loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

إجازة الإتفاق مقدماً على نهائية الحكم :

تمشياً مع ما إستهدفه المشروع من التعجيل بحسم المنازعات أجاز الإتفاق مقدماً على النزول عن إستئناف الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى ولو تم ذلك قبل رفع الدعوى وبذلك يصير الحكم فيها إنتهائياً غير قابل للإستئناف واذا لم تستفد طرق الطعن العادية بصدده لا يكون قابلاً للطعن بطرق الطعن غير العادية (المادة 219 من المشروع) .

تضمنت المادة 219 من المشروع فقرة أخيرة تبيح النزول عن الإستئناف قبل رفع الدعوى ذلك أن الإستئناف كغيره من الحقوق يجوز النزول عنه فضلا عن أن هذا النزول يكون أقرب شبهاً بنظام التحكيم ولا يعتبر من جهة أخرى حرماناً للخصم من حق الإلتجاء الى القضاء بقدر ما هو منظم لهذا الحق فضلاً عن أن حكم هذه الفقرة مسلم به في كثير من التشريعات الحديثة .

 

الأحكام

1- إذ كانت طلبات المطعون ضده أمام محكمة أول درجة تنحصر فى طلب الحكم بإلزام الطاعن بأن يؤدى له مبلغ 6500 جنيه مقابل حرمانه من الانتفاع بالأرض المملوكة له على سند من وضعه اليد عليها بطريق الغصب منذ سنة 1978 وحتى نهاية سنة 1990 وما يستحق بعد ذلك وحتى إيداع الخبير تقريره فإن الطلبات فى الدعوى بهذه المثابة تكون ناشئة عن سبب واحد وتقدر قيمتها فى تحديد نصاب الاستئناف باعتبار جملة المطلوب وإذ كان تحديد مقدار مقابل عدم الانتفاع من نهاية سنة 1990 حتى إيداع الخبير تقريره غير قابل للتقدير فتعتبر الدعوى وقت رفعها قيمتها زائدة عن مبلغ خمسمائة جنيه وفقاً للمادة 41 من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون 91 لسنة 1980 المنطبق على واقعة الدعوى آنذاك وتختص المحكمة الابتدائية بنظره ولا يعد حكمها فيه انتهائياً وفقاً للمادة 47/1 من قانون المرافعات . وبما يجوز معه للطاعن استئنافه تطبيقاً لحكم المادة 219 من قانون المرافعات وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم جواز الاستئناف على سند من أن المبلغ الذى قضى به الحكم المستأنف فى حدود النصاب الانتهائى للمحكمة الابتدائية فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون

(الطعن رقم 428 لسنة 65 جلسة 2010/11/07 س 61 ص 897 ق 152)

2- لما كان البين من الأوراق أن الدعوى أقيمت من المطعون عليه بطلب إثبات حاله دون أن تتضمن الطلبات فيها أي طلب موضوعي عقدت تلك الخصومة ابتغاء الحكم له به على الطاعنة وبالتالي فان الحكم الصادر فيها لم يفصل فى خصومة ما إذا لم يكن الهدف منه سوى اتخاذ الإجراءات التحفظية بقصد إعداد الدليل مقدما لحين عرضه لموضوع النزاع على محكمة الموضوع لتفصل فيه كما وانه لم يتضمن قضاء على الطاعنة أو إلزامها بشيء ومن ثم فإنها لا تكون محكوما عليها فى معنى المادة 211 من قانون المرافعات ولا يكون الطعن فيه بطريق الاستئناف جائزاً لانتفاء المصلحة مما كان يتعين معه على محكمة الاستئناف القضاء بعدم جواز الاستئناف ومن تلقاء نفسها وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بقبول الاستئناف شكلا ثم حكم فى موضوعه بتأييد الحكم المستأنف فانه يكون قد اخطأ فى القانون.

(الطعن رقم 4800 لسنة 61 جلسة 1998/01/11 س 49 ع 1 ص 88 ق 19)

3- وظيفة محكمة الاستئناف ليست مقصورة على مراقبة الحكم المستأنف من حيث سلامة التطبيق القانون فحسب وإنما يترتب على رفع الاستئناف نقل موضوع النزاع فى حدود طلبات المستأنف إلى محكمة الدرجة الثانية وإعادة طرحه عليها بكل ما اشتمل عليه من أدلة ودفوع وأوجه دفاع لتقول كلمتها فيه بقضاء مسبب يواجه عناصر النزاع الواقعية والقانونية على السواء.

(الطعن رقم 6791 لسنة 64 جلسة 1996/04/23 س 47 ع 1 ص 707 ق 132)

4- لما كان مناط عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة بناء على اليمين الحاسمة أن يكون توجيهها أو حلفها أو النكول عنها مطابقاً للقانون فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعرض بدوره لمنازعة الطاعن فى اليمين المواجهة إليه الفصل فيما أثاره من أنها غير حاسمة للنزاع وغير منتجة فى الدعوى وغير جائز توجيهها، وأعمل الأثر الذى رتبه القانون على النكول عن أدائها ورتب على ذلك قضاءه بعدم جواز الاستئناف فإنه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب فضلاً عن الخطأ فى القانون .

(الطعن رقم 6055 لسنة 64 جلسة 1995/07/02 س 46 ع 2 ص 943 ق 185)

5- الحكم الصادر بناء على اليمين لا يجوز استئنافه إلا أن شرط ذلك أن تكون اليمين وحدها فاصلة فى النزاع وحاسمة له بحيث ينتهى بها حتما موضوعه، أما إذا انصبت اليمين على جزء من النزاع أو مسألة أوليه فيه دون أن تؤدى إلى حسمه كله أو تمسك الخصم أمام محكمة الاستئناف بدفاع موضوعى منتج فى الدعوى لم يشمله الحلف، فإن الاستئناف يكون جائزا، غاية ما فى الأمر أنه يتعين الالتزام بحجية تلك اليمين بحيث يمتنع على الخصوم أن يعودوا إلى المنازعة فيما انصبت عليه وحسمته، ويقوم مضمونها حجة ملزمة لمحكمة الاستئناف لا تملك الخروج عليه أو مخالفته.

(الطعن رقم 232 لسنة 60 جلسة 1994/05/30 س 45 ع 1 ص 934 ق 178)

6- مؤدى نص المادة 219 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة فى تفسير صيغ العقود والإقرارات بما تراه أوفى بمقصود العاقدين وفى إستخلاص ما يمكن إستخلاصه منها ولا سلطان لمحكمة النقض عليها ما دامت تلك الصيغ والإقرارات تحتمل المعنى الذى حصلته.

(الطعن رقم 1038 لسنة 59 جلسة 1994/01/19 س 45 ع 1 ص 210 ق 44)

7- إذ كان الثابت فى الأوراق أن المطعون ضدها الأولى أقامت الدعوى رقم854لسنة 1977مدنى بنها الابتدائية بطلب صحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ1968/4/19،فتدخلت الطاعنة فى تلك الدعوى طالبة رفضها على سند من أنها تمتلك مساحة 16س, 11 ط تدخل ضمن المساحة موضوع التداعى اشترتها بموجب عقد البيع المؤرخ1975/3/25-بما يفيد أنها تمسكت بصحة عقد شرائها فأقامت المطعون ضدها الأولى الدعوى رقم792 لسنة 1981 مدنى بنها الابتدائية بطلب بطلان عقد البيع الأخير سند المتدخلة لصور يته صورية مطلقة ومن ثم فإن طلبات المطعون ضدها الأولى فى الدعوى الثانية على هذه الصورة هى دفاع فى الدعوى الأولى-وان طرحت على المحكمة فى صورة دعوى مستقلة-واذ أحالت المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الثانية الى المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الأولى وقررت محكمة أول درجة ضم الدعويين،فإنه يترتب على ضمهما أن تندمج دعوى بطلان عقد البيع المؤرخ1975/3/25 فى الدعوى الأولى وينتفى معه القول باستقلال كل منهما عن الأخرى ذلك أن دعوى صحة العقد وطلب بطلانه وجهان متقابلان لشئ واحد،ولا يبقى أمام المحكمة بعد الضم سوى الدعوى الأصلية المطروحة عليها فى الدعوى الأولى والدفاع المبدى فيها ومن ثم فإن جواز استئناف الحكم الصادر فى الدعويين يكون بالنظر إلى الطلبات فى الدعوى الأولى باعتبار أن الدفاع فى الدعوى ليس له تقدير مستقل.

(الطعن رقم 2400 لسنة 59 جلسة 1993/12/02 س 44 ع 3 ص 301 ق 342)

8- لئن كانت قاعدة ألا يضار الطاعن بطعنه قاعدة أصلية من قواعد التقاضى ، تستهدف ألا يكون من شأن رفع الطعن تسوئ مركز الطاعن أو إثقال العباء عليه، وكان البين من الحكم المطعون فيه ان المطعون ضدها عن نفسها وبصفتها قد أقامت الدعوى ضد الطاعن بصفته ابتغاء الحكم بإلزامه بأداء المبلغ المطالب به كتعويض عن الأضرار المادية التأديبية التى أصابتهم بسبب اعتقال وتعذيب مورثهم وإيداعه السجون فى المدة من أول يناير 1959 حتى أفرج عنه فى مارس 1964وقضى الحكم الابتدائى بإلزامه بالمبلغ المحكوم به ، وإذ استأنفه الطاعن وحده دون المطعون ضدها ناعياً عليه هذا القضاء، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائى لأسبابه دون تعديل فإنه لا يكون قد أساء إليه باستئنافه أو تعرض للقرار الإدارى بالتأويل.

(الطعن رقم 87 لسنة 59 جلسة 1993/05/12 س 44 ع 2 ص 386 ق 201)

9- مفاد نص المادة211من قانون المرافعات أنه لا يجوز الطعن فى الأحكام ممن قبل الحكم قبولا صريحاً أو ضمنيا يفيد تنازله عن حق الطعن، ويشترط القبول المانع من الطعن وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق فى الطعن فيه، ولئن كان الأصل فى القبول المانع من الطعن أن يتم بعد صدور الحكم إلا ان النص فى الفقرة الثانية من المادة219من قانون المرافعات على أنه"ويجوز الاتفاق ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة أول درجة انتهائيا،"يدل على أنه يجوز الاتفاق مسبقا على قبول الحكم وترك الحق فى الطعن فيه والتنازل عن استئنافه.

(الطعن رقم 1607 لسنة 53 جلسة 1993/04/04 س 44 ع 2 ص 3 ق 144)

10- لما كانت الأحكام تخضع من حيث جواز الطعن فيها للقانون السارى وقت صدورها وكان القانون 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة والمعمول به اعتباراً من 1990/7/3 قد ألغى القانون 577 لسنة 1954 وأن النص فى المادتين التاسعة والثالثة عشرة منه قد دل على أن الطعون على أن الطعون على تقدير التعويضات المقررة عن نزع الملكية ترفع وفقا للإجراءات المعتادة المنصوص عليها فى قانون المرافعات إلى المحكمة الابتدائية المختصة التى جعل لها- دون غيرها- ولاية الفصل فى تلك الطعون ، وأن الأحكام الصادرة فى هذه الطعون من المحكمة الابتدائية تخضع للقواعد المقررة فى قانون المرافعات من حيث جواز الطعن فيها وكان الحكم المستأنف قد صدر بتاريخ __. بعد العمل بالقانون رقم 10 لسنة 1990- فإنه يخضع من حيث جواز الطعن فيه للقواعد العامة المقررة فى قانون المرافعات- إعمالا لحكم المادة الأولى منه - باعتبارها القانون السارى وقت صدوره، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم جواز الاستئناف تأسيسا على أن الحكم المستأنف نهائى غير قابل للطعن فيه بالاستئناف فإنه يكون قد خالف القانون.

(الطعن رقم 2462 لسنة 61 جلسة 1992/04/21 س 43 ع 1 ص 637 ق 133)

11- الإختصاص بالفصل فيما يرفع من طعون بالإستئناف عن الأحكام الصادرة إبتدائياً من محاكم المواد الجزئية فى دعاوى القسمة ينعقد للمحكمة الإبتدائية بهيئة إستئنافية أياً كانت قيمة الدعوى .

(الطعن رقم 433 لسنة 56 جلسة 1988/06/14 س 39 ع 2 ص 1039 ق 171)

12- النص فى الفقرة الأولى من المادة 47 من قانون المرافعات - قبل تعديلها بالقانون رقم 91 لسنة 1980 - على أن " تختص المحكمة الإبتدائية بالحكم إبتدئياً فى جميع الدعاوى المدنية و التجارية التى ليست من إختصاص محكمة المواد الجزئية ، و يكون حكمها إنتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز مائتين و خمسين جنيها " ، و فى المادة 109 على أن " الدفع بعدم إختصاص المحكمة لإنتفاء ولايتها أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها بعدم إختصاص المحكمة لإنتفاء ولايتها أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها و يجعل الدفع به فى أية حالة كانت عليها الدعوى " ، و فى الفقرة الأولى من المادة 219 على أن " للخصوم فى غير الأحوال المستثناة بنص فى القانون أن يستأنفوا أحكام محاكم الدرجة الأولى الصادرة فى إختصاصها الإبتدائى " ، و فى الشق الأول من المادة 221 من أن يجوز إستئناف الأحكام الصادرة بصفة إنتهائية من محاكم الدرجة الأولى بسبب وقوع بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم " يدل على أن الشارع قد أخذ بنظام التقاضى على درجتين ، و لم يخرج على هذا الأصل أن الشارع قد أخذ بنظام التقاضى على درجتين ، و لم يخرج على هذا الأصل إلا فى أحوال إستثنائية لإعتبارات قدرها و على سند من ملاءمة المحكمة التى إختصها بنظر الدعوى إصدار حكم نهائى فيها قيد الطعن عليه بالإستئناف بقيد وقوع بطلان فيه أو بطلان فى الإجراءات أثر فيه ، و أن قواعد الإختصاص الولائى و النوعى و القيمى كلها متعلقة بالنظام العام ، و بالتالى فإن مناط تحديد الإختصاص النهائى للمحاكم أن تكون قد إلتزمت قواعد الإختصاص التى رسمها القانون ، و إلا تخرج صراحة أو ضمناً على ما كان من تلك القواعد متعلقاً بالنظام العام ، فإن هى خرجت عليها ، فلا يكون ثمت محل للقول بأن حكمها قد صدر بصفة إنتهائية و بالتالى يفلت الطعن عليه بالإستئناف من قيد البطلان الذى تشترطه المادة 221 من قانون المرافعات رجوعاً إلى حكم الأصل فى الإطلاق ، و تحرياً للمقصود من خطاب الشارع بالإستثناء ، و تحديداً لمعنى الأحكام الصادرة بصفة إنتهائية على الوجه الصحيح ، و لا يغير من هذا النظر أن يكون الشارع قد أسقط فى قانون المرافعات القائم نص الفقرة الثانية من المادة 401 من القانون الملغى ، لأن قصارى ما يفيده ذلك هو أن الشارع رأى فى العودة إلى القواعد العامة فى شأن تلك الأحكام ما يغنى عن هذا النص .

(الطعن رقم 312 لسنة 57 جلسة 1988/04/27 س 35 ع 1 ص 37 ق 4 ( هيئة عامة ) )

13- مناط عدم جواز إستئناف الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى لنهائيتها ، هو أن تكون هذه الأحكام صادرة فى حدود الإختصاص القيمى لتلك المحاكم طبقاً لقواعد الإختصاص التى رسمها القانون و المتعلقة بالنظام العام ، أما إذا صدرت بالمخالفة لهذه القواعد فلا يمكن القول أنها قد صدرت فى حدود النصاب الإنتهائى لتلك المحاكم بما يمتنع معه الطعن عليها بالإستئناف لغير حالات البطلان .

(الطعن رقم 312 لسنة 57 جلسة 1988/04/27 س 35 ع 1 ص 37 ق 4 ( هيئة عامة ) )

14- إذ كان الحكم المطعون فيه قد قرر - صحيحاً - و بما لا خلاف عليه بين طرفى الخصومة - قيمة الدعوى بمبلغ أربعة و تسعين جنيها و سبعمائة و ثلاثين مليما - و ذلك طبقا للبند الأول من المادة 37 من قانون المرافعات - إعتبارا بأن دعوى الشفعة تعتبر متعلقة بملكية العقار المشفوع فيه فيرجع فى تقدير قيمتها إلى قيمة العقار و هو من الأراضى التى يكون تقديرها بإعتبار سبعين مثلا لقيمة الضريبة الأصلية المربوطة عليها - بما يجعل الدعوى تدخل فى الإختصاص القيمى للمحكمة الجزئية فلا تختص بها المحكمة الإبتدائية فإن الحكم الصادر فيها من هذه المحكمة يكون جائزاً إستئنافه ، و إذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر و قضى بعدم جواز الإستئناف على سند من أن الدعوى تدخل فى النصاب الإنتهائى للمحكمة الإبتدائية ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 312 لسنة 57 جلسة 1988/04/27 س 35 ع 1 ص 37 ق 4 ( هيئة عامة ) )

15- إثارة الدفع بعدم جواز الإستئناف أمام محكمة الموضوع ، لا يقدح فى أن هذا الدفع يجوز التمسك به و لو لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه من الأسباب القانونية المتعلقة بالنظام العام .

