أبرز المشروع في المادتين 86 ، 87 أن للنيابة العامة حق الادعاء مباشرة باعتبارها طرفاً أصلياً في الحالات التي ينص عليها القانون وأنه اذا رفعت الدعوى في هذه الحالات من صاحب الشان وجب عليها أن تتدخل فيها وإلا كان الحكم باطلاً.
لم يفت المشروع في المادة 87 منه أن يذكر ضمن حالات التدخل الوجوبي الطعون والطلبات أمام محكمة النقض امام محكمة تنازع الاختصاص إقراراً منه بما تنص عليه القوانين القائمة من وجوب تدخلها في هذه الحالات كما نص المشروع في المادة 89 منه على أن تدخل النيابة حيث ترى المحكمة حاجة لتدخلها يكون وجوباً ذلك أن دعوة المحكمة للنيابة بالتدخل هو تسليم منها برغبتها في الاستعانة برای النيابة في الدعوى على اعتبار أن النيابة العامة هي الممثلة للصالح العام والأمينة على مصلحة القانون ولأنه لا يصح حرمان القضاء من عون ضروری سعى هو الى طلبه تحقيقاً للعدالة وبهذا تتحقق الجدوى من إرسال ملف الدعوى للنيابة .
ولا ريب في أنه لا حاجة إلى تدخل النيابة في الدعاوى المستعجلة حتى لا يعوق تدخلها فيها الفصل في الدعوى فضلاً عن أن ما يصدره القضاء المستعجل من قرارات لا يمس أصل الحقوق وهو ما نصت عليه المادتان 87 ، 88 من المشروع.
1 ـ أنه مع قيام قانون خاص لا يُرجع إلى القانون العام إلا فيما فات القانون الخاص من أحكام، (4) وكانت نصوص القانون رقم 27 لسنة 1994 فى شأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية قد خلت من النص على حق النيابة العامة فى رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وتنظيم إجراءات وميعاد رفعها بالنسبة لها، كما لم تتضمن نفى هذا الحق عنها، بما لازمه العودة فى هذا الشأن إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية باعتباره القانون الإجرائى العام. (5) وكان النص فى المادة السادسة من القانون رقم 230 لسنة 1996 بتنظيم تملك غير المصريين للعقارات المبنية والأراضى الفضاء على أنه "يقع باطلًا كل تصرف يتم بالمخالفة لأحكام هذا القانون ولا يجوز شهره. ويجوز لكل ذى شأن وللنيابة العامة طلب الحكم بهذا البطلان وعلى المحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها.". وفى المادة 88 من قانون المرافعات على أنه "فيما عدا الدعاوى المستعجلة يجب على النيابة العامة أن تتدخل فى الحالات الآتية وإلا كان الحكم باطلًا: 1 الدعاوى التى يجوز لها أن ترفعها بنفسها. 2 ........ 3 كل حالة أخرى ينص القانون على وجوب تدخلها فيها". وفى المادة 92 منه على أنه "فى جميع الأحوال التى ينص فيها القانون على تدخل النيابة يجب على قلم الكتاب إخبار النيابة كتابة بمجرد قيد الدعوى.". وفى المادة 96 من ذات القانون على أنه "للنيابة العامة الطعن فى الحكم فى الأحوال التى يوجب القانون أو يجيز تدخلها فيها إذ خالف الحكم قاعدة من قواعد النظام العام أو إذا نص القانون على ذلك.". يدل على أنه يجب على النيابة العامة أن تتدخل كطرف منضم فى دعاوى بطلان التصرفات المخالفة لأحكام القانون، ومن بينها التصرفات المخالفة لأحكام قانون تنظيم تملك غير المصريين للعقارات المبنية والأراضى الفضاء، بحسبانها من الدعاوى التى يجوز لها أن ترفعها بنفسها، ويتعين لذلك على قلم كتاب المحكمة المرفوع إليها الدعوى إخبار النيابة العامة كتابة بها بمجرد قيدها، فإن تم الإخبار على هذا النحو وجب عليها التدخل فى الدعوى بالحضور أو إبداء الرأى فيها، فإذا صدر الحكم فيها دون تدخلها فإنه يكون باطلًا بطلانًا متعلقًا بالنظام العام، (6) كما أنه يحق لها من باب أولى إذا لم يتوافر لها العلم بتلك الدعاوى لعدم إخبارها بقيدها أن تطعن على الحكم الصادر فيها إذا خالف الحكم قاعدة من قواعد النظام العام، أو إذا نص القانون على ذلك إعمالًا لحكم المادة 96 من قانون المرافعات كما هو الحال فى النزاع المعروض على هيئة التحكيم والذى لم تتضمن إجراءاته وجوب إخبار النيابة العامة بعرض النزاع عليها، فيكون لها إقامة دعوى بطلان مشارطة التحكيم وحكم التحكيم الصادر فيها تمكينًا لها من القيام بدورها الذى أناط بها القانون القيام به فى الطعن على الأحكام التى تصدر بالمخالفة لقواعد النظام العام، ودون التقيد بميعاد رفعها المنصوص عليها فى المادة 54/1 من القانون رقم 27 لسنة 1994 السالف ذكره.
(الطعن رقم 5162 لسنة 79 جلسة 2016/01/21)
2 ـ النص فى المادة196من قانون التجارة على أن الحكم بإشهار الإفلاس يجوز أن يصدر بناء على طلب المدين المفلس أو طلب مداينيه أو الوكيل عن الحضرة الخديوية أو تصدره المحكمة من تلقاء نفسها " وفى المادة 88 من قانون المرافعات على أنه " فيما عدا الدعاوى المستعجلة يجب على النيابة العامة أن تتدخل فى الحالات الآتية وإلا كان الحكم باطلاً :1-الدعاوى التى يجوز لها أن ترفعها بنفسها 2-000" وفى المادة 91/1 من القانون الأخير على أن " تعتبر النيابة ممثلة فى الدعوى متى قدمت مذكرة برأيها فيها ولا يتعين حضورها إلا إذا نص القانون على ذلك " وفى المادة92من ذات القانون على أنه " فى جميع الأحوال التى ينص فيها القانون على تدخل النيابة العامه، يجب على قلم كتاب المحكمة إخبار النيابة كتابة بمجرد قيد الدعوى 000" مؤداه أنه يجب على النيابة العامة أن تتدخل فى دعاوى الإفلاس بحسبانها من الدعاوى التى يجوز لها أن ترفعها بنفسها،ويتعين لذلك على قلم كتاب المحكمة المرفوعة إليها الدعوى إخبار النيابة كتابة بمجرد رفعها،فإذا ما تم الإخبار على هذا النحو وجب على النيابة-على خلاف قانون المرافعات الملغى بالقانون13لسنة1968-أن تتدخل فى تلك الدعوى بالحضور فيها وإبداء الرأى أو بتقديم مذكرة برأيها،فإذا صدر الحكم دون أن تتدخل النيابة على نحو ما سلف كان باطلاً بطلاناً من النظام العام يجوز الدفع به فى أية مرحلة كانت عليها الدعوى،ويكون للنيابة العامة أن تثيره، لما كان ذلك وكان الثابت من مفردات ملف الإستئناف المطعون فى الحكم الصادر فيه أن قلم الكتاب لم يخبر النيابة كتابة برفع الإستئناف وبالجلسة المحددة لنظره وأن أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد تدخل النيابة فيها بالحضور وإبداء الرأى أو بتقديم مذكرة برأيها وصدر الحكم فيه دون مراعاة ما سلف فإنه يكون باطلاً .
