1- يجوز للنيابة العامة كما يجوز لمحكمة النقض أن تثير في الطعن الأسباب المبنية على النظام العام بشرط أن يكون واردا على الجزء المطعون فيه من الحكم، وأن مفاد المواد 166، 167، 175 من قانون المرافعات أنه يتعين حصول مداولة بين جميع قضاء الهيئة التي سمعت المرافعة وأن يوقعوا على مسودة الحكم المشتملة على أسبابه ولا يشترك فيها غيرهم وإلا كان الحكم باطلا، وأن مناط حصول الاشتراك في المداولة بين القضاة الذين أصدروا الحكم هو توقيعهم على مسودته، فإذا تخلف أحد القضاة الذين أصدروا الحكم عن حضور جلسة النطق به بسبب مانع قهري ووقع على مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه وحل غيره محله وقت النطق بالحكم، وجب إثبات ذلك في الحكم وإلا لحقه البطلان وهو بطلان متعلق بالنظام العام، وأن العبرة في الأحكام هي بالنسخة الأصلية التي يحررها الكاتب ويوقع عليها رئيس الجلسة فهي التي تحفظ بملف الدعوى وتكون المرجع في أخذ الصورة التنفيذية وغيرها من الصور ومسودة الحكم لا تعدو أن تكون ورقة لتحضير الحكم، كما أنه من المقرر أن العبرة في خصوص إثبات إجراءات نظر الدعوى بما هو ثابت منها بمدونات الحكم ومحاضر الجلسات .
( الطعن رقم 272 لسنة 76 ق - جلسة 18 / 1 / 2023 )
2- المقرر- فى قضاء هذه المحكمة - ان تضمين الحكم بيانه انه صدر بعد المداولة امر لم يوجبه القانون وكل ما فرضه فى المواد 166 وما بعدها من قانون المرافعات هو وجوب صدور الحكم بعد المداولة وقد خلا نص المادة 178 من ذلك القانون التى حددت البيانات التى يجب ان يتضمنها الحكم من النص على وجوب اثبات هذا البيان، واذ كان الاصل فى الإجراءات انها روعيت صحيحة وعلى من يدعى انها خولفت اقامة الدليل، وكان توقيع الهيئة التى اصدرت الحكم المطعون فيه على مسودته هو عنوان اجراء المداولة فيما بينهم قبل اصداره ولم تقدم الطاعنة دليلاً على خلاف ذلك فان خلو الحكم المطعون فيه أو محضر جلسة النطق به فى ذلك البيان لا يعيبه ولا يبطله .
(الطعن رقم 2439 لسنة 65 جلسة 1996/11/07 س 47 ع 2 ص 1266 ق 230)
3- الأصل فى الإجراءات أن تكون قد روعيت . و لئن كان المستفاد من الأوراق أن الدعوى نظرت أمام محكمة الاستئناف بجلسة 1966/11/13 فقررت حجزها للحكم لجلسة 1966/12/18 و فيها صدر قرار بمد أجل النطق بالحكم لجلسة 1966/12/25 لتعذر المداولة بسبب تغير الهيئة ، و فى تلك الجلسة صدر الحكم ، و أثبت فى مسودته حصول المداولة يوم 1966/12/18 ، مما مفاده أن المداولة لم تكن قد تمت حتى ساعة النطق بالقرار الصادر فى يوم 18/12/1966 ، إلا أن ذلك لا ينفى حصولها بعد صدور القرار المشار إليه و فى ذات اليوم ، و إذ كانت الأوراق المقدمة من الطاعن لا تدل على عدم حصول مداولة بين أعضاء الهيئة يوم 1966/12/18 على النحو الذى أثبته الحكم المطعون فيه ، فإن النعى عليه بالبطلان بهذا الوجه يكون غير سديد .
(الطعن رقم 107 لسنة 37 جلسة 1971/12/28 س 22 ع 3 ص 1115 ق 189)
4- لما كانت وزارة العدل قد تخطت الطالب فى الترقية الى درجة رئيس محكمة من الفئة (ب) أو ما يعادلها فى الحركة القضائية لعام ..... ، إستناداً الى ما ثبت فى حقه بتحقيقات الشكوى رقم ..... لسنة ..... ، حصر عام التفتيش القضائي - والتى وجه اليه بسببها التنبيه رقم ..... لسنة ...... ، من أنه إبان عمله يسار بالدائرة رقم ...... مدنى كلى ...... اشترك فى إصدار أحكام خاطئة مشبوهة تحوطها الشكوك لما تضمنته من أخطاء مهنية جسيمة تصل الى حد الغش روعى فيها أشخاص الخصوم والمحامين الذين صدرت لصالحهم دون مشاركة جدية فى المداولة طبقاً لما توجبه المادة 166 من قانون المرافعات بما يعد خروجاً على مقتضيات الوظيفة والتقاليد القضائية وكان ما وقع من الطالب على هذا من شأنه أن ينتقض من أهليته المطلوبة للترقية الى درجة رئيس محكمة من الفئة (ب) أو ما يعادلها ، فإن القرار الجمهورى رقم ..... لسنة ........ إذ تخطاه فى الترقية اليها بهذا السبب لا يكون مخالفاً للقانون ولا معيباً بإساءة استعمال السلطة ويكون طلب الغائه على غير أساس ، ولا ينال من ذلك ما ذهب اليه الطالب من عدم إخطاره بالتخطى قبل عرض مشروع الحركة القضائية لعام ..... على مجلس القضاء الأعلى إذ الثابت من الأوراق أن الطالب قد استعمل حقه فى التظلم أمام مجلس القضاء الأعلى قبل عرض مشروع الحركة القضائية المذكورة ، وانتهى الى رفض تظلمه .
(الطعن رقم 157 لسنة 64 جلسة 1997/12/09 س 48 ع 1 ص 53 ق 12)
: المداولة لإصدار الحكم
بعد قفل باب المرافعة يبدأ القضاة في المداولة لإصدار الحكم. والمقصود بالمداولة هو التفكير من القاضي الفرد أو تبادل الرأي فيما بين القضاة إذا تعددوا . ويمكن أن تتم المداولة في الجلسة ، فيتشاور أعضاء المحكمة همسا فيما بينهم . ويمكن أن ينسحب القضاة إلى غرفة المشورة ويتبادلون فيها الرأى بعض الوقت ثم يعودون إلى الجلسة لإصدار الحكم. وأخيراً ، وهو الغالب . قد تقدر المحكمة أن التفكير في الحكم يحتاج لبعض الوقت فلا تصدر الحكم في اليوم نفسه ، وإنما تؤجل النطق بالحكم إلى يوم لاحق تحدده. وعندئذ تتم المداولة في غرفة المشورة في أي يوم قبل النطق بالحكم.
والأصل هو افتراض حصول المداولة على الوجه الصحيح . وعلى المتمسك بغير ذلك أن يقدم دليله . والمناط في هذا الخصوص هو الإعتداد بالبيانات المثبتة بالحكم على أن تكمل بما يرد في محضر الجلسة.
ويجب لسلامة المداولة توافر الشروط التالية :
(1) أن تجری سرا، فلا يجوز أن تحضرها النيابة العامة أو كاتب الجلسة، أو أي شخص ولو لم يكن طرفاً في الخصومة . فإذا حضرها أحد غير القضاة الذين سمعوا المرافعات ، كان الحكم باطلاً (مادة 167 مرافعات) . على أنه إذا حدثت المداولة فقط بين أعضاء الهيئة ، وقام عضو منهم بإفشاء سر المداولة ، فإن هذا الإنشاء لا يؤدي إلى بطلان الحكم ، وإنما يعرض من أفشى سر المداولة للمسئولية .
(2) ألا تسمع المحكمة - أثناء فترة المداولة - أي خصم أو وكيله دون حضور الطرف الأخر ، وألا تقبل أوراقاً أو مذكرات أو مستندات من أحد الخصوم دون إطلاع الخصم الآخر عليها . فإن فعلت ، كان الحكم باطلاً لإخلاله بحق الدفاع . غير أنه يجب لهذا أن تتضمن المذكرة المقدمة من الخصم دفاعاً جديداً . فإذا كان ما ورد بها مجرد ترديد لدفاع سبق التمسك به ورد عليه الخصم ، فلا مخالفة للقانون. ولا يغني عن إطلاع الخصم على المستند المقدم تأشيره هو أو وكيله على المذكرة المصرح بتقديمها والتي أرفق بها ذلك المستند بما يفيد إستلامه صورتها أو أن يكون مشاراً فيها إلى فحوى السند ما دام لم يثبت إطلاع الخصم على المستند ذاته. وقد حرصت المادة 168 مرافعات علی النص على هذا الحكم بالنسبة لفترة المداولة ضماناً لعدم التأثير في القضاة أثناء المداولة من أحد الخصوم ، وهو ليس إلا تطبيقاً لمبدأ المواجهة ووجوب صيانة حق الدفاع مما سبق الإشارة إليه في حينه . على أنه يجب القول بمخالفة القانون أن تكون المحكمة قد أقامت قضاءها على هذا المستند .
ويقتصر تطبيق نص المادة 168 مرافعات على ما يقدم أثناء المداولة إذ تنقطع فيها صلة الخصوم بالدعوى . أما في غير فترة المداولة ، فان للخصم - كما قدمنا - أن يقدم مستنداته ومذكراته بالجلسة سواء حضر خصمه الآخر أو لم يحضر . ولا يلتزم بإعلانها للخصم الغائب إذ المفروض أن يتابع كل خصم دعواه ويطلع على ما يبدي في الجلسة من دفاع وما يقدم فيها من مذكرات أو مستندات.
