دور النيابة العامة في الدعوى المدنية :
إذا كانت النيابة العامة تقوم وظيفتها أساساً على تمثيل المجتمع في الدعوى الجنائية فإنه يكون من المناسب أن يمتد هذا التمثيل إلى مساهمتها في الدعوى المدنية كلما اتصلت بمصالح المجتمع حتى لا يحرم القضاء من عون ضروری او مفيد.
ومن هنا اتجه المشروع إلى التوسع في الحالات التي تتدخل فيها النيابة العامة في الدعاوى المدنية فأجاز لها التدخل في کل دعوى تتعلق بالنظام العام أو الآداب المادة 88 من المشروع وأوجب عليها هذا التدخل إذا عرضت في الدعوى مسألة من هذا القبيل ورات المحكمة مناسبة تدخل النيابة العامة فيها فأرسلت إليها ملف القضية (المادة 89 من المشروع)، كما أجاز لها الطعن في الأحكام التي تصدر في القضايا التي يوجب القانون أو يجيز لها التدخل فيها ولو لم تكن قد تدخلت فيها وذلك إذا خالف الحكم قاعدة من قواعد النظام العام المادة 95 من المشروع).
ومن جهة أخرى استحدث المشروع نظام الطعن بالنقض من النائب العام لمصلحة القانون لمواجهة صعوبات تعرض في العمل وتؤدي إلى تعارض القضاء في المسالة القانونية الواحدة ولا يكون من سبيل إلى عرضها على المحكمة العليا لتقول كلمة القانون فيها فتضع حداً لتضارب الأحكام فخول النائب العام أن يطعن بطريق النقض لمصلحة القانون في الأحكام الانتهائية أياً كانت المحكمة التي أصدرتها وذلك في الأحكام التي لا يجيز القانون للخصوم الطعن فيها وفي الأحكام التي فوت الخصوم ميعاد الطعن أو نزلوا فيها عنه على ألا يفيد الخصوم من هذا الطعن (المادة 250 من المشروع) ولا يتقيد هذا الطعن بميعاد معين (المادة 252 من المشروع) .
لم يفت المشروع في المادة 87 منه أن يذكر ضمن حالات التدخل الوجوبي الطعون والطلبات أمام محكمة النقض امام محكمة تنازع الاختصاص إقراراً منه بما تنص عليه القوانين القائمة من وجوب تدخلها في هذه الحالات كما نص المشروع في المادة 89 منه على أن تدخل النيابة حيث ترى المحكمة حاجة لتدخلها يكون وجوباً ذلك أن دعوة المحكمة للنيابة بالتدخل هو تسليم منها برغبتها في الاستعانة برأي النيابة في الدعوى على اعتبار أن النيابة العامة هي الممثلة للصالح العام والأمينة على مصلحة القانون ولأنه لا يصح حرمان القضاء من عون ضروری سعى هو إلى طلبه تحقيقاً للعدالة وبهذا تتحقق الجدوى من إرسال ملف الدعوى للنيابة.
ولا ريب في أنه لا حاجة إلى تدخل النيابة في الدعاوى المستعجلة حتى لا يعوق تدخلها فيها الفصل في الدعوى فضلاً عن أن ما يصدره القضاء المستعجل من قرارات لا يمس أصل الحقوق وهو ما نصت عليه المادتان 87 ، 88 من المشروع .
1 ـ أنه و إن أجاز المشرع بمقتضى المادة 89 من قانون المرافعات أن تتدخل النيابة العامة أمام محاكم الإستئناف و المحاكم الإبتدائية فى قضايا حددها من بينها القضايا الخاصة بالقصر و أوجب فى المادة 92 من ذات القانون على كاتب المحكمة إخبار النيابة العامة كتابة فى هذه الحالات بمجرد قيد الدعوى حتى تتاح لها فرصة العلم بالنزاع و تقدير مدى الحاجة إلى تدخلها و إبداء رأيها فيه و إنه يترتب على إغفال هذا الإجراء بطلان الحكم - إلا أن ذلك مقصور على أصحاب المصلحة فيه دون غيرهم من الخصوم - و ذلك على ما جرى به قضاء هذ المحكمة .
(الطعن رقم 769 لسنة 48 جلسة 1981/11/08 س 32 ع 2 ص 1994 ق 362)
2 ـ أجاز المشرع للنيابة العامة فى المادة 89 من قانون المرافعات التدخل فى قضايا حددها من بينها القضايا الخاصة بالقصر ، و أوجب فى المادة 92 من هذا القانون على كاتب المحكمة أخبار النيابة العامة فى هذه الحالات بمجرد قيد الدعوى حتى تتاح لها فرصة العلم بالنزاع و تقدير مدى الحاجة إلى تدخلها و إبداء رأيها فيه ، و يترتب على إغفال هذا الإجراء الجوهرى بطلان الحكم ، إلا أن هذا البطلان و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة بطلان نسبى مقرر لمصلحة القصر دون غيرهم من الخصوم ، و إذ كان الثابت من الأوراق أن الولى الشرعى على القصر رغم مثوله أمام المحكمة أول درجة لم يتمسك بوجوب أخطار النيابة العامة إلافى المذكرة التى قدمها بعد قفل باب المرافعة هو حجز الدعوى للحكم و التى إلتمس فيها فتح باب المرافعة لإخطار النيابة العامة ، فإنه لا تثريب على تلك المحكمة أن إلتفتت عن إجابه هذا الطلب .
