في الإختصاص المحلى :
1- إستعاض المشروع في المادة 53 عن إصلاح محل إفتتاح التركة بإصلاح اخر موطن للمتوفى لأنه أبلغ في البيان .
2- جاءت المادة 55 من المشروع الخاصة بالمنازعات التجارية أوسع في نطاقها من المادة 62 من القانون القائم فأصبح حكمها يشمل تنفيذ الاتفاق جزئيا او كليا بالنسبة لإختصاص المحكمة التي تم في دائرتها هذا الإتفاق .
3- وبالنسبة للمنازعات المتعلقة بالتوريدات والأشغال وأجور المساكن والعمال والصناع تعقد المادة 63 من القانون القائم الإختصاص للمحكمة التي في دائرتها تم الإتفاق او نفذ بشرط ان يكون فيها موطن أحد الخصوم وقد رای المشروع أن يستبدل في المادة 56 منه بذلك الشرط شرطاً أخر هو أن يكون فيها موطن المدعي بعد أن صدر المادة بالنص على أن الاختصاص بهذه المنازعات ينعقد لمحكمة موطن المدعى عليه .
كما إستبدل المشروع لفظ المقاولات بلفظ الأشغال ضبطاً للعبارة ويلاحظ أن عبارة التوريدات والمقاولات لا تنصرف في هذه المادة إلى عقود التوريد والمقاولات العامة وإنما تنصرف الى التوريدات والمقاولات الفردية .
4- وفي الدعاوى المتعلقة بالنفقات حذف المشروع في المادة 57 منه عبارة المقررة التي وصفت بها النفقات في المادة 64 من القانون القائم بحيث تشمل جميع النفقات المقررة منها والمؤقتة وهذه الدعاوى تشمل كافة الدعاوى التي ترفع من مستحق النفقة سواء بطلب تقريرها أو زيادتها باعتبار الزيادة صورة من صور المطالبة بالنفقات أما دعاوی إسقاط النفقة أو تخفيضها فلا يجرى عليها هذا الحكم الخاص وإنما تخضع للقاعدة العامة .
5- إستحدث المشروع نصاً في المادة 62 يقضي بأنه إذا اتفق على إختصاص محكمة معينة يكون الإختصاص لهذه المحكمة او للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ذلك أن الإختصاص الأخير هو إختصاص أصيل قائم لا يعطله النص على إختصاص محاكم اخرى فيما عدا الحالات التي يرى المشرع فيها النص على منع الجمع على أنه في الحالات التي ينص فيها القانون على تخويل الإختصاص لمحكمة غير محكمة موطن المدعى عليه لم يجز المشروع الإتفاق مقدماً على ما يخالف هذا الإختصاص ذلك أن المشروع انما يستهدف في هذه الحالات أغراضاً معينة لا تتحقق مع إتفاق الخصوم مقدماً على مخالفتها هذا فضلاً عن أن في منع الاتفاق مقدماً حماية للطرف الضعيف في الإتفاق .
1 ـ النص فى الفقرة الأولي من المادة 62 من قانون المرافعات علي أن الاتفاق وان كان يترتب عليه منح الاختصاص المحلي لمحكمة غير مختصة إلا أنه لا ينزع الاختصاص من محكمة موطن المدعي عليه المختصة أصلا قبل الاتفاق ذلك أن الاختصاص الأخير - وعلي ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية - هو اختصاص أصيل قائم لا يبطله النص علي اختصاص محاكم أخري، فالاتفاق علي اختصاص محكمة معينة يجعل للمدعي الخيار بين رفع الدعوى أمام هذه المحكمة أو أمام محكمة موطن المدعي عليه.
(الطعن رقم 3241 لسنة 60 جلسة 1998/06/01 س 49 ع 2 ص 474 ق 114)
2 ـ مفاد النص فى المادتين 49/1 ، 62/1 من قانون المرافعات ، يدل على أن الأصل فى تحديد المحكمة المختصة محلياً بنظر النزاع هو موطن المدعى عليه إلا أن يتفق المتخاصمون على محكمة أخرى فى غير ما خوله القانون من عقد الاختصاص لمحكمة بذاتها على خلاف هذا الأصل العام ، ودون أن يحول هذا الاتفاق من اختصاص المحكمة التى يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه .
(الطعن رقم 1103 لسنة 64 جلسة 2004/04/11 س 55 ع 1 ص 406 ق 74)
3 ـ مؤدى نص المادة 2/50(مرافعات) أن الاختصاص بنظر الدعاوى الشخصية العقارية - وهى تلك الدعاوى التى تستند إلى حق شخصى ويطلب فيها تقرير حق عينى على عقار أو اكتساب هذا الحق أو إلغاؤه - ينعقد للمحكمة التى يقع فى دائرتها العقار أو موطن المدعى عليه وذلك خلافاً للقاعدة العامة المنصوص عليها فى المادة 49 من قانون المرافعات والتى تجعل من اختصاص محكمة موطن المدعى عليه اختصاص أصيل قائم لا يعطله النص على اختصاص محاكم أخرى ومن ثم لا يجوز الاتفاق مقدماً على مخالفته طبقاً للمادة 2/62من ذات القانون (قانون المرافعات) لا ينال من ذلك أن النص فى المادة 2/50 - وعلى ما سلف بيانه - جعل الخيار للمدعى فى رفع الدعوى أمام المحكمة التى يقع بدائرتها العقار أو تلك التى يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه إذ إنه لم ينزع الاختصاص من المحكمة الأولى ولم يقصره على الثانية وهو ما من شأنه أن يجعل الاختصاص المخول بنص تلك المادة بمنأى عن القاعدة العامة فى الاختصاص المحلى المنصوص عليها فى المادة 49 من قانون المرافعات بجعله للمحكمة التى يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه .
(الطعن رقم 2507 لسنة 61 جلسة 2006/03/25 س 57 ص 277 ق 58)
4 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن النص في المادة 147 من القانون المدني على أن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين والنص في المادة 150 /1 من ذات القانون على أن إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين يدل وعلى ما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - على أن العقد هو قانون المتعاقدين والخطأ في تطبيق نصوصه خطأ في تطبيق القانون ويمتنع على أي من المتعاقدين نقض العقد أو تعديله كما يمتنع ذلك على القاضي وعليه أن يلتزم بعبارات العقد الواضحة باعتبارها تعبيراً صادقاً عن الارادة المشتركة للمتعاقدين فلا يجوز له الانحراف عنها بدعوى تفسيرها ومراعاة هذه القواعد من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض وأن مؤدى نص المادة 62 من قانون المرافعات على أنه إذا اتفق على اختصاص محكمة معينة يكون الاختصاص لهذه المحكمة.
(الطعن رقم 17066 لسنة 76 ق - جلسة 15 / 3 / 2023 )
قاعدة إختصاص موطن المدعى عليه هي الأصل في تحديد المحكمة المختصة محلياً ، فإن عبء إثبات وجود إتفاق مخالف يقع على عاتق المدعى ويجب تفسير الإتفاق تفسيراً ضيقاً فلا يمتد إلا إلى المنازعات التي قصد الطرفان عدم خضوعها للقاعدة العامة ، كما أنه لا ينتج أثره بعد إنقضائه على أنه حتى إذا كان العقد الذي تضمن الاتفاق على الإختصاص باطلاً ، فإن الدعوى ببطلانه يمكن رفعها أمام المحكمة المتفق على إختصاصها فيه.
وإستثناء من إمكان الإتفاق على اختصاص محكمة غير مختصة محلياً تقضى المادة 2 / 62 مرافعات بأنه حيث ينص القانون على إختصاص محكمة على خلاف محكمة موطن المدعى عليه ، كما هو الحال بالنسبة للدعاوى العينية العقارية أو بالنسبة لدعاوى الإرث . لا يجوز الإتفاق مقدماً على مخالفة هذا الإختصاص . وعلة هذا الحكم هي ان هذه القواعد ترمي إلى تحقيق أهداف معينة تتعلق بملاءمة نظر الدعوى من محكمة معينة. وهی أهداف يحرص المشرع على تحقيقها.
ورغم أن نص المادة 2 / 62 صريح في أن عدم جواز الاتفاق يتعلق بحالة النص على تخويل الإختصاص لمحكمة على خلاف المادة (49) أي على خلاف محكمة موطن المدعى عليه ، فإن محكمة النقض ذهبت إلى إنطباقه أيضاً على حالة النص على إختصاص محكمة أخرى إلى جانب محكمة موطن المدعى عليه . فقضت بانطباق النص بالنسبة للدعوى الشخصية العقارية التي تختص بها إما محكمة موطن المدعى عليه أو محكمة موقع العقار ، وأيضاً بالنسبة لدعوى شهر الأفلام التي تختص بها المحكمة التي يقع في دائرتها موطن تجاري للمدين أو المركز الرئيسي للشركة ولهذا فإنه إذا كان للمدعي في هاتين الدعويين الإختيار بين محكمتين فإنه ليس للطرفين الإتفاق مقدماً على إختيار محكمة ثالثة.
ويلاحظ أن حرص المشرع على نظر الدعوى من محكمة معينة لا يبلغ حد جعل هذا الإختصاص متعلقاً بالنظام العام . ولهذا فإنه وإن منع المشرع الاتفاق على مخالفة إختصاصها ، فإنه بالنسبة للقواعد الأخرى تخضع لأحكام علم الإختصاص غير المتعلق بالنظام العام . وحتى بالنسبة لعدم جواز الإتفاق ، فإن الأمر يتعلق بعدم جواز الإتفاق مقدماً قبل بدء الخصومة ، ف لا یسری المنع على اتفاق يتم بعد بدء الخصومة.(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 640)
مناط صحة الإتفاق على مخالفة الاختصاص المحلي:
تضمنت الفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المرافعات القاعدة العامة في الإختصاص المحلي بجعله للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ، وأجازت الفقرة الأولى من المادة (62) من ذات القانون الإتفاق مقدماً على الإختصاص المحلي لمحكمة أخرى غير محكمة موطن المدعى عليه إلى جانب هذه المحكمة، وحينئذ ينعقد الإختصاص المحلي للمحكمة التي حددها الاتفاق أو لمحكمة موطن المدعى عليه. واشترطت الفقرة الثانية من المادة الأخيرة لصحة الإتفاق الذي يتم قبل رفع الدعوى، ألا يكون هناك نص قد حدد الإختصاص المحلي بنظر الدعوى المحكمة غير محكمة موطن المدعى عليه ، سواء ورد هذا النص في قانون المرافعات أو في قانون آخر ، مثال ذلك نص المادة (10) من قانون إيجار الأماكن رقم 49 لسنة 1977 والذي جعل الإختصاص المحلي بنظر الطعن على قرارات لجان تحديد الأجرة للمحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها المكان المؤجر ، ونص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون إيجار الأماكن رقم 136 لسنة 1981 الذي جرى بنفس الحكم المتقدم، ويكون النصان قد حددا الإختصاص المحلي بنظر الدعوى المرفوعة طعناً على قرار اللجنة المحكمة غير محكمة موطن المدعى عليه ومن ثم لا يجوز الإتفاق مقدماً بعقد الإيجار بين المؤجر والمستأجر على الإختصاص المحلي لمحكمة غير المحكمة الكائن في دائرتها المكان المؤجر، ويتعلق هذا الحظر بالنظام العام أسوة بأحكام قانون إيجار الأماكن ومن ثم تقضي المحكمة ببطلان الاتفاق من تلقاء نفسها وليس معنى هذا أنها تتصدی من تلقاء نفسها للإختصاص المحلي، لعدم تعلق هذا الإختصاص بالنظام العام.
