loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

كأن يعدل المدعي طلباته فيضيف إليها بقصد زيادتها أو ينقص منها بقصد تفويت حق الاستئناف على خصمه الغائب، وكأن يطلب المدعى عليه الحكم على المدعي الغائب بالمقاصة القضائية أو بأي طلب عارض آخر...

وعلى أن الممنوع هو إبداء هذه الطلبات في تلك الجلسة أما إبداؤه بورقة تعلن للخصم فجائز بطبيعة الحال.

الأحكام

1- النص فى المادة 213 من قانون المرافعات على أن " يبدأ ميعاد الطعن فى الحكم من تاريخ صدوره ما لم ينص القانون على غير ذلك ويبدأ هذا الميعاد من تاريخ إعلان الحكم إلى المحكوم عليه فى الأحوال التي يكون فيها قد تخلف عن الحضور فى جميع الجلسات المحددة لنظر الدعوى ولم يقدم مذكرة بدفاعه أمام المحكمة ولا أمام الخبير وكذلك إذا تخلف عن الحضور ولم يقدم مذكرة إلى المحكمة ولا إلى الخبير فى جميع الجلسات التالية لتعجيل الدعوى بعد وقف السير فيها لأى سبب من الأسباب ... " فقد دلت - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن القانون وإن جعل مواعيد الطعن فى الأحكام من تاريخ النطق بها كأصل عام، إلا أنه استثنى من هذا الأصل الأحكام التي لا تعتبر حضورية وفقاً للمادة 83 من قانون المرافعات، والأحكام التي افترض المشرع فيها عدم علم المحكوم عليه بالخصومة وما يتخذ فيها من إجراءات فهذه الأحكام وتلك ظلت خاضعة للقاعدة التي تقضى بفتح مواعيد الطعن من تاريخ إعلان الحكم، ومن بين الحالات التي افترض فيها المشرع جهل المحكوم عليه بالخصومة وما اتخذ فيها من إجراءات تلك التي ينقطع فيها تسلسل الجلسات لأى سبب متى ثبت أنه لم يحضر فى جلسة تالية لهذا الانقطاع ولم يقدم مذكرة بدفاعه أمام المحكمة ولا أمام الخبير ولو كان قد سبق له الحضور فى الفترة السابقة على ذلك  .

( الطعن رقم 7195 لسنة 90 ق - جلسة 10 / 7 / 2024 )

2 ـ مؤدى نص المادة 114 من قانون المرافعات أن المشرع إعتبر أن تقديم الخصم مذكرة بدفاعه يعد بمثابة الحضور بالجلسة ، إتساقاً مع ما أوردته المادة 83 من ذات القانون من تسوية بينهما ، وإعتباراً بأن الحضور والإيداع يستهدفان غاية مشتركة هى إبداء الدفاع إما شفوياً بالجلسة أو كتابة بالمذكرة المودعة ، ومن ثم فإن القواعد التى تسرى على الحضور الذى يزول به البطلان تنطبق أيضاً على إيداع المذكرة دون تفريق . لما كان ما تقدم وكان تقديم الخصم مذكرة بدفاعه والذى يمتنع معه التمسك بالبطلان هو الذى لا يكون وليد إعلانه الورقة ذاتها فى الزمان والمكان المعينين لمثوله وإتاحة الفرصة له لتقديم مذكرة بدفاعه ، بمعنى أن يتم التقديم فى الجلسة التى دعى إليها بورقة الإعلان المنعى عليها بالبطلان إذ العلة من تقدير هذا المبدأ هى إعتبار المذكرة فى الجلسة التى دعى إليها بمقتضى الورقة الباطلة قد حقق المقصود منها .

( الطعن رقم 211 لسنة 44 ق - جلسة 1978/01/04 )

3 ـ لم يوجب المشرع إعلان المستأنف الغائب فى نطاق تطبيق المادة 2/83 مرافعات إلا إذا أبدى خصمه طلباً عارضاً، وإذ كان الدفع بإعتبار الإستئناف كأن لم يكن ليس من هذا القبيل لتعلقه بإجراءات السير فى الدعوى ويعتبر من المسائل التى تعترض سير الخصومة هذا إلى أن المحكمة ملزمة بتكييف الدفع التكييف الصحيح وتحديد مرمى الخصم منه وفقاً للوقائع الثابتة أمامها ، وإذا خلصت إلى أن المطعون ضدهم إستهدفوا من هذا الدفع بعد تجديد الإستئناف من الشطب أن مرماه يدخل فى نطاق المادة 1/82 مرافعات فإنها تكون قد إلتزمت صحيح القانون .

( الطعن رقم 792 لسنة 48 ق - جلسة 1983/02/02 )

4 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه متى انعقدت الخصومة صحيحة وفقاً لأحكام القانون للخصم أن يقدم مستنداته ومذكراته بالجلسة المحددة لنظرها حضر خصمه الآخر أم تغيب عن حضورها ولا إلزام عليه بإعلانها إليه إذ المفروض أن يتابع كل خصم دعواه ويطلع على ما يبدى بجلساتها من دفاع ويقدم فيها من مستندات ومذكرات ذلك أن المشرع لم يتطلب فى المادة168من قانون المرافعات إطلاع الخصم أو إعلانه بما يقدمه خصمه من أوراق أو - مذكرات إلا فى حالة تقديمها أثناء المداولة التى تنقطع بها صلة الخصوم بالدعوى وتصبح فى حوزة المحكمة لبحثها والمداولة فيها.

( الطعن رقم 694 لسنة 58 ق - جلسة 1993/02/17 )

شرح خبراء القانون

نظر القضية في غياب الخصوم

معنى الغياب :

الأصل أن تنظر القضية بحضور جميع أطرافها، تطبيقاً لمبدأ المواجهة. وتتحقق المحكمة من تمام المواجهة إما بحضور الخصم أو بإعلانه بصحيفة الدعوى إعلاناً صحیحاً والواقع أن من مصلحة الخصم الحضور بنفسه أو بواسطة من يمثله للدفاع عن وجهة نظره حتى يصدر حكم لصالحه ولكن قد يحدث أن يتغيب أحد الخصوم. والغائب عادة هو المدعى عليه، إذ من غير الطبيعي أن يفقد المدعي اهتمامه بالدعوى وهو الذي رفعها. على أنه يمكن تصور غياب المدعي، بل يمكن تصور غياب كل من المدعي والمدعى عليه.