(الطعن رقم 12 لسنة 57 جلسة 1993/11/08 س 44 ع 3 ص 170 ق 319)
3 ـ النص فى المادة196من قانون التجارة على أن الحكم بإشهار الإفلاس يجوز أن يصدر بناء على طلب المدين المفلس أو طلب مداينيه أو الوكيل عن الحضرة الخديوية أو تصدره المحكمة من تلقاء نفسها " وفى المادة 88 من قانون المرافعات على أنه " فيما عدا الدعاوى المستعجلة يجب على النيابة العامة أن تتدخل فى الحالات الآتية وإلا كان الحكم باطلاً :1-الدعاوى التى يجوز لها أن ترفعها بنفسها 2-000" وفى المادة 91/1 من القانون الأخير على أن " تعتبر النيابة ممثلة فى الدعوى متى قدمت مذكرة برأيها فيها ولا يتعين حضورها إلا إذا نص القانون على ذلك " وفى المادة92من ذات القانون على أنه " فى جميع الأحوال التى ينص فيها القانون على تدخل النيابة العامه، يجب على قلم كتاب المحكمة إخبار النيابة كتابة بمجرد قيد الدعوى 000" مؤداه أنه يجب على النيابة العامة أن تتدخل فى دعاوى الإفلاس بحسبانها من الدعاوى التى يجوز لها أن ترفعها بنفسها،ويتعين لذلك على قلم كتاب المحكمة المرفوعة إليها الدعوى إخبار النيابة كتابة بمجرد رفعها،فإذا ما تم الإخبار على هذا النحو وجب على النيابة-على خلاف قانون المرافعات الملغى بالقانون13لسنة1968-أن تتدخل فى تلك الدعوى بالحضور فيها وإبداء الرأى أو بتقديم مذكرة برأيها،فإذا صدر الحكم دون أن تتدخل النيابة على نحو ما سلف كان باطلاً بطلاناً من النظام العام يجوز الدفع به فى أية مرحلة كانت عليها الدعوى،ويكون للنيابة العامة أن تثيره، لما كان ذلك وكان الثابت من مفردات ملف الإستئناف المطعون فى الحكم الصادر فيه أن قلم الكتاب لم يخبر النيابة كتابة برفع الإستئناف وبالجلسة المحددة لنظره وأن أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد تدخل النيابة فيها بالحضور وإبداء الرأى أو بتقديم مذكرة برأيها وصدر الحكم فيه دون مراعاة ما سلف فإنه يكون باطلاً .
(الطعن رقم 1599 لسنة 52 جلسة 1991/12/02 س 42 ع 2 ص 1747 ق 274)
4 ـ من المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن مفاد نص المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 فى شأن بعض الإجراءات فى قضايا الأحوال الشخصية و الوقف و المادة 3/88 من قانون المرافعات أن تدخل النيابة فى قضايا الوقف لا يكون وجوبياً إلا إذا كان النزاع متعلقاً بأصل الوقف أو بصحته أو بالاستحقاق فيه أو بتفسير شروطه أو بالولاية عليه مما كانت تختص به المحاكم الشرعية أما فى غير ذلك ، فإن تدخلها يكون جوازياً على ما جرى به نص المادة 2/89 من قانون المرافعات.
(الطعن رقم 931 لسنة 51 جلسة 1985/03/21 س 36 ع 1 ص 432 ق 93)
6 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن تدخل النيابة العامة فى المسائل المتعلقة بالوقف أهلياً كان أو خيرياً وجوبى طبقاً لنص المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 و إن هذا التدخل مرهون بأن يكون النزاع متعلقاً بأصل الوقف أو إنشائه أو الإستحقاق فيه مما كانت تختص به المحاكم الشرعية قبل إلغائها بالقانون رقم 462 لسنة 1955 و أنه يستوى فى ذلك أن تكون الدعوى أصلاً من دعاوى الوقف أو تكون قد رفعت بإعتبارها دعوى مدنية و أثيرت فيها مسألة متعلقة بالوقف .
(الطعن رقم 819 لسنة 52 جلسة 1983/04/12 س 34 ع 1 ص 956 ق 193)
7 ـ تدخل النيابة العامة فى قضايا الوقف طبقاً للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 ليس واجب - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلا فى الدعاوى المتعلقة بإنشاء الوقف أو بصحته أو بالإستحقاق فيه أو بتفسيرشروطه أو بالولاية عليه أو بحصوله فى مرض الموت مما يعتبر من المسائل المتعلقة بالوجود القانون للوقف .
