تقنن المادة 22 من المشروع النزول عن البطلان فتقرر جواز النزول عنه صراحة أو ضمناً بإستثناء ما تعلق بالنظام العام وهو نص يفضل في صياغته نص المادة 26 من قانون المرافعات الحالي الذي أثار خرفاً في الفقه بشأن تفسير عبارته .
1 ـ مؤدى نص المادة 20 من قانون الحجز الإدارى رقم 308 لسنة 1955 إن أعتبار الحجز الإدارى كأن لم يكن يقع بقوة القانون إلا أنه مقرر لمصلحة المدين و لا يتعلق بالنظام العام و لذلك يسقط حق المدين فى الدفع به إذا نزل عنه صراحة ، أو ضمناً بعد أكتسابه عملاً بنص المادة 26 من قانون المرافعات السابق و المادة 22 من قانون المرافعات الحالى .
(الطعن رقم 494 لسنة 45 جلسة 1978/03/21 س 29 ع 1 ص 836 ق 164)
2 ـ بطلان أوراق التكليف بالحضور لعيب فى الإعلان هو بطلان نسبى مقرر لمصلحة من شرع لحمايته وليس متعلقا بالنظام العام، وبالتالى فلا يجوز للمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها وإنما يجب على الخصم الذى تقرر هذا البطلان لمصلحته أن يتمسك به أمام محكمة الموضوع.
(الطعن رقم 763 لسنة 57 جلسة 1993/02/25 س 44 ع 1 ص 743 ق 123)
الطعن رقم 386 لسنة 43 جلسة 1980/11/18 س 31 ع 2 ص 1910 ق 354)
(الطعن رقم 144 لسنة 45 جلسة 1978/12/06 س 29 ع 2 ص 1850 ق 357)
الطعن رقم 488 لسنة 48 جلسة 1982/06/03 س 33 ع 2 ص 662 ق 117)
3 ـ البطلان المترتب على عدم إعلان أحد الخصوم مذكرة دفاع الخصم الأحكام المقدمة أثناء فترة حجز الدعوى للحكم هو بطلان نسبى مقرر لمصلحة من شرع لحمايته و ليس متعلقاً بالنظام العام ، فلا يجوز لغير الخصم الذى لم يتم إعلانه التمسك به و لو كان موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة . و لما كان المطعون ضدهما الثالث و الرابع لم يتمسكاً بهذا البطلان فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه من سبب للطعن يكون غير مقبول .
(الطعن رقم 3412 لسنة 51 جلسة 1988/05/22 س 39 ع 2 ص 954 ق 156)
4 ـ المقرر فى قضاء محكمة النقض أن بطلان الخصومة لعدم إعلان أحد الخصوم إعلاناً صحيحاً هو بطلان نسبى مقرر لمصلحة من شرع لحمايته و ليس متعلقاً بالنظام العام فلا يجوز لغير الخصم الذى بطل إعلانه الدفع به و لو كان موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة .
(الطعن رقم 2420 لسنة 52 جلسة 1983/06/30 س 34 ع 2 ص 1514 ق 295)
5 ـ إعلان الأوراق القضائية فى النيابة بدلاً من إعلانها لشخص المراد إعلانه أو فى موطنه ، و إن كان لا يصح اللجوء إليه قبل قيام المعلن بالتحريات الكافية الدقيقة عن محل إقامة المعلن إليه ، إلا أن بطلان الإعلان لعدم كفاية هذه التحريات لا يجوز أن يتمسك به إلا من شرع هذا البطلان لمصلحته ، ذلك أن بطلان الخصومة لعدم إعلان أحد الخصوم إعلاناً صحيحاً هو - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بطلان نسبى مقرر لمصلحة من شرع لحمايته و ليس متعلقاً بالنظام العام ، فلا يجوز لغير الخصم الذى بطل إعلانه الدفع به ، و لو كان له مصلحة فى ذلك أو كان موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة.
(الطعن رقم 505 لسنة 48 جلسة 1982/12/09 س 33 ع 2 ص 1134 ق 205)
أنواع البطلان :
ينقسم بطلان العمل الإجرائي أساساً - وفقاً للقانون المصرى - إلى بطلان متعلق بالنظام العام وبطلان متعلق بالمصلحة الخاصة ( أنظر المادتين 21 ، 22 من قانون المرافعات ) . فالبطلان المقرر جزاءاً لمخالفة قاعدة من القواعد التي تتعلق بالنظام العام يتميز بخصائص تختلف عن خصائص البطلان المقرر جزاءاً لمخالفة قاعدة لا تتعلق بهذا النظام .
وتعبر فكرة النظام العام عن ضرورة حماية المصلحة العليا للمجتمع . ولما كانت القواعد الأساسية في مجتمع ما متغيرة ، فمن المقرر أن تحديد ما يتصل مباشرة بالنظام العام يخرج عن نطاق المشرع الذي يجب أن تتوافر في قواعده الثبات ، ليدخل في نشاط القاضي . ولهذا لم يحاول أي مشرع أن يحدد مقدماً الحالات التي يعتبر فيها البطلان متعلق بالنظام العام . وحتى في الحالات التي ينص فيها القانون على البطلان ، فقد يتعلق ببطلان يتعلق بالمصلحة الخاصة. على أن القانون قد ينص في بعض الحالات على تعلق البطلان بالنظام العام . وهو يفعل هذا عادة بالنص على أن على القاضي أن يحكم بالبطلان من تلقاء نفسه . وقد يشير على العكس إلى أن البطلان لا يتعلق بالنظام العام ، وذلك بالنص على أن البطلان يزول بنزول من له التمسك به ، فإذا لم يوجد نص تشریعی ، ترك الأمر للقاضي . وعلى القاضي أن يضع نصب عينيه نوع المصلحة التي يرمي المشرع إلى حمايتها بالقاعدة المخالفة.
ويمكن القول أن قواعد التنظيم القضائي تتعلق بالنظام العام ، إذ هي تنظم مرفقاً عاماً من مرافق الدولة هو مرفق القضاء. ولهذا فإن الحكم الذي يصدر من محكمة مشكلة تشكيلاً غير صحيح أو من شخص ليس لديه ولاية القضاء يكون باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام . كذلك إذا صدر حكم من قاض في حالة لا يكون فيها صالحاً لنظر الدعوى .
ويعتبر متعلقاً بالنظام العام أيضاً قواعد الأهلية والتمثيل القانوني . ولهذا فإن على القاضي أن يتحقق - من تلقاء نفسه - من توافر أهلية الخصوم وصحة تمثيلهم ، وإذا تبين له نقص أهلية أحد الخصوم أو عدم صحة تمثيله ، فعليه أن يقضي بالبطلان من تلقاء نفسه في أية حالة كانت عليها الخصومة.
ومن البطلان لعيب شكلي أيضاً ما يتعلق بالنظام العام . وفي هذا المجال تبدو الصعوبة في أن نعرف مقدماً ما يتعلق بالنظام العام وما يتعلق بالمصلحة الخاصة . ويمكن القول أن غالبية الأشكال تتعلق برعاية مصلحة خاصة ، غير أن التطور الذي أدى إلى اعتبار الخصومة نظاماً من القانون العام أدى إلى اعتبار أشكال كثيرة متعلقة بالنظام العام . فيعتبر متعلقة بالنظام العام جميع الأشكال التي ترمي إلى ضمان حسن سير القضاء . ومثالها وجوب أن تكون الجلسة علنية وأن يصدر الحكم علناً في الجلسة. كذلك يتعلق حق الدفاع بالنظام العام ، ولهذا فإن بطلان العمل الإجرائي يتعلق بالنظام العام إذا كانت مخالفة الشكل من شأنها عدم تمكين الخصم من الدفاع. ومن المواعيد ما يتعلق بالنظام العام وهي المواعيد التي تتصل بالتنظيم العام للخصومة والتي ترمي إلى وضع حد للنزاع . ومثالها مواعيد الطعن في الأحكام.
وإلى جانب تقسيم البطلان إلى بطلان يتعلق بالنظام العام وبطلان يتعلق بالمصلحة الخاصة ، يمكن تقسيم البطلان تقسيمات أخرى ، يفيد كل تقسيم في تطبيق بعض قواعد البطلان . وأهم هذه التقسيمات : 1- بطلان يقبل التصحيح ، وبطلان لا يقبل التصحيح : ويتفرع إلى تقسيمات فرعية حسب الواقعة المصححة . 2- بطلان کلي وبطلان جزئي .