وعند غياب أحد الخصوم تقوم مشكلة أمام المشرع. ذلك أنه من ناحية لا يجوز الحكم على شخص دون سماع دفاعه، وهو ما يستتبع مراعاة جانب الخصم الغائب، خاصة أنه قد يكون غائباً لعدم علمه بقيام الخصومة أو عدم علمه بتاريخ الجلسة ومن ناحية أخرى يجب ألا يؤدي غياب الخصم إلى عدم قيام القضاء بوظيفته وهو ما يدعو إلى تغليب وجوب تحقيق هذه الوظيفة رغم عدم مشاركة الغائب بنشاطه في الخصومة وعدم سماع دفاعه خاصة أن الغياب قد يكون بسوء نية بقصد عرقلة أداء هذه الوظيفة.

وقبل تحديد القواعد التي يقررها قانون معين بالنسبة للخصومة الغيابية، يجب تحديد المعنى المقصود في هذا القانون بالغياب. فالغياب في القانون قد لا يكون مرادفاً للغياب الفعلي وفي القانون المصري يعتبر الخصم غائباً إذا لم يحضر هو أو ممثله الجلسة، مع ملاحظة ما يلي :

(أ) إذا حضر الخصم أو من يمثله أية جلسة، فإن الخصومة في درجة التقاضي التي حضر فيها تعتبر حضورية بالنسبة له، ولو تغيب هو وممثله باقى الجلسات.

(ب) يقوم مقام الحضور تقديم الخصم مذكرة بدفاعه. ولهذا فإن الخصومة إذ تبدأ بصحيفة من المدعي يبين فيها طلباته وأسانيدها، فإنها تعتبر حضورية دائماً بالنسبة له ولو لم يحضر أية جلسة ومن ناحية أخرى، إذا أودع المدعى عليه مذكرة بدفاعه فإن الجلسة تعتبر حضورية في حقه دون حاجة لحضوره الفعلي أية جلسة ( 1 / 83 مرافعات).

(ج) تعتبر الخصومة حضورية إذا كانت صحيفة الدعوى قد أعلنت لشخص المدعى عليه، ولو لم يحضر هو أو ممثله أية جلسة أو يقدم مذكرة بدفاعه إذ يفترض في هذه الحالة علمه بالخصومة وبالجلسة المحددة لنظرها فإن لم يحضر، أو يقدم مذكرة بدفاعه، فلا يلومن إلا نفسه.

(د) إذا اعتبر الخصم غائباً فإنه يكون كذلك لمجرد عدم حضوره وعدم تقديم مذكرة بدفاعه، بصرف النظر عما إذا كان قد غاب باختياره أو قام مانع حال دون حضوره.

للخصم الحاضر أن يقدم طلبات عارضة وفقاً للقواعد العامة. على أنه يجب عليه إعلان الطلب إلى خصمه الغائب إذا قدم الطلب في جلسة لم يكن المدعى عليه حاضراً فيها ( 83/ 2 مرافعات) . وينطبق هذا النص على ما يعتبر طلباً جديداً بالمعنى الصحيح. ولكن لا يدخل فيه ما يتضمنه أي طلب سابق أو ما يكون مجرد إيضاح لهذا الطلب أو ما تملك المحكمة القضاء به دون طلب، كالحكم برفض الدعوى. ومن ناحية أخرى، ينطبق النص على أي طلب ولو لم يكن طلباً موضوعياً كما هو الحال بالنسبة للطلب الوقتي أو المتعلق بالإثبات.

عكس هذا : محمد كمال عبد العزيز ص 226 . وفي تقديرنا أنه لو أراد المشرع الرأي المخالف، لما أضاف في المادة 83/ 2 بعد نصه على عدم جواز تقديم الطلب الجديد، أو التعديل أو الزيادة في الطلب السابق، عدم جواز طلب الحكم على المدعى عليه « بطلب ما». إذ تكون هذه الإضافة تزيداً . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ، الصفحة : 295 )

مناط اعتبار الخصومة حضورية : تعتبر الخصومة حضورية في معنى الفقرة الأولى من المادة (83) إذا حضر المدعى عليه بأي من الجلسات حتى لو تخلف بعد ذلك. أو تخلف في جميع الجلسات وحضر في الجلسة الأخيرة التي قررت المحكمة فيها حجز الدعوى للحكم، ويشترط لذلك تسلسل الجلسات بالنسبة له على نحو يفترض علمه بها جميعاً إذ طالما حضر جلسة وتأجلت الدعوى لجلسة أخرى افترض أنه يعلم بها ويتابعها للعلم بالتأجيلات التالية ولذلك تعتبر الخصومة حضورية ولو حجزت الدعوى للحكم في جلسة لم يحضرها، أما إذا انقطع هذا التسلسل بأن شطبت الدعوى أو انقطع سير الخصومة أو تأجلت الدعوى إدارياً، فإن الخصومة بعد أن تستأنف سيرها لا تعتبر حضورية بالرغم من إعلان المدعى عليه بالجلسة الجديدة، ولكن يجب لاعتبارها كذلك في هذه المرحلة حضور المدعى عليه بشخصه أو بوكيل عنه ولا يتصور خلال هذه المرحلة أن يتقدم بمذكرة بدون هذا الحضور، فإذا تخلف عن الحضور وأرسل مذكرة للمحكمة بالبريد فلا يترتب على ذلك اعتبار الخصومة حضورية لأن المذكرة التي عناها المشرع وجعل الخصومة تعتبر حضورية بتقديمها هي تلك التي تقدم مع صحيفة الدعوى وفقاً للمادة (65) من قانون المرافعات. وفي الطعن بالنقض يودع المطعون عليه مذكرة بقلم الكتاب قبل تحديد جلسة لنظر الطعن.