(الطعن رقم 214 لسنة 50 جلسة 1985/06/11 س 36 ع 2 ص 894 ق 185)
8 ـ القول بأن المادة 89 من قانون المرافعات القائم و المعمول به إعتباراً من 1968/11/10 الذى أدرج الدعوى أمام محكمة أول درجة - جعلت تدخل النيابة العامة جوازياً فى الدعاوى المتعلقة بالأوقاف الخيرية و أنها بهذه المثابة تعد ناسخة للقانون 628 لسنة 1955 فى هذا الخصوص بحيث يصبح تدخلها فى القضايا المتعلقة بالوقف الخيرى جوازياً و يستمر وجوبياً فيما عداه من الأحوال التى نص عليها فيه ، مردود بأن مؤدى المادة الثانية من القانون المدنى أنه و إن كان الأصل فى نسخ التشريع أن يتسم بنص صريح ينظمه تشريع لاحق إلا أن النسخ قد يكون ضمنياً أما بصدور تشريع جديد يشتمل على نص يتعارض تعارضاً تاماً و مطلقاً مع نص فى التشريع القديم ، و فى هذه الحالة يقتصر النسخ على الحدود التى يتحقق فيها هذا التعارض ، و إما بصدور تشريع جديد ينظم تنظيماً كاملاً وضعاً من الأوضاع التى أفرد لها تشريع سابق ، و فى هذه الحالة يعتبر التشريع السابق منسوخاً جملة و تفصيلاً و لو إنتفى التعارض بين نصوص هذا التشريع و نصوص التشريع الذى تلاه . و لما كانت المادة 89 وردت فى قانون المرافعات و هو قانون عام ، و كان القانون 628 لسنة 1955 قانون خاصاً قصد به مواجهة حالة معينة نتجت عن إلغاء المحاكم الشرعية و المجالس المحلية بمقتضى القانون رقم 462 لسنة 1955 فإنها لا تؤدى إلى إلغاء القواعد المعمول بها فى شأن هذه الحالة الخاصة كإستثناء من المبدأ العام الذى نص عليه التشريع العام خاصة و أنه لم يشر صراحة إلى هذه الحالة بالذات و لم تجىء عبارته قاطعة على سريان حكمه فى جميع الأحوال و أنه يمكن التوفيق بين نصوصه و نصوص التشريع الخاص السابق عليه ، ذلك أن المراحل التشريعية قاطعة فى أن لكل من المادة 89 من قانون المرافعات و المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 نطاقه الذى تتحدد به لا يتداخلان و لا يبغيان ، إذ أن المادة 89 تقابل المادة 100 من قانون المرافعات الملغى رقم 77 لسنة 1949 التى كانت تنص هى الأخرى على أن تدخل النيابة فى القضايا الخاصة بالأوقاف الخيرية جوازى ، و كان هذا التدخل الجوازى له مجاله فى دعاوى الأوقاف الخيرية التى تعرض على المحاكم الإبتدائية فيما يخرج عن إختصاص المحاكم الشرعية التى كانت قائمة وقتذاك و هى تلك التى لا تتعلق بأصل الوقف أو إنشائه أو توافر أركانه أو شخص المستحق فيه ، فلما صدر القانون رقم 462 لسنة 1955 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 147 لسنة 1949 بنظام القضاء و ألغيت بمقتضاه المحاكم الشرعية و المجالس المحلية و أحيلت الدعاوى المنظورة أمامها إلى المحاكم المدنية عمد المشرع إلى إصدار القانون رقم 628 لسنة 1955 و أوجبت الفقرة الثانية من مادته الأولى تدخل النيابة فى كل قضية متعلقة بالأحوال الشخصية أو بالوقف مما كان يندرج ضمن إختصاص المحاكم الشرعية الملغاة ، و هذا الوضع قائم وباق على ما هو عليه ، و من ثم فإن القول بإن المادة 89 من قانون المرافعات الحالى نسخت جزئياً حكم المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 فى صدد الوقف الخيرى فيه مجاوزة المرد المشرع يساند ذلك أن كلا من المادتين 88 ، 89 من قانون المرافعات اللتين عددتا مواضع تدخل النيابة وجوباً وجوازاً لم تعرضا للقضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية خلافاً لما يجرى به نص المادة 99 من قانون المرافعات الملغى ، تقديراً من المشرع بأن القانون رقم 628 لسنة 1955 بين الأحوال التى يكون فيها تدخل النيابة جوازياً أو وجوبياً مما مفاده بقاء هذا القانون بكافة أحكامه ، بل و إكتفى المشرع بما أوردته الفقرة الثالثة من المادة 88 و الفقرة السابعة من المادة 89 من إشارة إلى الحالات التى تلغى القوانين الخاصة على وجوب التدخل أو جوازه مما يعنى أنه ما كان يستهدف تجويز التدخل فى صدد قضايا الأوقاف الخيرية التى كانت تختص بها المحاكم الشرعية و إنما قصد إلى وجوب تدخل النيابة فيها إحتفاء منه بهذا النوع من الدعاوى و إعتداد بأهميتها الخاصة ، يظاهر هذا الرأى أن قضاء هذه المحكمة قد إستقر على أنه بعد صدور القانون رقم 628 لسنة 1955 أصبحت النيابة العامة طرفاً أصلياً فى قضايا الأحوال الشخصية و الوقف التى لا تختص بها المحاكم الجزئية مما مؤداه وفقاً للمادة 87 من قانون المرافعات أن لها كل ما للخصوم من حقوق و عليها كل ما عليهم من إلتزامات ، و القول بأن تدخلها أصبح جوازياً فى قضايا الوقف الخيرى يتجافى مع هذا الإعتبار .
(الطعن رقم 359 لسنة 44 جلسة 1977/11/30 س 28 ع 2 ص 1729 ق 297)
(ب) التدخل :
ويفترض هذا التدخل أن هناك خصومة قائمة بين أطرافها، فتتدخل النيابة العامة في هذه الخصومة. والهدف من هذا التدخل، هو ضمان تطبيق القانون وأن يحدث هذا التطبيق بالنظر إلى المصلحة العامة التي استهدفتها القاعدة القانونية المطبقة حقيقة أن على القاضي مراعاة هذا الهدف من تلقاء نفسه، ولكن تدخل النيابة يساعده في تحقيقه وقد جرى الفقهاء على تسمية النيابة العامة عندئذ بالطرف المنضم وهي تسمية معيبة، فمن ناحية هي ليست طرفاً لأن الطرف يسعى دائماً - ولو كان منضماً - للدفاع عن مصلحة ذاتية له؛ في حين أن النيابة العامة تسعى بتدخلها إلى تطبيق القانون. ولو كانت طرفاً لخولت السلطات الأساسية لأطراف الخصومة، في حين أن سلطاتها محدودة. ومن ناحية أخرى، هي ليست منضما فهي لا تنضم للمدعى أو المدعى عليه إذ قد يكون تطبيق القانون غير متفق مع المصلحة التي يدافع عنها أيهما، والموقف الذي تتخذه النيابة العامة في الخصومة لا يتحدد بطلبات الخصوم فيها، وإنما يعتمد موقفها على سير الخصومة ونتائج التحقيق وعلى أساسها تطلب التطبيق الدقيق للقانون ولهذا فهي لا تعتبر بتدخلها طرفاً وإنما هي ممثلة للمصلحة العامة في خصومة بين آخرين وعلى هذا الأساس تتحدد سلطاتها في الخصومة، وهي سلطات قد لا يملك بعضها نفس الأطراف.