(3) أن يكون جميع القضاة المشتركين في المداولة قد سمعوا المرافعة . (مادة 167 مرافعات) وإلا كان الحكم باطلاً بطلاناً يتعلق بالنظام العام تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها . على أن هذا البطلان لا يقضي به إلا إذا كان ثابتاً من ذات الحكم ، فلا يكفي محضر الجلسة التي تلى بها منطوق الحكم لإثباته .
وهذه القاعدة منطقية وذلك حتى يشترك في إصدار الحكم في القضية من أشترك في نظرها . ويجب إحترام هذه القاعدة ، ولو لم تكن هناك مرافعات شفوية في القضية . وتطبيقاً لهذه القاعدة ، إذا حدث مانع لدى أحد القضاة الذين سمعوا المرافعات يحول دون الإشتراك في المداولة ، فيجب إعادة فتح باب المرافعة لتتم من جديد أمام القاضي الذي حل محل من قام لديه المانع .(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 375)
سرية المداولة :
المداولة قانوناً ، هي اشتراك جميع القضاة الذين سمعوا المرافعة في تكييف وقائع النزاع واستخلاص مقطع النزاع ثم إنزال حكم القانون عليه ، وتتم المداولة عملاً بعد قيام أحد قضاة الدائرة بدراسة القضية وتلخيصها أو كتابة مسودة الحكم، ثم يعرض على زملائه في الدائرة وقائع النزاع والمراحل التي مر بها من شطب أو وقف أو إنقطاع ان كان لذلك تأثير في الحكم، والتكييف الذي خلص إليه إذا لزم الأمر والرأي الذي خلص إليه للحكم في الدعوى ، وتدور بعد ذلك المناقشة في كل ما تم عرضه والإطلاع على المستندات المقدمة لإستخلاص الأدلة منها، فإذا إنتهت المناقشة الى سلامة ما تضمنته المسودة - إن كانت قد حررت - تم التوقيع عليها، أما إذا خلصت الأغلبية الى رأي مخالف، ألتزم العضو العارض بهذا الرأي وحرر المسودة على أساسه ، فإذا إمتنع، كان لرئيس الدائرة تحرير المسودة على أساسه، والتوقيع عليها ومعه العضوان ، فإذا أمتنع العضو الذي سحبت منه القضية عن التوقيع، كان الرئيس الدائرة إعادة الدعوى الى المرافعة وعرضها على رئيس المحكمة لإحالتها إلى دائرة أخرى، فإن نطق بالحكم رغم عدم توقيع جميع القضاة على المسودة كان مسئولاً عن بطلانه وفقاً لما تنص عليه المادة 175 ولا يقاس ذلك على حكم المحكمين إذ نصت الفقرة الثانية من المادة 507 قبل إلغائها على صحة الحكم اذا وقعته أغلبية المحكمين.
ويجب أن تتم المداولة في سرية بين القضاة الذين سمعوا المرافعة والمنوط بهم أصدار الحكم، فإذا سمع المرافعة عدد من القضاة يجاوز العدد الذي حدده القانون الاصدار الحكم، وجب قصر المداولة على العدد الأخير فقد يسمع المرافعة خمسة مستشارين بمحكمة الإستئناف في حين يوجب القانون إصدار الحكم من ثلاثة فقط، وحينئذ يجب أن تتم المداولة سراً بين ثلاثة فقط، فإن حضرها رابع كان قد سمع المرافعة، إنتفى شرط السرية عن المداولة وأدى ذلك الى بطلان الحكم، ويكفي إثباتاً لذلك ماتتضمنه بيانات الحكم الواردة بالنسخة الأصلية وما أثبت في محضر جلسة النطق بالحكم من صدوره من أكثر من العدد المقرر، ومن ثم لا يكفي إثبات التشكيل الرباعي أو الخماسي بمحضر الجلسة التي حجزت فيها الدعوى للحكم اذ لا يفيد ذلك إشتراكهم جميعاً في المداولة في كافة القضايا المعروضة عليهم.
وقد يرد أسم أحد القضاة في ديباجة الحكم ضمن أعضاء الهيئة التي أصدرته دون أن يكون قد سمع المرافعة مما يمتنع عليه الإشتراك في المداولة وإلا كان الحكم باطلاً. ويتعين في هذه الحالة الرجوع إلى محضر جلسة النطق بالحكم، لتصحيح الحكم إذا كان هذا الإسم قد ورد على سبيل الخطأ ولايقبل في إجراء التصحيح أي دليل آخر ولو كان شهادة رسمية صادرة من قلم الكتاب ، بحيث إذا ثبت أنه كان ضمن أعضاء الهيئة التي أصدرت الحكم ولم يوقع على مسودته، كان الحكم باطلاً مما يحول دون تصحيحه لإنتفاء شروط المادة 191.
والأصل أن المداولة تتم في قاعة الجلسة أو في غرفة المشورة بعد سماع المرافعة على أن تحاط بالسرية ، فإن تمت في القاعة وجب ألا يسمع مايدور بشأنها الخصوم أو المحاميين أو غيرهم وإلا إنتقى شرط السرية عنها، واذا جلس على المنصة أكثر من العدد المقرر من القضاة، وجب قصر المداولة على العدد الذي حدده القانون الإصدار الحكم، بحيث إذا تداول رئيس الدائرة مع ما يجاوز هذا العدد ثم نطق بالحكم إنتقى عن المداولة شروط السرية وبطل الحكم ولو وقع على مسودته ثلاثة فقط من القضاة.
وإذا تمت المداولة بغرفة المشورة ولم يتواجد بها غير عدد القضاة المحدد قانوناً توافر شرط السرية حتى لو كان هناك إستراق السمع وهو فعل غير مشروع لا يجوز تسليطه على الإجراء الصحيح ليبطله وإنما يظل الإجراء صحيحاً، ولما كان يشترط لصحة المداولة إجتماع جميع القضاة أمام ملت الدعوى لتمحيص ما تضمنه من مذكرات ومستندات وما حواه محضر الجلسة من دفوع وطلبات وأوجه دفاع، ومن ثم لا يجوز إجراء المداولة تليفونياً ما لم يكن القصد إيضاح بعض النقاط، إذ لا تتحقق المداولة إلا بإتفاق جميع القضاة على منطوق الحكم.
وإذا تمت المداولة في مكان عام، وانتهى الأعضاء إلى رأي معين ألم به الحضور، بطل الحكم الذي يصدر ويجوز إثبات ذلك بشهادة الشهود عند الطعن في الحكم مؤيدة بقرينة توافر العلانية إنتقاء السرية وفقاً لطبيعة المكان العام، أما إن لم يلم الحضور بالمداولة كانت صحيحة.
وطرح الوقائع والأسانيد ومناقشتها بين الأعضاء واشتراك الغير في ذلك دون الوصول الى رأي في النزاع، لا يعتبر مداولة ومن ثم لا يبطل الحكم الذي يصدر في الدعوى طالما إقتصر حسم النزاع والإتفاق على المنطوق بين أعضاء الهيئة فقط.
والأصل في الإجراءات أنها روعيت، وطالما تضمن الحكم أنه صدر بعد المداولة قامت قرينة قانونية بسيطة على أن المداولة تمت في سرية بين قضاة الهيئة مجتمعين، ولمن يتمسك بغير ذلك إثبات مايدعيه.
وتنحصر السرية في الأحكام التي تفصل في نزاع نشب بين الخصوم، ومن ثم يجوز أن تكون المداولة علناً وفي قاعة الجلسة إذا تعلق الحكم بسير الدعوى أو باجراء من إجراءات الإثبات ، فقد يتفق الخصوم على وقف السير في الدعوى لمدة معينة ويطلبون إصدار حكم بذلك، وقد يقرر أحد الخصوم بوفاة آخر ويقره الباقون وحينئذ يجوز لأعضاء الهيئة المداولة في علانية الإصدار حكم بالوقف أو الإنقطاع، وقد يتفقون على طلب ندب خبير في الدعوى، فتتداول الهيئة علانية وتصدر حكمها بندب خبير .
إجراء المداولة بين القضاة مجتمعين :
متى قررت الهيئة حجز الدعوى للحكم دون تصريح بتقديم مذكرات أو صرحت بذلك وإنقضى الأجل المحدد، أقفل باب المرافعة، وبدأ قضاة الهيئة مجتمعين في المداولة على نحو ماتقدم، فإذا تمت المداولة بين اثنين بينما تتكون الهيئة من ثلاثة قضاة، وإنتهى العضوان إلى التوقيع على مسودة الحكم إنتظار الحضور الثالث للتداول معه والتوقيع على المسودة ، كانت المداولة التي تمت بين الإثنين باطلة إذ يشترط القانون لوجودها أن تتم بين قضاة الهيئة مجتمعين، وللعضو الثالث في هذه الحالة الإمتناع عن التوقيع على المسودة بالرغم من وجود توقيعين عليها لأن مناط التزامه بالتوقيع عند وجود توقيعين على المسودة أن تكون المداولة قد تمت بين القضاة مجتمعين.
