loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

لم يبق المشروع على الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم الإبتدائية في قضايا إستئناف أحكام المحاكم الجزئية إذا كان الحكم صادراً في مسألة اختصاص متعلقة بولاية المحاكم بعد أن فقدت مسائل الإختصاص المتسلق بالولاية ما كان لها من أهمية وخطر، تبعا لما نصت عليه المادة (110) من المشروع من أنه على المحكمة إذا قضت بعدم إختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان الإختصاص متعلقاً بالولاية.

الأحكام

 1- من المقرر أنه وفقا للمادة 924/ 1 من القانون المدني يجب على المالك رفع دعوى بطلب إزالة المنشآت التي يقيمها الغير على نفقة من أقامها قبل انقضاء سنة من يوم علمه بإقامة المنشآت، ولا يكفي مجرد إبداء الرغبة في الإزالة خلال الميعاد، ولا يعتبر الميعاد مرعيا إلا برفع طلب الإزالة إلى القضاء وإلا سقط الحق فيه، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه – بتأييد الحكم الابتدائي فيما انتهى إليه من عدم قبول الدعوى -، على سند من أن الطاعن. بصفته - لم يقم بالمطالبة القضائية في خلال سنة من تاريخ علمه بإقامة المنشآت ومن أقامها، ولا يغير من ذلك تحرير محضر أو تظلم إلى الجهات الإدارية، إذ أن هذه الإجراءات لا تقطع مدة سريان السقوط، وكان ما انتهى إليه الحكم يتفق وصحيح القانون، فإن النعي عليه بسبب الطعن يكون على غير أساس ومن ثم غير مقبول، ويضحى الطعن بالتالي قد أقيم على غير الأسباب المبينة بالمادتين 248، 249 من قانون المرافعات، مما يتعين معه الأمر بعدم قبوله عملا بالمادة 3/ 263 من ذات القانون .

( الطعن رقم 133 لسنة 69 ق - جلسة 18 / 1 / 2023 )

 2- الأصل فى الأحكام أنها كاشفة عن الحق وصدرت صحيحة ومطابقة للقانون ولا يجوز إلغاؤها أو تعديلها لأمور ظنية أو افتراضية لا دليل عليها لمخالفة ذلك لقاعدة أصولية مقتضاها بقاء ما كان على ما كان بما يستوجب بقاء ذلك الحال ما لم يقم دلیل خلافه ، وتوكيداً لقاعدة أخرى مفادها أن اليقين لا يزول بالشك ، فضلاً عن مناهضته لما استقر عليه القضاء من أن الأحكام يجب أن تبنى على الجزم واليقين ولا يصح أن تبنى على مجرد الاحتمال والتخمين ، وبالتالى فإن نقض الحكم المطعون فيه مرهون بما يثبت صدقه وتأكدت صحته من أنه شابه أحد العيوب الواردة على سبيل الحصر فى المادتين 248 ، 249 من قانون المرافعات سالفتى الذكر ولا يكفى فى هذا الخصوص القول باحتمال وقوعها.

( الطعن رقم 1390 لسنة 70 ق - جلسة 25 / 11 / 2022)

3- المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أن الطعن بالنقض هو طريق غير عادى لم يجزه القانون للطعن فى الأحكام النهائية إلا فى أحوال بينها بيان حصر فى المادتين  248 ، 249 من قانون المرافعات وترجع كلها إلى مخالفة القانون أو الخطأ فى تطبيقه أو تأويله أو إلى وقوع بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فيه ، ويقصد فى واقع الأمر مخاصمة الحكم النهائى بما لازمه أن تكون أسباب الطعن من الحالات الواردة بالمادتين سالفتى الذكر وأن توجه إلى هذا الحكم .

( الطعن رقم 1390 لسنة 70 ق - جلسة 25 / 11 / 2022 )

4 ـ إذ كان الحكم الصادر فى الدعوى السابقة رقم ... لسنة 15 ق القاهرة قد صدر فى موضوع دعوى أقامها المطعون ضدهم بطلب طرد الطاعن من شقة النزاع لانتهاء عقد الإيجار بانتهاء مدته وقضى فى موضوعها بالرفض وفى الدعوى الفرعية المقامة من الطاعن بسريان عقد الإيجار المؤرخ 25/10/1998 مــدة حيــاته ، بيد أن الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية قضى صحيحاً بعدم قبول استئناف الحكم الصادر من المحكمة الجزئية لعدم إيداع الكفالة المنصوص عليها فى المادة 221 سالفة الذكر ، وهو حكم صادر فى شكل الاستئناف ــــ من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية ــــ وليس فى موضوع الدعوى الذى يحتج الطاعن فى شأنه بالحكم السابق , ومن ثم فلا قيام للحالة الواردة بالمادة 249 من قانون المرافعات والتى تجيز الطعن بطريق النقض فى أى حكم انتهائى ، ولا يكون الحكم المطعون فيه خالف قضاء سابقاً فى هذا الشأن ، ومن ثم فإن الطعن عليه بطريق النقض يكون غير جائز .

(الطعن رقم 17877 لسنة 85 جلسة 2017/05/03)

5 ـ كما إستهدف الحيلوله دون إستقرار أى قضاء جديد يصدر بالمخالفة لحجية حكم سابق بأن أجاز فى المادة 249 من قانون المرافعات الطعن بالنقض لهذا السبب على أى حكم إنتهائى أياً كانت المحكمة التى أصدرته ، بما مفاده أنه يترتب على صدور حكم سابق نهائياً وحائزاً على قوة الأمر المقضى إنكار لسلطة أيه محكمة بعد ذلك فى إعادة نظر النزاع لتعلق ذلك بالنظام العام ، فإذا ما تجاوزت المحكمة حدود سلطتها وتصدت لنظر النزاع وقضت فيه على خلاف الحكم السابق فإن حكمها يكون صادراً فى خصومه قد انتهى محلها وسببها ، مفتقداً بذلك لأحد أركانه الأساسية التى قوامها صدوره من قاضى له ولاية الفصل فى خصومة مستكمله المقومات أطرافاً ومحلاً وسبباً وفقاً للقانون ،بما يجرده من مقومات صحته ويفقده كيانه وصفته لحكم ويطيح بما له من حصانة وينحدر به إلى درجة الإنعدام .

(الطعن رقم 9106 لسنة 81 جلسة 2013/04/07)

6 ـ مؤدى المادتين 248 ، 249 من قانون المرافعات أن يقتصر الطعن بطريق النقض على الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف وعلى الأحكام الانتهائية أياً كانت المحكمة التى أصدرتها إذا صدرت على خلاف حكم سابق صدوره بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر القضى أما الأحكام التى تصدر من المحكمة الابتدائية بوصفها محكمة الدرجة الأولى فلا يجوز الطعن فيها بطريق النقض وإنما يكون الطعن فى الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف سواء بتأييدها أو بإلغائها أو بتعديلها .

(الطعن رقم 7297 لسنة 81 جلسة 2013/03/20)
(الطعن رقم 1536 لسنة 59 جلسة 1997/05/21 س 48 ع 1 ص 757 ق 149)
(الطعن رقم 2507 لسنة 57 جلسة 1992/12/31 س 43 ع 2 ص 1485 ق 301)

7 ـ إن ما قررته المادة 249 من قانون المرافعات من إجازة الطعن بالنقض استثناءً فى أى حكم انتهائى أياً كانت المحكمة التى أصدرته فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى يندرج ضمن مخالفة القانون باعتبار الحكم فى هذه الحالة مخالفاً للقاعدة القانونية المنصوص عليها فى المادة 101 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 فيما نصت عليه من أن الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق , ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً , وتقضى المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها , ويتوافر التناقض إذا ما فصل الحكم الثانى فى ذات المسألة خلافاً للحكم الأول أو لمقتضاه حتى ولو كانت الطلبات فى الدعويين مختلفة طالما أن المسألة الأساسية بينها واحدة .

(الطعن رقم 524 لسنة 68 جلسة 2003/01/28 س 54 ع 1 ص 289 ق 51)

8ـ  الأصل فى الأحكام الصادرة فى دعاوى الحضانة أنها ذات حجية مؤقتة لأنها مما تقبل التغيير والتبديل بسبب تغير الظروف كما يرد عليها الإسقاط بسبب تغير دواعيها إلا أن هذه الحجية المؤقتة تظل باقية طالما أن مسائل الحضانة التى فصلت فيها ودواعيها وظروف الحكم بها لم تتغير , والحكم الذى ينكر هذه الحجية يكون قد خالف القانون ويجوز الطعن فيه بالنقض عملاً بالمادة 249 من قانون المرافعات متى حاز قوة الأمر المقضى .

(الطعن رقم 524 لسنة 68 جلسة 2003/01/28 س 54 ع 1 ص 289 ق 51)

9 ـ من المقرر أن المشرع أراد أن يدفع خطر تضارب الأحكام الحائزة لقوة الأمر المقضي فاشترط فى المادة 249 من قانون المرافعات لجواز الطعن فى الحكم الانتهائي - دون التفات للمحكمة التي أصدرته - أن يخالف حكماً حاز قوة الأمر المقضي قبله ولا تكون الأحكام حائزة لتلك القوة إلا إذا كانت نهائية غير قابلة للطعن بطريق عادي للطعن، سواء أكانت انتهائية لا تقبل الطعن أصلاً، أم سقط الحق فى الطعن عليها أم رفض الطعن أو انقضت الخصومة فى الطعن والأحكام الابتدائية لا تحوز قوة الأمر المقضي لأن حجيتها مؤقتة تقف بمجرد رفع الاستئناف، فقد نصت المادة 232 مرافعات على أن "الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف" فبمجرد رفع الاستئناف تعدو الدعوى كأنما لم يصدر فيها الحكم المستأنف ويظل الأمر كذلك وتظل حجيته موقوفة لحين انتهاء الاستئناف، ولا حجية للحكم المستأنف أمام محكمة الاستئناف - فواجبها طبقا لنص المادة 233 مرافعات أن تعيد تقدير الموضوع على أساس ما قدم للدرجتين من أدلة ودفوع وأوجه دفاع.

(الطعن رقم 11565 لسنة 65 جلسة 2001/11/26 س 52 ع 2 ص 1176 ق 230)

10 ـ النص فى المادة 249 من قانون المرافعات يدل - وعلى ما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة - على أن الطعن المبني على تناقض حكمين انتهائيين يصح حيث يكون قضاء الحكم المطعون فيه قد ناقض قضاء سابقاً حاز قوة الأمر المقضي فى مسألة كلية شاملة ثار حولها النزاع بين طرفي الخصومة واستقرت حقيقتها بينهما بالفصل فيها فى منطوق الحكم السابق أو فى أسبابه المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً.

(الطعن رقم 307 لسنة 65 جلسة 2001/11/10 س 52 ع 2 ص 1086 ق 211)
(الطعن رقم 10375 لسنة 66 جلسة 1998/11/10 س 49 ع 2 ص 640 ق 155)

11 ـ أجازت المادة 249 من قانون المرافعات للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض فى أى حكم انتهائى أياً كانت المحكمة التى أصدرته فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى سواء دفع بهذا لدى محكمة الموضوع أو لم يدفع وسواء كانت عناصره الواقعية تحت نظر تلك المحكمة أو لم تكن مطروحة عليها وذلك احتراما لحجية الحكم السابق صدوره إذ هى أجدر بالاحترام وحتى لا يترتب على إهدارها تأييد المنازعات وعدم استقرار الحقوق لأصحابها .

(الطعن رقم 498 لسنة 60 جلسة 1995/02/09 س 46 ع 1 ص 375 ق 73)

12 ـ لما كان معني التناقض فى الاصطلاح القانوني لا يختلف عن معناه اللغوي فإنه يتحقق بالتخالف والتعارض بين الحكمين السابق واللاحق بحيث يكون من شأن ثانيهما إزالة المراكز القانونية أو الحقوق إلي أنشأها الحكم الأول بإقرار وجود حق بعد تقرير عدم وجوده، أو بنفي وجود حق سبق تقرير وجوده، أما إذا كان القضاء فى الدعوى الثانية لا يعدو أن يكون تكراراً للقضاء فى الدعوى الاولى ، فإنه يكون موافقاً له، ولا يسري بشأنه حكم المادة 249 من قانون المرافعات. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الحكم الصادر فى الدعوى... لسنة .... قد قضي بتعويض المطعون ضدهما عما أصابهما من ضرر من جراء حادث السيارة المؤمن عليها لدي الطاعنة وأن الحكم المطعون فيه قضي لهما بتعويض عن الضرر ذاته، فإنه لا يكون قد فصل فى النزاع علي خلاف الحكم السابق وإنما بالموافقة له.

(الطعن رقم 10375 لسنة 66 جلسة 1998/11/10 س 49 ع 2 ص 640 ق 155)

13 ـ لما كان الثابت بالأوراق أن الحكم الصادر ببراءة المطعون ضده من تهمة التجريف بتاريخ 1982/1/24 هو أسبق فى صيرورته نهائياً وباتاً من الحكم الآخر الصادر بإدانته وبالتالى فإن الحكم الأخير الصادر فى الجنحة "_" لسنة 81 منيا القمح لا حجية له قبل المحكمة المدنية ولا تثريب عليها إن لم تعتد به _ وإذ أهدر الحكم المطعون فيه حجية الحكمين النهائيين لتعارضهما وأعمل تقديره فى الواقع المطروح عليه وانتهى إلى عدم إخلاء المطعون ضده من الأرض الزراعية المبينة بالأوراق استناداً إلى اطمئنانه لتقرير الخبير الذى أورى بتقريره أن ما قام به الأخير يعتبر من العمليات الزراعية _فإن الحكم المطعون فيه بذلك يكون قد إنتهى إلى النتيجة الصحيحة فى القانون المترتبة على إعمال حجية الحكم الجنائي النهائى الأول والقاضى ببراءة المتهم ومن ثم فإن النعى بمخالفة الحكم المطعون فيه حجية حكم حنائى آخر يكون لا سند له فى الأوراق ولا تتوافر فيه الحالة المنصوص عليها فى المادة 249 من قانون المرافعات ويكون الطعن عليه بالنقض عليه بالنقض غير جائز.

(الطعن رقم 5613 لسنة 61 جلسة 1995/12/28 س 46 ع 2 ص 1505 ق 295)

14 ـ المقرر _ وعلى ما جرى به قضاء محكمة المقض _ أن الحكم الصادر فى دعوى الإشكال _ بحسب الأصل _ لا يمس موضوع الحق ولا يعتبر فاصلا فيه ولا يجوز أمام محكمة الموضوع حجية الشئ المحكوم فيه بل إن لها أن تعدل أو تغير فيها كما أن لها ألا تعتبرها _ فلمحكمة الموضوع على الرغم من صدور حكم بصحة إجراءات التنفيذ التى اتذها الدائن أن تعتبر الإجراءات المذكورة غير صحيحة، ذلك أن الإشكال لا يعد طعناً على السند التنفيذى إنما يتصل بالتنفيذ ذاته للتحقق من مطابقته لأحكام القانون لما كان ذلك وكان الحكم الصادر فى الإشكال "__.." تنفيذ الاسكندرية هو حكم صدر من قاض التنفيذ بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة فى إشكال وقتى ومن ثم فإنه لم يمس أصل الحق ولا يعتبر فاصلاً فيه ولا يحوز الحجية أمام محكمة الموضوع وإذا لم يعتد الحكم المطعون فيه بما قرره هذا الحكم من صحة الإعلان بالسند التنفيذى لجهة الإدارة فإن ذلك لا يعد منه مخالفة حجية الحكم الصادر فى الإشكال المذكور ومن ثم فإن النعى بهذا السبب استناداً لحكم المادة 249 من قانون المرافعات يكون على غير أساس.

(الطعن رقم 774 لسنة 60 جلسة 1995/12/07 س 46 ع 2 ص 1326 ق 261)

15 ـ النص فى المادتين 248، 249 من قانون المرافعات يدل على أن المشرع قد قصر الطعن بالنقض أصلاً على الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف فى الحالات التي بينتها المادة 248 منه إلا أنه أجاز فى المادة 149 الطعن بالنقض فى أى حكم انتهائي أياً كانت المحكمة التي أصدرته فى حالة واحدة على سبيل الاستثناء وهى حالة مخالفته لحكم سابق صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي، ومن ثم فإنه يلزم لجواز الطعن بالنقض فى هذه الحالة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يكون مبنى الطعن فى الحكم فصله فى النزاع على خلاف حكم آخر صدر فى ذات النزاع بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي، وإذ كان الحكم المطعون فيه صادراً من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية وقد قضى فى النزاع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيه وهو ما يعني قضاؤه بالموافقة للحكم السابق وليس بالمخالفة له فإن هذا القضاء غير جائز الطعن فيه بطريق النقض.

(الطعن رقم 3976 لسنة 60 جلسة 1995/03/30 س 46 ع 1 ص 578 ق 115)

16 ـ لما كان البين من الوراق أن الحكم الصادر فى الاستئناف رقم 287 سنة 36 ق المنصورة - والذى يحتج الطاعن بقوته قد صدر فى دعوى أقامتها المطعون عليها بطلب إخلاء الطاعن من شقة النزاع لعدم وفائه بأجرتها فى المادة من 1979/11/ 1حتى آخر ديسمبر سنه 1982 البالغ جملتها مبلغ 1017,600 جنيه وقضى فيها بطلباتها وغذ استأنف الطاعن ذلك الحكم بالاستئناف المشار قضى بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليها _ المطعون عليها - تأسيسا على بطلان التكليف بالوفاء السابق على رفعها لتضمنه مبالغ تزيد عما انشغلت به ذمته من دين الأجرة - بيد أن الثابت أن الحكم المطعون فيه قضى بعدم قبول الاستئناف لعدم سداد الكفالة وفقا لنص المادة 221/1 من قانون المرافعات وهو قضاء فى شكل الاستئناف وليس فى موضوع الدعوى الذى يحتج الطاعن فى شانها بالحكم السابق ومن ثم فلا قيام للحالة الواردة بالمادة 249 من قانون المرافعات والتى تجيز الطعن بالنقض استثناء فى أى حكم إنتهائى غير أحكام محاكم الاستئناف إذ الحكم المطعون فيه صادر - من محكمة ابتدائية - ولم يناقض قضاء الحكم السابق ومن ثم يكون النعى المؤسس على هذا السبب من أسباب الطعن قد ورد على غير محل من قضاء الحكم المطعون فيه .

(الطعن رقم 912 لسنة 60 جلسة 1994/11/20 س 45 ع 2 ص 1417 ق 268)

17 ـ ان المادة 249 من قانون المرافعات تجيز للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض فى أى حكم انتهائى أياً كانت المحكمة التى أصدرته فصل فى نزاع خلافا لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى. ويصح الطعن وفقا للمادة المشار إليها حين يكون قضاء الحكم المطعون فيه قد ناقض قضاء سابقا حاز قوة الأمر المقضى فى مسألة استقرت الحقيقة بشأنها بالفصل فيها فى منطوق الحكم السابق أو فى أسبابه المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمنطوق، العودة إلى المناقشة فى المسألة التى فصل فيها صراحة أو ضمنا ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها فى الدعوى الأولى أو أثرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها.

(الطعن رقم 1284 لسنة 55 جلسة 1993/06/22 س 44 ع 2 ص 741 ق 258)

18 ـ الحكم الصادر فى موضوع التماس إعادة النظر لا يقبل الطعن إلا بنفس طرق الطعن التى يقبلها الحكم المطعون فيه بالالتماس ، وكان ما أجازته المادة 249 من قانون المرافعات من الطعن بالنقض فى أى حكم انتهائى أياً كانت المحكمة التى أصدرته مشروطاً بأن يكون هناك حكم آخر سبق أن صدر فى النزاع ذاته بين الخصوم أنفسهم و حاز قوة الأمر المقضى حتى يجوز الطعن بالنقض فى الحكم الانتهائى الثانى الذى فصل على خلاف الحكم الأول ، وهو مالم يتحقق فى صورة الدعوى وكان نعى الطاعن على الحكم الاستئنافى - وهو صادر من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية - تناقضه إذ قضى بتاريخ 13 / 11 / 1982بإلغاء الحكم المستأنف ثم عاد وقضى فى 15 / 5 / 1985 بتأييد الحكم المستأنف الذى أصبح معدوماً لاوجود له بمجرد صدور الحكم الأول بإلغائه بما يتحقق معه وجود حكمين انتهائيين متناقضين ، وبطلانه وأنه اعتد بورقة مزورة وأغفل الرد على ماطلبه وخالف الثابت بالأوراق كما اعتبر المطعون عليه الثالث من الورثة وهو غير ذلك ، دون أن يتضمن نعيه أنه فصل فى الدعوى على خلاف حكم آخر سبق أن صدر فى النزاع ذاته موضوعاً وسبباً بين الطاعن والمطعون عليهم حاز قوة الأمر المقضى هذا إلى أن التناقض الذى يدعيه الطاعن أياً كان وجه الرأى فيه فهو فى ذات الدعوى المطروحة وليس بشأن حكم صدر فى نزاع آخر سابق ومن ثم فإن الطعن بالنقض يكون غير جائز .

(الطعن رقم 477 لسنة 59 جلسة 1993/04/04 س 44 ع 2 ص 25 ق 147)
(الطعن رقم 224 لسنة 45 جلسة 1978/02/23 س 29 ع 1 ص 589 ق 114)

19 ـ إذ كان الحكم المطعون فيه صادراً من محكمة إبتدائية بهيئة إستئنافية و كان لا يجوز وفقاً لنص المادة 249 من قانون المرافعات الطعن فى هذا الحكم إلا إذا كان قد فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم و حاز قوة الأمر المقضى و كان الطاعن قد أقام طعنه إستناداً إلى ذلك النص على سند من القول أن الحكم المطعون فيه قد خالف حجية حكم جنائى نهائى سابق بين ذات الخصوم و هو الحكم الصادر فى الجنحة رقم . . . قسم شبين الكوم و القاضى ببراءته من إتهامه بتبديد أعيان جهاز المطعون ضدها و بذلك يكون قد خالف القانون بإهدار حجية ذلك الحكم الجنائي النهائى و كان هذا المطعون لا يعد نعياً بأن الحكم المطعون فيه خالف حجية حكم سابق إتحد معه الخصوم و الموضوع و السبب و حاز قوة الأمر المقضى ، بل يعد تعييباً للحكم المطعون فيه بالخطأ فى تطبيق نص المادتين 102 من قانون الإثبات ، 456 من قانون الإجراءات الجنائية . لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف حكماً سابقاً صدر فى نزاع بين الخصوم أنفسهم .

(الطعن رقم 21 لسنة 56 جلسة 1987/01/20 س 38 ع 1 ص 139 ق 33)

20 ـ إنه و إن كانت الأحكام التى تحوز قوة الأمر المقضى حجة بما فصلت فيه من الحقوق و لا يجوز ثبوت دليل ينقض هذه الحجية - على ما نصت عليه المادة 101 من قانون الإثبات- إلا أن تلك الأحكام لا تكتسب هذه القوة إلا بعد صيرورتها نهائية بإستنفاد طريق الطعن العادى المقرر قانوناً و هو الإستئناف .

(الطعن رقم 1104 لسنة 48 جلسة 1980/01/05 س 31 ع 1 ص 89 ق 21)

21 ـ مفاد نص المادة 212 من قانون المرافعات - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن المشرع وضع قاعدة عامة تقضى بعدم جواز الطعن إستقلالاً فى الأحكام الصادرة أثناء سير الخصومة قبل الحكم الختامى المنهى لها و ذلك فيما عدا الأحكام الوقتية و المستعجلة و الصادرة بوقف الدعوى ، و كذلك الأحكام التى تصدر فى شق من الموضوع متى كانت قابلة للتنفيذ الجبرى و رائد المشرع فى ذلك هو الرغبة فى منع تقطع أوصال القضية الواحدة و توزيعها بين مختلف المحاكم .

(الطعن رقم 704 لسنة 53 جلسة 1990/02/15 س 41 ع 1 ص 528 ق 88)

22 ـ تنص المادة 249 من قانون المرافعات على أن للخصوم أن - يطعنوا أمام محكمة النقض فى أى حكم إنتهائى - أياً كانت المحكمة التى أصدرته - فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم و حاز قوه الأمر المقضى و مفاد ذلك - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه إذا كان الحكم السابق قد فصل فى مسألة أساسية أو كلية شاملة و حاز هذا القضاء قوة الأمر المقضى فإن ذلك يمنع الخصوم من التنازع فى شأن أى حق متوقف ثبوته أو إنتفاؤه على ثبوت تلك المسألة أو إنتفائها ، و يتوافر التناقض إذا ما فصل الحكم الثانى فى نفس المسألة خلافاً للحكم أو لمقتضاه ، حتى و لو كانت الطلبات فى الدعويين مختلفة طالما أن المسألة الأساسية فيها واحدة .

(الطعن رقم 157 لسنة 51 جلسة 1984/11/06 س 35 ع 2 ص 1795 ق 340)

23 ـ تجيز المادة 249 من قانون المرافعات للخصوم أن يطعنوا أمام المحكمة النقض فى أى حكم إنتهائى أياً كانت المحكمة التى أصدرته فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم و حاز قوة الأمر المقضى ، و قد جاء النص عاماً مطلقاً بشأن كل حكم إنتهائى صدر على خلاف حكم سابق صدر بين الخصوم أنفسهم حاز قوة الأمر المقضى أياً كانت المحكمة التى صدر منها الحكم المطعون فيه ، فيشمل النص الأحكام الصادرة من القضاء المستعجل ، و يصبح الطعن وفقاً للمادة المشار إليها حين يكون قضاء الحكم المطعون فيه قد ناقض قضاء سابقاً حاز قوة الأمر المقضى فى مسألة إستقرت الحقيقة بشأنها بالفصل فيها فى منطوق الحكم السابق أو فى أسبابه المرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالمنطوق .

(الطعن رقم 2555 لسنة 52 جلسة 1984/03/07 س 35 ع 1 ص 630 ق 119)

24 ـ الأصل فى الأحكام الصادرة فى دعاوى الحضانة أنها ذات حجية مؤقتة لأنها مما تقبل التغيير و التبديل بسبب تغير دواعيها ، إلا أن هذه الحجية المؤقتة تظل باقية طالما أن دواعى الحضانة و ظروف الحكم بها لم تتغير ، و الحكم الذى ينكر هذه الحجية يكون قد خالف القانون و يجوز الطعن فيه بالنقض عملاً بالمادة 249 من قانون المرافعات متى كان الحكم قد حاز قوة الأمر المقضى .

(الطعن رقم 69 لسنة 49 جلسة 1980/04/30 س 31 ع 1 ص 1269 ق 241)

25 ـ إذا كان الحكم المطعون فيه صادر من محكمة إبتدائية بهيئة إستئنائية ، و كان لا يجوز وفقاً لنص المادة 249 من قانون المرافعاتالطعن بالنقض فى هذا الحكم إلا إذا كان قد فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم و حاز قوة الأمر المقضى . و كان ما ينعاه الطاعنان بالسبب الأول أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تأويل القانون ذلك أنهما تمسكا أمام محكمة الزقازيق الإبتدائية بحجة الحكم الجنائي القاضى ببراءتهما من إتهامهما بعدم تحرير عقد عمل للمطعون ضده و لكن المحكمة أجازت له اثبات علاقة العمل بالبينة إستناداً إلى أن ذلك الحكم الجنائي لا يقيدها و لا يمنعها من إعادة البحث فى مضوع الدعوى لأنه لم يجزم بإنتفاء علاقة العمل ، فى حين أن الحكم الجنائي قرر بإنتفاء علاقة العمل بين الطرفين على سبيل الجزم و لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تأويل القانون و شابه فساد فى الإستدلال فهذا المنطق لا يعد نعياً بأن الحكم المطعون فيه خالف حجية حكم سابق إتخذفى الخصوم و الموضوع و السبب و حاز قوة الأمر المقضى بل يعد تعيباً للحكم المطعون فيه بالخطأ فى تأويل القانون بشأن تفسير المادة 102 من قانون الإثبات 456 من قانون الإجراءات الجنائية .

(الطعن رقم 1123 لسنة 48 جلسة 1979/03/10 س 30 ع 1 ص 771 ق 140) 

26 -  المقرر أنه إذا أدخلت على نفقة المؤجر تعديلات جوهرية على جزء من مبنى قديم غيرت من طبيعته أو في طريقة استعماله بحيث تؤثر على قيمة الإيجار تأثيراً محسوساً فإن هذا الجزء يعتبر في حكم المنشأة حديثاً وقت إدخال التعديلات عليه ويخرج من نطاق تطبيق القانون السابق ويخضع من حيث تحديد أجرته لحكم القانون الذي تمت تحت سلطانه هذه التعديلات، وأن استخلاص ما إذا كانت التعديلات جوهرية أو بسيطة لا تحدث هذا الأثر من أمور الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض بشرط أن يكون استخلاصها سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهت إليه، كما أن عمل الخبير لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصر الإثبات الواقعية في الدعوى يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لها سلطة الأخذ بما انتهى إليه إذا رأت فيه ما يقنعها ويتفق وما ارتأته أنه وجه الحق في الدعوى ما دام قائماً على أسباب لها أصلها في الأوراق وتؤدي إلى ما انتهى إليه، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد خلص من تقرير الخبير المنتدب في الدعوى إلى أن الحانوت عين النزاع كان ضمن مغازة (دكان) تم قسمته إلى حانوتين منها الحانوت محل النزاع لاستعماله في بيع "الخردوات" ومحل آخر "فكهاني" ومن ثم فإن كلا الحانوتين مستقل عن الآخر وله أجرته الخاصة به واستعماله المختلف عن الآخر، وانتهى إلى أن تلك التعديلات جوهرية وليست بسيطة، وأنها تخضع في تحديد أجرته للقانون التي تمت في ظله القانون رقم 168 لسنة ،1961 ورتب على ذلك قضاءه بتحديد أجرة حانوت النزاع وفقاً لذلك القانون، وكان ما خلص إليه الحكم سائغاً وكافياً لحمل قضائه وفيه الرد المسقط لكل ما يخالفه، ومن ثم فإن النعي عليه بأسباب الطعن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره لا يجوز التحدي به أمام هذه المحكمة، ومن ثم يضحى الطعن برمته قد أقيم على غير الأسباب المبينة بالمادتين 248 ، 249 من قانون المرافعات، فتأمر المحكمة بعدم قبوله عملاً بالمادة 263 /3 من ذات القانون.

( الطعن رقم 1945 لسنة 77 ق - جلسة 19 / 6 / 2023 )

27 - المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن للقضاء النهائى قوة الأمر المقضى فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم سواء فى المنطوق أو فى أسبابه المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذا المنطوق ، ومتى حاز هذا الحكم هذه القوة فإنه يمنع الخصوم فى الدعوى التى صدر فيها من العودة إلى مناقشة المسألة التى فصل فيها ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها أو أُثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها ، وكانت قوة الأمر المقضى التى تلحق بالأحكام النهائية - حتى ولو أُقيمت على قاعدة غير صحيحة فى القانون - تعلو على اعتبارات النظام العام ، كما أن من المقرر أن الحكم الصادر بعــــــــــــدم اختصاص المحكمة - نوعيًا - هو حكم منه للخصومة كلها فيما فصل فيه وحسمه بصدد الاختصاص ، ولن يعقبه حكم آخر فى موضوعها من المحكمة التى أصدرته ، فيجوز الطعن فيه على استقلال عن طريق استئنافه فى حينه ، والنص فى المادة 249 مرافعات على أن " للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض فى أى حكم انتهائى - أيًا كانت المحكمة التى أصدرته - فصل فى نزاع خلافًا لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى " ، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه لا يشترط للتمسك بمخالفة حكم لقوة الأمر المقضى لأول مرة بأن تكون عناصره الواقعية قد طرحت على محكمة الموضوع ، وأن احترام حجية الأحكام تعلو على ما عداها من اعتبارات النظام العام ، ذلك أن المشرع اعتبر تناقض الأحكام هو الخطر الأكبر الذى يعصف بالعدالة ويمحق الثقة العامة فى القضاء، فأوجب على المحاكم احترام هذه الحجية لأن القاضى لا يسلط على قضائه ، وأوجب على المحاكم على اختلاف درجاتها ألا تعارض بقضائها حكمًا قد صار نهائيًا وباتًا قبل صدور حكمها . لما كان ذلك ، وكان الثابت بالأوراق أن الحكم الصادر فى الدعوى رقم …. لسنة 2008 مدنى كلى أخميم قد فصل فى مسألة الاختصاص وحسمها بقضائه بعدم اختصاص المحكمة نوعيًا بنظر الدعوى واختصاص قاضى التنفيذ بنظرها وصار الحكم نهائيًا لعدم الطعن عليه بالاستئناف ، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص قاضى التنفيذ نوعيًا بنظر الدعوى وإحالتها لمحكمة سوهاج الابتدائية لنظرها ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وفصل فى النزاع على خلاف الحكم السابق - سالف البيان- الذى حاز قوة الأمر المقضى ، ومن ثم يكون الطعن بالنقض جائزًا فى هذه الحالة .

( الطعن رقم 5503 لسنة 87 ق - جلسة 7 / 2 / 2023 )

 

28- المقرر وتقنيناً لمبدأ جامع مانع شامل للحالة المعروضة على محكمة النقض الخاصة بقيام الخصوم برفع أكثر من طعن بالنقض على الحكم المطعون فيه ذاته والتي تخلص في حالتين : الأولي :- إذا فطنت دائرة محكمة النقض حال نظرها للطعن رفع الخصوم لطعن آخر أو أكثر على الحكم المطعون فيه ذاته ولم يحل عليه الدور بتحديد جلسة لنظره – فعندئذ – يتم تكليف قلم الكتاب بضم هذا الطعن إلى الطعن المرتبط المنظور أمامها بضم الطعن الأحدث قيداً إلى الطعن الأقدم قيداً بجدول المحكمة للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد ، الثانية :- إذا لم تفطن الدائرة التي تنظر الطعن – عن سهو أو خطأ أو إغفال – لوجود طعن آخر أو أكثر مرفوع من الخصوم على الحكم المطعون فيه ذاته وفصل دائرة المحكمة في الطعن الآخر ، فإن الفصل في الطعن المعروض يتوقف على منطوق الحكم الصادر في الطعن الأول ، وينحصر في حالتين : الحالة الأولي :- أن تكون دائرة محكمة النقض قد فصلت في الطعن الأول بقرار مسبب – في غرفة مشورة – بعدم قبول الطعن وفقاً لحكم المواد 248 ، 249 ، 263 من قانون المرافعات ، أو بحكم في جلسة المرافعة – وفقاً لحكم المادة (270) مرافعات بعدم قبول الطعن أو برفضه أو بعدم جواز نظره أو بحكم بالتنازل عن الطعن ، في كل هذه الحالات يكون الحكم المطعون فيه قد حاز قوة الأمر المقضي فيمتنع على الدائرة التي تنظر الطعن الثاني الفصل فيه والتصدي له شكلاً أو موضوعاً - حتى ولو كانت الأسباب مرجحة القبول - وتُصدر حكمها بعدم قبول الطعن التزاماً بحجية الأمر المقضي به التي اكتسبها الحكم المطعون فيه بالفصل في الطعن الأول ، الحالة الثانية :- أن تكون دائرة محكمة النقض قد فصلت في الطعن الأول – وفقاً لحكم المادة (268) مرافعات - بنقض الحكم المطعون فيه كله أو بعضه أو بنقضه لمخالفته لقواعد الاختصاص وفقاً لحكم المادة (269) مرافعات - وما يترتب على ذلك وفقاً لحكم المادة (271) من القانون ذاته زوال الحكم المطعون فيه وكافة الأحكام المترتبة عليه ، فيتعين على الدائرة المعروض عليها الطعن أن تقضي في الطعن باعتبار الخصومة في الطعن منتهية لزوال الحكم المطعون فيه ، ويضحي الطعن وارداً على غير محل قائم .

( الطعن رقم 11537 لسنة 83 ق - جلسة 4 / 7 / 2020 ) 

29- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 249 من قانون المرافعات على أن "للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في أي حكم انتهائي - أياً كانت المحكمة التي أصدرته - فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى" مؤداه أن الطعن المبنى على تناقض حكمين انتهائيين يصح حيث يكون قضاء الحكم المطعون فيه قد ناقض قضاءً سابقاً حاز قوة الأمر المقضى في مسألة ثار حولها النزاع بين الخصوم أنفسهم واستقرت حقيقتها بينهم بالفصل فيها في منطوق الحكم السابق أو في أسبابه المرتبطة بالمنطوق .

( الطعن رقم 18924 لسنة 91 ق - جلسة 20 / 4 / 2024 )

30- النص فى المادة 249 من قانون المرافعات على أنه للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض فى أى حكم انتهائى - أياً كانت المحكمة التى أصدرته - فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى، يدل على أن المشرع أجاز استثناء من هذا الأصل الطعن فى الأحكام الانتهائية إذا خالفت حجية حكم سابق صدر بين الخصوم أنفسهم فى مسألة ثار حولها النزاع واستقرت الحقيقة بشأنها بالفصل فيها فى منطوق الحكم السابق أو فى أسبابه المرتبطة به ارتباطاً وثيقاً .

( الطعن  رقم 17641 لسنة 88 ق - جلسة 17 / 4 / 2024 )

31- المادة 249 من قانون المرافعات قد أجازت الطعن في الحكم إذا صدر على خلاف حكم سابق فإنه يجوز للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في أي حكم انتهائي قضى على خلاف حكم سابق صدر بين الخصوم أنفسهم وفى ذات النزاع وحاز قوة الأمر المقضي سواء دُفع بهذا لدى محكمة الموضوع أو لم يُدفع، وعلة ذلك احترام حجية الحكم السابق صدوره في نفس الدعوى إذ هي أجدر بالاحترام، وحتى لا يترتب على إهدارها تأبيد المنازعات وعدم استقرار الحقوق لأصحابها .

( الطعن رقم 26709 لسنة 93 ق - جلسة 5 / 6 / 2024 )

شرح خبراء القانون

ويجوز الطعن بالنقض في غير أحكام محاكم الإستئناف إستثناء في أحوال محددة واردة على سبيل الحصر لا يجوز الطعن في غيرها . وهی في القانون المصري :

(أ) الحكم الإنتهائي – أياً كانت المحكمة التي أصدرته سواء كانت محكمة جزئية أو محكمة إبتدائية - الذي فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي (مادة 249) .

(ب) الأحكام الإنتهائية التي يجيز القانون للنائب العام الطعن فيها لمصلحة القانون في الحالات التي تنص عليها المادة 250.

ويلاحظ بالنسبة لجواز الطعن بالنقض ما يلي :

1- لا يجوز الطعن بالنقض إلا في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية ، ولهذا فإنه حيث يجوز الطعن بالنقض إستثناء في حكم صدر من محكمة أول درجة ، فإنه يجب لجواز الطعن أن يكون الحكم الذي صدر لا يقبل الطعن فيه بالإستئناف . أما إذا كان قد صدر قابلاً للإستئناف ، وفوت المحكوم عليه میعاده فأصبح الحكم نهائياً فإنه لا يقبل الطعن بالنقض رغم توافر إحدى حالاته.

2- حيث يطعن بالنقض في حكم صادر من المحكمة الإستئنافية ، فإن الطعن بالنقض يرد على هذا الحكم ، وليس على الحكم الصادر من محكمة أول درجة والذي كان مطروحاً بالإستئناف على المحكمة الإستئنافية . وذلك سواء قضت هذه الأخيرة بتأييده أو بإلغائه أو بتعديله. ولهذا فإن سبب الطعن بالنقض يجب أن يتوافر في حكم المحكمة الإستئنافية ، فلا يجوز النعى على حكم المحكمة الإستئنافية بما ورد في الحكم الإبتدائي من أسباب لم يأخذ هو بها ، أو بأي عيب منسوب فقط إلى حكم محكمة أول درجة.

3- إذا طعن بالنقض في حكم غير منه للخصومة مع الحكم المنهي ، فيجب أن يكون كل من الحكمين قابلاً للطعن بالنقض ، وأن يرد الطعن عليهما ، وأن يتوافر سبب للنقض في كل منهما أو على الأقل أن يتوافر سبب للنقض في الحكم غير المنهى ويكون هذا الحكم أساساً للحكم المنهي بحيث يؤدي نقض الحكم الأول إلى إلغائه بالتبعية.

4- إذا نص القانون على عدم جواز الطعن في حكم بالإستئناف ، فإن هذا المنع لا يشمل الطعن بالنقض في هذا الحكم، مع ملاحظة أن هذا الطعن لا يكون إلا حيث يجيز القانون الطعن في غير أحكام محاكم الإستئناف أو المحاكم الإستئنافية . على أنه إذا طعن في الحكم بالإستئناف رغم عدم جوازه ، فقضت محكمة الإستئناف بعدم جواز الإستئناف فإن هذا الحكم بعدم الجواز - إذ هو صادر من محكمة الإستئناف - يقبل الطعن بالنقض وفقاً للقاعدة العامة .

5- لا يجوز الطعن بالنقض - لأي سبب - في أحكام المحكمين أو في الأعمال الولائية أيا كان الشكل الذي تصدر فيه. وإذا قبل حكم التحكيم رفع دعوى ببطلانه أمام محكمة الإستئناف ، أو قبل عمل ولائي الطعن فيه بالإستئناف كما هو الحال بالنسبة لحكم ايقاع البيع ، فإن الطعن بالنقض إنما يرد على حكم الإستئناف وليس على حكم التحكيم أو على العمل الولائي .

6- لأن محكمة النقض هي المحكمة العليا بجهة المحاكم ، فلا يجوز الطعن أمامها في أي حكم صادر من جهة قضائية أخرى أو هيئة قضائية عادية أو إستثنائية لا تدخل في الهيكل التنظيمي لجهة المحاكم ، ولو كان هذا الحكم قد صدر انتهائياً من محكمة ثاني درجة أو من محكمة عليا .

الفصل في نزاع على خلاف حكم سابق حائز لقوة الأمر المقضي :

ويعتبر هذا السبب خطأ في الإجراء على أساس أن المحكمة ليس لها ولاية الفصل في نزاع سبق الفصل فيه ، إذ يترتب على صدور الحكم السابق إنكار سلطة أية محكمة بعد ذلك في إعادة نظر النزاع الذي فصل فيه هذا الحكم.

وقد كان مقتضى هذا إمكان التمسك بهذا العيب ولو لم يكن الحكم الثاني متناقضة مع الحكم الأول ، ولكن مبدأ الاقتصاد في الإجراءات يقتضي عدم قبول الطعن إلا حين يتناقض الحكمان ، إذ لا مصلحة للطاعن في إلغاء الحكم الثاني إذا لم يكن متعارضة مع الأول . ويرد الطعن بالنقض على الحكم الأحدث في التاريخ على أساس صدوره مناقضة للحكم الأول.

ويفترض هذا السبب الطعن بالنقض ما يأتي :

1 - حكم أول حائز لقوة الأمر المقضي : فيجب أن يكون قد صدر سابقاً حكم قضائي ، فلا يكفي سبق صدور قرار صادر بموجب سلطة القاضي الولائية ، مثل قرار القسمة الصادر من هيئة التصرفات في حدود سلطتها الولائية ، ولهذا فإنه لا يجوز الطعن بالنقض للتناقض فيما يصدر بعده من أحكام بالإستحقاق على خلاف ما قرره عند تحديد الأنصبة في القسمة ويجب أن يكون الحكم السابق حائزاً لقوة الأمر المقضي أي غير قابل للطعن فيه بالإستئناف . وينظر إلى وصف هذا الحكم عند صدور الحكم الثاني ، فلا ينظر إلى وقت صدور الحكم الأول . ولهذا فإنه لا يشترط أن يكون الحكم الأول قد صدر حائزاً لهذه القوة ، فيكفي أن يصبح كذلك بإنقضاء مواعيد الطعن العادية أو بقبول الحكم من المحكوم عليه . كذلك فإنه إذا كان الحكم الأول هو من الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع التي لا تقبل الطعن فيها على إستقلال وإنما تعتبر مستأنفة مع الحكم الصادر في الموضوع ، فلا يوجد ما يمنع محكمة الإستئناف من مخالفة هذا الحكم الذي لم يحز قوة الأمر المقضي ويعتبر مطروحة عليها مع إستئناف الحكم في الموضوع ومن ناحية أخرى ، فإنه لا ينظر إلى وقت رفع الدعوى التي صدر فيها الحكم الثاني بل إلى وقت صدور هذا الحكم.

ولا يهم أن يكون الحكم الأول صحيحاً أو عادلاً ، فيجوز الطعن في الحكم الثاني الذي يناقضه ولو كان الحكم الأول قد خالف القانون أو خالف قاعدة من قواعد النظام العام إذ قوة الأمر المقضي تسمو على قواعد النظام العام.

2- حكم ثان حائز لقوة الأمر المقضى . ويجب أن يكون هذا الحكم قد صدر إنتهائياً ، فإذا صدر قابلا للطعن فيه بالإستئناف وفوت المحكوم عليه ميعاد الطعن أو قبل الحكم ، فليس له الطعن في هذا الحكم بالنقض وفقاً لهذه الحالة ويقبل هذا الحكم الطعن فيه أياً كانت المحكمة التي أصدرته ، ولو كانت محكمة جزئية أو إبتدائية - كمحكمة أول درجة أو دائرة إستئنافية - أو محكمة إستئناف . وسواء كانت هي نفس المحكمة التي أصدرت الحكم الأول أو محكمة أخرى ولو كانت المحكمة الأخرى محكمة جنائية ولا يشترط لقبول الطعن أن يكون الطاعن قد دفع أمام هذه المحكمة بحجية الحكم السابق ، أو باستنفاد ولاية المحكمة.

على أنه يلاحظ أن إجازة الطعن في الحكم الحائز لقوة الأمر المقضى لصدوره على خلاف حكم سابق حائز لقوة الأمر المقضي لا يعتبر إستثناء على المادة 212 مرافعات ، ولهذا فإن الطعن في الحكم هنا أيضاً لا يجوز إلا إذا كان الحكم منهيا للخصومة كلها وذلك فيما عدا ما نصت عليه هذه المادة من إستثناءات.

3- ألا تكون للمحكمة التي أصدرت الحكم الثاني سلطة إصداره .

ويتحقق هذا في فرضين :

(أ) أن يكون الحكم الأول قد صدر فاصلاً في دعوى وحاز حجية الأمر المقضي ، ويصدر الحكم الثاني في ذات الدعوى فمقتضى حجية الأمر المقضى عدم جواز نظر الدعوى مرة أخرى ، ولهذا لا يكون للمحكمة التي أصدرت الحكم الثاني سلطة إصداره . ويشترط عندئذ وحدة الخصوم والمحل ، والسبب . فإذا لم تتوافر هذه الوحدة في العناصر الثلاثة ، فإنه لا يجوز الطعن في الحكم الثاني بالنقض إستناداً إلى صدوره على خلاف حكم سابق .

(ب) أن يكون الحكم الأول قد فصل في مسألة عرضت أثناء الخصومة ، سواء كانت مسألة موضوعية أو إجرائية ، بحيث إستنفدت المحكمة ولايتها بشأنها . وعندئذ لأن إستنفاد المحكمة لولايتها لا يكون إلا داخل الخصومة التي صدر فيها الحكم ، فإن هذا الحكم - إذ لم يفصل في دعوى - لا تكون له حجية خارج الخصومة ، ولهذا فإن فصل الحكم الثاني في نفس المسألة على خلاف الحكم السابق لا يكون سبباً للنقض إلا إذا كان الحكم الثاني قد صدر في نفس الخصومة . فإن صدر في خصومة مختلفة ولو في نفس الدعوى فإنه لا يجوز الطعن فيه بالنقض . هذا ولو كان الحكم الأول قد حاز قوة الأمر المقضى ، وكان الحكم الثاني قد صدر انتهائياً وذلك مع ملاحظة أن الإستئناف يعتبر مرحلة من نفس الخصومة مكملة لخصومة أول درجة. وتطبيقا لهذا قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى ببطلان الإستئناف المرفوع بعريضة لوجوب رفعه بتكليف بالحضور وذلك على خلاف حكم سابق في إستئناف آخر عن ذات الحكم المستأنف قضى نهائياً ببطلان الإستئناف لوجوب رفعه بعريضة تودع قلم الكتاب ، وكان الحكم الإستئنافي الأول نهائياً ، فإنه يجوز الطعن في الحكم الثاني الذي ناقض الحكم الأول.

4 - تناقض بين الحكمين ، أي أن يكون الحكم الثاني قد فصل في نفس الدعوى أو نفس المسألة خلافاً للحكم الأول أو خلافاً مقتضاه . وبعبارة محكمة النقض : «يكون قضاء الحكم المطعون فيه قد ناقض قضاء سابقا حاز قوة الأمر المقضي في مسألة ثار حولها النزاع بين طرفي الخصومة وإستقرت حقيقتها بينهما بالفصل فيها» وينظر إلى منطوق كل من الحكمين ، مع ملاحظة أن المنطوق قد يرد في الأسباب ، وأن المنطوق قد يكون صريحاً أو ضمنياً، وأن التناقض قد يوجد لا بسبب وحدة الطلب الذي فصل فيه الحكمان على نحو مختلف و إنما أيضاً - رغم اختلاف الطلبين - إذا كانت المسألة الأساسية فيهما واحدة.

جواز الطعن بالنقض في أحكام الدائرة الإستئنافية كمحكمة ثاني درجة استثناء :

رفعت دعوى أمام محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية فقضت بعدم إختصاصها وإحالتها إلى محكمة القاهرة الاقتصادية لإختصاصها نوعياً بها ، ولم يطعن في هذا الحكم في الميعاد ، فقضت المحكمة الإقتصادية بعدم إختصاصها وإحالتها إلى محكمة جنوب القاهرة . تم إستئناف هذا الحكم أمام الدائرة الإقتصادية الإستئنافية فقضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف . تم الطعن في هذا الحكم بالنقض.

ورغم نص المادة 11 من قانون المحاكم الاقتصادية الذي مفاده عدم جواز الطعن بالنقض في أحكام الدائرة الإستئنافية كمحكمة درجة ثانية ، فقد قضت محكمة النقض بجواز الطعن بالنقض . وقد إستندت محكمة النقض في هذا الحكم إلى أن حكم محكمة جنوب القاهرة بالإحالة إلى محكمة القاهرة الإقتصادية «لم يطعن فيه فأضحى نهائياً وباتاً و حائزاً لقوة الأمر المقضي التي تعلو على إعتبارات النظام العام ، ومن ثم فقد كان لزاماً على المحكمة المحال إليها أن تلتزم بالفصل في الدعوى بإعتبار أن هذا القرار ينطوي على سابقة قضائية بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ، ولا تتصدی من جديد لمسألة الإختصاص» . «فإن وقع الحكم مخالفاً لتلك القواعد فلا يحصنه من الطعن عليه أمام النقض . ولا يكون ثمة محل للقول بأن يفلت هذا الحكم المخالف من رقابة محكمة النقض بحجة أن الحكم صدر من المحكمة الإقتصادية بهيئة إستئنافية بصفتها محكمة درجة ثانية . والقول بغير ذلك يعد مخالفا لتحقيق العدالة والتي لا يتعين إهدارها في سبيل سرعة الفصل في الأنزعة الإقتصادية».

أسباب الطعن بالنقض :

لم يحدد قانون المحاكم الإقتصادية أسباب الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من المحاكم الإقتصادية . ولهذا يجب القول بأنه يجوز الطعن بالنقض فيها في الأحوال التي تنص عليها المادة 248 من قانون المرافعات ، أي إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله ، أو إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر الحكم. وتقبل هذه الأحكام الطعن بطريق النقض دائماً دون التقيد بالنصاب المنصوص عليه في قانون المرافعات أي ولو كانت قيمة الدعوى لا تتجاوز مائة ألف جنيه . ونتيجة لهذا يجوز الطعن في هذه الأحكام أيا كان وجه الخطأ في تقدير الدائرة الإستئنافية لقيمة الدعوى التي صدر فيها الحكم .

وفضلاً عن ذلك ، يجوز الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من الدوائر الإستئنافية سواء صدرت في الدعاوى التي تنظرها ابتداءاً ، أو في إستئناف أحكام الدوائر الإبتدائية ، أو في أحكام الدوائر الإبتدائية إذا إنقضى ميعاد إستئنافها ، وفقاً لما تنص عليه المادة 249 مرافعات من أن للخصوم أن يطعنوا فيها بالنقض إذا كان الحكم قد «فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي». وذلك بإعتبار تلك الأحكام أحكاماً تصدر بصفة إنتهائية .

الدائرة الإقتصادية بمحكمة النقض :

عمد قانون المحاكم الاقتصادية ، إلى استكمال الهيكل المستقل لقضاء المحاكم الإقتصادية بتخصيص دائرة نقض للطعن في أحكام المحاكم الإقتصادية . فقد نصت المادة 12/ 1 من قانون المحاكم الإقتصادية على أن «تشكل بمحكمة النقض دائرة أو أكثر تختص دون غيرها ، بالفصل في الطعون بالنقض في الأحكام المنصوص عليها في المادة (11) من القانون» .

فإلى جانب ما تنص عليه المادة (2) من قانون السلطة القضائية الخاصة بتشكيلات محكمة النقض «من أن تكون لها دوائر النظر المواد الجنائية ودوائر النظر المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية والمواد الأخرى»، أضاف قانون المحاكم الإقتصادية دوائر تختص دون غيرها» بالطعون في أحكام المحاكم الإقتصادية». والملاحظ أن المادة 12/ 1 لم تنص على أن يكون بمحكمة النقض دائرة أو أكثر» لهذه الطعون ، على النهج الذي اتخذه المشرع في المادة (3) من قانون السلطة القضائية ، ولكنها نصت على أن هذه الدائرة «تختص دون غيرها بالفصل في الطعون بالنقض» المتعلقة بالأحكام الإقتصادية .

وتصدر الدائرة الإقتصادية أحكامها مشكلة من خمسة مستشارين ، إذ لم ينص القانون على تشكيل خاص لها .

دائرة فحص الطعون : تنص المادة 12/ 2 على إنشاء دائرة مشكلة من ثلاثة مستشارين لفحص الطعون في أحكام المحاكم الإقتصادية . فوفقاً لهذا النص «تنشأ بمحكمة النقض دائرة أو أكثر لفحص تلك الطعون تتكون كل منها من ثلاثة من قضاة المحكمة بدرجة نائب رئيس على الأقل . لتفصل ، منعقدة في غرفة المشورة ، فيما يفصح من الطعون عن عدم جوازه أو عن عدم قبوله لسقوطه أو لبطلان إجراءاته» .

وتتكون دائرة فحص الطعون من ثلاثة من قضاة المحكمة بدرجة نائب رئيس محكمة النقض على الأقل ، وهو تشكيل يختلف عن الدائرة التي تنظر الطعن ، وهي مشكلة من خمسة مستشارين .

والنص على دائرة خاصة لفحص الطعون ، غير الدائرة التي تنظر الطعن ، هو إحياء لنظام كان يأخذ به المشرع المصري بالنسبة للطعن بالنقض في غير المواد الجنائية في المادة (3) من قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959 الذي صدر أثناء الوحدة مع سوريا ، ولكن التجربة أثبتت فشله ، فألغاه المشرع المصري في قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965.

وقد ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن هذا الإلغاء ما يلي :

تضمن المشروع إلغاء دوائر فحص الطعون بمحكمة النقض لما رؤي من أن هذا النظام لم يحقق الغاية المرجوة منه ، وهي معالجة تراكم القضايا ، بل على العكس من ذلك أسفر عن تكرار للإجراءات وتعطيل للطعون و إزدواج العمل بغير مبرر . كما أنه قد أبعد عن الدوائر الخماسية المستشارين القدامى ، وترتب عليه وقوع التناقض بين دوائر الفحص والدوائر المدنية . ولقد ألغى هذا النظام في فرنسا التي إقتبسه منها التشريع المصري ، لما تبين من عدم صلاحيته» .

ومع ذلك ، جاء قانون المحاكم الإقتصادية ليأخذ بهذا النظام الذي تبين - بالتجربة - عدم صلاحيته . بل إنه عممه على الطعون في أحكام الدوائر ليشمل المواد الجنائية ، في حين أن قانون 56 لسنة 1959 كان يستثنى منه هذه المواد .

إختصاص دائرة فحص الطعون :

يعرض الطعن على دائرة فحص الطعون ، بعد إيداع نيابة النقض مذكرة برأيها (مادة 12/ 3) . وتختص الدائرة بالنظر «فيما يفصح من الطعون عن عدم جوازه أو عدم قبوله لسقوطه أو لبطلان إجراءاته» (مادة 12/ 2) .

فهي تختص بما يلي :

1- التحقق من أن الطعن قد رفع عن حكم يجوز الطعن فيه بالنقض .

فإذا كان الطعن يتعلق بحكم صدر من الدائرة الإستئنافية بإعتبارها محكمة درجة ثانية ، ولم يكن الطعن مبنياً على صدوره على خلاف حکم سابق حائز لقوة الأمر المقضى ، قررت الدائرة عدم جواز الطعن.

2- التحقق من أن الطعن قد رفع في الميعاد . فإذا كان قد رفع بعد إنقضاء الميعاد فإن الدائرة تقضي بعدم قبول الطعن لسقوط الحق فيه .

