loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون السابق بشأن المادة 88 منه. والمقابلة الفقرة الأولى من المادة 80 من القانون الحالى أنه: «ولما كان تعيين الوكيل بالخصومة فيه نوع تيسير على الخصم الآخر، إذ يصبح محل الوكيل بمجرد صدور التوكيل معتبراً في إعلان الأوراق اللازمة لسير الدعوى في درجة التقاضي التي وكل فيها، فقد قرر المشروع أنه إذا اعتزل الوكيل بالخصومة أو عزله موكله فذلك لا يمنع من سير الإجراءات في مواجهته إلا إذا أعلن الخصم بتعيين بدله أو بعزم الموكل على مباشرة الدعوى بنفسه (المادة 88)، والغرض الذي رمى إليه المشروع من ذلك هو إقرار الإجراءات التي اتخذها الخصم في مواجهة الوكيل الأول في فترة عزله الذي كان يجهله بسبب عدم إخباره به من خصمه.

الأحكام

1 ـ مفاد نص المادة 135 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968 - و على ما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن مناط  تأجيل نظر الدعوى لتغير المحامى الموكل قاصر على حالة تنازل المحامى عن التوكيل و ذلك لتمكين الخصم من توكيل محام آخر للدفاع عن مصلحته فيها أما إذا كان قد وكل محامياً آخر بالفعل و باشر الحضور عنه فى الدعوى فلا موجب للتأجيل.

(الطعن رقم 62 لسنة 52 جلسة 1985/05/21 س 36 ع 2 ص 804 ق 165)

2 ـ لئن كان من حق الوكيل أن يقيل نفسه من الوكالة إذا ناء بعبئها أو رغب عن الإستمرار فى تنفيذها إلا أن المشرع لم يطلق الأمر لهوى الوكيل يتنحى متى أراد و فى أى وقت شاء بل أنه قيد هذا الحق بقيود ضمنها نص المادة 716 من القانون المدنى ، فإذا لم يراع الوكيل فى تنحيه الشروط و الأوضاع التى يحتمها كان ملزماً بالتعويضات قبل الموكل ، كما إذا أهمل - بالرغم من تنحية - القيام بجميع الأعمال المستعجلة التى يخشى من تركها على مصلحة الموكل [ م 717 من القانون المدنى ] و لا يعفى الوكيل من المسئولية عن عزل نفسه فى وقت غير مناسب أو اغفال السهر على مصالح الموكل المستعجلة إلا أن يثبت أن ما فرط إنما كان بسبب خارج عن إرادته أو إذا أثبت أنه لم يكن فى وسعه أن يستمر فى أداء مهمته إلا إذا عرض مصالحه لخطر شديد على سند من أنه لا يستساغ أن يفرض على الوكيل تضحية مصالحه الخاصة فى سبيل السهر على مصالح الموكل .

(الطعن رقم 447 لسنة 42 جلسة 1983/03/31 س 34 ع 1 ص 873 ق 179)

3 ـ النص فى المادة 135 من قانون المحاماه رقم 61 لسنة 1968 على أن " لا يجوز للمحامى أن يتنازل عن التوكيل فى وقت غير لائق و يجب عليه أن يخطر موكله بكتاب موصى عليه بتنازله و أن يستمر فى إجراءات الدعوى شهراً على الأقل متى كان ذلك لازماً للدفاع عن مصالح الموكل ، و يتعين على المحكمة تأجيل الدعوى المدة الكافية لتوكيل محام آخر " دل على أن المشرع - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لم يقصد من هذا النص سوى تمكين الخصم من إبداء دفاعه إذ تنازل محاميه عن التوكيل .

(الطعن رقم 453 لسنة 48 جلسة 1983/03/23 س 34 ع 1 ص 727 ق 154)
(الطعن رقم 636 لسنة 42 جلسة 1977/01/11 س 28 ع 1 ص 194 ق 46)

4 ـ وكالة المحامى تنقضي بأسباب انقضاء الوكالة العادية، وأخصها انتهاء العمل الموكل فيه، لأنه بعد انتهاء العمل لا يصبح للوكالة محل تقوم عليه ، ولا يبقى إلا حق المحامى فى الأتعاب التي لم يقبضها ، ولا وجه للتحدي بهذا العرف - القول بقيام عرف بشأن وكالة المحامى يقضي بأنها لا تنتهي إلا بإلغاء التوكيل وعلم المحامي بهذا الإلغاء - إستناداً إلى العرف الجاري الذي نصت عليه المادة 702/ 3 من التقنين المدني . ذلك أن مجال تطبيق هذا العرف هو فى تحديد التوابع الضرورية للأمر الموكل فيه ليستمر الوكيل فى الوكالة الخاصة فى مباشرتها باعتبارها متفرعة عن العمل الأصلي ومتصلة به .

(الطعن رقم 171 لسنة 41 جلسة 1975/04/02 س 26 ع 1 ص 744 ق 146)

5 ـ إذا كانت المطعون عليها قد أنهت توكيلها إلى محاميها فإنه لم تعد له صفة فى تقديم مذكرة أو الحضور عنها فى الطعن و لو إدعى بعدم جواز إنهاء الوكالة لصدورها لصالح الغير و ذلك دون رضاء منه إستناداً للمادة 715 من القانون المدنى ، متى كان المحامى لم يقدم الدليل على صحة هذا الإدعاء .

(الطعن رقم 238 لسنة 27 جلسة 1963/03/21 س 14 ع 1 ص 325 ق 52)

شرح خبراء القانون

وتنتهي الوكالة بالخصومة بالأسباب العادية لإنتهاء الوكالة بصفة عامة (مادة 714 مدني وما بعدها). على أنه حماية الخصم الموكل، تنص المادة 80 مرافعات على أنه «لا يحول اعتزال الوكيل أو عزله دون سير الإجراءات في مواجهته إلا إذا أعلن الخصم بتعيين بدله أو بعزم الموكل على مباشرة الدعوى بنفسه».

ويلاحظ أن الكلام عن وكالة بالخصومة لا يعني أن العلاقة التي تربط المحامي بالخصم هي دائماً علاقة وكالة. فالواقع أنها لا تكون كذلك إلا عندما يعهد الخصم للمحامى بالقيام بعمل قانونی مثل رفع دعوى أو استئناف أو طعن بالنقض". أما حيث تكون مهمة المحامي هي تقديم المشورة القانونية أو الدفاع عن الخصم المدعى عليه، أو تمثيل المدعى في الدعوى والمرافعة فيها، فهو لا يعتبر وكيلاً، إن هذه الأعمال لا تعتبر أعمالاً قانونياً. على أنه إذا عهد إلى المحامي بأعمال قانونية وأخرى مادية، فالراجح هو تغليب صفته كوكيل وإخضاعه الأحكام الوكالة وهذا هو الاعتبار الذي ترجحه نصوص كل من قانون المرافعات المصري وقانون المحاماة. وأياً كان العمل الذي يقوم به المحامي في الخصومة، فلا خلاف في أن المحاميد يعتبر طرفاً في الخصومة.

أتعاب المحاماه :

يستحق المحامي أتعابه ممن وكله من الخصوم عما قام به من أعمال تدخل مباشرتها في نطاق مهنته (مادة 1 / 82 ق . المحاماة) على أن المحامي يلتزم بالدفاع مجاناً عن الخصم المعسر الذي منح المعونة القضائية، وذلك بتكليف من مجلس النقابة الفرعية. كما أنه لا شيء يمنع المحامي من قبول الدفاع عن خصم مجاناً. وقد يستفاد هذا القبول ضمناً من الظروف، كما لو كان المحامي قريباً واعتاد تولى شئونه بغير مقابل. وفضلاً عن الأتعاب، للمحامي أن يسترد من موكله ما يكون قد أنفقه من مصروفات قضائية مؤيدة بالمستندات (مادة 87 ق المحاماة).