وإذا تمت المداولة بين جميع القضاة ووقعوا على مسودة الحكم قبل اليوم المحدد للنطق بالحكم، وجب لصحته أن يظل كل منهم صالحاً لهذا النطق في اليوم المحدد لذلك، بأن يكون مازال على قيد الحياة وأن تكون له ولاية إصدار الحكم، فإذا توفي أحد القضاة بعد التوقيع على المسودة وقبل النطق بالحكم، أو زالت ولايته بالنقل متى أخطر به رسمياً أو الإعارة أو الإستقالة أو لسبب آخر وجب إعادة الدعوى للمرافعة، اذ يجب أن يحضر القضاة الذين إشتركوا في المداولة تلاوة الحكم فإذا حصل لأحدهم مانع عرضي وجب أن يوقع مسودة الحكم ومن ثم فان الأصل أن القاضي الذي يوقع مسودة الحكم هو الذى يحضر تلاوته مالم يكن هناك مانع عرضي کمرض أو سفر مفاجىء حال دونه وحضور جلسة النطق بالحكم، فإن كان المانع دائماً كوفاة أو إستقالة أو نقل أو إعارة، فان ولاية الفاضي تزول بذلك مما يتعين معه إعادة الدعوى للمرافعة لزوال الولاية وقت النطق بالحكم وهو الوقت الذي رتب عليه القانون آثاراً معينة كبدء ميعاد الطعن ولذلك يجب أن يتضمن الحكم كافة مقوماته وقت النطق به وأن يكون لمن أصدره ولاية القضاء في ذلك الوقت ، والمقرر أن الحكم لا يعتبر قد صدر بإنتهاء المداولة وبالتالي لا يرتب حكماً للخصم الذي كان يستفيد منه في حالة صدوره، فيجوز لكل قاض إلى ما قبل النطق بالحكم أن يعدل عن رأيه ويطلب إعادة المداولة، ويترتب على ذلك أيضاً أنه اذا توفي أحد القضاة وزالت عنه صفته بعد اتمام المداولة وقبل النطق بالحكم وجب فتح باب المرافعة وأنظر في ذلك الطعون 16، 71، 447، 205 بالمادة 170.
ومتى تمت المداولة بين القضاة الذين سمعوا المرافعة، وقعوا على مسودة الحكم وتم النطق به ، فإن الحكم يكون قد توافرت له مقوماته وصدر من قضاة الهم ولاية القضاء فلا ينال منه زوالها بالنسبة لأحدهم بعد ذلك ولو قبل التوقيع على نسخة الحكم الأصلية ، حتى لو كان رئيس الدائرة هو الذي زالت ولايته قبل توقيعه على هذه النسخة بإعتبار أن هذا التوقيع عمل لاحق على توافر مقومات الحكم وأن النص في المادة 179 على أن يوقع رئيس الدائرة نسخة الحكم الأصلية هو نص تنظيمي لم يرتب القانون البطلان على مخالفته، ومن ثم يجوز لأي من الأعضاء التوقيع عليها عند تعذر التوقيع عليها من رئيس الدائرة، فإن كان الحكم صادراً من قاض فرد إنتدب رئيس المحكمة أحد القضاة لتوقيع نسخة الحكم الأصلية، وهو ذات النهج الذي نهجه المشرع في الأحكام الجنائية عملاً بالمادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية. ولا يترتب البطلان على توقيع النسخة من رئيس زالت ولايته على نحو ما أوضحناه بالمادة 179 .
الجزاء المترتب على مخالفة قواعد المداولة :
أوجب القانون على نحو ماتقدم، أن تكون المداولة في الأحكام سراً بين القضاة مجتمعين، ولم يحدد نص المادة 166 الجزاء الواجب إعماله اذا تمت المداولة علانية وجهراً أو ان لم تكن بين القضاة مجتمعين، ومن ثم تعين الرجوع في تحديد الجزاء إلى القواعد العامة، وإذا تنص المادة 20 على أن يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الاجراء ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء ويقابل هذا النص في قانون المرافعات السابق المادة 25 التي يجري نصها بأن يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون على بطلانه أو اذا شابه عيب جوهري ترتب عليه ضرر للخصم.
وجاء في المذكرة الايضاحية للقانون السابق تعليقاً على نص المادة 25 المشار إليها أن حكم هذه المادة لا يتناول البطلان المتعلق بالنظام العام ولا بطلان الأحكام وماجرى مجراها بل يعمل في هذه الصور بقواعد القانون العام - وفقهه.
وإذا تعلق البطلان بشق قطعی، فلا يجوز التمسك به طريق الطعن بإعتبار أن المحكمة لاتتسلط على قضائها وذلك في نطاق المادة 229.
وقارن أبو الوفا ويرى أن إفشاء سر المداولة لا يؤدي إلى بطلان الحكم لأن المادة 166 من القانون لم تنص على البطلان ولأن هذا الإفشاء لايمس في ذاته حقوق الخصوم : الأحكام بند 36 ).
وإن تعلق البطلان بحقوق الخصوم ولم يمس التنظيم القضائي، فإن تحقق الغاية من الإجراء وفقاً للمادة 20 يحول دون القضاء بالبطلان كتقديم أوراق أو مذكرات بعد إقفال باب المرافعة وبعد إنقضاء الأجل المحدد لذلك (انظر بند مناط البطلان بالمادتين 168، 178).
بدء المداولة بعد إقفال باب المرافعة :
يتعلق حق الخصوم بالدعوى مابقى باب المرافعة فيها مفتوحاً، وهو مايجيز لهم تقديم أوجه دفاع جديدة ودفوع موضوعية أو شكلية ان لم يكن الحق فيها قد سقط بالتعرض للموضوع، كما يحق لهم تقديم طلبات عارضة أو تعديل الطلبات السابق تقديمها، ويقفل باب المرافعة إذا قررت المحكمة إصدار قرارها في آخر الجلسة أو بحجز الدعوى للحكم لجلسة مقبلة دون أن تصرح بتقديم مذكرات أو مستندات فاذا صرحت بذلك ظل باب المرافعة مفتوحاً حتى ينقضي الأجل الذي حددته لذلك.
ومتى أقفل باب المرافعة، فلا يجوز فتحه إلا بقرار تصدره المحكمة ولا تجبر على ذلك حتى لو تقدم لها أحد الخصوم مذكرات أعلنت للخصم الآخر أو تضمنت إطلاع الأخير عليها طالما أن المحكمة لم تصرح بتقديم مذكرات وكان الأجل المحدد لتقديمها قد انقضى.
وتلتزم المحكمة بعدم البدء في المداولة إلا بعد اقفال باب المرافعة على نحو ماتقدم، اذ يكون الخصوم قد تقدموا بطلباتهم وأوجه دفاعهم ودفوعهم والأدلة المؤيدة لها أو على الأقل كان في إمكانهم ذلك فور إنعقاد الخصومة ولكنهم لم يتقدموا بشيء وحينئذ تبدأ المداولة بتمحيص أدلة الدعوى وأوجه الدفاع المقدمة فيها مما لازمه أن تشير المحكمة في مدونات حكمها إلى كل ذلك وإلا رمى بالإخلال بحق الدفاع وإنحسار المداولة عن وجه من وجوه الدفاع اذا كان من شأن عدم الرد عليه أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ولايلزم بیان نصوص المستندات أو تفاصيل أوجه الدفاع التي تضمنتها المذكرات وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة 176، بحيث إذا تضمن المستند دفاعاً جوهرياً تمسك به الخصم وجب على المحكمة تمحيصه لتقول كلمتها فيه ويمتد ذلك إلى المستند المطعون فيه بالتزوير إذ يجب على المحكمة الإطلاع عليه بكامل هيئتها والتداول في شأنه وإلا كان حكمها باطلاً ، وطالما كان المستند مودعاً ملف الدعوى قامت قرينة قانونية تدل على أن كل ماجاء بمدونات الحكم قد تناولته المداولة، فان أغفلت المحكمة الرد كان ذلك من عيوب التسبيب وليس دليلاً على إغفال القضاة التداول في المسألة التي كان عليهم الرد عليها.
دلالة النص في الحكم على إجراء المداولة :
الأصل في الاجراءات أنها روعيت، وطالما أثبتت المحكمة أنها أصدرت الحكم بعد المداولة، دل ذلك على أن المداولة بدأت بعد اقفال باب المرافعة وعلى من يدعى خلاف ذلك عبء إثباته ، وإذا أغفلت المحكمة البيان المتعلق بالمداولة كان ذلك من قبيل السهو الذي لا ينال من صحة الحكم إذ يدل توقيع القضاة على مسودة الحكم على أنهم تداولوا قبل هذا التوقيع، وأن البيان المتعلق بالمداولة ليس من البيانات الجوهرية التي يترتب البطلان على إغفاله.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع ، الصفحة : 81)
المداولة هي المشاورة بين أعضاء المحكمة في منطوق الحكم وأسبابه بعد إنتهاء المرافعة وقبل النطق به ، ولا يجوز حصول المداولة قبل انتهاء المرافعة وذلك حتى تتم من جانب القضاة وهم على علم تام وإحاطة كاملة بكل وقائع القضية وظروفها . وتتم المداولة إما أثناء إنعقاد الجلسة ويتلوها إصدار الحكم أو في غرفة المشورة علي أن يتلوها إصدار الحكم في نفس الجلسة وقد تؤجل المداولة وينطق بالحكم في جلسة أخرى. ( نظرية الأحكام للدكتور أبو الوفا بند 30 وما بعده ).