والمحظور وفقاً للفقرة الثانية من المادة (62) هو الإتفاق السابق على رفع الدعوى، أما إذا رفعت الدعوى وفقاً لقواعد الإختصاص المحلي المقررة، جاز للخصوم الإتفاق على إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى ولو لم تكن مختصة وفقاً لهذه القواعد بشرط ألا يتصل موضوع الدعوى بالنظام العام كما في المنازعات الإيجارية الخاضعة لقانون إيجار الأماكن، ويتعلق الحظر بالإتفاق فقط بحيث إذا رفعت المنازعة أمام محكمة غير مختصة محلياً بنظرها فإن المحكمة لا تملك أن تقضي بعدم إختصاصها محلياً بنظر الدعوى من تلقاء نفسها لعدم تعلق الإختصاص المحلي بالنظام العام، لكن إذا رفعت المنازعة أمام المحكمة المختصة وكان موضوعها يتعلق بالنظام العام امتنع على الخصوم الإتفاق على إحالتها للمحكمة أخرى.
أما إذا رفعت الدعوى أمام المحكمة المختصة، جاز للخصوم جميعاً الإتفاق على إحالتها إلى محكمة أخرى ، وحينئذ تكون الإحالة جوازية للمحكمة.
ولعدم تعلق الإختصاص المحلي بالنظام العام، يجب على المدعى عليه التمسك به قبل إبداء أي طلب أو دفاع وإلا سقط الحق فيه، وللمدعى عليه التمسك بهذا الدفع ولو وجد إتفاق على إختصاص المحكمة التي تنظر الدعوى طالما جاء هذا الإتفاق بالمخالفة لنص الفقرة الثانية من المادة (62) سالفة البيان.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الثاني ، الصفحة :187)
حالة الإتفاق على إختصام محكمة معينة ومدى تعلق الإختصاص المحلي بالنظام العام :
طبقاً للفقرة الأولى من المادة 62 من قانون المرافعات - محل التعليق - إذا إتفق على إختصاص محكمة معينة يكون الإختصاص لهذه المحكمة، أو للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه.
فيجوز أن يتفق الطرفان على رفع الدعوى أمام محكمة معينة غير المحكمة التي تحددها قواعد الإختصاص للحلى وينص عليها القانون، بل يجوز لهما أن يتفقا على ترك تحديد المحكمة لمن يرفع الدعوى منهما بشرط ألا يتعسف في استعمال حقه في اختيار المحكمة (رمزي سيف - الوسيط - ص 324، فتحی والی - مبادئ - ص 271)، فلا يرفع الدعوى أمام محكمة لا يكون له في رفعها أمامها أية مصلحة سوى مجرد النكاية بخصمه وإرهاقه.
وإذا تم الإتفاق على رفع الدعوى أمام محكمة معينة غير مختصة أصلاً ، فإن هذا الإتفاق يكون ملزماً لأطرافه، كما أنه يلزم المحكمة، بحيث لايصح لها أن تقبل دفعا بعدم إختصاصها (فتحی والی - مبادئ - بند 186 ص 271)، ولكن إختصاص هذه المحكمة بناء على اتفاق الأطراف لاينفي إختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها المدعى عليه بجانب إختصاص هذه المحكمة المتفق على إختصاصها، وذلك لأن إختصاص المحكمة الكائن بدائرتها موطن المدعى عليه هو إختصاص أصيل قائم لا يعطله النص على إختصاص محاكم أخرى، فيما عدا الحالات التي بری المشرع فيها النص على منع الجمع المذكرة الإيضاحية للقانون ولذلك فإن للمدعي الخيار بين رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة طبقاً للإتفاق وبين رفعها أمام المحكمة الكائن بدائرتها موطن المدعى عليه.
ولكن يلاحظ أنه في الحالات التي ينص فيها القانون على تخويل الإختصاص المحكمة على خلاف حكم المادة 49 التي تقرر أن المحكمة المختصة هي محكمة موطن المدعى عليه، لا يجوز الإتفاق مقدماً على ما يخالف هذا الإختصاص في تلك الحالات «مادة 62/2 مرافعات، محل التعليق - وعلة حظر الإتفاق مقدماً على مخالفة الإختصاص في هذه الحالات، تكمن في قوة الإعتبارات الخاصة التي دعت المشرع إلى النص على إختصاص محكمة غير محكمة المدعي عليه (محمد عبد الخالق عمر - ص 177)، ومن أهم هذه الإعتبارات حماية الطرف الضعيف في الخصومة، كالمؤمن عليه في دعاوى المطالبة بقيمة التأمين، وكطالب النفقة في الدعاوى المتعلقة بالنفقات، ولذا فإن المشرع محافظة منه على هذه الإعتبارات ومنعاً من إهدارها فقد حرم الاتفاق مقدماً على مخالفة قواعد الإختصاص في هذه الحالات.
أما إتفاق الخصوم في هذه الحالات بعد رفع الدعوى على جعل الإختصاص لمحكمة أخرى غير مختصة أصلاً بنظر الدعوى، فهو جائز، لأن مثل هذا الإتفاق لن يؤثر على الإعتبارات الخاصة التي دعت المشرع إلى النص على إختصاص محكمة غير محكمة المدعى عليه، فالطرف الضعيف في الخصومة والذي قصد الشارع رعايته في هذه الحالات لن يكون خاضعاً للطرف الأقوى بعد رفع الدعوى وقيام النزاع، بعكس الحال عند الإتفاق مقدماً على مخالفة قواعد الإختصاص فسوف يكون الخصم الضعيف خاضعاً لخصمه الأقوى، فمثلاً بالنسبة لحالة المطالبة بقيمة التأمين لو أن شركة التأمين إشترطت عند التعاقد مع المؤمن عليه إختصاص محكمة معينة بالدعاوي، فإن المؤمن عليه سوف يضطر إلى الموافقة على ذلك لأن في مركز أضعف، أما بعد تعاقده مع الشركة وقيام نزاع بينهما بعد ذلك فإنه لن يكون خاضعاً لها، ولذلك يجوز له الإتفاق مع الشركة على جعل الإختصاص بنظر هذا النزاع لمحكمة معينة.
ويلاحظ أنه في حالة إتفاق الخصوم بعد رفع الدعوي على جعل الإختصاص لمحكمة أخرى غير المحكمة المرفوعة إليها الدعوى فعلاً ، فإنه يجوز لهذه المحكمة الأخيرة أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة التي إتفق عليها الخصوم "مادة 111 مرافعات" ، ولكن أمر المحكمة بإحالة الدعوى في هذه الحالة ليس وجوبياً بل إنه جوازی، فهو يخضع لتقدير المحكمة المرفوعة إليها الدعوى فعلاً ، إذ يحتمل أن تكون هذه المحكمة قد قطعت شوطاً كبيراً على نظر الدعوى (أحمد مسلم - بند 269 ص 297)، وفن ثم يكون من الأفضل عدم إحالتها إلى المحكمة التي إتفق الخصوم عليها.
ومن البديهي وكما ذكرنا من قبل أنه يجوز الإتفاق اثناء نظر الدعوي على إختصاص محكمة أخرى غير المحكمة التي تنظر الدعوى والتي هي مختصة في الأصل بها، ولو كان مقتضى هذا الإتفاق أن تختص بالدعوي محلياً محكمة على خلاف ما قرره المشرع (وفقاً للفقرة الثانية من المادة 62)، لأن مثل هذا الإتفاق لايخشى منه ای تعسف، وبالتالي تحيل المحكمة الدعوى وفقاً للمادة 111 من قانون، كما مضت الإشارة.
وإذن الممنوع بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 62 - محل التعليق - هو الإتفاق مقدمة أثناء التعاقد حماية للجانب الضعيف من العقد، بحيث يتعين على المدعى عليه إذا شاء إفساد هذا الإتفاق والإفادة من النص أن يتمسك بعدم الإختصاص المحلي قبل التكلم في الموضوع، وبحيث يجوز هذا الاتفاق أثناء نظر الدعوى القائمة أمام القضاء لأنه لا يخشى منه أي تعسف، وفي هذا يقول قرار لجنة مراجعة مشروع قانون المرافعات في الجلسة 42 في 17/11/1962 - محضر الجلسة ص 7 - «في الحالات التي ينص القانون على الإختصاص لمحكمة على خلاف حكم القاعدة العامة (أی لغير محكمة موطن المدعى عليه) لا يجوز الاتفاق مقدماً على إستبعاد هذا الإختصاص، وبهذا تزول خشية إملاء الإرادة في عقود الإذعان وقت إبرامها وتبقى الإرادة في قبول الإختصاص أو عدم قبوله بعد رفع الدعوي.
فمن الواضح أن الفقرة الثانية من المادة 62 إنما نعالج منع الاتفاق على موطن مختار عندما ينص القانون على إختصاص محكمة أو محاكم ليس من بينها محكمة موطن المدعى عليه، أما عندما يتفق الخصوم على إختصاص محكمة ما في حالة يكون فيها الإختصاص في الأصل لمحكمة موطن المدعي عليه وحدها، أو لمحكمة موطن المدعى عليه مع محكمة أو محاكم أخرى، فهنا يعمل بالفقرة الأولى من المادة 62 (أحمد أبو الوفا ۔ التعليق - 362).
وفي عبارة أخرى، تعالج المادة 62 - محل التعليق - مدي صحة الاتفاق على إختصاص محكمة غير مختصة محلياً في القانون، ويختلف مجال تطبيق الفقرة الأولى منها عن مجال تعليق الفقرة الثانية، فالفقرة الأولى تعالج حالة الإتفاق على إختصاص محكمة عندما يكون الإختصاص في الأصل المحكمة موطن المدعي عليه وحدها، أو لمحكمة موطن المدعى عليه مع محكمة أو محاكم أخرى، وهذا الإتفاق جائز بصريح نص الفقرة الأولى، لأنها تخير المدعي بين أن يرفع دعواه أمام محكمة الموطن المختار أو محكمة موطن المدعى عليه، على تقدير وعلى أساس أن هذه الأخيرة هي المختصة وحدها أو مع غيرها من المحاكم بنظر النزاع وشمول النص يقطع في هذه الدلالة ولا يصح أن يخصص فلا بعمل به إلا إذا كان الإختصاص في الأصل لمحكمة موطن المدعى عليها وحدها.
أما الفقرة الثانية من المادة 62 فإنها تمنع الإتفاق على إختصاص محكمة عندما يكون الإختصاص في الأصل لمحكمة غير محكمة موطن المدى عليه أو الحاكم ليس من بينها محكمة موطن المدعى عليه وذلك لأن المشرع عندما يحدد في حالات معينة الإختصاص المحلي على خلاف القاعدة العامة ويمنع إختصاص محكمة موطن المدعى عليه ينبغی حتماً رعاية خاصة للجانب الضعيف في الإتفاق (بتعبير المذكرة الإيضاحية) إنما إذا منح الإختصاص المحكمة موطن المدعي عليه مع محاكم أخرى، فإنما يقصد مجرد التيسير على الخصوم.
وإذن، الفقرة الثانية من المادة 62 - محل التعليق - إنما تعالج فقط حالة منع الإتفاق مقدماً على إختصاص محكمة ما عندما ينص القانون على إختصاص محكمة أو محاكم ليس من بينها محكمة موطن المدعی عليه وإلا كان مؤدي النص المستحدث منع الإتفاق على محكمة الموطن المختار في كل الدعاوى التجارية، وهذه نتيجة لم يقصدها القانون (احمد أبوالوفد التعليق – ص 362 و ص 363).
وقد ذهب رأي إلى أن إتخاذ موطن مختار يعد بمثابة إتفاق ضمنی على إختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها (فتحى والى - بند 219) بينما يذهب البعض إلى أن الإتفاق على الإختصاص يجب أن يكون صريحاً وأن اتخاذ موطن مختار لا يعني الاتفاق على الإختصاص، وإنما يعني تحديد محل يعلن به صاحب المحل المختار بالأوراق القضائية الدناصورى وعكاز - ج 1 ۔ ص 411 ).
ويجب ملاحظة أن أساس جواز إتفاق الخصوم على جعل الإختصاص المحكمة معينة ولو كانت غير مختصة أصلاً بنظر الدعوى وفقاً للفقرة الأولى من المادة 62 - محل التعليق - هو أن قواعد الإختصاص المحلی غیر متعلقة بالنظام العام، ومن ثم يجوز الإتفاق على مخالفتها.
وينبغي أيضاً ملاحظة أن قاعدة الإختصاص تكون متعلقة بالنظام العام إذا كانت مقررة لتحقيق مصلحة عامة هي حسن سير القضاء وتحقيق الهدف منه، بينما تكون غير متعلقة بالنظام العام إذا كانت مقررة ، على مصلحة خاصة لأحد الطرفين أو لمصلحتها معا (موریل - بند 195 ص 178 و ص 179 ، فتحي والى - مباديء - بند 185 ص 269)، ويترتب على إعتبار قاعدة الإختصاص متعلقة بالنظام العام نتائج معينة أهمها :
(أ) إنه لايجوز للخصوم التنازل عن تطبيق هذه القاعدة، كما لا يجوز لهم الإتفاق على مخالفتها، ومثل هذا الإتفاق يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً .
(ب) إنه يجب على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم إختصاصها، في حالة مخالفة قاعدة الإختصاص المتعلقة بالنظام العام، حتي ولو أغفل الخصوم الدفع بعدم إختصاصها، لأن القضاء أمين على النظام العام، ومن ثم يجب عليه مراعاته وإزالة ما يخالف هذا النظام من تلقاء نفسه.
(ج) إنه يجب على النيابة العامة إذا كانت طرفاً منضماً في الدعوى المدنية، أن تثير أمر الإختصاص متى كان متعلقاً بالنظام العام، ولو لم يتمسك به الخصوم، لأن النيابة العامة باعتبارها هيئة عامة، ينبغي عليها أن تراعي القواعد المتعلقة بالنظام العام.
(د) إنه يجوز للخصوم الدفع بعدم الإختصاص في أية حالة تكون عليها الدعوى، متى كان متعلقاً بالنظام العام، فيجوز لكل من المدعي والمدعى عليه الدفع بعدم الإختصاص المتعلق بالنظام العام ولو لأول مرة أمام محكمة الإستئناف أو النقض، ولا يتقيد المدعي بقبوله الضمني المستفاد من إقامته الدعوى أمام محكمة غير مختصة كما لا يتقيد المدعي عليه بقبوله الضمني المستفاد من التكلم في موضوع الدعوى، فمثل هذا القبول الضمني سواء أكان من المدعى أو من المدعى عليه، لا يمنع أياً منهما من الدفع بعدم الإختصاص المتعلق بالنظام العام في أية مرحلة من مراحل التقاضی.
بينما يترتب على اعتبار بقاعدة الاختصاص غیر متعلقة بالنظام العام نتائج عكسية أهمها :
(أ) يجوز للخصوم أن يتنازلوا عن تطبيق قاعدة الاختصاص غير المتعلقة بالنظام العام، كما يجوز لهم أن يتفقوا على مخالفة هذه القاعدة ويكون هذا الإتفاق ملزماً لهم.
(ب) لا يجوز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم إختصاصها، في حالة مخالفة قاعدة الاختصاص غير المتعلقة بالنظام العام.
(ج) لا يجوز للنيابة العامة إذا تدخلت في الدعوى كطرف منضم أن تتمسك بعدم الاختصاص.
(د) لا يجوز للخصوم الدفع بعدم الاختصاص في أية حالة تكون عليها الدعوى، بل يجب عليهم الدفع بعدم الإختصاص مع سائر الدفوع الشكلية قبل التكلم في موضوع الدعوى، ويعتبر التكلم في موضوع الدعوى بمثابة تنازل عن الدفع بعدم الإختصاص (عبد الباسط جمیعی - ص 100 وما بعدها، رمزی سيف - بند 266 ص 313 وما بعدها وبند 273 ص 322 وما بعدها، أحمد أبو الوفا - المرافعات – بند 352 ص 466 وما بعدها، وبند 359 ص 479 وما بعدها).
وعدم تعلق قواعد الإختصاص المحلي بالنظام العام، يعتبر من المبادي المسلم بها فقها، و التي استقر عليها القضاء، وأخذ بها الشارع، إذ أن هذه القواعد وضعت لرعاية مصالح المتقاضين الخاصة لا لتحقيق أغراض عامة (رمزی سيف - بند 262 ص 321)، صحيح أن هذه القواعد مثلها مثل كافة قواعد الاختصاص ترمي في النهاية إلى تحقيق غرض عام وهو حسن سير القضاء، ولكن العلة التي تقوم عليها هذه القواعد وتدور معها هي المصلحة المباشرة لطرفي الدعوى أو لأحدهما، ولذلك فإن المشرع لا يحرص على تطبيق هذه القواعد إلا حيث يحرص صاحب المصلحة على تطبيقها (فتحى والى - مبادئ - بند 185 ص 269 و ص 270 )، فقد لا يحرص الخصوم على تطبيق هذه القواعد التي تقررت لمصلحتهم الخاصة، ولم يروا ضرراً في مخالفتها والاتفاق على عقد الاختصاص المحكمة غير مختصة محلياً بنظر النزاع.
ومما هو جدير بالذكر أن المشرع أحياناً يحرص على تطبيق بعض قواعد الإختصاص المحلى ويعتبرها من النظام العام على سبيل الاستثناء من هذا المبدأ، ومن ذلك ما تنص عليه المادة 62/2 مرافعات - محل التعليق - من حظر الاتفاق مقدما على مخالفة قواعد الإختصاص في بعض الحالات، والتي تعرضنا لها فيما مضى، ومن ذلك أيضاً خالة نص القانون على وجوب رفع الدعوى أمام محكمة معينة كالتماس إعادة النظر يجب أن يرفع إلى نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه مادة 243 مرافعات ومن هذه الإستثناءات أيضاً ما يذهب إليه الفقه من أن الاختصاص المحلي لمحاكم الدرجة الثانية يعتبر من النظام العام، إذ كل محكمة من محاكم الدرجة الثانية لا تختص إلا بالفصل فيما يرفع إليها من إستئناف الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى الداخلة في دائرتها كما حددها للشرع، وذلك على أساس أن مخالفة قواعد الإختصاص في هذه الحالة الأخيرة تنطوي على إخلال بالنظام القضائي لما فيها من مساس بتبعية بعض المحاكم للبعض الآخر (موریل - بند 271 ص 232، رمزى سيف - بند 276 ص 325، أحمد أبو الوفا المرافعات - بند 360 ص 482 ، إبراهيم سعد - ج 1 - بند 208 ص 513 ) .(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الثاني ، الصفحة : 304)
إذا كان المشرع قد أجاز للخصوم الإتفاق على محكمة أخرى خلاف المحكمة المختصة وفقاً لنص المادة 49 ومنع الإتفاق على إختصاص محكمة محلية على خلاف الحالات المنصوص عليها في تلك المادة الأخيرة إلا أننا نرى أن هذا المنع غير متعلق بالنظام العام بمعنى أنه لا يجوز للمحكمة أن تتعرض له من تلقاء نفسها بل يجب أن يدفع به الخصوم وهذا مستفاد من نص المادة 108 مرافعات التي جعلت الاختصاص المحلي غير متعلق بالنظام العام ، غير أنه يستثنى من ذلك الإختصاص المحلي المرتبط بوظيفة المحكمة بالنسبة لقضية معينة إذ يترتب على مخالفته عدم اختصاص متعلق بالنظام العام بكل قواعده ومن أمثلة ذلك نص المادة 54 مرافعات التي جعلت الإختصاص بمسائل الإفلاس للمحكمة التي قضت به واختصاص المحكمة التي تجري التنفيذ بالمنازعات المتعلقة به وفقاً للمادة 275 مرافعات وتحديد المحكمة الاستئنافية التي تختص بنظر استئناف حكم معين بالمحكمة الإستئنافية التي تتبعها محكمة أول درجة التي أصدرت الحكم المستأنف ( الدكتور فتحي والي في الوسيط في قانون القضاء المدني بند 185 والدكتور أحمد مليجي في الاختصاص ص 186 ).
هذا والإتفاق غير الجائز وفقاً للفقرة الأخيرة هو الإتفاق مقيما قبل رفع النزاع أما الإتفاق بعد قيام النزاع أمام القضاء فهو جائز في جميع الحالات فليس هناك ما يمنع الخصوم بعد رفع الدعوى من الاتفاق على إختصاص محكمة معينة محلية ولو كان هذا الإتفاق مخالفاً لقاعدة أخرى غير القاعدة التي نص عليها القانون في المادة 49 ( مرافعات رمزي سیف الطبعة الثامنة 323).
وقد ذهب رأي إلي أن إتخاذ موطن مختار يعد مثابة إتفاق ضمني على إختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها ( والي بند 219) إلا أننا نرى أن الإتفاق على الإختصاص يجب أن يكون صريحاً وأن إتخاذ موطن مختار لا يعني الإتفاق على الإختصاص وإنما يعني تحديد محل يعلن به صاحب المحل المختار بالأوراق القضائية . (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني ، الصفحة : 760)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 56
وَطَن
التَّعْرِيفُ:
الْوَطَنُ- بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالطَّاءِ- فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الإْقَامَةِ، أَوْ مَكَانُ الإْنْسَانِ وَمَقَرُّهُ، وَيُقَالُ لِمَرْبِضِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالإِبِلِ: وَطَنٌ، وَهُوَ مُفْرَدٌ، جَمْعُهُ أَوْطَانٌ، وَمِثْلُ الْوَطَنِ الْمَوْطِنُ، وَجَمْعُهُ مَوَاطِنُ، وَأَوْطَنَ: أَقَامَ، وَأَوْطَنَهُ وَوَطَّنَهُ وَاسْتَوْطَنَهُ: اتَّخَذَهُ وَطَنًا، وَمَوَاطِنُ مَكَّةَ: مَوَاقِفُهَا .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْوَطَنُ: هُوَ مَنْزِلُ إِقَامَةِ الإْنْسَانِ وَمَقَرُّهُ، وُلِدَ بِهِ أَوْ لَمْ يُولَدْ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمَحَلَّةُ:
الْمَحَلَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الْقَوْمِ، وَالْجَمْعُ مَحَالُّ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ مَنْزِلُ قَوْمِ إِنْسَانٍ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهُمْ حَيْثُ جَمَعَهُمُ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَحَلَّةِ وَالْوَطَنِ أَنَّ الْوَطَنَ أَعَمُّ مِنَ الْمَحَلَّةِ.
أَنْوَاعُ الْوَطَنِ:
يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْوَطَنَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ، وَوَطَنُ إِقَامَةٍ، وَوَطَنُ سُكْنَى، كَمَا يَلِي:
أ- الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ هُوَ: مَوْطِنُ وِلاَدَةِ الإْنْسَانِ أَوْ تَأَهُّلِهِ أَوْ تَوَطُّنِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ، وَيُسَمَّى بِالأْهْلِيِّ، وَوَطَنُ الْفِطْرَةِ، وَالْقَرَارِ، وَمَعْنَى تَأَهُّلِهِ أَيْ تَزَوُّجِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلْدَتَيْنِ فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا صَارَ مُقِيمًا، فَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي إِحْدَاهُمَا وَبَقِيَ لَهُ فِيهَا دُورٌ وَعَقَارٌ، قِيلَ: لاَ يَبْقَى وَطَنًا، إِذِ الْمُعْتَبَرُ الأْهْلُ دُونَ الدَّارِ، وَقِيلَ: تَبْقَى، وَمَعْنَى تَوَطُّنِهِ أَيْ عَزْمِهِ عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَعَدَمِ الاِرْتِحَالِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ فِيهِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الْوَطَنُ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الشَّخْصُ لاَ يَرْحَلُ عَنْهُ صَيْفًا وَلاَ شِتَاءً إِلاَّ لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ .
وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَرْيَةُ الْخَرِبَةُ الَّتِي انْهَدَمَتْ دُورُهَا وَعَزَمَ أَهْلُهَا عَلَى إِصْلاَحِهَا وَالإْقَامَةِ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً .
كَمَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ امْرَأَةٌ لَهُ أَوْ تَزَوَّجَ فِيهِ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلاَةَ الْمُقِيمِ» .
قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ .
وَيُؤْخَذُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْوَطَنِ الْبَلَدُ الَّذِي لِلشَّخْصِ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَاشِيَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ مَالٌ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْوَطَنُ هُوَ مَحَلُّ سُكْنَى الشَّخْصِ بِنِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَمَوْضِعُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ سُكْنَاهُ عِنْدَهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ بِقَرْيَةٍ وَلَدٌ فَقَطْ أَوْ مَالٌ فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .
ب- وَطَنُ الإْقَامَةِ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ الإْقَامَةِ هُوَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ الإْنْسَانُ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ مُدَّةٍ قَاطِعَةٍ لِحُكْمِ السَّفَرِ، وَيُسَمَّى بِالْوَطَنِ الْمُسْتَعَارِ أَوْ بِالْوَطَنِ الْحَادِثِ.
وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِحُكْمِ السَّفَرِ .
ج- وَطَنُ السُّكْنَى:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ السُّكْنَى هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ الْمُقَامَ بِهِ أَقَلَّ مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ .
(ر: صَلاَةِ الْمُسَافِرِ ف3 – 8)
شُرُوطُ الْوَطَنِ:
لاَ يُسَمَّى الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الإْنْسَانُ وَطَنًا لَهُ تُنَاطُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطَنِ إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطٌ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا، أَوْ وَطَنَ إِقَامَةٍ، أَوْ وَطَنَ سُكْنَى.
ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الشُّرُوطِ مِمَّا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ وَبَعْضَهَا مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
شُرُوطُ الْوَطَنِ الأْصْلِيِّ:
أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا بِنَاءً مُسْتَقِرًّا بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبِنَاءِ بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حَيْثُ عَرَّفُوا الْوَطَنَ فِي مَعْرِضِ الْكَلاَمِ عَنْ شُرُوطِ إِقَامَةِ صَلاَةِ الْجُمْعَةِ بِأَنَّهَا الْقَرْيَةُ الْمَبْنِيَّةُ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِبِنَائِهَا بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ طِينٍ أَوْ لَبِنٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنْ تَكُونَ مُجْتَمِعَةَ الْبِنَاءِ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ .
وَالْحَنَفِيَّةُ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ يَعْتَبِرُونَ الْمَكَانَ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الشَّخْصُ أَوْ تَأَهَّلَ فِيهِ أَوْ تَوَطَّنَ فِيهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .
ب -شُرُوطُ وَطَنِ الإْقَامَةِ:
تُشْتَرَطُ لاِتِّخَاذِ مَكَانٍ وَطَنًا لِلإْقَامَةِ شُرُوطٌ، مِنْهَا: نِيَّةُ الإْقَامَةِ، وَمُدَّةُ الإْقَامَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَاتِّخَاذُ مَكَانِ الإْقَامَةِ، وَصَلاَحِيَّةُ الْمَكَانِ لِلإْقَامَةِ، وَأَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ وَمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا (ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف26 - 29)
شُرُوطُ وَطَنِ السُّكْنَى:
لَيْسَ لِوَطَنِ السُّكْنَى إِلاَّ شَرْطَانِ، وَهُمَا: عَدَمُ نِيَّةِ الإْقَامَةِ فِيهِ، وَعَدَمُ الإْقَامَةِ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ- بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ- وَأَنْ لاَ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ فِيهِ.
(ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف8)
مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوَطَنُ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ لاَ يَنْتَقِضُ إِلاَّ بِالاِنْتِقَالِ مِنْهُ إِلَى مِثْلِهِ، بِشَرْطِ نَقْلِ الأْهْلِ مِنْهُ، وَتَرْكِ السُّكْنَى فِيهِ، فَإِذَا هَجَرَ الإْنْسَانُ وَطَنَهُ الأْصْلِيَّ ، وَانْتَقَلَ عَنْهُ بِأَهْلِهِ إِلَى وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ، بِشُرُوطِهِ لَمْ يَبْقَ الْمَكَانُ الأْوَّلُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، فَإِذَا دَخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسَافِرًا، بَقِيَ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ، مَا لَمْ يَنْوِ فِيهِ الإْقَامَةَ، أَوْ مَا لَمْ يُقِمْ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا، وَيَكُونُ الْمَكَانُ لَهُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمَ .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَطَنَ الأْصْلِيَّ لاَ يَنْتَقِضُ بِاتِّخَاذِ وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ. قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: لاَ يَقْصُرُ مَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ وَطَنَهُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إِلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ .
وَمَنِ اسْتَوْطَنَ وَطَنًا آخَرَ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ وَطَنِهِ الأْوَّلِ، كَأَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ مَثَلاً: الأْولَى فِي وَطَنِهِ الأْوَّلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي وَطَنٍ آخَرَ جَدِيدٍ، كَانَ الْمَكَانُ الآْخَرُ وَطَنًا لَهُ بِشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِضِ الْوَطَنُ الأْوَّلُ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ التَّحَوُّلِ عَنْهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ لِلإْنْسَانِ زَوْجَتَانِ فِي بَلَدَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يُعَدَّانِ وَطَنَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ لَهُ، فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا عُدَّ مُقِيمًا فِيهَا مُنْذُ دُخُولِهِ مُطْلَقًا، وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
وَلاَ يَنْتَقِضُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ بِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَلاَ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمَا، فَلاَ يَنْتَقِضُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ مُسَافِرًا إِلَى بَلَدٍ، وَأَقَامَ فِيهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، أَوْ نَوَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ يَنْتَقِضْ بِذَلِكَ وَطَنُهُ الأْصْلِيُّ، فَلَوْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ عُدَّ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ إِلَيْهِ مُطْلَقًا.
أَمَّا وَطَنُ الإْقَامَةِ، فَيَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ؛ لأِنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ أَيْضًا؛ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، كَمَا يَنْتَقِضُ بِالسَّفَرِ، وَلاَ يَنْتَقِضُ وَطَنُ الإْقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ دُونَهُ.
أَمَّا وَطَنُ السُّكْنَى، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَبِوَطَنِ السُّكْنَى أَيْضًا، أَمَّا الأْوَّلاَنِ فَلأِنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَأَمَّا الآْخِرُ فَ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.