3- التحقق من أن الطعن قد رفع ممن له حق في رفعه وضد طرف صدر الحكم ضده في الخصومة التي صدر فيها الحكم ، وأن الطاعن لم يسبق له قبول الحكم الذي يطعن فيه ، وأن إجراءات الطعن لم يشبها عيب يبطل رفع الطعن .

ولصراحة نص المادة 12/ 2 و 3 من القانون ، فإن هذا التحديد يرد على سبيل الحصر. ولهذا ليس لدائرة فحص الطعون ، على خلاف ما تقضى به المادة 263/ 3 من قانون المرافعات بالنسبة لغرفة المشورة ، النظر فيما إذا كان الطعن قد أقيم على غير الأسباب المبينة في المادتين 248 و 249 أو على أسباب تخالف ما إستقر عليه قضاء محكمة النقض . وحسنا فعل القانون بتحديد سلطة دائرة فحص الطعون على هذا النحو .

وتبدى دائرة فحص الطعون رأيها حسب ما يظهر من أوراق الطعن من توافر أو عدم توافر شروط قبول الطعن سالفة الذكر . فإن تخلف أحد هذه الشروط أصدرت قراراً بعدم قبول الطعن ، مع إلزام الطاعن بالمصروفات ، ومصادرة الكفالة كلها أو بعضها . وتنص المادة 12 على مصادرة الكفالة «أن كان لذلك مقتضى» . والصحيح أنه مادامت الدائرة قد قررت عدم قبول الطعن فإنه يجب عليها مصادرة الكفالة .(تنظر المادتان 263/ 3 و 270 من قانون المرافعات) .

وقد أوجب القانون أن يكون قرار الهيئة بعدم قبول الطعن «مسبباً تسبیباً موجزاً» . وهو نفس ما توجيه المادة 263/ 2 مرافعات بالنسبة لقرارات غرفة المشورة بالدوائر العادية .

فإذا قدرت الدائرة توافر الشروط سالفة الذكر ، فإن الطعن يكون جديراً بالنظر . وعندئذ تقوم دائرة فحص الطعون - دون بيان أية أسباب – بإحالة الطعن إلى الدائرة الإقتصادية مع تحديد جلسة أمام هذه الدائرة لنظره» ( 12/ 3 ) . والنص على تحديد جلسة أمام الدائرة الخماسية لنظره منقول عن المادة 263/ 4 من قانون المرافعات . على أنه يلاحظ أن المادة 263/ 4 تتعلق بقرار إحالة صادر من نفس الدائرة المحال إليها ، وهي تحدد جلسة لسماع المرافعة في الموضوع بعد أن تكون قد أتمت دراسته . أما دائرة فحص الطعون فهي دائرة مختلفة مشكلة من قضاة مختلفين ، ولا يمكن لدائرة فحص الطعون تحديد جلسة أمام الدائرة المختصة ، لسماع المرافعة في الموضوع قبل قيام هذه الأخيرة ببحث الموضوع.

وسواء صدر قرار دائرة فحص الطعن بعدم قبول الطعن أو بالإحالة إلى الدائرة المختصة ، فإن قرارها هذا لا يقبل الطعن فيه بأي طريق.

عدول الدائرة الإقتصادية عن مبدأ قانونى :

الم يواجه المشرع حالة ما إذا أرادت «الدائرة الإقتصادية» بمحكمة النقض العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة من الدوائر الإقتصادية ، أو العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة من دوائر أخرى مدنية أو تجارية ، أو جنائية . ولم ينظم قانون المحاكم الإقتصادية هيئة عامة بمحكمة النقض الدوائر الإقتصادية ، كما لم ينظم الإحالة من الدائرة الإقتصادية إلى هيئة عامة من الهيئتين العامين التي تنص عليهما المادة (4) من قانون السلطة القضائية أو إلى الهيئتين مجتمعتين .

ونرى أن نص المادة (4) من قانون السلطة القضائية يتسع ليشمل الدائرة (أو الدوائر الإقتصادية بمحكمة النقض . ذلك أن المادة (4) تنص على أن تشكل هيئة عامة للمواد الجنائية وليس للقضايا التي تنتظرها الدوائر الجنائية ، ويدخل في المواد الجنائية» الأحكام الجنائية التي تصدر من الدائرة الاقتصادية بمحكمة النقض . ومن ناحية أخرى ، فإن المادة (4) سلطة قضائية تنص على أن الهيئة الثانية تكون المواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها». ويدخل في اصطلاح «غيرها» الدعاوى غير الجنائية التي تنتظرها الدوائر الإقتصادية .

ولهذا ، فإنه إذا رأت الدائرة الإقتصادية بمحكمة النقض العدول عن مبدأ قانونى قررته الدوائر الإقتصادية ، فإنها تحيل الدعوى إلى الهيئة القضائية المختصة ، بمعنى أنه إذا كانت الدعوى الإقتصادية ليست جنائية فإنها تحيلها إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ، وإذا كانت الدعوى جنائية ، فإنها تحيل الدعوى إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية .

فإذا رأت الدائرة الإقتصادية بمحكمة النقض ، وهي تنظر دعوى جنائية العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام صادرة من الدوائر المدنية أو التجارية ، أو كانت الدعوى التي تنظرها دعوی غیر جنائية ، ورأت العدول عن مبدأ قانونى قررته الدوائر الجنائية ، فإنها تحيل الدعوى إلى الهيئتين العامتين مجتمعتين ، وفقاً للمادة 4/ 3 من قانون السلطة القضائية .

ومن البديهي أن قضاة الدوائر الإقتصادية بمحكمة النقض هم جزء من قضاة المحكمة ، ولهذا فإنهم يدخلون في تشكيل كل من الهيئتين العامتين . (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة :  616)

الطعن بالنقض لمخالفة حكم سابق:

أجاز المشرع الطعن في الأحكام الصادرة إنتهائياً إذا كانت مناقضة لحكم سابق، فإن كان الحكم اللاحق صادرا من محكمة الدرجة الأولى، وكان الحكم - السابق صادراً أيضاً منها وحائزاً حجية الأمر المقضي، بأن كان صادرا في النصاب الابتدائي ولم ينغلق بعد باب الطعن فيه بالإستئناف، فإنه يجوز الطعن بالإستئناف في الحكم اللاحق رغم صدوره إنتهائياً ويعتبر الحكم السابق مستأنفاً بقوة القانون تمكيناً للمحكمة الإستئنافية من تدارك هذا التناقض عملاً بالمادة (222) من قانون المرافعات. .

أما إذا كان الحكم السابق قد حاز قوة الأمر المقضي، سواء بإنقضاء مواعيد الطعن فيه أو لصدوره بصفة إنتهائية غير مشوب بعيب أو لصدوره من محكمة إستئنافية ، وهو ما يخرج عن نطاق المادة (222) سالفة البيان، فإن الحكم اللاحق يكون قد ناقض حکماً حائزاً لقوة الأمر المقضي ولا سبيل الإهدار هذه القوة ولا يبقى لإزالة هذا التناقض إلا إلغاء الحكم اللاحق ، وإذا أمتنع ذلك عن طريق إستئنافه ، فإن السبيل إلى ذلك يكون عن طريق الطعن بالنقض وفقاً للمادة (249) من قانون المرافعات، فيطعن في الحكم اللاحق بالنقض سواء كان صادر من محكمة جزئية أو إبتدائية بإعتبارها محكمة أول درجة أو بإعتبارها هيئة إستئنافية .

 إذا كان الحكم السابق صادر من محكمة الدرجة الأولى في حدود نصابها الإنتهائي مشوباً بمخالفة قواعد الإختصاص القيمي أو النوعي أو الولائي ، فإنه يكون حائزاً حجية الأمر المقضي ويجوز الطعن فيه بالإستئناف ، فإن صدر حكم لاحق بصفة إنتهائية وكان مخالفاً له ، فإن الحكم الأخير يكون جائزاً الطعن فيه بالإستئناف عملاً بالمادة (222) ولا يجوز الطعن فيه بالنقض إلا إذا كان الحكم السابق حائزاً قوة الأمر المقضي بعدم خضوعه للطعن بالإستئناف، بأن يكون غير مشوب بأي من العيوب سالفة البيان.

ومتى صدر الحكم إنتهائياً من المحكمة الإبتدائية مشوباً بأحد العيوب سالفة البيان، وطعن فيه بالإستئناف ، إقتصر الطعن بالنقض على الحكم الإستئنافي عملاً بالمادة (248) دون أن يمتد إلى الحكم الصادر من المحكمة الإبتدائية.

 وإذا صدر حكم بصفة إنتهائية، مشوباً بمخالفة قواعد الإختصاص القيمي أو النوعي أو الولائي، أو مشوباً بالبطلان أو وقع بطلان في الإجراءات أثر في الحكم، وكان في ذات الوقت صادراً على خلاف حکم سابق حائزاً لقوة الأمر المقضي، فلا يجوز الطعن فيه بالنقض عملاً بالمادة (249) إذ كان طريق الطعن فيه بالإستئناف مفتوحاً عملاً بالمادتين (221)، (222) من قانون المرافعات، والمقرر أنه لا يجوز ولوج طريق من طرق الطعن غير العادية إلا إذا كانت الطرق العادية موصدة وقت صدور الحكم.

وتتصدى محكمة النقض لذلك ولو من تلقاء نفسها، ويتعين عليها عندما يستند الطعن إلى المادة (249) أن تتحقق من إنتفاء شروط المادتين (221) ، (222) سالفتي البيان لتصدي لشكل الطعن ، فإن تبين لها توافر تلك الشروط في الحكم الإنتهائي المطعون فيه قضت بعدم جواز الطعن .

ويتوافر سبب النعي إذا صدر الحكم اللاحق بالمخالفة لحجية الحكم السابق أو بالمخالفة لمسألة أساسية أو كلية شاملة جمعت الحكمين .

والعبرة بجواز الطعن بالنقض في الحكم الإنتهائي أن يكون وقت صدوره قد ناقض حکماً سابقاً صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي ، لأن المصلحة في الطعن تتحقق عند صدور الحكم المطعون فيه، ولا ينال من جواز الطعن أن يكون الحكم السابق قد نقض عند نظر الطعن المرفوع عن الحكم اللاحق .

ويجب لجواز الطعن إتحاد الحكمين في الخصوم والموضوع والسبب بحيث إن كان الخصم قد دفع أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه بعدم جواز نظر الدعوى لقضي بذلك عملاً بالمادة (101) من قانون الإثبات .

مفاد ما تقدم، أنه يشترط للنعي على الحكم اللاحق لصدوره على خلاف حكم آخر سابق حائزاً قوة الأمر المقضي ، وهو يندرج ضمن مخالفة القانون، أن يوجد حکم حائز قوة الأمر المقضي وقت صدور الحكم اللاحق، وأن يكون الحكم اللاحق قد صدر انتهائياً غير قابل للطعن فيه بطريق من الطرق العادية كالمعارضة - في بعض المسائل - أو الإستئناف، وأن يصدر الحكمان بين نفس الخصوم وفي ذات الموضوع ولنفس السبب بما يتحقق به عناصر الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، ولكن لا يشترط التمسك بهذا الدفع لأنه لو كان قد تمسك به ما صدر الحكم اللاحق، وإن تمسك به ورفضته المحكمة، كان حكمها مشوباً بمخالفة القانون وجاز الطعن فيه بالنقض إن كان صادراً بصفة إنتهائية، ولا يعتبر هذا النعي سبباً جديداً في النقض إن لم يكن المحكوم عليه قد دفع بحجية الحكم السابق، وذلك إلتزاماً بنص المادة (249) من قانون المرافعات.

شروط جواز الطعن لمخالفة حجة حكم سابق :

أوضحنا فيما تقدم، أن للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في أي حکم إنتهائي ، أياً كانت المحكمة التي أصدرته، فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي. ومن ثم يجب الجواز الطعن أن تتوافر شروط حجية الأمر المقضي بين الحكم السابق الذي حاز قوة الأمر المقضي والحكم الذي صدر بعد ذلك بصفة إنتهائية.

حجية الأمر المقضي :

و تتعلق حجية الأمر المقضي بالأحكام الصادرة في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية ، وهذه الأحكام تكتسب حجية الأمر المقضي فور صدورها، وتتحول هذه الحجية إلى قوة الأمر المقضي فور إنغلاق طرق الطعن العادية ، وإن كان المشرع قد جعل عنوان الفصل الثاني من الباب الرابع من قانون الإثبات «حجية الأمر المقضي فإنه قد أوضح بالمادة (101) من هذا القانون أن المقصود من هذا الفصل هو «قوة الأمر المقضي».

وتثبت حجية الأمر المقضي للحكم القطعي فور صدوره، ولكن هذه الحجية تقف مؤقتاً إذا طعن فيه بالإستئناف، أما قبل الطعن، فإن حجية الحكم تكون بمثابة قوة الأمر المقضي، بحيث لو كانت توجد دعوى مماثلة بين نفس الخصوم وبنفس الموضوع والسبب، كانت محلاً للدفع بالإحالة ، وطالما إستقام الدفع، فلا ينال منه وقف حجية الحكم بعد ذلك. لكن اذا رفعت الدعوي المماثلة بعد وقف حجية الحكم ، إستقامت ، وحينئذ يتوقف مصيرها على الفصل في الإستئناف .

 فإذا قضت محكمة الإستئناف بالغاء الحكم الإبتدائي ، زالت حجيته ، ولا ينال من ذلك الطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي، إذ تظل للحكم الأخير حجيته بالرغم من الطعن فيه بالنقض، لكن اذا قضت محكمة النقض، بنقض هذا الحكم، زالت الآثار التي كانت قد ترتبت عليه، و منها زوال حجية الحكم الإبتدائي، وبالتالي تعود للحكم الأخير حجيته، ويتوقف مصير تلك الحجية على الفصل في الإستئناف بعد تعجيل السير فيه فإن لم يعجل خلال الستة أشهر التالية من صدور حکم النقض، سقط الحق في الإستئناف ، وإستقرت الحجية للحكم الابتدائي وحاز قوة الأمر المقضي، اما اذا تم التعجيل خلال هذه المدة ، وقفت من جديد حجية الحكم الإبتدائي ، فإن قضت محكمة الإستئناف بتأييد الحكم الإبتدائي حاز قوة الأمر المقضي، أما أن قضت بالغائه ، زالت حجيته.  

وإذ يحوز الحكم الإبتدائي حجية الأمر المقضي فور صدوره، وتقف بالطعن فيه بالإستئناف، فإنه يكتسب قوة الأمر المقضي اذا إنقضت مواعيد الإستئناف دون رفعه. ومحكمة الإستئناف وحدها هي التي تقرر بانقضاء مواعيد الإستئناف إذا كان الإستئناف قد رفع.  

وإن فصلت المحكمة في شق من النزاع بحكم قطعي، كما لو قضت بفسخ العقد ، ثم أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات الضرر لتقدير التعويض ، فإن هذا القضاء الصادر بالفسخ يحوز حجية الأمر المقضي فور صدوره، ولكنه لا يجوز الطعن فيه بالإستئناف إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، فلا يصبح نهائياً إلا بصدور الحكم الأخير وعدم رفع طعن عنه في الميعاد ، أو بصدور الحكم في الطعن، ولذلك لا يجوز التمسك بحجية هذا الشق في دعوي اخري الا بعد ضرورة الحكم نهائياً ، إذ يحوز بذلك قوة الأمر المقضي.

ويكون الحكم الذي يصدر في حدود النصاب الإنتهائي للمحكمة حائزاً لقوة الأمر المقضي مالم یکن مشوباً بالبطلان وحينئذ يجوز الطعن فيه بالإستئناف ووقف حجينه مؤقتاً، فإن كان مناقضاً لحكم سابق صدر بين الخصوم وحاز قوة الأمر المقضي، جاز الطعن فيه بالنقض.

ولما كان الحكم الإبتدائي يفقد حجيته في الفترة من صدور الحكم الإستئنافي بإلغاء الحكم الأول وحتى صدور حکم النقض بنقض الحكم الإستئنافي ، وهو ما يجوز معه رفع دعوى جديدة ، ولما كان مصير الطعن بالنقض لا يتقرر إلا بصدور الحكم فيه من محكمة النقض ، وهي وحدها التي تحسم النزاع في شأنه شكلا وموضوعا حتى لو كان الطعن ظاهر البطلان، فإنه يتعين علي المحكمة التي ترفع إليها الدعوى الجديدة، ولحسن سير العدالة، أن توقفها تعليقاً على صدور حکم النقض ، فإن لم توقفها واصدرت حكما فيها، فإنه يكون مؤسساً على الحكم الإستئنافي الذي قضى بإلغاء الحكم الابتدائي، فيرتبط مصيره بمصير الحكم الإستئنافي، ذلك أن الحجية تتعلق بالنظام العام، وتلتزم بها المحكمة من تلقاء نفسها، وما كان لها أن تتصدى للدعوي الجديدة لولا صدور الحكم الإستئنافي الذي أدى إلى زوال حجية الحكم الإبتدائي مما ترتب عليه التصدي للدعوى الجديدة فيكون الحكم الصادر فيها مؤسساً على الحكم الإستئنافي، فإذا قضت محكمة النقض برفض الطعن المرفوع عن الحكم الأخير، استقر هذا الحكم وتبعه الحكم الصادر في الدعوى الجديدة ، اما اذا نقض الحكم، وجب إلغاء الحكم الأخير كأثر لازم النقض الحكم ويقع هذا الإلغاء بقوة القانون ويغير حاجة إلى صدور حکم آخر بذلك وتزول أية حجية كان هذا الحكم قد أكتسبها.

قوة الأمر المقضي :

تكفل الدولة حق التقاضي كما تكفل حق الدفاع، فقد وضع القانون القواعد المنظمة لعلاقات الأشخاص، طبيعيين وإعتباريين ، وأجاز لكل منهم الحق في اللجوء للقضاء طلباً لحماية حقوقه من أي إعتداء قد يقع عليها من الغير وفقا للإجراءات المنظمة لاستعمال هذا الحق، وأجاز في نفس الوقت للخصم الأخر مجابهة هذا الأدعاء بكل جوانبه، فنظم الدفوع وأوجه الدفاع التي تمكنه من ذلك وأطلق له الحق في إبدائها وفقاً لهذا التنظيم حتى إذا ما صدر الحكم منهياً لهذا النزاع الذي نشب بين الخصمين كان كل منهما قد تمكن من إبداء كل ما يعن له من وسائل الدفاع التي قررها القانون، ولم يجعل هذا الحكم نهاية المطاف في النزاع إلا إذا قبله الخصمان وانقضت مواعيد الطعن أو كانت قيمته تحول دون الطعن في الحكم المنهي للخصومة ، فقد أجاز الطعن في الحكم ورتب على هذا الطعن طرح النزاع من جديد أمام المحكمة الإستئنافية . بالنسبة لما لم يقبله الطاعن من الحكم او بالنسبة للحكم كله إذا طعن عليه بجميع أجزائه وخول له القانون إبداء أوجه دفاعه من جديد واضافة أسباب جديدة للأسباب التي ضمنها صحيفة الإستئناف وألزم المحكمة الإستئنافية بالرد على كل وجه من أوجه الدفاع أغفلته محكمة الدرجة الأولى وعلى كل سبب تم التمسك به أمامها، وإذا صدر الحكم من محكمة الإستئناف أجاز له الطعن فيه بالنقض ، وقصر الطعن بالنقض في الحكم الصادر من المحكمة الإبتدائية بهيئة إستئنافية على مخالفته لحجية حكم سابق صدر بين الخصوم أنفسهم ، حتى إذا ما إستنفدت هذه المراحل أو بعضها ، أصبح الحكم حائزاً لقوة الأمر المقضي .

وبذلك يكون القانون قد يسر السبيل لإستعمال حق لتقاضي وحق الدفاع حتى يصدر حكم يحاج به الخصمان، وحينئذ لا يجوز لأي منهما العودة الإستعمال هذا الحق بالنسبة لذات النزاع حتى لا تتأيد المنازعات ولو كان ذلك استنادا إلى أدلة قانونية أو واقعية جديدة لم يسبق طرحها أو طرحت واغفل : الحكم الرد عليها، فقد كان باب القضاء مفتوحاً على مصراعيه ليقدم كل خصم ما يشاء ، فان لم يفعل فلا سبيل اليه مرة ثانية، لأن ذات النزاع لا يلج دور القضاء الا مرة واحدة ، وقد خص القانون دفعا لمواجهة هذا الوضع أطلق عليه و الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، وحدد الشروط الواجب توافرها للتمسك به وهي، وحدة الخصوم والموضوع والسبب، ومؤدي ذلك أن تتعرض المحكمة لبحث الموضوع في الدعوى المطروحة عليها والموضوع في الدعوى التي سبق الفصل فيها لتقضي في الدفع بالقبول إذا إتحد الموضوعان أو برفضه إذا اختلفا . مع بحث وحدة الخصوم والسبب وهي بذلك تتصدى لذات الحق محل النزاع لا لتفصل فيه وإنما لتتوصل الى الوضع القانوني للدفع، وبهذا يكون الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها من قبيل الدفوع بعدم القبول مما يجوز معه إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى، ولمساسة بحجية حكم سابق حائزاً لقوة الأمر المقضي، فهو متعلق بالنظام العام وتلك الحجية تسمو علي كافة إعتبارات هذا النظام، ومن ثم يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به وللمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها وللنيابة العامة أثارته إذا كانت ممثلة في الدعوى، كما يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط أن تكون عناصره الواقعية سبق طرحها علي محكمة الموضوع، بل ان لهذه المحكمة التصدي له من تلقاء نفسها اذا كانت عناصره متوافرة في أوراق الطعن.  

فإن كان الحكم الذي ناقض حجية حكم سابق، قد صدر بصفة إنتهائية جاز الطعن فيه بالنقض، أياً كانت المحكمة التي أصدرته.

ولذلك نصت المادة 101 من قانون الإثبات، على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية ، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً ، وتقضى المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها.

كما نصت المادة 116 من قانون المرافعات، بأن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى ليسبق الفصل فيها تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها.

حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي :

أوضحنا فيما تقدم، أن حجية الأمر المقضي تثبت للحكم الإبتدائي فور صدوره طالما كان قطعياً ولو كان قابلاً للإستئناف، وتلك حجية مؤقتة فقد تزول إذا طعن فيه وقضي بالغائه، أما إذا قضي بتأييده ، فإنه يصبح نهائياً ويحوز قوة الأمر المقضي، كما يحوز الحكم الإبتدائي قوة الأمر المقضي إذا إنقضت مواعيد إستئنافه دون رفع إستئناف، إذ يمتنع الطعن فيه في هذه الحالة، . اما ان كان صادراً في حدود النصاب الإنتهائي للمحكمة، لكنه كان مشوباً بالبطلان، فإنه لايحوز قوة الأمر المقضي الا بتأییده إستئنافياً أو بصدور حکم بعدم جواز الإستئناف أو بسقوط الحق فيه أما قبل ذلك، فتكون له حجية الأمر المقضي، فإن لم يطعن فيه، وانقضت مواعيد الإستئناف، حاز قوة الأمر المقضي، وأيضاً إذا کان صادراً في حدود النصاب الإنتهائي مناقضاً حکماً آخر سبق صدوره بين نفس الخصوم، جاز الطعن فيه بالنقض أياً كانت المحكمة التي أصدرته فإن لم يطعن فيه فلا يجوز قوة الأمر المقضي لصدوره في خصومة منقضية.

 قوة الأمر المقضي وقابلية الحكم للطعن فيه بالنقض :

حتى لاتتأبد الخصومة ، فقد أضفى المشرع الحجية للأحكام القضائية فور صدورها، ورتب على ذلك، منع الخصوم من اعادة رفع الدعوى التي صدر فيها الحكم، سواء أمام المحكمة التي أصدرته أو أمام محكمة أخري طالما كان الحكم صادرا في حدود ولايتها، وحفاظاً على حق الخصم في الطعن على الحكم، فقد أجاز له المشرع الطعن فيه بالإستئناف، ورتب على هذا الطعن وقف حجية الحكم مؤقتاً تمكنا للخصوم من إعادة ابداء أوجه دفاعهم وللمحكمة الإستئنافية من التصدي للموضوع الذي فصل فيه الحكم في الحدود التي رفع الإستئناف بصدده ، فإن لم يطعن في الحكم بالإستئناف تحولت حجيته الي قوة الأمر المقضي، لأنه طالما لم يطعن فيه بالإستئناف امتنع الطعن فيه بالنقض .

أما اذا طعن فيه بالإستئناف وقضي فيه ، أصبح نهائياً ويحوز بذلك قوة الأمر المقضي حتى لو كان قابلاً للطعن فيه بالنقض أو طعن فيه بالفعل بهذا الطريق، لأن حجية الأمر المقضي أو قوة الأمر المقضي تثبت للأحكام النهائية فور صدورها ، وهو ما تواترت عليه أحكام النقض.

يجب صدور حكم في ذات النزاع حائزاً لحجية الأمر المقضي أو لقوة الأمر المقضي ، ويحوز الحكم حجية الأمر المقضي بمجرد صدوره ولو كان قابلاً للطعن بالطرق العادية ، فإن لم يكن قابلاً للطعن بهذه الطرق أو الطعن بالطرق غير العادية ، وحتي تثبت هذه الحجية أو قوة الأمر المقضي ، يجب أن يكون الحكم صادراً من محكمة في حدود الإختصاص الولائي المحدد لها فان در بالمخالفة لذلك فلا تكون له حجية أمام الجهة صاحبة الإختصاص الولائي التي كان يتعين رفع النزاع إليها، مثال ذلك أن يصدر حكم من القضاء الإداري في نزاع تختص به المحاكم العادية بنظره ولائياً ، وحينئذ تطرح المحاكم العادية هذا الحكم وتعتبره كأن لم يكن ولا يحتج أمامها به، ومؤدي ذلك أنه إذا رفع ذات النزاع الذي سبق للقضاء الإداري الحكم فيه إلى القضاء العادي صاحب الولاية بنظره ، تعين عليه الحكم فيه وإذا دفع أمامه بعدم جواز نظر الدعوى لسبق لفصل فيها بالحكم الصادر من القضاء الإداري قضي برفض . هذا الدافع لصدور الحكم بالمخالفة لأحكام الاختصاص الولائي. أما إذا صدر الحكم من محكمة من محاكم القضاء العادي خارج نطاق الإختصاص الولائي المقرر لها، فإنه يحوز حجية أمام جميع محاكم هذا القضاء وإن كان لا يحوزها أمام القضاء الإداري ، ويترتب على ذلك أن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى يجوز إبداؤه أمام محاكم القضاء العادي اذا كان الحكم صادراً من إحداها ولو خالف الإختصاص الولائي ، ولكن يجوز إبداؤه أمام القضاء الإداري والعكس صحيح ، ولا ينال من حجية الحكم صدوره بالمخالفة للإختصاص النوعي أو المحلي .

فان صدور الحكم من محكمة مدنية في مسألة تتعلق بأصل الوقف قبل إلغاء المحاكم الشرعية التي كانت تختص بهذه المسألة إختصاصاً ولائياً ، وحاز الحكم قوة الأمر المقضى ، فإنه يكتسب الحجية أمام المحاكم المدنية والمحكم الشرعية على السواء مما يحول دون طرح النزاع من جديد لأن الحجية تثبت للحكم أمام محاكم الجهة التي أصدرته ولو خالف الإختصاص الولائي .

كما يجب أن يكون الحكم قطعياً أي قطع في النزاع المطروح وحسمه كالحكم برفض الدعوى أو بإجابة المدعي لطلباته ، وهو بذلك يكون قد حاز  حجية الأمر المقضي على التفصيل المتقدم، فإن لم يكن قطعياً ، كالحكم بإحالة - الدعوى الى التحقيق أو بندب خبير أو بتوجيه اليمين الحاسمة، فلا تثبت له حجية الأمر المقضي ولذلك لا يبدي الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وإنما يبدي الدفع بالإحالة عملاً بالمادة 211 مرافعات.وحتي يعتبر الحكم قطعياً يجب أن تصدره جهة قضائية وفقاً لسلطتها القضائية ومن ثم يخرج عن هذا النطاق الأحكام التي تصدر وفقاً للسلطة الولائية للمحكمة كالحكم بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة والحكم بالتصديق على حكم القسمة لوجود ناقص أهلية عملاً بالمادة 40 من قانون الولاية علي المال ، والحكم بإيقاع البيع. ويعتبر الحكم قطعيا عندما يحسم النزاع بين الخصوم في أية مسألة تنازعوا فيها أو تصدت لها المحكمة من تلقاء نفسها ، سواء تعلقت بموضوع الدعوي أو بأي إجراء من إجراءاتها ، كرفض الدعوى برمتها أو شق منها ، وإجابة الداعي لكل طلباته أو بعضها ، فيكون الحكم قد قطع بأن له الحق في الطلبات التي أجيب إليها المدعي ، وان ليس له الحق في الطلبات التي رفضت. وقد يصدر الحكم بناء علي دفع بإعتبار الدعوي كأن لم تكن أو بسقوط الخصومة أو بعدم الإختصاص او بعدم جواز الإثبات بالبينة، وقد تقضي المحكمة من تلقاء نفسها ببطلان صحيفة الدعوى لعدم التوقيع عليها من محام أو بعدم قبولها، فالأحكام التي تصدر بذلك تكون قطعية إذ حسمت نزاع معين ويمتنع بالتالي على المحكمة العدول عنه حتى لا تتسلط علي قضائها، وايضا الحكم بقبول الإستئناف شكلاً يحول دون القضاء بإعتباره كأن لم يكن .

ومتى توافرت هذه الشروط فضلاً عن وحدة الموضوع والخصوم والسبب على التفصيل التالي ، حاز الحكم قوة الأمر المقضي، وأصبح عنواناً للحقيقة مما يحول دون أي محكمة ومخالفته وإلا جاز الطعن في قضائها على نحو ما تقدم .

حجية شق الحكم الذي لم يطعن فيه :

تثبت الحجية للحكم الذي حسم النزاع الذي كان مردداً بين الخصوم ، فإذا تعددت الطلبات في الدعوى وحسمها جميعاً الحكم الصادر في الدعوى ، ولم يطعن فيه، حاز قوة الأمر المقضي في جميع هذه الطلبات، فإن طعن فيه برمته، وقفت حجيته لحين الفصل في الطعن فإن قضي بتأييده ، حاز قوة الأمر المقضي.  

أما اذا انحصر الطعن في شق منه دون الشق الآخر، فإن نطاق الطعن ينحصر في الشق الذي طعن فيه وبالتالي تقف حجية هذا الشق وحده، أما الشق الذي لم يطعن فيه فتظل حجيته قائمة بحيث إذا انقضت مواعيد الطعن فيه دون رفع الطعن، حاز هذا الشق قوة الأمر المقضي ، وإنقضى النزاع الخاص بهذا الشق وإمتنع علي الخصوم إثارته مرة أخري، كما يمتنع علي أي محكمة التصدي له وإلا كان قضاؤها منعدماً لوروده علي غير خصومة بعد إنقضائها بالحكم السابق، ويكون لأية محكمة يطرح عليها هذا الحكم أن تقرر إنعدامه ولا تعتد به ولو من تلقاء نفسها ولايكون أمامها إلا الحكم الأول.

ومتى إنحصر الطعن في شق من الحكم، كان وحده المطروح على محكمة الطعن، بحيث إن قضت بإلغاء الحكم، انصرف هذا القضاء إلى الشق المطعون فيه وحده فلا يمتد إلى الشق الآخر الذي قبله الخصوم ولم يطعنوا فيه ، فإن ثار . نزاع بين الخصوم حول نطاق الحكم الصادر في الطعن عندما يبدأ المحكوم له في إتخاذ إجراءات التنفيذ، تصدي له قاضي التنفيذ، فيأمر بإستمرار تنفيذ الحكم الإبتدائي في شقه الذي حاز قوة الأمر المقضي والحكم الإستئنافي بالنسبة للشق الذي كان قد طعن فيه ، إذ تكون المحكمة الإستئنافية قد قضت فيما طلب منها وفقاً للقواعد المقررة في الإستئناف وإنحصار ولايتها فيما رفع عنه الإستئناف فقط وان لا ولاية لها في شق الحكم الذي قبله الخصوم، وبالتالي لا يجوز الطعن في قضائها بإلتماس إعادة النظر، كما لا يجوز الرجوع إليها لتفسير هذا القضاء ، إذ إلتزمت فيه نطاق الإستئناف ، وأن قضاءها بإلغاء الحكم المستأنف ، ينحصر في شق الحكم الذي طعن فيه بالإستئناف دون أن يمتد للشق الآخر الذي لم يطعن فيه ، وبالتالي لا يكون ثمة غموض يتطلب التفسير .

مثال ذلك أن يرفع المدعي دعوى بفسخ العقد ورد مقدم الثمن وإلزام البائع بأن يدفع له تعويضاً، فتقضي محكمة أول درجة بالفسخ والرد وترفض التعويض، فيستأنف الحكم في شقه المتعلق بالتعويض، فتقضي المحكمة الإستئنافية بإلغاء الحكم المستأنف - دون أن تقصر هذا الإلغاء علي شق التعويض - وإلزام البائع بدفع مبلغ التعويض. حينئذ يكون للمشتري الحق في تنفيذ شق الحكم الإبتدائي القاضي له برد مقدم الثمن، وتنفيذ الحكم الإستئنافي القاضي له بالتعويض ، فإن ثارت منازعة في تنفيذهما تصدي لها قاضي التنفيذ دون حاجة إلى الرجوع إلى المحكمة الإستئنافية بطلب تفسير أو بإلتماس إعادة النظر .

أجزاء الحكم التي تثبت لها الحجية :

تثبت هذه الحجية للمنطوق أو للأسباب المرتبطة بالمنطوق إرتباطاً وثيقاً بحيث لا يقوم المنطوق بدونها، وبذلك تخرج عن نطاق الحجية الأسباب الزائدة وهي التي يستقيم الحكم بدونها والتقريرات القانونية وتقدير المحكمة للدليل وإذا تضمنت الأسباب المرتبطة بالمنطوق تكييفاً للعقد حاز هذا الشق حجية الأمر المقضي .

ما لم يفصل فيه الحكم لايحوز الحجية :

يحوز الحكم قوة الأمر المقضي في شق منه إذا تصدت له المحكمة قبل الحكم المنهي للخصومة متى كان الحكم الصادر في هذا الشق مما يجوز الطعن فيه على إستقلال إلا أن المحكوم عليه لم يطعن فيه ، فإن صدر حكم بعد ذلك يناقض هذه الحجية وكان إنتهائياً ، جاز الطعن فيه بالنقض ، وتنحصر الحجية في هذا الشق فلا تمتد لما لم يفصل فيه الحكم.

والشق الذي يقطع فيه الحكم من النزاع، هو الذي يحوز قوة الأمر المقضي، أما ما يثار في الدعوى ويتناوله الحكم في أسبابه ولكن لم يفصل فيه کنزاع نشب بين الخصوم، فلا يكتسب أية حجية، فإذا أثيرت مسألة ملكية العين المؤجرة في دعوي المطالبة بالأجرة، وتضمنت أسباب الحكم تقريرات قانونية تتعلق بالملكية وأنه يستوي أن يكون المؤجر مالكاً أو غير مالك ، ثم قضت له بالأجرة التي طالب بها، فإن هذا الحكم لايحوز حجية الأمر المقضي فيما يتعلق بالملكية لأنه لم يفصل فيها .

تصدي الحكم السابق لمسالة أساسية مشتركة :

تثبت الحجية للحكم القطعي علي نحو ما تقدم، وتحول هذه الحجية من اثارة النزاع من جديد سواء بطريق الدعوى أو الدفع متى إتحد الموضوع والخصوم والسبب. ولكن قد يختلف الموضوع في الدعوى الجديدة عن الموضوع الذي تصدى له الحكم السابق الذي حاز حجية الأمر المقضي ، ومع ذلك تثبت الحجية لهذا الحكم، طالما كانت المسألة التي فصل فيها هذا الحكم هى ذاتها الأساس فيما يدعى به في الدعوى الجديدة.  

والحكم في المسألة الكلية الشاملة تحوز الحجية بالنسبة للمسائل التي تتفرع عنها، فالحكم برفض دعوى تثبيت الملكية يحوز حجية الأمر المقضي في دعوي المطالبة بالريع وهو تعويض عن غصب الملكية التي أنكرها الحكم السابق، والحكم بإنقضاء الدين بالتقادم يحول دون المطالبة بجزء منه، وإذا تنازع الخصمان على طبيعة العين في دعوى سابقة وقضت المحكمة بإعتبارها حداً أو مؤجرة مفروشة أو خاضعة لقانون ايجار الأماكن ، أمتنع عليهما بعد ذلك المنازعة فيما قضي به ولو إختلفت الطلبات في الدعويين طالما كانت المسألة الكلية فيهما واحدة.

فالملكية في دعوى تثبيت الملكية وفي دعوى الريع، تعتبر مسألة أساسية مشتركة بين الدعويين، بحيث لو قضى برفض الدعوى الأولى ، وحاز الحكم حجية الأمر المقضي، قامت قرينة قانونية قاطعة علي أن المدعي شير ملك، فإذا رفع بعد ذلك دعوى ضد المحكوم له بإلزامه بالريع وهو تعويض عن غصب الملكية، فان القضاء في هذه الدعوى الريع يناقض حجية الحكم السابق الذي قطع في الملكية، فطالما بحثت المحكمة الملكية في بالدعوى السابقة وتناضل الخصوم في شأنه وجسمها الحكم، وكانت هي بذاتها الأساس في دعوى الريع ، فإنها تعتبر مسألة أساسية مشتركة بين الدعويين، وطالما تصدي لها الحكم السابق، فانه يحوز حجية الأمر المقضي في شأنها ، وتكون الملكية غير ثابتة لمن قضي برفض دعواه .

عدم إمتداد الحجية للطلب الإحتياطي :

الطلب الذي تتصدى له المحكمة بقضاء قطعي، صراحه أو ضمناً ، هو الذي يحوز الحجية التي تحول دون التمسك به بعد صدور الحكم، أما الطلب الذي لم تتصدى له المحكمة في أسباب حكمها، فإن الحكم لا يحوز الحجية في شانه ، حتى لو تضمن منطوق الحكم عبارة «ورفضت ماعدا ذلك من ,الطلبات، لأن هذه العبارة وحدها لا تدل على أن المحكمة قامت بتمحيص کل طلب قدم إليها وأنها رأت الفصل في بعض الطلبات فقط بالقبول لتوافر أدلتها، ورفضت الطلبات الأخرى التي لم يقم الدليل عليها. فقد تتضمن الدعوى طلباً أصلياً وأخر إحتياطياً ، وبعد قيام المحكمة بتمحيص الطلب الأصلي، تري إجابة المدعي إليه وهو ما يغنيها عن تمحيص الطلب الإحتياطي، فتقضي بإجابة المدعي إلى الطلب الأصلي ثم تضيف عبارة « ورفضت ماعدا ذلك من الطلبات ، ولما كان يبين من أسباب الحكم عدم تمحيص الطلب الإحتياطى، فان المحكمة لاتكون قد نظرته وبالتالي لا يكون محلاً لحجية الأمر المقضي حتى لو كان الخصوم قد تناولوه في دفاعهم ولذلك يجوز رفع دعوى جديدة بهذا الطلب لا تكون محلاً للدفع بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها.

أما اذا قضت المحكمة برفض الدعوي، امتد هذا القضاء للطلب الأصلي والطلب الإحتياطي حتى لو لم تفصح عن الطلبات التي تضمنها الرفض، لأنها في هذه الحالة تمحض الطلب الأصلي، فإن لم تتوافر أدلته تنتقل إلى الطلب الإحتياطى، فان لم تتوافر أدلته ، قضت برفض الدعوى، فلا ترفض كل طلب على إستقلال، ولكن الرفض ينصرف إلى كل الطلبات.

مناط جواز الطعن بالنقض في الأحكام المستعجلة :

تستقيم الدعوى إذا توافرت الشروط التي تطلبها القانون لقبولها، وحينئذ تتصدى المحكمة للأدلة القائمة فيها، وفقاً لمستندات الخصوم وما ينطبق عليها من قواعد قانونية. فإذا إنتفت تلك الأدلة، فإن الدعوى تكون قد أقيمت على غير سند من الواقع والقانون، مما يوجب القضاء برفضها ، و متى حاز الحكم حجية الأمر المقضي ، فإنه لا يجوز إثارة النزاع مرة أخرى سواء عن طريق الدعوى أو الدفع .

أما إذا تبين من المستندات ان الحق المطالب به معلق علي شرط واقف لم يتحقق بعد، أو مضاف لأجل لم يحل ، أو أن المدعي لم يكن قد اعد الدليل و علي دعواه عند رفعها ، او لم يكن قد قام بالوفاء بالتزامه الذي يجيز له رفع الدعوى، كما لو كان مشترياً ورفع دعوى بصحة ونفاذ عقده قبل الوفاء بكامل الثمن وهو وفاء لازم لرفع تلك الدعوى، ففي هذه الحالات، لا تكون الدعوى مهيأة لاصدار حكم يحسم النزاع بين الخصوم، وإنما يصدر حكم فيها وفقا لتلك الحالة التي كانت عليها وقت صدور الحكم، وحينئذ يحوز حجية وقتية تبقى ما بقيت تلك الحالة ، بحيث اذا تغيرت، كما لو تحقق الشرط أو حل الأجل أو تم الوفاء بكامل الثمن أو توافر الدليل، جاز للمدعي رفع دعوى جديدة بذات الطلبات .

ومتى صدر الحكم في أي من الحالات السابقة، كانت له حجية وقتية ، أياً كان منطوقه ، سواء قضى برفض الدعوى، أو برفض الدعوى بحالتها، أو بعدم قبول الدعوى ، أو بعدم قبول الدعوى بحالتها، فالعبرة دائماً بحقيقة الأسباب التي بني المنطوق عليها وليست بما نص عليه المنطوق .

الحجية الوقتية للأحكام الصادرة في دعاوى الحيازة :

تستند دعاوي الحيازة إلى وضع اليد، ويراد بها حماية الوضع الظاهر ومن ثم فان حجية الأحكام التي تصدر فيها تنحصر في هذا الوضع، دون أن تتجاوزه لأي نزاع آخر يتعلق بالحق المقرر على محل الحيازة، فقد يصدر الحكم - بإسترداد المدعي لحيازة العين، وهو ما يدل على أن الحيازة كانت ثابتة للمدعي مما يحول دون منازعته فيها بعد ذلك، سواء عن طريق الدعوى أو الدفع، و تنحصر حجية حكم الحيازة في هذا النطاق، وهي حجية وقتية تزول اذا صدر حكم بثبوت ملكية خصم الحائز للعين التي تقضي بإسترداد حيازتها، وطرد الحائز منها وتسليمها لمالكها، ولا تكون الحكم الحيازة حجية في دعوى تثبيت الملكية.

نطاق حجية الحكم الصادر بالريع :

وقد ثار الخلف قضاء محكمة النقض، فقد كان قضاؤها يجري على أن الحكم الصادر في دعوى سابقة بالريع لا يحوز قوة الأمر المقضي بالنسبة للدعوى الجديدة التي ترفع بطلب الريع عن مدة لاحقة، إلا أنه قد صدر حكم حديث يناقض هذا القضاء ويسبغ على الحكم السابق تلك القوة ونرى أن أساس الريع هو المسئولية التقصيرية فإن فصل حکم في أركانها من خطأ وضرر وعلاقة سببية وقضي تبعاً لذلك بالتعويض المتمثل في الربع، فان هذه المسألة تكون أساسية بين الدعويين فتخضع الدعوى الجديدة لحجية الحكم السابق.

عدم حجية الأحكام بالتصديق على الصلح :

إذا رفعت دعوى بصحة ونفاذ عقد البيع أو بفسخه، ثم تصالح الخصوم وتقدموا بعقد صلح وقضي بالحاقه بمحضر الجلسة، وصدر تبعاً لذلك حكم، فلا تكون له حجية الأمر المقضي، لأن القاضي وهو بصدق علي عقد الصلح، إنما يقوم بذلك بموجب وظيفته الولائية وليست القضائية لأنه لا يفصل بهذا القضاء في خصومة ، وإنما يوثق ما اتفق الخصوم عليه، ويعتبر الأتفاق عقداً ولو تمت صياغته في شكل الأحكام، وبالتالي يخضع للقواعد المقررة بصدد إنحلال العقود ، دون القواعد المقررة للطعن في الأحكام، ومن ثم لا يجوز الطعن في الحكم الصادر بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة وإنما ترفع بشأنه دعوي مبتدأة بفسخ العقد الأصلي أو بطلانه .

مناط جواز الطعن بالنقض في الأحكام المستعجلة :

تستند قاعدة حجية الأمر المقضي إلى عدم تقبل تأييد المنازعات، وأنه و طالما سعى الخصوم الي حسم النزاع الذي نشب بينهم، فإنه يتعين عليهم عدم إثارته مرة أخري، سواء عن طريق الدعوى أو الدفع، والحكم الذي يحسم النزاع على هذا النحو، هو الذي يتصدى للنزاع برمته ويتمكن معه القاضي إلى تمحيص أدلة كل منهم ليأخذ بما يطمئن إليه منها ويطرح ما عداها، وهو ما يتطلب بحث الموضوع من ناحية الواقع لتطبيق النصوص القانونية المتعلقة به، بحيث أن صدر حكم بعد هذا البحث، فإنه يحوز حجية تمنع الخصوم من العودة لنفس النزاع.

ولما كان الطلب المستعجل تتجافى طبيعته مع البحث الموضوعي لأن الطالب لا يريد أن تتمهل المحكمة أو أن تتعمق في بحث النزاع، وإنما يلجأ للمحكمة في أمر عاجل يخشي عليه من مرور الوقت ويطلب من المحكمة أن تأمر باجراء وقتي يحفظ له حقه مؤقتاً لحين اللجوء للقضاء الموضوعي ، وأمام هذه الظروف يتحسس القاضي مستندات الخصوم ليستخلص من ظاهرها وجه الحق في الإجراء الذي يأمر به، ومادام الحال كذلك، فان الأمر الذي يصدره القاضي يكون عاجلاً ومؤقتاً ، وبالتالي فانه يحوز حجية مؤقتة توفر الطمأنينة للمدعي وتحميه من الخشية التي دفعته إلى اللجوء للقضاء المستعجل.

. وتظل للحكم المستعجل حجية الأمر المقضي، ما بقيت الظروف التي إكتنفت النزاع قائمة لم تتغير، إذ تظل الخشية التي الجأت المدعي إلى اللجوء للقضاء المستعجل قائمة، وان من شأن تلك الحجية أن يطمئن المدعي علي حقه الذي كان مهدداً ، مما يحول دون خصمه والتعرض له في ذات الحق.

أما اذا تغيرت تلك الظروف، زالت الآثار التي ترتبت على الحكم، فيفقد الحكم حجيته ، بحيث لو ثار نزاع في ظل الظروف الجديدة، فلا يجوز للمحكوم له مواجهة خصومه بحجية الحكم المستعجل.

وتقف حجية الحكم المستعجل، بالفصل في الدعوى الموضوعية ، ولا تتقيد المحكمة التي تنظر الموضوع بما قضى به الحكم المستعجل حتى لو صار نهائياً ، لأن حجيته وقتية لا تتقيد بها محكمة الموضوع، حتى لو كانت هي ذات المحكمة التي أصدرت الحكم المستعجل ان كانت الدعوى الموضوعية التي رفعت أمامها تتضمن شقاً مستعجلاً ، لأن مخالفتها لحكمها الصادر في هذا الشق لا يتضمن تسلطاً منها علي قضائها.

واذا تضمن عقد الايجار الشرط الفاسخ الصريح، فان العقد يعتبر مفسوخاً من تلقاء نفسه بمجرد تحقق هذا الشرط، ويكون المستأجر في هذه الحالة الا سند له في وضع يده على العين المؤجرة مما يجيز للمؤجر اللجوء لقاضي الأمور المستعجلة ليقضي بطرده ، على أن تفاسخ العقد في حالة الشرط الفاسخ الصريح لا يتقرر بصفة نهائية الا بإتفاق الطرفين أو بموجب حکم موضوعي نهائي، ففي هاتين الحالتين الأخيرتين تتحد المراكز القانونية لأطراف العقد بصفة نهائية ، أما قبل ذلك فإن تلك المراكز ، تكون معلقة مما لا يجوز معه أن يستقل طرف بمباشرة تصرف من شأنه أن يؤثر علي تلك المراكز فان فعل كان تصرفه غير نافذ في حق الطرف الآخر ، ولما كان الحكم الصادر من قاضي الأمور المستعجلة ليست له الا حجية وقتية تبقي ببقائه وهذه الحجية تكون له في نطاق منطوقه فلا تتعدى إلى المراكز القانونية التي ينظمها العقد من حيث بقائها أو زوالها فتلك من الأحكام الموضوعية التي تختص بها محكمة الموضوع والتي يفقد الحكم المستعجل حجيته أمامها، ومن ثم، فإذا إستصدر المؤجر حكماً مستعجلاً بطرد المستأجر ، فإن هذا الحكم لا تكون له لحجية وقتية ، أما فيما يتعلق بإنفساخ العقد ، فلا حجية لهذا الحكم في هذا الصدد ويترتب على ذلك أنه ليس للمؤجر إلا طرد المستأجر بصفة مؤقتة وإبقاء العين خالية « أو يشغلها بنفسه مؤقتاً ، حتي يستصدر حكماً موضوعياً بالفسخ ثم يتربص حتي صيرورته نهائياً ، وحينئذ يستطيع أن يتصرف في العين المؤجرة ، أما أن تصرف فيها بعد تنفيذ حكم قاضي الأمور المستعجلة وقبل اللجوء لإستصدار حكم موضوعي نهائي ، فإنه يكون قد عدل من المراكز القانونية وهو ما لا يجوز له .

وأن الأصل في الأحكام المستعجلة أنها لا تحوز قوة الأمر المقضي إذ لا تتقيد بها المحكمة عند التصدي للموضوع، إلا أن هذا لا يجيز إثارة النزاع الذي فصل فيه قاضي الأمور المستعجلة إلا إذا تغيرت مراكز الخصوم وظروف النزاع، فإن ظلت على حالتها، وصدر حكم إنتهائي من المحكمة الإبتدائية منعقدة بهيئة إستئنافية مستعجلة مخالفاً للحكم السابق، فإنه يجوز الطعن فيه بالنقض ، إذ يعتبر الحكم السابق وقد انقضت مواعيد إستئنافه ، قد حاز قوة الأمر المقضي في معنى المادة (249) من قانون المرافعات .

أما إن كان الحكم اللاحق صادراً من المحكمة الإبتدائية منعقدة بهيئة إستئنافية موضوعية، أي تنظر موضوع النزاع ، فإنها لا تتقيد بالحكم المستعجل فلا يكون له حجية أمامها ، وبالتالي إذا قضت على خلافه، فإنها لا تكون قد قضت على خلاف حکم سابق ، وبالتالي لا يجوز الطعن في قضائها بالنقض .

لا حجية للحكم المستعجل في دعوى الريع :

 حجية الحكم في حالة تعليقه على شرط :

يجوز للمحكمة أن تعلق تنفيذ حكمها على شرط، وحينئذ لا يحول هذا الشرط من توافر الحجية فور صدور الحكم وتبعاً لذلك لا يجوز لأحد الخصوم الرجوع على الآخر بذات الحق الذي فصل فيه الحكم وإلا دفعت دعواه بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها، مثال ذلك، أن يقضي بفسخ عقد البيع مما يترتب عليه عودة البائع والمشتري الي ما كان عليه قبل التعاقد، فيلتزم البائع برد الثمن وفوائده للمشتري كما يلتزم الأخير برد المبيع وثماره، فاذا رجع أحدهما على الآخر، جاز للمدعي عليه التمسك بالحق في حبس ما تحت يده ، وحينئذ تقضى المحكمة بإلزام المدعى عليه بالرد علي أن يكون الحكم معلقا على شرط يتمثل في أداء المدعي ما هو مستحق للمدعى عليه، ويحوز هذا الحكم حجية الأمر المقضي فور صدوره، مما يحول دون أي من الخصمين والعودة الي ما فصل فيه الحكم ، سواء بالدعوى أو الدفع، ولا يبقى إلا تنفيذ الحكم رضاء أو بطريق العرض والإيداع .

حجية حكم الفسخ بالنسبة لدعوى صحة التعاقد :

إذا كانت الدعوى قد أقيمت بفسخ عقد البيع موضوع الدعوى تأسيساً على تخلف المطعون ضده عن تنفيذ التزامه بدفع الثمن و قضي نهائياً برفضها في الإستئناف الذي بت في أمر الباقي من الثمن ورفض طلب الفسخ لوفاء المطعون ضده به فإن هذا القضاء يحوز قوة الأمر المقضي في شأن طلب الطاعنات الفسخ لتخلف المشتري عن تنفيذ التزامه بدفع الثمن ويمنع الخصوم أنفسهم من التنازع في هذه المسألة بالدعوى الراهنة ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولي أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها ويتعين على الحكم المطعون فيه أن يتقيد في قضائه بين الخصوم أنفسهم في شأن تلك المسألة التي قضي فيها الحكم الأول ولا يغير من ذلك إختلاف الطلبات في الدعويين وكونها في الدعوي الماثلة صحة التعاقد ونفاذه وفي الأول فسخ العقد .

زوال حجية الحكم اللاحق لتسجيل دعوى صحة التعاقد :

حجيه أمر الأداء :

اذا صدر الأمر بإلزام المدين بأداء الدين، كان ذلك بمثابة حكم قضائي ، اذ يصدر القاضي أمر الأداء استناد إلى سلطته القضائية لا الولائية ، ويترتب على ذلك أن يحوز أمر الأداء حجية الأمر المقضي فور صدوره مما يحول دون المدين والمغالاة في الدين إلا عن طريق الطعن في الأمر سواء بالتظلم أو الإستئناف ، كما يمتنع رفع دعوى ببراءة ذمة المدين من ذات الدين لتعارض ذلك مع تلك حجية ولا يجوز التمسك بذلك إلا أمام محكمة الطعن بإعتباره وجها من أوجه التظلم أو سببا من أسباب الإستئناف.

فاذا انقضت مواعيد الطعن، حاز الأمر قوة الأمر المقضي وأصبح عنواناً للحقيقة ولو كان مشوباً ببطلان يتصل بالنظام العام، إذ تسمو حجية الأحكام على إعتبارات النظام العام.

ولا كان المدين يعتبر ممثلاً للدائنين الآخرين ، فإنهم يحاجون بالأمر الصادر ضده إلا إذا كان صادراً بطريق الغش والتواطؤ استنادا إلى سند صوري، إذ في هذه الحالة يبطل أمر الأداء ، اعتباراً بأن الغش يبطل التصرفات وما تعلق بها من إجراءات، فضلاً عن أن الدائن لا يعتبر خلفاً للمدين في التصرفات الصورية التي تصدر من هذا المدين أو التي تصدر منه بطريق التواطؤ مع دائن آخر إضراراً بحقه اذ يصبح الدائن في هذه الحالات من طبقة الغير.

الشرط الثاني : وحدة الموضوع والخصوم :

أولاً : حدة الموضوع :

أوضحنا فيما تقدم، أن حجية الأمر المقضي، تتطلب سبق صدور حکم قطعي حسم النزاع في مسألة معينة وأن يكون هذا الحكم قد حاز حجية الأمر المقضي، وبالتالي فإن هذا الحكم يحول دون إثارة المسألة التي فصل فيها حتى لا تتأبد المنازعة وتكرر المحكمة ما سبق لها أن قضت به، وإشترطت المادة 101 من قانون الإثبات للتمسك بهذه الحجية، أن يكون النزاع الجديد هو ذاته الذي فصل فيه الحكم السابق وان يقوم بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم ويتعلق بذات الحق محلاً وسبباً. 

ويقصد بالموضوع في معنى حجية الأمر المقضي، كل مسألة قطع فيها الحكم، سواء بالقبول أو الرفض، بناء على طلب الخصم أو إستناداً إلى دفع أبداه أو وجه دفاع تمسك به ، أو تكون المحكمة قد تصدت لهذه المسألة من تلقاء نفسها لتعلقها بالنظام العام. فقد ينصرف الموضوع إلى الحق الذي يطلب المدعي تقريره له أو حمايته، ويطلب يضمنه المدعي صحيفة دعواه ، فيصدر الحكم بقبوله أو رفضه، كدعاوي الإستحقاق وثبوت الملكية والشفعة وصحة ونفاذ العقد والقيام بعمل أو الإمتناع عن القيام بعمل، أو منع التعرض أو استرداد الحيازة، وغيرها من الدعاوي. وقد يصدر الحكم بناء علي دفع من المدعى عليه، مثل الدفع بإعتبار الدعوى كأن لم تكن، سواء في الدعوى التي توافرت فيها شروطه أو في دعوي تالية رفعت بذات الطلبات و بين نفس الخصوم بعد شطب الدعوى الأولي وعدم تجديدها في الميعاد ، وبالتالي فإن الدعوى الثانية يرد عليها الدفع بإعتبارها كأن لم تكن دون الدفع بالحجية إذ لم يصدر حكم في الدعوى الأولي. وأيضاً الدفع بسقوط الخصوم يمضي المدة. وفي الحالتين تزول الآثار التي ترتبت على رفع الدعوى استناداً الحجية الحكم مما يحول دون تجديد السير فيها، ولكن لاتمنع هذه الحجية من رفع دعوى جديدة ترتب آثارها من تاريخ رفعها وليس من تاريخ رفع الدعوى السابقة. كذلك الحال إذا قضت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلان صحيفة الدعوى .