فإن لم يحضر المدعى عليه ولم يكن قد تقدم بمذكرة على نحو ما تقدم، فإن الخصومة لا تعتبر حضورية وبالتالي فإن الحكم الذي يصدر فيها لا يعتبر كذلك بالنظر إلى بدء ميعاد الطعن فيه ومن ثم يجب إعلانه للمدعى عليه ومن تاريخ هذا الإعلان يبدأ ميعاد الطعن في السريان، خلافاً للحكم الذي يصدر في خصومة حضورية فإن ميعاد الطعن فيه يبدأ اعتباراً من تاريخ صدوره، والنص في المادة (84) من اعتبار الحكم حضورياً إذا أعلن المدعى عليه لشخصه أو بإعادة إعلانه ينصرف فقط إلى أن هذا الحكم لا يجوز الطعن فيه بالمعارضة التي عدل عنها المشرع بالنسبة للمواد المدنية والتجارية، ولا ينصرف إلى بدء ميعاد الطعن، ويمكن القول بأن مناط بدء ميعاد الطعن بصدور الحكم هو اعتبار الخصومة حضورية وليس باعتبار الحكم حضورياً، وبالنسبة للمدعي والمتدخل تعتبر الخصومة دائماً حضورية ما لم ينقطع تسلسل الجلسات.

 وإذا حجزت المحكمة الدعوى للحكم ولم يكن المدعى عليه قد حضر بأي من الجلسات ولم يتقدم بمذكرة وفقاً لما تنص عليه المادة (65)، فإن الخصومة لا تكون حضورية حتى لو تقدم خلال فترة حجز الدعوى للحكم مذكرة سواء أعلنت لخصمه أو لم تعلن، وبالتالى يبدأ ميعاد الطعن في الحكم من تاريخ إعلانه وليس من تاريخ صدوره.

مناط إبداء طلبات جديدة وتعديل الطلبات المطروحة : تتضمن صحيفة افتتاح الدعوى طلبات المدعي وهي التي تعبر عنها الفقرة الثانية من المادة (83) بالطلبات الأولى، ومتى انعقدت الخصومة كانت هذه الطلبات هي أساس المواجهة فيدلل عليها المدعى بالأسانيد الواقعية والقانونية بينما يدحضها المدعى عليه بدفوعه وأوجه دفاعه وطلباته العارضة، ووفقاً لهذه الأسس تدور الخصومة وتتحقق المواجهة، وقد يرى المدعي ابداء طلبات جديدة بالإضافة إلى طلباته الأولى أو أن يعدل فيها أو يزيد عليها أو ينقص منها، وهو من الحقوق المقررة له دون معقب بشرط أن يتم ذلك في مواجهة المدعى عليه الحاضر وإثباته في محضر الجلسة، فإن لم يكن حاضراً، تعين على المدعي إعلان المدعى عليه بطلباته الجديدة أو التعديل الذي طرأ على طلباته الأولى أو مازاد فيها أو أنقصه منها تحقيقاً لمبدأ المواجهة الذي يتم بالحضور أو الإعلان.

فإن تغيب المدعى عليه بإحدى الجلسات، امتنع على المدعى إبداء شيء مما تقدم لانتفاء المواجهة بغياب المدعى عليه ومن ثم يجب لتحقق هذه المواجهة إعلانه بالطلبات الجديدة أو المعدلة حتى تطرح على المحكمة بالطريق الذي رسمه القانون بحيث إذا تصدت المحكمة للطلبات الجديدة أو المعدلة قبل تحقق المواجهة كان حكمها باطلاً لقيامه على إجراءات باطلة وجاز الطعن فيه ولو كان صادراً في حدود النصاب الانتهائي.

والطلب الجديد هو الذي يغاير الطلب الأول موضوعاً أو سبباً، فقد يتمثل الطلب الأول في مائتي جنيه كأجرة بينما يتمثل الطلب الجديد في مائة جنيه کريع، وحينئذ يختلف السبب في الطلب الأول وهو عقد الإيجار عنه في الطلب الثاني وهو الغصب أما إذا اتحد السبب فيكون الطلب الثاني بمثابة تعديل للطلب الأول بإنقاصه، وفي هذه الحالة الأخيرة يعتبر الطلب الثاني مطروحاً على المحكمة حتى لو أبداه المدعى في غيبة المدعى عليه ودون إعلانه باعتباره في نطاق الطلب الأول وطالما لم يترتب عليه حرمان المدعى عليه من حق كان ثابتاً له قبل هذا الإنقاص، فإن كان له الحق مثلاً في استئناف الحكم وفقاً للطلب الأول وأدى التعديل إلى حرمانه من هذا الحق لصدور الحكم في حدود النصاب الانتهائي للمحكمة كان الحكم باطلاً لقيامه على إجراءات باطلة ومن ثم جاز الطعن فيه بالاستئناف رغم صدوره في حدود النصاب الانتهائي للمحكمة وتقضي المحكمة الاستئنافية ببطلان الحكم المستأنف، ولما كان أساس البطلان هو العيب في الإجراءات، فإن للمحكمة تصحيح هذا البطلان وتتصدى للموضوع إذ تكون محكمة الدرجة الأولى قد استنفدت ولايتها بعد أن انعقدت الخصومة أمامها صحيحة. ويسرى ذلك أيضاً إذا عدل المدعي طلباته بقصرها على بعض الطلبات السابق ابداؤها، كما لو تمثلت الطلبات السابقة في طرد الغاصب فقط، أما إذا عدلها إلى طرد الغاصب وثبوت ملكيته للمنشآت التي أقامها الغاصب فإن ذلك يعد طلباً جديداً.

وإذا زاد المدعي في طلباته، كما إذا كانت طلباته قاصرة على طرد الغاصب ثم زاد إليها طلب ثبوت ملكيته للمنشآت التي أقامها الغاصب أو طلب إزالتها، وجب أن يتم ذلك في مواجهة المدعى عليه فإن لم يكن حاضراً وجب إعلانه بهذه الطلبات.