وحيث يستحق المحامي أتعابه، فإنه قد يتفق مع موكله على هذه الأتعاب وقد لا يتفق عليها، وذلك على التفصيل التالي :

(1) إذا اتفق على الأتعاب، فيجب أن يتم هذا الاتفاق كتابة، وعندئذ يكون الإتفاق ملزمة للطرفين، وللمحامى اقتضاء حقه المبين فيه بالإجراءات القضائية العادية. ووفقاً للمادة 4 / 82 محاماة لا يجوز للمحامي الاتفاق على أن تكون أتعابه حصة عينية من الحقوق العينية المتنازع عليها.

وقد كان من القواعد التقليدية التي تتفق مع شرف مهنة المحاماة - والتي كانت تنص عليها المادة 45 من ق المحاماة لسنة 1957 - أنه ليس للمحامي أن يتفق على أتعاب تقدر بنسبة معينة إلى ما هو مطلوب في الدعوى أو ما يحكم به فيها  ولكن هذا النص لم يظهر - للأسف – في قانون المحاماة الحالي سنة 1983، بل على العكس أورد القانون في الفقرة الثالثة من المادة 3/ 82 منه نصاً يقرر أنه «يجب ألا تزيد الأتعاب على عشرين في المائة ولا تقل عن خمسة في المائة من قيمة ما حققه المحامي من فائدة لموكله في العمل موضوع التقرير». وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا النص فيما قرره من ألا تقل الأتعاب المستحقة عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكله في العمل موضوع طلب التقدير  وهو ما قد يفهم منه جواز الاتفاق على الأتعاب كنسبة أقل من 5% من قيمة ما حققه المحامي من فائدة للموكل . وفي تقديرنا أن الاتفاق على أية نسبة ولو قلت عن 5% هو اتفاق باطل، ذلك أنه يتضمن مشاركة من المحامي في الحق محل النزاع مما تحرمه المادة 472 من القانون المدني التي تنص على أنه «لا يجوز للمحامين أن يتعاملوا مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها إذا كانوا هم الذين يتولون الدفاع عنها.

وقد يتفق على دفع الأتعاب كلها مقدماً. ولكن عادة يتفق على دفع جزء منها مقدماً، والآخر عند كسب الدعوى  وعندئذ يتوقف استحقاق هذا الجزء على نتيجة الدعوى. على أنه - ما لم يتفق على غير ذلك كتابة - إذا أنهى المحامى القضية صلحاً أو تحكيماً وفق ما فرضه به موكله، فإنه يستحق الأتعاب المتفق عليها، بما فيها الجزء المتأخر. ( 1 / 83 محاماة).  

ومن المقرر أنه إذا كانت الأتعاب المتفق عليها مبالغا فيها، كان للمحكمة أن تخفضها إلى القدر المعقول، وذلك إعمالاً لنص المادة 2 / 709 مدني التي تقضي بأنه عند الاتفاق على أجر للوكالة «كان هذا الأجر خاضعاً التقدير القاضي» ، وذلك ما لم يدفع الموكل الأجر المتفق عليه طوعاً بعد انتهاء الوكالة (نفس النص)  وأعمالاً لنفس المادة ، القاضي أن يزيد الأتعاب المتفق عليها إذا كان المحامي قد بذل في الدعوى جهداً إضافياً غير متوقع. وتطبيقاً لهذا، تنص المادة 2 / 82 من قانون المحاماة على أنه إذا تفرع عن الدعوى موضوع الاتفاق أعمال أخرى كان للمحامي أن يطلب أتعاباً عنها. وطلب المحامي عندئذ يكون بطلب زيادة أتعابه المتفق عليها بالطريق العادي أمام القضاء، وليس باعتبار عدم وجود اتفاق على الأتعاب.

(ب) فإذا لم يوجد اتفاق مكتوب على الأتعاب، كان لكل من المحامي والموكل طلب تقدير الأتعاب أمام «...... لجنة مكونة من رئيس محكمة ابتدائية رئيساً وأحد قضاتها عضواً ينتدبهما رئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد بها مقر النقابة الفرعية وعضوية أحد أعضاء مجلس النقابة الفرعية يصدر بتعيينه قرار من مجلس النقابة الفرعية المختصة لمدة سنة قابلة للتجديد» . (مادة 84 محاماة مستبدلة بالقانون رقم 197 لسنة 2008).

ووفقاً للمادة 86 من قانون المحاماة، يسقط حق المحامي في مطالبة موكله أو ورثته عند عدم وجود اتفاق كتابي بشأنها بمضي خمس سنوات من تاريخ انتهاء الوكالة، أي من تاريخ إتمام المحامي العمل المنوط به، أو من تاريخ وفاة الموكل حسب الأحوال .... وتتقطع هذه المدة بالمطالبة بها بكتاب موصى عليه. وهذا نص خاص سواء بالنسبة لمدة التقادم أو بالنسبة لكفاية الخطاب الموصى عليه لقطع هذا التقادم . ولهذا فإنه لا يسرى عند وجود اتفاق مكتوب على الأتعاب إذ عندئذ تكون مدة التقادم خمسة عشر عاماً، وينقطع التقادم بالمطالبة القضائية، وليس بمجرد إرسال خطاب موصي عليه.

ويعتبر تقديم الطلب أمام تلك اللجنة رفعاً لدعوى بالمعنى الصحيح تبدأ به خصومة قضائية، ويرتب آثار المطالبة القضائية وتكون ولاية اللجنة ولاية قضائية.

وتقوم اللجنة بتقدير الأتعاب مراعية أهمية الدعوى والجهد الذي بذله المحامي والنتيجة التي حققها واقدمية درجة قيد المحامي، وغير ذلك من العناصر المؤثرة في تقدير الأتعاب. ومن المقرر أن هذا التقدير يعتبر مسألة موضوعية لا يصح إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.

ويسري على الإجراءات أمام اللجنة ما ينص عليه قانون المرافعات في المادة 2 / 84 محاماة) وعلى اللجنة البدء بالوساطة بين المحامي وموكله، فإذا قبل الطرفان ما تعرضه عليهما اللجنة من تقدير، حرر بذلك محضر صلح يوقع من الطرفين . وللمحامي أن يستصدر أمراً على عريضة من قاضي الأمور الوقتية - بدون رسوم - بوضع الصيغة التنفيذية على هذا المحضر (مادة 3 / 84 محاماة). أما إذا لم يقبل الطرفان ما تعرضه اللجنة عليهما من تقدير، وجب عليها الفصل في الطلب خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ تقديمه. (مادة 2 / 84 من قانون المحاماة). على أن هذا الميعاد ميعاد تنظیمی لا يترتب على مخالفته أي بطلان.

ويقبل قرار اللجنة بالتقدير الطعن فيه بالاستئناف، وفقاً لقواعد وإجراءات الاستئناف التي ينص عليها قانون المرافعات. فيكون الميعاد أربعين يوماً من صدور الحكم . ووفقاً للمادة 85 محاماة، لا يجوز الطعن في قرار اللجنة بالتقدير إلا بالاستئناف. وهو ما يفيد عدم جواز الطعن في قرار اللجنة بالتماس إعادة النظر. على أنه إذا طعن في قرار اللجنة بالاستئناف فإن الحكم الصادر في الاستئناف يجوز الطعن فيه بالتماس إعادة النظر أو بالنقض وفقاً للقواعد العامة.