(الطعن رقم 161 لسنة 52 جلسة 1986/05/15 س 37 ع 1 ص 554 ق 116)

16- مناط الحكم بعدم جواز الإستئناف وفقاً للفقرة الثانية من المادة 219 من قانون المرافعات أن يتفق الخصوم و لو قبل رفع الدعوى - على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى إنتهائياً ، و من ثم فإنه يتعين على المحكمة لإعمال حكم هذا النص أن تتحرى قيام هذا الإتفاق بين طرفى الحكم ، لما كان ذلك ، و كان المطعون ضده الأول قد تمسك بتزوير عقد البيع المؤرخ ..... المنسوب صدوره لمورثه و المتضمن شرطاً بنهائية الحكم الذى يصدر من محكمة الدرجة الأولى بما لازمه أن تعرض المحكمة لمناقشة هذا الطعن توصلاً إلى التحقق من قيام هذا الإتفاق و إذا إنتهت المحكمة إلى القضاء برد و بطلان هذا العقد فإن ذلك الشرط يصبح غير قائم و لا أثر له .

(الطعن رقم 1725 لسنة 50 جلسة 1984/03/27 س 35 ع 1 ص 851 ق 160)

17- يشترط فى القبول المانع من الطعن فى الحكم - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم و تركه الحق فى الطعن فيه ، فتنفيذ المحكوم عليه حكماً واجب التنفيذ صادراً فى دعوى مستعجلة لا يدل على ترك الحق فى الطعن فى الحكم الصادر فى الموضوع و أصل الحق ، فالحكم الأول واجب التنفيذ ، فإن لم ينفذ إختياراً نفذ جبراً و من ثم فإن قيام الطاعن بتنفيذ الحكم الصادر فى الدعوى .. مدنى مستأنف القاهرة ، لا يدل على تركه الحق فى الطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى المطروحة ، هذا إلى أن الأحكام التى تصدر فى المسائل المستعجلة هى أحكام مؤقتة ، مبناها ظاهر الأوراق و لا تمس أصل الحق ، و هى بطبيعتها هذه لا يمكن أن يقع تناقض بينها و بين ما يصدر فى موضوع النزاع من أحكام ، و من ثم فإن تنفيذ الحكم الصادر فى الدعوى رقم .. مدنى مستأنف مستعجل القاهرة لا تنتفى معه مصلحة الطاعن فى الطعن المطروح .

(الطعن رقم 876 لسنة 51 جلسة 1983/04/27 س 34 ع 1 ص 1063 ق 213)

18- مؤدى نصوص المواد أرقام 18 ، 20 ، 85 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير و بيع الأماكن و تنظيم العلاقة بين المؤجر و المستأجر الذى عمل به فى 9 سبتمبر سنة 1977 ، أن القواعد الإجرائية و الإجراءات التى تضمنها القانون المذكور تسرى و تطبق على الدعاوى التى أقيمت أمام المحاكم بعد نفاذ أحكامه ، أما الدعاوى التى أقيمت قبل نفاذ أحكامه فتستمر المحاكم فى نظرها طبقاً للقواعد الإجرائية و الإجراءات السارية العمل بأحكامه - و من هذه الدعاوى الطعون على قرارات لجان تحديد الأجرة - منذ رفعها أمام المحاكم الإبتدائية و خلال مراحلها المختلفة ، إذ بها تبدأ الإجراءات التى يلتجىء عن طريقها صاحب الحق أو مدعيه إلى القضاء لمباشرة حق الدعوى - أى - أن القانون السابق - الذى رفعت فى ظله - هو الذى تسرى أحكامه عليها سواء فى مواعيد الطعن أو تحديد الجهة التى تنظر هذا الطعن ، و من ثم فالطعن فى قرار لجنة تحديد الأجرة الذى كان قائماً أمام المحكمة الإبتدائية وقت بدء العمل بالقانون رقم 49 لسنة 1977 ، يستمر نظره أمام تلك المحكمة وفقاً للقواعد الإجرائية و الإجراءات السارية قبل نفاذه ، و يكون حكم المحكمة الإبتدائية فيه قابلاً للإستئناف وفقاً للقواعد العامة و لو صدر بعد إنفاذ أحكام هذا القانون .

(الطعن رقم 83 لسنة 50 جلسة 1981/01/17 س 32 ع 1 ص 215 ق 43)

19- إذا إنفراد بعض المحكوم عليهم بإستئناف الحكم و لو كان موضوع النزاع غير قابل للتجزئة ، فإن المستأنفين يستفيدون من إستئنافهم و يجب على محكمة الإستئناف أن تفصل فيه غير مقيدة بالحكم الإبتدائى الذى لم يستأنفه باقى المحكوم عليهم .

(الطعن رقم 990 لسنة 46 جلسة 1980/03/25 س 31 ع 1 ص 894 ق 176)

20- مفاد نص المادة 26 من القانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق و الشهر أن الحكم الصادر فى التظلم من أمر تقدير الرسوم التكميلية يكون غير قابل للطعن فيه إذا فصل فى منازعة فى تقدير هذه الرسوم ، لما كان ذلك و كان ما أثاره الطاعن حول الوقت الذى يجب فيه تقدير قيمة العقار لا يعدو أن يكون منازعة فى تقدير الرسوم المستحقة على المحرر المشهر ، فإن الحكم المطعون فيه إذ إلتزم هذا النظر وقضى بعدم جواز الإستئناف يكون قد أصاب صحيح القانون .

(الطعن رقم 788 لسنة 45 جلسة 1978/06/13 س 29 ع 1 ص 1459 ق 280)

21- تختص المحكمة الإبتدائية - وفقاً لنص المادة 14 من القانون 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة - بنظر الطعون التى تقدم إليها فى قرارات لجان الفصل فى المعارضات الصادرة فى شأن التعويضات المقدرة عن العقارات المنزوع ملكيتها فولايتها إذن مقصورة على النظر فيما إذا كان قرار اللجنة قد صدر موافقاً لأحكام ذلك القانون أو بالمخالفة له و حكمها فى هذا الشأن يكون نهائياً غير قابل للطعن فيه بالأستئناف ، إلا أنه إذا قضت المحكمة الإبتدائية فى طلبات جديدة لم يسبق طرحها على لجنة الفصل فى المعارضات ، أو قضت بعدم قبول الدعوى دون أن تقول كلمتها فى القرار المطعون فيه أمامها فى الميعاد القانونى و الصادر من اللجنة فى طلبات كانت مطروحة عليها و ما إذا كان هذا القرار قد صدر موافقاً لأحكام قانون نزع الملكية أو بالمخالفة له - فإن وصف النهائية المنصوص عليها فى المادة 14 لا يلحق حكمها ، لأنه صادر فى غير حدود النطاق الذى رسمه القانون المذكور للمحكمة الإبتدائية و من ثم يكون قابلاً للطعن فيه بالإستئناف وفق القواعد العامة فى قانون المرافعات ، لما كان ذلك و كان الثابت بالأوراق أن الطاعنين سبق أن إعترضوا لدى لجنة الفصل فى المعارضات و طلبوا تعديل التعويض بالنسبة للأرض المنزوع ملكيتها ، ثم عدلوا الطلبات أمام اللجنة ، و قضت اللجنة برفض المعارضة فطعنوا فى هذا القرار أمام المحكمة الإبتدائية طالبين تعديل التعويض مع إضافة السمسرة و أتعاب العقد و رسوم التسجيل ، فأن المحكمة الإبتدائية إذ فضت بعدم قبول الدعوى برمتها - سواء ما تعلق منها بالطلبات السابق طرحها على لجنة الفصل فى المعارضات أو الطلبات المبتدأة التى لم يسبق طرحها فإن وصف الإنتهائية لا يلحق هذا الحكم .

(الطعن رقم 508 لسنة 44 جلسة 1978/01/16 س 29 ع 1 ص203 ق 44)

22- النص فى الفقرة الثانية من المادة 219 من قانون المرافعات على أنه " يجوز الإتفاق و لو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة أول درجة إنتهائيا " . يدل على أن المشرع قد أجاز الإتفاق مقدماً بين الخصمين على التنازل عن إستئناف الحكم و لم ير فى ذلك مخالفة للنظام العام ، لما أوردته المذكرة الإيضاحية من أن المادة " تضمنت فقرة أخيرة تبيح النزول عن الإستئناف قبل رفع الدعوى ذلك أن الإستئناف كغيره من الحقوق يجوز النزول عنه فضلاً عن أن هذا النزول يكون أقرب شبهاً بنظام التحكيم و لا يعتبر من جهة أخرى حرماناً للخصم من حق الإلتجاء إلى القضاء بقدر ما هو منظم لهذا الحق فضلاً عن أن حكم هذه الفقرة مسلم به فى كثير من التشريعات الحديثة " ، مما مفاده أنه يجوز التنازل من باب أولى عن متابعة السير فى الإستئناف حال نقض الحكم و إعادة الدعوى لسيرها أمام محكمة الإحالة ، و لا يجوز القول بأن الإقرار بالتنازل قدم فى مرحلة الطعن بالنقض و هى متميزة عن خصومة الإستئناف المتعلقة بالدعوى الموضوعية لأنه و إن كان الحكم الصادر فى الإستئناف - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من شأنه أن ينهى الدعوى إلا أن نقض هذا الحكم يزيله و يفتح للخصوم طريق العودة إلى محكمة الإحالة لمتابعة السير فيها بناء على طلب الخصوم

(الطعن رقم 32 لسنة 45 جلسة 1976/11/24 س 27 ع 2 ص 1649 ق 304)

23-  إذ نص المشرع فى الفقرة الرابعة من المادة 15 من القانون رقم 121 لسنة 1947 على أن " الحكم " الذى يصدر فى المنازعات الناشئة عن تطبيقه لا يكون قابلاً لأى طعن ، فقد أورد النص عاماً منبسطاً على جميع الأحكام التى تصدر فى المنازعات الإيجارية و لفظ " الحكم " الوارد به متى جاء عاماً و لم يقم دليل على تخصيصه وجب حمله على عمومه و إثبات حكمه قطعاً لجميع أفراده و من ثم فلا يصح قصره على الأحكام الصحيحة وحدها .

(الطعن رقم 237 لسنة 40 جلسة 1975/05/12 س 26 ع 1 ص 976 ق 187)

24- مؤدى نصوص المواد 47 ،42 ، 1/219 ، 223 من قانون المرافعات - أن الأصل أن المحاكم الإبتدائية إنما تختص بالحكم فى الدعاوى المدنية و التجارية التى تزيد قيمتها على مائتين و خمسين جنيهاً ، إلا أن المشرع إستثنى من هذا الأصل بعض الدعاوى التى لا تجاوز قيمتها هذا النصاب و خص المحاكم الإبتدائية بالحكم فيها و جعل مناط إستئناف الأحكام الصادرة من تلك المحاكم هو تجاوز قيمة الدعوى للنصاب الإنتهائى فيكون الحكم الذى يصدر من المحكمة الإبتدائية فى دعوى لا تزيد قيمتها على مائتين و خمسين جنيهاً ، غير قابل للإستئناف سواء كان إختصاصها بها بناء على قاعدة الإختصاص الواردة فى قانون المرافعات أو بمقتضى قوانين أخرى ما لم ير المشرع الخروج على ذلك بنص خاص .

(الطعن رقم 265 لسنة 41 جلسة 1973/03/27 س 24 ع 1 ص 490 ق 87)

25- تقضى المادة 211 من قانون المرافعات القائم بأنه لا يجوز الطعن فى الأحكام ممن قبلها ، وقبول الحكم المانع من إستئنافه كما يكون صريحاً يكون ضمنياً  ويستفاد القبول الضمنى من كل فعل أو عمل ينافى الرغبة فى رفع الإستئناف ويشعر بالرضا بالحكم والتخلى عن حق الطعن فيه ، وقاضى الموضوع هو الذى يقدر ما إذا كان ما صدر من الخصم يعتبر قبولاً ضمنياً منه للحكم أو لا يعتبر ولا رقابة لمحكمة النقض عليه فى ذلك متى إستند إلى أسباب سائغة .

(الطعن رقم 32 لسنة 40 جلسة 1974/12/18 س 25 ع 1 ص 1462 ق 248)

شرح خبراء القانون

الأحكام القابلة للاستئناف :

تطبيقاً لمبدأ التقاضي على درجتين ، فإن القاعدة هي أن جميع الأحكام - الصادرة من محاكم الدرجة الأولى تقبل الطعن بالإستئناف ، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (مادة 219/1 مرافعات) . وينص القانون في هذا الصدد على مبلغ معين يكون الحكم الصادر في قضية مقدرة بحدوده نهائيا غير قابل للإستئناف . ويسمى هذا المبلغ بالنصاب النهائي للمحكمة . وهذا النصاب هو خمسة آلاف جنيه بالنسبة للمحاكم الجزئية وأربعون ألف جنيه  بالنسبة للمحاكم الإبتدائية.

فالدعوى التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف جنيه يكون الحكم الصادر فيها من المحكمة الجزئية إنتهائياً لا يجوز الطعن فيه بالإستئناف (مادة 1 / 42 معدلة بالقانون 76 لسنة 2007). والدعوي التي لا تتجاوز قيمتها أربعين ألف جنيه يكون الحكم الصادر فيها من المحكمة الإبتدائية إنتتهائياً لا يقبل الإستئناف (مادة 47 معدلة بالقانون 76 لسنة 2007). ويكون الأمر كذلك أياً كان نوع الدعوى ، شخصية أو عينية ، منقولة أو عقارية . وعلة تحديد نصاب نهائي للمحكمة هو ما يكلفه الإستئناف من نفقات سواء بالنسبة للخصوم أو بالنسبة للدولة.

أما الدعوى غير القابلة للتقدير ، فإن الحكم الصادر فيها يقبل الطعن فيها بالإستئناف دائماً.

وتعتبر قابلية الحكم للإستئناف أو عدم قابليته له مسألة متعلقة بالنظام العام".. فإذا رفع إستئناف عن حكم لا يجوز إستئنافه ، فان على المحكمة أن تقضى ولو من تلقاء نفسها بعدم جوازه . أما إذا قضت بعدم جواز الإستئناف بالنسبة لحكم مما يجوز إستئنافه فإنها تكون قد خالفت القانون وأخطأت في تطبيقه.

وتقدر قيمة الدعوى ، لمعرفة قابلية الحكم الصادر فيها للإستئناف ، وفقا للقواعد السابق بيانها بالنسبة لتقدير قيمة القضية لتحديد الإختصاص القيمى وبمرعاة أثر وحدة الخصومة على قواعد الإختصاص، فلا يجوز الإعتماد على تقدير قيمة الدعوى التي حددها المدعي وسكت عنها المدعى عليه مع ملاحظة ما يأتي :

1- العبرة بقيمة القضية ، وليس بما يحكم به القاضي . ذلك أنه لو نظر إلى قيمة الحكم لاستطاع القاضي جعل أحكامه كلها غير قابلة للإستئناف ، وذلك عن طريق تجزئة قراره في الدعوى الواحدة ، أو الحكم فقط بما يدخل في نصابه النهائي.

2- للعلة نفسها ، فإن قابلية الحكم للإستئناف لا ترتبط بالتكييف الذي يعطيه قاضي أول درجة لحكمه . فلو وصف هذا القاضي حكمه بأنه إنتهائي فلا يمنع هذا الوصف إستئناف الحكم لو كان يقبله ، كذلك لو وصف حكمه بأنه إبتدائي فإن هذا الوصف لا يجعله قابلا للاستئناف لو كان لا يقبله . فليس القاضي أول درجة أن يغير وصف الحكم كما يحدده القانون . فإن فعل ، كان من سلطة المحكمة الإستئنافية تحديد الوصف الصحيح  كذلك فإن المحكمة الإستئنافية هي التي تحدد ما إذا كان الحكم المطعون فيه قد صدر من محكمة أول أو ثاني درجة ، وبالتالي يقبل أو لا يقبل الطعن بالإستئناف.

3- إذا رفع إستئناف عن حكم يقبل الاستئناف أمام المحكمة الإستئنافية المختصة ، ثم صدر قانون جديد يجعل الدعوى بحسب قيمتها أو نوعها من إختصاص حكم أول درجة غير التي تتبع المحكمة الإستئنافية ، فإن هذا التعديل لا يؤثر في إختصاص المحكمة الإستئنافية . ذلك أن قواعد الاختصاص إنما تتعلق بإختصاص محاكم الدرجة الأولى ، وينظر بالنسبة الاختصاص محكمة الإستئناف فقط إلى المحكمة التي أصدرت حكم أول درجة ، وما إذا كانت أحكامها تستأنف أمام المحكمة الإستئنافية التي رفع إليها الإستئناف.

4- إذا قضت المحكمة بعدم إختصاصها قيمياً بالدعوى وأحالت الدعوى إلى المحكمة المختصة بها ، فإن المحكمة المحالة إليها الدعوى إذ تلتزم بتحديد إختصاصها وفقاً للمادة 110 مرافعات تلتزم بتقدير الدعوى كما حددته المحكمة المحيلة ، وهذا التقدير يكون له قوة أيضاً بالنسبة لقابلية الحكم الصادر في الدعوى للإستئناف ونفس الأمر بالنسبة لإلتزام المحكمة المحال إليها بما يرد في أسباب الحكم المحيل من إعتبار الدعوى المحالة غير قابلة للتقدير ، إذا كان هذا الأساس هو الذي إنبنى عليه منطوق الحكم بعدم الإختصاص والإحالة.