التصحيح مع بقاء العيب :
يختلف هذا التصحيح عن النوع الأول في أن التصحيح يتم رغم بقاء العيب الذي من شأنه أن يبطل العمل . ويمكن تقسيم هذا التصحيح إلى قسمين:
1- التصحيح بالنزول عن التمسك بالبطلان : للخصم الذي من حقه التمسك بالبطلان أن ينزل عن هذا الحق . وقد يكون النزول صريحاًً أو ضمنياً (مادة 22 مرافعات) . أما النزول الصريح فهو إعلان الخصم إرادته صريحة بالنزول عن حقه في التمسك بالبطلان . ولا يشترط في هذا الإعلان أي شكل خاص ، فيمكن أن يتم شفاهة في الجلسة في مواجهة الخصم الآخر ، كما يمكن أن يتم كتابة في مذكرة تسلم أو تعلن إليه . ويمكن الاتفاق مقدماً على النزول عن البطلان إذا تعلق بعمل معين ولسبب معين . أما الإتفاق المقدم على النزول العام غير المحدد عن التمسك بالبطلان عموماً أو عن التمسك ببطلان عمل معين أياً كانت العيوب التي تشوبه فهو غير جائز . ذلك أن القاعدة العامة هي عدم جواز النزول عن حق إلا عن علم به ، والنزول العام يكون دون علم بأسباب البطلان التي لو علمها النازل فقد لا يقدم على نزوله.
أما النزول الضمنى فهو سلوك من الخصم يدل ضرورة على إرادة من قام به النزول عن التمسك بالبطلان . ويبحث القاضي - للكشف عن هذه الإرادة - فيما إذا كان العمل الذي يراد اعتباره نزولاً يمكن أن يتفق في ذهن من قام به مع إرادة التمسك بالبطلان. ولقاضي الموضوع سلطة تقديرية في هذا الشأن ، ولا يخضع لرقابة محكمة النقض إلا في وجوب بيان أسباب معقولة وكافية لاستنتاجه على أن النزول لا يفترض و «لا يقام على الظن أو الاحتمال أو على واقعة غير قاطعة الدلالة على النزول.
وإذا نزل من له التمسك بالبطلان عن حقه ، انتج النزول أثره دون اشتراط موافقة الخصم الآخر.
ويلاحظ أن النزول عن البطلان جائز سواء كان سببه عيباً في الشكل أم عيباً غير شكلى . وإنما تحدد نطاقه فكرة النظام العام (مادة 22 مرافعات) . فإذا تعلق البطلان بالنظام العام كما هو الحال بالنسبة لبطلان الاستئناف لرفعه بعد الميعاد فإن نزول ذي المصلحة عن التمسك به لا ينتج أي أثر . فيجوز له بعد نزوله أن يتمسك بالبطلان ، ويجوز لغيره من ذوى المصلحة ذلك من باب أولى ، وللمحكمة أن تقضي بالبطلان رغم هذا النزول. أما إذا كان البطلان متعلقاً بالمصلحة الخاصة ، فلمن له الحق في التمسك به النزول عن هذا الحق على أنه يلاحظ أن هذا النزول لا يؤدي إلى التصحيح إلا إذا كان هذا الحق معطي الشخص واحد . أما إذا كان الحق لأكثر من شخص ، فإن نزول أحدهم عن حقه يعتبر صحيحاً ولكنه لا يرتب أثراً إلا بالنسبة له ولا يحرم الآخرين من حقهم في التمسك بالبطلان.
وإذا ترتب على النزول تصحيح العمل الباطل ، فإن هذا التصحيح يترتب بأثر رجعي ، فيعتبر العمل الإجرائي صحيحاً منذ القيام به.
التصحيح بواقعة قانونية :
وهنا لا يرجع التصحيح إلى الإرادة بل إلى نص القانون . فرغبة المشرع في تحقيق الهدف من الخصومة ، كما تؤدي إلى التضييق من حالات البطلان تؤدي إلى وجوب التخلص من هذا البطلان بأسرع وقت . وقد رأي المشرع لهذا أن يحدد وقائع معينة في الخصومة ، إذا حدثت إحداها ترتب عليها سقوط الحق في التمسك بالبطلان ، وبهذا تسير الخصومة دون أن تكون مهددة في مرحلة متقدمة منها ببطلان عمل تم في مراحلها الأولى.
وتتميز الوقائع المصححة عن النزول ، في أنه في النزول يجب ثبوت إرادة النزول لدى النازل صريحة أو ضمنية ، أما بالنسبة لهذه الوقائع فإنها ترتب أثرها بمجرد تحققها بصرف النظر عن إرادة الخصم ومن المقرر أن هذه الوقائع - لأنها تحرم صاحب الحق من حقه دون إرادته - لا يجوز القياس عليها أو التوسع في تفسيرها وليس للقاضي أية سلطة تقديرية لإضافة وقائع مصححة إلى تلك التي ينص عليها القانون.
ومثال هذه الوقائع ما نص عليه المادة 108 مرافعات من وجوب إسداء الدفوع الإجرائية في بدء الخصومة قبل أي طلب أو دفاع أو دفع بعدم القبول ، وما هو مقرر من زوال البطلان الذي يشوب الحكم إذا انقضت مواعيد الطعن فيه ، فعندئذ يصحح البطلان كأثر لحجية الأمر المقضي . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 884 )
زوال البطلان :
إذا تحققت الشائبة التي تجعل الإجراء باطلاً فإن الإجراء يكون باطلاً وفقاً لنص القانون، ولا يكفي أن يتعلق البطلان بالإجراء لتطرحه المحكمة من تلقاء نفسها إذا كان البطلان غير متعلق بالنظام العام، فيظل البطلان معلقاً على إرادة من تقرر لمصلحته وطالما لم يتمسك به فإن الإجراء يعتبر صحيحاً منتجاً لكافة آثاره، فإن تمسك به فإن حقه في تقريره يثبت ببطلانه بحكم نهائي، ومتى قضي ببطلان الإجراء أرتد أثر هذا القضاء إلى التاريخ الذي اتخذ فيه الإجراء وليس من تاريخ الحكم إعمالاً للأثر الرجعي للبطلان. .
ويترتب على القضاء ببطلان الإجراء إعتباره كأن لم يكن فتزول كل الآثار التي تكون قد ترتب عليه.
فإن لم يتم التمسك بالبطلان غير المتعلق بالنظام العام، وقرر من تقرر البطلان لمصلحة صراحة شفاهة بالجلسة أو بمذكرة أنه يتنازل عن البطلان ، فإنه يكون قد أسقط حقه في التمسك بالبطلان فيصبح الإجراء صحيحاً منذ التاريخ الذي أتخذ فيه وليس من تاريخ النزول ، فإن جاء هذا النزول من وكيل الخصم تعين أن يكون سند وكالته يتسع لذلك ، ويجوز النزول الضمني عن التمسك بالبطلان ويستفاد ذلك من الرد على الإجراء بما يدل على اعتباره صحيحاً أو القيام بعمل أو إجراء آخر باعتباره كذلك، وحينئذ يسقط حق الخصم في التمسك بالبطلان، واستخلاص النزول الضمني من مسائل القانون التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض. ويتحقق باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، وحينئذ يكون التعبير عن الإرادة ضمنياً ، فإذا ثار أدنى شك في اتجاه الإرادة الضمنية إلى إحداث هذا الأثر، انتفى النزول الضمني عن البطلان.
أما إذا تعلق البطلان بالنظام العام وهو ما يمس النظم العليا للدولة ومنها التنظيم القضائي، فإن المساس بأركان الأوراق القضائية كإجراءات المرافعات مما يصمها بالعدم يتعلق بالنظام العام، كإعلان أوراق المحضرين من غير طريق المحضرين أو خلو ورقة الإعلان من توقيع المحضر، أو صدور الحكم من محكمة لا ولاية لها أو عدم توقيع الهيئة على مسودته أو عدم توقيع رئيسها على نسخته الأصلية، فكل ذلك يفقد الإجراء مقوماته وقد ينحدر به إلى الانعدام وطالما تعلق البطلان بالنظام العام وجب تدارکه من كل ذي مصلحة حتى من تسبب فيه، وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها وعلى النيابة الدفع به أن مثلت في الدعوى، ولا يعتد بالنزول عنه.
ومتى كان البطلان غیر متعلق بالنظام العام، جاز لمن تقرر لمصلحته النزول عنه بعد أن يثبت له الحق فيه أي بعد اتخاذ الإجراء المشوب ، فإن نزل عنه قبل ذلك كان هذا النزول ذاته باطلاً فلا يعتد به ولا يسقط حقه في التمسك بالبطلان . .)المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الأول ، الصفحة : 420 )
التنازل عن البطلان النسبي غير المتعلق بالنظام العام : وفقاً للمادة 22 مرافعات - محل التعليق - للخصم الذي من حقه التمسك بالبطلان أن ينزل عن هذا الحق، وقد يكون النزول صريحاً أو ضمنياً ، والنزول الصريح هو إعلان الخصم إرادته صريحة بالنزول عن حقه في التمسك بالبطلان، ولا يشترط في هذا الإعلان أي شكل خاص فيمكن أن يتم شفاهة في الجلسة في مواجهة الخصم الآخر، كما يمكن أن يتم كتابة في مذكرة تعلن إليه، ويمكن الإتفاق مقدماً على النزول على البطلان إذا تعلق بعمل معين، ولسبب معين أما الإتفاق المقدم على النزول العام غير المحدد عن التمست ببطلان عمل معين أياً كانت العيوب التي تشوبه فهو غير جائز ذلك أن القاعدة العامة هي عدم جواز النزول عن حق إلا عن علم به والنزول العام يكون دون علم بأسباب البطلان التي لو علمها النازل فقد لا يقدم على نزوله ( فتحى والى - الوسيط - بند 353 ص 414 وص 415 ) أما النزول الضمنى فهو سلوك من الخصم يدل ضرورة على إرادة من قام به في النزول عن التمسك بالبطلان ويبحث القاضی - للكشف عن هذه الإرادة - فيما إذا كان العمل الذي يراد إعتباره نزولاً يمكن أن يتفق في ذهن من قام به مع إرادة التمسك بالبطلان ولكن النزول لا يفترض ولا يقام على الظن أو الاحتمال أو على واقعة غير قاطعة الدلالة على النزول .