وبإنقضاء ميعاد الاستئناف دون طعن أو بصدور الحكم في الاستئناف، يصبح قرار اللجنة بالتقدير نهائياً. ويمكن عندئذ استصدار أمر بوضع الصيغة التنفيذية عليه دون رسوم. (مادة 2 / 85 محاماة).

وينص قانون المحاماة على بعض الضمانات التي تكفل للمحامي الحصول على أتعابه وما أنفقه من مصروفات هي :

1- يكون لأتعاب المحامي وما يلحق بها من مصروفات «حق إمتياز يلى مباشرة حق الخزانة العامة، وينصب هذا الحق على ما آل إلى الموكل نتيجة عمل المحامي أو الحكم في الدعوى موضوع الوكالة، وعلى ضمانات الإفراج والكفالات أياً كان نوعها» . (مادة 88 ق. المحاماة).

2- إذا وجد اتفاق كتابي على الأتعاب، فإن للمحامي الحق في حبس - الأوراق والمستندات المتعلقة بموكله، وحبس المبالغ المحصلة لحسابه بما يعادل مطلوبه من الأتعاب التي لم يتم سدادها له وفقاً للاتفاق. (مادة 90 محاماة). أما إذا لم يكن هناك اتفاق كتابي على الأتعاب، فإن للمحامي أن يستخرج صورة من الأوراق والمستندات المتعلقة بالعمل أو الدعوى والتي تصلح سنداً له في المطالبة بالأتعاب، وذلك على نفقة موكله. (مادة 90 محاماة) .

3- للمحامي الذي ليس معه اتفاق مكتوب بأتعابه، والذي صدر قرار بتقدير أتعابه أو صلح مصدق عليه من مجلس النقابة الفرعية، أن يحصل على أمر باختصاصه بعقارات من صدر ضده قرار التقدير أو عقد الصلح مادة 3/ 83 محاماة) . وهذا النص يتضمن خروجاً عن القاعدة العامة التي تقضي بأن الحق في الاختصاص لا يمنح إلا لمن بيده حكم واجب النفاذ بالدين، أو بيده اتفاق أو صلح مصدق عليه من المحكمة. (أنظر المواد 1085 و 1086 و 1087 من المجموعة المدنية). (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الأول ،  الصفحة : 711)

أثر عزل أو اعتزال الوكيل بالخصومة علي الإجراءات :

يجب تفسير المادة 80 من قانون المرافعات فيما يتعلق باعتزال الوكيل بالخصومة على هذه المادة 92 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 والتي يجري نصها بأنه لا يجوز للمحامي أن يتنازل عن التوكيل في وقت غير لائق ويجب عليه أن يخطر موكله بكتاب موصي عليه بتنازله عن التوكيل وأن يستمر في إجراءات الدعوى شهراً على الأقل متى كان ذلك لازماً للدفاع عن مصالح الموكل ويتعين على المحكمة تأجيل الدعوى المدة الكافية لتوكيل محام آخر. ومفادهما أن للوكيل الحق في أن يعتزل الوكالة بشرط ألا يتم ذلك في وقت غير لائق، وهو الوقت الذي يعتبر الوكيل فيه متعسفاً في استعمال حقه في اعتزال الوكالة كما لو قررت المحكمة حجز الدعوى الحكم وصرحت بتقديم مذكرات وكان الوكيل هو الذي أحاط بوقائع الدعوى وظروفها بحيث يتعذر تقديم المذكرة عن غير طريق هذا الوكيل، فيعتزل ويمتنع عن تقديم المذكرة، وحينئذ يجوز للموكل الرجوع عليه بالتعويض إذا ناله ضرر من جراء هذا الإخلال وفقاً للقواعد العامة المقررة في المادتين 704 و 716 من القانون المدني.

وإذ تنص المادة 92 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 على أنه «لا - يجوز للمحامي أن يتنازل عن التوكيل في وقت غير لائق، ويجب عليه أن يخطر موكله بكتاب موصي عليه بتنازله عن التوكيل وأن يستمر في إجراءات الدعوى شهراً على الأقل متى كان ذلك لازماً للدفاع عن مصالح الموكل، ويتعين على المحكمة تأجيل الدعوى المدة الكافية لتوكيل محام آخر».

والتزام المحكمة بالتأجيل منوط بألا تكون الدعوى مهيأة للفصل فيها وتكون الدعوى كذلك عندما يستوفي الخصوم أوجه دفاعهم شفاهة أو كتابة، وحينئذ لا يترتب على الانسحاب تأجيل نظر الدعوى، ولما كان الانسحاب لا يفقد الوكيل صفته، فإذا ما قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم، ثم صدر الحكم، اعتبر حضورياً بالنسبة للموكل الذي انسحب محاميه، مما يتعين معه رفع الطعن فيه من تاريخ صدوره وليس من تاريخ إعلانه. ومتى ترتب على ذلك ضرر للموكل كان له الرجوع بالتعويض على وكيله لانسحابه في وقت غير مناسب ولعدم تتبعه الحكم لإخطار موكله به.

وإذا كان قد بدأ في اتخاذ إجراء معين تعين عليه تكملته فان اعتزل الوكالة قبل ذلك كان اعتزاله في وقت غير لائق. " وإذا رغب الوكيل في اعتزال الوكالة في ظروفها العادية، تعين عليه أن يخطر موكله بكتاب الموصي عليه بتنازله عن التوكيل وأن يستمر في إجراءات الدعوى شهراً على الأقل متى كان ذلك لازماً للدفاع عن مصالح الموكل، وليس الكتاب المسجل هو الطريق الوحيد للأخطار، ومن ثم يجوز أن يتم بخطاب عادي أو شفاهة أو بإنذار على يد محضر ويتحمل الوكيل عبء إثبات إخطاره للموكل، فإذا كان الموكل حاضراً بالجلسة جاز للوكيل اعتزال الوكالة في مواجهة الموكل وإثبات ذلك بمحضرها، وفي هذه الحالة يتعين علي المحكمة التأجيل لتوكيل محام آخر ما لم تكن الدعوى مهيأة للحكم وحينئذ لا يحول اعتزال الوكيل دون حجز المحكمة الدعوى للحكم الأن مناط التأجيل هو تمكين الموكل من إعداد دفاعه، ويسري ذلك أيضاً إذا حضر الموكل أمام المحكمة وقرر باعتزال وكيله للوكالة.

وللموكل عزل وکيله بإلغاء التوكيل الصادر له وحينئذ يتعين علي الموكل إخطار الوكيل بذلك، ومن تاريخ هذا الإخطار يصبح الوكيل أجنبياً عن الموكل فلا يحاج الأخير بالأعمال التي يباشرها الوكيل ما لم تتوافر شروط الوكالة الظاهرة.

وإذا كان الوكيل يباشر الدعوى، فإن اعتزاله للوكالة بالخصومة أو عزله منها لا يحول دون سير الإجراءات في مواجهته إلا إذا أعلن الخصم بذلك عن طريق الوكيل أو الموكل، ويتضمن الإعلان فضلاً عن ذلك اسم المحامي الذي تم توكيله بدلا من الوكيل السابق إذا كان الموكل قد وكل غيره فان لم يفعل وجب أن يتضمن أن الموكل يباشر الدعوى بنفسه، ومن تاريخ هذا الإعلان يحتج علي الخصم بكل ما تضمنته ورقة الإعلان، فإن وجه الخصم إعلاناً الموطن الوكيل السابق بعد هذا التاريخ كان الإعلان باطلاً، أما أن وجهه قبله كان صحيحاً ولو كان الوكيل السابق قد اعتزل الوكالة أو عزل منها وإن امتنع عن تسلمه كان علي المحضر إتمام إجراءات الإعلان في مواجهته وفقاً لحالات امتناع المخاطب معه عن تسلم الإعلان. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الثاني / الصفحة 421)

كان يجهله بسبب عدم إخباره به من خصمه خصوصاً إذا لوحظ أن في تعيين الوكيل بالخصومة نوع من التيسير على الخصم الأخر إذ يصبح موطن الوكيل بمجرد صدور التوكيل معتبراً في إعلان الأوراق اللازمة لسير الدعوى في درجة التقاضي التي وكل فيها الوسيط في المرافعات الدكتور رمزي سیف الطبعة الثامنة ص 537 ).