5- لا يدخل في تقدير قيمة الدعوى كل طلب لا ينازع فيه الخصم الآخر (مادة 222 مرافعات) . فإذا تقدم المدعي بعدة طلبات تقوم على سبي قانوني واحد ، فجمعت قيمتها ، ثم أقر المدعى عليه بطلب منها فإن قيمة هذا الطلب لا تدخل في تقدير قيمة القضية بالنسبة لقابلية الحكم للإستئناف على أنه يلاحظ أنه إذا إشتملت القضية على طلب واحد من المدعي فإن إقرار المدعى عليه بجزء منه لا يؤثر في تحديد القيمة بالنسبة للإستئناف.

6- إذا كان محل الدعوى مبلغاً من النقود ، فقام المدعى عليه بعرض جزء منه عرضاً فعلياً على المدعي ، فإن هذا الجزء لا يحسب في تحديد قيمة القضية بالنسبة للإستئناف (مادة 223 مرافعات) ، ولو لم يقبل المدعي هذا العرض.

7- إذا قام المدعى بتعديل طلباته ، فإن العبرة بالنسبة للقابلية للإستئناف هو بالطلب بعد تعديله . فالعبرة في تحديد نصاب الإستئناف هو بالطلبات الختامية التي تبدي قبل قفل باب المرافعة.

8- إذا تعددت طلبات المدعى أو جمع بينها للإرتباط ، وجمعت قيمتها لتحديد المحكمة المختصة بسبب أنها تقوم على سبب قانوني واحد ، فالعبرة بالنسبة للقابلية للإستئناف هي أيضاً بقيمة هذه الطلبات مجتمعة . أما إذا لم تجمع القيمة فإن الإرتباط الذي برر الخروج على قواعد الإختصاص وجعل الإختصاص للمحكمة بأكبر الطلبين قيمة يبرر أيضاً النظر إلى قيمة هذا الطلب وحده بالنسبة لقابلية أي من الطلبين للإستئناف ولهذا فإن الحكم الصادر في أي من طلبات المدعى المرتبطة ينظر في قابليته للإستتئناف إلى قيمة أكبر الطلبات المرتبطة قيمة ونفس الأمر بالنسبة للإختصاص النوعي ، إذا كانت العبرة بنوع الدعوى وليس بقيمتها . إذ يكون الإختصاص بالطلبين للمحكمة الابتدائية المختصة نوعياً بأحد الطلبين المرتبطين . ويكون الحكم الصادر في الطلبين قابلاً للطعن فيه بالإستئناف .

ويلاحظ أن هذه القاعدة لا تنطبق إلا حيث يوجد إرتباط أما إذا جمعت طلبات بسبب وحدة المسألة القانونية المثارة ، فإن هذا الجمع لا يبرر - كما قلنا - الخروج على قواعد الإختصاص . ويؤدي أيضا بالنسبة للقابلية للإستئناف إلى النظر إلى كل طلب على حدة.

النزول عن الحق في الاستئناف :

يجوز ولو قبل بدء الخصومة أمام محكمة أول درجة النزول عن الحق في الإستئناف، رغم أن هذا الحق لا ينشأ إلا بعد صدور الحكم . ونتيجة لهذا ، فإنه يمكن الإتفاق مقدماً ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم أول درجة إنتهائياً غير قابل للإستئناف ( 2/219 مرافعات) . ويشترط لذلك أن تتوافر في المتنازل سواء بإرادته المنفردة أو في إتفاق ، أهلية التصرف في الحق محل النزاع ، ذلك أن النزول عن الإستئناف قد يؤدي إلى النزول عن هذا الحق وعلى العكس ، فإن الحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بالإستئناف لا يصبح قابلاً له ولو إتفق الأطراف على ذلك . ويكون إستئناف هذا الحكم غير مقبول ، ولو تم هذا الإتفاق بعد صدور الحكم ، وهو عدم قبول يتعلق بالنظام العام ، فيمكن التمسك به في أية حالة كانت عليها القضية ، و على القاضي الحكم به من تلقاء نفسه ، ويمكن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة : 528)

الطعن بالإستئناف ، طريق من طرق الطعن العادية يرد على الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى في حدود نصابها الإبتدائي .

فإن كانت محكمة الدرجة الأولى، محكمة ابتدائية، فإنها تختص بالحكم إبتدائياً في جميع الدعاوى المدنية والتجارية التي ليست من إختصاص محكمة المواد الجزئية ويكون حكمها إنتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز عشرة آلاف جنيه.

أما إن كانت محكمة الدرجة الأولى، محكمة المواد الجزئية، فإنها تختص بالحكم ابتدائيا في الدعاوى المدنية والتجارية التي لا تجاوز قيمتها عشرة آلاف جنية، ويكون حكمها إنتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز ألفي جنية. كذلك تختص بالحكم إبتدائياً مهما تكن قيمة الدعوى و إنتهائياً إذا لم تجاوز قيمتها ألفي جنية بالدعاوى المتعلقة بالإنتفاع بالمياة وتطهير الترع والمساقى والمصارف، وبدعاوی تعيين الحدود وتقدير المسافات فيما يتعلق بالمباني والأراضي والمنشآت الضارة إذا لم تكن الملكية أو الحق محل نزاع، وبدعاوی قسمة المال الشائع، و بالدعاوى المتعلقة بالمطالبة بالأجور والمرتبات وتحديدها.

ولا يجوز الطعن بالاستئناف إلا في الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى في حدود نصابها الإبتدائي، فإن صدر الحكم في حدود النصاب الإنتهائى فلا يجوز الطعن فيه بالإستئناف إلا بالشروط التي نصت عليها المادة (221 ، 222) من قانون المرافعات.

فإن صدر الحكم إبتدائياً من المحكمة الإبتدائية، جاز للمحكوم عليه الطعن فيه بالإستئناف أمام محكمة الإستئناف التي تتبعها المحكمة الإبتدائية التي أصدرت الحكم المستأنف.

أما إن صدر الحكم إبتدائياً من محكمة المواد الجزئية ، جاز للمحكوم عليه الطعن فيه بالإستئناف أمام المحكمة الإبتدائية منعقدة بهيئة إستئنافية ، سواء كان صادراً في دعوى مما تختص بها محكمة المواد الجزئية بصفة أصلية بأن كانت قیمتها لا تجاوز عشرة آلاف جنية أو كانت تختص بها بصفة إستثنائية ولو كانت قیمتها تجاوز هذا المبلغ وهي الدعاوى المشار إليها فيما تقدم والتي تختص بها المحكمة الأخيرة نوعاً مهما تكن قیمتها.

وإذا تعددت الطلبات في الدعوى وكانت كلها ناشئة عن سبب قانوني واحد، فإن النصاب الإبتدائي للمحكمة يتحدد بالنظر إلى قيمة هذه الطلبات جملة واحدة ، دون إعتداد بقيمة كل طلب على حدة ، فإن كان أحدهما قابل للتقدير إعتبرت الدعوى مجهولة القيمة وإذا كانت جملة الطلبات تجاوز النصاب الإنتهائي للمحكمة الإبتدائية ، كان كل طلب منها على حدة تجاوز قيمته هذا النصاب حتى لو كانت قيمته تندرج تحت هذا النصاب، مما مفاده أن الحكم الصادر في هذه الطلبات يعتبر إبتدائياً ويجوز الطعن فيه بالإستئناف حتی لو كانت قيمة كل طلب على حدة تندرج تحت النصاب الإنتهائي للمحكمة ، مثال ذلك أن يرفع الوارث دعوى بتثبيت ملكيته لأعيان التركة المتمثلة في أرض زراعية وأرض فضاء ومنزل، قيمة كل منها أربعة آلاف جنيه ، فإن قيمة الدعوى تقدر بمجموع هذه الطلبات، ويكون الحكم الصادر فيها إبتدائياً لصدوره في حدود النصاب الإبتدائي للمحكمة، إذ تضمنت الدعوى طلبات متعددة ناشئة عن سبب قانوني واحد وهو حق الإرث ، ويكون هذا الحكم جائزاً إستئنافه، فلا يعتد في هذا الصدد بقيمة كل طلب على حدة حتى لو إنحصر الإستئناف في أحدها.

أما إن كانت هذه الطلبات ناشئة عن أسباب قانونية متعددة ، قدرت قيمة كل منها على حدة، وإنعقد الإختصاص للمحكمة المواد الجزئية متى كان كل منها يدخل في إختصاصها، فإن كانت قيمة أحد هذه الطلبات لا تجاوز ألفي جنيه، كان الحكم إنتهائياً بالنسبة لهذا الطلب وابتدائياً بالنسبة للطلبين الأخريين، لدخول كل منهما في نصابها الابتدائي .

وإذ يدل نص المادة (219) من قانون المرافعات على جواز إستئناف الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى في إختصاصها الإبتدائي، فإن مفهوم مخالفته يدل على عدم جواز إستئناف الأحكام الصادرة في حدود النصاب الإنتهائي ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

فإذا رفع المدعي دعواه أمام المحكمة الإبتدائية وقدرت قيمتها بما يجاوز عشرة آلاف جنيه، ثم عدل طلباته إلى ما لا يجاوز هذا المبلغ، ظل الإختصاص منعقداً لها رغم دخول هذه القيمة في نصاب محكمة المواد الجزئية ، ويكون الحكم الذي تصدره المحكمة الإبتدائية داخلاً في نصابها الإنتهائي وبالتالي لا يجوز الطعن فيه إلا وفقاً للمادتين (221)، (222) من قانون المرافعات.

المحكمة الإستئنافية :

محاكم الدرجة الأولى تنحصر في المحاكم الإبتدائية ومحاكم المواد الجزئية ، وتنصرف عبارة المحكمة الإستئنافية ، إلى محكمة الإستئناف التي تستأنف أمامها الأحكام الصادرة من المحاكم الإبتدائية ، كما تنصرف تلك العبارة إلى المحكمة الإبتدائية عندما تنعقد بهيئة إستئنافية وتستأنف أمامها الأحكام الصادرة من محاكم المواد الجزئية.

ويدخل في عداد محاكم الدرجة الأولى، محاكم الأمور المستعجلة ومحاكم التنفيذ، وصاحب الولاية في المحاكم الأخيرة هو قاضي التنفيذ، إذ ينعقد له وحده الإختصاص بنظر منازعات التنفيذ الموضوعية والمستعجلة، ويعتبر قاضي التنفيذ قاضياً جزئياً عندما يفصل في منازعة تنفيذ مستعجله، كالإشكال ودعوى عدم الاعتداد بالحجز، فتستأنف أحكامه الصادرة في هذه المنازعة أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة إستئنافية ، كما يعتبر قاضي التنفيذ قاضياً جزئياً عندما يفصل في منازعة تنفيذ موضوعية، كدعوى بطلان الحجز وبراءة ذمة المحجوز عليه، متى كانت قيمة هذه الدعوى تدخل في نطاق الاختصاص القيمي للقاضي الجزئي، فإن جاوزت ذلك ودخلت قيمة الدعوى نطاق الإختصاص القيمي للمحكمة الإبتدائية، ظل قاضي التنفيذ مختصاً بها، وحينئذ يستأنف حكمه الصادر فيها أمام محكمة الإستئناف.

وعندما تناولنا الطعن بالإستئناف، فإننا نستعمل عبارة «محكمة الإستئنافه في المسائل التي تختص بها وحدها، فإن إشتركت فيها مع المحكمة الإبتدائية منعقدة بهيئة إستئنافية ، فإننا نستعمل عبارة «المحكمة الإستئنافية، كما لو كان الإستئناف عن حكم يجوز صدوره من المحكمة الابتدائية أو من محكمة المواد الجزئية وفقاً لقيمة الدعوى، وحينئذ نستعمل عبارة «المحكمة الإستئنافية » لأن الإستئناف يرفع في هذه الحالة إلى محكمة الإستئناف إذا كانت الدعوى مما تختص به المحكمة الإبتدائية قيمياً، أو يرفع إلى المحكمة الإبتدائية منعقدة بهيئة إستئنافية إذا كانت الدعوى مما تختص به محكمة المواد الجزئية.

النص على إعتبار الحكم نهائياً:

إذ جرى نص المادة (219) من قانون المرافعات على أن للخصوم في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون أن يستأنفوا أحكام محاكم الدرجة الأولى الصادرة في إختصاصها الإبتدائي ، يدل على عدم جواز إستئناف هذه الأحكام إذا وجد نص في القانون يمنع الإستئناف فيها، ويكون المشرع بذلك لم يحظر الإلتجاء إلى القضاء أصلاً وإنما قصد إلى نظر النزاع على درجة واحدة ، وليس في ذلك مساس بحق التقاضي مما يحظره الدستور وبالتالي لا يكون هذا النص مخالفاً له مما يحول دون الدفع بعدم دستوريته (انظر: الفقرة الثانية من المادة (46) والمادة (68) والفقرة الثانية من المادة (304) من قانون المرافعات).

وكان نص المادة (117) من القانون رقم 116 لسنة 1964 يجري بعدم جواز نظر كافة الجهات القضائية لدعاوى التعويض المشار إليها بالنص، وهو بذلك يحظر استعمال حق التقاضي بالمخالفة لأحكام الدستور وقد أصدرت المحكمة العليا حكما بعدم دستوريته في الدعوى رقم 3 لسنة 1974 عليا دستورية ونشر في 1974/5/19 بالجريدة الرسمية العدد 19 س 17.

الإتفاق على مخالفة الحكم الإبتدائي :

المقرر أن الخصوم في الأحكام الصادرة في المسائل المدنية والتجارية أن يتفقوا على خلاف ما قضت به سواء تم ذلك فور صدورها أو بعد صيرورتها حائزة قوة الأمر المقضي، إذ لهم الحق في الصلح عليها أو التنازل عنها.

ومتى تم الاتفاق قبل صيرورة الحكم نهائيا، وتضمن صلحاً على ألحق المقضي به، حل هذا الاتفاق محل الحكم وأصبح هو الواجب التنفيذ مما يحول دون الاحتجاج بالحكم إذ تنتفي حجيته بما أتفق عليه الخصوم، ويترتب على ذلك عدم جواز الطعن فيه بالإستئناف من المحكوم عليه ، وتختلف هذه الحالة عن حالة القبول المانع من الطعن لإنصرافها إلى الرضا بكل ما قضى به، أما الحالة الماثلة فتنصرف إلى تعديل فيما قضى به أي قبول جزئي للحكم، كما يترتب عليه أنه يجوز رفع دعوى جديدة في حالة إخلال أحد الخصوم بالاتفاق دون دفعها بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها لإختلاف الموضوع في الدعويين.

وإن تم الاتفاق بعد صيرورة الحكم نهائياً، كان في ذلك تنازلاً عنه مما يفقده حجيته ويحول دون تنفيذه جبرا.

الإتفاق على نهائية الحكم الذي يصدر:

إن كان للمشرع أن ينص على إعتبار الحكم الذي قد يصدر في بعض الدعاوى نهائياً يمتنع الطعن فيه ، فإنه يجوز ذلك بإتفاق يتم بين الخصوم سواء قبل نشوب النزاع أو بعد رفع الدعوى. فقد يتفق المتعاقدان في أي من العقود الملزمة للجانبين أو الملزمة لجانب واحد على أن الحكم الذي يصدر في نزاع ينشب عن تنفيذه من محكمة الدرجة الأولى يكون انتهائياً رغبة منهما في حسم کل نزاع بأول حكم ينهي الخصومة فيه وحينئذ لا يجوز لمن صدر الحكم الإبتدائي ضده أن يطعن فيه بالإستئناف أو بأي طريق آخر من طرق الطعن الجائزة وإلا قضت المحكمة بعدم جوازه.

كما يجوز الإتفاق على ذلك بعد رفع الدعوى بموجب اتفاق منفصل عن مستنداتها، ولكن لا يوجد ما يحول دون إرفاقه بمستندات الدعوى، ويكون الإتفاق ملزم للطرفين وإن تعددوا طالما وقع عليه كل الخصوم، فإن لم يوقع عليه البعض كان غير ملزم لهم، ولا يجوز لمن يشترك في الإتفاق أن يتحلل منه بأرادته المنفردة سواء قبل صدور الحكم أو بعد صدوره.

ويستند الإتفاق بإعتبار الحكم إنتهائياً إلى نص الفقرة الثانية من المادة (219) من قانون المرافعات، وقد جاء عاماً مطلقاً بعدم جواز الإستئناف وإستثناء من القاعدة العامة التي تضمنتها الفقرة الأولى من ذات المادة، كان المقرر أن المطلق يؤخذ على إطلاقه ولا يجوز التوسع في تفسير القاعدة الإستثنائية، مما مؤداه عدم جواز إستئناف الحكم إذا أتفق الخصوم على إعتباره نهائياً، حتى لو شابه بطلان أو وقع بطلان في الإجراءات أثر فيه قياساً على الحالة التي يحظر فيها المشرع الإستئناف بالنسبة لبعض الأحكام ويظل الحظر قائما حتى لو صدر الحكم في حدود النصاب الإنتهائي للمحكمة وشابه بطلان أو وقع بطلان في الإجراءات أثر فيه.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : السادس ، الصفحة: 177)

الإتفاق على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولي إنتهائياً هو بمثابة تصرف في الحق وعلى ذلك يتعين أن يكون لكلا الطرفين أهلية التصرف في الحق محل التداعي.

وإن جاز الإتفاق علي نهائية حكم محكمة الدرجة الأولي إلا أنه لا يجوز الإتفاق على عرض النزاع مباشرة على محكمة الدرجة الثانية لمخالفة ذلك لقواعد أصول التقاضي المتعلقة بالنظام العام .