(الطعن رقم 24 لسنة 44 جلسة 1979/03/05 س 30 ع 1 ص 713 ق 132)
(الطعن رقم 400 لسنة 45 جلسة 1978/12/07 س 29 ع 2 ص 1865 ق 360)
3 ـ القول بأن المادة 89 من قانون المرافعات القائم و المعمول به إعتباراً من 1968/11/10 الذى أدرج الدعوى أمام محكمة أول درجة - جعلت تدخل النيابة العامة جوازياً فى الدعاوى المتعلقة بالأوقاف الخيرية و أنها بهذه المثابة تعد ناسخة للقانون 628 لسنة 1955 فى هذا الخصوص بحيث يصبح تدخلها فى القضايا المتعلقة بالوقف الخيرى جوازياً و يستمر وجوبياً فيما عداه من الأحوال التى نص عليها فيه ، مردود بأن مؤدى المادة الثانية من القانون المدنى أنه و إن كان الأصل فى نسخ التشريع أن يتسم بنص صريح ينظمه تشريع لاحق إلا أن النسخ قد يكون ضمنياً أما بصدور تشريع جديد يشتمل على نص يتعارض تعارضاً تاماً و مطلقاً مع نص فى التشريع القديم ، و فى هذه الحالة يقتصر النسخ على الحدود التى يتحقق فيها هذا التعارض ، و إما بصدور تشريع جديد ينظم تنظيماً كاملاً وضعاً من الأوضاع التى أفرد لها تشريع سابق ، و فى هذه الحالة يعتبر التشريع السابق منسوخاً جملة و تفصيلاً و لو إنتفى التعارض بين نصوص هذا التشريع و نصوص التشريع الذى تلاه . و لما كانت المادة 89 وردت فى قانون المرافعات و هو قانون عام ، و كان القانون 628 لسنة 1955 قانون خاصاً قصد به مواجهة حالة معينة نتجت عن إلغاء المحاكم الشرعية و المجالس المحلية بمقتضى القانون رقم 462 لسنة 1955 فإنها لا تؤدى إلى إلغاء القواعد المعمول بها فى شأن هذه الحالة الخاصة كإستثناء من المبدأ العام الذى نص عليه التشريع العام خاصة و أنه لم يشر صراحة إلى هذه الحالة بالذات و لم تجىء عبارته قاطعة على سريان حكمه فى جميع الأحوال و أنه يمكن التوفيق بين نصوصه و نصوص التشريع الخاص السابق عليه ، ذلك أن المراحل التشريعية قاطعة فى أن لكل من المادة 89 من قانون المرافعات و المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 نطاقه الذى تتحدد به لا يتداخلان و لا يبغيان ، إذ أن المادة 89 تقابل المادة 100 من قانون المرافعات الملغى رقم 77 لسنة 1949 التى كانت تنص هى الأخرى على أن تدخل النيابة فى القضايا الخاصة بالأوقاف الخيرية جوازى ، و كان هذا التدخل الجوازى له مجاله فى دعاوى الأوقاف الخيرية التى تعرض على المحاكم الإبتدائية فيما يخرج عن إختصاص المحاكم الشرعية التى كانت قائمة وقتذاك و هى تلك التى لا تتعلق بأصل الوقف أو إنشائه أو توافر أركانه أو شخص المستحق فيه ، فلما صدر القانون رقم 462 لسنة 1955 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 147 لسنة 1949 بنظام القضاء و ألغيت بمقتضاه المحاكم الشرعية و المجالس المحلية و أحيلت الدعاوى المنظورة أمامها إلى المحاكم المدنية عمد المشرع إلى إصدار القانون رقم 628 لسنة 1955 و أوجبت الفقرة الثانية من مادته الأولى تدخل النيابة فى كل قضية متعلقة بالأحوال الشخصية أو بالوقف مما كان يندرج ضمن إختصاص المحاكم الشرعية الملغاة ، و هذا الوضع قائم وباق على ما هو عليه ، و من ثم فإن القول بإن المادة 89 من قانون المرافعات الحالى نسخت جزئياً حكم المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 فى صدد الوقف الخيرى فيه مجاوزة المرد المشرع يساند ذلك أن كلا من المادتين 88 ، 89 من قانون المرافعات اللتين عددتا مواضع تدخل النيابة وجوباً وجوازاً لم تعرضا للقضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية خلافاً لما يجرى به نص المادة 99 من قانون المرافعات الملغى ، تقديراً من المشرع بأن القانون رقم 628 لسنة 1955 بين الأحوال التى يكون فيها تدخل النيابة جوازياً أو وجوبياً مما مفاده بقاء هذا القانون بكافة أحكامه ، بل و إكتفى المشرع بما أوردته الفقرة الثالثة من المادة 88 و الفقرة السابعة من المادة 89 من إشارة إلى الحالات التى تلغى القوانين الخاصة على وجوب التدخل أو جوازه مما يعنى أنه ما كان يستهدف تجويز التدخل فى صدد قضايا الأوقاف الخيرية التى كانت تختص بها المحاكم الشرعية و إنما قصد إلى وجوب تدخل النيابة فيها إحتفاء منه بهذا النوع من الدعاوى و إعتداد بأهميتها الخاصة ، يظاهر هذا الرأى أن قضاء هذه المحكمة قد إستقر على أنه بعد صدور القانون رقم 628 لسنة 1955 أصبحت النيابة العامة طرفاً أصلياً فى قضايا الأحوال الشخصية و الوقف التى لا تختص بها المحاكم الجزئية مما مؤداه وفقاً للمادة 87 من قانون المرافعات أن لها كل ما للخصوم من حقوق و عليها كل ما عليهم من إلتزامات ، و القول بأن تدخلها أصبح جوازياً فى قضايا الوقف الخيرى يتجافى مع هذا الإعتبار .