ولا يحول إختلاف الطلبات دون توافر وحدة الموضوع. فقد ترفض دعوى الفسخ استناداً للوفاء بكامل الثمن، فيحوز الحكم الحجية في أن الوفاء ، بكامل الثمن حال دون الفسخ ، مما يجوز معه للمشتري رفع دعوى بصحة عقده وهو طلب يختلف عن طلب الفسخ محل الدعوى السابقة ، والموضوع الذي فصل فيه الحكم السابق، تكون له حجية في الدعوى الجديدة ما يحول دون البائع والتمسك بعدم الوفاء بكامل الثمن .

ثانياً : وحدة الخصوم :

لا يتحدد نطاق الخصومة من حيث أشخاصها بوقت رفع الدعوي، وإنما بوقت صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، فلا يعتد بوحدة الخصوم إلا و اعتباراً من هذا الوقت، فقد تداول الدعوى أمام المحكمة وتصدر فيها أحكاما تمهيدية وتختلف نطاق الخصومة فيها من حيث الأشخاص، كما لو طلب المدعي إثبات تركة للخصومة بالنسبة لبعض المدعى عليهم أو طلب بعض المدعى عليهم إخراجهم من الدعوى بلا مصاريف، أو ادخل المدعي خصوماً جدد، أو أدخل المدعى عليه ضامنا، أو تدخل خصم جديد للإختصام أو للإنضمام، ففي هذه الحالات، لا يعتد عند بحث شرط وحدة الخصوم، بكل من كان خصماً في الدعوى، وانما بمن كان خصماً وقت صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، حسبما تضمنته النسخة الأصلية لهذا الحكم متى كانت تتفق مع واقع الحال، ذلك أن هذه النسخة تنقل من مسودة الحكم التي لم تتضمن أسماء الخصوم ، ويقوم كاتب الجلسة بتحرير البيانات المتعلقة بالمحكمة وتاريخ الجلسة وأسماء هيئة المحكمة وأسماء الخصوم، ويجب عليه عند إثبات أسماء الخصوم الرجوع الى صحيفة الدعوى وصحف إدخال الخصوم الجدد إن وجدت وما أثبته الخصوم بمحاضر الجلسات، ليقف على نطاق الخصومة من حيث الأشخاص ، فيستبعد من تركت الخصومة بالنسبة له ومن قضت المحكمة باخراجه، ويضيف من تدخل أو أدخل في الدعوى، فإن أخطأ في شيء من ذلك، كان من قبيل الخطأ المادي الذي يجوز تصحيحه بقرار من رئيس الدائرة التي اصدرت الحكم دون سواه مالم يكن الحكم قد طعن فيه بالإستئناف فينتقل الحق في التصحيح للمحكمة الإستئنافية ، فان لم يتم التصحيح علي هذا النحو ظلت للنسخة الأصلية حجيتها فيما تضمنته من أسماء الخصوم .

 ويجب أن يكون الخصوم في الدعوى السابقة هم أنفسهم الخصوم في الدعوي اللاحقة، بحيث إن اختلفوا أو كان خصوم الدعوي السابقة هم بعض خصوم الدعوى اللاحقة ، فلا محل للدفع بعدم جواز نظر الدعوى اللاحقة، ولكن قد تتوافر بذلك قرينة قضائية تخضع لتقدير قاضي الموضوع شأن سائر القرائن القضائية.

ولا تتحقق وحدة الخصوم إلا إذا كان الإختصام في الدعوى الجديدة بذات الصفة التي كانت للخصم في الدعوى التي صدر فيها الحكم السابق فإن - إختلفت تخلف شرط وحدة الخصوم، فلا تثبت للحكم الحجية، فإذا إختصم الأب في الدعوي الأولي بصفته ولياً طبيعياً ، فلا تتحقق وحدة الخصوم الا اذا إختصم بهذه الصفة في الدعوى الثانية ، فإن إختصم بصفته الشخصية انتقي شرط وحدة الخصوم . والعبره بالأصيل دائماً ، فان كان احد الخصوم شخصاً إعتبارياً ، شركة أو جمعية أو مؤسسة، كان الإعتداد بإسم هذا الشخص وليس باسم الممثل القانوني له، فإن ورد اسم الشخص الإعتباري في الدعويين، تحقق وحدة الخصوم ولو أختلف فيهما اسم الممثل القانوني .

وكل من مثل في الدعوي، يعتبر خصماً ، سواء كان مدخلاً ليصدر الحكم في مواجهته، أو متدخلاً للإختصام أو الإنضمام ، وقد كفل له القانون ابداء دفوعه وأوجه دفاعه ، ولذلك يحاج بالحكم الذي يصدر ، فان رفع دعوي أخري توافرت بالنسبة لها شروط الحجية، كانت محلاً للدفع بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها لتحقيق وحدة الخصوم .

ولما كان التدخل للإنضمام جائز في الإستئناف ، فإن المتدخل يصبح طرفاً ما في خصومة الإستئناف ويجوز له إبداء دفوعه وأوجه دفاعه والطعن بالنقض إذا صدر الحكم ضد من انضم اليه ، اذ يعتبر المتدخل حينئذ محكوماً عليه ، يحاج بالحكم .

فان كان موضوع الدعوى مما يقبل التجزئة والإنقسام ، كدعوى تثبيت الملكية ودعوى صحة ونفاذ العقد ، وصدر الحكم ضد المدعى عليهم، فاستأنفه البعض دون البعض الآخر، فإن الحكم يحوز قوة الأمر المقضي بالنسبة لمن لم يستأنفه ، فإن قضي في الإستئناف بتأییده ، حاز الحكم برمته قوة الأمر المقضي، أما إذا قضي بالغاء الحكم المستأنف ، فإن هذا القضاء ينحصر في المحكوم عليهم الذين رفعوا الإستئناف وحدهم فيحوز حكم الإلغاء قوة الأمر المقضي بالنسبة لمن مثلوا في الإستئناف، أما من لم يرثوا وهم الذين إرتضوا الحكم ، فإن الحكم الإبتدائي يحوز قوة الأمر المقضي بالنسبة لهم .

فإن كان موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة أو كان الإلتزام تضامنياً أو كان القانون يوجب إختصام أشخاص معينين، كما في دعوى الشفعة و دعوى إسترداد الحصة المبيعة ودعوى الاستحقاق الفرعية، وصدر الحكم ضد المدعى عليهم، وطعن البعض بالإستئناف ولم يطعن البعض الآخر، وجب على محكمة الإستئناف أن تأمر المستأنفين باختصام زملائهم المحكوم عليهم ولو بعد ميعاد الإستئناف حتى يحتاج الجميع بالحكم الذي يصدر، فان لم يتم الإختصام حكمت المحكمة ومن تلقاء نفسها بعدم قبول الإستئناف و حينئذ يحوز الحكم الإبتدائي قوة الأمر المقضي، فإن لم تأمر المحكمة بهذا الإختصام، رغم تعلق هذا الإجراء بالنظام العام، وقضت بتأييد الحكم الإبتدائي ، حاز هذا الحكم قوة الأمر المقضي، أما اذا قضت بالغائه ولم يطعن فيه بالنقض، فإن نطاقه ينحصر في المحكوم عليهم الذين إستأنفوا الحكم دون زملائهم الذين لم يستأنفوه، ويحوز الحكم الإبتدائي بالنسبة لهؤلاء والمحكوم لهم قوة الأمر المقضي إذ نسمو حجية الأحكام على إعتبارات النظام العام .

والعبرة في حدة الخصوم التي تتوافر معها الحجية، تكون بإختلاف المركز القانوني للخصم الذي يتمسك بالحجية عن المركز القانوني في الدعوى للخصم الذي يحتج عليه بالحجية ، أما إن إتحد الخصمان في هذا المركز، فلا يكون ثمة محل لتمسك أحدهما بالحجية في مواجهة الآخر، فيلزم أن يكون أحدهما محكوما له والآخر محكوما عليه، فان كان الخصمان محكوماً لهما ، فيجوز لكل منهما الرجوع علي الآخر بدعوى جديدة فيما قضى لهما به في الدعوى لسابقة ، فقد يقضي لهما بتثبيت ملكيتهما لعقار ، وحينئذ يجوز لأحدهما الرجوع على الآخر بالريع .

يدل ما تقدم، علي أن وحدة الخصوم التي تتحقق معها حجية الأمر المقضي يجب أن تتوافر وقت صدور الحكم المنهي للخصومة وأن يكون الإختصام في الدعوى اللاحقة بذات الصفة في الدعوى السابقة، ومتى توافر ذلك كانت للحكم السابق قوة الأمر المقضي بالنسبة للدعوى اللاحقة التي تخضع حينئذ للدفع بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها. ولاترد الحجية في حالة اختلاف الخصوم حتى لو كانت الطلبات في الدعوى الجديدة تناقص ما قضي به في الدعوى السابقة، فقد يصدر الحكم ضد الدائن برفض دعوي م صورية عقد أبرمه مدینه، فلا يكتسب هذا الحكم الحجية في الدعوى التي يرفعها المدين ضد الطرف الآخر في العقد بتقرير صوريته، وذلك لاختلاف الخصوم في الدعويين .

تعدى حجية الحكم للدائن :

 تتعدي حجية الحكم لمن كان مختصماً في الدعوي بشخصه أو بمن ينوب عنه، فالدين يمثل في الدعوى بشخصه وينوب في نفس الوقت عن دائنة العادي الذي لا يكون له تأمين عيني كرهن أو اختصاص أو امتياز متي قام بشهر هذا التأمين قبل صدور الحكم، فإن قام بشهره بعد صدور الحكم أصبح في مركز الدائن العادي وتعدت له حجية الحكم .

ومناط تعدي حجية الحكم الصادر ضد المدين للدائن، أن تتوافر في الإجراءات، ما يقتضيه حسن النية الواجب توافره في المعاملات، فاذا انتقي اعتبر الدائن من طبقة الغير في هذه الإجراءات، فلا يكون ماثلاً في الدعوى وبالتالي لا يكون للحكم حجية في مواجهته ، وينتقي شرط وحدة الخصوم مما يجوز معه منازعته للمحکموم له فيما قضي له به، فقد يتوافر الغش بأن يتواطأ المدين مع الغير، فيبر ما عقداً صورياً أو سند دین صوري ويصدر بموجبه حكم ضد المدين إضراراً بالدين ، ففي هذه الحالة لا تتعدى حجية الحكم للدائن، ويشترط لذلك أن يقوم الدائن بإثبات هذا الغش، وله ذلك بكافة طرق الإثبات بإعتبار الغش واقعة مادية ، فان تمثل العقد الصوري في عقد بيع عقار المدين السابق بيعه للدائن بعقد لم يسجل فإنه يجوز للأخير رفع دعوى جديدة ضد مدينه والمشتري الآخر يطلب فيها الحكم بصورية العقد حتى لو تم تسجيله وبصحة ونفاذ العقد الصادر له من المدين ، ويثبت الغش علي نحو ما تقدم ، والمقرر أن الغش يبطل التصرفات والإجراءات وتقف به آثار النيابة عن الغير .

ويرقى إلى مرتبة الغش الإهمال الجسيم الذي تأباه الفطرة السلبية ، کالأهمال الذي ينسب للمدين في مباشرة إجراءات التقاضي وعدم مجابهة خصمه على النحو الواجب.

تعدى حجية الحكم للمشتري :

المقرر أن الحجية تنحصر في أطراف الحكم ولا تتعدى إلى الغير الذي لم يكن ممثلاً فيها ، فتتعدي الحجية إلى المحكوم عليه وخلفه العام كالوارث والموصى له بحصة شائعة أي بسهم شائع إذ يعتبر الموصي له في هذه الحالة خلفاً عاماً للموصي.

ويعتبر المشتري لعقار بعقد غير مسجل، مجرد دائن عادي بالتزامات شخصية ولا يصبح خلفاً خاصاً إلا بتسجيل عقد البيع ، ومن ثم فإن حجية الأحكام التي تصدر ضد البائع متعلقة بالعقار المبيع تتعدى إلى المشتري الحكم الصادر ضد البائع باستحقاق العقار قبل تسجيل العقد أو تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد، اذ يرتد أثر التأشير بالحكم الصادر فيها الى تاريخ هذا التسجيل وتتم المفاضلة على هذا الأساس ، وبالتالي تثبت المكية للأسبق تسجيلاً ، وتزول حجية الأحكام الصادرة بثبوت ملكية العقار المبيع إذا  كانت صادرة بعد تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد ، إذ تكون واردة على محل لم يكن مملوكاً للمدعى عليه وقت صدورها .

لكن إذا كان المشتري قد سجل عقده قبل صدور الحكم ، فإنه يصبح من طبقة الغير فلا يحاج بالحكم الذي يصدر بعد ذلك ضد البائع ان تكون ملكية العقار قد إنتقلت الى المشتري قبل صدور الحكم.

وتثبت الحجية للحكم ولو كان إبتدائياً ، ولا عبرة بعدم تسجيل المحكوم له لصحيفة الدعوى ولا بعدم تسجيله الحكم ، إذ يكفي أن يصدر الحكم قبل تسجيل العقد، لكن إذا ألغي الحكم، زالت أثارة، وانتقلت الملكية بتسجيل العقد.

ويتحقق التعرض إذا أقام الغير دعوى ضد البائع بأي حق من الحقوق المتعلقة بالمبيع ولم يختصم فيها المشتري، بإعتبار أن الحكم الذي يصدر فيها قبل قيام المشتري بتسجيل عقدة أو صحيفة دعواه بصحته ونفاذه، يعتبر حجة على المشتري بإعتبار أنه كان ممثلاً في شخص البائع له ما لم يكن المشتري رغم عدم تسجيل عقده قد أصبح من الغير بالنسبة للبائع بأن يكون قد أكتسب ملكية العقار بالتقادم .

الشرط الثالث: وحدة السبب :

سبب الدعوى هو الواقعة أو الوقائع التي يستمد منها المدعي الحق في الطلب ، وهو لا يتغير بتغير الأدلة الواقعية أو الحجج القانونية .

ولما كان المقرر أن مالم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً يحوز حجية الأمر المقضي ، فإن السبب الذي يعتد به في عدد الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها هو الذي تستند إليه المحكمة في قضائها ولو لم يكن هو السبب الذي أقيمت عليه الدعوى، ومن ثم يجور للمدعي العودة لذات دعواه من جديد اذا سقط حقه في الطعن أو كان القانون لا يجيز له الطعن في الحكم وتكون معصومة من الدفع، مثال ذلك أن يرفع المؤجر دعوى فسخ عقد الإيجار وإخلاء العين استناداً لانتهاء العقد بالوفاة دون امتداده للمدعى عليه ، فتقضي المحكمة برفضها لإنتفاء التنازل عن الإيجار ، فتكون بذلك قد غيرت سبب الدعوى ، ومن ثم يجوز للمؤجر رفع دعواه ذاتها من جديد لإختلاف سببها عن السبب الذي أقامت المحكمة عليه قضاءها .

الحجية ودلالة الحكم الجنائي :

أن حجية الحكم الجنائي تثبت بتوافر المسألة الأساسية المشتركة بين الدعوى المدنية والدعوى الجنائية التي صدر فيها الحكم الجنائي، وتتكون هذه المسألة من أركان صريحة كالخطأ والضرر وعلاقة السببية وهو ما يتوافر في الدعويين معاً ، ولا تكون المحكمة المدنية في حاجة إلى تمحيص دلالة الحكم الجنائي لجلاء تلك المسألة في الدعويين، فقد تتعلق الدعوى الجنائية بجريمة قتل خطأ بسبب قيادة السيارة بحالة خطرة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر، فيكون الخطأ هو القيادة الخطرة ، والضرر هو موت المجني عليه، وعلاقة السببية مفترضة، وتكون هذه الأركان هي ذاتها أركان المسئولية المدنية عند رجوع ورثة المجني عليه على المتهم بدعوى التعويض ، وبالتالي تكون تلك الأركان هي المسألة الأساسية المشتركة بين الدعويين.

ولكن قد لا تكون المسألة الأساسية المشتركة ظاهرة بهذا الجلاء ، مما يوجب على القاضي المدني تمحيص الحكم الجنائي للوقوف على دلالته وما إذا كانت له حجية في الدعوى المدنية من عدمه، فقد يقضي بالبراءة في دعوى تبديد منقولات ويستند الحكم الجنائي في أسبابه المرتبطة بالمنطوق إرتباطاً وثيقاً ، إلى أن تسليم تلك المنقولات للمتهم لم يكون بموجب عقد. هن عن سود الأمانة ، وهو ما يدل على أن الحكم الجنائي قطع في مسألة تسليم المنقولات للمتهم، ويكون حكم البراءة قد بني علي أن واقعة تصرف المتهم في المنقولات أو امتناعه عن ردها غير معاقب عليها، مما يجوز معه للمضرور رفع دعوى مدنية بالتنفيذ العيني لإلتزام المدين برد المنقولات أو بالتنفيذ بطريق التعويض بدفع قيمتها ، وحينئذ لا تكلفه المحكمة بإثبات التسليم فقد أثبته الحكم الجنائي عندما قضي بأن التسليم لم يكن بموجب عقد من عقود الأمانة .

وأيضاً اذا أسند للتابع تهمة القتل الخطأ لقيادته السيارة بحالة ينجم عنها الخطر، وقضي ببراءته لعدم ثبوت القيادة على هذا النحو مما يدل على انتقاء الخطأ في حقه، وهو ما يحول دون رب العمل وإصدار قرار بفصل التابع بسبب قيادته السيارة بحالة ينجم عنها الخطر وهو ما يجعل قرار الفصل تعسفياً ويجيز للتابع الرجوع بالتعويض عن هذا الفصل ، وحينئذ يجب على القاضي المدني - الإلتزام بحجية الحكم الجنائي فيما إنتهى إليه من إنتفاء خطأ التابع ليخلص من ذلك إلي أن الفصل تعسفياً واستحقاق التابع التعويض ، فإن قضي بصحة قرار الفصل ورفض تبعاً لذلك دعوى التعويض ، كان قضاءه مشوباً بمخالفة حجية الحكم الجنائي .

وإذا صدر حكم جنائي بإدانة المتهم في جريمة تبديد سند الدين المسلم له، يدل علي سبق وجود هذا السند وأنه فقد من الدائن لسبب لابد له فيه مما يجيز له إثبات الدين بشهادة الشهود، وهو ما يلزم القاضي المدني بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الدين بشهادة الشهود ولو كانت قيمته تجاوز نصاب البينة ، وعليه رفض دفع بعدم جواز الإثبات بالبينة ، فإن أخذ بالدفع ورفض إحالة الدعوى الى التحقيق، كان قضاؤه مشوباً بمخالفة حجية الحكم الجنائي .

وإذا صدر حكم جنائي بإدانة رب العمل لعدم تأمينه على عمالة، دل ذلك على ثبوت علاقة العمل بينه وبين من تضمنهم الحكم الجنائي من عمال، وإنشغال ذمة رب العمل بمبالغ التأمين المستحقة عن هؤلاء العمال .

وان قضي جنائياً ببراءة المتهم لعدم تقديم عقد الأمانة الواجب توافره في جريمة التبديد ، فلا تكون لهذا الحكم حجية أمام القاضي المدني عندما يقدم إليه هذا العقد .

حجية الحكم الجنائي في الادعاء المدني :

أجاز القانون للمضرور من الجريمة أن يطلب الحكم له بالتعويض من القاضي الجنائي مهما كانت قيمة هذا التعويض أو قصر طلبه علي التعويض المؤقت، فاذا سلك المضرور هذا الطريق الإستثنائي في الرجوع بدعوي التعويض، فإنه يخضع لقواعد الحجية المقررة في شأن الدعوى المدنية علي التفصيل المتقدم ، بحيث إذا قضي برفض الإدعاء المدني ، فلا يجوز له بعد ذلك رفع دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية وإلا قضي فيها بعدم جواز نظرها لسبق الحكم فيها في الادعاء المدني. اذ طالما أن المضرور لم يستأنف الحكم الصادر برفض ادعائه المدني ، فلا يجوز له أن يعود إليه بدعوى جديدة حتى لو كانت النيابة العامة قد استأنفت الحكم في شقه الجنائي والقاضي ببراءة المتهم فقضت المحكمة الإستئنافية بإلغاء البراءة وإدانة المتهم ، إذ يستقل شق الحكم الجنائي عن شقه المدني .

قصر الحجية على الحكم الجنائي السابق :

مفاد نص المادتين 102 من قانون الإثبات، 456 من قانون الإجراءات الجنائية، أن القاضي المدني يتقيد بالحكم الجنائي الذي سبق صدوره قبل أن يصدر هذا القاضي حكمه ، فإن رفعت الدعوى المدنية قبل رفع الدعوى الجنائية، تعين على القاضي المدني نظرها والقضاء فيها ، اذ لا يوجب القانون عليه وقفها الا اذا رفعت الدعوى الجنائية ، وحينئذ لا يتم تعجيل الدعوى المدنية من الوقف إلا بعد صدور حکم بات في الدعوى الجنائية.  

فإن لم تكن الدعوى الجنائية قد رفعت، وصدر حكم في الدعوى المدنية ولم يطعن فيه في الميعاد، حاز قوة الأمر المقضي ولاينال من ذلك رفع الدعوي الجنائية بعد صدور الحكم في الدعوى المدنية وصدور الحكم فيها تخالفاً للحكم الصادر في الدعوى المدنية، ذلك أن القاضي الجنائي لا يتقيد بالحكم الصادر في الدعوى المدنية، وأن الحكم المدني متى حاز قوة الأمر المقضي كان بمنأي عن أي طعن ولو خالف حکم جنائي بات لأن القاضي لا يتقيد إلا بالحكم الجنائي السابق صدوره قبل صدور الحكم في الدعوى المدنية .

أما إذا رفعت الدعوي الجنائية بعد صدور الحكم في الدعوى المدنية وكان باب الإستئناف في الحكم الأخير مازال مفتوحاً. ولكن لم يرفع الإستئناف خلاله ، حاز الحكم قوة الأمر المقضي علي نحو ما تقدم، أما إذا رفع الإستئناف، وجب علي المحكمة الإستئنافية أن تقضي بوقف الإستئناف تعليقاً على صدور حکم بات في الدعوى الجنائية .

وحدة الخصوم مناط حجية الحكم الجنائي :

الحجية تثبت للحكم القضائي سواء كان صادر من محكمة مدنية أو جنائية، ويجب لتحقق هذه الحجية ، وحدة الموضوع والخصوم والسبب، وهو ما يتعين معه أن من يحاج بالحكم يجب أن يكون خصماً في الدعوى ويظل مختصماً فيها حتى يصدر الحكم فيكون حجة له أو عليه، وبالتالي فمن لم يكن مختصمة، فلا تكون للحكم حجية بالنسبة له، ذلك أن الحجية المطلقة لا تتقرر في الأحكام المدنية والجنائية، على نحو ما أوضحناه بالنسبة للأحكام المقررة للحالة المدنية .

تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي البات :

إذا كانت دعوى التعويض ناشئة عن جريمة، فإن القاضي المدني يتقيد بالحكم الجنائي بحيث إذا رفعت دعوى التعويض أمام القاضي المدني قبل صدور حکم بات في الدعوى الجنائية ، وجب علي القاضي المدني وقف دعوى التعويض تعليقا حتى يصدر حكم جنائي بات ، ويترتب على ذلك وقف تقادم دعوى التعويض .

ولا يتقيد القاضي المدني إلا بمنطوق الحكم الجنائي وأسبابه التي لا يقوم المنطوق بدونها، بحيث إذا تضمنت الأسباب مسألة زائدة عن حاجة إقامة المنطوق ، كانت نافلة ، فلا يتقيد بها القاضي المدني.

عدم الطعن في الحكم الإنتهائي :

تجيز المادة (249) من قانون المرافعات للخصم الذي صدر ضده حكم إنتهائي على خلاف حکم آخر سبق أن صدر بينه وبين خصمه وحسم النزاع أن يطعن بالنقض في الحكم اللاحق رغم إنتهائيته. وإذ لم تبين تلك المادة أن هذا الطعن يرفع في مدة معينة، وبالتالي يخضع للقاعدة المقررة بالنسبة للطعن بالنقض، ومن ثم تعين رفعه خلال ستين يوماً وإلا سقط الحق في رفعه ، وحينئذ تكون الخصومة الواحدة قد صدر فيها حكمان متناقضان، ولصدورهما من جهة قضائية واحدة، هي جهة القضاء العادي، فإن هذا التناقض لا شأن به للمحكمة الدستورية العليا، إذ تنحضر ولايتها في الفصل في التنازع الإيجابي أو السلبي إذا كان الحكمان المتعارضان صادرين من جهتين مختلفتين من جهات القضاء، كجهة القضاء العادي وجهة القضاء الإداري.

وبالتالي يجب التصدي لهذا التعارض وفقاً للقواعد العامة المقررة في القوانين الإجرائية، وهي تحقق ذات الغاية من الطعن ، ونكون قد انفردنا بهذا الرأي.

والمقرر قانوناً أن الحكم متى حاز قوة الأمر المقضي أنهي الخصومة، ولم تعد هناك خصومة يجوز أن يرد عليها قضاء لاحق. مما مفاده أن الحكم اللاحق يكون وارداً على غير خصومة مما يعدمه، فلا يرد عليه طعن ولا تثبت له حجية ويكفي إنكاره ویکون لأي محكمة طرح عليها هذا الحكم أن تقرر إنعدامه ولاتعتد به ولا يكون أمامها إلا الحكم الأول فتلتزم به.

عبء إثبات صدور حكم سابق :

متی رفع الطعن بالنقض وفقاً للمادة (249) سالفة البيان، وجب على الطاعن أن يودع حافظة مستنداته المرافقة لصحيفة الطعن صورة رسمية من و الحكم السابق وإلا كان طعنه عارياً عن الدليل، ولا يجوز تقديمها أثناء نظر الطعن أو بعد إنقضاء ميعاده أو حتى بعد إيداع صحيفة الطعن. ولا يكفي أن تكون هذه الصورة مودعة بطعن آخر حتى لو اطلعت عليها نيابة النقض.  (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : السابع ، الصفحة : 599)

وقف تنفيذ أحد الحكمين المتناقضين :

المقرر أن الحكم الذي يصدر من جهة قضائية خارج حدود ولايتها لا تكون له أية حجية أمام الجهة صاحبة الولاية، وأن قاضي التنفيذ أصبح هو المختص وحده بنظر كافة الإشكالات المتعلقة بالتنفيذ ما لم يوجد نص خاص باختصاص جهة أخرى بنظر إشكال معين ، ويترتب على ذلك أنه إذا صدر حكمان متناقضان وحاز كل منهما قوة الأمر المقضي ، فإن الحكم الصادر بالمخالفة للاختصاص الولائي لا تكون له حجية أمام الجهة صاحبة الولاية ويكون بمثابة اعتداء مما يختص بوقفه قاضي التنفيذ بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة عند نظر الإشكال المرفوع بوقف تنفيذه.

فإن كان الحكمان صادرين من جهة قضائية واحدة، وحاز كل منهما قوة الأمر المقضي، فقد كانت المادة (19) من قانون نظام القضاء تعقد الإختصاص بوقف تنفيذ أحدهما للجمعية العمومية لمحكمة النقض، وكان هذا التنازع يتم الفصل فيه وفقاً للأفضلية في تنفيذ أحد الحكمين على أساس قواعد الاختصاص وليس على أساس ما قد يشوب الأحكام من عيوب لا تمس ولاية المحكمة. ولما صدر قانون المرافعات السابق نص في المادة (246) علي جواز الطعن بالنقض في أي حكم انتهائي أياً كانت المحكمة التي أصدرته فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي، ولما صدر قانون المرافعات الحالي أخذ بذات القاعدة سالفة البيان حسبما نص عليه في المادة (249) منه، فأصبح وقف التنفيذ يخضع للقواعد العامة، ومن ثم يجوز تقديمه أمام محكمة النقض بالنسبة للحكم الذي صدر مناقضاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي ، كما يجوز رفع إشكال في تنفيذه أمام قاضي التنفيذ استنادا إلي أحد الأوجه التي تجيز وقف التنفيذ وإن كان ليس من بينها صدور الحكم مناقضاً حكم آخر لمساس ذلك بأصل الحق وحجية الأحكام وهو ما يخرج عن ولاية قاضي التنفيذ ، إلا أن تلك الولاية تمتد للحكم المعدوم . (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : التاسع، الصفحة : 391)

يجب لتوافر النقض إستناداً لهذه الحالة  أن يكون الحكم السابق قد حاز قوة الشيء المقضي به ، وليس من الضروري أن يكون صادراً بصفة إنتهائية إذ يجوز أن يكون قد صدر إبتدائياً وفات مواعيد الطعن فيه بالإستئناف  أن يكون الحكم الثاني قد صدر إنتهائياً  أن يكون الحكمان قد صدرا في نزاع واحد وبين الخصوم أنفسهم أي أن يكون بين الحكمان وحدة في الموضوع والسبب والخصوم ووقع بينهما تعارض ويعتبر الحكمان صادرين في نزاع واحد إذا كان الحكم السابق قد فصل في مسألة كلية شاملة ثار حولها النزاع وفصل الحكم الأخير في جزء من هذه المسألة كما إذا كان الحكم الأول قد قضى بتحديد أجرة عين مؤجرة بعد أن تنازع فيها الطرفان ثم رفعت دعوى بعد ذلك بالمطالبة بالأجرة عن مدة لاحقة وصدر حكم يناقض الحكم السابق من حيث تحديد الأجرة أما إذا كان الحكم الذي يراد الطعن فيه غير مناقض لحكم سابق وإنما كان مفسراً له كان الحكم الذي يراد الطعن فيه غير مناقض الحكم سابق وإنما كان مفسراً له وموضحاً لأغراضه ومراميه فلا يجوز الطعن فيه بدعوى التناقض كما لا يجوز سلوك هذا سبيل إذا كان التناقض في ذات منطوق الحكم المطعون فيه وليس بينه وبين حكم سابق كما لا يجوز الطعن بهذا الطريق في أحكام محكمة النقض .