وهذه المادة وإن كانت تجيز علي سبيل الإستثناء إتفاق الخصوم مقدماً على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولي إنتهائياً فإنه لا يجوز بأي حال الإتفاق علي أن ينزل أحد الخصوم وحده عن حقه في الإستئناف دون الخصم الأخر لأن مثل هذا الإتفاق لا يؤمن معه الإعتراف ، ويكون مفروضاً من الجانب القوى في العقد ، فضلاً عن إخلاله بإجراءات التقاضي التي تجيز الإستئناف المقابل من جانب المستأنف عليه في جميع الأحوال . كل هذا فضلاً عن صریح الفقرة الثانية من المادة لا تجيز إلا الإتفاق على أن يكون الحكم إنتهائياً أي إتفاق الطرفين على إنتهائيته بالنسبة لهما (العشماوي بند 1195 والتعليق لأبو الوفا الطبعة الخامسة ص 842).

إستئناف الأحكام الصادرة في دعاوى الأحوال الشخصية قبل صدور القانون رقم (1) لسنة 2000 وبعده كان من المقرر قبل صدور القانون رقم (1) لسنة 2000 أن مسائل الأحوال الشخصية ولاية علي النفس تخضع في إستئنافها لأحكام لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون 78 لسنة 1931 فهي التي تحدد الأحكام الجائز إستئنافها وتلك التي لا يجوز إستئنافها ونصاب الإستئناف ومداه ونطاقه .

أما بعد صدور القانون رقم (1) لسنة 2000 فقد بينت المادة 56/ 1 منه طرق الطعن في الأحكام والقرارات المعنية بالقانون المذكور ومنها الإستئناف ونصت المادة 55 عنه على بعض حالات يكون فيها القرار الصادر من المحكمة نهائياً ، كما نصت المادة 20 منه على أن الحكم الصادر بالخلع غير قابل للطعن فيه بأي طريقة من طرق الطعن ، كذلك فقد نصت المادة 9 من ذات القانون على حالات معينة يكون الحكم الصادر منها من المحكمة الجزئية نهائياً ، ثم أوجبت المادة 56 من نفس القانون في فقرتها الثانية أتباع فيما لم يرد به حكم خاص في المواد التالية لها القواعد والإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات ، ومؤدى ذلك كله أن نص المادة 219 مرافعات تسري علي إستئناف دعاوی الأحوال الشخصية فيما عدا المسائل التي ورد نص خاص على إستئنافها في القانون رقم (1) لسنة 2000.

مدى جواز إستئناف الحكم الحكم الصادر بناء علي اليمين الحاسمة :

من المقرر أن الحكم الصادر بناء علي اليمين الحاسمة هو حكم حاسم للخصومة لا يجوز الطعن عليه سواء حلفها من وجهت إليه فحكم لصالحه أو نكل عنها فحكم ضده أو ردها علي خصمه فحلفها ، ذلك أن توجيه اليمين معناه الاحتكام إلي ذمة الحالف ، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون توجيه اليمين أو حلفها أو النكول عنها مطابق للقانون فإن وجهت اليمين عن واقعة مخالفة للنظام العام أو غیر متعلقة بشخص من وجهت إليه أو كانت غير منتجة في الإثبات وأعملت المحكمة أثرها سواء بحلفها أو النكول عنها أو ردها فإن الحكم يكون قد خالف القانون ويجوز الطعن عليه بالإستئناف وبالتالي بالنقض في حالاته، إلا أن شرط ذلك أن تكون اليمين وحدها فاصلة في النزاع وحاسمة له بحيث ينتهي بها حتماً موضوعه ، أما إذا إنصبت اليمين علي جزء من النزاع أو مسألة أولية فيه دون أن تؤدي إلي حسمه كله أو تمسك الخصم أمام محكمة الإستئناف بدفاع . موضوعي منتج في الدعوى لم يشمله الحلف ، فإن الإستئناف يكون جائزاً بشرط أن تلتزم المحكمة بحجية تلك اليمين بحيث يمتنع علي الخصوم أن يعودوا إلى المنازعة فيما انصبت عليه وحسمته .

يجوز إستئناف الحكم الصادر من المحكمة الإبتدائية في دعوى التعويض عن نزع الملكية :

كان قانون نزع الملكية السابق لسنة 1954 يقضي بعدم جواز استئناف الأحكام الصادرة من المحكمة الإبتدائية في دعاوى التعويض عن نزع الملكية إلا أنه وفقاً للمادة 6 من القانون رقم 10 لسنة 1990 والذي ألغى القانون السابق أصبحت هذه الطعون تخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المرافعات من حيث جواز الطعن فيها ومن ثم يجوز إستئناف هذه الأحكام مهما كانت قيمة الدعوى لأن القانون 10 لسنة 1990 جعل المحكمة الإبتدائية مختصة بنظر الطعون مهما كانت قيمة الدعوى وبالتالي يجوز إستئنافها دون تقيد بنصاب الإاف .

الطعن بالاستئناف من طرفي الحكم كل منهما بطعن مستقل وصدور حكم في أحد الإستئنافين وأثر ذلك على الآخر :

في حالة ما إذا صدر حكم وإستأنفه كل من المدعي والمدعى عليه في الدعوى الأصلية كما إذا صدر حكم في دعوى المسئولية فاستأنفه طرفاً الحكم كما إذا كان قد صدر بإلزام المسئول بأن يؤدي مبلغاً معيناً كتعويض للمضرور فاستأنفه المحكوم عليه ( المسئول ) طالبا إلغاءه أو تخفيض المبلغ المحكوم به كما طعن عليه بالإستئناف أيضاً المضرور طالباً زيادة المبلغ المحكوم به فإنه يتعين ضم أحد الاستئنافين للأخر للإرتباط ولنظرهما معاً سواء كانا قد رفعا أمام دائرة واحدة أو كان أحدهما قد رفع أمام دائرة غير الدائرة التي تنظر الآخر ويجب في هذه الحالة على إحدى الدائرتين إحالة الإستئناف المطروح عليها إلى الدائرة الأخرى وقد جرت كثير من المحاكم علي وضع قاعدة مؤداها أن الدائرة التي يرفع إليها الاستئناف الأول تظل مختصة بنظره وأن الدائرة التي رفع إليها الاستئناف اللاحق هي التي تحيله للدائرة التي تنظر السابق وهذه القاعدة وإن كانت غير ملزمة إلا أنها جديرة بالإتباع حتى لا يترك للخصوم حرية إختيار الدائرة التي تنظر الإستئنافين فإذا تمت الإحالة وأمرت المحكمة بضم الإستئنافين فإن قواعد العدالة توجب أن يحكم في موضوعهما معاً، غير أنه يجوز للمحكمة أن تقضي في أحدهما بحكم نهائي و تستبقي الأخر للفصل في موضوعه كما إذا أنهت الخصومة في الأول بحكم شكلي دون أن تتطرق الموضوعه كالحكم بسقوط الحق في الإستئناف لرفعه بعد الميعاد أو الحكم ببطلان صحيفة الإستئناف لعدم التوقيع عليها من محام أو الحكم بإعتبار الإستئناف كأن لم يكن لعدم إعلانه صحيفته في خلال المدة التي حددها القانون فيجوز للمحكمة في هذه الحالة أن ترجئ الفصل في موضوع الإستئناف الأخر والذي رأت أن الفصل فيه يستدعي إجراء التحقيق أو تحليف اليمين.

غير أنه قد يحدث عند نظر المحكمة أحد الإستئنافين ألا ينبهها أحد الخصوم إلي قيام الاستئناف الأخر فتفصل المحكمة في أحدهما بحكم موضوعي منه للخصومة ثم تفاجأ بعد ذلك بالإستئناف الأخر وهنا يثور البحث عن مصير هذا الإستئناف الأخير مثال ذلك أن يصدر حكم بإلزام المسئول بمبلغ معين كتعويض فيستأنفه طالباً إلغاءه أو تخفيض المبلغ المحكوم به كما يطعن عليه المضرور بدوره بالإستئناف طالباً زيادة التعويض فإذا قضت المحكمة في موضوع أحد الإستئنافين كما سلف القول فإنه لا مناص في هذه الحالة من أن تقضي في الإستئناف الأخر بعدم جواز نظر الدعوى الإستئنافية السابقة الفصل فيها عملاً بالمادة 101 من قانون الإثبات سواء كان الحكم الأول قد صدر بتأييد الحكم المستأنف أو بإلغائه أو بتعديله وسواء كان الحكم قد صدر من نفس الدائرة أو من دائرة أخرى وسواء كان قد صدر في الإستئناف الذي رفع أولاً أو الإستئناف اللاحق وسواء كان حكمها صحيحاً أو باطلاً . وقد أقرت محكمة النقض وجهة النظر هذه التي تبنيها منذ فترة طويلة في حكم من أحدث أحكامها وقد أوردناه بعد الشرح مباشرة.

ومن البديهي أنه في حالة ما إذا كان الحكم الأول لم يفصل في موضوع الإستئناف بأن أنهي الخصومة بحكم شكلي كما هو الشأن في الأمثلة التي سبق ضربها فإن الحكم لا حجية له بالنسبة للإستئناف الآخر وتقضي المحكمة فيه من الناحيتين الشكلية والموضوعية.

ولا يشترط للحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها أن يبدي أحد من الخصوم الدفع بل يتعين علي المحكمة إذا تبين لها قيام الدليل عليه من المستندات التي تحويها الدعوى بين دفعيتها أن تقضى به من تلقاء نفسها لأن هذا الدفع متعلق بالنظام العام وفق ما تقضى به المادة 101 من قانون الإثبات و السالف الإشارة إليها سواء كانت هذه الأوراق قد قدمت ممن كان الدفع في مصالحه أو ممن كان ضد مصلحته.

وجدير بالذكر أنه إذا طلب أحد الخصوم ضم الإستئناف الأخر وأرشد عن رقمه تعين على المحكمة إجابته لطلبه فإن لم تفعل وقضت في الإستئناف المطروح عليها كان حكمها مخالفة للقانون كما لا يجوز لها أن تقضى فيه إذا تأخر ضم الإستئناف الآخر لأن طالب الضم لا شأن له بذلك بل هو من صميم عمل قلم الكتاب.

لا يجوز الطعن بالإستئناف على الحكم الصادر في دعوى إثبات الحالة :

من المقرر أنه في حالة ما إذا أقيمت دعوى بطلب إثبات حالة ولم تضمن الطلب فيها أي طلب موضوعي فإن الحكم الصادر فيها إذا أجابه المدعي لطلبة لا يكون جائز إستئنافه لأن الهدف من الدعوى في هذه الحالة لا يكون سوى اتخاذ إجراءات تحفظية بقصد إعداد الدليل مقدما لحين موضوع النزاع على محكمة الموضوع وبالتالي لا يكون لرافعها ثمة مصلحة من إستئنافها. (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء : الخامس ،  الصفحة : 337)

 

التعريف بالإستئناف وماهيته والتفرقة بينه وبين الطعن بالنقض والطعن بالإلتماس :

الإستئناف هو طريق طعن عادي في الأحكام الإبتدائية التي تصدر من محاكم الدرجة الأولى ، وهي برفع إلى محكمة أعلى من المحكمة التي أصدرت الحكم ، بهدف إلغاء الحكم المطعون فيه او تعديله.

إذ تنقسم طرق الطعن في الأحكام بصفة عامة إلى نوعين : طرق عادية وطرق غير عادية ، فالإستئناف والمعارضة طريقان عاديان ، والتماس إعادة النظر والنقض و اعتراض الخارج عن الخصومة طرق غير عادية . وفي ظل قانون المرافعات المصري الحالي رقم 13 لسنة 1968 لم يعد هناك مجال لطرفي المعارضة إلا بالنسبة للأحكام الصادرة في مواد الأحوال الشخصية ، كما ألغي هذا القانون طریق إعتراض الخارج عن الخصومة وأدمج بعض أحواله في أسباب إلتماس إعادة النظر.

وهذا التقسيم الطرق الطعن إلى عادية وغير عادية هو تقسيم فقهی ، وأساسه أن طرق الطعن العادية لم يحصر القانون أسبابها ولم يحدد حالاتها ، فيجوز سلوكها لمجرد عدم رضاء المحكوم عليه بالحكم وأيا كان سبب عدم رضائه ، متعلقاً بالوقائع أو متعلقاً بالقانون ، مادام الحكم من نوع يقبل الطعن فيه بهذه الطرق ومتى توافرت شروط قبول هذا الطعن ، ولكن هذا لا بني أن المحكوم عليه أن يطعن في الحكم الصادر ضده بطرق الطعن العادية بغير إبداء أسباب الطعن ، بل يجب أن تشتمل صحيفة الطعن على أسبابه ، فمثلاً صحيفة الإستئناف يجب أن تشتمل على أسباب الإستئناف وإلا كانت باطلة ( انظر المادة 230 مرافعات )، وإنما يعني ذلك أن للطاعن بطرق الطعن العادية أن يؤسس طعنه على ما يتراءى له من الأسباب ، دون أن يكون مقيدا في ذلك بأسباب معينة محددة سلفا في صلب القانون .

بينما طرق الطعن غير العادية حصر المشرع أسبابها وحدد حالاتها ، ومن ثم لا  يقبل الطعن بها إلا لسبب من العيوب التي نص عليها القانون ، فلا يجوز سلوك طرق الطعن غير العادية إلا إذا كان عدم رضاء المحكوم عليه بالحكم يمكن رده إلى سبب من الأسباب المحددة التي جعلها القانون مناطاً لجواز الطعن ، فمثلا لا بغي للطعن بالنقض مجرد عدم رضاء المحكوم عليه بالحكم إذا كان مرد ذلك نزاعاً على الوقائع ، وإنما يجب أن يكون عدم رضائه مرده كون الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه او في تأويله، أو وقوع بطلان في الحكم ، أو بطلان في الإجراءات اثر في الحكم ، أو إذا كان الحكم إنتهائياً وفصل في نزاع خلافاً لحكم اخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى ، فيجب أن يؤسس الطعن بالنقض على سبب من هذه الأسباب التي حددها المشرع في صلب قانون المرافعات في المادتين 428 ، 429 منه .

بيد أن هذا التقسيم الطرق الطعن إلى عادية وغير عادية ، رغم انه تقسیم نقه إلا أن له فوائده العملية ( انظر : موريل المرافعات - بند 605  ص 473 ، رمزى سيف - الوسيط - بند 587 ومابعده - ص 762  فتحي والي - الوسيط - طبعة 1986 بند 438 ص 665 ، احمد مسلم - اصول المرافعات - بند 636 ص 697 ، محمد وعبد الوهاب العشماوي - قواعد المرافعات - ج 2 - بند 1129 ص 753) ، وتتمثل هذه الفوائد العملية فى أن الحكم لا يجوز تنفيذه - كقاعدة - مادام قابلاً للطعن فيه بطريق عادي كالإستئناف أو - به من باب أولى - إذا تم الطعن فيه بطريق من هذه الطرق العادية ، ولكن يستثنى من هذه القاعدة الحالات التي أجاز فيها القانون تنفيذ الحكم تنفيذاً معجلاً ، بينما يكون الحكم واجب التنفيذ - كقاعدة - متى أصبح غير قابل للطعن فيه بطريق عادي وحتى لو كان قابلاً الطعن فيه بطريق غير عادي ، فقابلية الحكم للطعن فيه بطريق من الطرق غير العادية ، بل الطعن في نيلا بطريق من هذه الطرق لا يمنع من تنفيذه ، ولكن يرد على هذه القاعدة تحفظ أورده قانون المرافعات المالي في حالة الطعن في الحكم بالتماس إعادة النظر أو بالنقض ، فقد أجاز المشرع لمحكمة الإلتماس أو لمحكمة النقض أن تأمر قبل الفصل في الطعن بوقف التنفيذ مؤقتاً إذا كان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه . ( مادة 2/244  ومادة  2/251 مرافعات ).

كذلك يجب على الطاعن بطريق من طرق الطعن غير العادية أن يقيم الدليل على قيام سبب من أسبابها التي نص عليها القانون ، ولا يتعين ذلك بالنسبة للطاعن بطريق من طرق الطعن العادية لأن القانون لم يحصر حق الطاعن بطريق عادي في الطعن بحالات معينة ، بينما الطاعن بطريق غير عادي فإن القانون يحصر حقه في الطعن بحالات معينة ، تعلق بعیوب في الحكم ولا يكون له الحق في الطعن إلا إذا ثبت توافر حالة منها .

كما أن طرق الطعن العادية، ومنها الإستئناف ، بجب سلوكها أولا قبل سلوك طرق الطعن غير العادية ، فإذا كان الحكم قابلاً للطعن فيه بطرق عادية ولم تسلك أمتنع الطعن بالطرق غير العادية رغم قابلية الحكم أصلاً لها ، وهذا يعني أنه إذا كان الحكم قابلاً للطعن فيه بطريق طعن عادی ، وكان في نفس الوقت مشوباً بعيب يجيز الطعن فيه بطريق غير عادي ، فالأصل أن يبدأ بالطعن في الحكم بالطريق العادي ، ولذلك منع المشرع الطعن بالإلتماس والنقض في الأحكام الابتدائية حن بعد فوات ميعاد الإستئناف ، فمن فوت على نفسه الطعن في الحكم بالإستئناف ، سقط حقه في الطعن نيه بإلتماس أو بالنقض ، وفي هذا تختلف المعارضة عن الإستئناف ، فالمحكوم عليه بحكم غيابي يجوز له أن يطعن فيه بالإلتماس أو بالنقض وإنما يعتبر طعنه بأحد هذين الطريقين نزولاً عن المعارضة ، أما المحكوم عليه بحكم إبتدائي فلا يجوز له الطعن في الحكم بالإلتماس أو النقض لا قبل فوات ميعاد الإستئناف ولا بعده ، فالأحكام التي يطعن فيها بطريق الطعن غير العادية ، يجب أن تكون قد صدرت بصفة إنتهائية. ( أنظر المادتين 241 ، 248 مرافعات ).