وقد نصت المادة 92 من قانون المحاماة 17 سنة 1983 علي أنه لا يجوز المحامي أن يتنازل عن التوكيل في وقت غير لائق ويجب عليه أن يخطر موكله بكتاب موصي عليه بتنازله وأن يستمر في إجراءات الدعوى شهراً على الأقل متى كان لازماً للدفاع عن مصالح الموكل ويتعين على المحكمة تأجيل الدعوى المدة الكافية لتوكيل محام آخر. فإذا خالف المحامي ذلك بأن تنازل عن التوكيل في وقت غير لائق أو لم يخطر موكله بهذا التنازل فإنه يكون مسئولاً قبل موكله عما يصيبه من ضرر فضلاً عن مساءلته تأديبياً غير أنه إذا قرر أمام المحكمة أنه تنازل عن التوكيل ورفض أن يستمر في إجراءات الدعوى المدة التي نصت عليها المادة تعين عليها تأجيل الدعوى المدة التي تراها كافية لتوكيل محام آخر وللمحكمة أن تكلف قلم الكتاب بإخطار الموكل بتنازل المحامي عن التوكيل غير أنه لا يجوز التمسك بنص المادة 92 إذا كان الموكل قد استكمل دفاعه في الدعوى أو ومل محامياً وباشر الدعوى.

وإذا انقضت الوكالة لأي سبب من الأسباب كاعتزال الوكيل أو وفاته دون أن يثبت ذلك أمام المحكمة استمرت الإجراءات صحيحة بالنسبة للموكل وتخلف الوكيل بعد انقضاء الوكالة يترتب عليه أن تعمل المحكمة الجزاء المترتب على غياب الأصيل وذلك بأن تأمر بشطب الدعوى وفقاً للمادة 82 مرافعات أو تفصل في الدعوى إذ كانت صالحة للحكم فيها غير أن ميعاد الطعن في هذا الحكم بالنسبة للموكل لا يبدأ إلا من تاريخ إعلانه به.

ومما هو جدير بالذكر أن الوكيل مقيد في إنهائه الوكالة بالقيود التي أوردتها المادة 716 من القانون المدني التي تفرض عليه أن يكون التنازل في وقت مناسب والسهر على مصالح موكله المستعجلة ولا يعفيه من المسئولية إلا أن يثبت أنه ما فرط وأن تنازله كان بسبب خارج عن إرادته أو أنه لم يكن في وسعة الاستمرار في مهمته إلا إذا عرض مصالحه لخطر شديد . ( مرافعات كمال عبد العزيز الطبعة الثالثة الجزء الأول ص 544). (التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء الثاني ،  الصفحة : 936)

مدى تأثير عزل أو اعتزال الوكيل بالخصومة على الإجراءات: وفقاً للفقرة الأولى من المادة 80 - محل التعليق - لا أثر لاعتزال الوكيل أو عزله دون سير الإجراءات في مواجهته، اللهم إلا إذا أعلن الخصم بتعيين بدله أو بعزم الموكل على مباشرة الدعوى بنفسه، والهدف من هذه الفقرة هو إقرار الإجراءات التي اتخذها الخصم في مواجهة الوكيل الأول في فترة عزله الذي كان يجهله بسبب عدم إخباره به من خصمه خصوصاً إذا لوحظ في تعيين الوكيل بالخصومة نوع من التيسير على الخصم الآخر، إذ يصبح موطن . الوكيل بمجرد صدور التوكيل معتبراً في إعلان الأوراق اللازمة لسير الدعوى في درجة التقاضي التي وكل فيها (رمزي سیف - الطبعة الثامنة ص 537 والمذكرة الإيضاحية للقانون السابق المشار إليها آنفاً).

وتنص المادة 92 من قانون المحاماة 17 لسنة 1983 على أنه ولايجوز للمحامي أن يتنازل عن التوكيل في وقت غير لائق ويجب عليه أن يخطر موكله بكتاب موصي عليه بتنازله وأن يستمر في إجراءات الدعوى شهراً على الأقل متى كان لازماً للدفاع عن مصالح الموكل، ويتعين على المحكمة تأجيل الدعوى المدة الكافية لتوكيل محام آخر فإذا خالف المحامي ذلك بأن تنازل عن التوكيل في وقت لائق أو لم يخطر موكله بهذا التنازل فإنه يكون مسئولاً قبل موكله عما يصيبه من ضرر، فضلاً عن مساءلته تأديبياً غير أنه إذا قرر أمام المحكمة أنه تنازل عن التوكيل ورفض أن يستمر في إجراءات الدعوى المدة التي نصت عليها المادة تعين تأجيل الدعوى المدة التي تراها كافية لتوكيل محام آخر وللمحكمة أن تكلف قلم الكتاب بإخطار الموكل بتنازل المحامي عن التوكيل غير أنه لا يجوز التمسك بنص المادة 92 محاماة، أو المادة 80/2  مرافعات إذا كان الموكل قد استكمل دفاعه في الدعوى فلا محل للتمسك بالمادتين إذا تنازل المحامي عن التوكيل، وكان قد قدم دفاعه. (نقض 6/12/1975  في الطعن 565 لسنة 39) أن كان الموكل قد وكل محامياً وباشر الدعوى.

نقض 1/1/1977  - في الطعن 636 لسنة 42 قضائية.

ويلاحظ أن الوكيل مقيد في إنهائه الوكالة بالقيود التي تضمنتها المادة 716 من التقنين المدني التي تفرض عليه أن يكون التنازل في وقت مناسب والسهر على مصالح موكله المستعجلة ولا يعفيه من المسئولية إلا أن يثبت أنه ما فرط إنما كان بسبب خارج عن إرادته، أو أنه لم يكن في وسعه الاستمرار في مهمته إلا إذا عرض مصالحه لخطر شديد. ويرجع في تقدير مدى إهمال الوكيل في التنازل عن الوكالة أو في تنفيذ الوكالة التقدير محكمة الموضوع حتي كان استخلاصها سائغاً. (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء / الثاني، الصفحة : 593)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 102

انْتِهَاءُ الْوَكَالَةِ:

تَنْتَهِي الْوَكَالَةُ بِأُمُورٍ مِنْهَا:

أَوَّلاً: الْعَزْلُ:

لَمَّا كَانَتِ الْوَكَالَةُ مِنَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لأِيٍّ مِنَ الطَّرَفَيْن إِنْهَاؤُهَا، فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ مِنْهَا وَيَنْهَاهُ عَنِ التَّصَرُّفِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، كَمَا أَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مِنْهَا أَيْضًا، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ .

غَيْرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ مِنَ الْمُوَكِّلِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ:

الشَّرْطُ الأْوَّلُ: عِلْمُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْعَزْلَ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ، فَلاَ يَلْزَمُ حُكْمُهُ إِلاَّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَإِنَّهُ لَوِ انْعَزَلَ قَبْلَ عِلْمِهِ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، لأِنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَاتٍ فَتَقَعُ بَاطِلَةً. وَبِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ مُوَكِّلِهِ، وَلاَ يَثْبُتُ حُكْمُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْمَأْمُورِ قَبْلَ عِلْمِهِ كَالْفَسْخِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ، فَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَكِيلُ بَعْدَ الْعَزْلِ فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ، لأِنَّ الْعَزْلَ رَفْعُ عَقْدٍ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى رِضَا صَاحِبِهِ، فَلاَ يَفْتَقِرُ عَلَى عِلْمِهِ كَالطَّلاَقِ .