(الطعن رقم 359 لسنة 44 جلسة 1977/11/30 س 28 ع 2 ص 1729 ق 297)
4 ـ النعى على الحكم المطعون فيه ، بإغفال محكمة الإستئناف أخطار النيابة العامة هو نعى عار من الدليل إذ لم يقدم الطاعن شهادة رسمية تفيد تخلف قلم كتاب تلك المحكمة عن القيام بهذا الإخطار عقب قيد الإستئناف .
(الطعن رقم 24 لسنة 44 جلسة 1979/03/05 س 30 ع 1 ص 713 ق 132)
5 ـ إذ كان هدف الشارع من تدخل النيابة العامة فى القضايا الخاصة بالقصر هو رعاية مصلحتهم، فإن البطلان المترتب على إغفال كاتب المحكمة إخبار النيابة بهذه القضايا - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يكون بطلاناً نسبياً مقرراً لمصلحة القصر، فيتعين التمسك به أمام محكمة الموضوع، فإذا فاتهم ذلك فلا يجوز لهم التحدي به أمام محكمة النقض.
(الطعن رقم 1110 لسنة 47 جلسة 1978/12/20 س 29 ع 2 ص 1983 ق 386)
(ب) التدخل :
ويفترض هذا التدخل أن هناك خصومة قائمة بين أطرافها، فتتدخل النيابة العامة في هذه الخصومة. والهدف من هذا التدخل، هو ضمان تطبيق القانون وأن يحدث هذا التطبيق بالنظر إلى المصلحة العامة التي استهدفتها القاعدة القانونية المطبقة حقيقة أن على القاضي مراعاة هذا الهدف من تلقاء نفسه، ولكن تدخل النيابة يساعده في تحقيقه وقد جرى الفقهاء على تسمية النيابة العامة عندئذ بالطرف المنضم وهي تسمية معيبة، فمن ناحية هي ليست طرفاً لأن الطرف يسعى دائماً - ولو كان منضماً - للدفاع عن مصلحة ذاتية له؛ في حين أن النيابة العامة تسعى بتدخلها إلى تطبيق القانون. ولو كانت طرفاً لخولت السلطات الأساسية لأطراف الخصومة، في حين أن سلطاتها محدودة. ومن ناحية أخرى، هي ليست منضما فهي لا تنضم للمدعى أو المدعى عليه إذ قد يكون تطبيق القانون غير متفق مع المصلحة التي يدافع عنها أيهما، والموقف الذي تتخذه النيابة العامة في الخصومة لا يتحدد بطلبات الخصوم فيها، وإنما يعتمد موقفها على سير الخصومة ونتائج التحقيق وعلى أساسها تطلب التطبيق الدقيق للقانون ولهذا فهي لا تعتبر بتدخلها طرفاً وإنما هي ممثلة للمصلحة العامة في خصومة بين آخرين وعلى هذا الأساس تتحدد سلطاتها في الخصومة، وهي سلطات قد لا يملك بعضها نفس الأطراف.
وتدخل النيابة العامة إما أن يكون وجوبياً، أي يجب عليها التدخل؛ أو يكون اختيارياً، فيترك التدخل لتقديرها رغم توافر حالاته. وللتفرقة بين نوعي التدخل أهمية. ففي حالات التدخل الوجوبي، إذا لم تتدخل النيابة العامة فإن الحكم الصادر في الدعوى يكون باطلاً (مادة 88) ويكون البطلان متعلقة بالنظام العام، للقاضي للحكم به من تلقاء نفسه، ويمكن التمسك به في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض وعلى العكس فإنه، في التدخل الاختياري، إذا لم تتدخل النيابة فلا أثر لعدم تدخلها في صحة الحكم.
التدخل الاختياري : يكون تدخل النيابة العامة اختيارياً في طائفتين من الحالات :
(أ) حالات محددة ينص القانون على جواز تدخل النيابة العامة فيها. وأهم هذه الحالات هي تلك التي تنص عليها المادة 89 مرافعات ومنها الدعاوى الخاصة بعديمي الأهلية وناقصيها والغائبين والمفقودين والهبات والوصايا المرصدة للبر ودعاوى رد القضاة وأعضاء النيابة ومخاصمتهم والصلح الواقي في الإفلاس وما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 1/6 من ق. رقم (1) لسنة 2000 من أنه يجوز للنيابة العامة التدخل في قضايا الأحوال الشخصية التي تختص بها المحاكم الجزئية ويلاحظ أنه إذا نص القانون على تدخل النيابة في خصومة دون أن يصف تدخلها، فإن هذا التدخل يكون جوازياً. إذ هو الأصل في تدخل النيابة العامة.