( نقض مدنی 24/4/1952 - مجموعة النقض -3-950-140، وانظر تطبيقاً لنزول ضمني في نقض مدنی 16/3/1977 - الطعن رقم 569 لسنة 43 ق ) .
وإذا نزل من له التمسك بالبطلان عن حقه، أنتج النزول أثره دون اشتراط موافقة الخصم الآخر .
ويلاحظ أن النزول عن البطلان جائز سواء كان سببه عيباً في الشكل أم عيياً غير شكلى، وإنما وفقاً للمادة 22 مرافعات - محل التعليق - نحدد نطاقه فكرة النظام العام فإذا تعلق البطلان بالنظام العام كما هو الحال بالنسبة لبطلان الاستئناف لرفعه بعد الميعاد، فإن نزول ذي المصلحة عن التمسك به لا ينتج أي أثر فيجوز له بعد نزوله أن يتمسك بالبطلان، ويجوز لغيره من نرى المصلحة ذلك من باب أولى، وللمحكمة أن تقضي بالبطلان رغم هذا النزول ( استئناف مختلط 22/5/1917 - بیلتان 19 - 271 ، جارسونیه ج 2 بند 56 ص 15، فتحی والی ص 415 ) أما إذا كان البطلان متعلقاً بالمصلحة الخاصة، فمن له الحق في التمسك به النزول عن هذا الحق ( نقض مدنی 9/4/1974 - مجموعة النقض 25 ص 958 رقم 106 ) ، وفيه قضت بأن مباشرة كاتب الجلسة عملاً في دعوى تربطه بأحد الخصوم فيها صلة قرابة للدرجة الرابعة يترتب عليه بطلان لا يتعلق بالنظام العام مما يجوز النزول عنه على أنه يلاحظ أن هذا النزول لا يؤدي إلى التصحيح إلا إذا كان هذا الحق لخصم واحد أما إذا كان الحق لأكثر من خصم، فإن نزول أحدهم عن حقه يعتبر صحيحاً ، ولكنه لا يرتب أثراً إلا بالنسبة له ولا يحرم الآخرين من حقهم في التمسك بالبطلان وإذا ترتب على النزول تصحیح العمل الباطل، فإن هذا التصحيح يترتب بأثر رجعي، فيعتبر العمل الإجرائی صحيحاً منذ القيام به ( فتحى والى - نظرية البطلان - بند 309 ص 566 ) .
ويلاحظ أن البطلان يتقرر بمقتضى حكم، ويظل الإجراء صحيحاً متی يقضي بإبطاله، فإذا كان البطلان مقرراً لمصلحة شخص معين، ولم يتمسك به هذا الشخص، فإن الإجراء يظل صحيحاً مرتباً آثاره القانونية ما دام لا بجوز لغير هذا الشخص التمسك بالبطلان، وقد نصت المادة 22 محل التعليق على أنه يزول البطلان إذا نزل عنه من شرع لمصلحته صراحة أو ضمناً ، وذلك فيما عدا الحالات التي يتعلق فيها البطلان بالنظام العام ويكون النزول الصريح بإعلان الخصم إرادته في النزول عن حقه في التمسك بالبطلان سواء تم ذلك مشافهة في الجلسة أو في مذكرة، ولكن لا يجوز التنازل مقدماً عن التمسك بالبطلان بصفة عامة ( سوليس وبيرو : جزء اول - ص 389 - رقم 419، جابيو ص 38 - 39 - رقم 59، إبراهيم سعد - بند 306 - ص 763 وص 764 ) لأن هذا التنازل يتم بدون علم المتنازل بأسباب البطلان ( سوليس وبيرو الإشارة السابقة، رمزی سیف ص 502- رقم 399، فتحى والي ص 817 - رقم 322 ، إبراهيم سعد - ص 764 ) ، ويتجه الفقه إلى قبول الإتفاق مقدماً على التنازل إذا كان محدوداً ببطلان عمل معين ولسبب معين كما سبق أن ذكرنا آنفاً .
وكما مضت الإشارة قد يكون النزول ضمنياً ، ويستفاد ذلك من سلوك الخصم سلوكاً يدل على إرادته التنازل عن التمسك بالبطلان، كما لو ورد على الإجراء بما يدل على أنه أعتبره صحيحاً او قام بعمل أو إجراء آخر يفيد أنه متنازل عن البطلان ( أحمد أبو الوفا المرافعات - بند 400 ص 544 ) وعلى ذلك يزول بطلان الحجز على العقار المرهون الناشئ عن عدم إنذار الحائز للعقار، إذا تدخل هذا الأخير وطلب التاجيل لسداد الديون، واستنتاج النزول الضمني من سلوك الخصم من المسائل التي يختص بها قاضي الموضوع، ولا تخضع لرقابة محكمة النقض بشرط أن يبنی استنتاجه على أسباب منطقية ومعقولة .
ولكي ينتج التنازل آثاره يجب ألا يتعلق البطلان بالنظام العام، إذ لو تعلق البطلان بالنظام العام، فكما أسلفنا فليس لتنازل الخصم أي أثر إذ يجوز للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، كما يجوز للنيابة العامة، ولكل ذي مصلحة التمسك به وفضلا عن هذا لا يجوز التنازل إلا عن حق مقرر لصالح الشخص المتنازل في حين أن البطلان المتعلق بالنظام العام لم يشرع لمصلحة الخصم حتى يقال أنه يستطيع أن يتنازل عنه ( إبراهيم سعد - بند 306 ص 764 وص 765 ) .
ويلاحظ أنه يجوز للدائن أن يتمسك ببطلان إجراء موجه إلى مدينه على إعتبار أن حق التمسك بالبطلان لا يعد متعلقاً بشخص المدين بشرط ألا يكون الحق المرفوعة به الدعوى متصلاً بشخصه ( كاريه وشوفو - المرافعات رقم 753، وجارسونيه - المرافعات ج 2 رقم 56، أحمد أبوالوفا - التعليق - ص 207 ) . ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الأول ، الصفحة : 711 )
يقصد بتصحيح البطلان زواله بحيث تترتب على الإجراء أثاره وبحيث يمتنع طلب بطلانه والتصحيح المنصوص عليه في هذه المادة مبناه إرادة الخصم الذي شرع البطلان لمصلحته ويكون النزول الصريح بإعلان الخصم إرادته النزول عن حقه في التمسك بالبطلان سواء مشافهة في الجلسة أو كتابة في مذكرة تعلن لخصمه أو تقدم للمحكمة سواء أكان بإرادته المنفردة أو نتيجة اتفاق بينه وبين خصمه مادام الإتفاق حاصلاً بعد قيام سبب البطلان أما الاتفاق مقدماً على النزول عن البطلان فيميل الرأي الغالب إلي أجازته إذا كان محدداً بطلان عمل معين ولسبب معين ، أما إذا كان الاتفاق عاماً غير محدد ببطلان عمل معين أو غير محدد بسبب معين فلا يجوز لأن الخصم ينزل عن البطلان دون أن يكون على علم بسببه . وكما يكون النزول عن التمسك بالبطلان صراحة يكون ضمنياً والنزول الضمني هو المستفاد من سلوك الخصم سلوكاً يدل على إرادته النزول عن التمسك بالبطلان كالنزول عن التمسك ببطلان التنفيذ علي العقار في يد حائزه الناشئ عن عدم إنذار الحائز المستفاد من تدخل الحائز وطلبه التأجيل لسداد الدين . ومن صور النزول الضمني عن التمسك بالبطلان التعرض للموضوع أو أبداء دفع بعدم القبول قبل التمسك بالبطلان . ( الوسيط لرمزي سيف - الطبعة الثامنة ص. 500).