كما أن الحكم لا يعتبر جائزاً لقوة الأمر المقضي به مادام قابلاً للطعن فيه بالطرق العادية ، فإذا أصبح غير قابل للطعن فيه بها أعتبر جائزاً لتلك القوة ، ولو كان قابلا للطعن فيه بطرق غير عادية .

ونظراً لكون الطعن العادي - كالإستئناف - يرمي إلى تأکيد عدالة الحكم ، إذ لا يفترض طريق الطعن العادي عيباً معيناً في الحكم بل يفترض عدم عدالته - من وجهة نظر الطاعن - تتركز في خسارته للقضية فإن القاضي الذي ينظر الطعن العادي ، تكون له نفس سلطات القاضي الذي أصدر الحكم المطعون فيه ، أما الطعن غير العادي فلانه يرمي إلى معالجة عيوب محددة ، فإن سلطات القاضي تكون - عادة - محددة النص على إزالة هذه العيوب ( فتحی والی - بند 438 ص 666).

كذلك فإنه يترتب على الطعن بطریق عادی ، تجديد النزاع وإعادة الحكم فيه من جميع الوجوه في حدود ما حصل الطعن فيه ، أما الطعن بطريق غير عادي فلا يترتب عليه إلا النظر في العيوب المعينة التي بني عليها الطعن في الحكم.

والإستئناف هو الوسيلة التي يطبق بها مبدأ مهم ، من المبادئ الأساسية في النظام القضائي هو مبدأ التقاضي على درجتين ، وبمقتضى هذا المبدأ يكون للمحكوم عليه أن يعيد طرح النزاع أمام محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم ، لتعدد بحث النزاع والفصل فيه من جديد ، ويسمى حق المحكوم عليه هذا بالإستئناف ، وتسمى المحكمة التي يرفع إليها الإستئناف بمحكمة الدرجة الثانية ، وتسمى المحكمة التي فصلت في الدعوى أولاً بمحكمة الدرجة الأول مستأنف ويسمى المطعون ضده بالمستأنف عليه .

والحكمة من تقرير المشرع للإستئناف كطريق من طرق الطعن هي أن الأحكام القضائية عرضة للخطأ. فالقضاة بشر غير معصومين من الخطأ . ولذلك وجب أن يكون عملهم خاضعاً لرتابة محكمة أعلى - تتمكن من تصحيحه إذا لم تجده صواباً ۔ على أن يكون عرض أعمالهم عليها حاصلاً بإرادة الخصوم وبناء على طلبهم ، وعلى هذا النحو فإن الإستئناف بمثل ضمانة كبرى من ضمانات التقاضي، بل إنه يعتبر من أسس التنظيم القضائي.

ونظراً لكون التقاضي على درجتين، فإن الإستئناف لا يكون إلا مرة واحدة، فلا يجوز الإستئناف إلا مرة واحدة، بمعنى أن الأحكام الإستئنافية لا يجوز الطعن فيها بالإستئناف مرة أخرى، ويلاحظ أن الأحكام التي تصدر قابلة للإستثناف من محاكم الدرجة الأولي توصف عموماً بأنها أحكام إبتدائية، حتى ولو كانت صادرة من محاكم جزئية.

محاكم الإستئناف : تستأنف الأحكام الصادرة من محاكم . الدرجة الأولى أمام محكمة أعلى درجة من بين محاكم الدرجة الثانية وتسمى محاكم الدرجة الثانية عموماً بمحاكم الإستئناف وهي :

أ- المحاكم الإبتدائية (الكلية المنعقدة بهيئة إستئنافية بالنسبة للمحاكم الجزئية:

وتستأنف أم أيها الأحكام الصادرة إبتداء من المحاكم الجزئية أو من قاضي الأمور المستعجلة. (مادة 2/47 مرافعات)، كما تستأنف أمامها أحكام قاضي التنفيذ في المنازعات الموضوعية، إذا زادت قيمة النزاع على ألف جنيه ولم تجاوز عشرة آلاف جنيه (مادة 1/277 مرافعات) وتستأنف أمامها دائماً أحكامه في المنازعات الوقتية (مادة 2/277 مرافعات).

ففي نظامنا القضائي تقوم المحاكم الإبتدائية ( الكلية ) بوظيفة محاكم الإستئناف إلى جانب وظيفتها كمحاكم أول درجة .

فهذه المحاكم تنظر أنواعاً معينة من القضايا لأول مرة أي بصفة إبتدائية ، ولذلك سميت بالمحاكم الإبتدائية فهي تعتبر محاكم أول درجة بالنسبة للمنازعات التي لا تختص بها المحاكم الجزئية ، ويطلق على المحاكم الإبتدائية في العمل أيضاً أسم المحاكم الكلية بإعتبارها صاحبة الإختصاص الكلى الشامل أصلا ً.

فبالإضافة إلى وظيفة المحكمة الإبتدائية ( الكلية) كمحكمة أول درجة فإنها تقوم بوظيفة محكمة ثاني درجة بالنسبة للأحكام التي تقبل الأسنان ، والصادرة من الحاكم الجزئية التي توجد في دائرتها ،فهی تفصل في الطعون المقدمة إليها عن أحكام المحاكم الجزئية التابعة لها ، يطبق على الخصومة المرفوعة إليها بهذا الوصف ما يطبق بشأن خصومة الإستئناف في عمومها ، من حيث إجراءات رفعها وشروط قبولها وسلطة الخصوم في تحديد نطاقها الموضوعي أو الشخصي .

إذ تعتبر المحاكم الإبتدائية هيئة إستئنافية بالنسبة للاحكام الصادرة من المحاكم الجزئية، التي تقبل الطعن بالإستئناف ، فضلاً عن أن هذه المحاكم الإبتدائية تعتبر محاكم أول درجة بالنسبة للمنازعات التي لا تختص بها المحاكم الجزئية .

وفي العمل يشار إلى المحكمة الإبتدائية حينما نعمل كمحكمة إستئناف بإصطلاح . المحكمة الإبتدائية دائرة إستئنافية ، أو إستئناف کلی .

وقد جرى العمل على تخصيص دائرة إستئنافية أو أكثر بكل محكمة إبتدائية لنظر الطعون التي تقدم إليها، وهي تصدر أحكامها في الإستئنافات المرفوعة إليها من ثلاثة قضاة . ( مادة 5/9 من قانون السلطة القضائية ) .

وتوجد المحاكم الإبتدائية في كل عاصمة من عواصم محافظات الجمهورية ، وبها عدد كاف من القضاة والرؤساء ، ويرأسها مستشار بندب من بين مستشارى محاكم الإستئناف بقرار من وزير العدل ، بعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى لمدة سنة على الأكثر قابلة للتجديد ( مادة 3/9 من قانون السلطة القضائية ).

ويلاحظ أن المحكمة الإبتدائية عندما تنفذ كمحكمة ثاني درجة ، فإنها تنعقد في شكل دائرة إستثنائية ، وقد سبقت الإشارة إلى أنها تصدر أحكامها الإستئنافية من ثلاثة قضاة ، فهي لا تختلف في تشكيلها سواء كانت للدرجة الأولى ، أو كانت محكمة للدرجة الثانية .

ب - محاكم الإستئناف ( العالي ) بالنسبة للمحاكم الإبتدائية (کدرجة أولى ):

وتستأنف أمامها الأحكام الصادرة إبتدائياً من المحاكم الابتدائية ( مادة 48 مرافعات ) .

كما تستأنف أمامها أحكام قاضي التنفيذ في المنازعات الموضوعية التي تزيد قيمتها على عشرة آلاف جنيه ( مادة 1/277 مرافعات ).

وتسمى هذه المحاكم بمحاكم الإستئناف العالى تمييزاً لها عن المحاكم الإبتدائية المنعقدة بهيئة إستئنافية .

ومحاكم الإستئناف دائماً محاکم ثانی درجة ، ومع ذلك قد ينص المشرع في حالات خاصة على بعض الدعاوى التي ترفع لأول مرة أمام هذه المحاكم ، وفي هذه الحالات تكون هذه المحاكم بمثابة محكمة أول درجة بالنسبة لهذه الدعاوى ، ومع ذلك فإن الأحكام الصادرة في مثل هذه الحالة تكون أحكاماً نهائية ، ومثال ذلك. دعاوى رد القضاة ( مادة 164 مرافعات ) ودعاوى مخاصمتهم ( مادة 495 مرافعات ).

ومقر محاكم الإستئناف في القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة والإسماعيلية وبني سويف وأسيوط وقنا، ويؤلف كل منها من رئيس وعدد كاف من الرؤساء والنواب ورؤساء الدوائر والمستشارين وتصدر الأحكام من ثلاث مستشارين  .

ويجوز أن تعقد محكمة الإستئناف في أي مكان آخر في دائرة إختصاصها - أو خارج هذه الدائرة عن الضرورة - وذلك بقرار يصدر من وزير العدل بناء على طلب رئيس محكمة الإستئناف .

وذلك يجوز تألیف دائرة إستئناف بصورة دائمة في أحد مراكز المحاكم الإبتدائية، بقرار يصدر من وزير العدل بعد أخذ رأي الجمعية العامة لمحكمة الإستئناف ( مادة 6 من قانون السلطة القضائية ).

وفي بداية العهد بالتنظيم القضائي كانت في مصر محكمة إستئنافية واحدة مقرها بالقاهرة ، ثم أنشئت محكمة إستئناف أسيوط في سنة 1926 ، ثم محكمة إستئناف الإسكندرية في سنة 1945 . وتوالى بعد ذلك إنشاء محاكم الأسنان الأخرى.  

الأحكام غير الجائز إستئنافها بنص في القانون : منع المشرع إستئناف الأحكام الصادرة في بعض الدعاوى مهما بلغت قيمة الدعوى ، ويرجع المنع في الحالات التي نص عليها القانون إلى إعتبارات خاصة، تختلف بإختلاف هذه الحالات، وتقوم في الغالب على رغبة المشرع في التعجيل بالبت في النزاع وتقصير أمد التقاضي ، إذ لم يقتصر خروج المشرع على القاعدة العامة في تمييز الأحكام القابلة للإستئناف على إجازة إستئناف بعض الأحكام ، رغم صدورها في حدود النصاب الإنتهائي المقرر للمحكمة التي أصدرتها، كما سبق أن أوضحنا، وإنما أتخذ هذا الخروج صورة عكسية ، فمنع المشرع الطعن بالإستئناف في الأحكام الصادرة في بعض الدعاوی ، بصرف النظر عما تقضي به القاعدة العامة ، فلم يجز إستئناف الحكم أياً كانت قيمة الدعوى التي صدر فيها ،أي حتى لو كانت قيمتها تتجاوز حدود النصاب الإنتهائي لمحكمة الدرجة الأولى التي أصدرت الحكم، ( يراجع في ذلك للمؤلف : الطعن بالإستئناف - دار الفكر العربي ص 82 وما بعدها ) ومن أمثلة هذه الأحكام غير الجائز إستئنافها :

1- الحكم الصادر من قاضي التنفيذ في طلب تأجيل البيع في التنفيذ العقاري ( مادة 436 مرافعات ).

2- الحكم الصادر من محكمة المواد الجزئية بإحالة الدعوى الأصلية والطلب العارض أو المرتبط بحالتهما إلى المحكمة الإبتدائية المختصة ( مادة 2/46  مرافعات ) . ويلاحظ أن الممنوع من الطعن فيه هو الحكم الصادر من المحكمة الجزئية بإحالة الدعوى الأصلية ، والطلب العارض أو المرتبط إلى المحكمة الإبتدائية، ولكن هذا المنع لا يسري على الحكم برفض الإحالة ( كمال عبد العزيز - ص 104 ، عبد المنعم حسنی ، طرق الطعن في الأحكام ، ص 340) ، ولا يسرى المنع أيضا على الحكم الصادر بإحالة الطلب العارض أو المرتبط وحده ( فتحي والى - قانون القضاء المدني - ص 595، وقارن عكس ذلك : رمزي سيف، الوسيط، ص 229) ، كذلك لا يسرى المنع على الحكم بعدم إختصاص المحكمة الجزئية بنظر الطلب العارض ، إذ يقبل هذا الحكم الطعن وفقاً للقواعد العامة ( المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 100 لسنة 1962).

3- الحكم الذي يصدر في المنازعة في اقتدار الكفيل أو الحارس أو في كفاية ما يودع خزانة المحكمة من النقود أو الأوراق المالية على ذمة الكفالة ( مادة 1/295 مرافعات ).

4- الحكم الصادر من قاضي التنفيذ بوقف البيع ، أو المضي فيه بسبب رفع دعوى الإستحقاق الفرعية ( مادة 456 مرافعات ).

5- ما تنص عليه المادة 2/191 مرافعات من عدم جواز الطعن على إستقلال في القرار الذي يصدر برفض طلب تصحيح الحكم.

6- ما تنص عليه المادة 2/432 مرافعات من أنه لا يقبل الطعن بأي طريق في الحكم الذي بصدره قاضي التنفيذ في أوجه البطلان في الإعلان عن البيع.

7- ما تنص عليه المادة 3/304 مرافعات من أن الحكم الصادر في طلب قصر الحجز ، غير قابل للطعن بأي طريق.

8- ما تنص عليه المادة 394 مرافعات من عدم جواز الطعن في الحكم الذي يصدر بناء على طلب الحاجز بالإستمرار في التنفيذ عند رفع دعوى الإسترداد ، وعدم قيام المدعي فيها بإيداع ما لديه من مستندات عند تقديم الصحيفة لقلم الكتاب .

9- ما تنص عليه المادة 395 من القانون التجاري السابق من أنه لا تقبل المعارضة ولا الإستئناف في الأحكام المتعلقة بتعيين أو إستبدال مأمور التفليسة أو وكلاء المدانين ، ولا في الأحكام الصادرة بالإفراج عن المفلس أو بإعطائه إعانة له أو لعائلته ، ولا في الأحكام التي صرح فيها ببيع الأمتعة او البضائع التي للتفليسة ، ولا في الأحكام الصادرة بتأخير عمل الملح أو بتقدير الديون المتنازع فيها تقديراً مؤقتاً ، ولا في الأحكام الصادرة في التظلم من الأوامر التي أصدرها مأمور التفليسة على حسب حدود وظيفته. ( نقض 1979/5/14 - الطعن رقم 611 لسنة 46 قضائية ).

10-  ما تنص عليه المادة 1/74 من قانون الإثبات من عدم جواز الطعن بأي طريق في قرار المحكمة الصادر في التظلم ، من رفض مد الميعاد المحدد للتحقيق .

11- ما تنص عليه المادة 145 من قانون الإثبات من أنه لا يجوز الطعن بأي طريق في الحكم الصادر في طلب رد الخبير .

12- ما تنص عليه المادة 4/152 من قانون الإثبات من أنه لا يقبل الطعن في الحكم الصادر بإبدال الخبير ، وإلزامه برد ما قبضه من الأمانة.

وغير ذلك من الأمثلة التي لا يتسع المقام لحصرها ، إذ لن يتسع المجال التعقب جميع النصوص التشريعية التي تمنع من الطعن في الأحكام بالإستئناف ، ولكن نود الإشارة إلى أن منع الطعن بالإستئناف في الحكم يرجع دائماً إلى نص القانون . إن القانون مر الذي ينص على أن حكماً معيناً لا يجوز الطعن فيه بالإستئناف، كما ينبني ملاحظة أن النصوص المانعة من الطعن بالإستئناف في بعض الأحكام ترد في قانون المرافعات كما ترد أيضاً في فروع القانون الأخرى.

جواز الإتفاق على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى نهائياً وفقاً للمادة 2/219  مرافعات محل التعليق :

يجوز، ولو قبل رفع الدعوى أمام محكمة أول درجة، الإتفاق على أن يكون حكم هذه المحكمة إنتهائياً غير قابل للإستئناف ، وقد نص المشرع على ذلك صراحة نص الفقرة الثانية من المادة 219 محل التعليق رغم أن . الحق في الإستئناف لا ينشأ إلا بعد صدور حكم محكمة أول درجة ويسمى هذا الإتفاق بالإختصاص التحكيمي ( عبد الباسط جمیعی به نظام الطعن في الأحكام - ص 45 ، المذكرة الإيضاحية للقانون ) ، فالحق في الإستئناف كغيره من الحقوق يجوز الإتفاق على النزول عنه، وهذا الاتفاق يكون أقرب شبهاً بنظام التحكيم ، ولا بمثل هذا الإتفاق حرماناً للخصم من حق الإلتجاء الى القضاء بقدر ما هو منظم لهذا الحق بالإستغناء عن الإلتجاء لمحكمة الدرجة الثانية ، وقصر ممارسة حق التقاضي على محاكم الدرجة الأولى. وذلك برغبة طرفي النزاع .  

وإذا كان من الجائز الإتفاق مقدماً، ولو قبل رفع الدعوى، على أن يكون حكم أول درجة إنتهائياً غير قابل للإستئناف ، فالعكس غير صحيح ، فالحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بالإستئناف لا يصبح قابلاً له ولو انفق الأطراف على ذلك ، ويكون إستئناف هذا الحكم غير مقبول ، ولو تم هذا الإتفاق بعد صدور الحكم ، وهو عدم قبول يتعلق بالنظام العام ، فيمكن التمسك به في أية حالة كانت عليها القضية، وعلى القاضي الحكم به من تلقاء نفسه، ويمكن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ( فتحی والی ۔ بند 363 ص 719 ). كما أنه لا يجوز الإتفاق على رفع النزاع مباشرة إلى محكمة الدرجة الثانية ، لتعلق ذلك بالإختصاص النوعي المتعلق بالنظام العام ( محمد كمال عبد العزيز - ص 435 ، عبد المنعم حسنى - ص 345 ).