وَيَتِمُّ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- بِأُمُورٍ مِنْهَا:

أ- أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا الْعَزْلَ.

ب- إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ غَائِبًا فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُوَكِّلُ كِتَابَ الْعَزْلِ، فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَعَلِمَ بِمَا فِيهِ. لأِنَّ الْكِتَابَ مِنَ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنَ الْحَاضِرِ.

جـ- لَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمُوَكِّلُ رَسُولاً فَبَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ، وَقَالَ لَهُ: فُلاَنٌ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ وَيَقُولُ: إِنِّي عَزَلْتُكَ عَنِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ، كَائِنًا مَا كَانَ الرَّسُولُ، عَدْلاً كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. لأِنَّ الرَّسُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسَلِ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ عَنْهُ، فَتَصِحُّ سِفَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ عِبَارَتُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ.

د- لَوْ أَخْبَرَ الْوَكِيلَ بِالْعَزْلِ رَجُلاَنِ عَدْلاَنِ كَانَا أَوْ غَيْرُ عَدْلَيْنِ، أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ. سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إِذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ، لأِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلاَتِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلاً فَخَبَرُ الْعَدْلَيْنِ أَوِ الْعَدْلِ أَوْلَى.

وَإِنْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ غَيْرُ عَدْلٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ بِاتِّفَاقِهِمْ أَيْضًا.

أَمَّا إِنْ كَذَّبَهُ فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ حَتَّى وَإِنْ ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ. لأِنَّ الإِْخْبَارَ عَنِ الْعَزْلِ لَهُ شَبَهُ الشَّهَادَةِ، لأِنَّ فِيهِ الْتِزَامَ حُكْمِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَهُوَ الْعَزْلُ، وَهُوَ لُزُومُ الاِمْتِنَاعِ عَنِ التَّصَرُّفِ وَلُزُومُ الْعُهْدَةِ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بَعْدَ الْعَزْلِ، فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ أَحَدِ شُرُوطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ أَوِ الْعَدَدُ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الإِخْبَارَ عَنِ الْعَزْلِ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلاَتِ فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَلاَ الْعَدَالَةُ كَمَا فِي الإْخْبَارِ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلاَتِ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ قُلْنَا لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ خَبَرُ عَزْلِهِ فَالْمُعْتَبَرُ خَبَرُ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتِهِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْفَاسِقِ . الشَّرْطُ الثَّانِي: عَدَمُ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْوَكَالَةِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ عَزْلِ الْوَكِيلِ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ.

فَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقُّ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْعَزْلُ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ، لأِنَّ فِي الْعَزْلِ إِبْطَالَ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلاَ سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَهُوَ كَمَنْ رَهَنَ مَالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ أَوِ الْعَدْلَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ عِنْدَ حِلِّ الأْجَلِ، فَعَزْلُ الرَّاهِنِ الْمُسَلَّطِ عَلَى الْبَيْعِ لاَ يَصِحُّ بِهِ عَزْلُهُ.

وَكَذَلِكَ إِذَا وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلاً بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعِي فَعَزَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُدَّعِي لاَ يَنْعَزِلُ.

وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَنْ وَكَّلَ رَجُلاً بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ إِنْ غَابَ، ثُمَّ عَزَلَهُ الزَّوْجُ مِنْ غَيْرِ حَضْرَةِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ غَابَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَصِحُّ عَزْلُهُ، لأِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ حَقُّ الْمَرْأَةِ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ عَزْلُهُ لأِنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الطَّلاَقِ وَلاَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَكَالاَتِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ: عَزَلْتُ الْوَكِيلَ أَوْ رَفَعْتُ الْوَكَالَةَ، أَوْ فَسَخْتُهَا، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ أَخْرَجْتُهُ عَنْهَا، فَيَنْعَزِلُ، سَوَاءٌ ابْتَدَأَ تَوْكِيلَهُ، أَوْ وَكَّلَهُ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ، بِأَنْ سَأَلَتْ زَوْجَهَا أَنْ يُوَكِّلَ فِي الطَّلاَقِ أَوِ الْخُلْعِ، أَوْ سَأَلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يُوَكِّلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ، أَوْ سَأَلَهُ خَصْمُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْخُصُومَةِ .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ إِذَا قَاعَدَ الْوَكِيلُ الْخَصْمَ ثَلاَثًا، سَوَاءٌ كَانَ التَّوْكِيلُ لِعُذْرٍ أَمْ لاَ .

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَلاَّ تَقَعَ الْوَكَالَةُ عَلَى وَجْهِ الإْجَارَةِ :

اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِصِحَّةِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ أَنْ لاَ تَكُونَ الْوَكَالَةُ قَدْ وَقَعَتْ عَلَى سَبِيلِ الإْجَارَةِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى سَبِيلِ الإْجَارَةِ  فَهِيَ لاَزِمَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. أَمَّا إِذَا وَقَعَتِ الْوَكَالَةُ عَلَى سَبِيلِ الْجَعَالَةِ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي لُزُومِ عَقْدِ الْوَكَالَةِ وَعَدَمِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (فَقْرَةِ 30).

أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْوَكَالَةُ عَلَى سَبِيلِ الإْجَارَةِ  أَوِ الْجَعَالَةِ فَيَرَى بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا لاَزِمَةٌ مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ فَقَطْ، خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَبَق تَفْصِيلُهُ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ صِفَةِ عَقْدِ الْوَكَالَةِ .

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَلاَّ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْعَزْلِ مَفْسَدَةٌ:

قَالَ الشَّرَوَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ عَلِمَ الْمُوَكِّلُ أَنَّهُ تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَزْلِ مَفْسَدَةٌ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إِذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ ظَالِمٌ، أَوْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ مَاءٍ لِطُهْرِهِ، أَوْ ثَوْبٍ لِلسَّتْرِ بِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، أَوْ شِرَاءِ ثَوْبٍ لِدَفْعِ الْحَرِّ أَوِ الْبَرْدِ اللَّذَيْنِ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِمَا عِنْدَ عَدَمِ السَّتْرِ مَحْذُورٌ، تَيَمَّمَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إِذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ لاَ يَتَيَسَّرُ لَهُ ذَلِكَ، فَيَحْرُمُ الْعَزْلُ وَلاَ يَنْفُذُ .

عِلْمُ الْمُوَكِّلِ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسَهُ:

لَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عِلْمَ الْمُوَكِّلِ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسَهُ مِنَ الْوَكَالَةِ، لأِنَّ فَسْخَ عَقْدِ الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يَحْتَاجُ لِلرِّضَا فِيهِ، وَمَا لاَ يَحْتَاجُ لِلرِّضَا فِيهِ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعِلْمِ فِيهِ كَذَلِكَ.

وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، حَيْثُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ بِالْعَزْلِ .

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ اسْتَوْلَى عَلَى الْمَالِ جَائِرٌ حَرُمَ عَلَيْهِ الْعَزْلُ عَلَى الأْوْجَهِ كَالْمُوصِي، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ .

ثَانِيًا: الْوَفَاةُ:

تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَذَلِكَ لأِنَّ الْمَوْتَ مُبْطِلٌ لأِهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوِ الْوَكِيلُ بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ بِالْمَوْتِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ.

وَلأِنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنِ الْمُوَكِّلِ فِي مَالِهِ، وَقَدِ انْتَقَلَ هَذَا الْمَالُ بِالْوَفَاةِ إِلَى وَرَثَتِهِ، فَلاَ يَلْزَمُهُمْ مَا بَاعَ أَوِ اشْتَرَى .

عِلْمُ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى تَبْطُلَ الْوَكَالَةُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَصِحَّ الْعَزْلُ، لأِنَّهُ لَوِ انْعَزَلَ قَبْلَ عِلْمِهِ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، لأِنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَاتٍ فَتَقَعُ بَاطِلَةً. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَتَى تَصَرَّفَ قَبْلَ عِلْمِهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُتَعَاقِدُ مَعَ الْوَكِيلِ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهَا الْمُوَكِّلُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَتَعَاقَدُ مَعَ وَكِيلٍ بِأَنْ أَعْلَمَهُ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ إِلاَّ إِذَا عَلِمَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ لِصِحَّةِ الْعَزْلِ، وَلَكِنَّ الأْوَّلَ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُتَعَاقِدُ مَوْجُودًا بِالْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمُوَكِّلُ، أَوْ كَانَ مَوْجُودًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ إِلاَّ إِذَا عَلِمَ بِوَفَاةِ مُوَكِّلِهِ .

 

ثَالِثًا: الْجُنُونُ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ طُرُوءِ الْجُنُونِ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ عَلَى الْوَكَالَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبَقِ، سَوَاءٌ طَرَأَ عَلَى الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ.

وَإِذَا جُنَّ الْوَكِيلُ أَوِ الْمُوَكِّلُ جُنُونًا مُطْبَقًا ثُمَّ أَفَاقَ لاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ.

وَحَدُّ الْجُنُونِ الْمُطْبَقِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ:

فَحَدَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِمَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ وَبِهِ يُفْتِي، وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِسُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِهِ، فَقُدِّرَ بِهِ احْتِيَاطًا، وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّهْرَ أَدْنَى مَا يَسْقُطُ بِهِ عِبَادَةُ الصَّوْمِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ أَوْلَى، أَمَّا وَجْهُ حَدِّهِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلِسُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِهِ فَقَدَّرَ بِهِ احْتِيَاطًا كَمَا ذَكَرْنَا.

وَحَدَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِمَا يَسْتَوْعِبُ السَّنَةَ، لأِنَّ الْمُسْتَوْعِبَ لِلسَّنَةِ هُوَ الْمُسْقِطُ لِلْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ أَوْلَى.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُمْتَدِّ وَغَيْرِهِ.

قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِخُرُوجِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ وَإِنْ زَالَ عَنْ قُرْبٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجِنُونِهِ أَوْ جِنُونِ مُوَكِّلِهِ إِلاَّ أَنْ يَطُولَ جُنُونُ مُوَكِّلِهِ جِدًّا فَيَنْظُرَ لَهُ الْحَاكِمُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ: لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجِنُونٍ لاَ يَمْتَدُّ بِحَيْثُ تَتَعَطَّلُ الْمُهِمَّاتُ وَيَخْرُجُ إِلَى نَصْبِ قَوَّامٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَرَدَ بِلَفْظِ قِيلَ: إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ .

رَابِعًا: الإْغْمَاء:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ الإِْغْمَاءِ عَلَى الْوَكَالَةِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالإْغْمَاءِ، لأِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ الإْنْسَانُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ إِلَى بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِإِغْمَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ، إِلْحَاقًا لَهُ بِالْجُنُونِ، لأِنَّ الإْغْمَاءَ يَجْعَلُ الإْنْسَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْقِيَامِ بِالتَّصَرُّفَاتِ، فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَكَالَةُ لِذَلِكَ .

خَامِسًا: الْحَجْرُ:

الْحَجْرُ مِنْ أَسْبَابِ بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ مَنَاهِجُ مُخْتَلِفَةٌ فِي بَيَانِ آثَارِ الْحَجْرِ عَلَى الْوَكَالَةِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ.

وَقَالُوا: إِنَّ مَنْ وَكَّلَ إِنْسَانًا فَحَجَرَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ، لأِنَّ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ أَمْرِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَيَبْطُلُ الأْمْرُ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ.

وَخَصَّصَ الْحَنَفِيَّةُ بُطْلاَنَ الْوَكَالَةِ بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُوَكِّلِ إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلاً فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَ وَكِيلاً فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَاقْتِضَائِهِ وَقَبْضِ وَدِيعَتِهِ فَلاَ يَنْعَزِلُ بِالْحَجْرِ.

وَقَالُوا: تَبْطُلُ وَكَالَةُ الوَكِيلِ بِالْحَجْرِ، عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْحَجْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ  

وصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْحَجْرِ لِسَفَهٍ، سَوَاءٌ طَرَأَ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ، لأِنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَقْلِ وَعَدَمِ الْحَجْرِ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لاِنْتِفَاءِ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ.

وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِبُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ حَيْثُ كَانَتْ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي اعْتُبِرَ لَهَا الرُّشْدُ، بِأَنْ كَانَتْ فِي شَيْءٍ لاَ يَتَصَرَّفُ فِي مِثْلِهِ السَّفِيهُ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ يَتَصَرَّفُ فِي مِثْلِهِ السَّفِيهُ بِدُونِ إِذْنٍ، أَوْ كَانَتِ الْوَكَالَةُ فِي طَلاَقٍ أَوْ رَجْعَةٍ أَوْ فِي تَمَلُّكٍ مُبَاحٍ كَاسْتِقَاءِ مَاءٍ أَوِ احْتِطَابٍ، وَالَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَلاَ تَنْفَسِخُ .

وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفَلَسِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ كَالتَّصَرُّفِ فِي عَيْنِ مَالِهِ لاِنْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي تَصَرُّفٍ فِي الذِّمَّةِ .

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ حَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ لِفَلَسٍ فَالْوَكَالَةُ بِحَالِهَا، لأِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ أَهْلاً لِلتَّصَرُّفِ.

وَإِنْ حَجَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَكَانَتِ الْوَكَالَةُ بِأَعْيَانِ مَالِهِ بَطَلَتْ لاِنْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِي أَعْيَانِ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْخُصُومَةِ أَوِ الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ أَوِ الطَّلاَقِ أَوِ الْخُلْعِ أَوِ الْقِصَاصِ فَالْوَكَالَةُ بِحَالِهَا، لأِنَّ الْمُوَكِّلَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ، فَلاَ تَنْقَطِعُ الاِسْتِدَامَةُ .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْحَجْرِ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ لاَ يَنْفُذُ مِنْهُمَا. وَاعْتَبَرُوا الْحَجْرَ فِي كِلاَ الْحَالَيْنِ فِي مَعْنَى الْجُنُونِ .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفَلَسِ الْمُوَكِّلِ الأْخَصِّ، لاِنْتِقَالِ الْمَالِ لِلْغُرَمَاءِ.  

وَالْمُرَادُ بِالْفَلَسِ الأْخَصِّ: هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمُ بِخَلْعِ مَا بِيَدِ الْمُفْلِسِ لِغُرَمَائِهِ بِشُرُوطِهِ، بِأَنْ يَطْلُبَ الْغُرَمَاءُ تَفْلِيسَ الْمَدِينِ، وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ حَالًّا، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الدَّيْنُ الْحَالُّ يَزِيدُ عَلَى مَا بِيَدِ الْمَدِينِ مِنَ الْمَالِ.