وتدخل النيابة العامة إما أن يكون وجوبياً، أي يجب عليها التدخل؛ أو يكون اختيارياً، فيترك التدخل لتقديرها رغم توافر حالاته. وللتفرقة بين نوعي التدخل أهمية. ففي حالات التدخل الوجوبي، إذا لم تتدخل النيابة العامة فإن الحكم الصادر في الدعوى يكون باطلاً (مادة 88) ويكون البطلان متعلقة بالنظام العام، للقاضي للحكم به من تلقاء نفسه، ويمكن التمسك به في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض وعلى العكس فإنه، في التدخل الاختياري، إذا لم تتدخل النيابة فلا أثر لعدم تدخلها في صحة الحكم.
التدخل الوجوبي : يكون تدخل النيابة وجوبياً في ثلاث طوائف من الحالات : (أ) في جميع الدعاوى التي لها أن ترفعها ابتداء . فإذا رفعت دعوی شهر إفلاس من غيرها، فإن عليها أن تتدخل فيها. (ب) في الحالات التي ينص القانون على وجوب تدخلها فيها. من هذه ما تنص عليه المادة 2 / 88 مرافعات من أنه يجب على النيابة العامة أن تتدخل في جميع «الطعون والطلبات أمام محكمة النقض» في المسائل المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية ، وما تنص عليه المادة السادسة من قانون رقم (1) لسنة 2000 من أن «على النيابة العامة أن تتدخل في دعاوى الأحوال الشخصية والوقف التي تختص بها المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف وإلا كان الحكم باطلاً»). (ج) إذا أمرت المحكمة بإرسال ملف القضية إلى النيابة العامة. فوفقاً للمادة 90 مرافعات للمحكمة من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوى أن ترسل ملف القضية إلى النيابة العامة. ووفقاً للنص يجب لإمكان إرسال الملف للنيابة أن تكون قد عرضت في القضية «مسألة تتعلق بالنظام العام أو الآداب»، وفي هذا يختلف القانون المصري عن القانون الفرنسي مادة 424 - المجموعة الجديدة) إذ وفقاً له، يكون للمحكمة طلب رأى النيابة العامة إذا عرضت مسألة ترى المحكمة أخذ رأى النيابة العامة في تطبيق القانون بالنسبة لها. وليس للمحكمة هذه السلطة في القانون المصري، وإذا أرسل الملف إلى النيابة العامة، فليس لها تقدير تعلق الأمر بالنظام العام أو الآداب، فهذه مسألة سبق تقديرها من المحكمة، وإنما يجب على النيابة العامة التدخل.
وسواء كان التدخل وجوبياً أو اختيارياً، فإنه غير جائز بالنسبة الدعاوى المستعجلة . (88 و 89 مرافعات) وعلة هذا أن هذه القضايا تقتضي العجلة، فلا يجوز تأخير الفصل فيها إلى حين إبداء النيابة العامة رأيها. ومن ناحية أخرى، فإن المطلوب في هذه القضايا هو مجرد إجراء وقتی مما لا يتسم بالخطورة على المصلحة العامة التي تدخل النيابة لحمايتها.
وحيث يخول القانون النيابة العامة سلطة التدخل في حالة من الحالات وجوبياً أو جوازياً، فإن لها هذه السلطة - وجوباً أو جوازاً - ليس فقط أمام محكمة أول درجة وإنما أيضاً أمام محكمة ثاني درجة. ولا يعفيها من وجوب التدخل أمام المحكمة الاستئنافية - عندما يكون التدخل وجوبياً - أن تكون قد تدخلت أمام محكمة أول درجة في نفس القضية ومن ناحية أخرى ، فإن وجوب تدخل النيابة أو جوازه يحدث، سواء رفعت الدعوى المتعلقة بالدعوى أصلية أو كطلب عارض، أو أثيرت كمسألة أولية في دعوى أخرى.(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 762)
أولاً: حالات تدخل النيابة وجوبياً في الدعوى:
نصت المادة (88) على حالات التدخل الوجوبي للنيابة العامة، وتعتبر النيابة طرفاً أصلياً فإنها تلتزم بالحضور والمرافعة شفاهة أو كتابة مثلها مثل سائر الخصوم وقد تكون خصماً منضماً ولكن يلزمها القانون بذلك كنيابة النقض، فإذا تخلف مثلها عن الحضور أو حضر ولم يترافع كان الحكم الذي يصدر مبنياً على إجراءات باطلة مما يبطله، ولا يحتج بنص المادة (91) إلا عندما تكون النيابة طرفاً منضماً - فيما عدا الحضور أمام محكمة النقض - وحينئذ يجوز لها الاكتفاء بتقديم مذكرة دون حضور ممثلها الجلسة، وتتمثل حالات التدخل الوجوبي فيما يلي:
(1) تدخل النيابة في دعاوى الإفلاس
تنص المادة (88) من القانون المدني على أنه يجب على النيابة العامة أن تتدخل في الدعاوى التي يجوز أن ترفعها بنفسها وإلا كان الحكم باطلاً، مؤداه - كقاعدة عامة - أن كل دعوى يجوز رفعها من النيابة العامة، يجب عليها أن تتدخل فيها فور إخطار قلم کتاب لها، بحيث إذا أخطرت ولم تتدخل وفقاً للمادة (91) من القانون المدني كان الحكم الذي يصدر في الدعوى باطلاً.
(2) تدخل النيابة في دعاوى الأحوال الشخصية :
تنص المادة (6) من القانون رقم واحد لسنة 2000 الخاص بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، على أنه - مع عدم . الإخلال باختصاص النيابة العامة برفع الدعوى في مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة المنصوص عليه في القانون رقم 3 لسنة 1996 - للنيابة العامة رفع الدعوى ابتداء في مسائل الأحوال الشخصية إذا تعلق الأمر بالنظام العام أو الآداب، كما يجوز لها أن تتدخل في دعاوى الأحوال الشخصية التي تختص بها المحاكم الجزئية، وعلى النيابة العامة أن تتدخل في دعاوى الأحوال الشخصية والوقف التي تختص بها المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف وإلا كان الحكم باطلاً .