أثار البطلان :
ويلاحظ بداءة أن البطلان لا ينتج أثره إلا إذا قرره القضاء وحتى يتم ذلك بظل العمل ولو كان معيباً منتجاً لكافة آثاره. باعتباره عملاً صحيحاً فإذا تقرر بطلانه بحكم القضاء اعتبر باطلاً منذ إجرائه لا منذ الحكم بالبطلان وأنتج البطلان أثاره من ذلك التاريخ لا من الحكم ، ويقضي القاضي بالبطلان من تلقاء نفسه إذا كان متعلقاً بالنظام العام فإن لم يكن كذلك وجب القضاء بالبطلان أن يتمسك به من شرع لمصلحته علي ألا يكون هو الذي تسبب فيه سواء كان الخصم نفسه أو شخص أخر يعمل بإسمه ولا يشترط علي ما تقول المذكرة الإيضاحية للقانون أن يكون قد وقع منه غش أو خطأ ليمتنع عليه التمسك بالبطلان ، بل يكفي نسبة البطلان إليه ولا يشترط أن يكون فعله هو السبب الرئيسي أو الوحيد أو العادي أو المباشر لوجود العيب في الإجراء بل يكفي أن تقوم رابطة سببية بين فعله وبين العيب وهي توجد إذا كان الفعل لازماً لوجود العيب تتوافر الرابطة ولو كان فعله هو الذي أدى إلى وقوع الخصم في الخطأ الذي أدى إلى بطلان إجراء قام به هذا الأخير . وقضي تطبيقاً لذلك أن الخصم الذي تسبب في تأجيل إجراء التحقيق لا يجوز له أن يتمسك بعدم جواز إجراؤه لفوات ميعاد . (الزقازيق الإبتدائية في 10 / 4 / 52 المحاماة السنة 42 ، ص 1153 ).
وتحدد أثار البطلان في أن العمل الذي أعلن بطلانه لا ينتج أي أثر قانوني وإذا كانت هذه القاعدة يعمل بها على إطلاقها بالنسبة للآثار القانونية المقررة للعمل لصالح من أجراه فإن العمل الباطل قد ينتج مع ذلك بعض الآثار ضد من قام به كحالة السكوت عن حق التمسك ببطلان صحيفة الدعوى إذا لم يتمسك صاحب الشأن بهذا الدفع في صحيفة الطعن حتى ولو حكم ببطلان صحيفة طعنه .
ومن جهة أخرى فإن العمل الذي تقرر بطلانه على ما قررته هذه المادة لا يؤثر في الأعمال السابقة عليه كما أنه لا يؤثر في الأعمال اللاحقة عليه إلا إذا كانت مبنية عليه ويقصد بذلك على ما أشارت المذكرة الإيضاحية أن توجد رابطة قانونية بين العمل الباطل والعمل اللاحق عليه بحيث يعتبر الأول شرطاً لصحة الثاني وبذلك لا يكفي مجرد الإرتباط المنطقي بين العملين كما لا يكفي من باب أولي مجرد تأثير العمل الأول الباطل في العمل اللاحق.
ومن المقرر أن البطلان يعتبر متعلقاً بالنظام العام إذا نص المشرع علي ذلك صراحة أو أوجب علي القاضي الحكم به من تلقاء نفسه أو كان الإجراء معدوماً أو كان يتصل بالمصالح العامة ولا يكفي لاعتباره متصلاً بالنظام العام أن ينص على أنه يقع بقوة القانون لأن هذه العبارة لا تعني أكثر من حرمان القاضي من مكنه التقدير بحيث يتعين عليه القضاء بالبطلان . (كمال عبد العزيز في الجزء الأول من الطبعة الثالثة ص256).
ويجوز للدائن أن يتمسك ببطلان إجراء موجه إلي مدينه علي اعتبار أن حق التمسك بالبطلان لا يعد متعلقاً بشخص المدين بشرط ألا يكون الحق المرفوعة به الدعوى متصلاً بشخصه ( أبو الوفا في التعليق ص 172 ) . ومتى تم النزول عن البطلان صراحة أو ضمناً فإنه يقع باتاً فلا يجوز العدول عنه أو التحلل من آثاره فحضور الخصم الجلسة المحددة بعد الفصل في الإدعاء بالتزوير يزيل مصلحته في التمسك بالبطلان لعدم إعلانه لهذه الجلسة وكذلك حضور خلف الخصم المتوفي يزيل مصلحته في التمسك بالبطلان لعدم القضاء بإنقطاع سير الخصومة . ( كمال عبد العزيز في الجزء الأول من الطبعة الثالثة ص 256).
كذلك من المقرر أن القاضي لا يحكم بالبطلان علي أساس أنه منصوص عليه في التشريع إلا إذا توافر البطلان بلفظه كأن يقول النص ( وإلا كان الإجراء باطلاً ) ، مثلا ولا يعمل بهذه القاعدة المستحدثة إلا بالنسبة لقانون المرافعات الجديد والقوانين التالية عليه فقط أما القوانين السابقة عليه والتي تعتمد علي تقرير البطلان بعبارة ناهية أو نافية إعمالاً للمادة 25 من قانون المرافعات القديم - هذه القوانين يجب احترام حالات البطلان فيها ولو بعبارة ناهية أو نافية.
ويجب التفرقة بين الغاية من الإجراء والغاية من الشكل ، فقد تحقق الغاية من الإجراء ومع ذلك يكون الإجراء باطلاً لعدم تحقق الغاية من الشكل . فالإعلان علي يد محضر يحقق الغرض منه ولو تم في عطلة رسمية ، وإنما هو عندئذ لا يحقق الغاية منها والحكم ولو لم يسبب يحقق الغاية منه وهي حسم النزاع بين الخصوم - بينما الغاية منه الشكل المقرر في التشريع لا تحقق وهي ضمان جدية الحكم.
فالغاية من الشكل هي الضمان الأساسي الجوهري المقرر لمصلحة الموجه إليه ، وهي ما يهدف المشرع إلي تحقيقه في القانون الإجرائي ، بينما الغاية من الإجراء هي ما يهدف مباشر الإجراء إلي تحقيقها ، وشتان بين الغرضين والهدفين ، لأن الغاية الأخيرة قد تحقق بدون أي شكل أو بشكل معدوم بينما الغاية من شكل الإجراء لا تتحقق إلا بشكل صحيح وإن لم يكن هو ذات الشكل المطلوب . فالعبرة أن يحقق الإجراء الغرض المقصود منه وفق الشكل المقرر في التشريع ، وأن يحقق كل عنصر جوهري من عناصره الغرض المقصود منه وإلا فلا جدوى من النص على البطلان الوجوبي بصدد كل عنصر من هذه العناصر الجوهرية فلا يجدي نفي البطلان الوجوبي بقوله أن الإجراء ككل قد حقق المقصود منه وإنما يجب أن يحقق كل عنصر جوهري من الإجراء الغرض المقصود منه وأن يحققه وفق الشكل المقرر في القانون ، وذلك لأن كل ركن من الأركان الشكلية الجوهرية يحقق ضمانة جوهرية للخصم ، وهناك حالات يتطلب فيها المشرع ذات الشكل ، ويجدي نفي البطلان بصددها كما إذا كان البيان الذي لم يحترم لازماً لرسمية الورقة فإنه لا يجدي نفي البطلان كإغفال توقيع الموظف الرسمي الذي أصدرها أو إغفال تاريخ الورقة الرسمية .
إذا كان الشكل المطلوب هو ميعاد كامل أو ناقص أو مرتد، وكان المشرع يرتب البطلان جزاء علي عدم احترامه فإن عدم احترام الميعاد يقطع في عدم تحقق الغاية من الشكل الجوهري المطلوب هذا مع التسليم بجواز التصحيح بصدد الميعاد الكامل كما إذا لم يحترم المدعي مواعيد الحضور فهنا تؤجل الدعوى ويمنح المدعي بواسطة المحكمة المواعيد اللازمة .
حالات اعتبار الخصومة كأن لم تكن لا تقبل النفي أيضاً لأن مجرد فوات الميعاد دون اتخاذ الإجراء المطلوب يقطع بعدم تحقيق الغاية من ذات الشكل الجوهري المطلوب .
الحالات التي يوجب فيها القانون أن يتم الحجز في مكان معين وإلا كان باطلاً ، أو ألا يتم الإعلان في العطلة الرسمية أو ألا يتم قبل الساعة السابعة صباحاً أو بعد الخامسة مساء ، وإلا كان باطلاً ففي هذه الأحوال عدم إحترام ذات الشكل يرتب بطلاناً لا يقبل النفي.
ولا يتبقى من أنواع البطلان الذي يجوز نفيه بإثبات تحقق الغرض المقصود من - شكل الإجراء ، إلا ذلك البطلان الناتج عن فقد بيان يمكن تكملته من بيانات أخرى واردة بذات الورقة أو بورقة رسمية تعد مكملة لها ( كتكملة بيانات الحكم بالبيانات الواردة في محاضر الجلسات السابقة علي النطق به بصدد اسم القاضي ( نقض 4 يناير 1962 السنة 13 ص 42 ) ولذا يعود الأمر إلى القاعدة التي يسلم بها الفقه والقضاء في ظل القانون القديم والتي لا يوجب الحكم بالبطلان إذا كان النقص في بيانات الورقة من الممكن تكملته من ذات الورقة أو من ورقة رسمية معاصرة لها كما يلاحظ أن البطلان - ولو كان متعلقا بالنظام العام أو متعلقاً بحكم من الأحكام - يقبل النفي على النحو المتقدم وبالشروط المتقدمة ، على أن المحكمة تملك من تلقاء نفسها وقبل الحكم بالبطلان المتعلق بالنظام العام من مدى إحترام الشكل المطلوب من المشرع وما إذا كان قد حقق الغرض المقصود منه أو لم يحققه وذلك مادامت تملك الحكم بالجزاء من تلقاء نفسها .
