loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

هذه المادة عدلت مرتين أولاها بالقانون 23 لسنة 1992 إذ كانت الغرامة التي تقضي بها المحكمة قبل التعديل و الواردة بالفقرة الثانية في إحدى الحالات التي بينتها لا تقل عن جنيهين ولا تجاوز عشرين جنيها فزادها المشرع في حديها الأدنى والاقصى إلى عشرة أمثالها فأصبحت لا تقل عن عشرين جنيها ولا تجاوز مائتي جنيه وقد برز ذلك بانخفاض قيمة العملة.

ثم عاد المشرع وأدخل تعديلاً آخر على نفس الفقرة بالقانون رقم 18 لسنة 1999 فرفع الغرامة في حديها الأدنى والأقصي الضعف فأصبحت لا تقل عن أربعين جنيها ولا تزيد على أربعمائة جنيه.

والمقصود بسوء النية في هذا المقام أن يكون الخصم وهو يتخذ إجراء أو طلباً أو دفاعاً عالماً ألا حق له فيه إنما قصد بإبدائه مجرد تعطيل الفصل في الدعوى أو الإضرار بالخصم الآخر. ( المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات الحالي وقت صدوره ).

الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء / الثالث 

استحدث المشروع في المادة 188 منه حكماً جديداً. يخول للمحكمة عند إصدار الحكم الفاصل في الموضوع أن تحكم بغرامة على الخصم الذي يتخذ إجراء أو يبدي طلباً أو دفعاً أو دفاعاً بسوء نية.

والمقصود بسوء النية في هذا المقام هو أن يكون الخصم، وهو يتخذ إجراء أو طلباً أو دفاعاً عالماً أن لأحق له فيه، وإنما قصد بأدائه مجرد تعطيل الفصل في الدعوى أو الإضرار بالخصم الآخر.

الأحكام

1- نصت المادتان الرابعة و الخامسة من التقنين المدنى على أن من إستعمل حقه إستعمالاً مشوعاً لإذ كان البين من الحكم الصادر فى الدعوى..... لسنة....... إيجارات شمال القاهرة الابتدائية أن المطعون ضدها قد رفعتها على الطاعنين بطلب الحكم بثبوت علاقة إيجارية بينها والطاعن الأول محلها الشقة المبينة بصحيفة تلك الدعوى، وأن الطاعنين دفعوا الدعوى بأن الشقة مؤجرة للطاعن الثالث الذي قدم عقد إيجار مؤرخ..... وإيصالات سداده قيمة استهلاك الكهرباء عن الشقة ذاتها، وإذ قضى فى الدعوى بطلبات المطعون ضدها، طعن الطاعنون فى الحكم بالاستئناف ثم بطريق النقض، وهو مسلك لا يعتبر انحرافاً عن السلوك المألوف حتى يصبح تعدياً يستوجب الحكم بالتعويض، ولا ينبئ عن أن الطاعنين قصدوا الإضرار بالمطعون ضدها والنكاية بها، فإنه لا يكون إلا مباشرة لحق مقرر فى القانون، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واقتصر فى نسبة الخطأ إلى الطاعنين على مجرد دفعهم الدعوى سالفة البيان بأن الطاعن الثالث مستأجر للشقة المشار إليها واستعمالهم الحق الذي خوله لهم القانون فى الطعن على الحكم الصادر فى تلك الدعوى لمصلحة المطعون ضدها بطرق الطعن المقررة قانوناً، وهو ما لا يكفي لإثبات انحرافهم عن حقهم المكفول فى التقاضي والدفاع إلى الكيد والعنت واللدد فى الخصومة.

(الطعن رقم 4464 لسنة 68 جلسة 1999/05/04 س 50 ع 1 ص 625 ق 123)

2- لما كان حق التقاضى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة من الحقوق المباحة و لا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو ذوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت لإنحرافه عن الحق المباح إلى اللدد فى الخصومة و العنت مع وضوح الحق إبتغاء الأضرار بالخصم ، و الحكم الذى ينتهى إلى مسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن إستعمال حق التقاضى إستعمالاً كبدياً غير مشروع يتعين عليه أن يورد العناصر الواقعة و الظروف الحاصلة التى يصح إستخلاص نية الإنحراف و الكيد منها إستخلاصاً سائغاً . لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعن بالتعويض على أنه تراضى فى طلب الرد إلى ما بعد حجز الدعوى للحكم و إن ما نسبه إلى المطعون عليه جاء مجهلاً إذا لم يحدد أياً من الخصوم إعتاد المطعون عليه مؤاكلتهم و أن إبداء طلب الرد بعد حجز الدعوى للحكم ثم التنازل عنه يدل على عدم جديته ، و كان هذا الذى إستند إليه الحكم و أقام قضاءه عليه لا يكفى لإثبات إنحراف الطعن عن حقه المكفول فى التقاضى على نحو يدل على توافر قصد الإنحراف و الكيد إضرار بالمطعون عليه و لا يكشف عن عدم جدية طلب الرد ، و كان الحكم لم يعن بتحقيق دفاع الطاعن فى هذا الخصوص أو يرد عليه فإنه يكون معيباً بالفساد فى الإستدلال و القصور فى التسبيب بما يوجب نقضه .

(الطعن رقم 72 لسنة 57 جلسة 1990/02/25 س 41 ع 1 ص 600 ق 101)

3- لا محل للتحدى بأن الحكم المطعون فيه لم يعمل ما تقضى به المادة 188 من قانون المرافعات من جواز الحكم بالتعويض مقابل النفقات الناشئة عن دعوى أو دفاع قصد بهما الكيد ، ذلك أن هذا النص لا يحول بين المضرور من الإجراءات الكيدية من أن يرفع دعوى للمطالبة بالتعويض طبقاً للقواعد الواردة فى القانون المدنى .

(الطعن رقم 1456 لسنة 49 جلسة 1983/06/01 س 34 ع 2 ص 1355 ق 265)

4- النص فى المادة 270 من قانون المرافعات على أنه " إذا قضت محكمة النقض بعدم قبول الطعن أو برفضه أو بعدم جواز نظره حكمت على رافعه بالمصاريف فضلاً عن مصادرة الكفالة كلها أو بعضها ، و إذ رأت أن الطعن أريد به الكيد فلها أن تحكم بالتعويض للمدعى عليه فى الطعن " و فى المادة 499 منه على أنه " إذا قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة أو برفضها حكم على الطالب بغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً و لا تزيد على مائتى جنيه مع التعويضات إن كان لها وجه " يدل على أن طلب التعويض عن دعوى المخاصمة لدى محكمة المخاصمة و عن الطعن الكيدى لدى محكمة النقض هو مجرد رخصة للخصم و أن إختصاص هاتين المحكمتين بنظر هذا الطلب هو إختصاص إضافى لا يسلب المحكمة المختصة أصلاً طبقاً للقواعد العامة إختصاصها بنظره متى أقام صاحب الشأن الدعوى إبتداء أمامها دون إستعمال هذه الرخصة .