وَالْفَلَسُ الأْخَصُّ يَخْتَلِفُ عَنِ الْفَلَسِ الأْعَمِّ الَّذِي هُوَ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ وَلَوْ مُؤَجَّلاً- بِمَالِهِ مِنْ تَبَرُّعِهِ بِعِتْقٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ حِمَالَةٍ .

وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِفَلَسِ الْمُوَكِّلِ الأْعَمِّ .

 

سَادِسًا: الرِّدَّةُ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا حُكِمَ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، سَوَاءٌ كَانَ مُوَكِّلاً أَوْ وَكِيلاً، بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ، ثُمَّ لاَ تَعُودُ بِعَوْدِهِ مُسْلِمًا عَلَى الْمَذْهَبِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: أَنَّ الْوَكِيلَ إِنْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَالْقَضَاءِ بِهِ، تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلاَ تَعُودُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.

وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا بَعْدَ اللُّحُوقِ وَالْقَضَاءِ بِه لاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايِةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَعُودُ كَمَا فِي الْوَكِيلِ.

أَمَّا تَصَرُّفَاتُ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْهَا الْوَكَالَةُ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ.

وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ نَافِذَةٌ، فَلاَ تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ، أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِرِدَّتِهِ أَيَّامَ الاِسْتِتَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الاِسْتِتَابَةِ فَإِنْ قُتِلَ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ أُخِّرَ لِمَانِعٍ كَالْحَمْلِ فَقَدْ تَرَدَّدَ الْعُلَمَاءُ فِي عَزْلِهِ، وَكَذَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِرِدَّةِ مُوَكِّلِهِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الاِسْتِتَابَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يُقْتَلْ لِمَانِعٍ .

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلاَفِ الْجَارِي فِي زَوَالِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ الْمُرْتَدِّ عَنْ مِلْكِهِ .

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي زَوَالِ مِلْكِ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ أَقْوَالاً:

أَحَدُهَا: يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ لِزَوَالِ عِصْمَةِ الإْسْلاَمِ ، وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. وَعَلَيْهِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ.

وَالثَّانِي: لاَ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ كَالزَّانِي الْمُحْصِنِ فَلا يَنْعَزِلُ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ أَظْهَرُ الأْقْوَالِ : أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُهُ بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، لأِنَّ بُطْلاَنَ أَعْمَالِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَوْتِهِ مُرْتَدًّا فَكَذَا مِلْكُهُ، فَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ مَوْقُوفًا.

وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَطَعَ بِاسْتِمْرَارِ مِلْكِهِ، وَجَعَلَ الْخِلاَفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ بِالرِّدَّةِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ؟ .

وَقَالُوا: رِدَّةُ الْوَكِيلِ لاَ تُوجِبُ انْعِزَالَهُ، وَعَلَيْهِ فَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ عَنِ الْمُوَكِّلِ .

وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ، أَوْ رِدَّةِ الْمُوَكِّلِ. وَلَهُمْ رَأْيَانِ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: لاَ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَا بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَهُمْ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ رِدَّتِهِ.

وَالرَّأْيُ الثَّانِي: تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَا بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَهَلْ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؟ وَجْهَانِ فِي الْمَذْهَبِ أَصْلُهُمَا هَلْ يَنْقَطِعُ مِلْكُهُ وَتَصَرُّفُهُ أَوْ يَكُونُ مَوْقُوفًا.

كَمَا أَطْلَقَ الْحَنَابِلَةُ الْخِلاَفَ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ إِذَا وَكَّلَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ مَعًا.

قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ: إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْطَى حُكْمَهُ لَوِ انْفَرَدَ بِالاِرْتِدَادِ .

(ر: رِدَّة ف43).

 

سَابِعًا: الْفِسْقُ:

183 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِفِسْقِ الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ فِيمَا يُنَافِيِه الْفِسْقُ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ. فَالْوَكِيلُ بِالإْيجَابِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ إِذَا فَسَقَ انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ، أَوْ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيِّةِ التَّصَرُّفِ. أَمَّا إِذَا كَانَ وَكِيلاً فِي الْقَبُولِ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ. لأِنَّهُ لاَ يُنَافِي جَوَازَ قَبْولِهِ. وَفِي عَزْلِهِ بِفِسْقِ نَفْسِهِ وَجْهَانِ عِنْدَهُمْ.

وَإِنْ كَانَ وَكِيلاً فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الأْمَانَةُ، كَوَكِيلِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَوَلِيِّ الْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ هَذَا، انْعَزَلَ بِفِسْقِ نَفْسِهِ وَفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، لِخُرُوجِهِمَا بِذَلِكَ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لاَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلاً لِوَكِيلِ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ نَفْسِهِ انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ. لأِنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ تَوْكُيلُ فَاسِقٍ، وَلاَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ لأِنَّ مُوَكِّلَهُ وَكِيلٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَلاَ يُنَافِيِه الْفِسْقُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفِسْقِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلاَمَةُ مِنَ الْفِسْقِ .

ثَامِنًا: السُكْرُ:

نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَكِرَ الْوَكِيلُ أَوِ الْمُوَكِّلُ بِلاَ تَعَدٍّ (أَيْ بِمُبَاحٍ) انْعَزَلَ الْوَكِيلُ.

أَمَّا إِذَا سَكِرَ أَحَدُهُمَا بِتَعَدٍّ (أَيْ بِمُحَرَّمٍ) فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ لِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ، لأِنَّ الْمُتَعَدِّيَ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّاحِي.  

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ الَّذِي يُفَسَّقُ بِهِ فِي غَيْرِ مَا يُنَافِيهِ، لأِنَّهُ لاَ يُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ.

وَأَمَّا مَا يُنَافِي الْفِسْقَ كَالإْيجَابِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ فِيهِ بِالسُّكْرِ .

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ، سَوَاءٌ طَرَأَ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ مِنْ مُحَرَّمٍ.

وَقَالُوا: الْوَكِيلُ بِالطَّلاَقِ صَاحِيًا إِذَا سَكِرَ فَطَلَّقَ لَمْ يَقَعْ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَوْ سَكِرَ فَبَاعَ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى مُوَكِّلِهِ .

تَاسِعًا: خُرُوجُ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ:

تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ إِذَا تَصَرَّفَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ فِي مَحَلِّ الْوَكَالَةِ تَصَرُّفًا يَعْجَزُ الْوَكِيلُ عَنِ التَّصَرُّفِ مَعَهُ.

فَلَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ فِي أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً مُعَيَّنَةً، وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا الْوَكِيلُ قَامَ الْمُوَكِّلُ بِبَيْعِهَا بِنَفْسِهِ، أَوِ اسْتُحِقَّتْ لِشَخْصٍ آخَرَ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ، لأِنَّ الْوَكِيلَ عَجَزَ عَنِ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فِي مَحَلِّ الْوَكَالَةِ، لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَيَنْتَهِي حُكْمُ الْوَكَالَةِ. وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ .

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا الْمُوَكِّلُ لِشَخْصٍ، وَبَاعَهَا الْوَكِيلُ لآِخَرَ، فَالأْوَّلُ مِنَ الْبَيْعَتَيْنِ هُوَ اللاَّزِمُ، وَالثَّانِي بَيْعٌ فُضُولِيٌّ لاِنْتِقَالِ السِّلْعَةِ لِلْمُشْتَرِي الأْوَّلِ بِالْبَيْعِ فِي كُلِّ حَالٍ، إِلاَّ حَالَ تَلَبُّسِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِقَبْضِ السِّلْعَةِ مِنَ الْبَائِعِ الثَّانِي، فَيَمْضِي الْبَيْعُ الثَّانِي وَيُرَدُّ الْبَيْعُ الأْوَّلُ، إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْبَائِعُ الثَّانِي وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ الْبَيْعَ الأْوَّلَ، وَإِلاَّ فَهِيَ لِلأْوَّلِ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ .

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَبْضِ شَيْءٍ وَكَّلَ الْوَكِيلَ فِي قَبْضِهِ أَوِ الْخُصُومَةَ فِيهِ لاِعْتِرَافِ الْوَكِيلِ بِذَهَابِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ .

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَوْدَةِ الْوَكَالَةِ إِذَا عَادَ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ إِلَى الْمُوَكِّلِ.

فَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَعُودُ، لأِنَّ الْعَائِدَ بِالْفَسْخِ عَيْنُ الْمِلْكِ الأْوَّلِ فَيَعُودُ بِحُقُوقِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ: لاَ تَعُودُ، لأِنَّ تَصَرُّفَ الْمُوَكِّلِ نَفْسِهِ يَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ أَعْجَزَهُ عَنِ التَّصَرُّفِ فِيمَا وَكَّلَهُ بِهِ، وَالْوَكِيلُ بَعْد عَزْلِهِ لاَ يَعُودُ وَكِيلاً إِلاَّ بِتَجْدِيدِ الْوَكَالَةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْمُوَكِّلَ لَهُ وَعَادَ إِلَيْهِ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ بِمَا هُوَ فَسْخٌ عَادَتِ الْوَكَالَةُ، أَمَّا إِنْ رَدَّ إِلَيْهِ لاَ يَكُونُ فَسْخًا، فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَعُودُ، فَلَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ فِي هِبَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الْهِبَةُ .

عَاشِرًا: تَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ عَلَى آرَاءٍ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى عَدَمِ بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَكِيلَ إِذَا تَصَرَّفَ فَقَدْ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَدَّ.

كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ يَتَضَمَّنُ أَمَانَةً وَتَصَرُّفًا، فَإِذَا تَعَدَّى الْوَكِيلُ فِيهِ بَطَلَتِ الأْمَانَةُ، وَبَقِيَ التَّصَرُّفُ. كَالرَّهْنِ يَتَضَمَّنُ أَمَانَةً وَوَثِيقَةً، فَإِذَا تَعَدَّى فِيهِ بَطَلَتِ الأْمَانَةُ وَبَقِيَتِ الْوَثِيقَةُ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَرَدَ بِلَفْظِ قِيلَ. إِلَى بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِالتَّعَدِّي مِنَ الْوَكِيلِ، لأِنَّهَا عَقْدُ أَمَانَةٍ فَتَبْطُلُ بِالتَّعَدِّي كَالْوَدِيعَةِ .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ هَذَا الْخِلاَفَ يَجْرِي فِيمَا إِذَا كَانَ التَّعَدِّي بِالْفِعْلِ، بِأَنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا.

أَمَّا إِذَا كَانَ التَّعَدِّي بِالْقَوْلِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ- وَلَوْ بِسَلَمٍ - فَلاَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ جَزْمًا، لأِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَعَدَّ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ.

وَقَالَ الْمِرْدَاوِيُّ بَعْدَ سَرْدِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ: مُلَخَّصُهُ: إِنْ أَتْلَفَ الْوَكِيلُ بِتَعَدِّيهِ عَيْنَ مَا وُكِّلَ فِيهِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُ مَا تَعَدَّى فِيهِ بَاقِيَةً لَمْ تَبْطُلْ .

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: تَفْسُدُ الْوَكَالَةُ فِي الأْصَحِّ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا جَاءَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَكَالَةَ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ اسْتِئْمَانٍ، فَإِذَا زَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَزُلِ الآْخَرُ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: ظَاهِرُ كَلاَمِ كَثِيرٍ مِنَ الأْصْحَابِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ مِنَ الْوَكِيلِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْوَكَالَةِ لاَ بُطْلاَنَهَا، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَصِيرُ مُتَصَرِّفًا بِمُجَرَّدِ الإْذْنِ .

الْحَادِي عَشَرَ: إِنْكَارُ الْوَكَالَةِ:

يَرَى الْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِجُحُودِ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ، لأِنَّ الْجُحُودَ مِنْهُمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الإْذْنِ السَّابِقِ، كَمَا لَوْ أَنْكَرَ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ ثُمَّ قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلاَقًا.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ عَلَيْهِ الْفَتْوَى- وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ- إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُحُودِ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ إِنْكَارَ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ أَوْ لِغَرَضٍ فِي الإِْخْفَاءِ لَيْسَ بِعَزْلٍ، وَمَثَّلُوا لَهُ بِخَوْفِ أَخْذِ ظَالِمٍ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا إِنْكَارَ الْوَكَالَةِ وَلا غَرَضَ لَهُمَا انْعَزَلَ بِذَلِكَ، لأِنَّ الْجَحْدَ حِينَئِذٍ رَدٌّ لِلْوَكَالَةِ.  

الثَّانِي عَشَرَ: تَلَفُ مَا تَعَلَّقَتِ الْوَكَالَةُ بِهِ:

تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِتَلَفِ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ. فَلَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الَّتِي وُكِّلَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ أَوِ بِغَيْرِهِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمَرْأَةِ الْمُوَكَّلِ بِطَلاَقِهَا، لِهَلاَكِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ. فَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَحَلِّ لاَ يُتَصَوَّرُ بَعْدَ هَلاَكِهِ، وَالْوَكَالَةُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَا لاَ يَحْتَمِلُ التَّصَرُّفَ مُحَالٌ فَبَطَلَ .

الثَّالِثَ عَشَرَ: افْتِرَاقُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ:

إِذَا وَكَّلَ الشَّرِيكَانِ شَخْصًا فَافْتَرَقَا أَوِ افْتَرَقَ أَحَدُهُمَا انْعَزَلَ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ، وَلأِنَّهُ وُكِّلَ مِنْ قِبَلِ الشَّرِكيَيْنِ لِغَرَضِ الشَّرِكَةِ، فَإِذَا تَفَرَّقَا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ، فَبَطَلَ التَّوْكِيلُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِهَا .

الرَّابِعَ عَشَرَ: إِنْجَازُ التَّصَرُّفِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ:

نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِلاَ عَزْلٍ بِنِهَايَةِ الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ فَقَبَضَهُ، أَوْ وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ فَزَوَّجَهُ .

الْخَامِسَ عَشَرَ: الرُّجُوعُ عَنِ الْوَكَالَةِ دَلاَلَةً:

صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِدَلاَلَةِ رُجُوعِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ.

وَمِنْ صُوَرِ رُجُوعِ الْمُوَكِّلِ دَلاَلَةً عَنِ التَّوْكِيلِ وَطْءُ الْمُوَكِّلِ زَوْجَةً وَكَّلَ فِي طَلاَقِهَا.

وَمِنْ صُوَرِ دَلاَلَةِ رُجُوعِ الْوَكِيلِ مَا إِذَا قَبِلَ الْوَكَالَةَ مِنْ مَالِكِ عَبْدٍ فِي عِتْقِهِ وَكَانَ قَدْ وَكَّلَهُ إِنْسَانٌ فِي شِرَائِهِ، فَإِنَّ قَبُولَ الْوَكَالَةِ فِي عِتْقِهِ يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنِ الْوَكَالَةِ الأْولَى فِي شِرَائِهِ .