يكون الإجراء باطلاً إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء أو الشكل أو البيان المطلوب - أو بعبارة أخرى - لم تحقق بسببه المصلحة التي قصدها القانون . بل يكون صحيحاً ترديد الضابط المقرر في المادة 25 من القانون القديم فيكون الإجراء باطلاً إذا شابه عيب جوهري ترتب عليه ضرر للخصم فهذه العبارة الأخيرة تصلح في جميع الأحوال كفيصل الحكم بالبطلان - في حالة عدم وجود نص صريح في القانون. بالنسبة إلي جميع الإجراءات وجميع الأشكال أو البيانات المقررة في التشريع فتحكم المحكمة بالبطلان إذا شاب الإجراء أي عيب جوهري لم تتحقق بسببه المصلحة التي قصد القانون إلي صياغتها وحمايتها بما أوجبه وحصلت المخالفة فيه سواء أكان ما أوجبه هو شكل أيا كان نوعه أو بيان ( المستحق في المرافعات للدكتور أبو الوفا ص 51).
من المقرر أنه يشترط في النزول الضمني أن يكون القول أو الفعل المسقط للحق في الدفع بالبطلان دالاً بذاته علي أن صاحب الشأن قد اعتبر الإجراء الذي يواجهه قد قام صحيحاً أو أنه يعتبره كذلك ومن ثم فلا يعد تنازلاً ضمنياً إذا تمسك صاحب الشأن بالبطلان سواء كان ذلك في صورة قول أو فعل . وحالات البطلان الذي لا يتعلق بالنظام العام كثيرة ومن أمثلتها بطلان أوراق التكليف بالحضور والبطلان لعدم إعلان قرار إعادة الدعوى للمرافعة وبطلان تقرير الخبير لعدم دعوة الخصوم للحضور أمامه والبطلان المترتب على عدم إخطار الخصوم بأن الخبير قد أودع تقريره. ( التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : الأول ، الصفحة : 383 )
أنواع البطلان :
ينقسم بطلان العمل الإجرائي أساساً - وفقاً للقانون المصرى - إلى بطلان متعلق بالنظام العام وبطلان متعلق بالمصلحة الخاصة ( أنظر المادتين 21 ، 22 من قانون المرافعات ) . فالبطلان المقرر جزاءاً لمخالفة قاعدة من القواعد التي تتعلق بالنظام العام يتميز بخصائص تختلف عن خصائص البطلان المقرر جزاءاً لمخالفة قاعدة لا تتعلق بهذا النظام .
وتعبر فكرة النظام العام عن ضرورة حماية المصلحة العليا للمجتمع . ولما كانت القواعد الأساسية في مجتمع ما متغيرة ، فمن المقرر أن تحديد ما يتصل مباشرة بالنظام العام يخرج عن نطاق المشرع الذي يجب أن تتوافر في قواعده الثبات ، ليدخل في نشاط القاضي . ولهذا لم يحاول أي مشرع أن يحدد مقدماً الحالات التي يعتبر فيها البطلان متعلق بالنظام العام . وحتى في الحالات التي ينص فيها القانون على البطلان ، فقد يتعلق ببطلان يتعلق بالمصلحة الخاصة. على أن القانون قد ينص في بعض الحالات على تعلق البطلان بالنظام العام . وهو يفعل هذا عادة بالنص على أن على القاضي أن يحكم بالبطلان من تلقاء نفسه . وقد يشير على العكس إلى أن البطلان لا يتعلق بالنظام العام ، وذلك بالنص على أن البطلان يزول بنزول من له التمسك به ، فإذا لم يوجد نص تشریعی ، ترك الأمر للقاضي . وعلى القاضي أن يضع نصب عينيه نوع المصلحة التي يرمي المشرع إلى حمايتها بالقاعدة المخالفة.
ويمكن القول أن قواعد التنظيم القضائي تتعلق بالنظام العام ، إذ هي تنظم مرفقاً عاماً من مرافق الدولة هو مرفق القضاء. ولهذا فإن الحكم الذي يصدر من محكمة مشكلة تشكيلاً غير صحيح أو من شخص ليس لديه ولاية القضاء يكون باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام . كذلك إذا صدر حكم من قاض في حالة لا يكون فيها صالحاً لنظر الدعوى .
ويعتبر متعلقاً بالنظام العام أيضاً قواعد الأهلية والتمثيل القانوني . ولهذا فإن على القاضي أن يتحقق - من تلقاء نفسه - من توافر أهلية الخصوم وصحة تمثيلهم ، وإذا تبين له نقص أهلية أحد الخصوم أو عدم صحة تمثيله ، فعليه أن يقضي بالبطلان من تلقاء نفسه في أية حالة كانت عليها الخصومة.
ومن البطلان لعيب شكلي أيضاً ما يتعلق بالنظام العام . وفي هذا المجال تبدو الصعوبة في أن نعرف مقدماً ما يتعلق بالنظام العام وما يتعلق بالمصلحة الخاصة . ويمكن القول أن غالبية الأشكال تتعلق برعاية مصلحة خاصة ، غير أن التطور الذي أدى إلى اعتبار الخصومة نظاماً من القانون العام أدى إلى اعتبار أشكال كثيرة متعلقة بالنظام العام . فيعتبر متعلقة بالنظام العام جميع الأشكال التي ترمي إلى ضمان حسن سير القضاء . ومثالها وجوب أن تكون الجلسة علنية وأن يصدر الحكم علناً في الجلسة. كذلك يتعلق حق الدفاع بالنظام العام ، ولهذا فإن بطلان العمل الإجرائي يتعلق بالنظام العام إذا كانت مخالفة الشكل من شأنها عدم تمكين الخصم من الدفاع. ومن المواعيد ما يتعلق بالنظام العام وهي المواعيد التي تتصل بالتنظيم العام للخصومة والتي ترمي إلى وضع حد للنزاع . ومثالها مواعيد الطعن في الأحكام.
وإلى جانب تقسيم البطلان إلى بطلان يتعلق بالنظام العام وبطلان يتعلق بالمصلحة الخاصة ، يمكن تقسيم البطلان تقسيمات أخرى ، يفيد كل تقسيم في تطبيق بعض قواعد البطلان . وأهم هذه التقسيمات : 1- بطلان يقبل التصحيح ، وبطلان لا يقبل التصحيح : ويتفرع إلى تقسيمات فرعية حسب الواقعة المصححة . 2- بطلان کلي وبطلان جزئي .
التصحيح مع بقاء العيب :
يختلف هذا التصحيح عن النوع الأول في أن التصحيح يتم رغم بقاء العيب الذي من شأنه أن يبطل العمل . ويمكن تقسيم هذا التصحيح إلى قسمين:
1- التصحيح بالنزول عن التمسك بالبطلان : للخصم الذي من حقه التمسك بالبطلان أن ينزل عن هذا الحق . وقد يكون النزول صريحاًً أو ضمنياً (مادة 22 مرافعات) . أما النزول الصريح فهو إعلان الخصم إرادته صريحة بالنزول عن حقه في التمسك بالبطلان . ولا يشترط في هذا الإعلان أي شكل خاص ، فيمكن أن يتم شفاهة في الجلسة في مواجهة الخصم الآخر ، كما يمكن أن يتم كتابة في مذكرة تسلم أو تعلن إليه . ويمكن الاتفاق مقدماً على النزول عن البطلان إذا تعلق بعمل معين ولسبب معين . أما الإتفاق المقدم على النزول العام غير المحدد عن التمسك بالبطلان عموماً أو عن التمسك ببطلان عمل معين أياً كانت العيوب التي تشوبه فهو غير جائز . ذلك أن القاعدة العامة هي عدم جواز النزول عن حق إلا عن علم به ، والنزول العام يكون دون علم بأسباب البطلان التي لو علمها النازل فقد لا يقدم على نزوله.
أما النزول الضمنى فهو سلوك من الخصم يدل ضرورة على إرادة من قام به النزول عن التمسك بالبطلان . ويبحث القاضي - للكشف عن هذه الإرادة - فيما إذا كان العمل الذي يراد اعتباره نزولاً يمكن أن يتفق في ذهن من قام به مع إرادة التمسك بالبطلان. ولقاضي الموضوع سلطة تقديرية في هذا الشأن ، ولا يخضع لرقابة محكمة النقض إلا في وجوب بيان أسباب معقولة وكافية لاستنتاجه على أن النزول لا يفترض و «لا يقام على الظن أو الاحتمال أو على واقعة غير قاطعة الدلالة على النزول.
وإذا نزل من له التمسك بالبطلان عن حقه ، انتج النزول أثره دون اشتراط موافقة الخصم الآخر.