وفي حالة توافر الشروط المتقدمة فإنه يجوز الطعن بالنقض ولو كان الطاعن لم يتمسك بحجية الحكم السابق أمام محكمة الموضوع (العشماوي بند 1378 وما بعده والنقض لحامد فهمي ص 472 وكمال عبد العزيز الجزء الأول ص 1760 والتعليق لأبو الوفا ص 731).

ولا ينطبق هذا النص على الأحكام الصادرة من محكمة النقض حتى ولو صدرت مخالفة لحكم نهائي حائز لقوة الأمر المقضي .

 وإذا حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها للمحكمة المختصة فإنه وأن كان يتعين علي المحكمة المحال إليها الدعوى أن تلتزم بحكم الإحالة وفقاً لنص المادة 110 مرافعات إلا أن هذا الإلتزام مجود بالأسباب التي بني عليها حكم عدم الإختصاص والإحالة فإذا رأت أنها غير مختصة بسبب آخر قضت بعدم الإختصاص وبإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ، فإذا كانت المحكمة المحلية قد قضت بعدم اختصاصها محلياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة التي رأت اختصاصها بها محلياً التزمت هذه المحكمة بهذا القضاء ولكنها إذا رأت أنها لا تختص بالدعوي نوعياً أو قيمياً قضت بعدم اختصاصها : وبإحالتها إلى المحكمة المختصة بها نوعيا أو قيمياً ونظراً لأن مبني الحكم بعدم الاختصاص في هذه الحالة من المحكمة المحال إليها مختلف عن مبنى صدور . الحكم بعدم الإختصاص والإحالة ومن المحكمة المحيلة فإن هذا الوضع لا يمثل تنازعاً سلبياً في الإختصاص كما لا يتوافر به سبب للطعن في الحكم بالنقض أو ، الإستئناف بحجة صدوره لحكم آخر وفقاً لنص المادتين 249، 222 مرافعات .

 وإذا صدر حكم من جهة قضائية أخرى خارج حدود ولايتها ثم صدر بعد ذلك من جهة القضاء العادي وفصل النزاع على خلاف الحكم الأول فلا يجوز الطعن بالنقض علي الحكم الأخير بحجة صدوره علي خلاف حكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم لأن الحكم الأول يكون معدوم الحجية أمام جهة القضاء العادي وبذلك يكون شرط جواز الطعن بالنقض في الحكم الأخير لصدوره على خلاف حكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي غير متحقق .

 ومن المستقر عليه فقها وقضاء أنه في حالة ما إذا كان الحكم الأول وقتياً فإنه يحوز حجية مؤقتة وهذه الحجية رغم توقيتها إلا أنها تظل قائمة ما بقيت الظروف التي صدر فيها دون تغيير ، أما إذا تغيرت الظروف فلا تكون له حجية تحول دون صدور حكم جديد يناقضه .

 وإذا صدر حكم بنفقة زوجة عن مدة معينة وصدر حكم لاحق برفض النفقة عن مدة تالية فليس هناك تناقض بين الحكمين .

 وللتحقق من قيام التناقض بين الحكمين ينظر إلى منطوق كل منهما مع الأخذ في الإعتبار أن المنطوق قد يرد في أسباب الحكم المرتبطة به كما أنه قد يكون صريحاً أو ضمنياً .

 ولا يشترط لوقوع التناقض ان يكون الحكم الأول صحيحاً فيجوز الطعن بالنقض في الحكم الثاني إذ ناقضه ولو كان الأول قد خالف القانون أو خالف قاعدة قانونية أمرة تتصل بالنظام العام ، ذلك أن محكمة النقض قد إستقرت في أحكامها المتواترة على أن قوة الأمر المقضي تسمو على قواعد النظام العام .

 ولا يشترط لقبول الطعن بالنقض أن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم الثاني خلاف المحكمة التي أصدرت الأول فيتحقق التناقض ولو كان الحكمان قد صدرا من محكمة واحدة.

 ويجوز الطعن بالنقض أيا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم الأخير سواء كانت محكمة جزئية أو إبتدائية باعتبارها محكمة أول درجة أو باعتبارها دائرة إستئنافية أو كانت محكمة إستئناف. الوسيط في قانون القضاء المدني للدكتور فتحي والي طبعة سنة 1993 صفحة 791).

 فإذا تبين لمحكمة النقض أن الحكم الثاني فصل في نزاع خلافاً للحكم السابق عليه رغم توافر الشروط الثلاثة التي بيناها آنفاً فإنها تقضي الحكم المطعون فيه و تتصدى لنظر الموضوع بأن تحكم فيه بعدم جواز نظر الدعوى المطعون علي الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته الفصل في الموضوع مثال ذلك أن يرفع مشتري لعقار دعوى بصحة ونفاذ عقده ويحصل على حكم بذلك ثم رفع مشتر أخر لنفس العقار من ذات البائع دعوى بصحة ونفاذ عقده والتسليم فيتدخل المشتري الأول في الدعوى طالباً أن يكون التسليم حكمياً تأسيساً على أنه يحوز العين حيازة قانونية إستناداً لعقده الذي قضي بصحته ونفاذه فيطعن البائع بالصورية على هذا العقد وتنتهي المحكمة إلى صحة العقد وتقضي في أسباب حكمها بصورية العقد وفي المنطوق بقبول تدخله شكلاً ورفضه موضوعا فهنا حدث تناقض بين أسباب الحكم الأخير المرتبطة بمنطوقه وبين منطوق الحكم الأول لأن القضاء بصحة ونفاذ عقد المشتري الأول معناه أن العقد صحيح ونافذ وليس صوريا فهنا يجوز لمحكمة النقض بعد أن تنقض الحكم الصادر في الدعوى الثانية نقضاً جزئياً بالنسبة لصورية عقد المشترى الأول أن تعيد الدعوى للمحكمة التي أصدرت هذا الحكم للفصل في الموضوع إذا رأت المحكمة أنه غير صالح للفصل فيه .

 ومما هو جدير بالذكر أن نطاق الطعن المرفوع وفقاً لنص المادة 249 يقتصر على النظر فيما إذا كان الحكم المطعون فيه قد خالف الحكم السابق وفق ما تقضي به المادة 101 من قانون الإثبات أم لا دون النظر في أي عيب آخر يوجه إلى الحكم المطعون فيه فإن رأت محكمة النقض عدم قيام المخالفة قضت برفض الطعن أو عدم جوازه دون النظر في أية أسباب أخرى للطعن ودون أن يطرح الطعن النظر في الحكم النهائي السابق الذي يتعين احترام حجيته ولو كان غير عادل أو مخطئاً في القانون أو مخالفاً لقاعدة تتعلق بالنظام العام ، ذلك أن الطعن ينصب على مخالفة حجية الأمر المقضي التي تعلو على اعتبارات النظام العام . (مرافعات كمال عبد العزيز طبعة سنة 1995 الجزء الأول ص 1760).

يتعين أن يكون الحكم المطعون فيه بالنقض وفقاً لنص المادة 249 مما يجوز الطعن فيه وفقاً لنص المادة 212 مرافعات :

من المقرر أن حكم المادة 249 مرافعات لا يعتبر استثناء ورد على حكم المادة 212 مرافعات ومن ثم تعين أن يكون الحكم المطعون فيه وفقا للمادة الأولى مما يجوز الطعن فيه وفقاً للمادة الثانية سواء لكونه منهياً للخصومة كلها أو لكونها من الأحكام التي أجازت المادة الطعن فيها مباشرة على إستقلال ولو صدرت قبل صدور الحكم المنهي للخصومة كلها .

لا يعتبر فصلاً في نزاع خلافاً لحكم سابق إقتصار قضاء الحكم المطعون فيه على شكل الإستئناف :

من المقرر أنه لا يجوز الطعن بالنقض استناداً للمادة 249 إذا اقتصر الحكم اللاحق على القضاء في شكل الإستئناف كالحكم بعدم جوازه أو بعدم قبوله أو سقوط الحق فيه أو سقوط الخصومة فيه أو ببطلان صحيفته ذلك أنه لم يقض في الموضوع الذي سبق أن فصل فيه الحكم السابق . (مرافعات كمال عبد العزيز الجزء الأول ص 1758).

لا يشترط لوقوع التناقض بين الحكمين أن تكون الطلبات في إحدى الدعويين هي نفس الطلبات في الدعوى الأخرى ولا أن يكون منطوق الحكم في أحداهما هو ذات المنطوق في الأخرى :

فلا يشترط أن تكون الطلبات في إحدى الدعويين هي نفس الطلبات في الدعوى الأخرى كما لا يشترط أن يكون منطوق الحكم في إحداهما هو ذات المنطوق . في الأخرى بل يكتفي أن يكون مؤدى ما قضى به إحداهما يخالف مؤدى ما قضى به في الأخرى فإذا قضت المحكمة في إحدى الدعويين بصحة ونفاذ عقد بيع ثم قضت في الدعوى الأخرى ببطلان ذات العقد كان هناك تناقض بين الحكمين يجيز الطعن بالنقض لأن صحة العقد وطلب بطلانه وجهان متقابلان لشيء واحد .

يسرى نص المادة 249 على الحكم الصادر في الدعوى المدنية التبعية من المحكمة الجنائية إذا ناقض حکم صادر من المحكمة المدنية :

في حالة ما إذا صدر حكم من المحكمة المدنية ثم صدر بعد ذلك حكم من المحكمة الجنائية في دعوى مدنية تبعية مناقض للحكم الأول فإن نص المادة 249 يطبق في هذه الحالي ويجوز الطعن على الحكم الثاني بالنقض مثال أن تصدر المحكمة الجنائية حكما برفض الدعوى المدنية المرفوعة بتعويض عن حادث أصيب فيه شخص معين ثم تأتي المحكمة المدنية فتقضى له بتعويض عن نفس الحادث وعلى نفس الأساس الذي سبق أقيمت عليه الدعوى التبعية .

لا يجوز الطعن بالنقض على الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى وأصبح انتهائياً بعدم إستئنافه ولو خالف حجية حكم سابق :

من المقرر أن جواز الطعن بالنقض في الحكم لمخالفته حكماً سابقاً حاز قوة الأمر المقضي أن يكون الحكم الثاني قد صد إنتهائياً تمشياً مع الأصل العام من عدم جواز الطعن بالطرق غير العادية في الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى ولو انقضت مواعيد الطعن فيها بالطرق العادية فإذا صدر حكم من المحكمة الجزئية أو المحكمة الإبتدائية بصفتها محكمة درجة أولى ولم يطعن عليه بالإستئناف وأصبح انتهائياً فلا يجوز الطعن عليه بالنقض ولو كان خالف حجية حكم سابق حاز قوة الأمر المقضي.

وتأسيساً على ما تقدم إذا صدر حكم من قاضي الأمور المستعجلة في مادة مستعجلة ولم يطعن عليه بالإستئناف فلا يجوز الطعن عليه بالنقض ولو خالف حجية حكم سابق حاز قوة الأمر المقضي .

لا يعد تناقضاً بين حكمين الحكم الصادر في النزاع على الملكية مخالفة لحكم آخر صدر في دعوى الحيازة :

من المقرر كما سبق أن ذكرنا في شرح المادة 44 مرافعات من الجزء الأول أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا حجية له في النزاع على الملك لإختلاف الدعويين موضوعاً وسبباً فإذا صدر حكم لصالح شخص معين في دعوى حيازة برد حيازته لأرض النزاع تأسيساً على توافر شروط دعوى إسترداد الحيازة في حقه ثم صدر ضده حكم أخر لصالح خصمه السابق برد حيازته الأرض استناداً لعقد ملكيته المسجل فلا يعد ذلك تناقض بين حكمين يجيز الطعن بالنقض .

الحكم الصادر بتكييف الدعوى بين طرفي الخصومة تكييفاً مغايرة لتكييف الحكم السابق بعد تناقضاً يجيز الطعن بالنقض :

من المقرر أنه في حالة ما إذا عرضت دعوى على المحكمة واعطتها التكييف القانوني وكان ذلك لازمة للفصل في تلك الدعوى فإن هذا الحكم يمنع التنازع في تلك المسألة في دعوى تالية ولو بأدلة قانونية أو واقعية ولم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها فإذا رفعت دعوى وكيفت المحكمة الطلبات بأنها منازعة في إستعمال الحائط المشترك بين شريكين فلا يجوز بعد ذلك إذا ما رفعت دعوى أخر تكييف ذات الطلبات - التي كانت مطروحة على المحكمة الأولى - بأنها دعوى قمة الحائط المشترك وإلا أعتبر حكمها قد صدر على خلاف حكم سابق يجوز الطعن عليه بالنقض و إذا أقيمت دعوى تعويض وكيفتها المحكمة بأن أساسها الفعل الضار وطبقت قواعد المسئولية التقصيرية وكان هذا التكييف لازماً الفصل في تلك الدعوى فلا يجوز للمحكمة في دعوى تالية بأن تعود وتكيف النزاع في الدعوى الأولى بانه أساسها الإخلال بالالتزام الذي يرتب المسئولية العقدية وإلا عد ذلك تناقضاً يجيز الطعن على الحكم بالنقض .

هل تسرى المادة 249 إذا كان الحكم الثاني قد ناقض الحكم الأول إلا أنه أسس على أدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الحكم الأول :

من المقرر كما سبق أن ذكرنا أنه يجوز الطعن بالنقض على الحكم الإنتهائي الذي خالف حكماً سابقاً حاز قوة الأمر المقضي وتسرى هذه القاعدة ولو كان الحكم الصادر في الدعوى الثانية قد أسس على أدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها ولم يبحثها الحكم الصادر منها .

هل يجوز الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة إذا ناقض الحكم الثاني الحكم الأول :

سبق أنكرنا أنه يجوز للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في الأحكام الصادرة من محاكم الإستئناف إذا كان الحكم المطعون فيه مبنيا على المخالفة للقانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله أو وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم (مادة 248 مرافعات) كما يجوز لهم الطعن بالنقض في أي حكم نهائي - أياً كانت المحكمة التي أصدرته فصل في النزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي (مادة 249 مرافعات) ومؤدي هذين النصين أن الأحكام المستعجلة التي يجوز فيها الطعن بطريق النقض هي الأحكام الصادرة من محاكم الإستئناف كما لو رفع الطلب المستعجل أمام المحكمة الإبتدائية بطريق التبعية للدعوى الموضوع ثم استؤنف الحكم الصادر في هذا أما محكمة الإستئناف فإن الحكم الصادر من محكمة الإستئناف في المادة المستعجلة يجوز فيه الطعن بالنقض إذا توافرت حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة 248 من قانون المرافعات أما الأحكام المستعجلة التي تصدرها المحاكم الإبتدائية بهيئة إستئنافية فلا تقبل الطعن فيها من الخصوم بطريقة النقض ما لم تتوافر الحالة المنصوص عليها في المادة 249 مرافعات وذلك بشرط ألا تكون قد تغيرت الظروف بعد صدور الحكم الأول أما إذا كانت الظروف ، قد تغيرت وأدى هذا التغيير إلى صدور الحكم الثاني مخالفاً للحكم الأول فإن ذلك لا يبيح الطعن بالنقض لأن تغير الظروف أو المراكز القانونية للخصوم يبيح للقضاء المستعجل أن يعدل حكمه السابق .

ويجوز للنائب العام وحده أن يطعن في الأحكام المستعجلة الصادرة من المحكمة الإبتدائية بهيئة إستئنافية لمصلحة القانون وفقاً لما نصت عليه المادة 250 مرافعات وبالشروط التي أوجبتها هذا المادة شأنها في ذلك شأن الأحكام الموضوعية التي تصدر منها . (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء : السادس ،  الصفحة : 874 )

الطعن بالنقض في الحكم الإنتهائي لفصله في نزاع على خلاف حكم سابق حائز لقوة الأمر المقضي صدر بين الخصوم أنفسهم :

وفقاً للمادة 249 مرافعات - محل التعليق . للخصوم ذوى المصلحة الطعن في أي حكم انتهائي أياً كانت المحكمة التي أصدرته فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي، وهذا السبب للطعن بالنقض يندرج ضمن مخالفة القانون باعتباره مخالفة للقاعدة القانونية المنصوص عليها في المادة 606 من قانون الإثبات (نقض 1981/12/26 في الطعن رقم 110 لسنة 50 ق) .

ويذهب البعض في الفقه إلى إعتباره خطأ في الإجراء على أساس أن المحكمة ليست لها ولاية الفصل في نزاع سبق الفصل فيه، إذ يترتب على صدور الحكم السابق إنكار سلطة اية محكمة بعد ذلك في إعادة نظر النزاع الذي فصل فيه هذا الحكم (فتحى والي - بند 387 - ص 790 والمراجع المشار إليها فيه) وقد كان مقتضى هذا إمكان التمسك بهذا العيب ولو لم يكن الحكم الثاني متناقضاً مع الحكم الأول ، ولكن مبدأ الاقتصاد في الإجراءات تقضی عدم قبول الطعن إلا حيث يتناقض الحكمان ، إذ لا مصلحة للطاعن في إلغاء الحكم الثاني إذا لم يكن متعارضاً مع الأول (فمتى والى الإشارة السابقة)، ويرد الطحن بالنقض على الحكم الأحدث في التاريخ على أساس صدوره مناقضاً للحكم الأول. وينبغي للطعن بالنقض لهذا السبب توافر شروط اربعة وهي :

الشرط الأول للطعن بالنقض وفقاً للمادة 249 مرافعات :

أن يكون الحكم المطعون فيه قد صدر انتهائياً :

أيا كانت المحكمة التي أصدرته حتى ولو كانت محكمة جزئية أنقض 1969/2/13 - سنة 20 ص 333 ونقض 1969/5/27 سنة 20 ص 817 ) . او إبتدائية - كمحكمة أول درجة أن محكمة إستئنافية - أو محكمة إستئناف، وسواء كانت هي نفس المحكمة التي أصدرت الحكم الأول أو محكمة أخرى (نقض 1985/3/24 في الطعن 1255 لسنة 54 ق ) حتى ولو كانت المحكمة الأخرى محكمة جنائية (نقض 1967/7/14 - سنة 18 ص 631 ). ولا يشترط لقبول الطعن أن يكون الطاعن قد دفع أمام هذه المحكمة بحجية الحكم السابق (نقض 1969/5/27 مشار إليه آنفاً)، أو باستنفاد ولاية المحكمة، (فتحی والی - ص 791).

فينبغي أن يكون الحكم المطعون فيه عند صدورة حائزاً لقوة الأمر : المقضي أي انتهائياً أي غير قابل للطعن فيه بطرق الطعن العادية ، وهي الإستئناف والمعارضة ، حتى ولو كان قابلاً للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية، وهي النقض والإلتماس. (نقض 1977/2/2 - طعن 770 لسنة 44 قضائية - سنة 28 - ص 359 ، ونقض 1982/1/3 - طعن 524 سنة 42 قضائية ، ونقض: 1982/2/28 - طعن 180 لسنة 49 قضائية) .

فإذا صدر الحكم قابلاً للطعن فيه بالإستئناف وقوت المحكوم عليه ميعاد الطعن أو قبل الحكم فليس له الطعن في هذا الحكم بالنقض وفقاً لهذه الحالة. (نقض 1969/5/27 سنة 30  ص 871).

إذ العبرة في تحقق هذا الشرط بوقت صدور الحكم المطعون فيه فلا يجوز الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من محاكم أول درجة أي أحكام المحاكم الجزئية أو الإبتدائية القابلة للإستئناف حتى ولو صارت نهائية بفوات إستئنافها أو بقبولها من المحكوم عليه ، وإنما يكون الطعن بالنقض في الحكم الصادر في الإستئناف الذي يرفع عنها، فإن استغلق سبيل هذا الإستئناف صارت بأنه لا يجوز الطعن عليها بطريق النقض (حامد ومحمد حامد فهمي بند 220، فتحى والی بند 387 ، كمال عبدالعزيز، ص 1741 ، ونقض 1969/5/27 - طعن 295 لسنة 35 قضائية - سنة 20 ص  871 ، ونقض 1984/1/19 - طعن 381 لسنة 50 قضائية، نقض 1984/4/26 - طعن 1672 سنة 49 قضائية، نقض 1985/12/8 - طعن 968 لسنة 52 قضائية).

والإتفاق على إنتهائية الحكم عملاً بالمادة 2/219 تمنع إستئنافه، وإن كان هو في الأصل يقبل الإستئناف عملاً بالقواعد العامة. وإنما إذا صدر على خلاف حكم سابق لم يحز قوة الأمر المقضى جاز إستئنافه إستثناء عملاً بالمادة 222. وقد اختلف الرأي في جواز الطعن فيه بالنقض عملاً بالمادة 249 إذا توافرت شروطها، فقيل بعدم جواز الطعن فيه بالنقض إستناداً إلى أن الخصوم قد فوتوا على أنفسهم إستئنافه باتفاقهم على انتهائية الحكم قبل صدوره مما يجعله غير قابل للطعن فيه بطريق غير عادى للطعن، ولكن الراجح أنه يجوز الطعن فيه بالنقض إستناداً إلى أعتباره انتهائياً (وإن كان ذلك باتفاق الخصوم وليس بنص في القانون). واستناداً إلى أن صدور أحکام متناقضة في الدعوية الواحدة يستوجب التصحيح وأن هذه القاعدة متعلقة بالنظام العام. (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 970 و 971).

ومتى توافرت شروط الطعن وفقاً للمادة 249 - محل التعليق فإنه يستوي أن يكون الحكم المطعون فيه قد فصل في أصل الحق أو في امر وقتی. (نقض 1984/3/22 - طعن 427 لسنة 51 قضائية - سنة 35 - ص 395 ، نقض 1985/1/24 - طعن 120 سنة 51 قضائية، نقض 1985/1/29 - طعن 2328 سنة 51 قضائية، نقض 1985/3/12 طعن 886 سنة 53 قضائية) .

ويجوز الطعن وفقاً للمادة 249 في الأحكام النهائية الصادرة في المواد المستعجلة أو الوقتية متى خالفت حجية حكم إنتهائي سابق سواء كان حكماً موضوعياً أو كان حكماً مستعجلاً أو وقتياً ولم يتغير الظروف الواقعة والمراكز القانونية التي صدر في ظلها. (نقض 1984/3/7 - طعن 2555 لسنة 52 قضائية - سنة 35 ص 620 ونقض 1981/6/16 - طعن 1127 لسنة 47 قضائية - سنة 32 ص 1839 نقض  1985/1/29 - طعن 2328 سنة 51 قضائية، نقض 1988/10/25 -  طعن 791 سنة 55 قضائية، نقض 1989/3/2 ۔ طعن 2281 لسنة 59 قضائية).

وينبغي ملاحظة أن إجازة الطعن في الحكم الحائز لقوة الأمر المقضي لصدوره على خلاف حکم سابق حائز لقوة الأمر المقضى لا يعتبر إستثناء من المادة 212 مرافعات، ولهذا فإن الطعن في الحكم هنا أيضاً لايجوز إلا إذا كان الحكم منهياً للخصومة كلها وذلك فيما عدا ما نصت عليه المادة من إستثناءات. (نقض 1975/4/22 - سنة 26 ص 808 ، فتحی والی ص 791 و 792).

فحكم المادة 249 لا يعتبر إستثناء من حكم المادة 212 مرافعات فيتعين أن يكون الحكم المطعون فيه مما يجوز الطعن فيه وفقاً لها سواء لكونه منهياً للخصومة كلها أو لكونه من الأحكام التي أجازت المادة الطعن فيها مباشرة على إستقلال ولو صدرت قبل صدور الحكم المنهي للخصومة كلها. (نقض 1975/4/2 - طعن 43 لسنة 39 قضائية سنة 26 ص 808 ، نقض 1977/1/11 - طعن 1600 سنة 42 ق - سنة 28 ص 207).

وإذا إستؤنف الحكم الصادر إنتهائياً خطأ نقضت محكمة ثاني درجة في الموضوع ، فإن الطعن بالنقض يكون في الحكم الإستئنافي لأنه يكون قد حل محل الحكم المستأنف (حامد ومحمد فهمي - النقض بند 220 ).

و إعمالاً للمادة 249 مرافعات - محل التعليق : يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية أو من المحاكم الإبتدائية في حدود نصابها الإنتهائي ، كما يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر من المحكمة الإبتدائية بهيئة إستئنافية أي التي تصدر منها في الإستئناف المرفوع إليها عن أحكام المحكمة الجزئية. (نقض 1975/10/28- طعن 178 لسنة 41 قضائية - سنة 26 ص 1354 .

ومن البديهي أنه يجوز الطعن وفقاً للمادة 249 في الأحكام الصادرة من محاكم الإستئناف ، إذ هي أحكام إنتهائية لأنها غير قابلة للطعن فيها بالإستئناف ، كما يطعن عليها بمخالفة حجية حكم سابق يندرج ضمن عموم عيب مخالفة القانون بما يتسع له الطعن وفقاً للمادة 248 مرافعات .(نقض 1973/3/24 طعن 203 - سنة 24  - ص 483 ، نقض 1984/5/10 - طعن 260 سنة 49 قضائية، نقض 1986/5/28 - طعن 1148 سنة 52 قضائية) .

كذلك يجوز الطعن في الأحكام النهائية بسبب النص على منع إستئنافها كالشأن في الأحكام الصادرة وفقاً لأحكام قانون إيجار الأماكن الأسبق رقم 121 لسنة 1947. (نقض 1959/3/5 - طعن 410 لسنة 24 قضائية - سنة 10 ص 199 ).

ويجوز أيضاً الطعن وفقاً للمادة 249 في الأحكام الصادرة في مواد الأحوال الشخصية للولاية على المال. (نقض 1976/4/14 - طعن 18 لسنة 44 قضائية سنة 27 ص 949 ، كمال عبدالعزيز - ص 1742 ) .

ولكن لا يجوز الطعن بالنقض استناداً للمادة 249 قي أحكام محكمة النقض (نقض 1985/3/10 - طعن 591 سنة 51 قضائية ، نقض 1984/1/24 - طعن 891 سنة 50 قضائية) ولا في أحكام محكمة القيم العليا . (نقض 1990/11/25 - طعن 2150 سنة 58 قضائية).

كما لا يجوز الطعن بالنقض في أحكام المحكمة الدستورية العليا لأن أحكام المحكمة الدستورية العليا وقراراتها نهائية غير قابلة للطعن عملاً بالمادة 4 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بالتالي لا يجوز إعمال المادة 249 مرافعات بصددها. (نقض 1986/4/3 رقم 1945 لسنة 52 ق - لسنة 37  ق 395 ).

الشرط الثاني للطعن بالنقض وفقا للمادة 249 مرافعات:

أن يكون الحكم السابق قد حاز قوة الأمر المقضي:

فينبغي أن يكون هناك وقت صدور الحكم المطعون فيه، حكم سابق حائز قوة الأمر المقضي أي غير قابل للطعن فيه بطرق الطعن العادية أی الإستئناف والمعارضة ، ولو كان قابلاً للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية أو طعن فيه بها بالفعل. فإذا كان ما سبق صدوره لا يعتبر حكماً قضائياً يحوز قوة الأمر المقضي بل أمر ولائي فإنه لايجوز الطعن بالنقض مما يصدر بعده من أحكام قضائية إستناداً إلى تناقضها معه. (نقض 1969/12/17 - طعن 493 لسنة 29  قضائية -  سنة 65 ص 1161).  وينظر إلى وصف الحكم السابق بأنه حائز لقوة الأمر المقضى عند صدور الحكم الثاني ، فلا ينظر إلى وقت صدور الحكم الأول. ولهذا فإنه لا يشترط أن يكون الحكم الأول قد صدر حائزاً لهذه القوة فيكفي أن يصبح كذلك بانقضاء مواعيد الطعن العادية أو بقبول الحكم من المحكوم عليه. كذلك فإنه إذا كان الحكم الأول هو من الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع التي لا تقبل الطعن فيها على استقلال وإنما تعتبر مستأنفة مع الحكم الصادر في الموضوع فلا يوجد ما يمنع محكمة الإستئناف من مخالفة هذا الحكم الذي لم يحز قوة الأمر المقضى ويعتبر مطروحاً عليها مع إستئناف الحكم في الموضوع. (نقض 1975/3/24 -  سنة 26 ص 661 فتحي والي - ص 790 وص 791 ) .