(الطعن رقم 461 لسنة 48 جلسة 1983/03/24 س 34 ع 1 ص 746 ق 158)

5- لئن كان الدفاع حقاً للخصم إلا أن إستعماله له مقيد بأن يكون بالقدر اللازم لإقتضاء حقوقه التى يدعيها و الذود عنها فإذا هو إنحرف فى إستعماله عما شرع له هذا الحق أو تجاوزه بنسبة أمور شائنة لغيره ماسة بإعتباره و كرامته كان ذلك منه خطأ يوجب مسئوليته عما ينشأ عنه من ضرر و لو كانت هذه الأمور صحيحة ما دام الدفاع فى الدعوى لا يقتضى نسبتها إليه .

(الطعن رقم 461 لسنة 48 جلسة 1983/03/24 س 34 ع 1 ص 746 ق 158)

6- العبرة فى تحديد نطاق الدفاع فى الدعوى و ما يعد تجاوزاً له بموضوع الخصومة المطروحة و ما يستلزمه إقتضاء الحقوق المدعى بها أو دفعها هو أمر يستقل بتقديره قاضى الموضوع بغير معقب من محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة .

(الطعن رقم 461 لسنة 48 جلسة 1983/03/24 س 34 ع 1 ص 746 ق 158)

 7- حق الإلتجاء إلى القضاء من الحقوق المكفولة للكافة فلا يكون من إستعمله مسئولاً عما ينشأ من إستعماله من ضرر للغير إلا إذا إنحرف بهذا الحق عما وضع له و إستعمله إستعمالاً كيدياً إبتغاء مضارة الغير . و أن وصف محكمة الموضوع للأفعال المؤسس عليها طلب التعويض بأنها خطأ أو ليست كذلك هو من المسائل التى تخضع لرقابة محكمة النقض ، و إذ كان الحكم المطعون فيه لم يفصح عن ماهية الظروف و الملابسات التى إستظهر منها عدم توافر القصد لدى المطعون ضده الأول فى إدخال الطاعن الأول خصماً فى الدعوى و أن ما وجهه إليه من عبارات لا يشكل قذفاً أو سباً فى حقه مما يعجز محكمة النقض عن مراقبة الوصف القانونى لهذه الأفعال و ما إذا كانت تعد خطأ موجباً للمسئولية ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد شابه قصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 209 لسنة 47 جلسة 1981/01/28 س 32 ع 1 ص 394 ق 77)

8- المساءلة بالتعويض قوامها خطأ المسئول و إذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه لا يؤدى إلى توفير هذا العنصر من عناصر المسئولية ، لأن إستمرار الطاعن فى إجراءات التنفيذ يقبض جزء من الدين الذى يدعيه لا يعد خطأ منه يستوجب المسئولية بالتعويض لأن المشرع لم يرتب على رفع دعوى عدم الإعتداد بالحجز أثراً موقفاً للإجراءات كالأثر المترتب على رفع الأشكال فى التنفيذ سواء من المدين أو الغير ، خصوصاً و قد تمسك الطاعن بأن المحجوز لديها سارعت إلى الوفاء بما هو مستحق فى ذمتها للمحجوز عليه عقب الحجز بوقت قصير و قبل صدور الحكم الإنتهائى بعدم الإعتداد بإجراءات التنفيذ بما يرفع عنه مظنة الخطأ بعدم إحترام حجية الأحكام فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 438 لسنة 43 جلسة 1977/03/28 س 28 ع 1 ص 812 ق 144)

9- لا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكا أو زودا عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى الكيد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الأضرار بالخصم ، وإذا كان الحكم المطعون فيه قد اقتصر في نسبة الخطا إلى الطاعن إلى ما لا يكفي لإثبات انحرافه عن الحق المكفول في التقاضي والدفاع إلى الكيد والعنت واللدد في الخصومة فإنه يكون فضلا عما شابه من القصور قد أخطأ في تطبيق القانون .

( نقض 28/ 3/ 1977 طعن رقم 348 لسنة 43 قضائية).

10- نصت المادتان الرابعة و الخامسة من التقنين المدنى على أن من إستعمل حقه إستعمالاً مشوعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير و أن إستعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير و هو ما لا يتحقق إلا بإنتفاء كل مصلحة من إستعمال الحق ، و حقا التقاضى و الدفاع من الحقوق المباحة و لا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو ذوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت إنجرافه عن الحق المباح إلى اللدد فى الخصومة و العنت مع وضوح الحق إبتغاء الإضرار بالخصم ، و إذ كان الحكم المطعون فيه قد إقتصر فى نسبة الخطأ إلى الطاعن إلى ما لا يكفى لإثبات إنحرافه عن حقه المكفول فى التقاضى و الدفاع إلى الكيد و العنت و اللدد فى الخصومة فإنه يكون فضلاً عما شابه من القصور قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 438 لسنة 43 جلسة 1977/03/28 س 28 ع 1 ص 812 ق 144)

11- حق الإلتجاء إلى القضاء وإن كان من الحقوق العامة التى تثبت للكافة إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له واستعماله استعمالا كيديا إبتغاء مضارة الغير وإلا حقت مساءلته عن تعويض الأضرار التى تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق .

(الطعن رقم 310 لسنة 34 جلسة 1967/12/28 س 18 ع 4 ص 1943 ق 293)

شرح خبراء القانون

التعويض عن الادعاء أو الدفاع الكيدي:

حق التقاضي من الحقوق العامة التي كفلها الدستور وسائر القوانين التي تناولت هذا الحق بالتنظيم، ويقابل حق الالتجاء إلى القضاء حق الدفاع وهو كذلك من الحقوق التي كفلها الدستور.

ولكل حق سواء أكان عاماً أم خاصاً حدود يجب ألا يتجاوزها صاحبه عند استعماله له وإلا انقلب هذا الاستعمال إلى عمل غير مشروع يتحقق به ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية وفقاً لما نصت عليه المادتان الرابعة والخامسة من القانون المدني.

والمقرر أن من يستعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يسأل عن الأضرار التي قد تلحق بالغير نتيجة هذا الاستعمال، باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ، وأنه لا خطأ في استعمال صاحب الحق حقه في جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها هذا الحق.