ويلاحظ أن النزول عن البطلان جائز سواء كان سببه عيباً في الشكل أم عيباً غير شكلى . وإنما تحدد نطاقه فكرة النظام العام (مادة 22 مرافعات) . فإذا تعلق البطلان بالنظام العام كما هو الحال بالنسبة لبطلان الاستئناف لرفعه بعد الميعاد فإن نزول ذي المصلحة عن التمسك به لا ينتج أي أثر . فيجوز له بعد نزوله أن يتمسك بالبطلان ، ويجوز لغيره من ذوى المصلحة ذلك من باب أولى ، وللمحكمة أن تقضي بالبطلان رغم هذا النزول. أما إذا كان البطلان متعلقاً بالمصلحة الخاصة ، فلمن له الحق في التمسك به النزول عن هذا الحق على أنه يلاحظ أن هذا النزول لا يؤدي إلى التصحيح إلا إذا كان هذا الحق معطي الشخص واحد . أما إذا كان الحق لأكثر من شخص ، فإن نزول أحدهم عن حقه يعتبر صحيحاً ولكنه لا يرتب أثراً إلا بالنسبة له ولا يحرم الآخرين من حقهم في التمسك بالبطلان.
وإذا ترتب على النزول تصحيح العمل الباطل ، فإن هذا التصحيح يترتب بأثر رجعي ، فيعتبر العمل الإجرائي صحيحاً منذ القيام به.
التصحيح بواقعة قانونية :
وهنا لا يرجع التصحيح إلى الإرادة بل إلى نص القانون . فرغبة المشرع في تحقيق الهدف من الخصومة ، كما تؤدي إلى التضييق من حالات البطلان تؤدي إلى وجوب التخلص من هذا البطلان بأسرع وقت . وقد رأي المشرع لهذا أن يحدد وقائع معينة في الخصومة ، إذا حدثت إحداها ترتب عليها سقوط الحق في التمسك بالبطلان ، وبهذا تسير الخصومة دون أن تكون مهددة في مرحلة متقدمة منها ببطلان عمل تم في مراحلها الأولى.
وتتميز الوقائع المصححة عن النزول ، في أنه في النزول يجب ثبوت إرادة النزول لدى النازل صريحة أو ضمنية ، أما بالنسبة لهذه الوقائع فإنها ترتب أثرها بمجرد تحققها بصرف النظر عن إرادة الخصم ومن المقرر أن هذه الوقائع - لأنها تحرم صاحب الحق من حقه دون إرادته - لا يجوز القياس عليها أو التوسع في تفسيرها وليس للقاضي أية سلطة تقديرية لإضافة وقائع مصححة إلى تلك التي ينص عليها القانون.
ومثال هذه الوقائع ما نص عليه المادة 108 مرافعات من وجوب إسداء الدفوع الإجرائية في بدء الخصومة قبل أي طلب أو دفاع أو دفع بعدم القبول ، وما هو مقرر من زوال البطلان الذي يشوب الحكم إذا انقضت مواعيد الطعن فيه ، فعندئذ يصحح البطلان كأثر لحجية الأمر المقضي . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 884 )
زوال البطلان :
إذا تحققت الشائبة التي تجعل الإجراء باطلاً فإن الإجراء يكون باطلاً وفقاً لنص القانون، ولا يكفي أن يتعلق البطلان بالإجراء لتطرحه المحكمة من تلقاء نفسها إذا كان البطلان غير متعلق بالنظام العام، فيظل البطلان معلقاً على إرادة من تقرر لمصلحته وطالما لم يتمسك به فإن الإجراء يعتبر صحيحاً منتجاً لكافة آثاره، فإن تمسك به فإن حقه في تقريره يثبت ببطلانه بحكم نهائي، ومتى قضي ببطلان الإجراء أرتد أثر هذا القضاء إلى التاريخ الذي اتخذ فيه الإجراء وليس من تاريخ الحكم إعمالاً للأثر الرجعي للبطلان. .
ويترتب على القضاء ببطلان الإجراء إعتباره كأن لم يكن فتزول كل الآثار التي تكون قد ترتب عليه.
فإن لم يتم التمسك بالبطلان غير المتعلق بالنظام العام، وقرر من تقرر البطلان لمصلحة صراحة شفاهة بالجلسة أو بمذكرة أنه يتنازل عن البطلان ، فإنه يكون قد أسقط حقه في التمسك بالبطلان فيصبح الإجراء صحيحاً منذ التاريخ الذي أتخذ فيه وليس من تاريخ النزول ، فإن جاء هذا النزول من وكيل الخصم تعين أن يكون سند وكالته يتسع لذلك ، ويجوز النزول الضمني عن التمسك بالبطلان ويستفاد ذلك من الرد على الإجراء بما يدل على اعتباره صحيحاً أو القيام بعمل أو إجراء آخر باعتباره كذلك، وحينئذ يسقط حق الخصم في التمسك بالبطلان، واستخلاص النزول الضمني من مسائل القانون التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض. ويتحقق باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، وحينئذ يكون التعبير عن الإرادة ضمنياً ، فإذا ثار أدنى شك في اتجاه الإرادة الضمنية إلى إحداث هذا الأثر، انتفى النزول الضمني عن البطلان.
أما إذا تعلق البطلان بالنظام العام وهو ما يمس النظم العليا للدولة ومنها التنظيم القضائي، فإن المساس بأركان الأوراق القضائية كإجراءات المرافعات مما يصمها بالعدم يتعلق بالنظام العام، كإعلان أوراق المحضرين من غير طريق المحضرين أو خلو ورقة الإعلان من توقيع المحضر، أو صدور الحكم من محكمة لا ولاية لها أو عدم توقيع الهيئة على مسودته أو عدم توقيع رئيسها على نسخته الأصلية، فكل ذلك يفقد الإجراء مقوماته وقد ينحدر به إلى الانعدام وطالما تعلق البطلان بالنظام العام وجب تدارکه من كل ذي مصلحة حتى من تسبب فيه، وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها وعلى النيابة الدفع به أن مثلت في الدعوى، ولا يعتد بالنزول عنه.
ومتى كان البطلان غیر متعلق بالنظام العام، جاز لمن تقرر لمصلحته النزول عنه بعد أن يثبت له الحق فيه أي بعد اتخاذ الإجراء المشوب ، فإن نزل عنه قبل ذلك كان هذا النزول ذاته باطلاً فلا يعتد به ولا يسقط حقه في التمسك بالبطلان . .)المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الأول ، الصفحة : 420 )
التنازل عن البطلان النسبي غير المتعلق بالنظام العام : وفقاً للمادة 22 مرافعات - محل التعليق - للخصم الذي من حقه التمسك بالبطلان أن ينزل عن هذا الحق، وقد يكون النزول صريحاً أو ضمنياً ، والنزول الصريح هو إعلان الخصم إرادته صريحة بالنزول عن حقه في التمسك بالبطلان، ولا يشترط في هذا الإعلان أي شكل خاص فيمكن أن يتم شفاهة في الجلسة في مواجهة الخصم الآخر، كما يمكن أن يتم كتابة في مذكرة تعلن إليه، ويمكن الإتفاق مقدماً على النزول على البطلان إذا تعلق بعمل معين، ولسبب معين أما الإتفاق المقدم على النزول العام غير المحدد عن التمست ببطلان عمل معين أياً كانت العيوب التي تشوبه فهو غير جائز ذلك أن القاعدة العامة هي عدم جواز النزول عن حق إلا عن علم به والنزول العام يكون دون علم بأسباب البطلان التي لو علمها النازل فقد لا يقدم على نزوله ( فتحى والى - الوسيط - بند 353 ص 414 وص 415 ) أما النزول الضمنى فهو سلوك من الخصم يدل ضرورة على إرادة من قام به في النزول عن التمسك بالبطلان ويبحث القاضی - للكشف عن هذه الإرادة - فيما إذا كان العمل الذي يراد إعتباره نزولاً يمكن أن يتفق في ذهن من قام به مع إرادة التمسك بالبطلان ولكن النزول لا يفترض ولا يقام على الظن أو الاحتمال أو على واقعة غير قاطعة الدلالة على النزول .
( نقض مدنی 24/4/1952 - مجموعة النقض -3-950-140، وانظر تطبيقاً لنزول ضمني في نقض مدنی 16/3/1977 - الطعن رقم 569 لسنة 43 ق ) .
وإذا نزل من له التمسك بالبطلان عن حقه، أنتج النزول أثره دون اشتراط موافقة الخصم الآخر .
ويلاحظ أن النزول عن البطلان جائز سواء كان سببه عيباً في الشكل أم عيياً غير شكلى، وإنما وفقاً للمادة 22 مرافعات - محل التعليق - نحدد نطاقه فكرة النظام العام فإذا تعلق البطلان بالنظام العام كما هو الحال بالنسبة لبطلان الاستئناف لرفعه بعد الميعاد، فإن نزول ذي المصلحة عن التمسك به لا ينتج أي أثر فيجوز له بعد نزوله أن يتمسك بالبطلان، ويجوز لغيره من نرى المصلحة ذلك من باب أولى، وللمحكمة أن تقضي بالبطلان رغم هذا النزول ( استئناف مختلط 22/5/1917 - بیلتان 19 - 271 ، جارسونیه ج 2 بند 56 ص 15، فتحی والی ص 415 ) أما إذا كان البطلان متعلقاً بالمصلحة الخاصة، فمن له الحق في التمسك به النزول عن هذا الحق ( نقض مدنی 9/4/1974 - مجموعة النقض 25 ص 958 رقم 106 ) ، وفيه قضت بأن مباشرة كاتب الجلسة عملاً في دعوى تربطه بأحد الخصوم فيها صلة قرابة للدرجة الرابعة يترتب عليه بطلان لا يتعلق بالنظام العام مما يجوز النزول عنه على أنه يلاحظ أن هذا النزول لا يؤدي إلى التصحيح إلا إذا كان هذا الحق لخصم واحد أما إذا كان الحق لأكثر من خصم، فإن نزول أحدهم عن حقه يعتبر صحيحاً ، ولكنه لا يرتب أثراً إلا بالنسبة له ولا يحرم الآخرين من حقهم في التمسك بالبطلان وإذا ترتب على النزول تصحیح العمل الباطل، فإن هذا التصحيح يترتب بأثر رجعي، فيعتبر العمل الإجرائی صحيحاً منذ القيام به ( فتحى والى - نظرية البطلان - بند 309 ص 566 ) .
ويلاحظ أن البطلان يتقرر بمقتضى حكم، ويظل الإجراء صحيحاً متی يقضي بإبطاله، فإذا كان البطلان مقرراً لمصلحة شخص معين، ولم يتمسك به هذا الشخص، فإن الإجراء يظل صحيحاً مرتباً آثاره القانونية ما دام لا بجوز لغير هذا الشخص التمسك بالبطلان، وقد نصت المادة 22 محل التعليق على أنه يزول البطلان إذا نزل عنه من شرع لمصلحته صراحة أو ضمناً ، وذلك فيما عدا الحالات التي يتعلق فيها البطلان بالنظام العام ويكون النزول الصريح بإعلان الخصم إرادته في النزول عن حقه في التمسك بالبطلان سواء تم ذلك مشافهة في الجلسة أو في مذكرة، ولكن لا يجوز التنازل مقدماً عن التمسك بالبطلان بصفة عامة ( سوليس وبيرو : جزء اول - ص 389 - رقم 419، جابيو ص 38 - 39 - رقم 59، إبراهيم سعد - بند 306 - ص 763 وص 764 ) لأن هذا التنازل يتم بدون علم المتنازل بأسباب البطلان ( سوليس وبيرو الإشارة السابقة، رمزی سیف ص 502- رقم 399، فتحى والي ص 817 - رقم 322 ، إبراهيم سعد - ص 764 ) ، ويتجه الفقه إلى قبول الإتفاق مقدماً على التنازل إذا كان محدوداً ببطلان عمل معين ولسبب معين كما سبق أن ذكرنا آنفاً .
وكما مضت الإشارة قد يكون النزول ضمنياً ، ويستفاد ذلك من سلوك الخصم سلوكاً يدل على إرادته التنازل عن التمسك بالبطلان، كما لو ورد على الإجراء بما يدل على أنه أعتبره صحيحاً او قام بعمل أو إجراء آخر يفيد أنه متنازل عن البطلان ( أحمد أبو الوفا المرافعات - بند 400 ص 544 ) وعلى ذلك يزول بطلان الحجز على العقار المرهون الناشئ عن عدم إنذار الحائز للعقار، إذا تدخل هذا الأخير وطلب التاجيل لسداد الديون، واستنتاج النزول الضمني من سلوك الخصم من المسائل التي يختص بها قاضي الموضوع، ولا تخضع لرقابة محكمة النقض بشرط أن يبنی استنتاجه على أسباب منطقية ومعقولة .
ولكي ينتج التنازل آثاره يجب ألا يتعلق البطلان بالنظام العام، إذ لو تعلق البطلان بالنظام العام، فكما أسلفنا فليس لتنازل الخصم أي أثر إذ يجوز للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، كما يجوز للنيابة العامة، ولكل ذي مصلحة التمسك به وفضلا عن هذا لا يجوز التنازل إلا عن حق مقرر لصالح الشخص المتنازل في حين أن البطلان المتعلق بالنظام العام لم يشرع لمصلحة الخصم حتى يقال أنه يستطيع أن يتنازل عنه ( إبراهيم سعد - بند 306 ص 764 وص 765 ) .
ويلاحظ أنه يجوز للدائن أن يتمسك ببطلان إجراء موجه إلى مدينه على إعتبار أن حق التمسك بالبطلان لا يعد متعلقاً بشخص المدين بشرط ألا يكون الحق المرفوعة به الدعوى متصلاً بشخصه ( كاريه وشوفو - المرافعات رقم 753، وجارسونيه - المرافعات ج 2 رقم 56، أحمد أبوالوفا - التعليق - ص 207 ) . ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الأول ، الصفحة : 711 )
يقصد بتصحيح البطلان زواله بحيث تترتب على الإجراء أثاره وبحيث يمتنع طلب بطلانه والتصحيح المنصوص عليه في هذه المادة مبناه إرادة الخصم الذي شرع البطلان لمصلحته ويكون النزول الصريح بإعلان الخصم إرادته النزول عن حقه في التمسك بالبطلان سواء مشافهة في الجلسة أو كتابة في مذكرة تعلن لخصمه أو تقدم للمحكمة سواء أكان بإرادته المنفردة أو نتيجة اتفاق بينه وبين خصمه مادام الإتفاق حاصلاً بعد قيام سبب البطلان أما الاتفاق مقدماً على النزول عن البطلان فيميل الرأي الغالب إلي أجازته إذا كان محدداً بطلان عمل معين ولسبب معين ، أما إذا كان الاتفاق عاماً غير محدد ببطلان عمل معين أو غير محدد بسبب معين فلا يجوز لأن الخصم ينزل عن البطلان دون أن يكون على علم بسببه . وكما يكون النزول عن التمسك بالبطلان صراحة يكون ضمنياً والنزول الضمني هو المستفاد من سلوك الخصم سلوكاً يدل على إرادته النزول عن التمسك بالبطلان كالنزول عن التمسك ببطلان التنفيذ علي العقار في يد حائزه الناشئ عن عدم إنذار الحائز المستفاد من تدخل الحائز وطلبه التأجيل لسداد الدين . ومن صور النزول الضمني عن التمسك بالبطلان التعرض للموضوع أو أبداء دفع بعدم القبول قبل التمسك بالبطلان . ( الوسيط لرمزي سيف - الطبعة الثامنة ص. 500).
أثار البطلان :
ويلاحظ بداءة أن البطلان لا ينتج أثره إلا إذا قرره القضاء وحتى يتم ذلك بظل العمل ولو كان معيباً منتجاً لكافة آثاره. باعتباره عملاً صحيحاً فإذا تقرر بطلانه بحكم القضاء اعتبر باطلاً منذ إجرائه لا منذ الحكم بالبطلان وأنتج البطلان أثاره من ذلك التاريخ لا من الحكم ، ويقضي القاضي بالبطلان من تلقاء نفسه إذا كان متعلقاً بالنظام العام فإن لم يكن كذلك وجب القضاء بالبطلان أن يتمسك به من شرع لمصلحته علي ألا يكون هو الذي تسبب فيه سواء كان الخصم نفسه أو شخص أخر يعمل بإسمه ولا يشترط علي ما تقول المذكرة الإيضاحية للقانون أن يكون قد وقع منه غش أو خطأ ليمتنع عليه التمسك بالبطلان ، بل يكفي نسبة البطلان إليه ولا يشترط أن يكون فعله هو السبب الرئيسي أو الوحيد أو العادي أو المباشر لوجود العيب في الإجراء بل يكفي أن تقوم رابطة سببية بين فعله وبين العيب وهي توجد إذا كان الفعل لازماً لوجود العيب تتوافر الرابطة ولو كان فعله هو الذي أدى إلى وقوع الخصم في الخطأ الذي أدى إلى بطلان إجراء قام به هذا الأخير . وقضي تطبيقاً لذلك أن الخصم الذي تسبب في تأجيل إجراء التحقيق لا يجوز له أن يتمسك بعدم جواز إجراؤه لفوات ميعاد . (الزقازيق الإبتدائية في 10 / 4 / 52 المحاماة السنة 42 ، ص 1153 ).
وتحدد أثار البطلان في أن العمل الذي أعلن بطلانه لا ينتج أي أثر قانوني وإذا كانت هذه القاعدة يعمل بها على إطلاقها بالنسبة للآثار القانونية المقررة للعمل لصالح من أجراه فإن العمل الباطل قد ينتج مع ذلك بعض الآثار ضد من قام به كحالة السكوت عن حق التمسك ببطلان صحيفة الدعوى إذا لم يتمسك صاحب الشأن بهذا الدفع في صحيفة الطعن حتى ولو حكم ببطلان صحيفة طعنه .
ومن جهة أخرى فإن العمل الذي تقرر بطلانه على ما قررته هذه المادة لا يؤثر في الأعمال السابقة عليه كما أنه لا يؤثر في الأعمال اللاحقة عليه إلا إذا كانت مبنية عليه ويقصد بذلك على ما أشارت المذكرة الإيضاحية أن توجد رابطة قانونية بين العمل الباطل والعمل اللاحق عليه بحيث يعتبر الأول شرطاً لصحة الثاني وبذلك لا يكفي مجرد الإرتباط المنطقي بين العملين كما لا يكفي من باب أولي مجرد تأثير العمل الأول الباطل في العمل اللاحق.
