1 ـ وفقاً للمادة الثالثة من قانون المرافعات تختص المحاكم بالدعاوى التى ترفع على الأجنبى إذا كان له موطن أصلى أو مختار أو مسكن فى مصر أو كانت ناشئة عن عقد أبرم أو نفذ أو كان مشروطاً تنفيذه فى مصر ، وإذ كان المطعون عليه قد نقل إلى فرع الشركة بمصر وإستمر يعمل به إلى أن قررت الشركة "رب العمل" فصله ، فإن فى ذلك ما يجعل المحاكم المصرية مختصة بنظر الدعوى .
(الطعن رقم 371 لسنة 32 جلسة 1967/04/05 س 18 ع 2 ص 798 ق 123)
الإختصاص المحلي لمن لا يعلم له موطن أو محل إقامة:
يتعين على المدعى عند رفع دعواه أن يحدد المحكمة التي تختص محلياً بنظرها ويلتزم في هذا الصدد بالرجوع إلى نصوص القانون التي تعين تلك المحكمة سواء وردت في قانون المرافعات أو في قانون آخر، فإن وجد أن المدعي عليه ليس له موطن أو محل إقامة في مصر ولم يتيسر تعيين المحكمة المختصة محلياً بنظر الدعوى على موجب النصوص التي تحدد هذا الإختصاص، ولم يكن له أيضاً موطن أو محل إقامة معلوم بالخارج، وحينئذ ينعقد الإختصاص المحلي للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى أو محل إقامته فتودع صحيفة الدعوى بقلم کتابها ثم تعلن في مواجهة النيابة العامة على أن تشتمل ورقة الإعلان على آخر موطن معلوم للمدعى عليه في مصر أو في الخارج فإن لم يكن له مثل هذا الموطن كما لو كان من الغجر الرحل، صح الإعلان دون بیان آخر موطن عملا بالبند العاشر من المادة (13) من قانون المرافعات.
فإن لم يكن للمدعى أيضاً موطن ولا محل إقامة في مصر، انعقد الإختصاص المحلي لأي من دوائر محكمة القاهرة بصرف النظر عن المحكمة التي نشأ الإلتزام بدائرتها إلا إذا وجد اتفاق على إختصاص محكمة أخرى إعمالاً للفقرة الثانية من المادة (63) وترفع الدعوى لأي من محاكم القاهرة، سواء كانت إبتدائية أو جزئية ، تبعاً لقيمتها.
وبعد تعيين المحكمة المختصة محلياً ، ترفع الدعوى إلى المحكمة الإبتدائية أو الجزئية بحسب نوع الدعوى.
وإذا مثل المدعى عليه أمام المحكمة وتبين أنه يقيم في مصر ولكن ليس له موطن أو محل إقامة ثابت لأنه من البدو الرحل، ظل الإختصاص منعقدا الذات المحكمة التي تنظر الدعوى، أما إذا تبين أن له موطئاً أو محل إقامة في مصر وكان بوسع المدعي معرفته أو كان يتيسر له تعيين المحكمة المختصة محلياً على موجب النصوص التي تحدد الإختصاص المحلي بالنظر لظروف النزاع، كان للمدعى عليه في هذه الحالة الدفع بعدم الإختصاص المحلي بنظر الدعوى.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الثاني ، الصفحة: 185)
الاختصاص المحلي بدعاوی من لايعلم له موطن أو محل إقامة :
تعرض المشرع في المادة 61 محل التعليق - لإحتمال عدم توافر أی ضابط من ضوابط الاختصاص، ونص على عقد الإختصاص لمحكمة المدعي ، فإذا لم يكن للمدعي موطن أو محل إقامة في مصر ، كان الإختصاص المحكمة القاهرة .