ولمعرفة ما إذا كان استعمال الحق مشروعاً أم مشوباً بالتعسف، يجب النظر إليه على هدى المادة الخامسة من القانون المدني، فإن لم يخضع لإحدى الصور الواردة بها، كان استعمالاً مشروعاً ويكون الادعاء بتوافر الخطأ على غير أساس.

وإذ تنص الفقرة الأولى من المادة (188) من قانون المرافعات على أنه يجوز للمحكمة أن تحكم بالتعويضات مقابل النفقات الناشئة عن دعوى أو دفاع قصد بهما الكيد» فإنها تكون قد تضمنت تطبيقاً لإحدى الحالات التي نصت عليها المادة الخامسة من القانون المدني، إذ تكون الدعوى أو الدفع لم يقصد بأيهما سوى الإضرار بالخصم الآخر، ويتوافر بالكيد على هذا النحو، الخطأ التقصيري، وهو واجب الإثبات، ولا يكفي التمسك به للقضاء بالتعويض استناداً له، بل يجب على من يدعيه إقامة الدليل عليه وبيان عناصره التي لا يجوز للمحكمة استخلاصها من تلقاء نفسها، ومن ثم يجب على الخصم إثبات وتحديد الإجراء والقرائن التي يتوافر بها اعتباره کیدياً وأن ليس من شأنه أن يفيد من اتخذه.

ومتى أثبت المضرور ذلك، تحقق ركن الخطأ التقصيري والتزم المسئول عنه بتعويض المضرور عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به وفقاً للقواعد العامة المقررة في القانون المدني، وتتمثل عناصر الضرر المادي التي يجب أن تدخل في حساب التعويض، فيما تكبده المضرور من نفقات فعلية بسبب الإجراء الكيدي، وتنصرف إلى ما ضاع عليه من وقت خلال الفترة التي استغرقها الإجراء أمام المحكمة ونفقات الانتقال ومصاريف الإقامة إن لم يكن له موطن بالمدينة التي بها مقر المحكمة والأتعاب الحقيقية التي دفعها لمحاميه ما لم تقدرها المحكمة وفقاً للحق المخول لها وتكون هذه الأتعاب أحد عناصر التعويض وتكون منبتة الصلة بأتعاب المحاماة التي يلزم بها خاسر الدعوى كعنصر من عناصر المصاريف القضائية، كما يدخل ضمن عناصر التعويض كل ما أنفق خارجاً من عناصر المصاريف القضائية، ومتى صدر الحكم برفض الدعوى الأصلية و بالتعويض في الدعوى الفرعية وإلزام المدعى المصاريف، وأصبح الحكم نهائياً، قام المضرور بتنفيذه بالنسبة للتعويض واستصدار أمر تقدير من رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم بالمصاريف القضائية التي تكبدها في دفاعه إن وجدت.

كما تدخل عناصر الضرر الأدبي عند تقدير التعويض متمثلة في الشعور بالعنت واللدد في الخصومة، ويجوز للمحكمة أن تشمل التعويض ما حاق بالمضرور من جراء الضررين معاً وتقضي بمبلغ واحد عنهما دون أن تخصص مبلغاً لكل ضرر.

مثال ذلك، أن يمتنع المؤجر عن استلام الأجرة بدون وجه حق، فيقوم المستأجر بإيداعها لحسابه بخزانة الضرائب العقارية بعد أن يخطره برغبته في الوفاء ثم يخطره بهذا الإيداع بعد تمامه، ومع ذلك يقوم المؤجر بتكليفه بالوفاء ثم يرفع دعوى الإخلاء بادعاء تأخره في سداد الأجرة، وإذ يقضي برفضها يطعن في الحكم بالاستئناف فيقضي بتأييد الحكم المستأنف، ويدل ذلك على أن المؤجر لم يقصد بهذه الدعاوى إلا الكيد، فقد كان على يقين من رفض دعوى الإخلاء وتأييد الحكم الصدر فيها، إلا أنه أراد الكيد للمستأجر وإعناته وإجباره على ولوج دور القضاء، وهو ما يتوافر به في حقه الخطأ التقصيري. لكن إذا استند في دعواه إلى بطلان الإيداع لمخالفة الإجراءات التي حددها القانون، فإن الدعوى تكون كيدية إذا كان هناك إجماع في القضاء والفقه على صحة الإيداع باعتبار أن الإجراءات المقررة في شأنه تنظيمية، أما إن كان هناك خلاف، وأن البعض يعتبرها جوهرية يترتب البطلان على مخالفتها، بينما يعتبرها البعض الآخر تنظيمية، فلا يكون المؤجر قد أساء حق التقاضي وينتفي الكيد عن دعواه.

كذلك الحال عندما يصعب الوقوف على بيان حكم المسألة مما يحتاج إلى بحث قانوني يدق في بعض الأحيان لبيان مدى مشروعية الإجراء، وحينئذ يعتبر الإجراء مشروعاً حتى لو قضى برفض الإجراء وكان قد ترتب عليه ضرر للخصم الآخر.

ومثال ذلك أيضاً، رفع دعوى الإفلاس من دائن يعلم أن مدينة التاجر ليس في ضائقة مالية مستحكمة، ويدلل على ذلك بالوفاء عند نظر الدعوى وكان الدين متنازعاً فيه ولم تتم التسوية بعد.

وإذا توافر الكيد وتحقق بذلك الخطأ التقصيري، كان للمحكمة السلطة التقديرية في إجابة الخصم إلى التعويض أو رفضه دون معقب عليها، إذ لم يلزمها المشرع بإجابة طلب التعويض في حالة توافر الخطأ التقصيري وإنما أجاز لها ذلك إذا رأت من ظروف الدعوى وسلوك الخصم فيها من عنت ولدد ما يبرر إلزامه به، بحيث إذا خلصت إلى توافر الكيد ووجدت في إلزام الخصم مصاريف الدعوى ما يكفي تعويضاً فيها، كان لها رفض طلب التعويض دون تثريب عليها في ذلك وحينئذ يتعين التصدي للطلب والقضاء برفضه ولو ضمناً، فإن أغفلته كلية ظل معلقاً أمامها على نحو ما أوضحناه بالمادة (193).

وإذا تعدد خصوم الكيد، كانوا مسئولين بالتضامن عملاً بالمادة (169) من القانون المدني.

واستخلاص الكيد من مسائل الواقع التي يستقل قاضى الموضوع بتقديرها دون رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض طالما كان استخلاصه سائغا، أما تكييف ما يعتبر كيداً، فهو تكييف للخطأ التقصيري فيعد من مسائل القانون التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض.

 المحكمة المختصة بطلب التعويض :

إذا رفعت دعوى أو أبدی دفاع فيها، وكان المقصود بأي منهما الكيد للخصم الآخر، وترتب على هذا الكيد ضرر بهذا الخصم، جاز له الرجوع بالتعويض على خصمه، وهذا الرجوع يتم بموجب طلب عارض يقدم لذات المحكمة التي تنظر الدعوى وبالإجراءات التي تقدم بها الطلبات العارضة، وقد يرفع طلب التعويض بدعوى مبتدأة.

فإذا قدم طلب التعويض كطلب عارض، انعقد الاختصاص به للمحكمة التي تنظر الدعوى الأصلية إذا كانت مختصة به من جميع النواحي كما لو كانت محكمة ابتدائية تختص بالطلب العارض ولو كانت قيمته تدخل في نصاب القاضي الجزئي، أما إن لم تكن مختصة به قيمياً، كما لو كانت محكمة جزئية، وجب عليها أن تقضي بعدم اختصاصها بنظره وتحيله وحده للمحكمة الابتدائية، فإن رأت أن حسن سير العدالة يتطلب إحالتة مع الدعوى الأصلية، قضت بذلك.

أما إذا قدم طلب التعويض كدعوی مبتدأة، وقبل الفصل في الدعوى المقول بكیدیتها، وجب، لحسن سير العدالة، إحالتها للمحكمة التي تنظر الدعوى الكيدية وذلك للارتباط، ومع ذلك يجوز للمحكمة التي رفعت إليها دعوى التعويض أن تستمر في نظرها وتطلب ضم الدعوى المقول بكيديتها لتستخلص منها الأدلة والقرائن على توافر الخطأ التقصيري أو انتفائه، إذ أن مؤدی رفع دعوى التعويض استقرار الخطأ الذي تأسست عليه، وقد لا يكون محلاً لبحث المحكمة التي تنظر الدعوى المقول بكیدیتها ومن ثم لا يتوقف على الفصل فيها الفصل في دعوى التعويض، وقد يكون محلاً لهذا البحث وتقضي المحكمة برفض الدعوى استناداً إلى أنها كيدية، وهو ما لا يتضح إلا بعد صدور الحكم، ولذلك تفضل الإحالة.

وإذا رفعت دعوى مبتدأة بالتعويض بعد الحكم النهائي في الدعوى المقول بأنها كيدية، خضعت للقواعد العامة المقررة بصدد الاختصاص، ولا يلزم رفعها أمام ذات المحكمة التي فصلت في الدعوى السابقة، ويكفي ضم تلك الدعوى لاستخلاص مدى توافر الكيد برفعها.

ويرى أبو الوفا في الأحكام بند 63 أن الاختصاص بدعوى التعويض ينعقد للمحكمة التي تنظر الدعوى أو الدفاع الكيدي وفي جميع الحالات بما لها من ولاية تكميلية لأن دعوى التعويض ترتبط بالدعوى الأصلية ارتباطاً لا يقبل التجزئة وأن نظرها يقتضي فحص الدعوى الأصلية وتقدير وقائعها من جديد وتقدير ما صدر فيها من أحكام، وأن المحكمة التي تنظر دعوى التعويض تتقيد بحجية القضاء الصادر في الدعوى الأصلية وتتقيد بكل ما استخلصه هذا القضاء، وأن الأخذ بالرأي المخالف يوجب وقف دعوى التعويض حتى يتم الفصل في الدعوى الأصلية لأن الحكم في الأولى يعتمد على الحكم في الثانية، ويستطرد إلى أنه إذا اتخذ الإجراء التعسفي في استئناف، فإن المحكمة التي تنظر التعويض عنه هي محكمة الدرجة الثانية التي تنظر الاستئناف ولا يجوز طلبه أمام محكمة الدرجة الأولى ولو أن في ذلك تفويتاً لدرجة من درجات التقاضي وذلك احتراماً للمادة (188) ولما تشفه المادة (270)، وأنه إذا اتخذ الإجراء التعسفي أمام محكمة النقض فإن هذه المحكمة هي التي تختص وحدها بنظر التعويض عنه.

ومفاد هذا الرأي أن المحكمة التي طرح عليها الإجراء الكيدي تكون هي المختصة وحدها دون سواها بنظر طلب التعويض المرفوع عنه، وقد خالفت محكمة النقض هذا الرأي وأخذت بالرأي الذي انتهيناً إليه.

وإن كان الأصل أنه لا يجوز إبداء طلبات جديدة أمام محكمة الاستئناف، وكان طلب التعويض عن رفع استئناف کيدي يعتبر من هذا القبيل، إلا أن المادة (235) قد أجازت للمستأنف عليه إبداء طلب التعويض عن الاستئناف الكيدي لأول مرة أمام هذه المحكمة ولا يحول ذلك ورفع دعوى مبتدأة أمام محكمة الدرجة الأولى.

كما أجازت المادة (270) تقديم هذا الطلب لأول مرة أمام محكمة النقض كطلب عارض أو بدعوى مبتدأة أمام محكمة الدرجة الأولى التي ينعقد الاختصاص لها بنظرها وفقاً للقواعد العامة.

مسئولية الموكل عن الإجراءات التي يتخذها محاميه:

تنصرف آثار التصرفات والإجراءات التي يتخذها الوكيل إلى موكله ومن هذا القبيل كافة إجراءات التقاضي التي يتسع لها سند الوكالة، مثل رفع الدعاوى وإبداء الدفوع وأوجه الدفاع سواء قدمت كتابة أو شفاهة، فإذا انطوت الدعوى أو الدفاع على تعسف في استعمال حق التقاضي كان الموكل هو المسئول عن الأضرار التي تلحق بخصمه ولا يجوز له التحلل من ذلك بعدم علمه بمسلك محاميه إذ يعتبر أنه الأصيل في كل ما يتخذه الأخير وأن الإجراء قد اتخذ لمصلحته الشخصية وبتوجيه منه. ويقتصر ذلك على المسئولية المدنية دون الجنائية اعتباراً بأن الفعل المكون للجريمة لصيق بشخص فاعله ولا يسأل عنه غيره إلا وفقاً لأحكام الاشتراك.

الغرامة لاتخاذ إجراء بسوء نية :

يجوز للمحكمة إذا خلصت إلى أن الدعوى أو الإجراء قصد بهما الكيد، وهو يتحقق به سوء النية، أن تقضي بالتعويض على نحو ما تقدم وفضلاً عن ذلك تقضي ومن تلقاء نفسها بتغريم من رفع الدعوى أو اتخذ الإجراء بمبلغ لا يقل عن أربعين جنيها ولا يجاوز أربعمائة جنيه.

ولا تثريب عليها إذا فصلت في الدعوى دون توقيع هذه الغرامة باعتبار أن القضاء بها جوازي لها حتى لو ثبت لديها توافر سوء النية، وتوقع الغرامة كجزاء على اتخاذ الإجراء بسوء نية ويحصلها قلم الكتاب لصالح الخزانة العامة، ولا يقضي بها إلا بمناسبة الدعوى المنظورة ومع الحكم الذي يفصل في موضوعها.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء الخامس / الصفحة 15)

من المقرر أن مصاريف الدعوى تقدر على أساس المصاريف الأساسية اللازمة قانوناً لرفع الدعوى والسير فيها وأن الخصم المحكوم عليه يتحملها لأن القانون يلزمه بذلك تحقيقاً لمقتضيات العدالة وهو لا يتحمل المصاريف على سبيل التعويض عن الضرر الذي لحق خصمه من جراء منازعته له لأن إخفاق الشخص فيما يدعيه لا يعتبر في ذاته ، دليلاً على خطئه موجباً لمسئوليته غير أن الخصم يكون مسئولاً عن الضرر الذي يلحقه بخصمه إذا وجه إليه دعوى أو دفعا قصد به الكيد له لأنه في هذه الأحوال ينقلب حق الالتجاء إلى القضاء أو حق إنكار الدعوى إلى مخبثة وكما يكون الكيد عند الإدلاء بطلب أو دفع يكون عند رفع طعن في حكم أو عند اتخاذ إجراء من إجراءات التنفيذ أو عند إصدار أمر من قاضي الأمور الوقتية أو من غيره أو عند تنفيذه الأمر عملاً بالمادة 188 وإنما يشترط للحكم بالتعويضات أن يكون القصد من توجيه الدعوى أو الدفاع هو مجرد الإضرار بالخصم والتنكيل به ومشاکسته وأمر تقدير الكيد متروك لمطلق تقدير المحكمة تستنتجه من ظروف كل قضية فإذا كان للخصم ذريعة تبرر دعواه أو إنكاره أو كانت له شبهة على الأقل تسوغ مسلكه فلا مؤاخذة عليه، ويلاحظ أن المحكمة تستند عند تقدير الكيد إلى حكم المادة الخامسة من القانون المدني التي تتولى سرد حالات سوء استعمال الحق والتي يتعين بسط تطبيقها على فروع القانون. ومن المقرر فقهاً وقضاء أنه يجوز التعويض عن الضرر الأدبي الناتج عن طلب أو دفع کيدي إلا أنه لا يحكم بالتعويض إلا بناء على طلب المضرور عملا بالقواعد العامة وإذا تعدد من وجه الدعوى أو الدفاع الكيدي جاز الحكم عليهم جميعا بالتضامن في التعويضات وذلك عملا بنص المادة 169 مدني ويشترط لكي تحكم المحكمة بالتعويض عن هذا الدفاع الكيدي أن تكون مختصة بذلك اختصاصا متعلق بالوظيفة واختصاصاً نوعياً لأن هذا وذاك من النظام العام فإذا طلب التعويض أمام محكمة جزئية فلا تختص إلا إذا كانت قيمته لا تزيد على عشرة آلاف جنيه ولو كانت هي المحكمة التي اتخذ الإجراء التعسفي أمامها لأن الاختصاص القيمي أصبح متعلقاً بالنظام العام وإذا اتخذ الإجراء التعسفي أمام محكمة الدرجة الأولى وتراخي الخصم في طلب التعويض عنه ثم استؤنف الحكم الصادر منها فلا يملك الخصم طلب التعويض في الاستئناف بل عليه أن يتقدم بطلبه أمام محكمة الدرجة الأولى حتى تستنفد المحكمة ولايتها بصدده وحتى لا يفوت الخصم على خصمه درجة من درجات التقاضي وحتى تفصل في طلب التعويض عن الإجراء التعسفي ذات المحكمة التي اتخذ أمامها أما إذا اتخذ الإجراء التعسفي في الاستئناف كأن رفع استئناف كيدي مثلاً فإن المحكمة التي تنظر التعويض عنه هي محكمة الدرجة الثانية . وجدير بالإشارة أن المحكمة لا تتبين الكيد أو سوء النية إلا بعد الفصل في موضوع الدعوى ومن ثم إذا انقضت الخصومة بغير حكم في الموضوع كما إذا صدر فيها حكم بعدم الاختصاص فلا تملك المحكمة الفصل في طلب التعويض عن الدعوى الكيدية ويكون للمضرور أن يرفع مبتدأة أمام المحكمة المختصة مطالبة بتعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة الكيدية . ولا يتصور إلزام المضرور بالإدلاء بطلب التعويض على صورة طلب عارض أثناء نظر الدعوى الأصلية ولو كان مؤسسا على أسباب قائمة أثناء نظرها لأن الإدلاء بالطلبات على صورة عارضة هو استثناء من الأصل العام . ( نظرية الأحكام للدكتور أبو الوفا ص 166).

وقد اختلف الشراح في تحديد المحكمة المختصة نوعياً ومحلياً بالحكم بالتعويض المنصوص عليه في هذه المادة فذهب رأي إلى أن المادة تقرر قاعدة اختصاص تجعل المحكمة التي رفع إليها الدعوى أو أبدي أمامها الدفع الكيدي هي وحدها المختصة بطلب التعويض عنه فلا يخضع طلب التعويض لقواعد الاختصاص النوعي أو المحلي، فإذا رفعت الدعوى أو أبدي الدفع أمام محكمة أول درجة كانت هي المختصة بطلب التعويض عنه سواء بطلب عارض أو دعوى أصلية ولا يجوز رفعها أمام محكمة الدرجة الثانية المنظور أمامها الطعن في الحكم الأصلي وكذلك الشأن فيما لو أبدي الدفع أمام محكمة الدرجة الثانية فإنه لا يجوز تقديم طلب التعويض على محكمة الدرجة الأولى. ( نظرية الأحكام للدكتور أبو الوفا ص 166 بند 63) أما الرأي الآخر فذهب إلى أن المادة تقرر رخصة للخصم في الالتجاء بطلب التعويض إلى المحكمة التي تنظر الدعوى أو الدفاع الكيدي في صورة طلب فرعي ولكن ذلك لا يحرم طالب التعويض من حقه في رفع دعوى التعويض طبقاً للقواعد العامة في الاختصاص. ( مرافعات العشماوي الجزء الثاني هامش بند 1089).

وقد شايعنا الرأي الأخير في الطبعات السبع من هذا المؤلف على سند من أن طلب التعويض في هذه الحالة هو من قبيل الطلبات العارضة التي يبديها الخصم أثناء نظر الدعوى فإن فات الخصم إبداء طلبه العارض أثناء نظر الدعوى فإن هذا لا يمنعه من ان يبدي الطلب العارض بدعوى مستقلة أمام المحكمة المختصة طبقاً للقواعد العامة وقد أيدت محكمة النقض هذا الاتجاه فقضت بأن جواز الحكم بالتعويض المنصوص عليه في هذه المادة لا يحول بين المضرور ورفع دعوى بالتعويض وفقا للقانون المدني وأضفنا في الطبعة الثامنة أنه تأسيساً على هذا الحكم فإن من حقه رفع دعوى التعويض وفقاً للقواعد العامة في الاختصاص.

وإذا أنكر خصم ورقة نسبت إليه أو طعن فيها بالتزوير وقضى بصحة الورقة - وجب الحكم عليه بالتعويض - إذا طلب خصمه ذلك - لأنه لا عذر له في أن ينكر ورقة وقع عليها بنفسه بخلاف ما إذا كانت الورقة المطعون فيها بالإنكار أو التزوير ليست صادرة من المنكر أو الطاعن كما إذا كانت صادرة من مورثه أو من سلفه وكان يجهل التوقيع عليها ممن أسندت له فلا مؤاخذة عليه إن هو أنكرها أو طعن فيها بالتزوير حتى ولو قضى بصحة الورقة وإذا اعتمد خصم على ورقة تبين أنها مزورة كان سيء النية إلا إذا أثبت أنه وقت استعمالها لم يكن عالماً بما يعيبها كما لو كان قد تلقاها من الغير. وإذا ثبت أن الدعوى ليست إلا تجديداً لنزاع سبق الفصل فيه أو الصلح فيه وجب الحكم على المدعي بتعويض الضرر الناشئ عنه ، وإذا أنكر أخ أخته التي نشأت معه فلا يحمل الإنكار إلا على محمل الكيد والعنت ، ومحصل ما تقدم أن المحكمة هي التي تقدر الدليل الذي يقدم إليها وتستخلص منه حسن النية أو قصد الكيد. (راجع فيما تقدم الأحكام المشار إليها بنظرية الأحكام للدكتور أبو الوفا ص 164).

وإذا انتهت المحكمة إلى إنحراف المطلوب منه التعويض عن الحق المباح وقضت عليه بالتعويض فإنه يتعين عليها أن تبين في حكمها العبارات التي وردت في دفاع المحكوم عليه والتي استخلصت منها قصد الانحراف والكيد أضراراً بخصمه فإن لم تفعل كان حكمها معيباً بالقصور في التسبيب.

ومن المقرر أن تقدير التعسف والغلو في استعمال المتقاضي لحقه يستقل به قاضي الموضوع بشرط أن يؤسس حكمه على أسباب سائغة .

الطعن على الحكم الصادر لصالح المطعون ضده بطرق الطعن المقررة قانوناً لا يكفي دليلاً لإثبات الكيد والعنت في الخصومة :

من المقرر - كما سلف القول - أن طلب التعويض طبقاً للمادة 118 لا يقوم إلا إذا ثبت الانحراف عن الحق مع وضوحه واللدد في الخصومة والعنت ابتغاء الأضرار بالخصم، وتأسيساً على ذلك فإن مجرد الطعن على الحكم الصادر لمصلحة المطعون ضده لا يكفي وحده لإثبات الكيد والعنت واللد في الخصومة لأن حق التقاضي - كما بينا أنفاً - من الحقوق الأساسية المباحة للكافة ولا غبار على من يلوذ به مادام لم يثبت انحرافه على النحو السالف ، ومؤدي ذلك أن من يقيم طعنا في حكم ويؤسسه على أسباب قانونية أو واقعية لا يعد منحرفاً عن الحق مادام أن له شبهة حق في طعنه.

تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه لدد في الخصومة وعنت ابتغاء الإضرار بالخصم أم لا يخضع لرقابة محكمة النقض :

 أرست محكمة النقض مبدأ في حكم من أحدث أحكامها وفي غاية الأهمية مؤداه أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه لدد في الخصومة وعنت ابتغاء الأضرار بالخصم أم لا مسألة قانون يخضع لرقابة محكمة النقض. وهذا المبدأ لا شك أنه سيدفع القضاة لأن يدققوا في تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض .(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء الرابع ، الصفحة : 853)

تعديل المادة 188 مرافعات بالقانون رقم 23 لسنة 1992 والقانون رقم 18 لسنة 1999:

تم تعديل المادة 188 مرافعات  محل التعليق  إذ كانت الغرامة التي تقضي بها المحكمة قبل التعديل و الواردة بالفقرة الثانية في إحدى الحالات التي بينتها لا تقل عن جنيهين ولا تجاوز عشرين جنيها فزادها المشرع في حديها الأدنى والأقصى إلى عشرة أمثالها فأصبحت لا تقل عن عشرين جنيها ولا تجاوز مائتى جنيه، وقد برر ذلك بانخفاض قيمة العملة. (المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 23 لسنة 1992)، كما رفع المشرع بالقانون رقم 18 لسنة 1999 قيمة الغرامة فأصبحت لا تقل عن أربعين جنيها ولا تجاوز مائتي جنيه.

التعويض عن نفقات الدعوى الكيدية أو الدفاع الكيدي:

سبق لنا أن ذكرنا عند تعليقنا على المادة 184 مرافعات فيما مضى أن مصاريف الدعوى تقدر على أساس المصاريف الأساسية أي اللازمة قانوناً لرفع الدعوى والسير فيها. وأن الخصم المحكوم عليه بتحملها لأن القانون يلزمه بذلك تحقيقاً لمقتضيات العدالة، وهو لا يتحمل المصاريف على سبيل التعويض عن الضرر الذي لحق خصمه من جراء منازعته له، لأن إخفاق الشخص فيما يدعيه لا يعتبر في ذاته دليلاً على خطئه موجباً لمسئوليته. والخصم يكون مسئولاً عن الضرر الذي يلحق خصمه إذا وجه إليه دعوى أو دفعاً قصد به الكيد لأنه في هذه الأحوال ينقلب حق الالتجاء إلى القضاء أو حق إنكار الدعوى إلى مخبثة.

وكما يكون الكيد عند الإدلاء بطلب أو دفع يكون عند رفع طعن في حكم أو عند اتخاذ إجراء من إجراءات التنفيذ، أو عند استصدار أمر من قاضي الأمور الوقتية، أو من غيره، أو عند تنفيذ الأمر.

وقد قضى إعمالاً لما تقدم بمسئولية الدائن بتعويض الضرر المادي والأدبي الذي لحق خصمه من جراء توقيع الحجز على منقولات لا يملكها مدينة (استئناف مختلط 13/ 6/ 1939، مجلة التشريع والقضاء السنة 51 ص375).  

كما حكم بإلزام المستأنف بالتعويض لرفعه استئنافاً غير مبني على اعتبارات جدية، هذا فضلاً عن أن فحكمة الدرجة الأولى قد جاء واضحاً في تحديد وتقدير حقوق كل خصم.

استئناف مختلط 2/ 12/ 1930 ، السنة 42 ص 57، وانظر أيضاً حكم المحكمة الإدارية العليا في 10/ 4/ 1952، مجموعة أحكام الإدارية العليا السنة 3 ص 916، وحكم محكمة القضاء الإدارى 7/ 11/ 1954، السنة 9 ص 10).

وتجيز المادة 188 مرافعات  محل التعليق  للمحكمة أن تحكم بالتعويضات في مقابل كل النفقات الناشئة عن توجيه دعوى أو دفاع کيدی، فتقدر المصاريف، في هذا الصدد، على أساس كل النفقات الفعلية التي تحملها الخصم. وإنما يشترط الحكم بها عليه أن يكون القصد من توجيه الدعوى أو الدفاع هو مجرد الإضرار بالخصم والتنكيل به ومشاكسته. وأمر تقدير الكيد متروك لمطلق تقدير المحكمة تستنتجه من ظروف كل قضية، فإذا كان للخصم ذريعة تبرر دعواه، أو إنكاره، أو كانت له شبهة على الأقل تسوغ مسلکه فلا مؤاخذة عليه. أحمد أبو الوفا - نظرية الأحكام - بند 60 ص 151 و 152).

ويلاحظ أن المحكمة تستند - عند تقدير الكيد - إلى حكم المادة الخامسة من القانون المدني التي تتولى سرد حالات سوء استعمال الحق، والتي يتعين بسط تطبيقها على كل فروع القانون. فالطلب أو الدفع الكيدي هو إذن صورة من صور الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية وهو استعمال غير مشروع لحق الالتجاء إلى القضاء، أو لحق إنكار الدعوى. (عبدالحميد أبو هيف - بند 408 أحمد أبو الوفا نظرية الأحكام ص 152).

وينطبق نص المادة 188 مرافعات - محل التعليق - على الدفوع أيا كان نوع هذه الدفوع سواء كانت شكلية أو موضوعية أو بعدم القبول وقد استحدث قانون المرافعات الحالي في المادة 188 - محل التعليق - حكماً جديداً يخول المحكمة عند إصدار الحكم الفاصل في الموضوع أن تحكم بغرامة لا تقل عن أربعين جنيها ولا تجاوز أربعمائة جنيه على الخصم الذي يتخذ إجراء أو یبدی طلباً أو دفاعاً بسوء نية.

والمقصود بسوء النية في هذا المقام أن يكون الخصم، وهو يتخذ إجراء أو طلباً أو دفاعاً عالماً أن لا حق له فيه، وإنما قصد بإبدائه مجرد تعطيل الفصل في الدعوى أو الإضرار، بالخصم الآخر. (المذكرة الإيضاحية القانون المرافعات، مشار إليه أنفاً).

ومن أمثلة الإساءة في التقاضي وفي التنفيذ التحايل بالقانون على القانون لتحقيق أمور مخالفة له، والإمعان في الإنكار بقصد مضارة الخصم في التقاضي أو في التنفيذ، كتعدد إشكالات التنفيذ من الغير لوقف التنفيذ الخ. والدعاوى الصورية ودعاوى المسخرين والدعاوى غير المألوفة والملتوية بقصد الإساءة أو التشهير بالخصوم.. وغير ذلك.

ويتحقق الكيد عند إبداء الطلب أو الدفع إذا ثبت للمحكمة أن الخصم تقدم بما تقدم به من طلبات أو دفوع وهو يعلم تمام العلم أنه لا حق له فيها. وقد يتحقق سوء النية عند إبدائها، أو بعدئذ وعندئذ يتحقق قصد مضارة الخصم، إلى جانب وجوب توافر ضرر أصابه فعلاً، وتوافر السببية بينهما عملاً بقواعد المسئولية المدنية. ويزداد التعويض كلما استرسل الخصم في الكيد، واستطالت مجابهة نشاطه الكيدى أو إنكاره.

ويلاحظ أنه يجوز التعويض عن الضرر الأدبي، فعلى الرغم من أن نص المادة 188- وأصلها من القانون القديم (مادة 115 / 120 ) - يشير إلى التعويض عن مجرد المصاريف والنفقات الناشئة عن الطلبات والدفوع الكيدية دون التعويض عن الضرر الأدبي، إلا أن الفقه والقضاء يسلمان بجواز طلب التعويض عن الضرر الأدبي الناتج عن طلب أو دفع کبدی (عبدالحميد أبو هيف - بند 408 عبد المنعم الشرقاوي - نظرية المسلحة في الدعوى - بند 88 وما يليه، أحمد أبوالوفا- نظرية الأحكام بند 61 ص 156، استئناف مختلط 13 / 6/ 1939  - مجلة التشريع والقضاء السنة 51 صفحة 375).

وعلة عدم الإشارة في المادة 188 مرافعات . محل التعليق - إلى التعويض عن الضرر الأدبي ترجع إلى أن جواز الحكم به لم يكن ثابتاً فقهاً وقضاء وقت ظهور قانون المرافعات القديم، وقد نقلت المادة 188 عنه بصورة تكاد تكون الية.

ومما يؤكد أن التعويض عن الضرر الأدبي مازال موضع جدل بين شراح القانون اضطرار المشرع في القانون المدني الحالي إلى النص على إجازته صراحة في المادة 222 حتي بقطع بصدده أي خلاف.

وإذن يجوز طلب التعويض عن الضرر الأدبي الناتج من طلب أو دفع کیدی عملا بالقواعد العامة في المسئولية طبقاً لنصوص القانون المدني مادة 222 مدنی. (أحمد أبو الوفا - نظرية الأحكام بند 61 ص 157).

وينبغي ملاحظة أن المحكمة لا تحكم بالتعويض إلا بناء على طلب المضرور عملاً بالقواعد العامة، ولان هذا التعويض لا يعد بمثابة مصاريف الدعوى مما تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها عملاً بالمادة 184 مرافعات .

