loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق

جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق بشأن المادة 314 منه بالمقابلة للمادة 147 من القانون الحالي أن عمل القاضي في الأحوال المتقدمة، ولو بإتفاق الخصوم يقع باطلاً بحيث يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة وزيادة في الإصطيان والتحوط لسمعة القضاء نص على أنه إذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم . أن يطلب منها سحب الحكم وإعادة نظر الطعن ، وهذا إستثناء من الأصل العام الذي يجعل أحكام محكمة النقض بمنجى من الطعن .

الأحكام

1 ـ النص فى المادة 147 من قانون المرافعات على أنه " يقع باطلاً عمل القاضى أو قضاؤه فى الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصوم ، وإذا وقع هذا البطلان فى حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى . " وفى المادة 272 من ذات القانون على أنه " لا يجوز الطعن فى أحكام محكمة النقض بأى طريق من طرق الطعن " يدل على أن أحكام محكمة النقض لا يجوز تعييبها بأى وجه من الوجوه ، فهى واجبة الاحترام على الدوام باعتبار مرحلة النقض هى خاتمة المطاف فى مراحل التقاضى وأحكامها باتة لا سبيل إلى الطعن فيها ، وأن المشرع اغتنى عن النص على منع الطعن فى أحكام محكمة النقض بسائر طرق الطعن عادية أو غير عادية لعدم إمكان قصور الطعن بها على أحكام هذه المحكمة ولم يستثن المشرع من ذلك الأصل إلا ما أورده فى نص الفقرة الثانية من المادة 147 من قانون المرافعات من جواز الطعن ببطلان الحكم الصادر من محكمة النقض إذا قام بأحد القضاة الذين أصدروه سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها فى المادة 146 من هذا القانون ، وذلك زيادة فى الإصطيان والتحوط لسمعة القضاء . وسبيل الخصم إلى الطعن ببطلان حكم النقض طبقاً لهذا النص يكون بطلب – لا يعد طعناً بطريق النقض وإنما هو بمثابة دعوى بطلان أصلية – يقدم لمحكمة النقض التى اختصها المشرع بنظره ، فإذا ثبت لمحكمة النقض أن الطلب قد توافرت فيه موجبات قبوله ألغت الحكم الصادر منها فى الطعن وأعادت نظره أمام دائرة أخرى ، وإن تبين لها أن الطلب لم يكن كذلك حكمت بعدم قبوله .

(الطعن رقم 10029 لسنة 83 جلسة 2014/03/24)

2 ـ التماس إعادة النظر يعتبر طريقا غير عادى للطعن فى الأحكام الصادرة بصفة إنتهائية فى الحالات التى عددتها المادة 241 من قانون المرافعات على سبيل الحصر ، إلا أن النص فى المادة 272 من القانون المشار إليه على أنه " لا يجوز الطعن فى أحكام محكمة النقض بأى طريق من طرق الطعن " يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المشرع قد منع الطعن فى أحكام هذه المحكمة بأى طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية باعتبارها نهاية المطاف فى الخصومة ولم يستثنى من ذلك سوى ما نصت عليه المادة 2/147 من قانون المرافعات من جواز سحب الحكم الصادر من محكمة النقض وإعادة النظر فى الطعن فى حالة قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بأحد قضاة محكمة النقض الذين أصدروا الحكم ، لما كان ذلك وكان الحظر الوارد فى المادة 272 المشار إليها قد جاء عاما ومطلقا وكان تصدى محكمة النقض للموضوع والحكم فيه بعد نقض الحكم المطعون فيه وفقا لنص المادة 269 من قانون المرافعات لا يغير من طبيعة هذا الحكم وإعتباره صادرا من محكمة النقض فلا يعتبر بمثابة حكم صادر من محكمة الإستئناف فإن حظر الطعن الوارد بنص المادة 272 من قانون المرافعات وفيما عدا الحالة المنصوص عليها فى المادة 147/2 من هذا القانون يسرى على جميع الأحكام الصادرة من محكمة النقض سواء اقتصر قضاؤها فيها على الحكم فى الطعن أو شمل الحكم فى الموضوع فى الأحوال المقررة قانوناً وكان الطعن المعروض قد أقيم التماسا لاعادة النظر فى الحكم الصادر من محكمة النقض فى الطعن رقم 1119 لسنة 56 ق على سند من نص المادة 241/4 من المرافعات وليس إستنادا لنص المادة 2/147 من هذا القانون فإن الطعن يكون غير جائز .

(الطعن رقم 2606 لسنة 59 جلسة 1994/01/20 س 45 ع 1 ص 227 ق 48)

3 ـ النص فى المادة 272 من قانون المرافعات يدل على أن أحكام محكمة النقض لا يجوز تعييبها بأي وجه من الوجوه فهي واجبة الاحترام على الدوام باعتبار مرحلة النقض هي خاتمة المطاف فى مراحل التقاضي، وأحكامها باتة لا سبيل إلى الطعن فيها بأي طرق الطعن - سواء أمام محكمة النقض أو غيرها من المحاكم - لما فى ذلك من مساس بحجية أحكام محكمة النقض. ولم يستثني المشرع من ذلك الأصل إلا ما أورده فى نص الفقرة الثانية من المادة 147 من قانون المرافعات سالف الذكر من جواز الطعن ببطلان الحكم الصادر من محكمة النقض إذا قام بأحد القضاة الذين أصدروه سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها فى المادة 146 من هذا القانون.

(الطعن رقم 61 لسنة 69 جلسة 1999/10/26 س 50 ع 2 ص 1041 ق 204)

4 ـ مخالفة حكم النقض لمبدأ قانونى سبق أن قررته أحكام سابقة دون إحالة إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية طبقا للمادة 4 من قانون السلطة القضائية لا يترتب عليه البطلان ومن ثم لا يصلح هذا النعى سندا للطعن على الحكم الناقض إعمالا لنص المادة 2/147 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 1529 لسنة 62 جلسة 1994/01/06 س 45 ع 1 ص 96 ق 21)

5 ـ النص فى المادتان 147 ، 272 من قانون المرافعات يدل على أن أحكام محكمة النقض لا يجوز تعييبها بأى وجه من الوجوه فهى واجبة الإحترام على الدوام بإعتبار مرحلة النقض هى خاتمة المطاف فى مراحل التقاضى و أحكامها بأنه لا سبيل إلى الطعن فيها ، و أن المشرع إغتنى عن النص على منع الطعن فى أحكام محكمة النقض بسائر طرق الطعن عادية أو غير عادية لعدم إمكان تصور الطعن على أحكام هذه المحكمة ، و لم يستثن المشرع من ذلك . الأصل إلا ما أورده فى نص الفقرة الثانية من المادة 147 من قانون المرافعات من جواز الطعن ببطلان الحكم الصادر من محكمة النقض إذا قام بأحد القضاء الذين ما أصدروه سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها فى المادة 146 من هذا القانون ، و ذلك زيادة فى الإصطيان و التحوط لسمعة القضاء . و سبيل الخصم إلى الطعن ببطلان حكم النقض طبقاً لهذا النص يكون بطلب يقدمه لمحكمة النقض التى إختصها المشرع بنظره غير مقيد فيه بميعاد حتى أخذاَ بعموم النص و إطلاقه . و لا يسوغ القول بخضوع هذا الطلب لميعاد السنين يوماً المقرر للطعن طبقاً لنص المادة 252 من قانون المرافعات كما ذهب إلى ذلك المدعى عليه فى دفعة ، لأنه لا يعد طعناً بطريق النقض و إنما هو بمثابة دعوى بطلان أصلية ، و من ثم فلا يجرى عليه الميعاد المقرر للطعن طبقاً لهذا النص فإذا ثبت لمحكمة النقض أن الطلب قد توافرت فيه موجبات قبوله ألغت الحكم الصادر منها فى الطعن و أعادت نظر الطعن أمام دائرة أخرى و إن تبين لها أن الطلب لم يكن كذلك حكمت بعدم قبوله .

