loading

موسوعة قانون المرافعات

الأحكام

أن البين من استقراء نصوص قانون المرافعات المنظمة لقواعد وضوابط الإعلانات والاختصاص المحلى أن الأصل أن كل مكان يصح إعلان المدعى عليه فيه قانوناً يعد موطناً يجوز رفع الدعوى أمام المحكمة التى يقع بدائرتها هذا الموطن سواء كان الموطن العام أو القانونى أو موطن الأعمال أو الموطن المختار ، ومن ثم فإنه يجوز للمدعى أن يرفع الدعوى على الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة أمام المحكمة التى يقع بدائرتها موطن المدعى عليه أو أقرب محكمة إلى موطنه يقع بدائرتها مقر أحد فروع هيئة قضايا الدولة ، وهو ما يتفق مع نهج المشرع فى المواد 56 ، 57 ، 58 من قانون المرافعات فى تحديد الاختصاص المحلى للمحكمة القريبة من موطن المدعى متى كان فى مركز أضعف من مركز المدعى عليه بما يجعله أولى بالرعاية . إذ كان الثابت الذى لا خلاف عليه أن الدعوى الراهنة ضد وزير الداخلية قد رفعت إلى محكمة أسيوط الابتدائية التى يقع بدائرتها فرع هيئة قضايا الدولة فى أسيوط الذى يعد موطناً للطاعن بصفته كما أن هذه المحكمة هى أقرب محكمة لموطن المطعون ضده فإن الدعوى تكون قد رفعت إلى محكمة مختصة محليا ، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم اختصاص محكمة أسيوط الابتدائية محليا بنظر الدعوى فإنه يكون قد انتهى إلى النتيجة التى تتفق وصحيح القانون فإن النعى على تقريراته القانونية فى هذا الخصوص يكون غير منتج ولا جدوى منه ومن ثم غير مقبول .

(الطعن رقم 3338 لسنة 76 جلسة 2015/02/02 س 66 ص 54 ق 9)

شرح خبراء القانون

دعوى المطالبة بقيمة التأمين :

إذا كان هناك تأمين أياً كان نوعه، وتحقق الخطر المؤمن منه فاستحق المستأمن مبلغ التأمين، فإن المحكمة المختصة بدعوى المطالبة بهذا المبلغ هي - وفقاً للمادة 58 مرافعات - إما محكمة موطن المدعي أو المحكمة التي يقع في دائرتها مكان المال المؤمن عليه، والخيار للمدعي. أما محكمة موطن المدعى فعلة اختصاصها هي مراعاة جانبه باعتباره الشخص الضعيف الذي أصابه الخطر المؤمن منه. أما علة اختصاص محكمة مكان المال المؤمن عليه فهي أنها أقدر من غيرها على نظر الدعوى لما قد يقتضيه هذا النظر من سماع شهود أو إجراء معاينة ومن المقرر أن هذا النص لا يمنع من اختصاص محكمة موطن المدعى عليه وفقاً للقاعدة العامة. ويلاحظ أن اختصاص محكمة مكان المال يفترض أن التأمين على مال، أما بالنسبة التأمين على الحياة، فيكون الاختصاص إما لمحكمة المدعى أو لمحكمة المدعى عليه. وعندما يكون التأمين على مال، تكون محكمة مكانه مختصة سواء كان المال عقاراً أو منقولاً.

ويقتصر تطبيق المادة 58 على دعوى المطالبة بقيمة التأمين دون الدعاوى الأخرى التي قد يرفعها المستأمن ضد شركة التأمين، أو تلك التي ترفعها الشركة عليه ، فهذه وتلك يتحدد الاختصاص بها وفقاً للقاعدة العامة.(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الأول ،  الصفحة : 603)

الاختصاص المحلي بالدعاوى المتعلقة بطلب قيمة التأمين:

ينحصر نص المادة (58) سالف البيان في الدعاوى التي يرفعها المستفيد من عقد التأمين بطلب مبلغ التأمين عند استحقاقه سواء لتحقق الخطر المؤمن منه أو لحلول الأجل المتفق عليه دون تحقق الخطر.