معني سرية المداولة ألا يشترك فيها غير قضاة الدائرة التي نظرت الدعوى فضلاً عن ضرورة حصولها سراً بينهم دون سماعها من جانب غيرهم ويجب أن تتم المداولة بين جميع قضاة الدائرة التي سمعت المرافعة مجتمعين وإفشاء سر المداولة لا يؤدي إلي بطلان الحكم وإن كان يعرض من أفشي السر الجزاءات التأديبية ( المرجع السابق ).
ولا تجوز المداولة بالمراسلة أو الإتصال التليفوني بل يتعين أن يجتمع أعضاء المحكمة في مكان واحد ويتداولون في مواجهة بعضهم وبحضورهم جميعاً ويناقشون الأدلة الواقعية والأسانيد القانونية بعد أن يحيطوا بالدعوى وما قدم فيها من دفاع ودفوع و مستندات عن بصر وبصيرة ولا تبدأ المداولة إلا بعد قفل باب المرافعة وهو لا يعتبر مقفولاً إلا بعد إنتهاء المرافعة سواء الشفوية أو التحريرية (مذكرات) وعلي ذلك إذا كانت الدعوى قد حجزت للحكم وصرح فيها بتقديم مذكرات فلا تصح المداولة إلا بعد إنتهاء الأجل المحدد لتقديم المذكرات . والقرارات التي تصدر أثناء سير الدعوى ويكون للمحكمة حق العدول عنها لا تعد أحكاماً بل قرارات إدارية ومن ثم لا يشترط لإصدارها المداولة فيها ويكفي أن يصدرها رئيس الدائرة مثال ذلك قرار التأجيل وضم المفردات والمستندات وتكليف الخصوم بإعادة الإعلان أو بإجراءات الإعلان إذا كان لم يتم أصلاً أما إذا كان الإعلان قد قام به الخصم ورأت المحكمة أنه غير قانوني ومن أجل ذلك كلفت الخصوم بإجراء الإعلان القانوني فإن هذا يعد قضاءً ضمنياً منها بعدم صحة الإعلان السابق وينبغي لصحته المداولة فيه.
ويجوز أن تكون المداولة في المحكمة أو في منزل أحد القضاء أو في نادي القضاة وكل ما يشترطه القانون لصحتها أن تكون سرية.
مداولة الدائرة الرباعية :
يحدث كثيراً في توزيع العمل في المحاكم أن تشكل دائرة رباعية ومن المقرر أنه وإن كان ليس هناك ما يمنع من حضور الأعضاء الأربعة الجلسات إلا أنه ينبغي أن يصدر الحكم من ثلاثة فقط وهؤلاء الثلاثة هم الذين يتعين عليهم التداول في القضية والتوقيع علي مسودة الحكم ولا يجوز أن يشترك معهم الرابع في المداولة حتى ولو كان قد حضر المرافعة فإن اشترك معهم فيها أو حضر المداولة كمستمع دون أن يشارك فيها كان الحكم باطلاً ، ذلك أن مؤدي نص المادة 166 أنه يجب أن تكون المداولة في الأحكام سراً بين القضاة الذين يصدرون الحكم فقط.(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : الرابع ، الصفحة : 620 )
تعريف الحكم والتفرقة بينه وبين الأمر الولائي والقرار الإداري :
يمارس القاضي ثلاثة أنواع من الأعمال : عمل قضائي بحت ويظهر في صورة حكم، وعمل ولائي يظهر في صورة أمر، وعمل إداري يظهر في صورة قرار إداري، وهذه الأعمال تتباين في الطبيعة والآثار.
وكل نوع من هذه الأعمال الثلاثة يخضع لنظام قانوني خاص به أي المجموعة قواعد قانونية تنظمه، تختلف عن النظام القانوني للنوع الآخر فيختلف الحكم عن الأمر وعن القرار، فمثلاً إذا كان العمل الصادر من القاضي حكماً قضائياً فإنه يتمتع بحجية الأمر المقضي ويخضع لطرق الطعن في الأحكام المحددة قانوناً، أما إذا كان عمل القاضي عملاً ولائياً کالأمر على عريضة، فإنه لا يتمتع بحجية الأمر المقضي ويمكن التظلم منه فهو لايخضع لنفس طرق الطعن المقررة للأحكام القضائية، كذلك إذا كان العمل الصادر من القاضى عجلاً إدارياً يظهر في صورة قرار إداري كقرار تأجيل الجلسة وقرار توزيع القضايا على الدوائر المختلفة وغير ذلك من القرارات التي ترمي إلى تنظيم سير العمل الداخلي في المحاكم، فهذه القرارات الإدارية تختلف عن الأحكام القضائية وعن الأوامر الولائية، فمثلاً ليس لهذه القرارات الإدارية أية حجية، ومن الممكن لنفس القاضي الذي أصدرها أن يعدلها أو يلغيها ولا مجال للطعن فيها. . وهكذا يفترق الحكم عن الأمر الولائي وعن القرار الإداري، والقاضی يومياً وربما في القضية الواحدة يمارس هذا الخليط من الأعمال الثلاثة ومن المهم لرجل القانون أن يميز كل نوع من هذه الأعمال، وأن يعرف طبيعة كل عمل من الأعمال التي يمارسها القاضي حتى يمكنه تحديد خصائصه وآثاره، إذ تنعكس طبيعة العمل على خصائصه وآثاره، فمن المفيد أن يعرف رجل القانون ما إذا كان العمل الصادر من القاضي حكماً قضائياً أم أمراً ولائياً أم قراراً إدارياً، ومن ثم يمكنه إخضاع كل نوع من الأعمال الثلاثة لنظامه القانوني الخاص به أي لمجموعة القواعد القانونية التي تنظمه والتي تختلف عن مجموعة القواعد التي تنظم النوع الآخر (راجع مزيداً من التفاصيل : مؤلفنا : أعمال القضاة - مشار إليه آنفا ص 3 وما بعدها).
ويعرف الفقه الحكم بأنه القرار الصادر من محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا ومختصة، في خصومة رفعت إليها وفق قواعد المرافعات، سواء أكان صادرا في موضوع الخصومة أو في شق منه أو في مسألة متفرعة عنه، (موريل - المرافعات - بند 545، جابیو بند 521، جلاسون ج 2 بند 729 ، محمد حامد فهمي - المرافعات - بند 601، أحمد أبو الوفا- نظرية الأحكام بند 11 ص 35)، ومن الأفضل أن يضاف إلى هذا التعريف وصف القرار بأنه القرار القضائي الصادر من محكمة، تمييزاً للحكم الذي هو بمثابة عمل قضائي بحث، عن أي قرار إداري قد يصدر من المحكمة يتعلق بتنظيم العمل الداخلى بها.
أركان ثلاثة للحكم : صدوره من محكمة وبناءً على سلطة قضائية لا ولائية وأن يكون مكتوباً :
هناك ثلاثة أركان للحكم، وبتوافرها بوصف العمل الصادر من القاضي بأنه حكم قضائي وهي:
أ- الركن الأول: إن الحكم يصدر من محكمة تتبع جهة قضائية ولذلك فإن القرار الصادر من هيئة غير قضائية لا يعد حكماً بمعنى الكلمة حتى ولو كان من بين أعضائها أحد القضاة.
ولكن ينبغي ملاحظة أن حكم المحكمين يعتبر بمثابة حكم، رغم صدوره من أشخاص ليسوا قضاة، وذلك لأن القانون أقر نظام التحكيم إحتراماً الإرادة الخصوم ومنح هذا الحكم حجية الأمر المقضي وجعله قابلاً للتنفيذ الجبري بعد صدور أمر بتنفيذه من القضاء حتى يخضع لرقابته.
ب - الركن الثاني: إن الحكم يصدر بما للمحكمة من سلطة قضائية فهو يصدر في خصومة قضائية، ولا يصدر بما للمحكمة من سلطة ولائية أو سلطة إدارية، فما يصدر من المحكمة بناء على سلطتها الولائية هو أمر ولائي، ومايصدر من المحكمة بناءً على سلطتها الإدارية هو قرار إداري.
ج - الركن الثالث: أن يكون الحكم مكتوباً، في الشكل المقرر له شأنه شأن أية ورقة من أوراق المرافعات وهي جميعها تتصف بالشكلية وبالرسمية (أحمد أبو الوفا - نظرية الأحكام - بند 11 ص 34 وص 35).
تقسيمات الأحكام
تقسيم الأحكام من حيث قابليتها للطعن فيها: أربعة أقسام: أحكام إبتدائية وأحكام إنتهائية وأحكام حائزة لقوة الشيء المحكوم فيه وأحكام باتة: تنقسم الأحكام من حيث قابليتها للطعن فيها إلى أربعة أقسام هي:
أ- الأحكام الابتدائية :
وهي الأحكام التي تصدر من محكمة الدرجة الأولى وتقبل الطعن فيها بالاستئناف.
ب- الأحكام النهائية :
وهي الأحكام التي لاتقبل الطعن فيها بالاستئناف سواء أكانت صادرة من محكمة الدرجة الأولى في حدود نصابها الانتهائي، أم صادرة من محكمة الدرجة الثانية.
ويعتبر الحكم إنتهائياً مادام الطعن فيه بالاستئناف غير جائز ولو كان غيابياً قابلاً للطعن فيه بالمعارضة.
ج - الأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم به :
وهي الأحكام التي لا تقبل الطعن فيها بطرق الطعن العادية، وهي المعارضة والاستئناف، ولو كان الحكم قابلاً للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية، وهي إلتماس إعادة النظر والنقض بل لو طعن فيها بالفعل بأحد هذين الطريقين.
وينبغي ملاحظة التفرقة بين حجية الشيء المحكوم به وقوة الشيء المحكوم فيه، فالأولى هي قرينة قانونية لاتقبل إثبات العكس مقتضاها أن الحكم قد صدر صحيحاً من ناحية الشكل وعلى حق من ناحية الموضوع وهي تثبت لكل حكم ولو كان إبتدائياً، أما قوة الشيء المحكوم به فهي وصف الحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بالمعارضة والإستئناف ولو كان قابلاً للطعن فيه بطريق طعن غير عادي، بل ولو طعن فيه بالفعل بأحد هذين الطريقين.
د- الأحكام الباتة :
وهي الأحكام التي لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية.
ويلاحظ أن الحكم بعد إبتدائياً إذا كانت له هذه الصفة طبقاً للقانون، ولو وصفته المحكمة خطأ بأنه من الأحكام الانتهائية.
كما يعد الحكم الصادر في الدعوى ابتدائياً يقبل الاستئناف متى كانت قيمة الدعوى في واقع الأمر وطبقاً للضوابط التي وصفها المشرع تزين عن نصاب المحكمة الابتدائية، ولو كان الحكم لا يقبل الإستئناف بندب تقدير المدعي، بل ولو لم يثر المدعى عليه النزاع حول تقدير قيمة الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى. وبعد الحكم إنتهائياً إذا كانت له هذه الصفة بحسب نصوص القانون، ولو إعتبره المدعى إبتدائياً بحسب تقديره هو لدعواه، فإذا طلب المدعى تثبيت ملكية أرض مربوط عليها ضريبة، وقدر دعواه تقديراً مخالفاً لما نص عليه المشرع في المادة 37/ 1، مرافعات فلا يعتد به، ولو إتفق الخصوم عليه، لأن الاتفاق على مخالفة قواعد تقدير قيمة الدعوى هو في الواقع اتفاق على مخالفة قواعد الإختصاص النوعي، وهذه من النظام العام، ويجوز لمحكمة الدرجة الأولى أن تعتد من تلقاء نفسها بالقيمة الحقيقية للدعوى، وعليها أن تراعي من تلقاء نفسها صحة تطبيق الخصوم للقواعد التي حددها المشرع في المادة 36 مرافعات ومابعدها (أحمد أبو الوفا- نظرية الأحكام - بند 171 ص 370 و 371) .
تقسيم الأحكام إلى أحكام قطعية وأحكام غير قطعية :
الحكم القطعي هو الحكم الذي يحسم موضوع النزاع كله أو بحسم جزءاً منه أو بحسم مسألة متفرعة عنه، ومثل الحكم القطعي" في مسالة متفرعة عن النزاع الحكم في الدفع بعدم الإختصاص، والحكم الصادر . في دفع ببطلان صحيفة الدعوى أو في طلب بطلان إجراء من إجراءاتها، ومثله أيضاً الحكم في جواز الإثبات بالبينة، والحكم في إنكار ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى أو الإدعاء بتزويرها سواء أكان بصحة الورقة أم بتزويرها، وبهذا المعنى لايقتصر وصف الحكم بأنه قطعي على الحكم الأخير الذي يفصل في موضوع الدعوى، فقد يكون الحكم قطعياً ولو كان صادراً قبل الفصل في الموضوع كالحكم برفض الدفع بعدم الإختصاص والحكم بجواز أو عدم جواز الإثبات بالبينة (رمزی سیف - بند 539، ص 688 وص 689).
أما الحكم غير القطعي فهو حكم لايحسم موضوع النزاع لا كله ولا جزءاً منه ولا يحسم مسألة فرعية متفرعة عنه.
وتنقسم الأحكام غير القطعية بدورها إلى أحكام وقتية وأحكام متعلقة بسير الدعوى وتحقيقها.
فالحكم الوقتي هو الذي يصدر في طلب وقتی او في طلب باتخاذ إجراء تحفظي، فهو حكم بنظم مراكز الخصوم تنظيماً مؤقتاً إلى أن يفصل في موضوع النزاع، ومثله الحكم الصادر في طلب تعيين حارس قضائي على عين متنازع على ملكيتها والحكم في طلب تقرير نفقة وقنية الدائن على مدينة إلى أن يصفي النزاع بينهما على المديونية ، وبصفة عامة جميع الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة.
أما الأحكام المتعلقة بسير الدعوى وتحقيقها فهي أحكام لا تقطع في نزاع ولا تحده، مراكز الخصوم تجديداً مؤقتاً أو نهائياً ، وإنما هي ترمي إلى إعداد القضية الحكم في موضوعها، ومثلها الحكم بضم دعويين أو الفصل بينهما والحكم بندب خبير ، أو رفض ندبه أو بالإنتقال للمعاينة أو الإحالة على التحقيق لإثبات (رمزی سیف - بند 539 ص 688 و 689).
تقسيم الأحكام من حيث حضور الخصوم أو غيابهم :
أحكام تصورية وأحكام غيابية :
فإذا كان الخصم حاضراً فعلاً أو حكماً فإن الحكم بمنبره حضورياً وإذا كان الخصم غائباً فإن الحكم يعتبر غيابياً . يعتبر الخصم حاضراً إذا حضر جلسة من الجلسات أو قدم مذكرة غيابية بدفاعه في الدعوى . على أنه إذا تأجلت الدعوى لإعادة إعلان المدعى عليه وإنذاره بأنه إذا لم يحضن يكون الحكم حضورياً في حقه فإن الحكم الذي يصدر في الدعوى بعد إنذاره - بشرط أن يكون ذلك الإنذار أي الإعلان الثاني صحيحاً - يعتبر بمثابة حكم حضوري لأنه وان صدر في غياب المدعى عليه إلا أنه يكون حكماً حضورياً إعتبارياً أي أنه ليس حضورياً حقيقة ولكنه حضوری حكماً (عبد الباسط جمیعی - مبادىء المرافعات ص 518).
وقد كانت أهمية التفرقة بين الحكم الحضوري والغيابي هي ان الحكم النيابي يمكن المعارضة فيه ، أما الآن فإن الأحكام الغيابية لا تجوز المعارضة فيها إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك ، ولهذا تضاءلت أهمية الأحكام الغيابية.
ففي ظل قانون المرافعات الحالي لا مجال للأحكام النيابية اللهم إلا في مسائل الأحوال الشخصية وهذه تجوز المعارضة فيها وفقاً لبعض نصوص القانون السابق التي نص القانون الحالي على إستمرار العمل بها (أنظر هذه النصوص و تعليقنا عليها في الجزء الرابع من هذا المؤلف).
الأحكام الصادرة في الموضوع والأحكام الصادرة قبل الفصل فيه والأحكام الصادرة بعد الفصل فيه :
معيار هذا التقسيم هو محل الحكم، ويكون الحكم في الموضوع إذا كان محل الفصل في موضوع الدعوى، والمقصود بالموضوع هو المحل القانوني الأساسي أو الفرعي للمنازعة، ومن أمثلة ذلك حق الملكية في دعوى المطالبة بالملكية وشروط صحة العقد أو بطلانه في دعوى صحة العقد أو بطلانه، وشروط الفسخ في دعوى الفسخ، وشروط المسئولية .المدنية في دعوى المطالبة بالتعويض، وتشمل الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع الأحكام الوقتية، والأحكام التمهيدية، والأحكام التحضيرية وهي تتعلق بسير الخصومة أو بتحقيقها.
والحكم التمهيدي يمس الموضوع من حيث إنه يعطي انطباعا عن اتجاه الحكم المحتمل من المحكمة في الموضوع، وعلى العكس، الحكم التحضيري لا ينم عن اتجاه المحكمة بالنسبة للموضوع (أحمد أبو الوفا - نظرية الأحكام بند 270 ص563، رمزي سيف - الوسيط - بند 515 وص 661، فتحي والي - الوسيط - بند 31 وص 616 و 617). ومثال الحكم التمهيدي: الحكم في دعوى تعويض - بندب خبير لتقدير الأضرار التي أصابت المدعي إذ ينم عن اتجاه المحكمة للحكم بالتعويض، ومثال الحكم التحضيري الحكم - في دعوى تعويض - بندب خبير لمعاينة المصنع محل الحادث لمعرفة ما إذا كان هناك خطأ من المدعى عليه، (فتحی والی - الإشارة السابقة).
لم يعد لإصطلاح الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع تلك الأهمية التي كانت له في القانون السابق والقديم. فلقد أصبحت القاعدة في ظل قانون المرافعات الحالي هي عدم جواز الطعن المباشر في الأحكام التي تصدر قبل صدور الحكم الختامي المنهى للخصومة برمتها أمام ذات المحكمة التي أصدرته، سواء أكان قطعياً أو غير قطعی، موضوعياً أو فرعياً ، صادراً في إثبات الدعوى أو في سيرها وتنظيمها.