(الطعن رقم 2353 لسنة 55 جلسة 1990/03/22 س 41 ع 1 ص 819 ق 137)
(الطعن رقم 3499 لسنة 61 جلسة 1992/03/15 س 43 ع 1 ص 458 ق 99)

6 ـ النص فى المادة 146 من قانون المرافعات على أنه " يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم فى الأحوال الآتية .... 5- إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى ، أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً او محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها " وما تقضى به الفقرة الأولى من المادة 147 من هذا القانون من بطلان عمل القاضى وقضائه فى الأحوال المتقدمة ، ويدل – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – على أن علة عدم صلاحية القاضى للفصل فى الدعوى التى سبق له نظرها قاضياً هى الخشية من أن يلتزم برأيه الذى يشف عنه عمله المتقدم ، استناداً إلى أن أساس وجوب امتناع القاضى عن نظر الدعوى هو قيامه بعمل يجعل له رأياً فى الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فى القاضى من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً ، أخذاً بأن إظهار الرأى قد يدعو إلى التزامه مما يتنافى مع حرية العدول عنه .

(الطعن رقم 10029 لسنة 83 جلسة 2014/03/24)

7 ـ لما كان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة - تطبيقاً لأحكام المادتين 5/146 ، 1/147 من قانون المرافعات - أن مناط منع القاضى من سماع الدعوى و عدم صلاحيته للفصل فيه متى سبق له نظرها قاضياً و بطلان حكمه فى هذه الحالة - أن يكون قد أقام فى النزاع بعمل يجعله له - رأياً فى الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوعها حتى يستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً ، مخافة أن يتشبث برأية الذى يشف عن عمله المتقدم حتى و لو خالف مجرى العدالة ، و أخذاً بأن إظهار الرأى قد يدعو إلى إلتزامه - و لو فى النتيجة مما يتنافى مع ما ينبغى أن يتوافر له من حرية العدول عنه ، و ذلك ضناً بأحكام القضاء من أن تعلق بها إسترايه من جهة شخص القاضى لدواع يذعن لها عادة أغلب الخلق ، فإذا إستوجب الفصل فى الدعوى الإدلاء بالرأى فى مسائل أو حجج أو أسانيد عرض لها القاضى لدى فصله فى خصومة سابقة و أبدى رأياً فيها فإنه يكون غير صالح لنظر الدعوى و ممنوعاً من سماعها و إلا كان حكمه باطلاً ، و كان البين من الحكم الصادر فى الدعويين 3663 ، 3757 لسنة 1977 مدنى الإسكندرية الإبتدائى الذى كان تحت نظر محكمة الموضوع و إستأنفته الطاعنة و لم يفصل فى إستئنافها حتى صدر الحكم المطعون فيه - أن السيد رئيس الدائرة التى قضت فيها بعدم ثبوت ملكية الطاعنة لعقار النزاع هو نفسه عضو يمين الدائرة التى أصدرت الحكم المطعون فيه ، و كانت ملكية الطاعنة لهذا العقار هى التى يقوم عليها دفاعها فى الدعاوى الثلاث فإنه يكون ممنوعاً من سماع الدعوى الأخيرة و يستتبع إشتراكه فى إصدار الحكم فيها بطلان هذا الحكم عملاً بنص المادة 147 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 2246 لسنة 57 جلسة 1989/06/20 س 40 ع 2 ص 633 ق 268)

8 ـ النص فى المادتين 5/146 و 147 من قانون المرافعات يدل - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن القاضى لا يكون صالحاً لنظر الدعوى إذا كان قد سبق له نظرها قاضياً و إلا كان حكمه فيها باطلاً ، و لما كانت أسباب عدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى متعلقة بالنظام العام و يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض متى كانت العناصر اللازمة للإلمام بها مطروحة على محكمة الموضوع ، و كان الثابت بالأوراق أن السيد المستشار ..... عضو اليمين بالدائرة التى أصدرت الحكم المطعون فيه كان رئيساً للدائرة التى نظرت الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى و أصدرت فيها بجلسة 1976/1/14 حكماً قضى بندب مكتب الخبراء لمعاينة أطيان النزاع و بيان نصيب الطاعنة فيها و قيمته و سند ملكيتها له على النحو المبين بأسباب و منطوق ذلك الحكم و الذى كان تحت نظر الدائرة التى نظرت الإستئناف و أصدرت الحكم المطعون فيه . و من ثم يضحى غير صالح لنظر الدعوى أمام محكمة الإستئناف و يكون الحكم الصادر فيها من المحكمة المذكورة باطلاً .

(الطعن رقم 1369 لسنة 49 جلسة 1983/03/29 س 34 ع 1 ص 857 ق 176)

9 ـ لم يخول المشرع حق السحب لمحكمة النقض بصريح نص المادة 147 من قانون المرافعات القائم . و المقابلة للمادة 314 من قانون المرافعات السابق - إلا فى حالة قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بأحد قضاتها الذين أصدروا الحكم و أوردت المذكرة الإيضاحية إنه " زيادة فى الإطمئنان و التحوط لسمعة القضاء نص على أنه إذا وقع هذا البطلان فى حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها سحب الحكم و إعادة نظر الطعن و هى إستثناء من الأصل العام الذى يجعل أحكام محكمة النقض بمنجى من الطعن " ، مما مفاده أن هذه هى الحالة الوحيدة التى يحق فيها للدائرة المدنية بالمحكمة أن ترجع عن قضائها و تسحب فيها . و لئن ذهبت الدائرة الجنائية لمحكمة النقض إلى سحب الأحكام الصادرة فيها إذا وقع فيها خطأ مادى بناء على تظلم المحكوم عليه ، فإن القضاء الجنائي يتعلق فى صميمه بالأرواح و الحريات و للنيابة العامة دور هام فيها بإعتبارها الممثلة للمجتمع ، بخلاف القضاء المدنى الذى تعرض عليه خصومات مرددة بين الأفراد و تتصل بأموالهم ، و يدعى كل خصم فيها حقاً يناهض حق الآخر ، و يوازن القاضى بين دفاع كل منهما و يرجح أحدهما ، الأمر الذى يستلزم بطبيعة الحال إستقرار المراكز القانونية و عدم قلقلتها ، فلا تجوز المحاجة بما درجت عليه الدائرة الجنائية للمحكمة فى هذا الخصوص .

(الطعن رقم 770 لسنة 44 جلسة 1977/02/02 س 28 ع 1 ص 359 ق 71)

10 ـ لما كانت المادة 272 من قانون المرافعات تنص على انه "لا يجوز الطعن فى أحكام محكمة النقض بأى طريق من طرق الطعن " فقد أفادت بذلك - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن محكمة النقض هى خاتمة المطاف فى مراحل التقاضى ، و أحكامها باتة و لا سبيل إلى الطعن فيها ، و إن المشرع اغتنى عن النص على منع الطعن فى أحكام محكمة النقض بسائر طرق الطعن عادية أو غير عادية لعدم إمكان تصور الطعن بها على أحكام هذه المحكمة ، و لم يستثن المشرع من ذلك الأصل إلا ما ورد فى الفقره الثانية من المادة 147 من قانون المرافعات من جواز الطعن ببطلان الحكم الصادر من محكمة النقض إذا قام بأحد القضاة الذين أصدروه سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها فى المادة 146 من هذا القانون ، و ذلك زيادة فى الأصطيان و التحوط لسمعة القضاء . لما كان ما تقدم و كان الطالب لا يستند فى دعواه إلى سبب يندرج ضمن أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها على سبيل التحديد و الحصر فى المادة 146 من قانون المرافعات سالفة البيان فإن دعواه تكون غير مقبولة .

(الطعن رقم 316 لسنة 40 جلسة 1970/06/30 س 21 ع 2 ص 1092 ق 175)

11- المقرر– في قضاء هذه المحكمة – أن مفاد نص المادتين 146/ 5 ، 147 مرافعات يدل على أن القاضي لا يكون صالحاً لنظر الدعوى إذا كان قد سبق له نظرها قاضياً وإلا كان حكمه فيها باطلاً ، وكانت أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى متعلقة بالنظام العام ويجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض متى كانت العناصر اللازمة للإلمام بها مطروحة على محكمة الموضوع ، وكان نص المادة 269 / 3 مرافعات أنه ".. ويجب ألا يكون من بين أعضاء المحكمة التي أحيلت إليها القضية أحد القضاة الذين اشتركوا في إصدار الحكم المطعون فيه ." ؛ لما كان ذلك ، وكان الثابت بالأوراق أن السيد المستشار صلاح رمضان رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه هو نفسه رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم المنقوض والذى كان تحت نظر الدائرة التي نظرت الحكم المطعون فيه ، ومن ثم يضحي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه باطلاً ، بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة .

( الطعن رقم 190 لسنة 93 ق - جلسة 4 / 6 / 2023 )

شرح خبراء القاون

حماية القاضي من التأثر بعواطفه أو مصالحه الخاصة

القاضي كبشر له عواطفه ومصالحه الخاصة ، وهو لا يمكن أن يكون مستقلاً في عمله و محايداً بين الخصوم إذا وضع في موقف لابد وأن يتأثر فيه بهذه العواطف والمصالح . لهذا ينظم القانون المصرى بعض القواعد التي من شأنها حماية القاضي من التأثر بهذه الإعتبارات . وذلك في إتجاهين : الأول : إبعاد القاضي عن الإشتغال بأي عمل آخر غير القضاء ، حتى لا تنشأ له مصالح مادية أو أدبية ، أو يدخل في روابط مختلفة قد تؤثر عليه في عمله. الثاني : إبعاد القاضي عن الفصل في أية قضية من الواضح أنه لن يكن فيها محايداً.

(أ) عدم الجمع بين القضاء ومزاولة التجارة أو أي وظيفة أو القيام بأي عمل لا يتفق مع استقلال القضاء أو الترشح للمجالس التشريعية:

إذا عين شخص قاضياً فإنه صيانة لاستقلاله وبعداً به عن الشبهات :

1- لا يجوز أن يجمع بين تولى القضاء وبين مزاولة التجارة أو بينه وبين أية وظيفة ، وذلك سواء كان تولى هذه الوظيفة بالتعيين أو بالتعاقد أو بالإنتخاب.

2- لا يجوز له القيام بأي عمل بأجر أو بغير أجر لا يتفق مع استقلال القضاء أو كرامته ، أو يتعارض مع واجبات القاضي أو حسن أدائه لوظيفته (مادة 72 من قانون السلطة القضائية) .

3- لا يجوز للقاضي أن يقوم بالتحكيم ولو بغير أجر . وذلك إلا في حالتين : أ- إذا كان أحد أطراف النزاع من أقارب القاضي أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية . ب- إذا كان محكما عن الحكومة أو إحدى الهيئات العامة . ويشترط في الحالتين موافقة مجلس القضاء الأعلى (63 سلطة قضائية).

4- لا يجوز له أن يحضر عن أحد الخصوم أو يترافع عنه أو يقدم فتوى لصالحه ، ولو كان ذلك أمام محكمة غير المحكمة التابع لها. ولا تستثنى من هذا الحظر إلا أن يكون الخصم هو أحد من يمثلهم القاضى قانون كالقاصر المشمول بولاية أو وصاية القاضي ، أو أن يكون زوجته أو أحد أصوله أو فروعه إلى الدرجة الثانية (مادة 81 مرافعات) .

5- إذا كان محامياً قبل توليه القضاء ، فلا يجوز أن يكون مقر عمله في دائرة المحكمة الإبتدائية التي كان بها مركز عمله كمحام إلا بعد انقضاء ثلاث سنوات من تعيينه . (59 / فقرة أخيرة - سلطة قضائية) .

6- لا يجوز له أن يرشح نفسه للإنتخابات العامة إلا بعد تقديم إستقالته .

(73/ 2 سلطة قضائية) .

7- يمتنع عليه أن يشتري باسمه أو بإسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه إذا كان النظر في النزاع يدخل في إختصاص المحكمة التي يباشر عمله في دائرتها (471 مدني).

(ب)عدم صلاحية القاضي :

تنص المادة 146 مرافعات على أسباب إذا توافر إحداها بالنسبة لدعوي معينة ، كان القاضي غير صالح لنظرها . ويكون الحكم الصادر فيه منه - ولو بإتفاق الخصوم - حكماً باطلاً ( 1 / 147 مرافعات) . وهو بطلان يتعلق بالنظام العام تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها.

ولجسامة هذا العيب . فإنه يمكن رفع دعوى أصلية ببطلان هذا الحكم . وإذا كان الحكم صادرة من محكمة النقض ، جاز للخصم أن يطلب من  المحكمة نفسها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى ( 2 / 147) .

ولا يخضع هذا الطلب للميعاد المقرر للطعن بالنقض.

ويكون الحكم باطلاً ولو لم يتمسك أحد الخصوم بمنع القاضي من نظر الدعوى قبل إصداره الحكم فيها ، وذلك على أساس أن سبب عدم الصلاحية من الوضوح بحيث لا يمكن أن يخفى على القاضي و أن هذا السبب - من ناحية أخرى - مما يغلب معه التأثير في حياد القاضى وفي هذا تقول محكمة النقض المصرية أنه إذا توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية ، يجب تنحية القاضي عن نظر الدعوى «إستيفاء لمظهر الحيدة الذي يجب أن يظهر به أمام الخصوم والجمهور وضنا بأحكامه من أن تعلق به الاسترابة من جهة شخصية لدفاع يذعن لها عادة أغلب الخلق». (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الأول ،  الصفحة : 415)

 

بطلان عمل القاضي لعدم صلاحيته :

يجب على القاضي أن يتنحى من تلقاء نفسه عن إصدار أي أمر أو حكم متى توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية التي بيناها بيان حصر في المادة السابقة ، بحيث إذا إستمر في عمله وأصدر أمراً ولائياً أو قضائياً أو حكماً في دعوى مطروحة عليه، وقع هذا العمل أو الحكم باطلاً.

ويتحقق هذا البطلان ولو كان القاضي يجهل توافر سبب عدم صلاحيته ، كما لو تصدى لدعوى سبق له الفصل في شق قطعي فيها قبل عمله في الإستئناف، أو كان قد أبدى رأياً فيها كرئيس لنيابة النقض أو محام عام بها، ثم طرحت عليه الدعوى كمستشار بالنقض أو بالإستئناف إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم والإحالة لمحكمة الإستئناف، وسواء رجع نقض الحكم لرأيه أو بالمخالفة له.

ويستند التمسك بالعوار في هذه الحالة إلى موجبات صحة عمل القاضي أو قضائه في النزاع، دون أن يمتد إلى أركان هذا القضاء، وبالتالي يكون العمل أو القضاء غير صحيح أي مشوباً بالبطلان دون أن ينحدر به إلى الإنعدام.

ولما كان عدم صلاحية القاضي ما يتعلق بالنظام العام، فإن البطلان المترتب على ذلك يتعلق بدوره بالنظام العام، ومن ثم يجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض متی کانت عناصره الواقعية مطروحة على محكمة الموضوع بأن تتضمن المستندات المودعة ملف الدعوى الدليل على توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية ، أما إن لم تكن هذه العناصر مطروحة على هذا النحو، فإن التمسك بالبطلان لأول مرة أمام محكمة النقض يكون سبباً جديداً غير مقبول. .

كما يجوز التمسك بالبطلان أمام محكمة الإستئناف في أية حالة يكون عليه الإستتئناف ، فلا يسقط الحق فيه لعدم التمسك به في صحيفة الإستئناف، وللمحكمة إثارته من تلقاء نفسها إذا تحققت من توافر أحد أسباب عدم الصلاحية ، وإن كانت النيابة العامة ممثلة في الدعوى جاز لها التمسك به.

ولما كان عدم صلاحية القاضي يؤدي إلى بطلان عمله وليس انعدامه، ومن ثم يجب الطعن في العمل أو الحكم في خلال الميعاد المقرر لذلك لتقرير هذا البطلان ، بحيث إذا إنقضى هذا الميعاد دون رفع الطعن، فإن العمل أو الحكم يتحصن ويصبح عنواناً للحقيقة مما يحول دون رفع دعوى أصلية ببطلانه بإعتبار أن حجية الأحكام تسمو على إعتبارات النظام العام، ولأن رفع الدعوى الأصلية ببطلان الحكم قاصرة على حالة الإنعدام دون حالة البطلان.

ومتى خلصت المحكمة الإستئنافية إلى بطلان الحكم، وجب عليها تصحيح هذا البطلان ويتم ذلك ، بمجرد تقرير البطلان ثم التصدي للموضوع على أن تقيم قضاءها على أسباب خاصة بها فلا تحيل لأسباب الحكم المستأنف الذي أبطلته وإلا كان قضاؤها باطلاً بدوره.

وإذا توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية، فلا يجوز للخصوم الإتفاق على إستمرار القاضي في نظر الدعوى لتعلق تلك الأسباب بالنظام العام فيقع باطلاً بطلاناً مطلقاً کل إتفاق يتضمن صلاحية القاضى، بحيث إذا طعن المحكوم عليه في الحكم كان له التمسك ببطلانه لعدم صلاحية القاضي الذي أصدره دون أن يحتاج بالإتفاق على صلاحيته لبطلان هذا الإتفاق بطلاناً مطلقاً ، فإن لم يتمسك بالبطلان على نحو ما تقدم يجب على محكمة الطعن التصدي له من تلقاء نفسها وتقريره ثم تفصل في الموضوع.

فإن لم يتوافر سبب من أسباب عدم الصلاحية، واستشعر القاضي بالحرج، كان للخصوم الاتفاق على إستمراره في نظر الدعوى، وحينئذ يكون قضاؤه غير مشوب بالبطلان لأن الإستشعار بالحرج ليس من أسباب عدم الصلاحية.

تعلق البطلان بإصدار الحكم دون النطق به أو سماع المرافعة:

يجب لبطلان الحكم، قیام سبب من أسباب عدم الصلاحية بأحد القضاة الذين أصدروه، وهم الذين يسمعون المرافعة ويتداولون فيه ويوقعون مسودته ، وبذلك ينشأ الحكم بما له من حجية وكيان.

ويترتب على ذلك، عدم بطلان الحكم إذا قام بأحد القضاء سبب من أسباب عدم الصلاحية ولم يكن قد أشترك في إصداره، كما لو إقتصر عمله على حضور جلسة المرافعة التي تم فيها حجز الدعوى للحكم عندما يسمع المرافعة عدد من القضاة يجاوز العدد المقرر لتشكيل المحكمة، فقد يسمع المرافعة أربعة قضاة في أحد دوائر المحكمة الإبتدائية ويقتصر إصدار الحكم على ثلاثة منهم ليس من بينهم القاضي الذي قام به سبب عدم الصلاحية وأيضاً إذا إقتصر عمل القاضي على الإشتراك في النطق بالحكم طالما لم يشترك في إصداره.

سحب حكم النقض لعدم صلاحية أحد المستشارين:

الأصل أن الأحكام الصادرة من محكمة النقض باتة قاطعة لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية عملاً بالمادة (273) وإستثناء من هذا الأصل العام، أجاز المشرع المحكمة النقض عملاً بالمادة (147) سحب الحكم الصادر منها في حالة واحدة عند قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بأحد مستشاريها الذين أصدروا الحكم ووقعوا مسودته ، ولا يكفي توافر هذا السبب بأحد المستشارين الذين سمعوا المرافعة طالما لم يشترك في المداولة ولم يوقع مسودة الحكم، إذ يجوز أن يسمع المرافعة عدد من المستشارين يتجاوز العدد المقرر في تشكيل محكمة النقض، كما لا يكفي قيام السبب بأحد المستشارين الذين إشتركوا في النطق بالحكم طالما لم يشترك في إصداره.

ومتى قام سبب من أسباب عدم الصلاحية، جاز للخصم الذي صدر حكم النقض ضده، أن يطلب من محكمة النقض إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى لا تضم أي من المستشارين الذين أصدروه إذ سبق لهم إبداء الرأي في الطعن ويقوم بذلك سبب من أسباب عدم صلاحيتهم جميعاً، ولا يمتد ذلك إلى من إقتصر دوره على سماع المرافعة أو النطق بالحكم : طالما لم يشترك في إصداره.

ويرفع هذا الطلب إلى محكمة النقض دون سواها وبالإجراءات المعتادة لرفع الطعن بالنقض وذلك بصحيفة تودع قلم كتابها أو بتقرير فيها، يتضمن وقائع الطعن السابق ومنطوق الحكم الصادر فيه وسبب عدم الصلاحية واسم المستشار الذي قام به هذا السبب والدليل على ذلك ويختتم بطلب إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى. ويختصم نفس الخصوم الذين تضمنتهم صحيفة الطعن.

وطلب إلغاء حكم النقض لقيام سبب من أسباب عدم الصلاحية ليس طعناً في حكم النقض، ولذلك لم يحدد المشرع له ميعاداً لتقديمه، ومن ثم يجوز تقديمه في أي وقت ولو بعد إنقضاء مدة الستة أشهر المقررة لتعجيل الإستئناف التعلق الإلغاء بالنظام العام مما يجوز معه طلبه في أي وقت طالما لم ينقض الحق موضوع الطعن بالتقادم الطويل ولو كان مما ينقضي بمدة أقل قبل صدور الحكم المقرر له.

ولأن مناط سقوط الإستئناف لعدم تعجيله بعد صدور حکم النقض ألا يكون الحكم الأخير مشوباً بالبطلان، ولكن إذا تم تعجيل الإستئناف خلال الستة أشهر ثم صدر الحكم فيه، وإنقضى ميعاد الطعن فيه بالنقض، صار وإمتنع طلب سحب حكم النقض إذ تسمو حجية الأحكام على إعتبارات النظام العام، فإن طعن فيه خلال الميعاد ، كان للمحكوم عليه ، أيا من كان ولم يكن هو الطاعن السابق، التمسك ببطلان الحكم لإستناده إلى حكم النقض المشوب بالبطلان طالباً سحب الحكم الأخير.

وإذا قام الخصم بتعجيل الإستئناف خلال ستة أشهر من صدور حکم النقض ورفع طلباً إلى محكمة النقض بإلغاء حكمها على نحو ما تقدم، تعين على محكمة الإستئناف وقف الدعوى تعليقا على صدور حکم النقض في طلب الإلغاء، فإذا إستمرت فى نظر الدعوى وقضت فيها ثم قضت محكمة النقض بإلغاء حكم النقض، فإن الحكم الصادر من محكمة الإستئناف يكون باطلاً لقيامه على إجراء باطل هو الحكم الصادر من محكمة النقض، ويقع هذا البطلان بقوة القانون نتيجة لإلغاء حكم النقض الذي تأسس عليه حكم الإستئناف ودون حاجة إلى الطعن فيه، وحتى لو صدر حكم النقض بعد الإلغاء بما يتفق والحكم الملغي .

ويظل الحق في طلب الإلغاء قائماً سواء كان الخصم عالماً قبل صدور الحكم بسبب عدم الصلاحية أو غير عالم به، وسواء ظهر هذا السبب قبل صدور الحكم أو بعد ذلك.

ويقتصر طلب الإلغاء على الحكم الذي أشترك في إصداره أحد المستشارين الذي قام به سبب عدم الصلاحية بحيث إذا تقدم الخصم بطلب غير موقع من أحد المحامين المقبولين أمام محكمة النقض، وقضى فيه بعدم قبوله، أمتنع تقديم طلب جدید بإلغاء الحكم محل الطلب السابق لصدور حکم بات فيه يسمو على إعتبارات النظام العام. ومن تاريخ الحكم الصادر بعدم القبول يبدأ ميعاد الستة أشهر الواجب تعجيل الإستئناف خلاله إذ يمتنع بموجب هذا الحكم تقديم طلب جديد بالإلغاء، كما يبدأ منه الميعاد المقرر لتعجيل الإستئناف من الوقف إذا كان التعجيل بعد النقض قد تم مع طلب الإلغاء الذي رفع إلى محكمة النقض.

ويتحمل طالب الإلغاء عبء إثبات سبب عدم الصلاحية، فإن لم تتضمن الأوراق التي كانت مطروحة على محكمة النقض هذا السبب، وجب على الطالب أن يتقدم بالدليل على ذلك في ذات الوقت الذي يودع فيه صحيفة الطعن قلم الكتاب وإلا كان نعيه عار عن الدليل.

ولا يجوز للدائرة المدنية بمحكمة النقض سحب حكمها إلا بسبب عدم صلاحية أحد مستشاريها دون أي سبب آخر، ولا تتقيد في ذلك بما جرى عليه العمل في الدائرة الجنائية من سحب حكمها لخطأ مادي وقع فيه. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : الثالث ، الصفحة : 738)

إذا قام سبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 146 افعلي القاضي أن يتنحى من تلقاء نفسه عن نظر الدعوى وإلا كان عمله أو قضاؤه باطلاً ولو كان قد حكم بناء على إتفاق الخصوم ومع علمهم بقيام سبب عدم صلاحيته ويجوز الطعن في الحكم بطرق الطعن المناسبة وقد أجاز المشرع في المادة 221 مرافعات إستئناف الأحكام الإنتهائية الصادرة من محكمة الدرجة الأولى بسبب بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم.

وإذا أصدر القاضي حكماً في دعوي ممنوع نظرها فإن الحكم لا يصل لدرجة الإنعدام و إنما يكون باطلاً كما سبق القول وبذا لا يجوز رفع دعوى مبتدأة بالبطلان ، وإذا لم يطعن فيه أصبح باتاً وحاز قوة الأمر المقضي إلا أن البطلان لا يسقط بالتصدي للموضوع أو بالرد علي الإجراء بما يفيد إعتباره صحيحاً لأنه بطلان من النظام العام.

 وإذا وقع البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها سحب الحكم وإعادة نظر الطعن وهذا إستثناء ورد علي سبيل الحصر والتحدي من الأصل العام الذي يجعل أحكام محكمة النقض بمنأى عن أي طعن غير أنه لا يجوز طلب سحب الحكم بدعوى أنه تضمن العدول عن مبادئ قررتها أحكام سابقة دون إحالة علي الهيئة العامة خلافاً لما يقضي به قانون السلطة القضائية كما لا يجوز طلب سحبه تأسيساً على بطلان صحيفة الطعن لعدم التوقيع عليها من محام مقرر أمام محكمة النقض.

وإذا صدر حكم من محكمة أول درجة رغم عدم صلاحيتها لنظر الدعوى سواء فطنت إلى ذلك أو لم تفطن وطعن على هذا الحكم بالإستئناف وقضت محكمة الطعن بتأييده لأسبابه دون أن تنشئ لنفسها أسباباً مستقلة فإن هذا الحكم بدوره يضحي باطلاً .(التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء: الرابع ، الصفحة : 558)

 

البطلان المتعلق بالنظام العام هو جزاء عدم صلاحية القاضي:

إذا توافر سبب من أسباب عدم صلاحية القاضي التي سبق لنا توضيحها عند تعليقنا على المادة 146 مرافعات آنفاً ، فإنه وفقا للفقرة الأولى من المادة 147 محل التعليق ، يقع عمل القاضي أو قضاؤه باطلاً . حتى ولو تم بإتفاق الخصوم ، فالقاضي المتوافر فيه سبب من هذه الأسباب يكون غير صالح لنظر الدعوى ويكون الحكم الصادر منه  ولو بإتفاق الخصوم  حكماً باطلاً ، وهو بطلان يتعلق بالنظام العام تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها.

(نقض ضرائب 8/ 6/ 1981 في الطعن رقم 789 لسنة 45 ق).

ووفقاً للفقرة الثانية من المادة 147 مرافعات محل التعليق  إذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى ، ولا يخضع هذا الطلب للميعاد المقرر للطعن بالطعن.

(نقض 22 / 3/ 1990  في الطعن رقم 2353 لسنة 55 قضائية).

ويعتبر حكم القاضي غير الصالح باطلاً بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام ولو لم يتمسك أحد الخصوم بمنع القاضي من نظر الدعوى قبل إصداره الحكم فيها، لأن سبب عدم الصلاحية من الوضوح بحيث لا يمكن أن يخفى على القاضي كما أن هذا السبب مما يغلب معه. التأثير على حياد القاضي .(رمزي سيف  بند 50 ص 73، فتحي والي  بند 105 ص 176).

فالحكم الصادر من قاض غير صالح يعتبر باطلاً ولا يعتبر معدوماً، فلا يجوز رفع دعوى مبتدأة بالبطلان (أحمد أبو الوفا  التعليق  ص 651، كمال عبد العزيز  ص 370 ، وجدي راغب  ص 195 ، وقارن عكس ذلك : فتحي والي  بند 104 ص 176 هامش رقم 3 بها حيث يرى جواز رفع دعوى أصلية ببطلان هذا الحكم وأيضاً عبد الخالق عمر ص 251) فالراجح أنه لا تتوافر في هذا الحكم حالة عن حالات الإنعدام.  

وإذا لم يطعن في الحكم الصادر من قاض غير صالح أصبح باتا وحاز قوة الأمر المقضى (نقض جنائى 26/ 4/ 1960 سنة 11 ص 1380)، غير أن البطلان من جهة أخرى تتعلق بالنظام العام فلا يسقط أو يزول بالتعرض للموضوع أو بالرد على الإجراء بما يفيد إعتباره صحيحاً . ويلاحظ أن المادة 221 تجيز الطعن في أحكام محاكم الدرجة الأولى الإنتهائية بسبب بطلان الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم أو بسبب مخالفة قواعد الإختصاص المتعلقة بالنظام العام.

وبطلان حكم النقض لعدم الصلاحية هو الحالة الوحيدة التي أجاز فيها المشرع سحب حكم محكمة النقض ومن ثم لا يجوز العدول عن حكم النقض إلا في هذه الحالة ، فلا يجوز السحب بدعوى إنطواء الحكم على عدول عن مبدأ سابق دون إحالة الأمر إلى الهيئة العامة ، أو بدعوى بطلان صحيفة الطعن لعدم التوقيع عليها من محام مقرر لأن ذلك كله لا يندرج في المادة 147.

(نقض 2/ 2/ 1977 في الطعن 770 لسنة 44 ق).

فعدول إحدى دوائر محكمة النقض عن مبادىء قانونية سابقة دون . إحالة على الهيئة العامة لمحكمة النقض خلافاً لما يقضي به قانون السلطة القضائية ليس من أسباب الطعن على حكم النقض أو من أسباب عدم الصلاحية.

(نقض 2/ /2/ 1977 طعن رقم 770 لسنة 44 ق مشار إليه أنفا).

وإذا صدر حكم من محكمة أول درجة رغم عدم صلاحيتها النظر الدعوى سواء فطنت إلى ذلك أو لم تفطن وطعن على هذا الحكم بالإستئناف وقضت محكمة الطعن بتأييده لأسبابه  دون أن تنشئ لنفسها أسباباً مستقلة فإن هذا الحكم بدوره يضحي باطلاً.

ويجب التمسك ببطلان الحكم الصادر من قاض غير صالح بالطرق المقررة في القانون أي بالطعن في الحكم بالطريق المناسب، مع ملاحظة أنه لو كان صادراً بصفة إنتهائية فإنه يجوز الطعن فيه رغم ذلك إعمالاً للمادة 221 ، مرافعات التي تجيز إستئناف الحكم الباطل، ولو كان إنتهائياً وقد مضت الإشارة إلى ذلك أنفاً.

ولما كان بطلان الحكم الصادر من قاض غير صالح بطلاناً متعلقاً بالنظام العام. (نقض 20/ 6/ 1979  طعن رقم 1371 لسنة 48 قضائية)، فإنه لا يسقط ولا يزول بالتكلم في الموضوع أو بالرد على الإجراء بما يفيد إعتباره صحيحاً. (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء : الثالث  ، الصفحة : 588)

الفقه الإسلامي

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن ، الصفحة / 116

الْبَاطِلُ لاَ يَصِيرُ صَحِيحًا بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:

التَّصَرُّفَاتُ الْبَاطِلَةُ لاَ تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِنَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ وَعَوْدَتِهِ يُعْتَبَرُ قَائِمًا فِي نَفْسِ الأَْمْرِ، وَلاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ الاِنْتِفَاعُ بِحَقِّ غَيْرِهِ نَتِيجَةَ تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَا دَامَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً.

هَذَا هُوَ الأَْصْلُ، وَالْقُضَاةُ إِنَّمَا يَقْضُونَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ أَدِلَّةٍ وَحُجَجٍ يَبْنُونَ عَلَيْهَا أَحْكَامَهُمْ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ.

وَلِذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  فِيمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْهُ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ، وَأَظُنُّهُ صَادِقًا، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ.

وَمُضِيِّ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَى أَيِّ تَصَرُّفٍ، مَعَ عَدَمِ تَقَدُّمِ أَحَدٍ إِلَى الْقَضَاءِ بِدَعْوَى بُطْلاَنِ هَذَا التَّصَرُّفِ، رُبَّمَا يَعْنِي صِحَّةَ هَذَا التَّصَرُّفِ أَوْ رِضَى صَاحِبِ الْحَقِّ بِهِ. وَمِنْ هُنَا نَشَأَ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِهَا بِحَسَبِ الأَْحْوَالِ، وَبِحَسَبِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَبِحَسَبِ الْقَرَابَةِ وَعَدَمِهَا، وَمُدَّةِ الْحِيَازَةِ، لَكِنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ سَمَاعَ الدَّعْوَى لاَ أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ، إِنْ كَانَ بَاطِلاً. يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، قَذْفًا أَوْ قِصَاصًا أَوْ لِعَانًا أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ.

وَيَقُولُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، إِلاَّ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: لَوْ قَضَى بِبُطْلاَنِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ.

وَفِي التَّكْمِلَةِ لاِبْنِ عَابِدِينَ: مِنَ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ: الْقَضَاءُ بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ سِنِينَ. ثُمَّ يَقُولُ. عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ ثَلاَثِينَ سَنَةً، أَوْ بَعْدَ الاِطِّلاَعِ عَلَى التَّصَرُّفِ، لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى بُطْلاَنِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَنْعٍ لِلْقَضَاءِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى، مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ يَلْزَمُهُ.

وَفِي مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَِنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ، فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ - وَإِنْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى حِيَازَةَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ مُدَّةً تَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ - إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْمُدَّعِي حَاضِرًا مُدَّةَ حِيَازَةِ الْغَيْرِ، وَيَرَاهُ يَقُومُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّصَرُّفِ وَهُوَ سَاكِتٌ. أَمَّا إِذَا كَانَ يُنَازِعُهُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُفِيدُ شَيْئًا مَهْمَا طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَفِي فَتْحِ الْعَلِيِّ لِمَالِكٍ رَجُلٌ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضٍ بَعْدَ مَوْتِ أَهْلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، مَعَ وُجُودِ وَرَثَتِهِمْ، وَبَنَاهَا وَنَازَعَهُ الْوَرَثَةُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَنْعِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَلْدَتِهِمْ، فَهَلْ لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا؟ أُجِيبَ: نَعَمْ. لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا... سَمِعَ يَحْيَى مِنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ عُرِفَ بِغَصْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ لاَ يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ، فَلاَ يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَإِنْ طَالَ بِيَدِهِ أَعْوَامًا إِنْ أَقَرَّ بِأَصْلِ الْمِلْكِ لِمُدَّعِيهِ، أَوْ قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ؛ لأَِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ تُوجِبُ تَصْدِيقَ غَيْرِ الْغَاصِبِ فِيمَا ادَّعَاهُ مَنْ تَصِيرُ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ، وَهُوَ حَاضِرٌ لاَ يَطْلُبُهُ وَلاَ يَدَّعِيهِ، إِلاَّ وَقَدْ صَارَ إِلَى حَائِزَةٍ إِذَا حَازَهُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة / 226

انْعِزَالُ الْقَاضِي:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثلاثون ، الصفحة / 75

عَزْلُ الْقَاضِي لِفِقْدَانِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ صَلاَحِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ:

لِلْقَاضِي شُرُوطٌ يَنْبَغِي أَنْ تَتَحَقَّقَ فِي الشَّخْصِ الْمُزْمَعِ تَعْيِينُهُ فِي مَنْصِبِ الْقَضَاءِ، فَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَفِي عَزْلِ الْقَاضِي التَّفْصِيلُ الآْتِي:

أ - الْجُنُونُ:

الْجُنُونُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا أَوْ مُتَقَطِّعًا، فَإِنْ كَانَ مُطْبِقًا - فَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى انْعِزَالِ الْقَاضِي وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ قَدْرِ الْمُدَّةِ لاِسْتِمْرَارِهِ حَتَّى يَكُونَ مُطْبِقًا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (جُنُون ف 8).

أَمَّا الْمُتَقَطِّعُ: فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ

ب - الإْغْمَاءُ :

لِلْفُقَهَاءِ فِي عَزْلِ الْقَاضِي بِالإْغْمَاءِ رَأْيَانِ:

أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِهِ - وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ - وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ.

وَثَانِيهِمَا - عَدَمُ عَزْلِهِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ نُصُوصِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

ج - الرِّدَّةُ:

الرِّدَّةُ مِنَ الأَْسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِعَزْلِ الْقَاضِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا لِصِحَّةِ تَوَلِّيهِ الْقَضَاءَ الإِْسْلاَمَ، فَإِذَا ارْتَدَّ الْقَاضِي فَقَدَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ التَّوْلِيَةِ وَوَجَبَ عَزْلُهُ؛ لأِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ  لقوله تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وَلاَ سَبِيلَ أَعْظَمُ مِنَ الْقَضَاءِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: عَدَمُ عَزْلِ الْقَاضِي بِالرِّدَّةِ إِلاَّ أَنَّ مَا قَضَى بِهِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بَاطِلٌ.

الثَّانِيَةُ: يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ، كَمَا نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ أَرْبَعَ خِصَالٍ إِذَا حَلَّتْ بِالْقَاضِي انْعَزَلَ: فَوَاتُ السَّمْعِ أَوِ الْبَصَرِ أَوِ الْعَقْلِ أَوِ الدِّينِ.

د - الْفِسْقُ :

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَزْلِ الْقَاضِي بِسَبَبِ الْفِسْقِ إِلَى رَأْيَيْنِ:

الأْوَّلُ : اعْتِبَارُهُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ عَزْلِهِ، وَهُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، إِذْ قَالَ بِهِ كُلُّ مَنِ اشْتَرَطَ فِي الْقَاضِي الْعَدَالَةَ كَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَابْنُ مَلَكٍ، وَذَلِكَ؛ لأِنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي الشَّاهِدِ الَّذِي يَشْهَدُ فِي قَضِيَّةٍ مُنْفَرِدَةٍ، فَاشْتِرَاطُهَا فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى .

الثَّانِي: عَدَمُ اعْتِبَارِ الْفِسْقِ سَبَبًا لِلْعَزْلِ، وَهُوَ مُقَابِلُ مَا سَبَقَ مِنْ رَأْيَيِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.

هـ - الرِّشْوَةُ :

أَخْذُ الرِّشْوَةِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا كَوْنُهَا سَبَبًا لِعَزْلِ الْقَاضِي أَوْ عَدَمِ عَزْلِهِ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (رِشْوَة ف 18، 19).

و - الْمَرَضُ الْمَانِعُ مِنْ مُزَاوَلَةِ الْقَضَاءِ :

الْمَرَضُ الْمُؤَقَّتُ - وَهُوَ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ - لاَ يَنْعَزِلُ بِهِ الْقَاضِي، أَمَّا الدَّائِمُ - وَهُوَ مَا لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ، فَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: إِنْ كَانَ يُعْجِزُهُ عَنِ النَّهْضَةِ وَالْحُكْمِ يَنْعَزِلُ بِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ النَّهْضَةِ دُونَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْعَزِلْ وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا: يَنْعَزِلُ بِهِ الْقَاضِي عَنِ الْقَضَاءِ، وَيَجِبُ عَلَى الإْمَامِ عَزْلُهُ دُونَ تَفْصِيلٍ

ز - الْعَمَى:

إِذَا عُيِّنَ الْقَاضِي وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ فَالْفُقَهَاءُ يَرَوْنَ انْعِزَالَهُ؛ لأِنَّ الأْعْمَى لاَ يَعْرِفُ الْمُدَّعِيَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُقِرَّ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالشَّاهِدَ مِنَ الْمَشْهُودِ لَهُ؛ وَلأِنَّ الشَّاهِدَ لاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بَصِيرًا، مَعَ أَنَّهُ يَشْهَدُ فِي أَشْيَاءَ يَسِيرَةٍ يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْبَصَرِ وَرُبَّمَا أَحَاطَ بِحَقِيقَةِ عِلْمِهَا، وَالْقَاضِي وِلاَيَتُهُ عَامَّةٌ، وَيَحْكُمُ فِي قَضَايَا النَّاسِ عَامَّةً، فَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ مِنَ الأْعْمَى الشَّهَادَةُ فَالْقَضَاءُ مِنْ بَابِ أَوْلَى

ح - الصَّمَمُ:

وَفِي الصَّمَمِ يَجْرِي مَا وَرَدَ فِي الْعَمَى؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ الأْصَمَّ لاَ يَسْمَعُ قَوْلَ الْخَصْمَيْنِ وَلاَ إِفَادَةَ الشُّهُودِ، وَالأْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الأْطْرَشَ - وَهُوَ مَنْ يَسْمَعُ الصَّوْتَ الْقَوِيَّ - يَصِحُّ قَضَاؤُهُ

ط - الْبُكْمُ:

إِذَا طَرَأَ عَلَى الْقَاضِي الْخَرَسُ اسْتَلْزَمَ عَزْلَهُ - كَمَا سَبَقَ فِي الْعَمَى سَوَاءٌ أَفْهَمَتْ إِشَارَتُهُ أَمْ لَمْ تُفْهِمْ؛ لأِنَّ فِيهِ مَشَقَّةً لِلْخُصُومِ وَالشُّهُودِ، لِتَعَسُّرِ فَهْمِ مَا يُرِيدُهُ مِنْهُمْ؛ وَلأِنَّ إِشَارَتَهُ لاَ يَفْهَمُهَا أَكْثَرُ النَّاس.

ى - كَثْرَةُ شَكَاوَى الْمُتَرَافِعِينَ عَلَيْهِ:

إِذَا كَثُرَتِ الشَّكْوَى ضِدَّ قَاضٍ مِنَ الْقُضَاةِ، فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ اشْتُهِرَ بِالْعَدَالَةِ، قَالَ مُطَرِّفٌ: لاَ يَجِبُ عَلَى الإْمَامِ عَزْلُهُ، وَإِنْ وَجَدَ عِوَضًا مِنْهُ، فَإِنَّ فِي عَزْلِهِ إِفْسَادًا لِلنَّاسِ عَلَى قُضَاتِهِمْ، وَقَالَ أَصْبَغُ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَعْزِلَهُ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَالرِّضَا إِذَا وَجَدَ مِنْهُ بَدَلاً؛ لأِنَّ فِي ذَلِكَ إِصْلاَحًا لِلنَّاسِ، يَعْنِي لِمَا ظَهَرَ مِنَ اسْتِيلاَءِ الْقُضَاةِ وَقَهْرِهِمْ، فَفِي ذَلِكَ كَفٌّ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ فَلْيَعْزِلْهُ إِذَا وَجَدَ بَدَلاً مِنْهُ، وَتَضَافَرَ عَلَيْهِ الشَّكِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَلاً مِنْهُ كَشَفَ عَنْ حَالِهِ وَصِحَّةِ الشَّكَاوَى عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ رِجَالٍ ثِقَاتٍ يَسْتَفْسِرُونَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَإِنْ صَدَّقُوا ذَلِكَ عَزَلَهُ

وَإِنْ قَالَ أَهْلُ بَلَدِهِ: مَا نَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَيْرًا أَبْقَاهُ وَنَظَرَ فِي أَحْكَامِهِ الصَّادِرَةِ، فَمَا وَافَقَ السُّنَّةَ أَمْضَاهُ، وَمَا خَالَفَ رَدَّهُ، وَأَوَّلَ ذَلِكَ خَطَأً لاَ جَوْرًا

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ لِلإْمَامِ عَزْلُهُ لِذَلِكَ لَكِنْ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: يَجِبُ عَزْلُهُ

الْقَرَارُ بِعَزْلِ الْقَاضِي :

إِذَا فَقَدَ الْقَاضِي شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الصَّلاَحِيَةِ لِلْقَضَاءِ، أَوْ طَرَأَ سَبَبٌ مِنَ الأْسْبَابِ الْمُوجِبَةِ أَوِ الْمُبَرِّرَةِ لِعَزْلِهِ، فَفِي عَزْلِهِ بِذَلِكَ أَوِ انْعِزَالِهِ التَّفْصِيلُ التَّالِي:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا حَصَلَتْ بِالْقَاضِي وَاحِدَةٌ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ صَارَ مَعْزُولاً: ذَهَابُ الْبَصَرِ، وَذَهَابُ السَّمْعِ، وَذَهَابُ الْعَقْلِ، وَالرِّدَّةُ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ عَدْلاً فَفَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ أَوْ بِغَيْرِهِ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ... وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ، وَقِيلَ: إِذَا وَلَّى عَدْلاً ثُمَّ فَسَقَ انْعَزَلَ؛ لأِنَّ عَدَالَتَهُ مَشْرُوطَةٌ مَعْنًى؛ لأِنَّ مُوَلِّيَهُ اعْتَمَدَهَا فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ أَنَّ الْفَتْوَى: أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ أَيْضًا فَإِنَّ الْكُفْرَ لاَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ

وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ هَلْ يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِفِسْقِهِ أَوْ حَتَّى يَعْزِلَهُ الإْمَامُ ؟

قَالَ الْمَازِرِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ عَدَمِ عَزْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَصَّارِ: أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ بَعْدَ وِلاَيَتِهِ انْفَسَخَ عَقْدُ وِلاَيَتِهِ

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا فَقَدَ الْقَاضِي شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ كَأَنْ جُنَّ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ انْعَزَلَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَإِذَا عَزَلَ الإْمَامُ الْقَاضِيَ بِنَحْوِ كَثْرَةِ الشَّكْوَى مَثَلاً فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ خَبَرُ الْعَزْلِ لِعِظَمِ الضَّرَرِ فِي نَقْضِ أَقْضِيَتِهِ

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَا يَمْنَعُ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ ابْتِدَاءً يَمْنَعُهَا دَوَامًا إِذَا طَرَأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِفِسْقٍ أَوْ زَوَالِ عَقْلٍ، فَيَنْعَزِلُ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّ وُجُودَ الْعَقْلِ وَالْعَدَالَةِ وَنَحْوِهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ  الْوِلاَيَةِ، فَتَبْطُلُ بِزَوَالِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهَا، إِلاَّ فَقْدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ (أَيِ الْقَاضِي) فِي حَالِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ فَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَتَّى عَمِيَ أَوْ طَرِشَ، فَإِنَّ وِلاَيَةَ حُكْمِهِ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَلَوْ مَرِضَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ تَعَيَّنَ عَزْلُهُ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الإْمَامِ عَزْلُهُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني والثلاثون ، الصفحة / 31

إِفْتَاءُ الْقَاضِي:

لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لاَ مَدْخَلَ فِيهِ لِلْقَضَاءِ كَالذَّبَائِحِ وَالأْضَاحِيِّ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِفْتَائِهِ فِي الأْمُورِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْقَضَاءُ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ إِلَى أَنَّهُ يُفْتِي فِيهَا أَيْضًا بِلاَ كَرَاهَةٍ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إِنْ أَفْتَى فِيهَا تَكُونُ فُتْيَاهُ كَالْحُكْمِ عَلَى الْخَصْمِ، وَلاَ يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَقْتَ الْمُحَاكَمَةِ، وَلأِنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ وَقْتَ الْحُكْمِ، أَوْ تَظْهَرُ لَهُ قَرَائِنُ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ عِنْدَ الإْفْتَاءِ، فَإِنْ حَكَمَ بِخِلاَفِ مَا أَفْتَى بِهِ جَعَلَ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ سَبِيلاً لِلتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ شُرَيْحٌ: أَنَا أَقْضِي لَكُمْ وَلاَ أُفْتِي، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُكْرَهُ لِلْقَاضِي الإْفْتَاءُ فِي مَسَائِلِ الأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالأْحْكَامِ وَغَيْرِهَا، مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَفْتِي خُصُومَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ خُصُومَةٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَهُ فِيهَا.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا شَأْنُهُ أَنْ يُخَاصَمَ فِيهِ، كَالْبَيْعِ وَالشُّفْعَةِ وَالْجِنَايَاتِ.

قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَهَذَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَوْ جَاءَهُ السُّؤَالُ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ فَلاَ كَرَاهَةَ.

ثُمَّ إِنْ أَفْتَى الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا، وَيَجُوزُ التَّرَافُعُ إِلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ حَكَمَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فِي النَّازِلَةِ بِعَيْنِهَا بِخِلاَفِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ وَإِنْ رَدَّ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِرُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِعَدَالَتِهِ، وَلاَ يُقَالُ: إِنَّهُ حَكَمَ بِكَذِبِهِ أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْهِلاَلَ، لأِنَّ الْقَضَاءَ لاَ يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ.

كَمَا تَقَدَّمَ (ف 2، 9).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة  / 326

الْمَقْضِيُّ لَهُ:

لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ رَضِيَ خَصْمُهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ كَالإْقْرَارِ مِنْهُ بِمَا ادَّعَى خَصْمُهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ لِشَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِلإْمَامِ الَّذِي قَلَّدَهُ، أَوْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَلَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه شُرَيْحًا وَخَاصَمَ عِنْدَهُ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَائِبًا عَنِ الإْمَامِ.

وَلاَ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ لأِنَّ مَبْنَى الْقَضَاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلاَ يَصِحُّ شَاهِدًا لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، فَلاَ يَصِحُّ قَاضِيًا لَهُ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ لأِنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ لَجَازَ فَكَذَا الْقَضَاءُ، وَلاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلاَ وَلاَ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فَقَالُوا: يَنْفُذُ حُكْمُهُ لأِنَّهُ حَكَمَ لِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الأْجَانِبَ، وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْكُمُ لِعَدُوِّهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا الْمَاوَرْدِيَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَدْ جَوَّزَهُ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ وَصِيَّ الْيَتِيمِ إِذَا وُلِّيَ الْقَضَاءَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لاَ يَقْضِي لَهُ كَوَلَدِهِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ: يَقْضِي لَهُ؛ لأِنَّ كُلَّ قَاضٍ وَلِيُّ الأْيْتَامِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الأْصْحَابِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ لاِمْرَأَتِهِ وَأُمِّهَا وَإِنْ كَانَتَا قَدْ مَاتَتَا إِذَا كَانَتِ امْرَأَتُهُ تَرِثُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلاَ لأِجِيرِهِ الْخَاصِّ وَمَنْ يَتَعَيَّشُ بِنَفَقَتِهِ.

وَفِي قَضَاءِ الْقَاضِي لأِقَارِبِهِ الَّذِينَ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْمَنْعُ لِمُحَمَّدٍ وَمُطَرِّفٍ، وَالْجَوَازُ لأِصْبَغَ، فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ، وَاسْتَثْنَى مِنَ الْجَوَازِ الزَّوْجَةَ وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَيَتِيمَهُ الَّذِي يَلِي مَالَهُ، وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ لاَ يَحْكُمُ لِعَمِّهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَالرَّابِعُ التَّفْرِقَةُ، فَإِنْ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ وَكَانَتِ الشَّهَادَةُ ظَاهِرَةً جَازَ إِلاَّ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَيَتِيمِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ كَذَلِكَ لاَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَبَيْنَ خَصْمِهِ.