(ب) إذا تعلقت الدعوى بالنظام العام أو الآداب . ويرجع تقدير تعلق ۔ الدعوى بالنظام العام أو الآداب إلى النيابة العامة.
وسواء كان التدخل وجوبياً أو اختيارياً، فإنه غير جائز بالنسبة الدعاوى المستعجلة (88 و 89 مرافعات) وعلة هذا أن هذه القضايا تقتضي العجلة، فلا يجوز تأخير الفصل فيها إلى حين إبداء النيابة العامة رأيها. ومن ناحية أخرى، فإن المطلوب في هذه القضايا هو مجرد إجراء وقتی مما لا يتسم بالخطورة على المصلحة العامة التي تدخل النيابة لحمايتها.
وحيث يخول القانون النيابة العامة سلطة التدخل في حالة من الحالات وجوبياً أو جوازياً، فإن لها هذه السلطة - وجوباً أو جوازاً - ليس فقط أمام محكمة أول درجة وإنما أيضاً أمام محكمة ثاني درجة ولا يعفيها من وجوب التدخل أمام المحكمة الاستئنافية - عندما يكون التدخل وجوبياً - أن تكون قد تدخلت أمام محكمة أول درجة في نفس القضية ومن ناحية أخرى، فإن وجوب تدخل النيابة أو جوازه يحدث، سواء رفعت الدعوى المتعلقة بالدعوى أصلية أو كطلب عارض ، أو أثيرت كمسألة أولية في دعوى أخرى.(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 762)
حالات تدخل النيابة جوازياً في الدعوى:
عندما يجيز القانون للنيابة العامة التدخل في الدعوى، يكون لها أن تتدخل فيها، وإذا قررت التدخل كان لها الحضور بالجلسة أو الاكتفاء بتقديم مذكرة برأيها، وتكون حينئذ طرفاً منضماً فلا يحق لها إبداء طلبات أو دفوع ما لم تكن متعلقة بالنظام العام، ويجوز تدخلها في الحالات التالية :
(1) الدعاوى الخاصة بعديمي الأهلية وناقصيها والغائبين والمفقودين:
يجب على قلم الكتاب إخطار النيابة العامة بكل من هذه الدعاوى فور قيدها عملاً بالمادة (92) من قانون المرافعات ويترتب على مخالفة ذلك بطلان الحكم بطلاناً غير متعلق بالنظام العام ومقرر لمصلحة عديم الأهلية أو ناقصها أو الغائب أو المفقود وهي مصلحة خاصة بحيث إن لم يتمسك نائبه به فلا تقضي به المحكمة. ويجب إخطار النيابة سواء كانت الدعاوی مرفوعة من نائب أحد هؤلاء أو عليه.
وإذا رفعت الدعوى على عديم الأهلية أو من في حكمه دون نائبه باعتباره کامل الأهلية أو ليس غائباً أو مفقوداً مما أدى إلى عدم إخطار النيابة بها ثم صدور الحكم، كان النائب المحكوم عليه الطعن فيه والتمسك ببطلانه لعدم الإخطار حتى لو كان عديم الأهلية أو ناقصها قد أوهم خصمه بأنه كامل الأهلية، ويسرى ذات الحكم إذا كان عديم الأهلية أو ناقصها هو المدعي.
وقد تستقيم الدعوى عند رفعها ثم يفقد أحد الخصوم أهليته أو يعتبر مفقوداً أثناء سيرها، ويحل محله فيها من ينوب عنه، وحينئذ يجب على المحكمة أن تكلف قلم الكتاب بإخطار النيابة فإن أغفلت ذلك وقضت في الدعوى كان للنائب الطعن فيه والتمسك ببطلانه لعدم إخطار النيابة بوجود عديم أهلية أو ناقصها أو مفقود.
وتنص المادة (74) من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال بأن تقيم المحكمة وكيلاً عن الغائب كامل الأهلية متى كانت قد انقضت مدة سنة أو أكثر على غيابه إذا كان مفقوداً لا تعرف حياته أو مماته، وإذا ترك وكيلاً عاماً تحكم المحكمة بتثبيته (مادة 75) ومفاد ذلك أن الغيبة أو الفقد تثبت بحكم قضائي فإن لم يصدر حكم بثبوت الغيبة أو الفقد فلا يساغ القول باعتبار الخصم غائباً أو مفقوداً بحيث إذا صدر ضده حكم في أية دعوى دون إخطار النيابة كان صحيحاً ما لم يكن باطلاً لسبب آخر. ويسري على الوكيل ما يسري على الوصي.