وأصبحت العبرة بالحكم الختامي المنهى للخصومة برمتها أمام ذات المحكمة التي أصدرته بصدوره ينفتح باب الطعن فيه وفي الأحكام الصادرة قبله، بإستثناء الأحكام التي قررتها المادة 212 مرافعات.
فلم تعد للتفرقة بين الأحكام الصادرة في الموضوع وقبله أهمية عملية إلا في نطاق ضيق يتعلق بتطبيق قانون الرسوم القضائية (انظر: مادة 2 من قانون الرسوم القضائية لسنة 1944). أما الأحكام الصادرة بعد الفصل في الموضوع فهي طائفة من الأحكام التي لا تعد من الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع، ولا تعد من الأحكام الصادرة في الموضوع، وإنما هي من الأحكام الصادرة بعد الفصل في الموضوع. وبعض هذه الأحكام يصدر مع الحكم المنهي للخصومة أمام المحكمة، كالحكم في مصروفات الدعوى، والحكم في النفاذ المعجل أو في تنفيذ الحكم بمقتضى المسودة، وهذه الأحكام تصدر بما للمحكمة من سلطة تبعية على مايتبع صدور الحكم في الطلبات الأصلية من طلبات تبعية. والبعض الآخر من هذه الأحكام يصدر من ذات المحكمة بعد صدور حكمها المنهى للخصومة، ومنفصلا عنه، كالحكم في طلب تفسير الحكم أو تصحيحه، أو الحكم فيما أغفلت المحكمة الفصل فيه من طلبات موضوعية عملاً بالمادة 193 وكالحكم بتسليم الصورة التنفيذية الثانية الإيضاح الأولى وفقاً للمادة 183 ، وهي تصدر بما لها من سلطة تكميلية في طلبات خصها بها المشرع، لأنها أدري بها من غيرها.
وبعض الأحكام الصادرة بعد الفصل في الموضوع ، يعتبر موضوعياً ، مكملاً للحكم في الموضوع ، كالحكم بتفسيره أو بتصحيحه ، أو الحكم فيما أغفلت المحكمة الفصل فيه من طلبات موضوعية ، وبعضها الآخر يعتبر فرعياً أي إجرائياً ، كالحكم في النفاذ المعجل ، أو في المصروفات ، سواء أكان صادراً من المحكمة مع حكمها المنهي للخصومة أو كان صادراً منها بعد التظلم من الأمر الصادر منها بتقدير هذه المصروفات ، عملاً بالمادة 190 ، مرافعات ، أو الحكم في تنفيذ الحكم بمقتضی مسودته ، أو الحكم برفض تصحيح الحكم أو تفسيره (أحمد أبو الوفا - نظرية الأحكام - بند 198 و ص 409 و ص 410)
تقسيم الأحكام إلى أحكام فاصلة في الموضوع وأحكام إجرائية :
المقصود بالأحكام الفاصلة في الموضوع هي الأحكام التي تفصل في الطلبات والدفوع الموضوعية ، ومثالها الأحكام التي تقرر مركزا موضوعيا أو تلزم المحكوم عليه بالأداء المطلوب في الدعوى ، أو تحدث تغييراً في المراكز الموضوعية للخصوم ، وسواء كانت بإجابة طلبات الخصوم الموضوعية أو برفضها، كما يعد كذلك الحكم الصادر برفض دفع موضوعی. .
بينما الأحكام الإجرائية فهي التي تفصل في مسائل المرافعات التي تثور أثناء سير الخصومة ، ومثالها الحكم في مسألة الاختصاص أو بطلان الإجراءات ، كذلك الأحكام المنظمة لسير الخصومة مثل الحكم بضم دعويين أو الحكم بوقف الخصومة أو إنقطاعها . وأهمية التفرقة بين الأحكام الصادرة في الموضوع والأحكام الإجرائية تبدو في أن الأولى تعتبر قضاء موضوعياً وترتب حجية الأمر المقضى . ويبدو أثرها في أي إجراءات جديدة بشار فيها الموضوع الذي سبق الفصل فيه . أما الأحكام الإجرائية فلا ترتب حجية الأمر المقضى ، وإنما تنحصر قوتها وأثرها داخل الإجراءات التي صدرت خلالها ( وجدى راغب - ص 582 و ص 583) .
تقسيم الأحكام إلى أحكام حقيقية وأحكام صورية :
ومعيار هذا التقسيم هو جدية أو صورية المنازعة التي صدر فيها الحكم ، فإذا كانت المنازعة بين الخصوم التي فصل فيها الحكم منازعة : جدية وحقيقية فلا شك في إعتبار الحكم قراراً قضائياً بالمعنى الصحيح، ولكن قد يحدث في بعض الأحيان أن يتفق الخصوم فيما بينهم على إختلاق منازعة ظاهرية يرفعونها إلى القضاء للحصول على حكم فيها وحسب ما يرتضونه ، وهذه ما تسمى بالأحكام الاتفاقية .
وبهذه الطريقة يتوصل الخصوم إلى الحصول على قرار له ميزات الأحكام من حيث حجينه ومن حيث قوته التنفيذية فيكون عاملاً من عوامل التأكيد أو الضمان في علاقتهم القانونية ، وقد ثارت صعوبات حول جواز استعمال هذه الوسيلة لأن وظيفة القضاء في الفصل في المنازعات الحقيقية لا في المنازعات الوهمية ، كما أنه ليس من وظيفة القاضي أن يقوم بدور الموثق فيضفي شكلاً رسمياً على عقد إرتضاه الخصمان واختلفا نزاعاً بشأنه بقصد إثباته بواسطة القضاء ، ولكن الإتجاه الحديث يميل إلى إجازة الأحكام الصادرة في منازعات صورية لأن الأصل أن الصورية جائزة ما لم يكن المقصود منها مخالفة قاعدة من قواعد النظام العام (عبد الباسط جمعی ص 517 و ص 518).
تقسيم الأحكام إلى أحكام مقررة وأحكام منشئة وأحكام إلزام :
الحكم المقرر هو الحكم الذي يؤكد وجود أو عدم وجود حق أو مرکز قانوني أو واقعة قانونية كالحكم الذي يطلب الوارث صدوره بثبوت وراثته، والأصل في الأحكام أنها مقررة للحقوق وليست منشئة لها لأن وظيفة الحكم بيان حق كل خصم بالنسبة لموضوع النزاع دون خلق حق جديد (نقض 14/ 11/ 1976، طعن رقم 3 لسنة 35 ق)، ولكن إذا كانت : كل الأحكام سواء كانت أحكاماً منشئة أو أحكام إلزام تتضمن بالضرورة تقرير وجود أو عدم وجود حق أو مرکز قانونی أو واقعة قانونية إلا أن الحكم المقرر يتميز بأن هذا التقرير يعتبر هو الهدف النهائي الوحيد للحكم. ولذلك تتم الحماية القضائية المقصودة بمجرد صدوره دون حاجة إلى التنفيذ الجبري كحكم الإلزام أو إلى تغيير قانونی كأثر للحكم المنشي ويرجع ذلك إلى أن خصم المدعي في الدعوى التقريرية لا يقع عليه التزام معين، ومن ثم فإن ما وقع منه من إعتداء مبرر لرفع الدعوى لا يشكل إخلالاً منه بالتزام وإنما يتمثل في مجرد الاعتراض على ما يدعيه المدعي من حق أو مركز قانوني أو واقعة قانونية ، فمن ينكر عن الوارث وراثه لا يقع على عاتقه إلتزام معين يلزمه بالإعتراف بها ومن ثم فإن إنكاره لا بمثل إخلالاً بالتزام يقتضي طلب الحكم بإلزامه بأدائه كالحال في حكم الإلزام ، وإنما يتمثل ما وقع منه في مجرد الإعتراض وهو ما يكفي لتكوين عنصر الإعتداء المبرر لقيام الحق في الدعوى التقريرية التي يرفعها الوارث طالباً صدور حكم يقرر ثبوت وراثته ، وبمجرد صدور هذا الحكم، تتحقق له الحماية التي يبتغيها ، وقد ترمي الدعوى التقريرية إلى تقرير إيجابي بتأكيد وجود حق للمدعى أو مركز قانوني أو واقعة كدعوی ثبوت الزوجية أو إثبات النسب أو إثبات الجنسية أو بصحة التوقيع ، وقد ترمي إلى تقرير سلبی بتأكيد أن المدعى عليه ليس له حق قبل المدعی كدعوی نفی وجود حق إتفاق ، أو ببطلان رابطة قانونية أو إنحلالها كطلب الحكم ببطلان عقد أو بطلان شرط في وصية او ببراءة الذمة ، وقد تأخذ الدعوى التقريرية صورة دعوى فرعية والإتجاه السائد في الفقه يذهب إلى قبول هذه الدعوى إلى أن الحكم المترر ينطوى مجرد صدوره على تحقيق الحماية المطلوبة تحقيقاً كاملاً فلا يحتاج إلى تنفيذ جبري، فإنه لا يعتبر سنداً تنفيذياً ، أما إذا تطور الإعتداء بحيث أصبح صاحب الحق في حاجة إلى إقتضائه جبراً وجب عليه رفع دعوي إلزام للحصول على حكم إلزام يصلح سنداً تنفيذياً (كمال عبد العزيز ص 337).