وإذ أجازت المادة السادسة سالفة البيان للنيابة العامة رفع الدعوى ابتداء في مسائل الأحوال الشخصية التي تتعلق بالنظام العام أو الآداب، فإن تدخلها في هذه الدعاوى يكون وجوبياً عملاً بالمادة (88) من قانون المرافعات وإلا كان الحكم باطلاً. ويكون تدخلها وجوبياً في دعاوى الأحوال الشخصية والوقف التي تختص بها المحاكم الابتدائية، كما يجب عليها أن تتدخل أمام محاكم الاستئناف عند نظر الطعون المرفوعة في الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية، ولم ينص القانون على جواز تدخلها أمام المحاكم الابتدائية عند انعقادها بهيئة استئنافية لنظر الطعون في الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية.
وبالنسبة لتدخل النيابة في الدعاوى المتعلقة بالأوقاف الخيرية.
(3) تدخل النيابة في دعاوى الوقف:
تنص الفقرة الأخيرة من المادة (6) من القانون رقم واحد لسنة 2000 سالف البيان على وجوب تدخل النيابة العامة في دعاوى الوقف التي تختص بها المحاكم الابتدائية وفي الطعون التي ترفع إلى محاكم الاستئناف عن الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية، ويترتب على الإخلال بما تضمنته هذه المادة بطلان الحكم، وهو بطلان يتعلق بالنظام العام مما يجوز التمسك به مباشرة أمام محكمة النقض ولو لم تتضمنه صحيفة الطعن.
وإذ أوجب القانون التدخل في الدعاوى المتعلقة بأصل الوقف سواء رفعت الدعوى ابتداء على هذا الأساس أم رفعت دعوى مدنية وأثيرت فيها مسألة فرعية متعلقة بأصل الوقف وفي الحالة الأخيرة تقرر المحكمة التأجيل وتكلف قلم الكتاب بإخطار النيابة العامة، فإن لم تفعل وقضت في الدعوى وتصدت لتلك المسألة كان حكمها باطلاً فإن لم تتعلق الدعوى بأصل الوقف كان تدخل النيابة فيها جوازياً.
(4) تدخل النيابة في دعاوى الوصية والإرث:
كانت المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 المتعلق ببعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف، توجب على النيابة العامة التدخل في قضايا الأحوال الشخصية والوقف والإرث والوصية التي لا تختص بها المحاكم الجزئية، ويترتب على عدم تدخلها بطلان الحكم، والمقرر أن التدخل الوجوبي للنيابة يتطلب حضور ممثلها وإبداء رأيه في الدعوى، فلا يكفي تقديم مذكرة لأن مناط ذلك أن تكون النيابة خصماً منضماً وليست خصماً أصيلاً.
وقد ألغى القانون رقم 628 لسنة 1955 بالقانون رقم واحد لسنة 2000 ونص القانون الأخير في المادة (6) منه على وجوب تدخل النيابة العامة في دعاوى الأحوال الشخصية والوقف التي تختص بها المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف وإلا كان الحكم باطلاً، وأغفل النص على تدخلها في دعاوى الإرث والوصية إلا أن المقرر أن تلك الدعاوى تعتبر من المسائل التي تتعلق بالأحوال الشخصية ومن ثم يتعين تدخل النيابة العامة فيها وإلا كان الحكم باطلاً.
(5) تدخل النيابة في الدعاوى الضريبية:
تنص المادة (163) من القانون رقم 157 لسنة 1981 الخاص بالضرائب على الدخل، على وجوب تدخل النيابة العامة في الدعاوى الناشئة عن تطبيقه، مفاده أن كل منازعة ضريبية تخضع لأحكام هذا القانون، يجب أن تكون النيابة العامة ممثلة فيها وإلا كان الحكم باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام.
وإذا طعن في الحكم بالاستئناف، وتبين لمحكمة الاستئناف بطلانه، تدارکت هذه البطلان بضم ممثل النيابة لتشكيلها، ثم تقضي ببطلان الحكم المستأنف وتتصدى للموضوع دون أن تحيل في أسباب حكمها إلى أسباب الحكم المستأنف وإنما تقيم قضاءها على أسباب مستقلة وبهذا يتم تصحيح البطلان.
ويتمثل التدخل الوجوبي للنيابة العامة في حضورها بجلسة المرافعة وإبداء الرأي في الدعوى شفاهة، وقد تكتفي بطلب رفض الدعوى، وقد تبدی الرأي بمذكرة يقدمها ممثل النيابة بجلسة المرافعة التي يحضرها، فإن أودعت النيابة مذكرتها دون أن يحضر من يمثلها، فلا يعتبر ذلك تدخلاً في الدعوى، إذ طالما أوجب القانون تدخلها في الدعوى، كانت خصماً أصيلاً يجب حضوره وإبداء رأيه، خلافاً لما إذا كان تدخلها جوازیاً فتكون حينئذ، إذا تدخلت، خصماً منضماً، لم يشترط القانون تدخلها ويجوز لها الاكتفاء بتقديم مذكرة بالرأي.
ثانياً: تدخل النيابة في الطعون والطلبات أمام محكمة النقض:
يجب على النيابة العامة، ممثلة في نيابة النقض، أن تتدخل في كافة الطعون والطلبات التي تنظر بجلسات المرافعة أمام محكمة النقض حتى لو لم يحضر الطاعن والمطعون ضده، وينحصر حضور النيابة في جلسات المرافعة دون غرفة المداولة حتى لو صدرت فيها قرارات في الطعون أو الطلبات.
ولا يكفي أن تودع نيابة النقض مذكرة برأيها في الطعن وإنما يجب عليها الحضور بالجلسة ممثلة في أحد أعضائها وغالباً ما يصمم على الطلبات التي تضمنتها المذكرة عند نظر الطعن من الناحية الموضوعية، فإن كانت الجلسة محددة لنظر الطلب المستعجل بوقف التنفيذ أبدت النيابة رأيها برفض الطلب أو بوقف التنفيذ دون إبداء الرأي في موضوع الطعن لعدم طرحه على المحكمة ولأن النيابة لا تكون قد أودعت مذكرتها بعد، وتعتبر النيابة طرفاً منضماً في الطعن أو الطلب أمام محكمة النقض ويوجب القانون حضور ممثل النيابة أمامها.