(2) الدعاوى المتعلقة بالأوقاف الخيرية والهبات والوصايا المرصدة للبر :
وقد تعارض هذا البند فيما يتعلق بالأوقاف الخيرية والوصايا المرصدة للبر مع القانون رقم 628 لسنة 1955 الخاص ببعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف إذ نصت الفقرة الثانية من المادة الأولى منه على وجوب تدخل النيابة في كل قضية لا تختص بها المحكمة الجزئية تتعلق بالأحوال الشخصية أو بالوقف وإلا كان الحكم باطلاً، وكانت الوصايا المرصدة للبر تتعلق بالأحوال الشخصية عملاً بالمادة السابعة من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 وتناول في المادة (62) كيفية تقدير قيمة الوصية ومن ثم تقدير قيمة الدعوى المتعلقة بها بحيث إن اختصت بها المحكمة الابتدائية كان تدخل النيابة فيها وجوباً دون اعتداد بنص المادة (89) من قانون المرافعات لورودها في قانون عام بينما يعتبر القانون رقم 628 لسنة 1955 قانوناً خاصاً لا يلغيه القانون العام، ويسرى ذلك بالنسبة لسائر الوصايا سواء رفعت الدعوى بها ابتداء أم رفعت دعوى مدنية وأثيرت فيها مسألة أولية تتعلق بالوصية، كما يجب تدخل النيابة في كافة الدعاوى المتعلقة بالوقف سواء كان أهلياً أو خیراً طالما تعلقت بأصل الوقف فإن لم تتعلق بأصل الوقف كان تدخل النيابة جوازياً.
أما الدعاوى المتعلقة بالهبات المرصدة للبر فينحصر فيها نص المادة (89) من قانون المرافعات باعتبارها خارجة عن مسائل الأحوال الشخصية ومن ثم يكون تدخل النيابة في الدعاوى المتعلقة بها جوازاً، فإن لم تخطر بها كان الحكم قابلاً للإبطال.
(3) الدعاوى التي يدفع فيها بعدم الاختصاص الولائي:
يجوز للنيابة العامة أن تتدخل فيها لإبداء الرأي في الدفع، سواء أبدى هذا الدفع أمام محكمة الدرجة الأولى أو بصحيفة الاستئناف، وفي الحالة الأولى تقوم المحكمة بإخطارها بالدفع أما في الحالة الثانية فيخطرها قلم کتاب المحكمة الاستئنافية، فإن لم يتم هذا الإخطار كان الحكم باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام أساسه مصلحة عامة، فإن لم يبد هذا الدفع، كان على المحكمة قبل أن تتصدى له من تلقاء نفسها أن تكلف قلم الكتاب بإخطار النيابة للتدخل فإن لم تخطر وتصدت المحكمة للموضوع بعد رفضها للدفع، جاز لكل ذي مصلحة الطعن في الحكم طالباً القضاء ببطلانه.
(4) دعاوى رد القضاة وأعضاء النيابة ومخاصمتهم :
ويحصل الرد بتقرير في قلم الكتاب يقوم برفعه إلى رئيس المحكمة الذي يرسل صورة منه إلى النيابة العامة عملاً بنص المادة (155) من قانون المرافعات التقرير ما إذا كانت تتدخل في الدعوى أم لا، فإن لم ترسل تلك الصورة كان الحكم باطلاً بطلاناً مطلقاً لمساسه بالنظام العام.
(5) الصلح الواقي من الإفلاس:
يبدأ الصلح الواقي من الإفلاس بتحرير عقد صلح بين المدين وأغلبية الدائنين وترفق نسخة منه بالطلب المقدم لرئيس المحكمة، فإذا رأت المحكمة أن الطلب جائزاً القبول أصدرت أمراً بافتتاح إجراءات الصلح الواقي تعين فيه أحد أعضائها المباشرة الإجراءات ورقيباً من خبراء الجدول البحث الجدوى من الصلح وعرض تقريره على جماعة الدائنين، وتخطر النيابة العامة بالجلسة المحددة لتصديق المحكمة على الصلح الواقي، فإن لم تخطر جاز لأي دائن رفع دعوى مبتدأة بإبطال الحكم الصادر بالتصديق على عقد الصلح الواقي من الإفلاس، ذلك لأن الصلح الذي تصدق عليه المحكمة يعد بمثابة سند واجب التنفيذ ولا يعد حكماً قضائياً رغم استيفائه الشكل المقرر للأحكام ولذلك لا يكون قابلاً للطعن بالطرق المقررة للطعن في الأحكام.
(6) الدعاوى التي ترى النيابة العامة التدخل فيها لتعلقها بالنظام العام أو الآداب:
وقد ترك المشرع للنيابة العامة الحق في أن تقرر تدخلها في الدعوى في هذه الحالات من تلقاء نفسها دون حاجة لإخطارها، وتبدي رأيها شفاهة أو كتابة فيما يتعلق بالنظام العام أو الآداب فحسب دون المسائل الأخرى التي لا تتعلق بها، وإذا صدر الحكم بالمخالفة لها كان لها الحق في الطعن فيه، وإذا تعلقت الدعوى بالنظام العام أو الآداب ولم تكن من الدعاوى التي تتدخل فيها النيابة، وصدر الحكم دون إخطارها بها أو تدخلهاء فيها، فلا يكون مشوباً بالبطلان.