وإذا تعدد من وجه الدعوى أو الدفاع الكيدى جاز الحكم عليهم جميعاً بالتضامن في التعويضات، وذلك عملاً بنص المادة 169 من القانون المدني التي تنص على أنه إذا تعدد المسئولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر. (أحمد أبو الوفا - نظرية الأحكام - بند ص 157).  

ويشترط لكي تحكم المحكمة بالتعويض عن الدفاع الكيدي أن تكون مختصة بذلك اختصاصاً متعلقاً بالوظيفة واختصاصاً نوعياً لأن هذا وذلك من النظام العام فإذا طلب التعويض أمام محكمة جزئية فلا تختص إلا إذا كانت قيمته لا تزيد على عشرة آلاف جنيه ولو كانت هي المحكمة التي اتخذ الإجراء التعسفي أمامها لأن الاختصاص القيمي أصبع متعلقاً بالنظام العام وإذا اتخذ الإجراء التعسفي أمام محكمة الدرجة الأولى وتراخى الخصم في طلب التعويض عنه ثم استؤنف الحكم الصادر منها فلا يملك الخصم طلب التعويض في الاستئناف بل عليه أن يتقدم بطلبه أمام محكمة الدرجة الأولى حتى تستنفد المحكمة ولايتها بصدده وحتى لا يفوت الخصم على خصمه درجة من درجات التقاضي وحتى تفصل في طلب التعويض عن الإجراء التعسفي ذات المحكمة التي اتخذ أمامها، أما إذا اتخذ الإجراء التعسفي في الاستئناف كان رفع استئناف کیدی مثلاً فإن المحكمة التي تنظر التعويض عنه هي محكمة الدرجة الثانية. وجدير بالإشارة أن المحكمة لا تتبين الكيد أو سوء النية إلا بعد الفصل في موضوع الدعوى ومن ثم إذا أنقذت الخصومة بغير حكم في الموضوع كما إذا صدر فيها حكم بعدم الاختصاص فلا تملك المحكمة الفصل في طلب التعويض عن الدعوى الكيدية ويكون للمضرور أن يرفع دعوى مبتداة أمام المحكمة المختصة مطالباً بتعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة الكيدية، ولا يتصور إلزام المضرور بالإدلاء بطلب التعويض على صورة طلب عارض أثناء نظر الدعوى الأصلية ولو كان مؤسساً على أسباب قائمة أثناء نظرها لأن الإدلاء بالطلبات على صورة عارضة هو استثناء من الأصل العام. (أحمد أبو الوفا - نظرية الأحكام ص 166)

وقد حدث خلاف في الفقه بشأن تحديد المحكمة المختصة نوعياً ومحلياً بالحكم بالتعويض المنصوص عليه في المادة 188 مرافعات - محل التعليق - فذهب رأي إلى أن المادة تقرر قاعدة اختصاص تجعل المحكمة التي رفعت إليها الدعوى أو أبدی أمامها الدفع الكيدى هي وحدها المختصة بطلب التعويض عنه فلا يخضع طلب التعويض لقواعد الاختصاص النوعي أو المحلي، فإذا رفعت الدعوى أو أبدى الدفع أمام محكمة أول درجة كانت هي المختصة بطلب التعويض عنه سواء بطلب عارض أو دعوى أصلية ولا يجوز رفعها أمام محكمة الدرجة الثانية المنظور أمامها الطعن في الحكم الأصلي، وكذلك الشأن فيما لو ابدی الدفع أمام محكمة الدرجة الثانية، فإنه لا يجوز تقديم طلب التعويض إلى محكمة الدرجة الأولى. (أحمد أبو الوفا- نظرية الأحكام بند 63 ص 166). بينما ذهب رأي آخر إلى أن المادة تقرر رخصة للخصم في الالتجاء بطلب التعويض إلى المحكمة التي تنظر الدعوى أو الدفاع الكيدي في صورة طلب فرعی ولكن ذلك لا يحرم طالب التعويض من حقه في رفع دعوى التعويض طبقاً للقواعد العامة في الاختصاص. (محمد وعبد الوهاب العشماوي، الجزء الثاني هامش بند 1089).

وقد أيدت محكمة النقض الرأي الثاني فقضت بأن جواز الحكم بالتعويض المنصوص عليه في هذه المادة لا يحول بين المضرور ورفع دعوى بالتعويض وفقاً للقانون المدني وتأسيساً على هذا الحكم فإن من حقه رفع دعوى التعويض وفقاً للقواعد العامة في الاختصاص. (نقض 1 / 6/ 1983 - طعن رقم 1456 لسنة 49 قضائية، نقض 24 / 3/ 1983 طعن 461 لسنة 48 قضائية) .

ويلاحظ أنه إذا أنكر خصم ورقة نسبت إليه أو طعن فيها بالتزوير وقضی بصحة الورقة وجب الحكم عليه بالتعويض - إذا طلب خصمه ذلك - لأن لا عذر له في أن ينكر ورقة وقع عليها بنفسه. بخلاف ما إذا كانت الورقة المطعون فيها بالإنكار أو التزوير ليست صادرة من المنكر أو الطاعن كما إذا كانت صادرة من مورثه أو من سلفه وكان يجهل التوقيع عليها ممن أسندت له فلا مؤاخذة. عليه إن هو أنكرها أو طعن فيها بالتزوير حتى ولو قضى بصحة الورقة. وإذا اعتمد خصم على ورقة تبين أنها مزورة كان سيء النية إلا إذا أثبت أنه وقت استعمالها لم يكن عالماً بما يعيبها كما لو كان قد تلقاها من الغير. وإذا ثبت أن الدعوى ليست إلا تجديداً لنزاع سبق الفصل فيه أو الصلح فيه وجب الحكم على المدعي بتعويض الضرر الناشىء عنه، وإذا أنكر أخ أخته التي نشأت معه فلا يحمل الإنكار إلا على محمل الكيد والعنت (نقض 10 / 4/ 1952 منشور في المحاماة سنة 34 ص 432)، ومحصل ما تقدم أن المحكمة هي التي تقدر الدليل الذي يقدم إليها وتستخلص منه حسن النية أو قصد الكيد. أحمد أبو الوفا - نظرية الأحكام ص 164 وما بعدها، الديناصوری و عکاز ص 964 و 965).

کما يلاحظ أنه يجوز للمحكمة فضلاً عن الحكم بالتعويض بناء على طلب المضرور فإن لها أن تحكم بغرامة لا تقل عن أربعين جنيها ولا تجاوز أربعمائة جنيه على الخصم الذي يتخذ إجراء او یبدی طلباً أو دفعاً أو دفاعاً بسوء نية، وذلك عند إصدارها الحكم الفاصل في الموضوع .(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء / الثالث  ، الصفحة : 1119)