ثالثاً: دعوى تنازع الاختصاص:
تنص المادة (88) من قانون المرافعات على أنه يجب على النيابة العامة أن تتدخل في الطعون والطلبات أمام محكمة تنازع الاختصاص. وكان مفاد ذلك، وجوب تدخلها سواء كان التنازع إيجابياً بادعاء أكثر من جهة قضائية اختصاصها بنظر الدعوى، أو سلبياً بقضاء يصدر من أكثر من جهة قضائية بعدم اختصاصها ولائياً بنظرها.
وإذ صدر قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 ونص في المادة (20) منه على أن تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بالفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منها ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها.
فإن مفاد ذلك أن تكون ولاية القضاء في تنازع الاختصاص قد عقدت المحكمة الدستورية العليا دون القضاء العادي، وهو ما ينطوي على تعديل ضمني للمادة (88 ) من قانون المرافعات، ولا تمثل النيابة العامة أمام المحكمة الدستورية العليا.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الثاني / الصفحة 503)
لم يفت المشرع في المادة 88 أن يذكر ضمن حالات التدخل الوجوبي الطعون، والطلبات أمام محكمة النقض وأمام محكمة تنازع الاختصاص إقراراً منه بما تنص عليه القوانين القديمة من وجوب تدخلها في هذه الحالات كما نص المشرع في المادة 90 منه على أن تدخل النيابة حيث ترى المحكمة حاجة لتدخلها يكون وجوبياً، ذلك أن دعوى المحكمة للنيابة بالتدخل هو تسليم منها برغبتها في الاستعانة برأي النيابة في الدعوى، وعلى اعتبار أن النيابة العامة هي الممثلة للصالح العام والأمينة على مصلحة القانون وأنه لا يصح حرمان القضاء من عون ضروري سعي هو إلي طلبه تحقيقاً للعدالة وبهذا تتحقق الجدوى من إرسال ملف الدعوى للنيابة.
ولا ريب في أنه لا حاجة إلي تدخل النيابة في الدعاوى المستعجلة حتى لا يعوق تدخلها فيها الفصل في الدعوى فضلاً عن أن ما يصدره القضاء المستعجل من قرارات لا يمس أصل الحقوق وهو ما نصت عليه المادتان 88، 89 من القانون.
حالات التدخل الإجباري :
نصت عليها المادة 88 ومن أمثلة الحالات المقصودة بالفقرة الثالثة منها ما نصت عليه المادة الأولى من القانون 628 سنة 1950 من وجوب تدخل النيابة في كل قضية تتعلق بالأحوال الشخصية مع مراعاة الاستثناء الوارد في الفقرة الأولي من هذه المادة ومقتضى ذلك أنه يجوز للنيابة التدخل في قضايا الأحوال الشخصية التي تختص بها المحاكم الجزئية بموجب القانون 462 سنة 1955 ويجب عليها أن تتدخل في كل قضية أخرى تتعلق بالأحوال الشخصية أو الوقف، وفي الحالات التي يكون فيها تدخل النيابة إجبارياً لا يجوز صدور الحكم قبل سماع أقوال النيابة فإذا رفعت دعوى مدنية إلا أنه أثيرت أثناء نظرها مسألة أولية مما يوجب القانون فيها تدخل النيابة وفصلت المحكمة في المسألة الأولية وبنت قضاءها في الدعوى المدنية على أساس فصلها في المسألة الأولية دون تدخل النيابة فإن الحكم يكون باطلاً وهو بطلان متعلق بالنظام العام ( مرافعات رمزي سیف الطبعة الثامنة ص 87 وما بعدها).
وتدخل النيابة وجوبي ولو أبديت الدعوى في صورة طلب عارض أثناء نظر دعوى مدنية، والتدخل المنصوص عليه في هذا الباب يكون أمام محكمتي الدرجة الأولي والثانية .
وقد يكتفي القانون من التدخل حضور ممثل النيابة العامة جلسات المحكمة، ولا يلزم النيابة بإيذاء الرأي كما هو الشأن في دعاوى الضرائب وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة 163 من القانون 136 سنة 1981 - أما في الحالات الأخرى التي أوجب القانون التدخل فيها فإنه يجب فضلاً عن حضور الجلسة إبداء الرأي ويكفي في ذلك أن تفوض الأمر للمحكمة غير أنه إذا أتاحت المحكمة الفرصة للنيابة لإبداء رأيها ولم تبده فإنه لا يترتب على ذلك البطلان.
ولا يترتب البطلان إذا لم يشر الحكم في أسبابه إلي رأي النيابة أو أغفل اسم عضو النيابة الذي حضر الجلسة أو أبدي الرأي .
تدخل النيابة العامة في دعاوى الأحوال الشخصية في ظل القانون رقم 1 لسنة 2000 :
نصت المادة 6 من قانون تنظيم أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 علي حالات تدخل النيابة في الدعاوى سواء أكان هذا التدخل جوازياً أم وجوبياً كما أجازت لها هذه المادة رفع الدعوى ابتداء في بعض مسائل الأحوال الشخصية .(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني، الصفحة : 1003)
التدخل الوجوبي للنيابة العامة في الدعوى وحالاته : يوجب القانون تدخل النيابة في بعض الدعاوى القائمة بين أطرافها، وذلك بهدف، ضمان تطبيق القانون على نحو يحقق المصلحة العامة التي استهدفتها القاعدة القانونية الواجبة التطبيق، وهذا التدخل يساعد القاضي على تحقيق ذلك، ويسمى البعض النيابة العامة عندئذ بالطرف المنضم (رمزی سيف - بند 62 ص 91) وهذه التسمية منتقدة، لأن النيابة العامة لا تدافع عن مصلحة ذاتية وإنما تهدف إلى حسن تطبيق القانون، كما أنها لا تنضم للمدعي أو المدعى عليه، إذ قد يكون تطبيق القانون غير متفق مع المصلحة التي يدافع عنها أيهما (فتحی والی - بند 216 ص 341 )
وحيث يوجب القانون تدخل النيابة، فإنه وفقاً للمادة 88 - محل التعليق - يكون الحكم باطلاً إذا لم تتدخل، ولكن ينبني ملاحظة أن الدعاوى المستعجلة مستثناة من ذلك وفقاً للمادة 88، لأنه لا حاجة إلى تدخل النيابة في الدعاوى المستعجلة حتى لا يعوق تدخلها فيها الفصل في الدعوى، فضلاً عما يصدره القضاء المستعجل من أحكام لا يمس أصل الحقوق، فهو قضاء وقتی لا يتعرض لأصل الحق.