(۷) وللنيابة التدخل في الدعاوى الأخرى التي يجيز القانون تدخلها فيها:
مثل دعاوى الأحوال الشخصية والوقف التي تختص بنظرها المحاكم الجزئية وفقاً للقانون رقم واحد لسنة 2000، ولا يترتب البطلان على عدم تدخلها ولكن يتعين إخطارها وإلا كان الحكم باطلاً .(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الثاني / الصفحة 524)
ولا ريب في أنه لا حاجة إلي تدخل النيابة في الدعاوى المستعجلة حتى لا يعوق تدخلها فيها الفصل في الدعوى فضلاً عن أن ما يصدره القضاء المستعجل من قرارات لا يمس أصل الحقوق وهو ما نصت عليه المادتان 88، 89 من القانون .(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني ، الصفحة : 1003)
التدخل الجوازی للنيابة العامة في الدعوى المدنية وحالاته:
توسع المشرع في الحالات التي تتدخل فيها النيابة في الدعاوى المدنية اعتباراً بأن النيابة تمثل المجتمع، ولذلك يكون من المناسب ألا تقتصر وظيفتها على تمثيل المجتمع في الدعوى الجنائية، وهي وظيفتها الأساسية وأن يمتد هذا التمثيل إلى المساهمة في الدعوى المدنية كلما اتصلت بمصالح المجتمع حتى لا يحرم القضاء من عون أثبت العمل فائدته المحققه فقد لوحظ أن الحكم في القضايا التي تتدخل فيها النيابة قلما يحيد عن الصحة والحقيقة، كما أن من شأن هذا التوسع في حالات تدخل النيابة في الدعاوى المدنية خلق نواة صالحة لقضاة خبروا العمل وتمرسوا فيه قبل جلوسهم للفصل في الدعاوى.
وقد أوضحنا فيما مضى حالات التدخل الوجوبي للنيابة في الدعوى المدنية، وقد أشارت المادة 89 محل التعليق - لحالات التدخل الجوازی، ويلاحظ أنه يستثنى من حالات التدخل الإجباري كما ذكرنا والاختياري الدعاوى المستعجلة ولهذا صدر المشرع نص المادة 88 التي عالجت حالات التدخل الإجباري ونص المادة 89 التي عالجت حالات التدخل الأختیاری بعبارة « فيما عدا الدعاوى المستعجلة، وقد علل المشرع هذا الاستثناء، كما ذكرنا آنفاً بأنه لا حاجة لتدخل النيابة في الدعاوى المستعجلة حتى لا يعوق تدخلها فيها الفصل في الدعوى فضلاً عن أن ما يصدره القضاء المستعجل من قرارات لا يمس أصل الحق ( المذكرة الإيضاحية للقانون ).
ووفقاً للمادة 89 - محل التعليق - فإن حالات التدخل الاختياري للنيابة هي :
1- الدعاوى الخاصة بعديمي الأهلية وناقصيها والغائبين والمفقودين، والمقصود بذلك دعاوى القصر وعديمي الأهلية والغائبين والمفقودين المدنية والتجارية مع الغير، ويلاحظ أن البطلان المترتب على عدم إخبار النيابة بوجود قاصر أو عديم الأهلية أو غائب في الدعوى هو بطلان نسبي لا يتعلق بالنظام العام فلا يجوز لغير صاحب الشأن وهو ممثل القاصر أو عديم الأهلية أو الغائب التمسك به ( 3/12/1991 ، طعن 918 سنة 55 قضائية ، نقض 4/12/1983 ، طعن 650 سنة 49 قضائية نقض 20/12/1978 - طعن 1110 سنة 47 قضائية سنة 29- ص 1983) . ولا يجوز التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض ( 9/6/1981 ، طعن 59 سنة 48 قضائية 8/11/1981 ، طعن 769 سنة 48 قضائية - 1/4/1975 ، طعن 585 سنة 39 قضائية سنة - 26 - ص 713، نقض 18/10/1971 ، طعن 44 سنة 36 قضائية - سنة - 22 ص 359 ويتعين أن يتمسك به قبل إقفال باب المرافعة، فإن تقدم به صاحب الشأن بعد ذلك فلا يعيب الحكم عدم الرد عليه .
(نقض 5/3/1979 طعن 24 سنة 24 قضائية سنة 30 ، العدد الأول ص 713 ).
2-الدعاوى الخاصة بالهبات والوصايا المرصدة للبر والدعاوى الخاصة بالأوقاف الخيرية، وقد اختلف أحكام محكمة النقض حول ما إذا كان تدخل النيابة في المنازعات المتعلقة بالوقف الخيري التي كانت تختص بها المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظرها للمحاكم عملاً بالقانون 462 لسنة 1955 يعتبر تدخلاً وجوبياً أو جوازياً، فقد ذهبت بعض أحكام الدائرة المدنية إلى أن هذا التدخل جوازي وذلك عملاً بالمادة 89/2 مرافعات التي تنص صراحة على أن تدخل النيابة جوازی. في الدعاوى المتعلقة بالأوقاف الخيرية ، ( من هذا الرأی : نقض 2/11/1976 في الطعن رقم 277 لسنة 39 قضائية، ونقض 2/2/1978 في الطعن رقم 408 لسنة 42 قضائية ).