وللمدعي تعديل طلباته أثناء حجز الدعوى للحكم في مذكرته متى كانت المحكمة قد رخصت بتقديم مذكرات في أجل معين ولما ينته هذا الأجل ما دام المدعى عليه قد اطلع عليها وعلم بها ويمتنع ذلك بعد إقفال باب المرافعة الشفوية أو الكتابية ويعتبر باب المرافعة مقفولاً بحجز الدعوى للحكم دون تصريح بتقديم مذكرات أو بانتهاء الأجل المحدد لتقديمها.

وإذ تغيب المدعى، امتنع على المدعى عليه إبداء أي طلب ما لم يعلنه به .

ويقصد بالطلب الذي عنته الفقرة الثانية من المادة (83) الطلب الموضوعي الذي يدخل في نطاق الطلبات العارضة، أما الطلبات الإجرائية كطلب حجز الدعوى للحكم أو رفضها أو إحالتها إلى التحقيق أو ندب خبير أو وقفها أو سقوطها، فيجوز إبداؤها في غيبة الخصم الآخر. ( المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء الثاني / الصفحة : 478 )

الطلبات المقصودة بالمادة هي الطلبات الموضوعية أما الطلبات المتصلة بسير الدعوى أو بإثباتها فهذه يجوز الإدلاء بها في غياب أي من الخصمين.

ويجوز للمدعى عليه أن يطلب في غياب المدعي سقوط الخصومة عملاً بالمادة 134 مرافعات .

وإذا انقطعت الخصومة بعد حضور المدعي عليه أو إيداعه مذكرة بدفاعه أو بعد إعادة إعلانه وجب لاعتبار الخصومة حضورية في حق من يقوم مقامه بعد استئناف السير فيها حضور هذا الأخير أو تقديمه مذكرة فلا يحاج بحضور سلفه كما يتعين إعلان وإعادة إعلان من حل محله . ( التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء الثاني ،  الصفحة : 977 )

 اعتبار الخصومة حضورية بالنسبة للمدعى عليه : وفقاً للفقرة الأولى من المادة 83 - محل التعليق - فإنه إذا حضر المدعى عليهم أو من يمثله أية جلسة، فإن الخصومة في درجة التقاضي التي حضر فيها تعتبر حضورية بالنسبة له ولو تغيب هو وممثله باقي الجلسات.

ويقوم مقام الحضور تقديم الخصم مذكرة بدفاعه، ولذلك بالنسبة للمدعي فإن الخصومة إذ تبدأ بصحيفة من المدعي يبين فيها طلباته وأسانيدها، فإنها تعتبر حضورية دائماً بالنسبة له ولو لم يحضر أية جلسة، وبالنسبة للمدعى عليه، إذا أودع المدعى عليه مذكرة بدفاعه فإن الجلسة تعتبر حضورية في حقه دون حاجة لحضوره الفعلي أية جلسة.

فقد اقتصر معنى الغياب في القانون الحالي على حالة تخلف المدعى عليه في جميع الجلسات المحددة لنظر الدعوى دون أن يكون قد أعلن الشخصه (عملاً بالمادة 84)، ودون أن يكون قد أودع مذكرة بدفاعه.

وإذا صدر الحكم في الدعوى على المدعى عليه دون أن يكون قد أعيد إعلانه، ودون أن يكون قد أعلن لشخصه، ودون أن يكون قد أودع قلم الكتاب مذكرة بدفاعه أو بمستنداته، فإن الحكم الصادر في الدعوى يكون مبنياً على إجراءات باطلة، ولو كان إعلانه قد تم صحيحاً، وذلك لأن المشرع يوجب ضمانة للمدعى عليه إعادة إعلانه في الحالة المتقدمة بشروطها، وما منعه من الطعن في الحكم بالمعارضة إلا على هذا التقدير .

ويكون الحكم المتقدم قابلاً للطعن بالاستئناف ولو كان انتهاؤها عملاً بالمادة 221 مرافعات ( أحمد أبو الوفا - التعليق - ص432، وانظر مؤلفنا: الطعن بالاستئناف - دار الفكر العربي بالقاهرة ) .

وإذا انقطعت الخصومة بعد حضور المدعى عليه أو إيداعه مذكرة بدفاعه وجب لاعتبار الخصومة حضورية في حق من يقوم مقامه بعد استئناف سير الدعوى حضور هذا الأخير أو تقديمه مذكرة فلا يحاج بحضور سلفه. (نقض 10/3/1995 - سنة 6 ص 817) وينتقد البعض هذا الرأي، ويرى أن الخصومة تعتبر حضورية في حق من قام مقام الخصوم الذي قام به سبب الانقطاع ولو لم يحضر أو يقدم مذكرة بعد تعجيل الدعوى لأن الانقطاع لا يؤثر في الإجراءات التي تمت قبله ( أحمد أبو الوفا - المرافعات - هامش بند 444 )

ووفقاً للفقرة الثانية من المادة 83، فإنه لا يجوز للمدعى أن يبدي في الجلسة التي تخلف فيها خصمه طلبات جديدة أو أن يعدل أو يزيد أو ينقص في الطلبات الأولى، لأن إبداء طلب جديد أو تعديل الطلب الأصلي عارضاً من المدعي لا يجوز إبداؤه في الجلسة إلا إذا كان خصمه حاضراً فيها. ولكن هذا لا يمنع المدعي من طلب تأجيل الدعوى ليبدى طلبه الجديد أو تعديله للطلب الأصلي بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى، فالممنوع هو إبداء بطلب عارض شفوياً في الجلسة (مادة 123)، لأن ذلك يتنافى مع مبدأ تواجهه إجراءات المرافعات. وينبني على ما تقدم أنه إذا تغيب المدعى عليه وأجلت المحكمة الدعوى لإعادة إعلانه، وفي أثناء التأجيل وجه المدعی طلباً عارضاً للمدعى عليه بصحيفة دعوى، فإن الجلسة الجديدة تعتبر بالنسبة للطلب العارض جلسة أولى، فلا يجوز للمحكمة أن تفصل فيها في الطلب العارض إذ تغيب المدعى عليه ولم يكن الطلب العارض طلباً مستعجلاً، إلا إذا كانت صحيفة الطلب العارض قد أعلنت الشخص المدعى عليه أو كان قدم مذكرة بدفاعه في الطلب العارض، وإلا وجب عليها في هذه الحالة أن تؤجل الدعوى بالنسبة للطلب العارض لجلسة تالية يعلن المدعى بها المدعى عليه الغائب ( رمزی سیف بند 439 ص 552 ).