ومن المقرر أن البطلان يعتبر متعلقاً بالنظام العام إذا نص المشرع علي ذلك صراحة أو أوجب علي القاضي الحكم به من تلقاء نفسه أو كان الإجراء معدوماً أو كان يتصل بالمصالح العامة ولا يكفي لاعتباره متصلاً بالنظام العام أن ينص على أنه يقع بقوة القانون لأن هذه العبارة لا تعني أكثر من حرمان القاضي من مكنه التقدير بحيث يتعين عليه القضاء بالبطلان . (كمال عبد العزيز في الجزء الأول من الطبعة الثالثة ص256).
ويجوز للدائن أن يتمسك ببطلان إجراء موجه إلي مدينه علي اعتبار أن حق التمسك بالبطلان لا يعد متعلقاً بشخص المدين بشرط ألا يكون الحق المرفوعة به الدعوى متصلاً بشخصه ( أبو الوفا في التعليق ص 172 ) . ومتى تم النزول عن البطلان صراحة أو ضمناً فإنه يقع باتاً فلا يجوز العدول عنه أو التحلل من آثاره فحضور الخصم الجلسة المحددة بعد الفصل في الإدعاء بالتزوير يزيل مصلحته في التمسك بالبطلان لعدم إعلانه لهذه الجلسة وكذلك حضور خلف الخصم المتوفي يزيل مصلحته في التمسك بالبطلان لعدم القضاء بإنقطاع سير الخصومة . ( كمال عبد العزيز في الجزء الأول من الطبعة الثالثة ص 256).
كذلك من المقرر أن القاضي لا يحكم بالبطلان علي أساس أنه منصوص عليه في التشريع إلا إذا توافر البطلان بلفظه كأن يقول النص ( وإلا كان الإجراء باطلاً ) ، مثلا ولا يعمل بهذه القاعدة المستحدثة إلا بالنسبة لقانون المرافعات الجديد والقوانين التالية عليه فقط أما القوانين السابقة عليه والتي تعتمد علي تقرير البطلان بعبارة ناهية أو نافية إعمالاً للمادة 25 من قانون المرافعات القديم - هذه القوانين يجب احترام حالات البطلان فيها ولو بعبارة ناهية أو نافية.
ويجب التفرقة بين الغاية من الإجراء والغاية من الشكل ، فقد تحقق الغاية من الإجراء ومع ذلك يكون الإجراء باطلاً لعدم تحقق الغاية من الشكل . فالإعلان علي يد محضر يحقق الغرض منه ولو تم في عطلة رسمية ، وإنما هو عندئذ لا يحقق الغاية منها والحكم ولو لم يسبب يحقق الغاية منه وهي حسم النزاع بين الخصوم - بينما الغاية منه الشكل المقرر في التشريع لا تحقق وهي ضمان جدية الحكم.
فالغاية من الشكل هي الضمان الأساسي الجوهري المقرر لمصلحة الموجه إليه ، وهي ما يهدف المشرع إلي تحقيقه في القانون الإجرائي ، بينما الغاية من الإجراء هي ما يهدف مباشر الإجراء إلي تحقيقها ، وشتان بين الغرضين والهدفين ، لأن الغاية الأخيرة قد تحقق بدون أي شكل أو بشكل معدوم بينما الغاية من شكل الإجراء لا تتحقق إلا بشكل صحيح وإن لم يكن هو ذات الشكل المطلوب . فالعبرة أن يحقق الإجراء الغرض المقصود منه وفق الشكل المقرر في التشريع ، وأن يحقق كل عنصر جوهري من عناصره الغرض المقصود منه وإلا فلا جدوى من النص على البطلان الوجوبي بصدد كل عنصر من هذه العناصر الجوهرية فلا يجدي نفي البطلان الوجوبي بقوله أن الإجراء ككل قد حقق المقصود منه وإنما يجب أن يحقق كل عنصر جوهري من الإجراء الغرض المقصود منه وأن يحققه وفق الشكل المقرر في القانون ، وذلك لأن كل ركن من الأركان الشكلية الجوهرية يحقق ضمانة جوهرية للخصم ، وهناك حالات يتطلب فيها المشرع ذات الشكل ، ويجدي نفي البطلان بصددها كما إذا كان البيان الذي لم يحترم لازماً لرسمية الورقة فإنه لا يجدي نفي البطلان كإغفال توقيع الموظف الرسمي الذي أصدرها أو إغفال تاريخ الورقة الرسمية .
إذا كان الشكل المطلوب هو ميعاد كامل أو ناقص أو مرتد، وكان المشرع يرتب البطلان جزاء علي عدم احترامه فإن عدم احترام الميعاد يقطع في عدم تحقق الغاية من الشكل الجوهري المطلوب هذا مع التسليم بجواز التصحيح بصدد الميعاد الكامل كما إذا لم يحترم المدعي مواعيد الحضور فهنا تؤجل الدعوى ويمنح المدعي بواسطة المحكمة المواعيد اللازمة .
حالات اعتبار الخصومة كأن لم تكن لا تقبل النفي أيضاً لأن مجرد فوات الميعاد دون اتخاذ الإجراء المطلوب يقطع بعدم تحقيق الغاية من ذات الشكل الجوهري المطلوب .
الحالات التي يوجب فيها القانون أن يتم الحجز في مكان معين وإلا كان باطلاً ، أو ألا يتم الإعلان في العطلة الرسمية أو ألا يتم قبل الساعة السابعة صباحاً أو بعد الخامسة مساء ، وإلا كان باطلاً ففي هذه الأحوال عدم إحترام ذات الشكل يرتب بطلاناً لا يقبل النفي.
ولا يتبقى من أنواع البطلان الذي يجوز نفيه بإثبات تحقق الغرض المقصود من - شكل الإجراء ، إلا ذلك البطلان الناتج عن فقد بيان يمكن تكملته من بيانات أخرى واردة بذات الورقة أو بورقة رسمية تعد مكملة لها ( كتكملة بيانات الحكم بالبيانات الواردة في محاضر الجلسات السابقة علي النطق به بصدد اسم القاضي ( نقض 4 يناير 1962 السنة 13 ص 42 ) ولذا يعود الأمر إلى القاعدة التي يسلم بها الفقه والقضاء في ظل القانون القديم والتي لا يوجب الحكم بالبطلان إذا كان النقص في بيانات الورقة من الممكن تكملته من ذات الورقة أو من ورقة رسمية معاصرة لها كما يلاحظ أن البطلان - ولو كان متعلقا بالنظام العام أو متعلقاً بحكم من الأحكام - يقبل النفي على النحو المتقدم وبالشروط المتقدمة ، على أن المحكمة تملك من تلقاء نفسها وقبل الحكم بالبطلان المتعلق بالنظام العام من مدى إحترام الشكل المطلوب من المشرع وما إذا كان قد حقق الغرض المقصود منه أو لم يحققه وذلك مادامت تملك الحكم بالجزاء من تلقاء نفسها .
يكون الإجراء باطلاً إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء أو الشكل أو البيان المطلوب - أو بعبارة أخرى - لم تحقق بسببه المصلحة التي قصدها القانون . بل يكون صحيحاً ترديد الضابط المقرر في المادة 25 من القانون القديم فيكون الإجراء باطلاً إذا شابه عيب جوهري ترتب عليه ضرر للخصم فهذه العبارة الأخيرة تصلح في جميع الأحوال كفيصل الحكم بالبطلان - في حالة عدم وجود نص صريح في القانون. بالنسبة إلي جميع الإجراءات وجميع الأشكال أو البيانات المقررة في التشريع فتحكم المحكمة بالبطلان إذا شاب الإجراء أي عيب جوهري لم تتحقق بسببه المصلحة التي قصد القانون إلي صياغتها وحمايتها بما أوجبه وحصلت المخالفة فيه سواء أكان ما أوجبه هو شكل أيا كان نوعه أو بيان ( المستحق في المرافعات للدكتور أبو الوفا ص 51).
من المقرر أنه يشترط في النزول الضمني أن يكون القول أو الفعل المسقط للحق في الدفع بالبطلان دالاً بذاته علي أن صاحب الشأن قد اعتبر الإجراء الذي يواجهه قد قام صحيحاً أو أنه يعتبره كذلك ومن ثم فلا يعد تنازلاً ضمنياً إذا تمسك صاحب الشأن بالبطلان سواء كان ذلك في صورة قول أو فعل . وحالات البطلان الذي لا يتعلق بالنظام العام كثيرة ومن أمثلتها بطلان أوراق التكليف بالحضور والبطلان لعدم إعلان قرار إعادة الدعوى للمرافعة وبطلان تقرير الخبير لعدم دعوة الخصوم للحضور أمامه والبطلان المترتب على عدم إخطار الخصوم بأن الخبير قد أودع تقريره. ( التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : الأول ، الصفحة : 383 )