بينما ذهبت لأحكام أخرى للدائرة المدنية وأحكام من دائرة الأحوال الشخصية إلى أن تدخل النيابة هنا وجوبی وذلك لأنه لا يسوغ القول بأن المادة 89 مرافعات جعلت تدخل النيابة العامة جوازياً بالنسبة لقضايا الوقف الخيري وإنما تعد ناسخة للقانون 462 لسنة 1955 لأنه بالإضافة إلى أن القانون العام لا يلغى الحكم الوارد في قانون خاص، فإن الفقرة الأخيرة من المادة 88 أوجبت تدخل النيابة في الحالات التي ينص القانون على وجوب تدخلها فيها.
( نقض مدنى 22/6/1977 - في الطعن رقم 606 لسنة، 42 قضائية ونقض احوال شخصية 7/4/1976 و 19/5/1976 - مجلة إدارة قضايا الحكومة 1977- عددا ص 178 رقم 23).
والراجح أن نص المادة 89 مرافعات يعتبر ناسخ لنص القانون 462 لسنة 1955 ولا يقال أن النص العام لا ينسخ النص الخاص ذلك أن نص المادة 89 مرافعات لا يعتبر نصاً عاماً بل هو نص خاص ينص بصفة محددة خاصة على الدعاوى المتعلقة بالأوقاف الخيرية، وهو بإعتباره نصاً خاصاً نسخ النص الذي سبقه، كما لا يقال أن المادة 88 مرافعات تشير إلى الحالات التي ينص القانون على التدخل وجوباً فيها، وذلك أن نص قانون 462 لسنة 1955 قد نسخ بنص المادة 89 مرافعات فلا ينصرف إليه نص المادة 88 مرافعات ( فتحي والي - هامش ص 343).
3-عدم الاختصاص لانتفاء ولاية جهة القضاء.
4- دعاوى رد القضاة وأعضاء النيابة ومخاصمتهم.
5-الصلح الواقي من الإفلاس .
6-الدعاوى التي ترى النيابة العامة التدخل فيها لتعلقها بالنظام العام أو الآداب، ومقتضى هذا النص أن يكون للنيابة العامة أن تتدخل في أي دعوى تتعلق بالنظام العام أو الآداب، كما أن تدخل النيابة الإختياري الذي تنص عليه الفقرة السادسة من المادة 89 - محل التعليق - هو - التدخل من تلقاء نفس النيابة، أما إذا أمرت المحكمة بإرسال ملف القضية للنيابة العامة فإن تدخلها يكون في هذه الحالة إجبارياً وفقاً للمادة 90 مرافعات.
7-كل حالة أخرى ينص القانون على جواز تدخلها فيها، مثال ذلك قضايا الأحوال الشخصية التي أصبحت من اختصاص المحاكم الجزئية بمقتضى القانون رقم 462 لسنة 1955 فقد سبق بيان أن القانون رقم 268 لسنة 1955 نص على أن تدخل النيابة في هذه القضايا يكون اختيارياً خلافاً للأصل العام في دعاوى الأحوال الشخصية حيث يكون تدخل النيابة إجبارياً.
في الحالات المتقدمة يكون تدخل النيابة اختيارياً بمعنى أن لها أن تتدخل أو لا تتدخل، ولا يترتب على عدم تدخلها أي بطلان .
(نقض 15/3/1956 منشور في المحاماة سنة 37 ص 435 ، وحكمها في 24/1/1952 في مجموعة أحكام محكمة النقض المدنية السنة الثالثة ص 328) .
وجدير بالذكر أنه في الحالات التي يكون فيها تدخل النيابة إجبارياً أو اختيارياً ولم يخطرها كاتب الجلسة بالدعوى ولم تتدخل فيها كان جزاء ذلك البطلان غير أنه يتعين التفرقة بين حالتين، الحالة الأولى حالة ما إذا كان التدخل مقصوداً به حماية مصلحة عامة كقضاء الأحوال الشخصية فإن مخالفة ذلك هو البطلان المتعلق بالنظام العام أما إذا كان التدخل مقرراً لصالح أحد الخصوم كناقص الأهلية فلا يجوز التمسك بالبطلان إلا منه أي من ممثله، ولا يجوز لخصمه أن يحتج به، فالبطلان المترتب على عدم تدخل النيابة في الدعاوى الخاصة بعديمي الأهلية وناقصيها والغائبين والمفقودين لا يتعلق بالنظام العام بل هو مقرر لصالحهم ومن ثم يتعين عليهم التمسك به أمام محكمة الموضوع .
(نقض 9/3/1976 في الطعن 141 سنه 42 ، ونقض 3/2/1976 في الطعن 446 سنه 42 ، ونقض 25/5/1967 - سنه 18 ص 1102 وقارن حكمها الصادر في 28/2/1967 ، سنة 18 ص 509) .