أما الحكم المنشئ فهو الحكم الذي يقرر حقاً وينشأ عن هذا التقرير تغيير في مركز قانوني سابق لأن الحق موضوع الدعوى حق إرادي وهو حق يتكون من سلطة إحداث أثر قانوني بارادة صاحبه ، وقد يكون هذا الأثر نشأة حق أو مرکز قانونی جدید ، أو تعديل أو إنهاء مرکز قائم ، ويترتب هذا الأثر لصالح صاحب الحق في مواجهة الطرف الآخر دون أن يطلب إلزام هذا الطرف بأداء ما، بل يكفي بخضوعه لذلك الأثر القانوني. ومن أمثلة الحقوق الإرادية التي ترمي إلى إنشاء مركز قانونی جدید طلب إشهار الإفلاس وطلب الشفعة، ومن أمثلة الحقوق الإرادية التي ترمي إلى إنهاء مركز قانوني سابق طلب إبطال العقد أو فسخه أو الرجوع في الهبة أو تصفية الشركة ، ومن أمثلة الحقوق الإرادية التي ترمي إلى تعديل مركز قانوني قائم طلب الحكم بالانفصال الجسدي بين الزوجين ، ويلاحظ أن الحكم المنشئ يتميز عن الحكم المقرر في أن الأخير بتاكيده وجود أو عدم وجود الحق أو المركز القانوني أو الواقعة القانونية إنما يقرر أمراً كان مقرراً من قبل صدوره . كالحكم ببطلان العقد، إذ أن العقد الباطل عدم منذ نشأته ولا ينتج أثراً ومن ثم فإن الحكم لا ينشی هذا البطلان ، أما الحكم المنشئ فيجاوز ذلك إلى التغيير في مركز قانوني سابق ، كالحكم الصادر بإبطال عقد ، إذ أن العقد القابل للإبطال هو عقد صحیح منتج لكافة آثاره إلى أن يقضي بإبطاله ويكون الحكم بالإبطال هو الذي أنشأ حالة بطلان العقد. وواضح أن الحكم المنشئ بتميز بان التغيير الذي يحدثه ذو أثر فوري أي لا يترتب إلا منذ صدوره إلا إذا نص المشرع على أن يكون له أثر رجعي كنص المادة 142 مدني في شأن تعقد القابل للإبطال . وبالنظر إلى أن الحكم المنشئ يحقق مجرد صدوره لحماية المطلوبة، إذ يترتب على صدوره إحداث التغيير القانوني المطلوب إنه لا تكون هناك حاجة إلى التنفيذ الجبري، ومن ثم لا يصلح سنداً تنفيذياً.
وحكم الإلزام فهو الحكم الذي يتضمن إلزام المدعى عليه بأداء معين يقبل التنفيذ الجبري، فالدي لا يقتضي على طلب تقرير حق و مرکز : قانوني أو واقعة قانونية، أو إحداث تغيير في مركز قانوني سابق، بل يجاوز ذلك إلى طلب إلزام المدعى عليه بان يؤدي أداء معينة كان قد إمتنع عن أدائه . ويتميز حكم الإلزام بأن التقرير فيه يرد على حق يقابله إلتزام الطرف الآخر بأداء معينة فإذا كان الحق الذي يقرره لا بقابله مثل هذا . الالتزام بل يقابله مجرد خضوع من الطرف الآخر لم يكن حكم إلزام ولكن لا يلزم أن يتضمن الحكم إلزاماً صريحاً للمحكوم عليه بأداء الإلتزام، وإنما يكفي أن يؤكد الحكم هذا الإلتزام لكي يعتبر حكم إلزام ويمكن تنفيذه جبراً عنه ويتميز حكم الإلزام بأن يستلزم لتحقيق الحماية المطلوبة تنفيذه جبراً حتى يطابق المركز الواقعي للمحكوم له مرګزه القانوني الذي أكده الحكم ، كما يتميز هذا الحكم بأنه وحده الذي يخول الدائن الحصول على حق إختصاص على عقار مدينة ، كما أنه وحده الذي يبدأ من تاريخ صدوره تقادم. جديد تكون مدته خمسة عشر عاماً ولقد كانت الدعوى قبل صدوره تخضع للتقادم قصير (فتحي والی ۔ میادی القضاء المدني بند 92 إلى 107 ، وجدى راغب النظرية العامة للعمل القضائي ص 249 إلى 305 ، كمال عبد العزيز ص 336 339) .
الأحكام مقررة الحقوق :
يلاحظ أن الأصل أن الأحكام ليست منشئة للحقوق، أما آثار الحكم سواء كان مقرراً للحقوق أو منشئاً لها فتترتب من وقت صدوره ما لم بنص في القانون على غير ذلك مع ملاحظة القاعدة التي تقضي بأن الطلب يتعين الفصل فيه بحالته وقت الإدلاء به، وإن كان ذلك لایبنیان للحكم أثراً رجعياً أحمد أبو الوفا : نظرية الأحكام بند 385 م، كمال عبد العزيز ص 339 وقارن محمد وعبد الوهاب العشماوي بند 1111)
وقد قضت محكمة النقض بأن الحكم مقرر للحقوق وليس منشئاً لها لأن وظيفته بیان حق كل خصم دون أن يخلق حقاً جديداً ، ومن ثم فإن حكم محكمة النقض بحلول الطاعن محل رافع الدعوى عقب وفاته ينسحب أثره إلى تاريخ طلب الحلول.
(نقض 24/ 11/ 1976، في الطعن 32 لسنة 35 قضائية).
الضوابط العامة لتكييف الأحكام :
ساق البعض في الفقه سبعة ضوابط لتكييف الأحكام ( أحمد أبو الوفا البنود من 148 إلى 169 والمراجع المشار إليها فيه ) أولها أنه لا يعتد بطبيعة الإجراء المحكوم به في التمييز بين أنواع الأحكام بل العبرة فهي هذا الشان بما اشتمل عليه الحكم من قضاء ، وثانيتها أنه لا يعتد في تحديد طبيعة الحكم بتكييف المحكمة له وإنما هي تتحدد طبقاً لنصوص القانون وحدها، فإذا أكدت المحكمة أن حكمها حضوري إنتهائي فإن ذلك لا يمنع من إعتباره غيابياً أو إبتدائياً إن كان كذلك (نقض 9/ 2/ 1950 سنة 1 ص 328، ونقض جنائي 24/ 2/ 1953 سنة 4 ص 368)
وتسري هذه القاعدة بالنسبة لذات المحكمة التي أصدرت الحكم فلا تتقيد بالوصف الخاطئ الذي قد تكون إضافته على حكمها . وثالثها أنه لا يعتد بتكييف الخصم للدعوى ولا بوصفه للحكم بل يتحدد ذلك طبقاً لنصوص القانون (نقض 16/ 12/ 1954 سنة 6 ص 290 ، نقض 29/ 12/ 1955 مجموعة القواعد 1 رقم 41 ص 628). ورابعتها أن العبرة بمنطوق الحكم لا بأسبابه، فإذا خالفت الأسباب المنطوق وجب الإعتداد بالمنطوق غير أن الأسباب التي تحوي قضاء تعتبر مكملة للمنطوق، فيجوز الطعن فيما تضمنته من قضاء . وخامستها أن قضاء الحكم قد يكون ضمنياً فيجوز حجية الأمر المقضى ويستخلص القضاء الضمني من منطوق الحكم و أسبابه كحكم محكمة الدرجة الثانية بإلغاء الحكم الإبتدائي ينطوي على القضاء برفض الدعوى (نقض 11/ 11/ 1954 سنة 6، ص 101) وكثيراً ما يصدر هذا النوع من القضاء في الدفوع ، وسادستها أنه لا يعتد في تكييف الحكم ووصفه : بحصول منازعة من الخصوم فلا يلزم لاعتبار الحكم قطعياً أو تمهيدياً أن تسبقه منازعة وإنما العبرة أن تكون المسالة موضوع الحكم قد سبق طرحها على المحكمة صراحة أو ضمناً ، وسابعتها أنه لا يعتد بما یزد في أسباب الحكم على غير سبيل القضاء فإذا عرضت المحكمة تزايداً في بعض أسباب حكمها لمسألة تخرج عن حدود النزاع المطروح عليها ولم تكن لها حاجة للتعرض لها للحكم في الدعوى، فإن ما عرضت له في هذا الشأن لا يحوز حجية الشئ المقضي (نقض 12/ 1 / 1956 سنة 7 ص 74، ونقض 16 / 3 / 1944 مجموعة القواعد سنة 1 رقم 214 ص 59 )، مع ملاحظة أن المسائل المتعلقة بالنظام العام بعد مطروحة على المحكمة دون أن يدلى بها الخصوم (كمال عبد العزيز ص 336).
سرية المداولة في الأحكام وفقا للمادة 166 محل التعليق :
يقصد بالمداولة التشاور في الحكم بين أعضاء المحكمة إذا تعددوا، والتفكير في الحكم وتكوين الرأي فيه إذا كان القاضي واحداً ، والقضية تدخل مرحلة المداولة بإنتهاء المرافعة فيها ويقتضي هذا أن يكون قد تم تحقيقها وأبدى الخصوم فيها طلباتهم الختامية ، ويحصل في العمل أن تقرر المحكمة إقفال باب المرافعة فيكون هذا إيذاناً بدخول الدعوى في مرحلة المداولة.
وقد وضع المشرع قواعد تطبق على المداولة، الغرض منها ضمان حق الدفاع، وسلامة الحكم الذي يصدر في القضية من حيث إتصاله بإجراءات الدعوى ، ثم تذليل الصعوبات التي يقتضيها أخذ الرأى بين قضاة المحكمة الواحدة.
فالمداولة هي المشاورة بين أعضاء المحكمة في منطوق الحكم وأسبابه . بعد إنتهاء المرافعة وقبل النطق به ، ولا يجوز حصول المداولة قبل انتهاء المرافعة وذلك حتى تتم من جانب القضاة وهم على علم تام وإحاطة كاملة بكل وقائع القضية وظروفها . وتتم المداولة إما أثناء إنعقاد الجلسة ويتلوها إصدار الحكم أو في غرفة المشورة على أن يتلوها إصدار الحكم في نفس الجلسة وقد تؤجل المداولة وينطق بالحكم في جلسة أخرى.
ومعنى سرية المداولة إلا يشترك فيها غير قضاة الدائرة التي نظرت الدعوى فضلاً عن ضرورة حصولها سراً بينهم دون سماعها من جانب غيرهم ويجب أن تتم المداولة بين جميع قضاة الدائرة التي سمعت المرافعة مجتمعين وأفشاء سر المداولة لايؤدي إلى بطلان الحكم وإن كان بعرض من أفشي السر الجزاءات التأديبية أحمد أبو الوفا نظرية الأحكام بند 35 ومابعده).
ويمكن أن تتم المداولة في الجلسة، فيتشاور أعضاء المحكمة همسا فيما بينهم ويصدرون الحكم، ويمكن أن ينسحب القضاة إلى غرفة المشورة ويتبادلون فيها الرأى بعض الوقت، ثم يعودون إلى الجلسة لإصدار الحكم، وأخيراً وهو الغالب، قد تقدر المحكمة أن التفكير في الحكم يحتاج البعض الوقت فلا تصدر الحكم في نفس اليوم، وإنما تؤجل النطق بالحكم إلى يوم لاحق تحدده، وعندئذ تتم المداولة في غرفة المشورة في أي يوم قبل النطق بالحكم. (فتحى والى بند 334 ص 619).
ويلاحظ أنه لا تجوز المداولة بالمراسلة أو الإتصال التليفونی بل يتعين أن يجتمع أعضاء المحكمة في مكان واحد ويتداولون في مواجهة بعضهم وبحضورهم جميعاً ويناقشون الأدلة الواقعية والأسانيد القانونية بعد أن يحيطوا بالدعوى وما قدم فيها من دفاع مدفوع و مستندات عن بصر وبصيرة ولاتبدأ المداولة إلا بعد قفل باب المرافعة وهو لا يعتبر مقفولاً إلا بعد إنتهاء المرافعة سواء الشفوية أو التحريرية بالمذكرات، وعلى ذلك إذا كانت الدعوى قد حجزت للحكم وصرح فيها بتقديم مذكرات فلا تصح المداولة إلا بعد إنتهاء الأجل المحدد لتقديم المذكرات والقرارات التي تصدر أثناء سير الدعوى، ويكون للمحكمة حق العدول عنها لا تعد أحكاماً بل قرارات إدارية ومن ثم لايشترط لإصدارها المداولة فيها ويكفي أن يصدرها رئيس الدائرة مثال ذلك قرار التأجيل وضم المفردات والمستندات وتكليف الخصوم بإعادة الإعلان أو بإجراء الإعلان إذا كان لم يتم أصلاً أما إذا كان الإعلان قد قام په الخصم ورأت المحكمة أنه غير قانوني ومن أجل ذلك كلفت الخصوم بإجراء الإعلان القانوني، فإن هذا يعد قضاءً ضمنياً منها بعدم صحة الإعلان السابق وينبغي لصحته المداولة فيه.
كما يلاحظ أنه يحدث كثيراً . في توزيع العمل في المحاكم أن تشكل دوائر رباعية، ومن المقرر أنه وإن كان ليس هناك مايمنع من حضور الأعضاء الأربعة الجلسات إلا أنه ينبغي أن يصدر الحكم من ثلاثة فقط وهؤلاء الثلاثة هم الذين يتعين عليهم التداول في القضية والتوقيع على مسودة الحكم، ولا يجوز أن يشترك معهم الرابع في المداولة حتى ولو كان قد حضر المرافعة فإن إشترك معهم فيها أو حضر المداولة كمستمع دون أن يشارك فيها كان الحكم باطلاً ، ذلك أن مؤدى نص المادة 166 أنه يجب أن تكون المداولة في الأحكام سراً بين القضاة الذين يصدرون الحكم فقط (الديناصوری وعكاز، ص850 وص 851).
فيجب أن تحصل المداولة بين جميع القضاة الذين سمعوا المرافعة وأن تتم بينهم سراً فلا يشترك فيها غيرهم ولايسمعها غيرهم كما ذكرنا، وإذا أفشاها أحدهم تعرض للمحاكمة التأديبية ولكن لا يترتب على ذلك أي بطلان. (أحمد أبو الوفا نظرية الأحكام بند 36 ص 81 ، وكمال عبد العزيز ص 339).
لأن القانون لم ينص على البطلان، ولأن هذا الإنشاء لا يمس في ذاته حقوق الخصوم. (أحمد أبو الوفا الإشارة السابقة).
ومن مظاهر سرية المداولة أنه لا يجوز أن تحضرها النيابة العامة أو كاتب الجلسة، أو أي شخص ولو لم يكن طرفاً في الخصومة، فإذا حضرها أحد غير القضاة الذين سمعوا المرافعات، كان الحكم باطلاً إعمالاً للمادة 197 مرافعات محل التعليق.
وكما ذكرنا تتم المداولة بين القضاة مجتمعين سواء في الجلسة أثناء نظر الدعوى أو بعد إنسحابها إلى غرفة المداولة، وفي الحالتين تحصل سراً ، فالقاعدة في النظام القضائي أن الحكم ينسب إلى المحكمة بكامل هیئتها سواء صدر بإجماع الآراء أو بالأغلبية، فالسرية تكفل للقضاة حرية إبداء الرأي والإستقلال فيه، وهي من أهم مزايا نظام تعدد قضاة المحكمة الواحدة. (رمزی سيف بند 530 ص 669 وص 670).(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء : الثالث ، الصفحة : 704)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 331
اسْتِشَارَةُ الْفُقَهَاءِ:
- يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ عِنْدَ اخْتِلاَفِ وُجُوهُ النَّظَرِ وَتَعَارُضِ الأْدِلَّةِ فِي حُكْمٍ، يُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ لقوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَصِيرَ سُنَّةً لِلْحُكَّامِ، وَرُوِيَ «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لأِصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم » وَقَدْ شَاوَرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه النَّاسَ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ، وَشَاوَرَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي دِيَةِ الْجَنِينِ، وَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم فِي حَدِّ الْخَمْرِ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَكُونُ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنهم، إِذَا نَزَلَ بِهِ الأْمْرُ شَاوَرَهُمْ فِيهِ، وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّهُ لاَ مُخَالِفَ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ مَعْلُومًا بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ لَمْ يَحْتَجِ الْقَاضِي إِلَى رَأْيِ غَيْرِهِ.
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا أَشْكَلَ الْحُكْمُ فَالْمُشَاوَرَةُ وَاجِبَةٌ وَإِلاَّ فَمُسْتَحَبَّةٌ.
وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُشَاوِرَهُمْ بِحَضْرَةِ النَّاسِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ يَذْهَبُ بِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ وَالنَّاسُ يَتَّهِمُونَهُ بِالْجَهْلِ، وَلَكِنْ يُقِيمُ النَّاسَ عَنِ الْمَجْلِسِ ثُمَّ يُشَاوِرُهُمْ، وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَدْخُلُهُ حَصْرٌ بِإِجْلاَسِهِمْ عِنْدَهُ وَيُعْجِزُهُ الْكَلاَمُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلاَ يُجْلِسُهُمْ، بَلْ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ وَيَسْأَلُهُمْ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ.
وَالأْمْرُ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالْمُشَاوَرَةِ فِيهِ هُوَ النَّوَازِلُ الْحَادِثَةُ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا قَوْلٌ لِمَتْبُوعٍ، أَوْ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ مَسَائِلِ الاِجْتِهَادِ، لِيَتَنَبَّهَ بِمُذَاكَرَتِهِمْ وَمُنَاظَرَتِهِمْ عَلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ، حَتَّى يَسْتَوْضِحَ بِهِمْ طَرِيقَ الاِجْتِهَادِ، فَيَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ دُونَ اجْتِهَادِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُشَاوِرْ وَحَكَمَ نَفَذَ حُكْمُهُ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ.
وَيُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُشَاوِرُهُ الْقَاضِي: أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالآْثَارِ وَأَقَاوِيلِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الإْمَامُ الشَّافِعِيُّ.
وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَنْ صَحَّ أَنْ يُفْتِيَ فِي الشَّرْعِ جَازَ أَنْ يُشَاوِرَهُ الْقَاضِي فِي الأْحْكَامِ، فَتُعْتَبَرُ فِيهِ شُرُوطُ الْمُفْتِي وَلاَ تُعْتَبَرُ فِيهِ شُرُوطُ الْقَاضِي.
وَلِمَعْرِفَةِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمُفْتِي يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (فَتْوَى ف 11 - 20).