وكما أن الشخص قد يكون له في وقت واحد أكثر من موطن ، كذلك يجوز ألا يكون له موطن في الجمهورية بالمعنى الذي نص عليه القانون ، كما إذا كان لا يقيم في مكان ما عادة ، وإنما بتنقل من مكان إلى آخر دون أن يستقر في مكان معين ، أو كان موطنه في خارج القطر، في مثل هذه الحالة ترفع الدعوى عليه افالم المحكمة الكائن في دائرتهاسكنه مادة 49 مرافعات - راجع تعليقنا عليها فيما مضى .
فإن لم يكن للمدعى عليه موطن ولا سكن في الجمهورية، ولم يتيسر تعيين المحكمة المختصة طبقاً لأية قاعدة أخرى من قواعد الاختصاص المحلى، يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى أو سكنه، فإن لم يكن للمدعي موطن أو سكن في مصر، كان الإختصاص وفقا للمادة 61 - محل التعليق - لمحكمة القاهرة .
ويلاحظ أن نص المادة 61 بطبق أياً كانت جنسية المدعى عليه.أي ولو كان أجنبياً ، وإنما يشترط في هذه الحالة الأخيرة أن تكون الجاكم المصرية مختصة بقواعد الإختصاص الدولي .
وإذن، كون المصرى مقيما في خارج الجمهورية لايمنع بأي حال من الأحوال مقاضاته فيها أياً كان موضوع النزاع أو طبيعته أو نوعه، ولو لم يكن له بها موطن أو سكن أو موطن مختار .
وكون الأجنبي مقيماً في خارج الجمهورية، أيضاً لايمنع من مقاضاته بها متى كانت محاكمها مختصة وبالنسبة للمصرى الموجود داخل البلاد قد يكون بلا موطن أو سكن، كما لو كان من البدو الرحل .
وواضح من نص المادة 61 مرافعات سالف الذكر - محل التعليق - أنه يتضمن إستثناء من القاعدة في الاختصاص الحي وهي عقد الإختصاص المحكمة موطن المدعى عليه وصورة هذا الإستثناء بتحقق في وضعين الأول، وضع المدعى عليه الذي له محل إقامة في الخارج، وفي هذه الحالة يرتبط الإختصاص بالأحكام الواردة في الباب الأول من الكتاب الأول من قانون المرافعات (المواد من 28 إلى 35)، فإذا اختصت محاكم الجمهورية بنظر الدعوى طبقاً لتلك المواد أمكن بالنسبة للإختصاص المحلي إعمال حكم المادة (61) لمعرفة المحكمة المختصة محلياً بالنزاع متى تحققت شروطها وحالاتهاوالوضع الثاني في حالة المدعى عليه الذي ليس له موطن ولا سكن معروف في الجمهورية ولا في الخارج كالبدو الرحل والغجر، فهولاء يجوز اختصامهم أمام محكمة المدعي طبقاً لنص المادة (61) على أنه لا يلجأ إلى رفع الدعوى أمام محكمة موطن المدعي أو محل إقامته أو محكمة القاهرة عند عدم وجودهما إلا إذا لم يتيسر تعيين المحكمة المختصة طبقاً لأية قاعدة أخرى من قواعد الإختصاص المحلي التي قررها القانون (رمزی سیف - الوسيط - الطبعة الثامنة ص 292 ، محمد وعبد الوهاب العشماوي - ج 1 ص 518) .
وقد صدر قرار من وزير العدل بعد صدور قانون المرافعات بتقسيم محكمة القاهرة الابتدائية إلى محكمتين محكمة شمال القاهرة ومحكمة جنوب القاهرة، وما دام النصن قد جاء مطلقاً ولم يتناوله التعديل، وبذلك فإن كلا من المحكمتين تكون مختصة، ويجوز للمدعي في هذه الحالة أن يرفع دعواه إلى إحدى هاتين المحكمتين.
ويلاحظ أنه كثيراً ما تكون للمدعی مصلحة في إقامة الدعوى على المدعى عليه ولو لم يتيسر له إعلانه لشخصه أو في موطنه (راجع المادة 13)، وذلك حتى يحصل على حكم قابل للتنفيذ فلا يسقط حقه بالتقادم ويتمكن من التنفيذ عليه متى ظهر خصمه من جديد، أو قد تكون لديه اموال يجوز التنفيذ عليها على الرغم من اختفائه.
كما يتعين ملاحظة أن لا يكفي لإعمال المادة 61 ألا يكون للمدعى عليه موطن وسكن في الجمهورية، وإنما يتعين ألا يتيسر تعيين المحكمة المختصة محلياً وفقاً للنصوص المتقدمة، أو وفقا لأي نص خاص في هذا الصيد (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 359 وص 360) .(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الثاني ، الصفحة : 300)
صورة هذا الإستثناء تتحقق في وضعين الأول وضع المدعى عليه الذي له محل إقامة في الخارج وفي هذه الحالة يرتبط الاختصاص بالأحكام الواردة في الباب الأول من الكتاب الأول من قانون المرافعات ( المواد من 28 إلى 35) فإذا اختصت محاكم الجمهورية بنظر الدعوى طبقاً لتلك المواد أمكن بالنسبة للإختصاص المحلي إعمال حكم المادة 61 لمعرفة المحكمة المختصة محليا بالنزاع متى تحققت شروطها وحالاتها . والوضع الثاني في حالة المدعى عليه الذي ليس له موطن ولا سكن معروف في الجمهورية ولا في الخارج كالبدو الرحل والغجر فهؤلاء يجوز اختصامهم أمام محكمة المدعي طبقا لنص المادة 61 على أنه لا يلجأ إلى رفع الدعوى أمام المحكمة موطن المدعي أو محل إقامته أو محكمة القاهرة عند عدم وجودهما إلا إذا لم يتيسر تعيين المحكمة المختصة طبقا لأية قاعدة أخرى من قواعد الاختصاص المحلي التي قررها القانون ( مرافعات العشماوي الجزء الأول ص 518 والوسيط في المرافعات للدكتور رمزي سیف الطبعة الثامنة ص 292).
وقد صدر قرار من وزير العدل بعد صدور قانون المرافعات بتقسيم محكمة القاهرة الابتدائية إلى محكمتين محكمة شمال القاهرة ومحكمة جنوب القاهرة ومادام النص قد جاء مطلقا ولم يتناوله التعديل وبذلك فإن كلا من المحكمتين تكون مختصة ويجوز للمدعي في هذه الحالة أن يرفع دعواه إلى إحدى هاتين المحكمتين.(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار الطبوعات الجامعية، الجزء الثاني ، الصفحة : 758)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 56
وَطَن
التَّعْرِيفُ:
الْوَطَنُ- بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالطَّاءِ- فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الإْقَامَةِ، أَوْ مَكَانُ الإْنْسَانِ وَمَقَرُّهُ، وَيُقَالُ لِمَرْبِضِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالإِبِلِ: وَطَنٌ، وَهُوَ مُفْرَدٌ، جَمْعُهُ أَوْطَانٌ، وَمِثْلُ الْوَطَنِ الْمَوْطِنُ، وَجَمْعُهُ مَوَاطِنُ، وَأَوْطَنَ: أَقَامَ، وَأَوْطَنَهُ وَوَطَّنَهُ وَاسْتَوْطَنَهُ: اتَّخَذَهُ وَطَنًا، وَمَوَاطِنُ مَكَّةَ: مَوَاقِفُهَا .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْوَطَنُ: هُوَ مَنْزِلُ إِقَامَةِ الإْنْسَانِ وَمَقَرُّهُ، وُلِدَ بِهِ أَوْ لَمْ يُولَدْ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمَحَلَّةُ:
الْمَحَلَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الْقَوْمِ، وَالْجَمْعُ مَحَالُّ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ مَنْزِلُ قَوْمِ إِنْسَانٍ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهُمْ حَيْثُ جَمَعَهُمُ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَحَلَّةِ وَالْوَطَنِ أَنَّ الْوَطَنَ أَعَمُّ مِنَ الْمَحَلَّةِ.
أَنْوَاعُ الْوَطَنِ:
يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْوَطَنَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ، وَوَطَنُ إِقَامَةٍ، وَوَطَنُ سُكْنَى، كَمَا يَلِي:
أ- الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ هُوَ: مَوْطِنُ وِلاَدَةِ الإْنْسَانِ أَوْ تَأَهُّلِهِ أَوْ تَوَطُّنِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ، وَيُسَمَّى بِالأْهْلِيِّ، وَوَطَنُ الْفِطْرَةِ، وَالْقَرَارِ، وَمَعْنَى تَأَهُّلِهِ أَيْ تَزَوُّجِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلْدَتَيْنِ فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا صَارَ مُقِيمًا، فَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي إِحْدَاهُمَا وَبَقِيَ لَهُ فِيهَا دُورٌ وَعَقَارٌ، قِيلَ: لاَ يَبْقَى وَطَنًا، إِذِ الْمُعْتَبَرُ الأْهْلُ دُونَ الدَّارِ، وَقِيلَ: تَبْقَى، وَمَعْنَى تَوَطُّنِهِ أَيْ عَزْمِهِ عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَعَدَمِ الاِرْتِحَالِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ فِيهِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الْوَطَنُ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الشَّخْصُ لاَ يَرْحَلُ عَنْهُ صَيْفًا وَلاَ شِتَاءً إِلاَّ لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ .
وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَرْيَةُ الْخَرِبَةُ الَّتِي انْهَدَمَتْ دُورُهَا وَعَزَمَ أَهْلُهَا عَلَى إِصْلاَحِهَا وَالإْقَامَةِ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً .
كَمَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ امْرَأَةٌ لَهُ أَوْ تَزَوَّجَ فِيهِ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلاَةَ الْمُقِيمِ» .
قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ .
وَيُؤْخَذُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْوَطَنِ الْبَلَدُ الَّذِي لِلشَّخْصِ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَاشِيَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ مَالٌ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْوَطَنُ هُوَ مَحَلُّ سُكْنَى الشَّخْصِ بِنِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَمَوْضِعُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ سُكْنَاهُ عِنْدَهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ بِقَرْيَةٍ وَلَدٌ فَقَطْ أَوْ مَالٌ فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .
ب- وَطَنُ الإْقَامَةِ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ الإْقَامَةِ هُوَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ الإْنْسَانُ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ مُدَّةٍ قَاطِعَةٍ لِحُكْمِ السَّفَرِ، وَيُسَمَّى بِالْوَطَنِ الْمُسْتَعَارِ أَوْ بِالْوَطَنِ الْحَادِثِ.
وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِحُكْمِ السَّفَرِ .
ج- وَطَنُ السُّكْنَى:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ السُّكْنَى هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ الْمُقَامَ بِهِ أَقَلَّ مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ .
(ر: صَلاَةِ الْمُسَافِرِ ف3 – 8)
شُرُوطُ الْوَطَنِ:
لاَ يُسَمَّى الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الإْنْسَانُ وَطَنًا لَهُ تُنَاطُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطَنِ إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطٌ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا، أَوْ وَطَنَ إِقَامَةٍ، أَوْ وَطَنَ سُكْنَى.
ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الشُّرُوطِ مِمَّا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ وَبَعْضَهَا مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
شُرُوطُ الْوَطَنِ الأْصْلِيِّ:
أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا بِنَاءً مُسْتَقِرًّا بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبِنَاءِ بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حَيْثُ عَرَّفُوا الْوَطَنَ فِي مَعْرِضِ الْكَلاَمِ عَنْ شُرُوطِ إِقَامَةِ صَلاَةِ الْجُمْعَةِ بِأَنَّهَا الْقَرْيَةُ الْمَبْنِيَّةُ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِبِنَائِهَا بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ طِينٍ أَوْ لَبِنٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنْ تَكُونَ مُجْتَمِعَةَ الْبِنَاءِ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ .
وَالْحَنَفِيَّةُ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ يَعْتَبِرُونَ الْمَكَانَ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الشَّخْصُ أَوْ تَأَهَّلَ فِيهِ أَوْ تَوَطَّنَ فِيهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .
ب -شُرُوطُ وَطَنِ الإْقَامَةِ:
تُشْتَرَطُ لاِتِّخَاذِ مَكَانٍ وَطَنًا لِلإْقَامَةِ شُرُوطٌ، مِنْهَا: نِيَّةُ الإْقَامَةِ، وَمُدَّةُ الإْقَامَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَاتِّخَاذُ مَكَانِ الإْقَامَةِ، وَصَلاَحِيَّةُ الْمَكَانِ لِلإْقَامَةِ، وَأَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ وَمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا (ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف26 - 29)
شُرُوطُ وَطَنِ السُّكْنَى:
لَيْسَ لِوَطَنِ السُّكْنَى إِلاَّ شَرْطَانِ، وَهُمَا: عَدَمُ نِيَّةِ الإْقَامَةِ فِيهِ، وَعَدَمُ الإْقَامَةِ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ- بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ- وَأَنْ لاَ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ فِيهِ.
(ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف8)
مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوَطَنُ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ لاَ يَنْتَقِضُ إِلاَّ بِالاِنْتِقَالِ مِنْهُ إِلَى مِثْلِهِ، بِشَرْطِ نَقْلِ الأْهْلِ مِنْهُ، وَتَرْكِ السُّكْنَى فِيهِ، فَإِذَا هَجَرَ الإْنْسَانُ وَطَنَهُ الأْصْلِيَّ ، وَانْتَقَلَ عَنْهُ بِأَهْلِهِ إِلَى وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ، بِشُرُوطِهِ لَمْ يَبْقَ الْمَكَانُ الأْوَّلُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، فَإِذَا دَخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسَافِرًا، بَقِيَ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ، مَا لَمْ يَنْوِ فِيهِ الإْقَامَةَ، أَوْ مَا لَمْ يُقِمْ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا، وَيَكُونُ الْمَكَانُ لَهُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمَ .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَطَنَ الأْصْلِيَّ لاَ يَنْتَقِضُ بِاتِّخَاذِ وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ. قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: لاَ يَقْصُرُ مَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ وَطَنَهُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إِلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ .
وَمَنِ اسْتَوْطَنَ وَطَنًا آخَرَ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ وَطَنِهِ الأْوَّلِ، كَأَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ مَثَلاً: الأْولَى فِي وَطَنِهِ الأْوَّلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي وَطَنٍ آخَرَ جَدِيدٍ، كَانَ الْمَكَانُ الآْخَرُ وَطَنًا لَهُ بِشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِضِ الْوَطَنُ الأْوَّلُ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ التَّحَوُّلِ عَنْهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ لِلإْنْسَانِ زَوْجَتَانِ فِي بَلَدَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يُعَدَّانِ وَطَنَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ لَهُ، فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا عُدَّ مُقِيمًا فِيهَا مُنْذُ دُخُولِهِ مُطْلَقًا، وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
وَلاَ يَنْتَقِضُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ بِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَلاَ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمَا، فَلاَ يَنْتَقِضُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ مُسَافِرًا إِلَى بَلَدٍ، وَأَقَامَ فِيهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، أَوْ نَوَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ يَنْتَقِضْ بِذَلِكَ وَطَنُهُ الأْصْلِيُّ، فَلَوْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ عُدَّ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ إِلَيْهِ مُطْلَقًا.
أَمَّا وَطَنُ الإْقَامَةِ، فَيَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ؛ لأِنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ أَيْضًا؛ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، كَمَا يَنْتَقِضُ بِالسَّفَرِ، وَلاَ يَنْتَقِضُ وَطَنُ الإْقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ دُونَهُ.
أَمَّا وَطَنُ السُّكْنَى، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَبِوَطَنِ السُّكْنَى أَيْضًا، أَمَّا الأْوَّلاَنِ فَلأِنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَأَمَّا الآْخِرُ فَ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.