ويلاحظ أنه حيث يخول القانون النيابة العامة سلطة التدخل في حالة من الحالات وجوبياً أو جوازياً، فإن لها هذه السلطة ليس فقط أمام محكمة أول درجة وإنما أيضاً أمام محكمة ثاني درجة. ولا يعفيها من واجب التدخل أمام المحكمة الاستئنافية - عندما يكون التدخل وجوبياً ۔ أن تكون قد تدخلت أمام محكمة أول درجة في نفس القضية. نقض 23/5/1968 - سنة 19 ص 1402)، فإذا لم تدخل أمام المحكمة الاستئنافية فإن الحكم يكون باطلاً (نقض 17/5/1972 سنة 22 ص 949). ومن ناحية أخرى، فإن وجوب تدخل النيابة أو جوازه يكون قائماً، سواء رفعت الدعوى المتعلقة به كدعوى أصلية أو كطلب عارض، أو أثيرت كمسألة أولية في دعوى أخرى.
(نقض 16/11/1968 - سنة 19 عدد 2 ص 1402)(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء / الثاني، الصفحة : 724)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون ، الصفحة / 275
- الأَْهْلِيَّةُ:
- الأَْهْلِيَّةُ هِيَ مَصْدَرٌ صِنَاعِيٌّ لِكَلِمَةِ أَهْلٍ، وَمَعْنَاهَا لُغَةً كَمَا فِي أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ: الصَّلاَحِيَّةُ وَيَتَّضِحُ تَعْرِيفُ الأَْهْلِيَّةِ فِي الاِصْطِلاَحِ مِنْ خِلاَلِ تَعْرِيفِ نَوْعَيْهَا: أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ وَأَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ، فَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ هِيَ صَلاَحِيَّةُ الإِْنْسَانِ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَأَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ هِيَ صَلاَحِيَّةُ الإِْنْسَانِ لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا.
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الذِّمَّةِ وَالأَْهْلِيَّةِ أَنَّ الأَْهْلِيَّةَ أَثَرٌ لِوُجُودِ الذِّمَّةِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ فِي الإِْنْسَانِ ذَاتُ عُنْصُرَيْنِ: -
أَحَدُهُمَا: قَابِلِيَّتُهُ لِثُبُوتِ الْحُقُوقِ لَهُ أَيْ صَلاَحِيَّتُهُ لِلإِْلْزَامِ.
الثَّانِي: قَابِلِيَّتُهُ لِثُبُوتِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ أَيْ صَلاَحِيَّتُهُ لِلاِلْتِزَامِ.
فَالْعُنْصُرُ الأَْوَّلُ يَثْبُتُ لِلشَّخْصِ مُنْذُ كَوْنِهِ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَلاَ يَسْتَدْعِي وُجُوبَ ذِمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ فِي شَخْصِهِ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُ لاَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا نَاحِيَةُ الاِلْتِزَامِ أَيْ نَاحِيَةُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعُنْصُرُ الثَّانِي مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَابِلِيَّةُ التَّحَمُّلِ بِأَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ وَهَذَا لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بَعْدَ الْوِلاَدَةِ.
وَالثَّانِي: الذِّمَّةُ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الشَّخْصِ مَحَلٌّ مُقَدَّرٌ لاِسْتِقْرَارِ تِلْكَ الْحُقُوقِ فِيهِ بِحَيْثُ تَشْغَلُهُ تِلْكَ الْحُقُوقُ حَالَ ثُبُوتِهَا وَيَفْرُغُ مِنْهَا حَالَ سُقُوطِهَا.
وَهَذَانِ الأَْمْرَانِ اللَّذَانِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا تَصَوُّرُ الاِلْتِزَامِ هُمَا مُتَلاَزِمَانِ فِي الْوُجُودِ مُتَغَايِرَانِ فِي الْمَفْهُومِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّخْصِ أَهْلاً لِتَحَمُّلِ الْحُقُوقِ أَنْ يَكُونَ فِي شَخْصِهِ مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ لَهَا وَبِالْعَكْسِ، فَمَتَى اعْتُبِرَتْ لِلشَّخْصِ أَهْلِيَّةُ التَّحَمُّلِ شَرْعًا اعْتُبِرَتْ لَهُ ذِمَّةٌ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ تِلْكَ الأَْهْلِيَّةُ هِيَ الذِّمَّةَ نَفْسَهَا، بَلْ بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ مَا بَيْنَ مَعْنَى الْقَابِلِيَّةِ وَمَعْنَى الْمَحَلِّ.
ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ فِي الْعَلاَقَةِ بَيْنَ الذِّمَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ أَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ، فَهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْحُرِّ الْبَالِغِ الْكَامِلِ الأَْهْلِيَّةِ فَيُقَالُ: هُوَ ذُو ذِمَّةٍ وَذُو أَهْلِيَّةٍ، وَتَنْفَرِدُ الذِّمَّةُ فِي الْعَبْدِ فَهُوَ ذُو ذِمَّةٍ وَلاَ أَهْلِيَّةَ لَهُ، وَتَنْفَرِدُ الأَْهْلِيَّةُ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَيُقَالُ هُوَ ذُو أَهْلِيَّةٍ وَلاَ ذِمَّةَ مُسْتَقِلَّةً لَهُ.