وحالات التدخل الوجوبي للنيابة العامة في الدعوى تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: جميع الدعاوى التي للنيابة العامة رفعها ابتداء: فإنه لم ترفع النيابة دعوى من هذه الدعاوى ورفعها غيرها، فإنه يجب عليها أن تتدخل فيها، ومثال ذلك إذا رفعت دعوى شهر إفلاس من غيرها فإنه يجب عليها أن تتدخل في هذه الدعوى.
ثانياً: في الحالات التي ينص القانون على وجوب تدخلها فيها: من هذه ما تنص عليه المادة 88/2 مرافعات من محل التعليق - من أنه يجب على النيابة العامة. أن تتدخل في جميع . الطعن والطلبات أمام النقض، في المسائل المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية وما تنص عليه المادة السادسة من القانون 1 لسنة 2000 بأنه على النيابة العامة أن تدخل في دعاوى الأحوال الشخصية والوقف التي تختص بها المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف وإلا كان الحكم باطلاً.
ويلاحظ أن الوصية تعتبر من فسائل الأحوال الشخصية التي يتعين تدخل النيابة فيها، وعلى ذلك فإنه إذا رفعت دعوى بصحة ونفاذ عقد صدر من المورث لوارثه ودفعت الدعوى بأن التصرف في حقيقته وصية أي تصرف مضاف لما بعد الموت، فإنه يتعين على المحكمة في هذه الحالة . إخطار النيابة للتدخل في الدعوى (الدناصوری و عكاز ص 512 ).
ثالثاً: إذا أمرت المحكمة بإرسال ملف القضية إلى النيابة العامة: فوفقاً للمادة 90 مرافعات، للمحكمة من تلقاء نفسها في أية حال كانت عليها الدعوى أن ترسل ملف القضية إلى النيابة العامة. «إذا عرضت في القضية مسألة تتعلق بالنظام العام أو الآداب». وإن أرسل الملف إلى النيابة العامة. فليس لها تقدير تعلق الأمر بالنظام العام أو الآداب، فهذه مسألة سبق تقديرها من المحكمة، وإنما يجب على النيابة العامة التدخل (فتحى والى - ص 342 ).
ويلاحظ أن محكمة تنازع الاختصاص المشار إليها في المادة 88 - محل التعليق : كانت تختص بالفصل في مسائل تنازع الاختصاص، ثم صدر القانون رقم 81 لسنة 1969 ، بإنشاء المحكمة العليا، ونصت المادة الرابية من هذا القانون على اجتماع هذه المحكمة بالفصل في مسائل تنازع الاختصاص، ثم صدر قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979، ونصر في المادة 25 منه على اختصاص هذه المحكمة بالفصل في تنازع الاختصاص.
وفي الحالات التي يكون فيها تدخل النيابة إجبارياً لا يجوز صدور الحكم قبل سماع أقوال النيابة، فإذا رفعت دعوى مدنية إلا أنه أثيرت أثناء نظرها مسألة أولية، مما يوجب القانون فيها تدخل النيابة وفصلت المحكمة في المسألة الأولية. وبنت قضاءها في الدعوى المدنية على أساس فصلها في المسألة الأولية دون تدخل النيابة، فإن الحكم يكون باطلاً. نقض 29/3/1953، منشور في المحاماة سنة 35 ص 20، ورمزي سيف الطبعة الثامنة ص 87 وما بعدها)
وقد يكتفي القانون من التدخل حضور ممثل النيابة العامة جلسات المحكمة ولا يلزم النيابة بإبداء الرأي كما هو الشأن في دعاوى الضرائب وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة 163 من القانون 136 لسنة 1981: أما في الحالات الأخرى التي أوجب القانون التدخل فيها، فإنه يجب فضلاً عن حضور الجلسة إبداء الرأي. ويكفي في ذلك أن تفوض الأمر للمحكمة غير أنه إذا أتاحت المحكمة الفرصة للنيابة لإبداء رأيها ولم تبده فإنه لا يترتب على ذلك البطلان.
وتدخل النيابة يكون أمام محكمة الدرجة الأولى والثانية، فتدخلها وإبداؤها رأيها أمام محكمة أول درجة لا يغني عن وجوب تدخلها وإبداؤها الرأي أمام محكمة ثاني درجة.
نقض 23/5/1968 - طعن 410 لسنة 34 قضائية).
وكما ذكرنا آنفاً يجب تدخل النيابة في قضايا الأحوال الشخصية وإلا كان الحكم باطلا (نقض 17/6/1969 ، سنة 20 ص 967 )، وفي قضايا الوقف، سواء أكانت الدعوى أصلا من دعاوى الوقف أو رفعت باعتبارها دعوى مدنية وأثرت فيها مسالة تتعلق بالوقف وإلا كان الحكم باطلاً مع جواز إثارة ذلك لأول مرة في النقض (نقض 19/1/1971، سنة 22 ص 46، ونقض 23/3/1971، سنة 22 ص 263، ونقض 23/12/1969، سنة 20 ص 1312)، وبشرط أن يكون النزاع حول أصل الوقت أو إنشائه أو شروطه.
(نقض 18/1/1977، الطعن رقم 384 سنة 43 قضائية، ونقض 2/11/1976، الطعن رقم 277 سنة 39 قضائية).
فالنزاع المتعلق بملكية جهة الوقف لأرض النزاع لا يتعلق بأصل الوقف أو بسائر مسائله ومؤدى ذلك عدم لزوم تدخل النيابة العامة في الدعوى (مادة 1 القانون 628 لسنة 1955 - نقض 30/11/1988، طعن رقم 1234 لسنة 54 قضائية).
إذ لا يعتبر من مسائل الوقف التي توجب تدخل النيابة النزاع حول ملكية العين موضوع الدعوى الذي يثور بين جهة الوقف أو بعض المستحقين فيه وبين الغير حول ملكية العين موضوع الدعوى (نقض 26/6/1986 ، طعن 37 سنة 51 قضائية - سنة - 37 - ص 769، 11/2/1986، طعن 1253 سنة 52 قضائية، 19/12/1985، طعن 51 سنة 36 قضائية)، كما لا يعتبر كذلك الدعوى التي ترفع بصحة ونفاذ عقد بیع عن مساحة أرض آلت إلى البائع عن طريق الاستحقاق في الوقف (نقض 22/2/1988 طعن 2292 سنة 51 قضائية، 31/3/1955، طعن 931 سنة 51 قضائية، نقض 4/12/1983 - طعن 51 سنة 50 قضائية، نقض 25/11/1982 ، طعن 9 سنة 49 قضائية . سنة 33 ص 1042 ).