وإذا كان المشرع يجيز على سبيل الإستثناء إتفاق الخصوم مقدماً على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى إنتهائياً ، على تقدير أن هذا الإتفاق هو شبيه بنظام التحكيم ( المذكرة الإيضاحية ) فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال الإتفاق على أن أحد الخصوم ينزل وحده عن هذا الإستئناف دون الخصم الآخر . لأن مثل هذا الإتفاق لا يؤمن معه الإعتراف ، ويكون مفروضاً من الجانب القوي في العقد ، فضلاً عن إخلاله بإجراءات التقاضي التي تجيز الاستئناف المقابل من جانب المستانف عليه في جميع الأحوال ، كما أن صریح نص المادة 2/219 لا يجيز إلا الإتفاق على أن يكون الحكم نهائياً، أي اتفاق الطرفين على إنتهائية الحكم بالنسبة لهما (أحمد أبو الوفا - التعليق ص 842 ونظرية الأحكام بند 421 ص 754 ) ، فالقانون يجيز الإتفاق ولا يجيز نزول أحد الخصوم وحده عن الطعن في وقد عمم المشرع حكم الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 217 مرافعات على حالة فقد أهلية المحكوم له للتقاضي أثناء ميعاد الطعن وعلى حالة وفاة أو زوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه، في مثل هذه الحالة يجوز رفع الطعن وإعلانه إلى من فقد الأهلية أو إلى من توفي ومن كان يباشر الخصومة عنه أو إلى من زالت صفته على أن بعاد إعلان الطعن إلى من يقوم مقام الخصم، لشخصه أو في موطنه قبل الجلسة المحددة لنظر الدعوى أو في الميعاد الذي تحدده المحكمة لذلك، وقد نص المشرع على ذلك في الفقرة الثانية من المادة 217 مرافعات - محل التعليق - وفي هذه الصورة ينتج رفع الطعن وإعلانه - رغم بطلان كل منهما لتوجيهه إلى شخص لأهلية لديه أو صفة في توجيهه إليه - أثراً قانونياً هو حفظ حق المحكوم عليه في الطعن من السقوط. (نقض 1981/3/30 - في الطعن رقم 395 لسنة 46 قضائية).

ويتم الطعن صحيحاً بتوجيهه إلى ورثة الخصم المتوفي جملة بصفتهم كورثة دون ذكر أسمائهم أو إلى الخصم الذي فقد أهليته أو توفي من كان يباشر الخصومة عنه أو زالت صفته متى تم ذلك في الميعاد ولو لم يتم إعادة إعلان الطعن إلا بعد الميعاد إلى أن إجراء إعادة الإعلان أمر منفصل عن رفع الطعن. (نفض 1967/5/23 لسنة 18 ص 1073 ) ، وإذا كانت الحكمة من ذلك في حاجة الطاعن إلى وقت ليتمكن من معرفة من حل محل من قام به سبب الإنقطاع إلا أن الإجراء يكون صحيحاً ولو كانت لدى الطاعن قبل رفع الطعن الفرصة الكافية إذ لا محل عند تطبيق النص إلى البحث عن الحكمة منه. (نقض 1968/10/15 سنة 19 ص 1258 ) . إذ يمكن للطاعن الإستفادة من هذه الرخصة ولو كانت لديه الفرصة الكافية للتحري عن محل إقامة جميع الورثة، كما يجب إعلان الطعن إلى الورثة جملة أو إلى الخصم الذي فقد أهليته أو توفي من كان يباشر الخصومة عنه أو من زالت صفته قبل مضي الثلاثة شهور التي يعتبر باطلة ، فإنه يجوز إستئنافه رغم الإتفاق على نهائيته ، وذلك عملاً بالمادة 221 مرافعات التي تجيز إستئناف الأحكام الإنتهائية الصادرة من محاكم الدرجة الأولى ، متى كانت باطلة أو مبنية على إجراءات باطلة ، والذي يملك رفع الإستئناف هو الخصم الذي تقرر البطلان لمصلحته ، أما خصمه فلا يملك الإستئناف ولو بصورة فرعية ولو لم يتسبب في البطلان ، وذلك لأن هذا البطلان لا يهدر إتفاق الخصوم عملاً بالمادة 2/219 ، لأن المشرع إذا كان يجيز في المادة 221 إستئناف الحكم كوسيلة لإلغاء الحكم الإنتهائي الباطل ، فإن ذلك مشروط برفعه من جانب صاحب المصلحة في التمسك بالبطلان ، أي من تقرر البطلان لمصلحته - وحده - وذلك على تقدير أن هذا الإستئناف هو وسيلة إلغاء الحكم وليس وسيلة تصحيح لقضاء الحكم الموضوعي ( أحمد أبو الوفا - نظرية الأحكام -  ص 754 و 755).

وينبغي ملاحظة أن الأحكام الصادرة في مواد الأحوال الشخصية تخضع في إستئنافها للقواعد العامة المقررة في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ( كمال عبد العزيز - ص 435 - ونقض 1966/3/9 - لسنة 17 ص 515 ، ونقض 1977/4/23 في الطعن رقم 32 لسنة 44 ق )، كما أن الحكم الصادر بناء على اليمين الحاسمة سواء بحلفها أو بالنكول منها لا يجوز إستئنافه ، ومناط عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة بناء على اليمين أن يكون الخصم الموجه إليه اليمين قد حلفها أو نكل عنها طبقاً للقانون ( نقض 1961/11/9 - لسنة 12 ص 658 ، ونقض 1980/3/25 الطعن رقم 340 لسنة 45 قضائية )

كذلك ينبغي ملاحظة أن القواعد المتعلقة بقبول الإستئناف تتعلق . بالنظام العام فيجوز التمسك بعدم قبول الإستئناف ، سواء لدخول . الدعوى في النصاب الإنتهائي لمحكمة الدرجة الأولى ، أو لورود هذا المنع في نص خاص في أية حالة كانت عليها الدعوى ، ويتعين على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها مالم تكن قد قضت بقبول الإستئناف، إذ لا تملك العودة إلى ما قضت فيه، ولو أبديت لها أسباب عدم قبول أخرى جديدة، ولو كانت هذه الأسباب تتعلق بالنظام العام (محمد وعبد الوهاب العشماوي - بند 1197، محمد. كمال عبد العزيز - ص 435 نقض 1951/11/15 - لسنة 3 ص 37 ) وذلك احتراما لحجية الأحكام.

ومما هو جدير بالتنويه إليه أنه لا يجوز الإتفاق على نهائية الحكم إذا كان موضوع النزاع متعلقاً بالنظام العام، وإذا كان من القصور تفويت ميعاد الطعن بإرادة المحكوم عليه مما ينتهي إلى نفس النتيجة، أي إلى صيرورة الحكم الإبتدائي إنتهائياً غير قابل للطعن فيه بالإستئناف، غير أن الإتفاق على نهائية الحكم بما يفيد التنازل عن حق الطعن فيه بالإستئناف يجب ألا يقيد صاحبه في حالات النظام العام، فيكون له العدول عنه مادام ميعاد الطعن قائماً (عبدالباسط جمعی - نظام الطعن ص 47، والتعسف في إستعمال حق التقاضى - ص 2 وما بعدها، ونبيل عمر - ص 50 و 51 وعبد المنعم حسني - ص 346 ، ونقض 1961/2/2 - لسنة 12 ص 132 ، ونقض 1967/10/17 -  لسنة 18 ص 1521). (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء : الرابع ، الصفحة : 624)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 152

نَقْضُ الْقَضَاءِ:

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِنَقْضِ الْقَضَاءِ:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا خَالَفَ فِي حُكْمِهِ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا كَانَ قَضَاؤُهُ فَاقِدًا لِشَرْطٍ وَوَجَبَ نَقْضُهُ، إِذْ أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِالاِجْتِهَادِ عَدَمُ النَّصِّ بِدَلِيلِ خَبَرِ مُعَاذٍ رضي الله عنه : «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو» وَلأِنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَدْ فَرَّطَ، فَوَجَبَ نَقْضُ حُكْمِهِ، إِذْ لاَ مَسَاغَ لِلاِجْتِهَادِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَزَادَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ زِيَادَاتٍ أُخْرَى كَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ.

وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي حُكْمِ مَا يُنْقَضُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ أَنْ يَنْقُضَ مِنْ حُكْمِ قَاضٍ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ شَيْئًا لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ وَإِلَى أَلاَّ يَثْبُتَ حُكْمٌ أَصْلاً، غَيْرَ مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ سُنَّةٍ آحَادٍ أَوْ خَالَفَ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا، بِخِلاَفِ الإْجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ.

مَا يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ وَمَا لاَ يُنْقَضُ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ وَمَا لاَ يُنْقَضُ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَصَرَ النَّقْضَ فِي نِطَاقِ الْمُخَالَفَةِ الصَّرِيحَةِ لِلنَّصِّ أَوِ الإْجْمَاعِ، وَمَنَعَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.

وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْقَاضِي لاَ تَخْلُو عَنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:

قِسْمٌ يُنْقَضُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقِسْمٌ يُمْضَى بِكُلِّ حَالٍ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِوَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

الْقِسْمُ الأْوَّلُ: مَا يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَقْضُ الْحُكْمِ إِذَا خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الإْجْمَاعَ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا ذُكِرَ: مَا يَشِذُّ مَدْرَكُهُ أَيْ دَلِيلُهُ، أَوْ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ، أَوِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، وَقَيَّدَ الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ حُكْمَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إِذَا خَالَفَ الْقَوَاعِدَ أَوِ الْقِيَاسَ أَوِ النَّصَّ - فَالْمُرَادُ مِنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُعَارِضٌ رَاجِحٌ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا مُعَارِضٌ فَلاَ يُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَقَالُوا: إِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِلإْجْمَاعِ فَلاَ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ وَيَجِبُ نَقْضُهُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلأْخِ دُونَ الْجَدِّ، فَهَذَا خِلاَفُ الإْجْمَاعِ، لأَنَّ الأْمَّةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ أَوْ يُقَاسِمُ الأْخَ، وَأَمَّا حِرْمَانُ الْجَدِّ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الأْمَّةِ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا خَالَفَ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الْمَعْنَى الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ قِيَاسَ التَّحْقِيقِ - نُقِضَ بِهِ حُكْمُهُ وَحُكْمُ غَيْرِهِ؛لأِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه  عَدَلَ عَنِ اجْتِهَادٍ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ حِينَ أَخْبَرَهُ حَمْلُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. 

وَكَانَ لاَ يُوَرِّثُ امْرَأَةً مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى رَوَى لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَوَرَّثَهَا عُمَرُ».

وَقَضَى فِي الأْصَابِعِ بِقَضَاءٍ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإْبِلِ»وَنَقَضَ عَلِيٌّ رضي الله عنه  قَضَاءَ شُرَيْحٍ فِي ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لأِمٍّ - بِأَنَّ الْمَالَ لِلأْ خِمُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَأُولُو الأْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) فَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه  نَقَضَ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِمُخَالَفَةِ نَصِّ هَذِهِ الآْيَةِ. فَهَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَكَانَتْ إِجْمَاعًا، وَلأِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَصْلُ الإِْجْمَاعِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنْ تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ خَالَفَ قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، أَوْ ظَنًّا مُحْكَمًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، فَيَلْزَمُهُ نَقْضُ حُكْمِهِ، أَمَّا إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ وَأَنَّهُ الصَّوَابُ، فَلْيَحْكُمْ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَخَوَاتِ الْحَادِثَةِ بِمَا رَآهُ ثَانِيًا، وَلاَ يَنْقُضُ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلاً، بَلْ يُمْضِيهِ، ثُمَّ مَا نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ نَفْسِهِ نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَمَا لاَ فَلاَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَتَتَبَّعُ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُهُ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ، وَلَهُ تَتَبُّعُ قَضَاءِ نَفْسِهِ لِيَنْقُضَهُ.

وَقَالَ: مَا يَنْقُضُ مِنَ الأَْحْكَامِ لَوْ كُتِبَ بِهِ إِلَيْهِ لاَ يَخْفَى أَنَّهُ لاَ يَقْبَلُهُ وَلاَ يُنَفِّذُهُ. وَأَمَّا مَا لاَ يَنْقُضُ وَيَرَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ فَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ وَلاَ يُنَفِّذُهُ لأِنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ خَطَأً، وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: لاَ أُحِبُّ تَنْفِيذَهُ. وَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِتَجْوِيزِ تَنْفِيذِهِ.

وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ (الشَّافِعِيُّ) بِنَقْلِ الْخِلاَفِ فَقَالَ: إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ قَبْلَهُ فَلَمْ يَرَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي النَّقْضَ، لَكِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُعْرِضُ عَنْهُ، وَأَصَحُّهُمَا: يُنْفِذُهُ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لاَ يَقْتَضِي النَّقْضَ، وَتَرَافَعَ الْخُصُومُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمْضِي حُكْمَهُ الأَْوَّلَ وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ.

وَيَرَى فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ مُخَالَفَةُ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفِ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) فَإِنَّ السَّلَفَ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَزَوُّجِ امْرَأَةِ الأْبِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا الأْبُ، فَلَوْ حَكَمَ قَاضٍ بِجَوَازِ ذَلِكَ نَقَضَهُ مَنْ رُفِعَ إِلَيْهِ.

وَإِنَّ الْمُرَادَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لِلزَّوْجِ الأْوَّلِ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ بِدُونِ إِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ بِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَيْ جُلُّ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ، وَمُخَالَفَةُ 

الْبَعْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، لأِنَّ ذَلِكَ خِلاَفٌ لاَ اخْتِلاَفٌ، وَقَالُوا: يُنْقَضُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ حُكْمًا لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ قَطْعًا.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لاَ يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ:

لاَ يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ كُلُّ حُكْمٍ وَافَقَ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، فَإِذَا أَصَابَ الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ فَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ كَمَا إِذَا حَكَمَ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ كَانَ حُكْمُهُ نَافِذًا وَحُكْمُ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ بِهِ نَافِذًا، لاَ يُتَعَقَّبُ بِفَسْخٍ وَلاَ نَقْضٍ، لأِنَّ هَذَا الْقَضَاءَ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ فَنَفَذَ، وَلَزِمَ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَجُوزُ إِبْطَالُهُ، وَالأْصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ، وَيَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ مَا قَضَى، فَيَسْتَقْبِلُ حُكْمَ الْقُرْآنِ وَلاَ يَرُدُّ قَضَاءَهُ الأْوَّلَ»وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه «أَنَّهُ حَكَمَ بِحِرْمَانِ الإْخْوَةِ الأْشِقَّاءِ مِنَ التَّرِكَةِ فِي الْمُشْرِكَةِ، ثُمَّ شَرَّكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَهُ الأْوَّلَ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي»، وَقَضَى فِي الْجَدِّ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يَرُدَّ الأْولَى، وَلأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لاَ يَثْبُتَ الْحُكْمُ أَصْلاً، لأِنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يُخَالِفُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالثَّالِثُ يُخَالِفُ الثَّانِيَ، فَلاَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ.

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ لَوْ قَضَى عَلَى خِلاَفِ قِيَاسٍ خَفِيٍّ - وَهُوَ مَا لاَ يُزِيلُ احْتِمَالَ الْمُفَارَقَةِ وَلاَ يَبْعُدُ كَقِيَاسِ الأْرْزِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الطَّعَامِ - فَلاَ يَنْقُضُ الْحُكْمُ الْمُخَالِفَ لَهُ، لأِنَّ الظُّنُونَ الْمُتَعَادِلَةَ لَوْ نَقَضَ بَعْضُهَا بَعْضًا لَمَا اسْتَمَرَّ حُكْمٌ وَلَشَقَّ الأْمْرُ عَلَى النَّاسِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنِ اجْتَهَدَ مِنَ الْحُكَّامِ فَقَضَى بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ، فَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَمْ يَرُدَّهُ، وَحَكَمَ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ بِالَّذِي هُوَ أَصْوَبُ. 

وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ وَالْحُكْمِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ.

فَالْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْقَضَاءِ، كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِينِ بِالْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَكَانَ الْقَاضِي يَرَى سَمَاعَ شَهَادَتِهِمَا، فَإِذَا رُفِعَ إِلَى قَاضٍ آخَرَ لاَ يَرَى ذَلِكَ يُمْضِيهِ وَلاَ يَنْقُضْهُ. وَكَذَا لَوْ قَضَى لاِمْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَآخَرَ أَجْنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِمَنْ لاَ يُجِيزُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ أَمْضَاهُ، لأِنَّ الأْوَّلَ قَضَى بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، لأِنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلاَءِ هَلْ تَصِيرُ حُجَّةً لِلْحُكْمِ أَوْ لاَ؟

فَالْخِلاَفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْحُكْمِ لاَ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ.

وَفَصَّلُوا مَسْأَلَةَ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، فَقَالُوا: إِنْ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، فَلاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مَحَلَّ الاِجْتِهَادِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيَّ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْقَضَاءِ.

فَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيَّ بِهِ، فَرُفِعَ إِلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يَنْقُضْهُ الثَّانِي بَلْ يُنْفِذُهُ لِكَوْنِهِ قَضَاءً مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ، لِمَا عُلِمَ أَنَّ النَّاسَ عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِأَيِّ الأْقْوَالِ الَّذِي مَالَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَكَانَ قَضَاءً مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَوْ نَقَضَهُ إِنَّمَا يَنْقُضُهُ بِقَوْلِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ اخْتِلاَفٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ مَا صَحَّ بِالاِتِّفَاقِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ، وَلأِنَّهُ لَيْسَ مَعَ الثَّانِي دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ بَلِ اجْتِهَادِيٌّ، وَصِحَّةُ قَضَاءِ الْقَاضِي الأْوَّلِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَهُوَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِأَيِّ وَجْهٍ اتَّضَحَ لَهُ، فَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ مَا مَضَى بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلأِنَّ الضَّرُورَةَ تُوجِبُ الْقَوْلَ بِلُزُومِ الْقَضَاءِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الاِجْتِهَادِ وَأَنْ لاَ يَجُوزَ نَقْضُهُ، لأِنَّهُ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ بِرَفْعِهِ إِلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلاَفَ رَأْيِ الأْوَّلِ فَيَنْقُضُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ الْمُدَّعِي إِلَى قَاضٍ ثَالِثٍ يَرَى خِلاَفَ رَأْيِ الْقَاضِي الثَّانِي فَيَنْقُضُ نَقْضَهُ، وَيَقْضِي كَمَا قَضَى الأْوَّلُ، فَيُؤَدِّي إِلَى أَنْ لاَ تَنْدَفِعَ الْخُصُومَةُ وَالْمُنَازَعَةُ أَبَدًا، وَالْمُنَازَعَةُ فَسَادٌ، وَمَا أَدَّى إِلَى الْفَسَادِ فَسَادٌ.

فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي الثَّانِي رَدَّ الْحُكْمَ، فَرَفَعَهُ إِلَى قَاضٍ ثَالِثٍ - نُفِّذَ قَضَاءُ الأْوَّلِ وَأُبْطِلَ قَضَاءُ الْقَاضِي الثَّانِي، لأِنَّهُ لاَ مَزِيَّةَ لأِحَدِ الاِجْتِهَادَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ الأْوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلاَ يُنْتَقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، كَمَا أَنَّ قَضَاءَ الأْوَّلِ كَانَ فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ، وَالْقَضَاءُ بِالْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ بِالإْجْمَاعِ، فَكَانَ الْقَضَاءُ مِنَ  الثَّانِي مُخَالِفًا لِلإْجْمَاعِ، فَيَكُونُ بَاطِلاً، وَلأِنَّهُ لاَ يُنْقَضُ الاِجْتِهَادُ بِالاِجْتِهَادِ، وَالدَّعْوَى مَتَى فَصَلَتْ مَرَّةً بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لاَ تُنْتَقَضُ وَلاَ تُعَادُ، فَيَكُونُ قَضَاءُ الأْوَّلِ صَحِيحًا، وَقَضَاءُ الثَّانِيَ بِالرَّدِّ بَاطِلاًوَشَرْطُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَدَعْوَى صَحِيحَةٍ، فَإِنْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ كَانَ فَتْوَى لاَ حُكْمًا.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ نَفْسُهُ مُجْتَهَدًا فِيهِ، أَوْ كَانَ فِي مَحَلٍّ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي النَّازِلَةِ مَوْضُوعِ الدَّعْوَى يَرْفَعُ الْخِلاَفَ، فَلاَ يَجُوزُ لِمُخَالِفٍ فِيهَا نَقْضُهَا، فَإِذَا حَكَمَ بِفَسْخِ عَقْدٍ أَوْ صِحَّتِهِ لِكَوْنِهِ يَرَى ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ لِقَاضٍ غَيْرِهِ وَلاَ لَهُ نَقْضُهُ، وَهَذَا فِي الْخِلاَفِ الْمُعْتَبَرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ وَأَنَّهُ الصَّوَابُ فَلاَ يَنْقُضُ حُكْمَهُ، بَلْ يُمْضِيهِ وَيَحْكُمُ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا رَآهُ ثَانِيًا.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِي نَقْضِهِ مِنَ الأَحْكَامِ:

الأْحْكَامُ الَّتِي يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بَيْنَ الْقَوْلِ بِنَقْضِهَا وَالْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ مُتَعَدِّدَةٌ، وَيَتَعَذَّرُ حَصْرُهَا، وَأَهَمُّهَا:

أ- الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ: هُوَ مَا يَقَعُ الْخِلاَفُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ، فَقِيلَ: يَنْفُذُ، وَقِيلَ: يَتَوَقَّفُ عَلَى إِمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَفَيَجُوزُ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَنْقُضَ قَضَاءَ الأْوَّلِ إِذَا مَالَ اجْتِهَادُهُ إِلَى خِلاَفِ اجْتِهَادِ الأْوَّلِ، لأِنَّ قَضَاءَهُ لَمْ يُجَزْ بِقَوْلِ الْكُلِّ، بَلْ بِقَوْلِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، فَلَمْ يَكُنْ جَوَازُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَكَانَ مُحْتَمِلاً لِلنَّقْضِ بِمِثْلِهِ، فَلَوْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي بَطَلَ، وَلَيْسَ لأِحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ كَمَا لَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ لاِمْرَأَتِهِ، لأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

أَمَّا إِذَا أَمْضَاهُ الْقَاضِي الثَّانِي فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، فَلَيْسَ لِلثَّالِثِ 

نَقْضُهُ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ فِي مَحَلٍّ أَجْمَعُوا عَلَى كَوْنِهِ مَحَلَّ الاِجْتِهَادِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ كَبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ؛ لأِنَّهُ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ، وَذَلِكَ لاِخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لاَ يَنْفُذُ لِوُقُوعِ الاِتِّفَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا، فَخَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الإْجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ لاَ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ الْمُتَقَدِّمَ - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - أَمَّا مُحَمَّدٌ فَيَرَى أَنَّ الإْجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ الْمُتَقَدِّمَ، فَكَانَ هَذَا الْفَصْلُ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِ الْقَاضِي الثَّانِي أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلاَ يَرُدُّهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الاِجْتِهَادِ وَصَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لاَ يَنْفُذُ، بَلْ يَنْقُضُهُ لأِنَّ قَضَاءَ الأْوَّلِ وَقَعَ مُخَالِفًا لِلإْجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلاً.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَهَدَ لِنَفْسِهِ - فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ - فَحَكَمَ بِمَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ أَنَّ الصَّوَابَ خِلاَفُهُ فَلاَ يَنْقُضُهُ، لأِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ نَقْضُ هَذَا لِرَأْيِهِ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ نَقْضُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلاَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ، وَلاَ يَثِقُ أَحَدٌ بِمَا قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، فَقَالُوا: يُفْسَخُ الْحُكْمُ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا سَبَقَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاضِي حَكَمَ بِقَضِيَّةٍ فِيهَا اخْتِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَوَافَقَ قَوْلاً شَاذًّا نَقَضَ حُكْمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاذًّا لَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: سَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ فَيَرْفَعُ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ لاَ يَرَى الْبَتَّةَ فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً، فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ - أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَسْتُ أَرَاهُ، لاَ يَرْجِعُ الْقَاضِي عَمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ وَلاَ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الأْوْلَى خَطَأً بَيِّنًا صُرَاحًا. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي الْمُسْتَنِدِ إِلَى اجْتِهَادِهِ الْمُخَالِفِ خَبَرَ الْوَاحِدِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الَّذِي لاَ يَحْتَمِلُ إِلاَّ تَأْوِيلاً بَعِيدًا يَنْبُو الْفَهْمُ عَنْ قَبُولِهِ - يُنْقَضُ، وَقِيلَ: لاَ يُنْقَضُ، مِثَالُهُ الْقَضَاءُ بِنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ - عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ - وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ بِلاَ وَلِيٍّ. وَقِيلَ: الأْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، ثُمَّ بَانَ لَهُ فَسَادُ اجْتِهَادِهِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ حُكْمِهِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلاَّ بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ دُونَ الأْوَّلِ، وَلَوْ بَانَ لَهُ فَسَادُ الاِجْتِهَادِ قَبْلَ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ بِهِ حَكَمَ بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي دُونَ الأْوَّلِ، قِيَاسًا عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ إِنْ بَانَ لَهُ بِالاِجْتِهَادِ خَطَأُ مَا تَقَدَّمَ مِنِ اجْتِهَادِهِ قَبْلَ صَلاَتِهِ عَمِلَ عَلَى اجْتِهَادِهِ الثَّانِي دُونَ الأْوَّلِ، وَإِنْ بَانَ لَهُ بَعْدَ صَلاَتِهِ لَمْ يُعِدْ، وَصَلَّى، وَاسْتَقْبَلَ الصَّلاَةَ الثَّانِيَةَ بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ إِذَا رَفَعَ إِلَى قَاضٍ حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لاَ يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لِيُنَفِّذَهُ لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ فِي الأْصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْمَرْفُوعُ إِلَيْهِ صَحِيحًا، لأَِنَّهُ حُكْمٌ سَاغَ الْخِلاَفُ فِيهِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِوَقِيلَ: يَحْرُمُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ إِذَا كَانَ الْقَاضِي الثَّانِي لاَ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ قَاضٍ آخَرُ قَبْلَهُ.

ب- عَدَمُ عِلْمِ الْقَاضِي بِاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا رُفِعَ إِلَى قَاضٍ حُكْمُ قَاضٍ آخَرَ نَفَّذَهُ، أَيْ: أُلْزِمَ الْحُكْمَ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ، لَوْ مُجْتَهِدًا فِيهِ عَالِمًا بِاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ، وَلاَ يُمْضِيهِ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ فِي الْخُلاَصَةِ: وَيُفْتَى بِخِلاَفِهِ - وَكَأَنَّهُ - تَيْسِيرًا.

وَأَضَافَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا قَضَى الْمُجْتَهِدُ فِي حَادِثَةٍ، لَهُ فِيهَا رَأْيٌ مُقَرَّرٌ قَبْلَ قَضَائِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي قَصَدَ فِيهَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ حُكْمُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمُخْتَلَفِ عَلَيْهِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ قَضَاءَهُ هَذَا عَلَى خِلاَفِ رَأْيِهِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَحِينَئِذٍ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَأَمَّا إِذَا وَافَقَ قَضَاؤُهُ رَأْيَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ قَضَائِهِ أَنَّ فِيهَا خِلاَفًا، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الإْسْلاَمِ بِأَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي بِعَدَمِ عِلْمِهِ الْخِلاَفَ فِي الْمَسْأَلَةِ، لأِنَّ 

عِلْمَهُ بِالْخِلاَفِ لاَ أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ وَلاَ بُطْلاَنِهِ حَيْثُ وَافَقَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ.

ج- الْخَطَأُ فِي الْحُكْمِ:

يَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا قَصَدَ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ فَأَخْطَأَ عَمَّا قَصَدَهُ لِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوِ اشْتِغَالِ بَالٍ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَيَنْقُضُهُ الَّذِي أَصْدَرَهُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِذَا حَكَمَ بِالظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَلاَ اجْتِهَادٍ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ، وَوَجْهُ النَّفَاذِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ لأَِنَّ رَأْيَهُ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ الصَّوَابَ، وَرَأْيُ غَيْرِهِ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ خَطَأً، فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَطَأً بِيَقِينٍ، فَكَانَ حَاصِلُهُ قَضَاءً فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، وَوَجْهُ عَدَمِ النَّفَاذِ أَنَّ قَضَاءَهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَقٍّ عَبَثٌ، فَلاَ يُعْتَبَرُ. وَبِهَذَا أَخَذَ شَمْسُ الأْئِمَّةِ الأْوْزَجَنْدِيُّ، وَبِالأْوَّلِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ.

 وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ لأِنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ.

د- إِذَا خَالَفَ مَا يَعْتَقِدُهُ أَوْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ:

إِذَا خَالَفَ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ مَذْهَبَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ غَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اجْتَهَدَ، وَبِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مُقَلِّدًا وَقَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ أَوْ رَأْيِ مُقَلَّدِهِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْقُضُ هُوَ حُكْمَهُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُقَلِّدُ غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ، وَأَنْ تَكُونَ الْمُخَالَفَةُ لِلْمُعْتَمَدِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ الْقَاضِي مُتَّبِعًا لإِمَامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ دَلِيلٍ أَوْ قَلَّدَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ أَوْ أَتْقَى مِنْهُ فَحَسَنٌ، وَلَمْ يُقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ.

 وَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ خِلاَفَ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي أُمِرَ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، فَإِنْ عَمِلَ وَحَكَمَ لاَ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ، لأِنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ بِالْحُكْمِ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ الرَّأْيَ لَمْ يَكُنِ الْقَاضِي قَاضِيًا لِلْحُكْمِ بِالرَّأْيِ الْمَذْكُورِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَلِّدَ إِذَا حَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ ثُمَّ جَدَّتْ أُخْرَى مُمَاثِلَةً فَإِنَّ حُكْمَهُ لاَ يَتَعَدَّى لِلدَّعْوَى الأْخْرَى، فَالْمُجْتَهِدُ يَجْتَهِدُ فِي النَّازِلَةِ الْجَدِيدَةِ، وَالْمُقَلِّدُ يَحْكُمُ بِمَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلاً مِنْ رَاجِحِ قَوْلِ مُقَلَّدِهِ، وَلِغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ أَنْ يَحْكُمَ بِضِدِّهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِفَسْخِ نِكَاحِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلاَ وَلِيٍّ، ثُمَّ تَجَدَّدَ مِثْلُهَا، فَنَظَرَهَا قَاضٍ يَرَى صِحَّةَ الزَّوَاجِ بِدُونِ وَلِيٍّ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ارْتَفَعَ فِيهَا الْخِلاَفُ وَلَمْ يَجُزْ لأِحَدٍ نَقْضُهُ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْقَضِيَّةِ الأْولَى هِيَ ذَاتَ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضِيَّةِ الثَّانِيَةِ.

وَإِذَا خَالَفَ الْقَاضِي مَا يَعْتَقِدُهُ: بِأَنْ حَكَمَ بِمَا لاَ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لاِعْتِقَادِهِ بُطْلاَنَهُ، فَإِنِ اعْتَقَدَهُ صَحِيحًا وَقْتَ الْحُكْمِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَلاَ نَصَّ وَلاَ إِجْمَاعَ لَمْ يَنْقُضْهُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ.

هـ - صُدُورُ الْحُكْمِ مِنْ قَاضٍ لاَ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ:

إِذَا وَلِيَ مَنْ لاَ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لِجَهْلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَهَلْ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا، مَا أَصَابَ فِيهَا وَمَا أَخْطَأَ، أَمْ يَقْتَصِرُ النَّقْضُ عَلَى الأْحْكَامِ الَّتِي يَشُوبُهَا الْخَطَأُ؟

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ أَحْكَامَهُ كُلَّهَا تُنْقَضُ وَإِنْ أَصَابَ فِيهَا، لأِنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، لَكِنَّ صَاحِبَ مُغْنِي الْمُحْتَاجِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَلاَّهُ ذُو شَوْكَةٍ بِحَيْثُ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ مَعَ الْجَهْلِ، أَوْ نَحْوِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يُنْقَضُ مَا أَصَابَ فِيهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ الْمُخَالِفَةُ لِلصَّوَابِ كُلُّهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ أَمْ لاَ يَسُوغُ، لأِنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَضَاؤُهُ كَعَدَمِهِ، لأِنَّ شَرْطَ الْقَضَاءِ غَيْرُ مُتَوَفِّرٍ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي نَقْضِ قَضَايَاهُ نَقْضُ الاِجْتِهَادِ بِالاِجْتِهَادِ؛ لأِنَّ الأْوَّلَ لَيْسَ بِاجْتِهَادٍ. وَلاَ يُنْقَضُ مَا وَافَقَ الصَّوَابَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي نَقْضِهِ، فَإِنَّ الْحَقَّ وَصَلَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَالْحَقُّ إِذَا وَصَلَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ لَمْ يُغَيَّرْ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ بِقَضَاءٍ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاوِرُ أَهْلَ الْعِلْمِ فِي أَحْكَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُشَاوِرُهُمْ فَتُنْقَضُ كُلُّهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِنْ شَاوَرَ الْعُلَمَاءَ مَضَى قَطْعًا وَلَمْ يُتَعَقَّبْ حُكْمُهُ.

وَاخْتَارَ صَاحِبُ الإْنْصَافِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِ إِلاَّ مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْمَاعًا، وَأَنَّ هَذَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ زَمَنٍ وَلاَ يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِخِلاَفِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَأَعْطَى بِذَلِكَ حُجَّةً لاَ يُنَفَّذُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَلاَ يُعْمَلُ بِالْحُجَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ»أَيْ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَحَكَمَ بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَحَكَمَ بِخِلاَفِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَكَذَا قَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ.

و- صُدُورُ حُكْمٍ مِنْ قَاضٍ جَائِرٍ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الأْحْكَامِ الَّتِي يُصْدِرُهَا الْقَاضِي إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْجَوْرِ وَكَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فِي حَالِهِ وَسِيرَتِهِ - عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلاً، ظَهَرَ جَوْرُهُ أَوْ خَفِيَ - هَلْ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا مَا جَانَبَ الصَّوَابَ وَمَا وَافَقَهُ، أَمْ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ الْخَاطِئَةُ دُونَ غَيْرِهَا؟

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمَا - إِلَى وُجُوبِ نَقْضِ أَحْكَامِهِ كُلِّهَا، صَوَابًا كَانَتْ أَوْ خَطَأً، لأِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ حَيْفُهُ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا ظَهَرَ الصَّوَابُ وَالْعَدْلُ فِي قَضَائِهِ، وَكَانَ بَاطِنُ أَمْرِهِ فِيهِ جَوْرٌ، وَلَكِنْ عُرِفَ مِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّ حُكْمَهُ فِيهَا صَوَابٌ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ مَنْ عَرَفَ الْقَضَايَا،فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تَمْضِي وَلاَ تُنْقَضُ، لأِنَّهَا إِذَا نُقِضَتْ وَقَدْ مَاتَتِ الْبَيِّنَةُ وَانْقَطَعَتِ الْحُجَّةُ كَانَ ذَلِكَ إِبْطَالاً لِلْحَقِّ.

وَقَالَ أَصْبَغُ: إِنَّ أَقْضِيَةَ الْخُلَفَاءِ وَالأْمَرَاءِ وَقُضَاةِ السُّوءِ جَائِزَةٌ مَا عُدِلَ فِيهِ مِنْهَا، وَيُنْقَضُ مِنْهَا مَا تَبَيَّنَ فِيهِ جَوْرٌ أَوِ اسْتُرِيبَ، مَا لَمْ يُعْرَفِ الْقَاضِي بِالْجَوْرِ فَتُنْقَضُ كُلُّهَا.

وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي الْقَاضِي غَيْرِ الْعَدْلِ ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

الثَّانِي: عَدَمُ نَقْضِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلَ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ، مَا لَمْ يَثْبُتِ الْجَوْرُ، وَفِي التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ ضَرَرٌ لِلنَّاسِ وَوَهَنٌ لِلْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَخْلُو مِنْ أَعْدَاءٍ يَرْمُونَهُ بِالْجَوْرِ يُرِيدُونَ الاِنْتِقَامَ مِنْهُ بِنَقْضِ أَحْكَامِهِ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ تَمْكِينِهِمْ مِنْ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: رَأْيُ أَصْبَغَ، وَهُوَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا عَدَلَ فِيهِ وَلَمْ يُسْتَرَبْ فِيهِ، وَيُنْقَضْ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ الْجَوْرُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُ مَنْ شَاعَ 

جَوْرُهُ إِذَا أَثْبَتَ مَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَاضِي تَعَمَّدَ الْجَوْرَ فِيمَا قَضَى وَأَقَرَّ بِهِ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَيُعَزَّرُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ لاِرْتِكَابِهِ الْجَرِيمَةَ الْعَظِيمَةَ، وَيُعْزَلُ عَنِ الْقَضَاءِ، وَنَصَّ أَبُو يُوسُفَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ جَوْرُهُ وَرِشْوَتُهُ رُدَّتْ قَضَايَاهُ وَشَهَادَتُهُ.

ز- الْحُكْمُ الْمَشُوبُ بِالْبُطْلاَنِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ أَوْ لأِحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ مَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ - نَقْضَ الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ بَاطِلاً لِمَكَانِ التُّهْمَةِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ، فَيُنَفَّذُ حُكْمُهُ لاِنْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.

وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ شَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْمُخْتَارِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ - أَنَّهُ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ لَهُمْ بِالْبَيِّنَةِ، لأِنَّ الْقَاضِيَ أَسِيرُ الْبَيِّنَةِ، فَلاَ تَظْهَرُ مِنْهُ تُهْمَةٌ.

وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَبْنَى الْحُكْمِ هُوَ اعْتِرَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لاِبْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذُكِرَ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْحُكْمُ يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ فَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ لَهُمْ لأِنَّهُ يُتَّهَمُ بِالتَّسَاهُلِ فِيهَا.

وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ إِذَا أَثْبَتَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ وُجُودِ عَدَاوَةٍ بَيْنِهِ وَبَيْنَ الْقَاضِي، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَوْ أَحَدِ وَالِدَيْهِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ بِخِلاَفِ شَهَادَتِهِ عَلَى عَدُوِّهِ.

ح- الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ فِيهَا خَلَلٌ:

إِذَا كَانَ مَبْنَى الْحُكْمِ بَيِّنَةً لاَ شِيَةَ فِيهَا لَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْحُكْمِ، وَإِنِ اعْتَوَرَ الْبَيِّنَةَ مَا يَعِيبُهَا، نُظِرَ: هَلْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ أَمْ لاَ؟ وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:

كَوْنُ الشَّاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ إِذَا بُنِيَ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ظَهَرَ كَوْنُهُمَا كَافِرَيْنِ، أَوْ صَغِيرَيْنِ فِيمَا عَدَا الْجِنَايَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ بَيْنَ الصِّغَارِ بِشُرُوطِهَا - عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا .

فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ:

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ إِذَا ظَهَرَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا قَبْلَ الْحُكْمِ غَيْرَ عَدْلَيْنِ لِفِسْقِهِمَا.

وَقَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ نَقْضَ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ، وَقَالُوا: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِينَ لَكِنَّهُ إِذَا قَضَى بِمُوجِبِهِمَا لاَ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِلاَّ فِيمَا ذُكِرَ.

 وَيَرَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي نَقْضُ الْحُكْمِ بِفِسْقِ الشُّهُودِ إِلاَّ بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إِنْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا، أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الإِْسْلاَمِ فَلاَ يُنْقَضُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِوَيَرَى ابْنُ قُدَامَةَ وَأَبُو الْوَفَاءِ أَنَّهُ إِذَا بَانَ فِسْقُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْقُضْهُ.

تَقْصِيرُ الْقَاضِي فِي الْكَشْفِ عَنِ الشُّهُودِ:

إِذَا ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ قَصَّرَ فِي الْكَشْفِ عَنِ الشُّهُودِ وَأَتَى بِمَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ بِمَا يَجْرَحُهُمْ كَالْفِسْقِ، فَفِي نَقْضِ الْحُكْمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلاَنِ لِلإِمَامِ مَالِكٍ، وَبِالنَّقْضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَبِعَدَمِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ.

الْجِهَةُ الَّتِي تَنْقُضُ الْحُكْمَ:

فِي الْحَالاَتِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا نَقْضُ الْحُكْمِ: إِمَّا أَنْ يَنْقُضَهُ الْقَاضِي الَّذِي أَصْدَرَهُ أَوْ مَنْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُضَاةِ، كَالْقَاضِي الَّذِي يُوَلَّى الْقَضَاءَ بَعْدَ غَيْرِهِ فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ سَلَفِهِ، أَوْ كَالْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ لِتَنْفِيذِ ذَلِكَ الْحُكْمِ.

وَإِمَّا أَنْ يَجْمَعَ وَلِيُّ الأْمْرِ عَدَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ لِلنَّظَرِ فِي حُكْمٍ بِعَيْنِهِ، أَصْدَرَهُ مَنْ تَلْحَقُهُ الشُّبْهَةُ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

 أ- نَقْضُ الْقَاضِي أَحْكَامَ نَفْسِهِ:

الأْصْلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا حَكَمَ فَلَيْسَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ نَقْضُ حُكْمِهِ إِلاَّ إِذَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا، لَكِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ نَصُّوا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ وَهِمَ فِي قَضَائِهِ أَوْ نَسِيَ أَوْ قَضَى بِخِلاَفِ رَأْيِهِ - وَهُوَ لاَ يَذْكُرُ - وَلَكِنْ عَلَى مَا قَضَى بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً، فَيَنْقُضُهُ بِنَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، خِلاَفًا لِلإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَقُولُ بِمُضِيِّ هَذَا الْفَصْلِ وَلاَ يُرْجَعُ فِيهِ.

وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُلَّ قَضَاءٍ لاَ يُعْرَفُ خَطَؤُهُ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ كَمُخَالَفَتِهِ لِرَأْيِهِ السَّابِقِ فَلاَ يَنْقُضُهُ سِوَاهُ، مَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، فَيَنْقُضُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ.

ب- نَقْضُ الْقَاضِي أَحْكَامَ غَيْرِهِ:

لَيْسَ عَلَى الْقَاضِي تَتَبُّعُ قَضَاءِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ لأِنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهَا، لَكِنْ إِنْ وَجَدَ فِيهَا مُخَالَفَةً صَرِيحَةً نَقَضَهَا، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ مَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ أَوْ يَنْقُضُ الْحُكْمَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.

وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ مَا نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ نَفْسِهِ نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَمَا لاَ فَلاَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا

ج- نَقْضُ الأْمِيرِ وَالْفُقَهَاءِ حُكْمَ الْقَاضِي:

 نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ جَمْعُ الْفُقَهَاءِ لِلنَّظَرِ فِي حُكْمِ الْقَاضِي، فَقَدْ جَاءَ فِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَإِذَا اشْتُكِيَ عَلَى الْقَاضِي فِي قَضِيَّةٍ حَكَمَ بِهَا وَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى الأْمِيرِ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَأْمُونًا فِي أَحْكَامِهِ عَدْلاً فِي أَحْوَالِهِ بَصِيرًا بِقَضَائِهِ فَأَرَى أَنْ لاَ يَعْرِضَ لَهُ الأْمِيرُ فِي ذَلِكَ وَلاَ يَقْبَلَ شَكْوَى مَنْ شَكَاهُ وَلاَ يُجْلِسَ الْفُقَهَاءَ لِلنَّظَرِ فِي قَضَائِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَطَأِ إِنْ فَعَلَهُ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ إِنْ تَابَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مُتَّهَمًا فِي أَحْكَامِهِ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ فِي حَالِهِ أَوْ جَاهِلاً بِقَضَائِهِ فَلْيَعْزِلْهُ وَيُوَلِّ غَيْرَهُ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ جَهِلَ الأْمِيرُ فَأَجْلَسَ فُقَهَاءَ بَلَدِهِ وَأَمَرَهُمْ بِالنَّظَرِ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ وَجَهِلُوا هُمْ أَيْضًا، أَوْ أُكْرِهُوا عَلَى النَّظَرِ فَنَظَرُوا فَرَأَوْا فَسْخَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَفَسَخَهُ الأْمِيرُ أَوْ رَدَّ قَضِيَّتَهُ إِلَى مَا رَأَى الْفُقَهَاءُ، فَأَرَى لِمَنْ نَظَرَ فِي هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْحُكْمِ الأْوَّلِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ أَوْ كَانَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الأْئِمَّةُ الْمَاضُونَ فَأَخَذَ بِبَعْضِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ مَاضٍ وَالْفَسْخُ الَّذِي تَكَلَّفَهُ الأْمِيرُ وَالْفُقَهَاءُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الأْوَّلُ خَطَأً بَيِّنًا أَمْضَى فَسْخَهُ وَأَجَازَ مَا فَعَلَهُ الأْمِيرُ وَالْفُقَهَاءُ، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ الأْوَّلُ خَطَأً بَيِّنًا أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ عَرَفَ مِنَ الْقَاضِي بَعْضَ مَا لاَ يَنْبَغِي مِنَ الْقُضَاةِ وَلَكِنَّ الأْمِيرَ لَمْ يَعْزِلْهُ وَأَرَادَ النَّظَرَ فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلْفُقَهَاءِ النَّظَرُ فِيهِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ حُكْمَهُ خَطَأٌ بَيِّنٌ فَلْيَرُدَّهُ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا عَلَى الأْمِيرِ فَرَأَى بَعْضُهُمْ رَأْيًا وَرَأَى بَعْضُهُمْ رَأْيًا غَيْرَهُ لَمْ يَمِلْ مَعَ أَكْثَرِهِمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمَا رَآهُ صَوَابًا قَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ.

وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ إِذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشِيرُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ فَصَلَ بَعْدُ فِي الْخُصُومَةِ فَصْلاً، فَلَمَّا أَجْلَسَ مَعَهُ غَيْرَهُ لِلنَّظَرِ فِيهَا قَالَ: قَدْ حَكَمْتُ، لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لأِنَّ الْمَنْعَ عَنِ النَّظَرِ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ وَحْدَهَا فَتَلْزَمُهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَزَلَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْتُ حَكَمْتُ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي الْمُشْتَكَى فِي غَيْرِ بَلَدِ الأْمِيرِ الَّذِي هُوَ بِهِ وَحَيْثُ يَكُونُ قَاضِي الْجَمَاعَةِ فَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَعْرُوفًا مَشْهُورًا بِالْعَدْلِ فِي أَحْكَامِهِ وَالصَّلاَحِ فِي أَحْوَالِهِ أَقَرَّهُ وَلَمْ يَقْبَلْ عَلَيْهِ شَكْوَى وَلَمْ يَكْتُبْ بِأَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلاَ يَفْعَلُ هَذَا بِأَحَدٍ مِنْ قُضَاتِهِ إِلاَّ أَنْ يُشْتَكَى مِنْهُ اسْتِبْدَادٌ بِرَأْيٍ أَوْ تَرْكُ رَأْيِ مَنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ أَنْ يُشَاوِرَ فِي أُمُورِهِ وَأَحْكَامِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَ لَهُ أَحَدًا أَوْ يُجْلِسَ مَعَهُ أَحَدًا.

وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَاضِي غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْعَدْلِ وَالرِّضَا وَتَظَاهَرَتِ الشَّكِيَّةُ عَلَيْهِ كَتَبَ إِلَى رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْقَاضِي فَأَقْدَمَهُمْ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْهُ وَالْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَا يَجِبُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَزَلَهُ.

قَالَ: وَلَوْ جَهِلَ الأْمِيرُ وَكَتَبَ إِلَى نَاسٍ يَأْمُرُهُمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ فَفَعَلُوا وَاخْتَلَفَ رَأْيُهُمْ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الأْمِيرُ كَتَبَ إِلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَالأْمَنَاءِ أَنْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ هُوَ مُنَفِّذَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَنْظُرُوا مَعَهُ ثُمَّ يَجْتَهِدُوا وَيَحْكُمُ بِأَفْضَلِ مَا يَرَاهُ مَعَهُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالَّذِي يَرَاهُ مَعَ بَعْضِ مَنْ جَلَسَ مَعَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لاَزِمًا لِمَنْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ أُمِرَ بِالنَّظَرِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسُوا مَعَهُ وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى خِلاَفِهِ لَمْ أَرَ أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ لأِنَّهُ الآْنَ عَلَى مِثْلِ مَا اشْتُكِيَ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ بِذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِ وَرَأْيِ الْقَوْمِ إِلَى الأْمِيرِ فَيَكُونُ هُوَ الآْمِرَ بِالَّذِي يَرَاهُ وَالْحَاكِمَ فِيهِ دُونَهُمْ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَالَ فِيهِ مِثْلَ قَوْلِ مُطَرِّفٍ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ وَرَدَ بِنَصِّهِ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ.

طَلَبُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ نَقْضَ الْحُكْمِ:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ النَّقْضَ إِنْ كَانَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى - كَالطَّلاَقِ- نَقَضَهُ الْقَاضِي بِدُونِ طَلَبٍ، هَذَا فِيمَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، وَمَا لاَ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، فَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ الضَّمَانُ.

وَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ فَلاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي نَقْضُهُ إِلاَّ بِمُطَالَبَةِ صَاحِبِهِ.

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى ذَلِكَ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ تَعْرِيفُ الْخَصْمَيْنِ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ خَطَأٍ حَتَّى وَإِنْ عَلِمَا بِذَلِكَ، لأِنَّهُمَا قَدْ يَتَوَهَّمَانِ أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سَائِرُ الأْصْحَابِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ خِلاَفًا لاِبْنِ سُرَيْجٍ الَّذِي قَالَ: إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُ الْخَصْمَيْنِ، فَإِنْ عَلِمَا وَتَرَافَعَا إِلَيْهِ نَقَضَ الْحُكْمَ.

 

صِيغَةُ النَّقْضِ:

صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ صِيغَةَ النَّقْضِ هِيَ: نَقَضْتُهُ، أَوْ فَسَخْتُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَأَبْطَلْتُهُ، وَلَوْ قَالَ: بَاطِلٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَوَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَقْضًا؛ إِذِ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ.

تَسْبِيبُ حُكْمِ النَّقْضِ:

 إِذَا نَقَضَ الْقَاضِي الْحُكْمَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي نَقَضَ الْحُكْمَ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِئَلاَّ يُنْسَبَ لِلْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِالنَّقْضِ الْجَوْرُ وَالْهَوَى بِنَقْضِهِ الأْحْكَامَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْقُضَاةُ.

تَسْجِيلُ حُكْمِ النَّقْضِ:

يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُسَجِّلَ النَّقْضَ كَمَا يُسَجِّلُ الْحُكْمَ؛ لِيَكُونَ تَسْجِيلُ الثَّانِي مُبْطِلاً لِلأْوَّلِ كَمَا صَارَ الثَّانِي نَاقِضًا لِلْحُكْمِ الأْوَّلِ.