إذن منع المدعي من إبداء طلبات جديدة في غياب خصمه أساسه قاعدة أنه من الواجب إخبار كل خصم بما يجريه الأخر حتى يتمكن من الدفاع عن مصالحه، وفي ذلك إعمال لمبدأ المواجهة وضرورة احترام حق الدفاع.

وقد ذهب رأى في القضاء إلى أن إذا كان تعديل الطلب أو نقضه لا يضر بالمدعى عليه، ولا يؤثر في صحة الإجراءات بحيث لاينشئ له حقاً في التمسك بعدم الاختصاص أو بعدم القبول أو بالبطلان، فإنه يجوز تعديل الطلب أو نقضه ولو في غياب الخصم. وقد حكم بأن الإجراءات لا تبطل إذا عدل المدعي طلباته إلى الأقل طالما لم ينشأ عن التعديل أي ضرر بخصمه (استئناف مصر 20/5/1951 ، مجلة التشريع والقضاء 22  ص 119)، وهذا القضاء يقوم على أساس عدم توافر مصلحة متى كان تعديل الطلب لا يضر المدعى عليه، ولكن ينتقد البعض هذا الحكم على أساس مخالفته لصريح النص (محمد وعبد الوهاب العشماوي - ج 2 هامش ص 154).

وإذا صدر الحكم في الطلب بعد تعديله في غياب المدعى عليه، وكان هذا التعديل من شأنه أن يؤثر في مصلحة المدعى عليه كأن كان يستوجب تعديل أسلوب دفاعه أو ينشئ له دفوعاً شكلية بالإدلاء بها يتخلص من الخصومة، فإن هذه الحكم الغيابي يعتبر مبنياً على إجراءات باطلة إذ يشترط في الحكم الصادر في طلب ما أن يكون هذا الطلب قد تم الإدلاء به في مواجهة الخصم. وبعبارة أخرى، لا يعتبر الحكم المتقدم مجرد حكم غيابي، وإنما هو يعتبر أيضاً مبنياً على إجراءات باطلة، لأن الحكم يعتبر مجرد غيابي إذا صدر في طلب أعلن به الخصم إعلاناً صحيحاً وتخلف بعدئذ عن الحضور دون أن يعاد إعلانه به ( أحمد أبو الوفا - ص 432 ص 433 ).

وطبقاً للمادة 83 أيضاً لا يجوز للمدعى عليه أن يطلب في غيبة المدعي الحكم عليه بطلب ما، ويقصد بالطلب هنا الطلب الموضوعى، فالمدعى عليه لا يملك في غياب المدعي أن يدلي بطلب عارض، وإن كان يجوز له الإدلاء به بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوی أو بصحيفة تعلن إليه، أما الطلبات المتصلة بسير الدعوى أو بإثباتها فهذه يجوز الإدلاء بها في غياب المدعى، كما إذا طلب المدعى عليه ضم دعويين أو الفصل بينهما، أو طلب التأجيل، أو طلب وقف الدعوى حتى يتم الفصل في مسالة أولية. أو طلب إحالة الدعوى على التحقيق لإثباتها بشهادة الشهود.

بل يجوز للمدعى عليه أن يطلب في غياب المدعي إسقاط الخصومة عملاً بالمادة 134 مرافعات وما يليها، لأن القانون يجيز التمسك به، على صورة الدفع، فضلاً عن جواز التمسك به بصورة دعوى فرعية.

ويجوز بطبيعة الحال التمسك بالدفوع المختلفة أياً كان نوعها في غياب المدعي - كما يجوز التمسك برفض الدعوى في غيابه فطلب رفض الدعوى لا يلزم إعلان إلى المدعي الغائب. (نقض 19/5/1976، الطعن رقم 658 لسنة 41 قضائية).

وقد مضت الإشارة إلى أن المدعى بتقديمه صحيفة الدعوى، فإن الخصومة تعتبر حضورية بالنسبة له ولو لم يحضر أية جلسة . ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة،  الجزء / الثاني، الصفحة : 665 )

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 313

- الْجَوَابُ عَلَى الدَّعْوَى:

إِذَا اسْتَوْفَى الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ جَمِيعَ الشُّرُوطِ الْمَطْلُوبَةِ لِصِحَّتِهَا تَرَتَّبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الإْجَابَةُ عَنْهَا.

وَالْجَوَابُ عَنِ الدَّعْوَى بِاعْتِبَارِهِ تَصَرُّفًا شَرْعِيًّا، لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِشُرُوطٍ، وَهِيَ:

أ - أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا بِصِيغَةٍ جَازِمَةٍ، فَلاَ يُقْبَلُ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَوَابِ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي: (مَا أَظُنُّ لَهُ عِنْدِي شَيْئًا).

ب - أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلدَّعْوَى، وَذَلِكَ بِأَنْ يُجِيبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَمِيعِ طَلَبَاتِ الْمُدَّعِي، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَنِ الإْجَابَةِ عَنْ جُزْءٍ مِنْهَا. بَلْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْجَوَابَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ عُمُومِيَّةً مِنَ الدَّعْوَى، بِأَنْ يَعُمَّهَا وَيَعُمَّ غَيْرَهَا، كَمَا لَوْ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (لاَ حَقَّ لَكَ قِبَلِي) وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَوَابِ مَقْبُولٌ، لأِنَّ  قَوْلَهُ: (لاَ حَقَّ لَكَ) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتُفِيدُ الْعُمُومَ.

وَكَذَلِكَ قَالُوا: لاَ يَكْفِي فِي الْجَوَابِ عَلَى الدَّعْوَى بِمِائَةِ دِينَارٍ مَثَلاً أَنْ يَقُولَ: (لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ مِائَةٌ) حَتَّى يَقُولَ: (وَلاَ شَيْءَ مِنْهَا)، لأِنَّهُ بِدُونِ ذَلِكَ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ مِائَةٍ عَلَيْهِ، وَلاَ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الأْقَلِّ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي عَلَيْهِ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمِائَةِ، فَلاَ يَكُونُ فِي جَوَابِهِ مُسْتَغْرِقًا لِجَمِيعِ طَلَبَاتِ الْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا لِجُزْءٍ مِنْهَا، وَيَظَلُّ مُتَوَقِّفًا عَنِ الْجَوَابِ فِي حَقِّ بَاقِي الأْجْزَاءِ.

بَلْ ذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ نَصًّا، فَلَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ دِينَارًا، فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لاَ يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ فَلْسًا، لاَ يُقْبَلُ الْجَوَابُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِنَفْيِ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ.

وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى خِلاَفِ هَذَا، لأِنَّ  مِثْلَ هَذَا الْجَوَابِ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الْجُزْءِ الأْصْغَرِ نَصًّا، وَيَتَضَمَّنُ نَفْيَ الْبَاقِي مِنْ طَرِيقِ الْفَحْوَى أَوِ الدَّلاَلَةِ.

أَوْجُهُ الْجَوَابِ:

جَوَابُ الدَّعْوَى الَّذِي يَصْدُرُ عَنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ الأْوْجُهِ الآْتِيَةِ:

أَنْ يَكُونَ إِقْرَارًا بِالْحَقِّ الْمُدَّعَى: وَيُقْصَدُ بِالإِْقْرَارِ إِخْبَارُ الشَّخْصِ بِحَقٍّ لآِخَرَ عَلَيْهِ.

وَقَدْ يَكُونُ الإْقْرَارُ تَامًّا بِأَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ نَاقِصًا بِأَنْ يُقِرَّ بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ وَيُنْكِرَ الْبَاقِيَ: فَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمُدَّعَى بِهِ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ مُخْتَارًا، فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ بِمُقْتَضَى إِقْرَارِهِ.

وَالإْقْرَارُ بِالْمُدَّعَى قِسْمَانِ: صَرِيحٌ وَضِمْنِيٌّ.

وَالأْوَّلُ وَاضِحٌ، وَالضِّمْنِيُّ يَكُونُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ الَّتِي يَدْفَعُ فِيهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَى خَصْمِهِ، فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الدَّفْعِ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَصْلِ الدَّعْوَى، وَذَلِكَ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ مَالاً، فَيَقُولَ فِي الْجَوَابِ: لَقَدْ أَبْرَأَنِيَ الْمُدَّعِي عَنْ هَذَا الْمَالِ، فَيَكُونَ هَذَا الدَّفْعُ مُتَضَمِّنًا لِلإِْقْرَارِ بِالْمُدَّعِي. وَلِلإْقْرَارِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِهِ.

أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ إِنْكَارًا لِلْحَقِّ الْمُدَّعَى: وَالإِْنْكَارُ قَدْ يَكُونُ كُلِّيًّا فَيَسْرِي حُكْمُهُ عَلَى جَمِيعِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ جُزْئِيًّا، فَيَسْرِي حُكْمُهُ عَلَى الْجُزْءِ الْمُنْكَرِ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الإْنْكَارِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا وَبِصِيغَةِ الْجَزْمِ، فَلاَ يَصِحُّ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (مَا أَظُنُّ لَهُ عِنْدِي شَيْئًا). وَيَسْتَلْزِمُ هَذَا الشَّرْطُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الإْنْكَارُ الْحَقَّ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الدَّعْوَى، فَلاَ يَصِحُّ إِذَا كَانَ يَتَنَاوَلُ حَقًّا آخَرَ لَمْ تَقْتَضِهِ الدَّعْوَى، فَفِي جَوَابِ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ مَثَلاً يُقْبَلُ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: (لَمْ تُودِعْنِي، أَوْ لاَ تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا)، فَلَوْ قَالَ: (لاَ يَلْزَمُنِي دَفْعُ شَيْءٍ أَوْ تَسْلِيمُ شَيْءٍ إِلَيْكَ)، لَمْ يَكُنْ هَذَا إِنْكَارًا لِلدَّعْوَى، لأِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةِ، فَهُوَ قَدْ نَفَى حَقًّا لَمْ يَدَّعِهِ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي، فَلاَ يُعْتَبَرُ إِنْكَارًا لِدَعْوَى الْوَدِيعَةِ.

وَفِي دَعْوَى الطَّلاَقِ لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِي إِنْكَارِهَا: (لَمْ أُطَلِّقْ)، وَإِنَّمَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: (أَنْتِ زَوْجَتِي)، وَفِي دَعْوَى النِّكَاحِ يَكْفِي فِي إِنْكَارِهَا أَنْ يَقُولَ: (لَيْسَتْ زَوْجَتِي).

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الإْنْكَارِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُدَّعِي بَيْنَ تَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ تَحْلِيفِهِ.

وَقَدْ لاَ يَكُونُ الْجَوَابُ إِقْرَارًا وَلاَ إِنْكَارًا، بِأَنْ يَسْكُتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلاَ يَتَكَلَّمُ بِإِقْرَارٍ وَلاَ إِنْكَارٍ، أَوْ يَقُولُ: (لاَ أُقِرُّ وَلاَ أُنْكِرُ). وَحُكْمُ ذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيُعْرَفَ إِنْ كَانَ سُكُوتُهُ مُتَعَمَّدًا أَوْ نَاتِجًا عَنْ عَاهَةٍ أَوْ دَهْشَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ، فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لاَ عَاهَةَ بِهِ وَأَصَرَّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ السَّاكِتَ لاَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى الْجَوَابِ، بِالأْدَبِ الْمُنَاسِبِ.

وَقَدْ يُجِيبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجَوَابٍ غَيْرِ صَحِيحٍ، فَيُنَبَّهُ إِلَيْهِ، فَلاَ يُصَحِّحُهُ، كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ طَلَبِ الْجَوَابِ مِنْهُ: فَلْيُثْبِتِ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ، فَلاَ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا صَحِيحًا، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَيْهِ اعْتُبِرَ فِي حُكْمِ الْمُمْتَنِعِ عَنِ الْجَوَابِ، لأِنَّ  طَلَبَ الإْثْبَاتِ لاَ يَسْتَلْزِمُ اعْتِرَافًا وَلاَ إِنْكَارًا.

وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الصَّدَدِ أَنَّ مَنِ اعْتَرَفَ بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لاَ يَكْفِيهِ فِي نَفْيِ مَا يُوجِبُهُ ذَلِكَ السَّبَبُ أَنْ يُجِيبَ بِمَا هُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ الْحَقَّ وَغَيْرَهُ، وَلَكِنْ لاَ بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ عَدَمِ مَا أَوْجَبَهُ ذَلِكَ السَّبَبُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ، مِثَالُ ذَلِكَ: لَوِ ادَّعَتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَنْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْمَهْرَ، فَقَالَ الزَّوْجُ فِي الْجَوَابِ عَلَيْهَا: (لاَ تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا)، لَمْ يَصِحَّ هَذَا الْجَوَابُ، وَاعْتُبِرَ مُقِرًّا بِالْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ، فَيَلْزَمُهُ، لأِنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ إِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِسْقَاطِ الْمَهْرِ.

وَقَدْ يَكُونُ الْجَوَابُ دَفْعًا لِلدَّعْوَى: الدَّفْعُ - كَمَا يُسْتَخْلَصُ مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ - دَعْوَى مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقْصِدُ بِهَا دَفْعَ الْخُصُومَةِ عَنْهُ، أَوْ إِبْطَالَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الدَّفْعَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ نَوْعَانِ:

الأْوَّلُ: الدَّفْعُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ إِبْطَالُ دَعْوَى الْمُدَّعِي نَفْسِهَا، وَمِثَالُهُ: أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَقَبَضَهَا، أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ وَقَبَضَهَا، أَوْ أَيَّ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ لاِنْتِقَالِهَا إِلَى يَدِهِ.

الثَّانِي: الدَّفْعُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ دَفْعُ الْخُصُومَةِ عَنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدُونِ تَعَرُّضٍ لِصِدْقِ الْمُدَّعِي أَوْ كَذِبِهِ فِي دَعْوَاهُ، وَهُوَ مَا يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ بِدَفْعِ الْخُصُومَةِ، وَمِثَالُهُ: أَنْ يَدْفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ بِأَنَّ يَدَهُ عَلَى الشَّيْءِ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ، وَإِنَّمَا يَدُ حِفْظٍ، كَأَنْ يَدَّعِيَ بِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ لِهَذِهِ الْعَيْنِ أَوْ مُسْتَأْجِرٌ لَهَا، أَوْ أَنَّهَا مُودَعَةٌ عِنْدَهُ أَوْ مَرْهُونَةٌ لَدَيْهِ، فَإِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ، فَإِنَّ الْخُصُومَةَ تَنْدَفِعُ عَنْهُ.

وَمَحَلُّ هَذَا الدَّفْعِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي عَلَى خَصْمِهِ مِلْكًا مُطْلَقًا، فَإِنْ كَانَ يَدَّعِي عَلَيْهِ فِعْلاً، كَغَصْبٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ سَرِقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مَا تَقَدَّمَ، لأِنَّ  الْخَصْمَ فِي دَعْوَى الْفِعْلِ هُوَ الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَلاَ يُنْظَرُ إِلَى يَدِهِ.

وَمِنْ صُوَرِ دَفْعِ الْخُصُومَةِ أَنْ يَدْفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنَ الدَّعْوَى أَوْ مِنَ الْخُصُومَةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ هَذَا الإْبْرَاءَ، فَإِنَّ ثُبُوتَ ذَلِكَ يَدْفَعُ الْخُصُومَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَثِّرَ عَلَى الْحَقِّ ذَاتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الدَّفْعَ بِالإْبْرَاءِ مِنَ الدَّعْوَى لاَ يَتَضَمَّنُ إِقْرَارًا بِالْحَقِّ الْمُدَّعَى، حَتَّى لَوْ عَجَزَ الدَّافِعُ عَنْ إِثْبَاتِ دَفْعِهِ جَازَ لَهُ دَفْعُ الدَّعْوَى بِأَيِّ دَفْعٍ آخَرَ مِنْ إِبْرَاءٍ مِنَ الْحَقِّ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الدَّفْعُ أَجَازَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى بُطْلاَنِهِ.

وَمِنْ صُوَرِهِ أَيْضًا دَفْعُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ بِنُقْصَانِ أَهْلِيَّةِ خَصْمِهِ الْمُدَّعِي، فَلَوْ رُفِعَتِ الدَّعْوَى عَلَى نَاقِصِ الأْهْلِيَّةِ فَقَالَ: أَنَا صَبِيٌّ، وَقَفَتِ الْخُصُومَةُ حَتَّى يَبْلُغَ.

وَالنَّوْعُ الأْوَّلُ مِنَ الدُّفُوعِ يَصِحُّ إِيرَادُهُ فِي أَيَّةِ مَرْحَلَةٍ تَكُونُ عَلَيْهَا الدَّعْوَى قَبْلَ إِصْدَارِ الْحُكْمِ بِلاَ خِلاَفٍ، فَيَصِحُّ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ، كَمَا يَصِحُّ بَعْدَهَا. وَأَمَّا بَعْدَ الْحُكْمِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى صِحَّتِهِ إِذَا تَضَمَّنَ إِبْطَالَ الْحُكْمِ. وَلَمْ يُمْكِنِ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّعْوَى الأْصْلِيَّةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ مِنَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَيُّ دَفْعٍ بَعْدَ فَصْلِ الدَّعْوَى، وَلَكِنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ بِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاضِي عَدَاوَةً، فَإِذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ فَسْخُ الْحُكْمِ، وَإِعَادَةُ الْمُحَاكَمَةِ.

وَأَمَّا دَفْعُ الْخُصُومَةِ فَيَجُوزُ إِبْدَاؤُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَلاَ يَصِحُّ بَعْدَهُ، لأِنَّ  تَأَخُّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ إِلَى مَا بَعْدَ الْحُكْمِ يَجْعَلُ الدَّعْوَى صَحِيحَةً فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِهَا، لأِنَّهَا قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ حَسَبَ الظَّاهِرِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ قَدْ صَدَرَ صَحِيحًا، فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ بِأَنَّ يَدَهُ مَثَلاً كَانَتْ يَدَ حِفْظٍ عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي حُكِمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي، إِذْ يَغْدُو بِمَثَابَةِ أَجْنَبِيٍّ يُرِيدُ إِثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، فَلَمْ تَتَضَمَّنْ دَعْوَاهُ إِبْطَالَ الْقَضَاءِ السَّابِقِ.

وَالشَّافِعِيَّةُ لاَ يَرَوْنَ صِحَّةَ دَفْعِ الْخُصُومَةِ إِلاَّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مِنَ الْمُدَّعِي، قَالَ الْقَفَّالُ: إِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا عَلَى مِلْكِيَّتِهِ لِلْعَيْنِ، ثُمَّ قَبْلَ إِكْمَالِ الشَّهَادَةِ دَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ مِلْكَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ لِزَوْجَتِهِ مَثَلاً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ هَذَا الدَّفْعُ، وَطُلِبَ مِنَ الْمُدَّعِي إِكْمَالُ الشَّهَادَةِ، حَتَّى إِذَا أَتَمَّهَا بِشُرُوطِهَا قُضِيَ لَهُ بِالْمُدَّعَى بِهِ، وَلِلزَّوْجَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَرْفَعَ دَعْوَى عَلَيْهِ بِالْعَيْنِ الَّتِي قُضِيَ لَهُ بِهَا، فَمُنِعَ مِنْ إِبْدَاءِ الدَّفْعِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، لأِنَّهُ مُقَصِّرٌ لِسُكُوتِهِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ.

وَالأْصْلُ فِي الدَّفْعِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي الدَّعْوَى الأْصْلِيَّةِ أَمْ كَانَ فِي دَفْعِهَا، إِذْ مِنَ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الدَّفْعَ نَفْسَهُ دَعْوَى يُصْبِحُ فِيهَا الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الدَّعْوَى الأْصْلِيَّةِ مُدَّعِيًا فِي الدَّفْعِ، فَيَكُونُ لِلْمُدَّعِي الَّذِي انْقَلَبَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي الدَّفْعِ أَنْ يَدْفَعَ الدَّفْعَ الْمُوَجَّهَ إِلَيْهِ.

وَلَكِنَّهُ يَسْمَعُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا تَعَدَّى إِلَيْهِ الْحُكْمُ عَلَى فَرْضِ صُدُورِهِ، كَمَا لَوِ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى مُورِثٍ وَخَاصَمَ أَحَدَ الْوَرَثَةِ، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ، كَانَ لِغَيْرِ الْمُخَاصِمِ مِنَ الْوَرَثَةِ دَفْعُ هَذِهِ الدَّعْوَى، لأِنَّ  أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنِ الْجَمِيعِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّرِكَةِ، فَالْحُكْمُ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِ الْوَارِثِ الْمُخَاصِمِ، فَيَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي دَفْعِهِ.

هَذَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّفْعِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى، لأِنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الآْثَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ، فَإِذَا عَجَزَ الدَّافِعُ عَنْ إِثْبَاتِ دَفْعِهِ بِوَسَائِلِ الإْثْبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي حَلَفَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ نَكَلَ هَذَا عَنِ الْيَمِينِ ثَبَتَ الدَّفْعُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالنُّكُولِ، وَأَمَّا عِنْدَ الآْخَرِينَ فَيَحْلِفُ الدَّافِعُ يَمِينَ الرَّدِّ، فَإِنْ فَعَلَ ثَبَتَ الدَّفْعُ وَانْدَفَعَتِ الدَّعْوَى، وَأَمَّا إِذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي عَادَتْ دَعْوَاهُ الأْصْلِيَّةُ. ثُمَّ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي طَبِيعَةِ الدَّفْعِ، فَقَدْ يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِلإْقْرَارِ بِالْمُدَّعَى بِهِ، كَمَا لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ مُعَيَّنٍ، فَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَائِلاً: إِنَّ الْمُدَّعِيَ كَانَ أَبْرَأَنِي مِنَ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ، وَعَجَزَ عَنْ إِثْبَاتِ الإْبْرَاءِ، وَحَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى عَدَمِهِ، فَإِنَّ الْمُدَّعِي يَسْتَحِقُّ مَا ادَّعَى بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكَلَّفَ بَيِّنَةً أُخْرَى، لأِنَّ  الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ مَدِينًا بِالْمَبْلَغِ الْمُدَّعَى، وَالأْصْلُ بَقَاءُ اشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَثْبُتَ الْعَكْسُ، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ، فَيُحْكَمُ لِلْمُدَّعِي بِالْمَبْلَغِ الَّذِي يُطَالِبُ بِهِ.

وَقَدْ لاَ يَكُونُ الدَّفْعُ مُتَضَمِّنًا إِقْرَارَ الدَّافِعِ بِالْحَقِّ الْمُدَّعَى، كَمَا فِي صُوَرِ دَفْعِ الْخُصُومَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَعْضُهَا.

وَتَفْصِيلُهُ فِي: (إِقْرَارٌ، وَإِنْكَارٌ، وَنُكُولٌ).