فإن ورد عقد التأمين على حياة شخص أو سلامته، وتحقق الخطر المؤمن منه، ونازعت شركة التأمين في استحقاق مبلغ التأمين لأي سبب من الأسباب كان للمستفيد رفع دعواه بطلب قيمة التأمين أمام المحكمة التي يقع موطنه في دائرتها وفقاً لنص المادة (58) من قانون المرافعات التي حددت الاختصاص المحلي بالنسبة لهذه الدعوى حتى لو كان عقد التأمين قد تضمن اتفاقاً على اختصاص محكمة أخرى إذ يبطل هذا الاتفاق ولا يعتد به عملاً بالفقرة الثانية من المادة (62) من ذات القانون لأن الاختصاص الذي تضمنته المادة (58) جاء على خلاف الاختصاص الذي تضمنته المادة (49)، وذلك تيسيراً على المستفيد ومن ثم جاز له التنازل عن هذا التيسير المقرر لمصلحته ورفع دعواه أمام المحكمة التي يقع بدائرتها مركز إدارة شركة التأمين أو أحد فروعها متی كان هذا الفرع هو الذي أبرم عقد التأمين عملاً بالمادتين (49)، (52) من قانون المرافعات.

أما إن ورد عقد التأمين على عقار أو منقول، انعقد الاختصاص للمحكمة التي يقع هذا المال بدائرتها، فإن كان المال يقع بدائرة محكمتين، كما لو كان محل عقد التأمين مصنعاً أو مستودعاً، انعقد الاختصاص المحلي لأي من المحكمتين، ويسرى ما سبق أن قررناه فيما تقدم بالنسبة لاختصاص محكمة موطن شركة التأمين وبطلان الاتفاق على اختصاص محكمة أخرى.

وإذا دفعت شركة التأمين قيمة التأمين للمستفيد، ثم رجعت به على المتسبب أو على المستأمن لإخلاله بشروط عقد التأمين، فإن الاختصاص المحلي في هذه الحالات يخضع للقواعد العامة، وأيضاً إذا تعلقت الدعوى بفسخ أو بطلان عقد التأمين أو بطلان أحد شروطه، تعين اتباع القواعد العامة عند رفعها.

وفي التأمين ضد المسئولية عن حوادث السيارات، قد يقع الحادث المتمثل في الخطر المؤمن منه، في دائرة لا يوجد للمضرور - المستفيد - موطن بها، فإذا لم يختصم شركة التأمين في الدعوى الجنائية، كان له رفع دعواه ضدها أمام المحكمة التي يقع موطنه بدائرتها عملاً بالمادة (58)، أما إذا أدخل شركة التأمين لمطالبتها بقيمة التعويض عملاً بالفقرة الثانية من المادة (253) من قانون الإجراءات الجنائية. فإن الدعوى المدنية بطلب قيمة التأمين تكون تابعة للدعوى الجنائية وتختص بنظرها المحكمة الجنائية، أما إذا رأت هذه المحكمة أن الفصل في الدعوى المدنية سوف يؤدي إلى تأخير الفصل في الدعوى الجنائية، كان لها عند الفصل في الدعوى الأخيرة إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية التي يقع بدائرتها موطن المضرور بحيث إن إحالتها إلى محكمة أخرى كان للمضرور أن يدفع أمامها بعدم اختصاصها محلياً بنظر الدعوى لاختلاف قواعد الاختصاص المحلي في المسائل الجنائية عنها في المسائل المدنية ولا يعمل في هذه الحالة بالمادة (110) من قانون المرافعات. (انظر: نقض 1977/ 12/ 26 بالمادة 49).(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء الثاني / الصفحة 179)

الاختصاص المحلي بدعاوى المطالبة بقيمة التأمين : 

ينعقد الاختصاص في المنازعات المتعلقة بطلب قيمة التأمين للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المستقيد أو مكان المال المؤمن عليه، وذلك وفقاً للمادة 58 مرافعات - محل التعليق - وذلك استثناء من القاعدة العامة في - الاختصاص المحلي، وهي عقد الاختصاص لمحكمة المدعى عليه. 

وحكمة هذا الاستثناء هي رعاية المستفيدين من التأمين، وخاصة وأن مبلغ التأمين لايستحق عادة إلا عند حصول الإصابة أو الوفاة أو الكارثة أو الخسارة أو عند بلوغ المؤمن سناً متقدمة، ولذلك لم يشأ المشرع أن يتكبد المستفيدون عناء الانتقال إلى المحكمة الكائن بدائرتها مركز إدارة الشركة، وهي المختصة وفقاً للقاعدة العامة، بل رعاية لهؤلاء المستفيدين وهم الطرف الضعيف في الدعوى أباح لهم رفيع الدعاوى أمام محكمة قريبة منهم هي الحكمة الكائن بدائرتها موطن المستفيد، كما أجاز لهم أن يرفعوا هذه الدعاوى أمام المحكمة الكائن بدائرتها مكان المال المؤمن عليه، سواء كان هذا المال عقاراً أو منقولاً، إن مكان المال المؤمن عليه عادة قريباً من المؤمن أو ورثته (أحمد أبو الوفا - المرافعات - بند 344 ص 461)، كما أن هذه المحكمة هي أقدر من غيرها على نظر الدعوى (فتحی والی ۔ مبادئ - بند 176 ص 256، إبراهيم سعد ج 1 - بند 304 ص 501)، لما قد يقتضيه هذا النظر من تحقيق أو سماع شهود أو إجراء معاينة.

ويلاحظ أن هذا الاستثناء يقتصر فقط على دعاوى المطالبة بقيمة التأمين (عبد الباسط جمیعی - ص.76، فتحى والى - مبادئ- بند 176 ص 256، أحمد أبو الوفا - المرافعات - بند 254 ص 3361 هامش رقم 1، إبراهيم سعد - ج 1 بند 204 ص 502)، ولايسرى على غيرها من الدعاوى التي ترفع بخصوص عقد التأمين كدعوى فسخ العقد أو بطلانه، سواء التي قد ترفع على الشركة أو التي ترفعها الشركة على المؤمن، فمثل هذه الدعاوى تطبق بشأنها القاعدة العامة.

ويلاحظ أيضا أن نص المادة 58 يسرى بطبيعة الحال عند الاختلاف في تحديد المستفيدين من التأمين لأي سبب من الأسباب (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 356).

ومن الملاحظ كذلك أن كثيراً ما تتضمن بوليصة التأمين تحديد محكمة معينة تختص بنظر كل الدعاوى التي تنشأ بمناسبة التأمين، وهي في العادة المحكمة التي يقع في دائرتها مركز إدارة شركة التأمين، وهذا الشرط لا يسري تطبيقاً لحكم المادة 62/2 مرافعات.

وجدير بالذكر أن نص المادة 58 - محل التعليق - لا يحرم المدعي من رفع الدعوى أمام محكمة موطن المدعى عليه وفقاً للقواعد العامة.(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء / الثاني  ، الصفحة : 293)

قصد بهذا النص رعاية جانب المؤمن عليهم يجعل القضاء المختص على مقربة منهم أو من أموالهم التي أمنوا عليها ويسري هذا الحكم بالنسبة للدعوى بطلب قيمة التأمين فقط أما غير ذلك من الدعاوي التي تنشأ عن التأمين أو تتعلق به فلا تخضع لحكم هذا الاستثناء وإنما تجري عليها القاعدة العامة ومستثنياتها الأخرى وهذا الاستثناء لا يحرم المؤمن حقه في الالتجاء إلى رفع الدعوى أمام المحكمة التي بها مقر الشركة أي محكمة موطن المدعى عليه (مرافعات العشماوي ص 571) .(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء الثاني ، الصفحة : 754)

 

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 56

وَطَن

التَّعْرِيفُ:

الْوَطَنُ- بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالطَّاءِ- فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الإْقَامَةِ، أَوْ مَكَانُ الإْنْسَانِ  وَمَقَرُّهُ، وَيُقَالُ لِمَرْبِضِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالإِبِلِ: وَطَنٌ، وَهُوَ مُفْرَدٌ، جَمْعُهُ أَوْطَانٌ، وَمِثْلُ الْوَطَنِ الْمَوْطِنُ، وَجَمْعُهُ مَوَاطِنُ، وَأَوْطَنَ: أَقَامَ، وَأَوْطَنَهُ وَوَطَّنَهُ وَاسْتَوْطَنَهُ: اتَّخَذَهُ وَطَنًا، وَمَوَاطِنُ مَكَّةَ: مَوَاقِفُهَا .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْوَطَنُ: هُوَ مَنْزِلُ إِقَامَةِ الإْنْسَانِ  وَمَقَرُّهُ، وُلِدَ بِهِ أَوْ لَمْ يُولَدْ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْمَحَلَّةُ:

الْمَحَلَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الْقَوْمِ، وَالْجَمْعُ مَحَالُّ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ مَنْزِلُ قَوْمِ إِنْسَانٍ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهُمْ حَيْثُ جَمَعَهُمُ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَحَلَّةِ وَالْوَطَنِ أَنَّ الْوَطَنَ أَعَمُّ مِنَ الْمَحَلَّةِ.

أَنْوَاعُ الْوَطَنِ:

يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْوَطَنَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الأْحْكَامِ  الشَّرْعِيَّةِ بِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ، وَوَطَنُ إِقَامَةٍ، وَوَطَنُ سُكْنَى، كَمَا يَلِي:

أ- الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ هُوَ: مَوْطِنُ وِلاَدَةِ الإْنْسَانِ  أَوْ تَأَهُّلِهِ أَوْ تَوَطُّنِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ، وَيُسَمَّى بِالأْهْلِيِّ، وَوَطَنُ الْفِطْرَةِ، وَالْقَرَارِ، وَمَعْنَى تَأَهُّلِهِ أَيْ تَزَوُّجِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلْدَتَيْنِ فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا صَارَ مُقِيمًا، فَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي إِحْدَاهُمَا وَبَقِيَ لَهُ فِيهَا دُورٌ وَعَقَارٌ، قِيلَ: لاَ يَبْقَى وَطَنًا، إِذِ الْمُعْتَبَرُ الأْهْلُ  دُونَ الدَّارِ، وَقِيلَ: تَبْقَى، وَمَعْنَى تَوَطُّنِهِ أَيْ عَزْمِهِ عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَعَدَمِ الاِرْتِحَالِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ فِيهِ .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الْوَطَنُ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الشَّخْصُ لاَ يَرْحَلُ عَنْهُ صَيْفًا وَلاَ شِتَاءً إِلاَّ لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ .

وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَرْيَةُ الْخَرِبَةُ الَّتِي انْهَدَمَتْ دُورُهَا وَعَزَمَ أَهْلُهَا عَلَى إِصْلاَحِهَا وَالإْقَامَةِ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً .

كَمَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ امْرَأَةٌ لَهُ أَوْ تَزَوَّجَ فِيهِ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلاَةَ الْمُقِيمِ» .

قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ .

وَيُؤْخَذُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْوَطَنِ الْبَلَدُ الَّذِي لِلشَّخْصِ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَاشِيَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ مَالٌ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْوَطَنُ هُوَ مَحَلُّ سُكْنَى الشَّخْصِ بِنِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَمَوْضِعُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ سُكْنَاهُ عِنْدَهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ بِقَرْيَةٍ وَلَدٌ فَقَطْ أَوْ مَالٌ فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .

ب- وَطَنُ الإْقَامَةِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ الإْقَامَةِ هُوَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ الإْنْسَانُ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ مُدَّةٍ قَاطِعَةٍ لِحُكْمِ السَّفَرِ، وَيُسَمَّى بِالْوَطَنِ الْمُسْتَعَارِ أَوْ بِالْوَطَنِ الْحَادِثِ.

وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِحُكْمِ السَّفَرِ .

ج- وَطَنُ السُّكْنَى:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ السُّكْنَى هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ الْمُقَامَ بِهِ أَقَلَّ مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ .

(ر: صَلاَةِ الْمُسَافِرِ ف3 – 8)

شُرُوطُ الْوَطَنِ:

لاَ يُسَمَّى الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الإْنْسَانُ وَطَنًا لَهُ تُنَاطُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطَنِ إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطٌ.

وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا، أَوْ وَطَنَ إِقَامَةٍ، أَوْ وَطَنَ سُكْنَى.

ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الشُّرُوطِ مِمَّا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ وَبَعْضَهَا مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

شُرُوطُ الْوَطَنِ الأْصْلِيِّ:

أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا بِنَاءً مُسْتَقِرًّا بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبِنَاءِ بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حَيْثُ عَرَّفُوا الْوَطَنَ فِي مَعْرِضِ الْكَلاَمِ عَنْ شُرُوطِ إِقَامَةِ صَلاَةِ الْجُمْعَةِ بِأَنَّهَا الْقَرْيَةُ الْمَبْنِيَّةُ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِبِنَائِهَا بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ طِينٍ أَوْ لَبِنٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنْ تَكُونَ مُجْتَمِعَةَ الْبِنَاءِ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ .

وَالْحَنَفِيَّةُ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ يَعْتَبِرُونَ الْمَكَانَ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الشَّخْصُ أَوْ تَأَهَّلَ فِيهِ أَوْ تَوَطَّنَ فِيهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .

ب -شُرُوطُ وَطَنِ الإْقَامَةِ:

تُشْتَرَطُ لاِتِّخَاذِ مَكَانٍ وَطَنًا لِلإْقَامَةِ  شُرُوطٌ، مِنْهَا: نِيَّةُ الإْقَامَةِ، وَمُدَّةُ الإْقَامَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَاتِّخَاذُ مَكَانِ الإْقَامَةِ، وَصَلاَحِيَّةُ الْمَكَانِ لِلإْقَامَةِ، وَأَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ وَمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا (ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف26 - 29)

شُرُوطُ وَطَنِ السُّكْنَى:

لَيْسَ لِوَطَنِ السُّكْنَى إِلاَّ شَرْطَانِ، وَهُمَا: عَدَمُ نِيَّةِ الإْقَامَةِ فِيهِ، وَعَدَمُ الإْقَامَةِ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ- بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ- وَأَنْ لاَ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ فِيهِ.

(ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف8)

مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوَطَنُ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ لاَ يَنْتَقِضُ إِلاَّ بِالاِنْتِقَالِ مِنْهُ إِلَى مِثْلِهِ، بِشَرْطِ نَقْلِ الأْهْلِ  مِنْهُ، وَتَرْكِ السُّكْنَى فِيهِ، فَإِذَا هَجَرَ الإْنْسَانُ  وَطَنَهُ الأْصْلِيَّ ، وَانْتَقَلَ عَنْهُ بِأَهْلِهِ إِلَى وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ، بِشُرُوطِهِ لَمْ يَبْقَ الْمَكَانُ الأْوَّلُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، فَإِذَا دَخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسَافِرًا، بَقِيَ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ، مَا لَمْ يَنْوِ فِيهِ الإْقَامَةَ، أَوْ مَا لَمْ يُقِمْ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا، وَيَكُونُ الْمَكَانُ لَهُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمَ .

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَطَنَ الأْصْلِيَّ  لاَ يَنْتَقِضُ بِاتِّخَاذِ وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ. قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: لاَ يَقْصُرُ مَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ وَطَنَهُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إِلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ .

وَمَنِ اسْتَوْطَنَ وَطَنًا آخَرَ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ وَطَنِهِ الأْوَّلِ، كَأَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ مَثَلاً: الأْولَى فِي وَطَنِهِ الأْوَّلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي وَطَنٍ آخَرَ جَدِيدٍ، كَانَ الْمَكَانُ الآْخَرُ وَطَنًا لَهُ بِشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِضِ الْوَطَنُ الأْوَّلُ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ التَّحَوُّلِ عَنْهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ لِلإْنْسَانِ زَوْجَتَانِ فِي بَلَدَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يُعَدَّانِ وَطَنَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ لَهُ، فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا عُدَّ مُقِيمًا فِيهَا مُنْذُ دُخُولِهِ مُطْلَقًا، وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .

وَلاَ يَنْتَقِضُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ بِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَلاَ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛  لأِنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمَا، فَلاَ يَنْتَقِضُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ مُسَافِرًا إِلَى بَلَدٍ، وَأَقَامَ فِيهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، أَوْ نَوَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ يَنْتَقِضْ بِذَلِكَ وَطَنُهُ الأْصْلِيُّ، فَلَوْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ عُدَّ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ إِلَيْهِ مُطْلَقًا.

أَمَّا وَطَنُ الإْقَامَةِ، فَيَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ؛  لأِنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ أَيْضًا؛  لأِنَّهُ مِثْلُهُ، كَمَا يَنْتَقِضُ بِالسَّفَرِ، وَلاَ يَنْتَقِضُ وَطَنُ الإْقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛  لأِنَّهُ دُونَهُ.

أَمَّا وَطَنُ السُّكْنَى، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَبِوَطَنِ السُّكْنَى أَيْضًا، أَمَّا الأْوَّلاَنِ  فَلأِنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَأَمَّا الآْخِرُ فَ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.