ويلاحظ أن إغفال كاتب المحكمة إخطار النيابة بقضايا القصر بطلان نسبي ولا يجوز تمسك القاصر بهذا البطلان لأول مرة أمام النقض.
(نقض 18/3/1971، سنة 22 ص 359).
كما أنه لا يترتب بطلان عند إغفال اسم عضو النيابة (نقض 8/12/1976، الطعن رقم 31 لسنة 44 قضائية)، ولا يترتب عند إغفال الحكم إيراد رأي النيابة في مدوناته ما دامت قد أبدته بالفعل (نقض 17/11/1976، رقم 24 لسنة 25 قضائية)، ويكفي أن تبدى الرأي مرة واحدة، ولا يلزم أن تبديه في كل خطوة من خطوات الدعوي إذ يحمل سكوتها على أنها لم تغير رأيها السابق.
(نقض 24/11/1976 ، رقم 4 سنة 45 قضائية).
وكما ذكرنا فإن عدم تدخن النيابة مع وجوبه بأمر القانون، أو عدم إثبات رأي النيابة ضمن بيانات الحكم يرتب بطلاناً (نقض 2/6/1956، السنة 6 ص 1231)، وهذا البطلان من النظام العام تحكم به المحكمة ولو لم يتمسك به أي خصم أو لم تتمسك به النيابة.
(نقض 19/1/1956، لسنة 7 ص 117، وانظر أيضاً استئناف اسكندرية في 8/4/1957، المحاماة 38 ص 917 ، ونقض 28/2/1967 ، لسنة 18 ص 509، ونقض 21/12/1966، لسنة 17 ص 1966).
وحيث ينص القانون يجب تدخل النيابة في الدعوى حتى ولو تمت في صورة طلب عارض أو دعوی فرعية ما دام القانون يوجب التدخل في الدعوى. ويترتب البطلان جزاء المخالفة.
نقض 26/3/1953، السنة 4 ص 770، ونقض 15/1/1959، طعن رقم 12 سنة 25 قضائية أحوال شخصية).(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء / الثاني، الصفحة : 702)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن ، الصفحة / 116
الْبَاطِلُ لاَ يَصِيرُ صَحِيحًا بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:
التَّصَرُّفَاتُ الْبَاطِلَةُ لاَ تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِنَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ وَعَوْدَتِهِ يُعْتَبَرُ قَائِمًا فِي نَفْسِ الأَْمْرِ، وَلاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ الاِنْتِفَاعُ بِحَقِّ غَيْرِهِ نَتِيجَةَ تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَا دَامَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً.
هَذَا هُوَ الأَْصْلُ، وَالْقُضَاةُ إِنَّمَا يَقْضُونَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ أَدِلَّةٍ وَحُجَجٍ يَبْنُونَ عَلَيْهَا أَحْكَامَهُمْ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ.
وَلِذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْهُ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ، وَأَظُنُّهُ صَادِقًا، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ.
وَمُضِيِّ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَى أَيِّ تَصَرُّفٍ، مَعَ عَدَمِ تَقَدُّمِ أَحَدٍ إِلَى الْقَضَاءِ بِدَعْوَى بُطْلاَنِ هَذَا التَّصَرُّفِ، رُبَّمَا يَعْنِي صِحَّةَ هَذَا التَّصَرُّفِ أَوْ رِضَى صَاحِبِ الْحَقِّ بِهِ. وَمِنْ هُنَا نَشَأَ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِهَا بِحَسَبِ الأَْحْوَالِ، وَبِحَسَبِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَبِحَسَبِ الْقَرَابَةِ وَعَدَمِهَا، وَمُدَّةِ الْحِيَازَةِ، لَكِنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ سَمَاعَ الدَّعْوَى لاَ أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ، إِنْ كَانَ بَاطِلاً. يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، قَذْفًا أَوْ قِصَاصًا أَوْ لِعَانًا أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ.
وَيَقُولُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، إِلاَّ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: لَوْ قَضَى بِبُطْلاَنِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ.
وَفِي التَّكْمِلَةِ لاِبْنِ عَابِدِينَ: مِنَ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ: الْقَضَاءُ بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ سِنِينَ. ثُمَّ يَقُولُ. عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ ثَلاَثِينَ سَنَةً، أَوْ بَعْدَ الاِطِّلاَعِ عَلَى التَّصَرُّفِ، لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى بُطْلاَنِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَنْعٍ لِلْقَضَاءِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى، مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ يَلْزَمُهُ.
وَفِي مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَِنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ، فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ - وَإِنْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى حِيَازَةَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ مُدَّةً تَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ - إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْمُدَّعِي حَاضِرًا مُدَّةَ حِيَازَةِ الْغَيْرِ، وَيَرَاهُ يَقُومُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّصَرُّفِ وَهُوَ سَاكِتٌ. أَمَّا إِذَا كَانَ يُنَازِعُهُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُفِيدُ شَيْئًا مَهْمَا طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَفِي فَتْحِ الْعَلِيِّ لِمَالِكٍ رَجُلٌ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضٍ بَعْدَ مَوْتِ أَهْلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، مَعَ وُجُودِ وَرَثَتِهِمْ، وَبَنَاهَا وَنَازَعَهُ الْوَرَثَةُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَنْعِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَلْدَتِهِمْ، فَهَلْ لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا؟ أُجِيبَ: نَعَمْ. لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا... سَمِعَ يَحْيَى مِنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ عُرِفَ بِغَصْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ لاَ يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ، فَلاَ يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَإِنْ طَالَ بِيَدِهِ أَعْوَامًا إِنْ أَقَرَّ بِأَصْلِ الْمِلْكِ لِمُدَّعِيهِ، أَوْ قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ؛ لأَِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ تُوجِبُ تَصْدِيقَ غَيْرِ الْغَاصِبِ فِيمَا ادَّعَاهُ مَنْ تَصِيرُ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ، وَهُوَ حَاضِرٌ لاَ يَطْلُبُهُ وَلاَ يَدَّعِيهِ، إِلاَّ وَقَدْ صَارَ إِلَى حَائِزَةٍ إِذَا حَازَهُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا.