوية.
- أما القانون الحالي فقد استبدل اللجنة المحلية والمجلس المركزي لتسوية المنازعات بأسلوب الوساطة کما يرد شرحه وعليه وإعمالاً لهذا النص وفي حالة عدم التسوية وفي خلال 30 يوماً من تاريخ بدء المفاوضة يتم التقدم إلى الجهة الإدارية المختصة لتحريك إجراءات الوساطة . (الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009، الصفحة 489)