ومن ناحية أخرى، فإنه لا ينظر إلى وقت رفع الدعوى التي صدر فيها الحكم الثاني بل إلى وقت صدور هذا الحكم. (نقض 1981/12/2 طعن 893 لسنة 50 قضائية) .

ولايهم أن يكون الحكم الأول صحيحاً أو عادلاً ، فيجوز الطعن في الحكم الثاني الذي يناقضه ولو كان الحكم الأول قد خالف القانون أو خالف قاعدة من قواعد النظام العام إذ قوة الأمر المقضى تسمو على قواعد النظام العام. (نقض 1973/3/14 - سنة 24 ص 404 ، نقض 1965/5/27 - سنة 16 ص 651 ، فتحى والى «الإشارة السابقة).

ويلاحظ أنه يجوز أن يكون الحكم السابق حكماً وفنياً أو مستعجلاً متى كان الحكم اللاحق المطعون فيه وقتياً أو مستعجلاً ، ولم تكن الظروف الواقعية أو المراكز القانونية التي صدر في ظلها الحكم السابق قد تغيرت وفي ذلك تقول محكمة النقض لئن كان الأصل أن الأحكام المستعجلة لاتحوز قوة الأمر المقضي ، غير أنه لا يجوز إثارة النزاع الذي فصل فيه القاضي المستعجل من جديد أمامه ، متی كانت المراكز القانونية للخصوم والوقائع المادية والظروف التي انتهت بالحكم هي بعينها لم يطرأ عليها تعديل أو تغيير». (نقض  1981/6/16  - طعن 1127 لسنة 47 قضائية - سنة 32 ص 1839 ، نقض 1988/10/25 - طعن 791 سنة 55 قضائية -  نقض 1989/3/2 - طعن 2381  سنة 56 قضائية، كمال عبدالعزيز - ص 1750).

إذ يجوز الطعن بطريق النقض في الحكم المستعجل النهائي الصادر على خلاف حكم مستعجل نهائی سابق في ذات المسألة التي فصل فيها بين نفس الخصوم (نقض 1988/10/25  - طعن 791 سنة 55 قضائیه، نقض 1989/3/2 ۔ طعن 2381سنة 56 قضائية، نقض 1981/6/16 - سنة 32 ص 1839 ) .

الشرط الثالث للطعن بالنقض وفقا للمادة 249 مرافعات :

أن يكون الحكمان قد صدراً في نزاع واحد بين الخصوم أنفسهم أي أن يكون بين الدعويين وحدة الموضوع والسبب والخصوم فينبغي أن تتوافر في الحكم السابق شروط حجية الأمر المقضي بالنسبة إلى ما قضي به الحكم اللاحق. (نقض 1983/2/7 - طعن 1219 لسنة 48 قضائية سنة 34 ص 435 ، نقض 1986/7/26 - طعن 1034 سنة 53 قضائية).

إذ يجب أن يكون الحكمان صادرين بين الخصوم أنفسهم في النزاع عينه. (نقض 1960/6/23 -  لسنة 11 ص 460 ) .

فمناط حجية الحكم وحدة الخصوم والمحل والسبب في الدعويين السابقة والتالية :

(نقض 1989/5/29 رقم 834  لسنة 51 ق).

ويجب أن يكون الحكم السابق صائراً من جهة قضائية مختصة ، لأنه إذا صدر من جهة قضائية غير مختصة بنظر الدعوى التي صدر فيها لم .. تكن له حجية الأمر المقضي أمام المحاكم العادية .

(نقض 1978/4/8 - طعن 7 لسنة 43 قضائية - سنة 29 ص 990 ) .

 الشرط الرابع للطعن بالنقض وفقا للمادة 249 مرافعات : أن يكون هناك تناقض بين الحكمين السابق واللاحق المطعون فيه ويحدث التناقض بأن يكون الحكم الثاني فقد فصل فی نفس الدعوى أو في نفس المسالة خلافاً للحكم الأول أو لمقتطاه ، وينظر إلى منطوق كل من الحكمين، مع ملاحظة أن المنطوق قد يكون صريحاً أو ضمنياً . (نقض 1967/5/11 - سنة 17 ص 966 ، فتحي والى - 793)، كما أن هناك من الأسباب ما هو مرتبط بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً .

فينبغي أن يكون الحكم اللاحق المطعون فيه مناقضاً فيما قضى به أي أقيم عليه قضاؤه لما قضى الحكم السابق النهائي سواء في المسألة نفسها أو في مسألة كلية شاملة تثار حولها النزاع بين الخصوم في الدعويين واستقرت حقيقتها بينهما بما قضت فيها الحكم السابق سواء في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة بالمنظور ارتباطاً وثيقاً .

(نقض 1984/3/22 - طعن 427 لسنة 51 قضائية  - سنة 135 ص 790 -  نقض 1984/4/26 - طعن 1632 سنة 49 قضائية سنة 135 ص 1095 ، نقض 1985/1/24 - طعن 120 سنة 51 قضائية ،  نقض 1985/1/29 - طعن 2328 لسنة 51 قضائية نقض 1985/3/12 طعن 886  سنة 53 قضائية، نقض 1991/11/6 - طعن 150 سنة 56 قضائية، نقض 1991/12/3 - طعن 942 سنة 58 قضائية، نقض  1992/4/12 - طعن 1215 لسنة 51 قضائية).

فيستبعد من نطاق أعمال المادة 249 حالة ما إذا كان الحكم الذي يراد الطعن فيه غير مناقض لحكم سابق، وإنما كان مفسراً له وموضحاً لأغراضه ومراميه فلا يجوز الطعن فيه بدعوى التناقض (نقض 1936/1/16 رقم 59 لسنة 5 ق - مجموعة أحكام النقض في 25 سنة الجزء الثاني ص 1133 رقم 396)، وحالة ما إذا كان الحكم الذي يراد الطعن فيه غير مناقض حكم سابق وإنما كان مصححاً له عملاً بالمادة 191 وجاوزت المحكمة حقها في التصحيح بأن تعارضت مع حكمها السابق ، فعندئذ يكون الطعن في الحكم الأخير بذات طريق الطعن الجائز في الحكم موضوع التصحيح وذلك عملاً بالمادة 3/191 . (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 970) . (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء : الخامس  ،  الصفحة :  309)

 

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع عشر ، الصفحة / 44

التَّنَاقُضُ فِي الدَّعْوَى:

يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهَا تَنَاقُضٌ، فَلِذَلِكَ لاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى الَّتِي يَقَعُ فِيهَا التَّنَاقُضُ؛ لأِنَّ كَذِبَ الْمُدَّعِي يَظْهَرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَمِنْ أَمْثِلَةِ وُقُوعِ التَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى: الاِدِّعَاءُ بِالْمِلْكِيَّةِ بَعْدَ اسْتِشْرَاءِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوِ اسْتِئْجَارِهِ وَنَحْوِهِ.

وَكَمَا يَمْنَعُ التَّنَاقُضُ أَصْلَ الدَّعْوَى يَمْنَعُ دَفْعَ الدَّعْوَى أَيْضًا فَعَلَيْهِ إِذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِأَنَّهُ مَدِينٌ بِكَذَا دِرْهَمًا مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ إِقْرَارِهِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الأْصِيلَ قَدْ أَوْفَى الدَّيْنَ أَوْ أَنَّ الدَّائِنَ قَدْ أَبْرَأَنِي قَبْلَ الإْقْرَارِ فَلاَ يُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ.

وَإِذَا حَصَلَ تَنَاقُضٌ بَيْنَ دَعْوَيَيْنِ فَتَكُونُ الدَّعْوَى الثَّانِيَةُ مَرْدُودَةً، وَلَكِنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُعَقِّبَ دَعْوَاهُ الأْولَى؛ لأِنَّ الدَّعْوَى الثَّانِيَةَ لَمْ تُسْتَمَعْ بِسَبَبِ ظُهُورِ كَذِبِهَا، أَمَّا الدَّعْوَى الأْولَى فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا.

وَكَمَا يَمْنَعُ التَّنَاقُضُ الدَّعْوَى لِنَفْسِ الْمُدَّعِي الْمُنَاقِضِ لِنَفْسِهِ يَمْنَعُهَا لِغَيْرِهِ، فَمَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِغَيْرِهِ فَكَمَا لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ بِوِصَايَةٍ.

وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ الْقَوْلَ فِيمَا يَرْتَفِعُ بِهِ التَّنَاقُضُ وَالْحَالاَتُ الَّتِي يُعْفَى التَّنَاقُضُ فِيهَا وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَوْضُوعِ وَيُنْظَرُ فِي (دَعْوَى).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة / 132

 - تَغَيُّرُ اجْتِهَادِ الْقَاضِي:

مِنْ أَسْبَابِ الرُّجُوعِ أَيْضًا تَغَيُّرُ الاِجْتِهَادِ، فَالْمُجْتَهِدُ الَّذِي يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ إِلَى رَأْيٍ يُخَالِفُ رَأْيَهُ الأَْوَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنِ اجْتِهَادِهِ الأَْوَّلِ وَالْعَمَلُ بِمَا تَغَيَّرَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَالأَْصْلُ فِي ذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ رضي الله تعالي  إِلَى أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ وَقَدْ جَاءَ فِيهِ: وَلاَ يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَ بِهِ الْيَوْمَ فَرَاجَعْتَ فِيهِ رَأْيَكَ وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ فِيهِ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ وَلاَ يُبْطِلُهُ شَيْءٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: يُرِيدُ أَنَّكَ إِذَا اجْتَهَدْتَ فِي حُكُومَةٍ ثُمَّ وَقَعَتْ لَكَ مَرَّةً أُخْرَى فَلاَ يَمْنَعُكَ الاِجْتِهَادُ الأَْوَّلُ مِنْ إِعَادَتِهِ، فَإِنَّ الاِجْتِهَادَ قَدْ يَتَغَيَّرُ، وَلاَ يَكُونُ الاِجْتِهَادُ الأَْوَّلُ مَانِعًا مِنَ الْعَمَلِ بِالثَّانِي إِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ الْحَقُّ، فَإِنَّ الْحَقَّ أَوْلَى بِالإِْيثَارِ؛ لأَِنَّهُ قَدِيمٌ سَابِقٌ عَلَى الْبَاطِلِ، فَإِنْ كَانَ الاِجْتِهَادُ الأَْوَّلُ قَدْ سَبَقَ الثَّانِيَ، وَالثَّانِي هُوَ الْحَقُّ فَهُوَ أَسْبَقُ مِنْ الاِجْتِهَادِ الأَْوَّلِ؛ لأَِنَّهُ قَدِيمٌ سَابِقٌ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَلاَ يُبْطِلُهُ وُقُوعُ الاِجْتِهَادِ الأَْوَّلِ عَلَى خِلاَفِهِ، بَلِ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنَ التَّمَادِي عَلَى الاِجْتِهَادِ الأَْوَّلِ.

عَلَى أَنَّ تَغَيُّرَ الاِجْتِهَادِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إِلَى مَا تَغَيَّرَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لَكِنَّ ذَلِكَ لاَ يُبْطِلُ الاِجْتِهَادَ الأَْوَّلَ إِذَا صَدَرَ بِهِ حُكْمٌ.

وَهَذَا فِي الْحَوَادِثِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ، قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْمُجْتَهِدُ إِذَا قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِرَأْيِهِ - وَهِيَ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ - ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيْهِ ثَانِيًا فَتَحَوَّلَ رَأْيُهُ يَعْمَلُ بِالرَّأْيِ الثَّانِي، وَلاَ يُوجِبُ هَذَا نَقْضَ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ الأَْوَّلِ؛ لأَِنَّ الْقَضَاءَ بِالرَّأْيِ الأَْوَّلِ قَضَاءٌ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ لاِتِّفَاقِ أَهْلِ الاِجْتِهَادِ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ فِي مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَكَانَ هَذَا قَضَاءً مُتَّفَقًا عَلَى صِحَّتِهِ، وَلاَ اتِّفَاقَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الرَّأْيِ الثَّانِي، فَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلِهَذَا لاَ يَجُوزُ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَ هَذَا الْقَضَاءَ، كَذَا هَذَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ  رضي الله تعالي قَضَى فِي الْمُشَرَّكَةِ بِإِسْقَاطِ الإِْخْوَةِ مِنَ الأَْبَوَيْنِ وَتَوْرِيثِ الإِْخْوَةِ لأُِمٍّ، ثُمَّ شَرَّكَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بَعْدُ، وَلَمَّا سُئِلَ قَالَ: تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ عَلَى مَا نَقْضِي، فَأَخَذَ عُمَرُ رضي الله عنه  فِي كِلاَ الاِجْتِهَادَيْنِ بِمَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْقَضَاءُ الأَْوَّلُ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الثَّانِي، وَلَمْ يُنْقَضِ الأَْوَّلُ بِالثَّانِي، فَجَرَى أَئِمَّةُ الإِْسْلاَمِ بَعْدَهُ عَلَى هَذَيْنِ الأَْصْلَيْنِ.

وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي جَوَازِ رُجُوعِ الْقَاضِي عَمَّا قَضَى بِهِ إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ فِي الْقَاضِي يَقْضِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ يَرَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَيُرِيدُ الرُّجُوعَ عَنْهُ إِلَى مَا رَأَى، فَذَلِكَ لَهُ مَا كَانَ عَلَى وِلاَيَتِهِ الَّتِي فِيهَا قَضَى بِذَلِكَ الْقَضَاءِ الَّذِي يُرِيدُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لاَ يَجُوزُ فَسْخُهُ، وَصَوَّبَهُ أَئِمَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِيَاسًا عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ نَقْضُ هَذَا لِرَأْيِهِ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ فَسْخُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلاَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ، وَلاَ يَثِقُ أَحَدٌ بِمَا قُضِيَ لَهُ بِهِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِمَالٍ فَسَخَهُ، وَإِنْ كَانَ ثُبُوتَ نِكَاحٍ أَوْ فَسْخَهُ لَمْ يَنْقُضْهُ. قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ: وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ الرُّجُوعِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لأَِنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى الصَّوَابِ.

لَكِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ ذَكَرَ أَنَّ الْخِلاَفَ إِنَّمَا هُوَ إِذَا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهُوَ يَرَاهُ بِاجْتِهَادِهِ، أَمَّا إِنْ قَضَى بِذَلِكَ ذَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً فَلاَ يَنْبَغِي الْخِلاَفُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْهُ إِلَى مَا رَأَى إِذْ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ.

وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ اسْتِنَادًا إِلَى مَا جَاءَ فِي كِتَابِ عُمَرَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ  رضي الله عنهما .

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 152

نَقْضُ الْقَضَاءِ:

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِنَقْضِ الْقَضَاءِ:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا خَالَفَ فِي حُكْمِهِ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا كَانَ قَضَاؤُهُ فَاقِدًا لِشَرْطٍ وَوَجَبَ نَقْضُهُ، إِذْ أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِالاِجْتِهَادِ عَدَمُ النَّصِّ بِدَلِيلِ خَبَرِ مُعَاذٍ رضي الله عنه : «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو» وَلأِنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَدْ فَرَّطَ، فَوَجَبَ نَقْضُ حُكْمِهِ، إِذْ لاَ مَسَاغَ لِلاِجْتِهَادِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَزَادَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ زِيَادَاتٍ أُخْرَى كَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ.

وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي حُكْمِ مَا يُنْقَضُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ أَنْ يَنْقُضَ مِنْ حُكْمِ قَاضٍ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ شَيْئًا لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ وَإِلَى أَلاَّ يَثْبُتَ حُكْمٌ أَصْلاً، غَيْرَ مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ سُنَّةٍ آحَادٍ أَوْ خَالَفَ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا، بِخِلاَفِ الإْجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ.

مَا يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ وَمَا لاَ يُنْقَضُ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ وَمَا لاَ يُنْقَضُ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَصَرَ النَّقْضَ فِي نِطَاقِ الْمُخَالَفَةِ الصَّرِيحَةِ لِلنَّصِّ أَوِ الإْجْمَاعِ، وَمَنَعَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.

وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْقَاضِي لاَ تَخْلُو عَنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:

قِسْمٌ يُنْقَضُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقِسْمٌ يُمْضَى بِكُلِّ حَالٍ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِوَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

الْقِسْمُ الأْوَّلُ: مَا يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَقْضُ الْحُكْمِ إِذَا خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الإْجْمَاعَ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا ذُكِرَ: مَا يَشِذُّ مَدْرَكُهُ أَيْ دَلِيلُهُ، أَوْ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ، أَوِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، وَقَيَّدَ الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ حُكْمَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إِذَا خَالَفَ الْقَوَاعِدَ أَوِ الْقِيَاسَ أَوِ النَّصَّ - فَالْمُرَادُ مِنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُعَارِضٌ رَاجِحٌ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا مُعَارِضٌ فَلاَ يُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَقَالُوا: إِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِلإْجْمَاعِ فَلاَ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ وَيَجِبُ نَقْضُهُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلأْخِ دُونَ الْجَدِّ، فَهَذَا خِلاَفُ الإْجْمَاعِ، لأَنَّ الأْمَّةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ أَوْ يُقَاسِمُ الأْخَ، وَأَمَّا حِرْمَانُ الْجَدِّ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الأْمَّةِ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا خَالَفَ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الْمَعْنَى الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ قِيَاسَ التَّحْقِيقِ - نُقِضَ بِهِ حُكْمُهُ وَحُكْمُ غَيْرِهِ؛لأِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه  عَدَلَ عَنِ اجْتِهَادٍ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ حِينَ أَخْبَرَهُ حَمْلُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. 

وَكَانَ لاَ يُوَرِّثُ امْرَأَةً مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى رَوَى لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَوَرَّثَهَا عُمَرُ».

وَقَضَى فِي الأْصَابِعِ بِقَضَاءٍ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإْبِلِ»وَنَقَضَ عَلِيٌّ رضي الله عنه  قَضَاءَ شُرَيْحٍ فِي ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لأِمٍّ - بِأَنَّ الْمَالَ لِلأْ خِمُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَأُولُو الأْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) فَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه  نَقَضَ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِمُخَالَفَةِ نَصِّ هَذِهِ الآْيَةِ. فَهَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَكَانَتْ إِجْمَاعًا، وَلأِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَصْلُ الإِْجْمَاعِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنْ تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ خَالَفَ قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، أَوْ ظَنًّا مُحْكَمًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، فَيَلْزَمُهُ نَقْضُ حُكْمِهِ، أَمَّا إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ وَأَنَّهُ الصَّوَابُ، فَلْيَحْكُمْ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَخَوَاتِ الْحَادِثَةِ بِمَا رَآهُ ثَانِيًا، وَلاَ يَنْقُضُ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلاً، بَلْ يُمْضِيهِ، ثُمَّ مَا نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ نَفْسِهِ نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَمَا لاَ فَلاَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَتَتَبَّعُ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُهُ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ، وَلَهُ تَتَبُّعُ قَضَاءِ نَفْسِهِ لِيَنْقُضَهُ.

وَقَالَ: مَا يَنْقُضُ مِنَ الأَْحْكَامِ لَوْ كُتِبَ بِهِ إِلَيْهِ لاَ يَخْفَى أَنَّهُ لاَ يَقْبَلُهُ وَلاَ يُنَفِّذُهُ. وَأَمَّا مَا لاَ يَنْقُضُ وَيَرَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ فَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ وَلاَ يُنَفِّذُهُ لأِنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ خَطَأً، وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: لاَ أُحِبُّ تَنْفِيذَهُ. وَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِتَجْوِيزِ تَنْفِيذِهِ.

وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ (الشَّافِعِيُّ) بِنَقْلِ الْخِلاَفِ فَقَالَ: إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ قَبْلَهُ فَلَمْ يَرَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي النَّقْضَ، لَكِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُعْرِضُ عَنْهُ، وَأَصَحُّهُمَا: يُنْفِذُهُ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لاَ يَقْتَضِي النَّقْضَ، وَتَرَافَعَ الْخُصُومُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمْضِي حُكْمَهُ الأَْوَّلَ وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ.

وَيَرَى فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ مُخَالَفَةُ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفِ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) فَإِنَّ السَّلَفَ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَزَوُّجِ امْرَأَةِ الأْبِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا الأْبُ، فَلَوْ حَكَمَ قَاضٍ بِجَوَازِ ذَلِكَ نَقَضَهُ مَنْ رُفِعَ إِلَيْهِ.

وَإِنَّ الْمُرَادَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لِلزَّوْجِ الأْوَّلِ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ بِدُونِ إِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ بِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَيْ جُلُّ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ، وَمُخَالَفَةُ 

الْبَعْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، لأِنَّ ذَلِكَ خِلاَفٌ لاَ اخْتِلاَفٌ، وَقَالُوا: يُنْقَضُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ حُكْمًا لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ قَطْعًا.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لاَ يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ:

لاَ يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ كُلُّ حُكْمٍ وَافَقَ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، فَإِذَا أَصَابَ الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ فَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ كَمَا إِذَا حَكَمَ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ كَانَ حُكْمُهُ نَافِذًا وَحُكْمُ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ بِهِ نَافِذًا، لاَ يُتَعَقَّبُ بِفَسْخٍ وَلاَ نَقْضٍ، لأِنَّ هَذَا الْقَضَاءَ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ فَنَفَذَ، وَلَزِمَ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَجُوزُ إِبْطَالُهُ، وَالأْصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ، وَيَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ مَا قَضَى، فَيَسْتَقْبِلُ حُكْمَ الْقُرْآنِ وَلاَ يَرُدُّ قَضَاءَهُ الأْوَّلَ»وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه «أَنَّهُ حَكَمَ بِحِرْمَانِ الإْخْوَةِ الأْشِقَّاءِ مِنَ التَّرِكَةِ فِي الْمُشْرِكَةِ، ثُمَّ شَرَّكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَهُ الأْوَّلَ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي»، وَقَضَى فِي الْجَدِّ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يَرُدَّ الأْولَى، وَلأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لاَ يَثْبُتَ الْحُكْمُ أَصْلاً، لأِنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يُخَالِفُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالثَّالِثُ يُخَالِفُ الثَّانِيَ، فَلاَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ.

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ لَوْ قَضَى عَلَى خِلاَفِ قِيَاسٍ خَفِيٍّ - وَهُوَ مَا لاَ يُزِيلُ احْتِمَالَ الْمُفَارَقَةِ وَلاَ يَبْعُدُ كَقِيَاسِ الأْرْزِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الطَّعَامِ - فَلاَ يَنْقُضُ الْحُكْمُ الْمُخَالِفَ لَهُ، لأِنَّ الظُّنُونَ الْمُتَعَادِلَةَ لَوْ نَقَضَ بَعْضُهَا بَعْضًا لَمَا اسْتَمَرَّ حُكْمٌ وَلَشَقَّ الأْمْرُ عَلَى النَّاسِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنِ اجْتَهَدَ مِنَ الْحُكَّامِ فَقَضَى بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ، فَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَمْ يَرُدَّهُ، وَحَكَمَ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ بِالَّذِي هُوَ أَصْوَبُ. 

وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ وَالْحُكْمِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ.

فَالْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْقَضَاءِ، كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِينِ بِالْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَكَانَ الْقَاضِي يَرَى سَمَاعَ شَهَادَتِهِمَا، فَإِذَا رُفِعَ إِلَى قَاضٍ آخَرَ لاَ يَرَى ذَلِكَ يُمْضِيهِ وَلاَ يَنْقُضْهُ. وَكَذَا لَوْ قَضَى لاِمْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَآخَرَ أَجْنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِمَنْ لاَ يُجِيزُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ أَمْضَاهُ، لأِنَّ الأْوَّلَ قَضَى بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، لأِنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلاَءِ هَلْ تَصِيرُ حُجَّةً لِلْحُكْمِ أَوْ لاَ؟

فَالْخِلاَفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْحُكْمِ لاَ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ.

وَفَصَّلُوا مَسْأَلَةَ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، فَقَالُوا: إِنْ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، فَلاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مَحَلَّ الاِجْتِهَادِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيَّ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْقَضَاءِ.

فَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيَّ بِهِ، فَرُفِعَ إِلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يَنْقُضْهُ الثَّانِي بَلْ يُنْفِذُهُ لِكَوْنِهِ قَضَاءً مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ، لِمَا عُلِمَ أَنَّ النَّاسَ عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِأَيِّ الأْقْوَالِ الَّذِي مَالَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَكَانَ قَضَاءً مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَوْ نَقَضَهُ إِنَّمَا يَنْقُضُهُ بِقَوْلِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ اخْتِلاَفٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ مَا صَحَّ بِالاِتِّفَاقِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ، وَلأِنَّهُ لَيْسَ مَعَ الثَّانِي دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ بَلِ اجْتِهَادِيٌّ، وَصِحَّةُ قَضَاءِ الْقَاضِي الأْوَّلِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَهُوَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِأَيِّ وَجْهٍ اتَّضَحَ لَهُ، فَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ مَا مَضَى بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلأِنَّ الضَّرُورَةَ تُوجِبُ الْقَوْلَ بِلُزُومِ الْقَضَاءِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الاِجْتِهَادِ وَأَنْ لاَ يَجُوزَ نَقْضُهُ، لأِنَّهُ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ بِرَفْعِهِ إِلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلاَفَ رَأْيِ الأْوَّلِ فَيَنْقُضُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ الْمُدَّعِي إِلَى قَاضٍ ثَالِثٍ يَرَى خِلاَفَ رَأْيِ الْقَاضِي الثَّانِي فَيَنْقُضُ نَقْضَهُ، وَيَقْضِي كَمَا قَضَى الأْوَّلُ، فَيُؤَدِّي إِلَى أَنْ لاَ تَنْدَفِعَ الْخُصُومَةُ وَالْمُنَازَعَةُ أَبَدًا، وَالْمُنَازَعَةُ فَسَادٌ، وَمَا أَدَّى إِلَى الْفَسَادِ فَسَادٌ.

فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي الثَّانِي رَدَّ الْحُكْمَ، فَرَفَعَهُ إِلَى قَاضٍ ثَالِثٍ - نُفِّذَ قَضَاءُ الأْوَّلِ وَأُبْطِلَ قَضَاءُ الْقَاضِي الثَّانِي، لأِنَّهُ لاَ مَزِيَّةَ لأِحَدِ الاِجْتِهَادَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ الأْوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلاَ يُنْتَقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، كَمَا أَنَّ قَضَاءَ الأْوَّلِ كَانَ فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ، وَالْقَضَاءُ بِالْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ بِالإْجْمَاعِ، فَكَانَ الْقَضَاءُ مِنَ  الثَّانِي مُخَالِفًا لِلإْجْمَاعِ، فَيَكُونُ بَاطِلاً، وَلأِنَّهُ لاَ يُنْقَضُ الاِجْتِهَادُ بِالاِجْتِهَادِ، وَالدَّعْوَى مَتَى فَصَلَتْ مَرَّةً بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لاَ تُنْتَقَضُ وَلاَ تُعَادُ، فَيَكُونُ قَضَاءُ الأْوَّلِ صَحِيحًا، وَقَضَاءُ الثَّانِيَ بِالرَّدِّ بَاطِلاًوَشَرْطُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَدَعْوَى صَحِيحَةٍ، فَإِنْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ كَانَ فَتْوَى لاَ حُكْمًا.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ نَفْسُهُ مُجْتَهَدًا فِيهِ، أَوْ كَانَ فِي مَحَلٍّ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي النَّازِلَةِ مَوْضُوعِ الدَّعْوَى يَرْفَعُ الْخِلاَفَ، فَلاَ يَجُوزُ لِمُخَالِفٍ فِيهَا نَقْضُهَا، فَإِذَا حَكَمَ بِفَسْخِ عَقْدٍ أَوْ صِحَّتِهِ لِكَوْنِهِ يَرَى ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ لِقَاضٍ غَيْرِهِ وَلاَ لَهُ نَقْضُهُ، وَهَذَا فِي الْخِلاَفِ الْمُعْتَبَرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ وَأَنَّهُ الصَّوَابُ فَلاَ يَنْقُضُ حُكْمَهُ، بَلْ يُمْضِيهِ وَيَحْكُمُ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا رَآهُ ثَانِيًا.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِي نَقْضِهِ مِنَ الأَحْكَامِ:

الأْحْكَامُ الَّتِي يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بَيْنَ الْقَوْلِ بِنَقْضِهَا وَالْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ مُتَعَدِّدَةٌ، وَيَتَعَذَّرُ حَصْرُهَا، وَأَهَمُّهَا:

أ- الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ: هُوَ مَا يَقَعُ الْخِلاَفُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ، فَقِيلَ: يَنْفُذُ، وَقِيلَ: يَتَوَقَّفُ عَلَى إِمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَفَيَجُوزُ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَنْقُضَ قَضَاءَ الأْوَّلِ إِذَا مَالَ اجْتِهَادُهُ إِلَى خِلاَفِ اجْتِهَادِ الأْوَّلِ، لأِنَّ قَضَاءَهُ لَمْ يُجَزْ بِقَوْلِ الْكُلِّ، بَلْ بِقَوْلِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، فَلَمْ يَكُنْ جَوَازُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَكَانَ مُحْتَمِلاً لِلنَّقْضِ بِمِثْلِهِ، فَلَوْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي بَطَلَ، وَلَيْسَ لأِحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ كَمَا لَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ لاِمْرَأَتِهِ، لأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

أَمَّا إِذَا أَمْضَاهُ الْقَاضِي الثَّانِي فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، فَلَيْسَ لِلثَّالِثِ 

نَقْضُهُ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ فِي مَحَلٍّ أَجْمَعُوا عَلَى كَوْنِهِ مَحَلَّ الاِجْتِهَادِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ كَبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ؛ لأِنَّهُ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ، وَذَلِكَ لاِخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لاَ يَنْفُذُ لِوُقُوعِ الاِتِّفَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا، فَخَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الإْجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ لاَ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ الْمُتَقَدِّمَ - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - أَمَّا مُحَمَّدٌ فَيَرَى أَنَّ الإْجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ الْمُتَقَدِّمَ، فَكَانَ هَذَا الْفَصْلُ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِ الْقَاضِي الثَّانِي أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلاَ يَرُدُّهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الاِجْتِهَادِ وَصَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لاَ يَنْفُذُ، بَلْ يَنْقُضُهُ لأِنَّ قَضَاءَ الأْوَّلِ وَقَعَ مُخَالِفًا لِلإْجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلاً.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَهَدَ لِنَفْسِهِ - فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ - فَحَكَمَ بِمَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ أَنَّ الصَّوَابَ خِلاَفُهُ فَلاَ يَنْقُضُهُ، لأِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ نَقْضُ هَذَا لِرَأْيِهِ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ نَقْضُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلاَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ، وَلاَ يَثِقُ أَحَدٌ بِمَا قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، فَقَالُوا: يُفْسَخُ الْحُكْمُ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا سَبَقَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاضِي حَكَمَ بِقَضِيَّةٍ فِيهَا اخْتِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَوَافَقَ قَوْلاً شَاذًّا نَقَضَ حُكْمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاذًّا لَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: سَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ فَيَرْفَعُ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ لاَ يَرَى الْبَتَّةَ فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً، فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ - أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَسْتُ أَرَاهُ، لاَ يَرْجِعُ الْقَاضِي عَمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ وَلاَ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الأْوْلَى خَطَأً بَيِّنًا صُرَاحًا. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي الْمُسْتَنِدِ إِلَى اجْتِهَادِهِ الْمُخَالِفِ خَبَرَ الْوَاحِدِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الَّذِي لاَ يَحْتَمِلُ إِلاَّ تَأْوِيلاً بَعِيدًا يَنْبُو الْفَهْمُ عَنْ قَبُولِهِ - يُنْقَضُ، وَقِيلَ: لاَ يُنْقَضُ، مِثَالُهُ الْقَضَاءُ بِنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ - عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ - وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ بِلاَ وَلِيٍّ. وَقِيلَ: الأْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، ثُمَّ بَانَ لَهُ فَسَادُ اجْتِهَادِهِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ حُكْمِهِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلاَّ بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ دُونَ الأْوَّلِ، وَلَوْ بَانَ لَهُ فَسَادُ الاِجْتِهَادِ قَبْلَ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ بِهِ حَكَمَ بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي دُونَ الأْوَّلِ، قِيَاسًا عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ إِنْ بَانَ لَهُ بِالاِجْتِهَادِ خَطَأُ مَا تَقَدَّمَ مِنِ اجْتِهَادِهِ قَبْلَ صَلاَتِهِ عَمِلَ عَلَى اجْتِهَادِهِ الثَّانِي دُونَ الأْوَّلِ، وَإِنْ بَانَ لَهُ بَعْدَ صَلاَتِهِ لَمْ يُعِدْ، وَصَلَّى، وَاسْتَقْبَلَ الصَّلاَةَ الثَّانِيَةَ بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ إِذَا رَفَعَ إِلَى قَاضٍ حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لاَ يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لِيُنَفِّذَهُ لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ فِي الأْصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْمَرْفُوعُ إِلَيْهِ صَحِيحًا، لأَِنَّهُ حُكْمٌ سَاغَ الْخِلاَفُ فِيهِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِوَقِيلَ: يَحْرُمُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ إِذَا كَانَ الْقَاضِي الثَّانِي لاَ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ قَاضٍ آخَرُ قَبْلَهُ.

ب- عَدَمُ عِلْمِ الْقَاضِي بِاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا رُفِعَ إِلَى قَاضٍ حُكْمُ قَاضٍ آخَرَ نَفَّذَهُ، أَيْ: أُلْزِمَ الْحُكْمَ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ، لَوْ مُجْتَهِدًا فِيهِ عَالِمًا بِاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ، وَلاَ يُمْضِيهِ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ فِي الْخُلاَصَةِ: وَيُفْتَى بِخِلاَفِهِ - وَكَأَنَّهُ - تَيْسِيرًا.

وَأَضَافَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا قَضَى الْمُجْتَهِدُ فِي حَادِثَةٍ، لَهُ فِيهَا رَأْيٌ مُقَرَّرٌ قَبْلَ قَضَائِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي قَصَدَ فِيهَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ حُكْمُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمُخْتَلَفِ عَلَيْهِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ قَضَاءَهُ هَذَا عَلَى خِلاَفِ رَأْيِهِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَحِينَئِذٍ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَأَمَّا إِذَا وَافَقَ قَضَاؤُهُ رَأْيَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ قَضَائِهِ أَنَّ فِيهَا خِلاَفًا، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الإْسْلاَمِ بِأَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي بِعَدَمِ عِلْمِهِ الْخِلاَفَ فِي الْمَسْأَلَةِ، لأِنَّ 

عِلْمَهُ بِالْخِلاَفِ لاَ أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ وَلاَ بُطْلاَنِهِ حَيْثُ وَافَقَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ.

ج- الْخَطَأُ فِي الْحُكْمِ:

يَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا قَصَدَ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ فَأَخْطَأَ عَمَّا قَصَدَهُ لِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوِ اشْتِغَالِ بَالٍ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَيَنْقُضُهُ الَّذِي أَصْدَرَهُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِذَا حَكَمَ بِالظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَلاَ اجْتِهَادٍ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ، وَوَجْهُ النَّفَاذِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ لأَِنَّ رَأْيَهُ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ الصَّوَابَ، وَرَأْيُ غَيْرِهِ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ خَطَأً، فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَطَأً بِيَقِينٍ، فَكَانَ حَاصِلُهُ قَضَاءً فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، وَوَجْهُ عَدَمِ النَّفَاذِ أَنَّ قَضَاءَهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَقٍّ عَبَثٌ، فَلاَ يُعْتَبَرُ. وَبِهَذَا أَخَذَ شَمْسُ الأْئِمَّةِ الأْوْزَجَنْدِيُّ، وَبِالأْوَّلِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ.

 وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ لأِنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ.

د- إِذَا خَالَفَ مَا يَعْتَقِدُهُ أَوْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ:

إِذَا خَالَفَ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ مَذْهَبَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ غَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اجْتَهَدَ، وَبِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مُقَلِّدًا وَقَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ أَوْ رَأْيِ مُقَلَّدِهِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْقُضُ هُوَ حُكْمَهُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُقَلِّدُ غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ، وَأَنْ تَكُونَ الْمُخَالَفَةُ لِلْمُعْتَمَدِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ الْقَاضِي مُتَّبِعًا لإِمَامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ دَلِيلٍ أَوْ قَلَّدَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ أَوْ أَتْقَى مِنْهُ فَحَسَنٌ، وَلَمْ يُقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ.

 وَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ خِلاَفَ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي أُمِرَ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، فَإِنْ عَمِلَ وَحَكَمَ لاَ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ، لأِنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ بِالْحُكْمِ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ الرَّأْيَ لَمْ يَكُنِ الْقَاضِي قَاضِيًا لِلْحُكْمِ بِالرَّأْيِ الْمَذْكُورِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَلِّدَ إِذَا حَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ ثُمَّ جَدَّتْ أُخْرَى مُمَاثِلَةً فَإِنَّ حُكْمَهُ لاَ يَتَعَدَّى لِلدَّعْوَى الأْخْرَى، فَالْمُجْتَهِدُ يَجْتَهِدُ فِي النَّازِلَةِ الْجَدِيدَةِ، وَالْمُقَلِّدُ يَحْكُمُ بِمَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلاً مِنْ رَاجِحِ قَوْلِ مُقَلَّدِهِ، وَلِغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ أَنْ يَحْكُمَ بِضِدِّهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِفَسْخِ نِكَاحِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلاَ وَلِيٍّ، ثُمَّ تَجَدَّدَ مِثْلُهَا، فَنَظَرَهَا قَاضٍ يَرَى صِحَّةَ الزَّوَاجِ بِدُونِ وَلِيٍّ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ارْتَفَعَ فِيهَا الْخِلاَفُ وَلَمْ يَجُزْ لأِحَدٍ نَقْضُهُ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْقَضِيَّةِ الأْولَى هِيَ ذَاتَ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضِيَّةِ الثَّانِيَةِ.

وَإِذَا خَالَفَ الْقَاضِي مَا يَعْتَقِدُهُ: بِأَنْ حَكَمَ بِمَا لاَ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لاِعْتِقَادِهِ بُطْلاَنَهُ، فَإِنِ اعْتَقَدَهُ صَحِيحًا وَقْتَ الْحُكْمِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَلاَ نَصَّ وَلاَ إِجْمَاعَ لَمْ يَنْقُضْهُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ.

هـ - صُدُورُ الْحُكْمِ مِنْ قَاضٍ لاَ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ:

إِذَا وَلِيَ مَنْ لاَ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لِجَهْلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَهَلْ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا، مَا أَصَابَ فِيهَا وَمَا أَخْطَأَ، أَمْ يَقْتَصِرُ النَّقْضُ عَلَى الأْحْكَامِ الَّتِي يَشُوبُهَا الْخَطَأُ؟

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ أَحْكَامَهُ كُلَّهَا تُنْقَضُ وَإِنْ أَصَابَ فِيهَا، لأِنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، لَكِنَّ صَاحِبَ مُغْنِي الْمُحْتَاجِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَلاَّهُ ذُو شَوْكَةٍ بِحَيْثُ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ مَعَ الْجَهْلِ، أَوْ نَحْوِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يُنْقَضُ مَا أَصَابَ فِيهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ الْمُخَالِفَةُ لِلصَّوَابِ كُلُّهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ أَمْ لاَ يَسُوغُ، لأِنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَضَاؤُهُ كَعَدَمِهِ، لأِنَّ شَرْطَ الْقَضَاءِ غَيْرُ مُتَوَفِّرٍ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي نَقْضِ قَضَايَاهُ نَقْضُ الاِجْتِهَادِ بِالاِجْتِهَادِ؛ لأِنَّ الأْوَّلَ لَيْسَ بِاجْتِهَادٍ. وَلاَ يُنْقَضُ مَا وَافَقَ الصَّوَابَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي نَقْضِهِ، فَإِنَّ الْحَقَّ وَصَلَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَالْحَقُّ إِذَا وَصَلَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ لَمْ يُغَيَّرْ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ بِقَضَاءٍ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاوِرُ أَهْلَ الْعِلْمِ فِي أَحْكَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُشَاوِرُهُمْ فَتُنْقَضُ كُلُّهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِنْ شَاوَرَ الْعُلَمَاءَ مَضَى قَطْعًا وَلَمْ يُتَعَقَّبْ حُكْمُهُ.

وَاخْتَارَ صَاحِبُ الإْنْصَافِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِ إِلاَّ مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْمَاعًا، وَأَنَّ هَذَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ زَمَنٍ وَلاَ يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِخِلاَفِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَأَعْطَى بِذَلِكَ حُجَّةً لاَ يُنَفَّذُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَلاَ يُعْمَلُ بِالْحُجَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ»أَيْ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَحَكَمَ بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَحَكَمَ بِخِلاَفِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَكَذَا قَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ.

و- صُدُورُ حُكْمٍ مِنْ قَاضٍ جَائِرٍ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الأْحْكَامِ الَّتِي يُصْدِرُهَا الْقَاضِي إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْجَوْرِ وَكَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فِي حَالِهِ وَسِيرَتِهِ - عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلاً، ظَهَرَ جَوْرُهُ أَوْ خَفِيَ - هَلْ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا مَا جَانَبَ الصَّوَابَ وَمَا وَافَقَهُ، أَمْ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ الْخَاطِئَةُ دُونَ غَيْرِهَا؟

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمَا - إِلَى وُجُوبِ نَقْضِ أَحْكَامِهِ كُلِّهَا، صَوَابًا كَانَتْ أَوْ خَطَأً، لأِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ حَيْفُهُ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا ظَهَرَ الصَّوَابُ وَالْعَدْلُ فِي قَضَائِهِ، وَكَانَ بَاطِنُ أَمْرِهِ فِيهِ جَوْرٌ، وَلَكِنْ عُرِفَ مِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّ حُكْمَهُ فِيهَا صَوَابٌ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ مَنْ عَرَفَ الْقَضَايَا،فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تَمْضِي وَلاَ تُنْقَضُ، لأِنَّهَا إِذَا نُقِضَتْ وَقَدْ مَاتَتِ الْبَيِّنَةُ وَانْقَطَعَتِ الْحُجَّةُ كَانَ ذَلِكَ إِبْطَالاً لِلْحَقِّ.

وَقَالَ أَصْبَغُ: إِنَّ أَقْضِيَةَ الْخُلَفَاءِ وَالأْمَرَاءِ وَقُضَاةِ السُّوءِ جَائِزَةٌ مَا عُدِلَ فِيهِ مِنْهَا، وَيُنْقَضُ مِنْهَا مَا تَبَيَّنَ فِيهِ جَوْرٌ أَوِ اسْتُرِيبَ، مَا لَمْ يُعْرَفِ الْقَاضِي بِالْجَوْرِ فَتُنْقَضُ كُلُّهَا.

وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي الْقَاضِي غَيْرِ الْعَدْلِ ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

الثَّانِي: عَدَمُ نَقْضِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلَ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ، مَا لَمْ يَثْبُتِ الْجَوْرُ، وَفِي التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ ضَرَرٌ لِلنَّاسِ وَوَهَنٌ لِلْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَخْلُو مِنْ أَعْدَاءٍ يَرْمُونَهُ بِالْجَوْرِ يُرِيدُونَ الاِنْتِقَامَ مِنْهُ بِنَقْضِ أَحْكَامِهِ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ تَمْكِينِهِمْ مِنْ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: رَأْيُ أَصْبَغَ، وَهُوَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا عَدَلَ فِيهِ وَلَمْ يُسْتَرَبْ فِيهِ، وَيُنْقَضْ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ الْجَوْرُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُ مَنْ شَاعَ 

جَوْرُهُ إِذَا أَثْبَتَ مَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَاضِي تَعَمَّدَ الْجَوْرَ فِيمَا قَضَى وَأَقَرَّ بِهِ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَيُعَزَّرُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ لاِرْتِكَابِهِ الْجَرِيمَةَ الْعَظِيمَةَ، وَيُعْزَلُ عَنِ الْقَضَاءِ، وَنَصَّ أَبُو يُوسُفَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ جَوْرُهُ وَرِشْوَتُهُ رُدَّتْ قَضَايَاهُ وَشَهَادَتُهُ.

ز- الْحُكْمُ الْمَشُوبُ بِالْبُطْلاَنِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ أَوْ لأِحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ مَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ - نَقْضَ الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ بَاطِلاً لِمَكَانِ التُّهْمَةِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ، فَيُنَفَّذُ حُكْمُهُ لاِنْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.

وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ شَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْمُخْتَارِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ - أَنَّهُ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ لَهُمْ بِالْبَيِّنَةِ، لأِنَّ الْقَاضِيَ أَسِيرُ الْبَيِّنَةِ، فَلاَ تَظْهَرُ مِنْهُ تُهْمَةٌ.

وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَبْنَى الْحُكْمِ هُوَ اعْتِرَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لاِبْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذُكِرَ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْحُكْمُ يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ فَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ لَهُمْ لأِنَّهُ يُتَّهَمُ بِالتَّسَاهُلِ فِيهَا.

وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ إِذَا أَثْبَتَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ وُجُودِ عَدَاوَةٍ بَيْنِهِ وَبَيْنَ الْقَاضِي، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَوْ أَحَدِ وَالِدَيْهِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ بِخِلاَفِ شَهَادَتِهِ عَلَى عَدُوِّهِ.

ح- الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ فِيهَا خَلَلٌ:

إِذَا كَانَ مَبْنَى الْحُكْمِ بَيِّنَةً لاَ شِيَةَ فِيهَا لَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْحُكْمِ، وَإِنِ اعْتَوَرَ الْبَيِّنَةَ مَا يَعِيبُهَا، نُظِرَ: هَلْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ أَمْ لاَ؟ وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:

كَوْنُ الشَّاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ إِذَا بُنِيَ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ظَهَرَ كَوْنُهُمَا كَافِرَيْنِ، أَوْ صَغِيرَيْنِ فِيمَا عَدَا الْجِنَايَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ بَيْنَ الصِّغَارِ بِشُرُوطِهَا - عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا .

فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ:

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ إِذَا ظَهَرَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا قَبْلَ الْحُكْمِ غَيْرَ عَدْلَيْنِ لِفِسْقِهِمَا.

وَقَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ نَقْضَ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ، وَقَالُوا: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِينَ لَكِنَّهُ إِذَا قَضَى بِمُوجِبِهِمَا لاَ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِلاَّ فِيمَا ذُكِرَ.

 وَيَرَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي نَقْضُ الْحُكْمِ بِفِسْقِ الشُّهُودِ إِلاَّ بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إِنْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا، أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الإِْسْلاَمِ فَلاَ يُنْقَضُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِوَيَرَى ابْنُ قُدَامَةَ وَأَبُو الْوَفَاءِ أَنَّهُ إِذَا بَانَ فِسْقُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْقُضْهُ.

تَقْصِيرُ الْقَاضِي فِي الْكَشْفِ عَنِ الشُّهُودِ:

إِذَا ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ قَصَّرَ فِي الْكَشْفِ عَنِ الشُّهُودِ وَأَتَى بِمَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ بِمَا يَجْرَحُهُمْ كَالْفِسْقِ، فَفِي نَقْضِ الْحُكْمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلاَنِ لِلإِمَامِ مَالِكٍ، وَبِالنَّقْضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَبِعَدَمِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ.

الْجِهَةُ الَّتِي تَنْقُضُ الْحُكْمَ:

فِي الْحَالاَتِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا نَقْضُ الْحُكْمِ: إِمَّا أَنْ يَنْقُضَهُ الْقَاضِي الَّذِي أَصْدَرَهُ أَوْ مَنْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُضَاةِ، كَالْقَاضِي الَّذِي يُوَلَّى الْقَضَاءَ بَعْدَ غَيْرِهِ فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ سَلَفِهِ، أَوْ كَالْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ لِتَنْفِيذِ ذَلِكَ الْحُكْمِ.

وَإِمَّا أَنْ يَجْمَعَ وَلِيُّ الأْمْرِ عَدَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ لِلنَّظَرِ فِي حُكْمٍ بِعَيْنِهِ، أَصْدَرَهُ مَنْ تَلْحَقُهُ الشُّبْهَةُ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

 أ- نَقْضُ الْقَاضِي أَحْكَامَ نَفْسِهِ:

الأْصْلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا حَكَمَ فَلَيْسَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ نَقْضُ حُكْمِهِ إِلاَّ إِذَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا، لَكِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ نَصُّوا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ وَهِمَ فِي قَضَائِهِ أَوْ نَسِيَ أَوْ قَضَى بِخِلاَفِ رَأْيِهِ - وَهُوَ لاَ يَذْكُرُ - وَلَكِنْ عَلَى مَا قَضَى بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً، فَيَنْقُضُهُ بِنَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، خِلاَفًا لِلإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَقُولُ بِمُضِيِّ هَذَا الْفَصْلِ وَلاَ يُرْجَعُ فِيهِ.

وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُلَّ قَضَاءٍ لاَ يُعْرَفُ خَطَؤُهُ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ كَمُخَالَفَتِهِ لِرَأْيِهِ السَّابِقِ فَلاَ يَنْقُضُهُ سِوَاهُ، مَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، فَيَنْقُضُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ.

ب- نَقْضُ الْقَاضِي أَحْكَامَ غَيْرِهِ:

لَيْسَ عَلَى الْقَاضِي تَتَبُّعُ قَضَاءِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ لأِنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهَا، لَكِنْ إِنْ وَجَدَ فِيهَا مُخَالَفَةً صَرِيحَةً نَقَضَهَا، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ مَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ أَوْ يَنْقُضُ الْحُكْمَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.

وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ مَا نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ نَفْسِهِ نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَمَا لاَ فَلاَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا

ج- نَقْضُ الأْمِيرِ وَالْفُقَهَاءِ حُكْمَ الْقَاضِي:

 نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ جَمْعُ الْفُقَهَاءِ لِلنَّظَرِ فِي حُكْمِ الْقَاضِي، فَقَدْ جَاءَ فِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَإِذَا اشْتُكِيَ عَلَى الْقَاضِي فِي قَضِيَّةٍ حَكَمَ بِهَا وَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى الأْمِيرِ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَأْمُونًا فِي أَحْكَامِهِ عَدْلاً فِي أَحْوَالِهِ بَصِيرًا بِقَضَائِهِ فَأَرَى أَنْ لاَ يَعْرِضَ لَهُ الأْمِيرُ فِي ذَلِكَ وَلاَ يَقْبَلَ شَكْوَى مَنْ شَكَاهُ وَلاَ يُجْلِسَ الْفُقَهَاءَ لِلنَّظَرِ فِي قَضَائِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَطَأِ إِنْ فَعَلَهُ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ إِنْ تَابَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مُتَّهَمًا فِي أَحْكَامِهِ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ فِي حَالِهِ أَوْ جَاهِلاً بِقَضَائِهِ فَلْيَعْزِلْهُ وَيُوَلِّ غَيْرَهُ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ جَهِلَ الأْمِيرُ فَأَجْلَسَ فُقَهَاءَ بَلَدِهِ وَأَمَرَهُمْ بِالنَّظَرِ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ وَجَهِلُوا هُمْ أَيْضًا، أَوْ أُكْرِهُوا عَلَى النَّظَرِ فَنَظَرُوا فَرَأَوْا فَسْخَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَفَسَخَهُ الأْمِيرُ أَوْ رَدَّ قَضِيَّتَهُ إِلَى مَا رَأَى الْفُقَهَاءُ، فَأَرَى لِمَنْ نَظَرَ فِي هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْحُكْمِ الأْوَّلِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ أَوْ كَانَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الأْئِمَّةُ الْمَاضُونَ فَأَخَذَ بِبَعْضِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ مَاضٍ وَالْفَسْخُ الَّذِي تَكَلَّفَهُ الأْمِيرُ وَالْفُقَهَاءُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الأْوَّلُ خَطَأً بَيِّنًا أَمْضَى فَسْخَهُ وَأَجَازَ مَا فَعَلَهُ الأْمِيرُ وَالْفُقَهَاءُ، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ الأْوَّلُ خَطَأً بَيِّنًا أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ عَرَفَ مِنَ الْقَاضِي بَعْضَ مَا لاَ يَنْبَغِي مِنَ الْقُضَاةِ وَلَكِنَّ الأْمِيرَ لَمْ يَعْزِلْهُ وَأَرَادَ النَّظَرَ فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلْفُقَهَاءِ النَّظَرُ فِيهِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ حُكْمَهُ خَطَأٌ بَيِّنٌ فَلْيَرُدَّهُ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا عَلَى الأْمِيرِ فَرَأَى بَعْضُهُمْ رَأْيًا وَرَأَى بَعْضُهُمْ رَأْيًا غَيْرَهُ لَمْ يَمِلْ مَعَ أَكْثَرِهِمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمَا رَآهُ صَوَابًا قَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ.

وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ إِذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشِيرُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ فَصَلَ بَعْدُ فِي الْخُصُومَةِ فَصْلاً، فَلَمَّا أَجْلَسَ مَعَهُ غَيْرَهُ لِلنَّظَرِ فِيهَا قَالَ: قَدْ حَكَمْتُ، لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لأِنَّ الْمَنْعَ عَنِ النَّظَرِ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ وَحْدَهَا فَتَلْزَمُهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَزَلَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْتُ حَكَمْتُ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي الْمُشْتَكَى فِي غَيْرِ بَلَدِ الأْمِيرِ الَّذِي هُوَ بِهِ وَحَيْثُ يَكُونُ قَاضِي الْجَمَاعَةِ فَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَعْرُوفًا مَشْهُورًا بِالْعَدْلِ فِي أَحْكَامِهِ وَالصَّلاَحِ فِي أَحْوَالِهِ أَقَرَّهُ وَلَمْ يَقْبَلْ عَلَيْهِ شَكْوَى وَلَمْ يَكْتُبْ بِأَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلاَ يَفْعَلُ هَذَا بِأَحَدٍ مِنْ قُضَاتِهِ إِلاَّ أَنْ يُشْتَكَى مِنْهُ اسْتِبْدَادٌ بِرَأْيٍ أَوْ تَرْكُ رَأْيِ مَنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ أَنْ يُشَاوِرَ فِي أُمُورِهِ وَأَحْكَامِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَ لَهُ أَحَدًا أَوْ يُجْلِسَ مَعَهُ أَحَدًا.

وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَاضِي غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْعَدْلِ وَالرِّضَا وَتَظَاهَرَتِ الشَّكِيَّةُ عَلَيْهِ كَتَبَ إِلَى رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْقَاضِي فَأَقْدَمَهُمْ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْهُ وَالْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَا يَجِبُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَزَلَهُ.

قَالَ: وَلَوْ جَهِلَ الأْمِيرُ وَكَتَبَ إِلَى نَاسٍ يَأْمُرُهُمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ فَفَعَلُوا وَاخْتَلَفَ رَأْيُهُمْ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الأْمِيرُ كَتَبَ إِلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَالأْمَنَاءِ أَنْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ هُوَ مُنَفِّذَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَنْظُرُوا مَعَهُ ثُمَّ يَجْتَهِدُوا وَيَحْكُمُ بِأَفْضَلِ مَا يَرَاهُ مَعَهُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالَّذِي يَرَاهُ مَعَ بَعْضِ مَنْ جَلَسَ مَعَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لاَزِمًا لِمَنْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ أُمِرَ بِالنَّظَرِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسُوا مَعَهُ وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى خِلاَفِهِ لَمْ أَرَ أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ لأِنَّهُ الآْنَ عَلَى مِثْلِ مَا اشْتُكِيَ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ بِذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِ وَرَأْيِ الْقَوْمِ إِلَى الأْمِيرِ فَيَكُونُ هُوَ الآْمِرَ بِالَّذِي يَرَاهُ وَالْحَاكِمَ فِيهِ دُونَهُمْ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَالَ فِيهِ مِثْلَ قَوْلِ مُطَرِّفٍ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ وَرَدَ بِنَصِّهِ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ.

طَلَبُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ نَقْضَ الْحُكْمِ:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ النَّقْضَ إِنْ كَانَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى - كَالطَّلاَقِ- نَقَضَهُ الْقَاضِي بِدُونِ طَلَبٍ، هَذَا فِيمَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، وَمَا لاَ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، فَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ الضَّمَانُ.

وَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ فَلاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي نَقْضُهُ إِلاَّ بِمُطَالَبَةِ صَاحِبِهِ.

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى ذَلِكَ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ تَعْرِيفُ الْخَصْمَيْنِ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ خَطَأٍ حَتَّى وَإِنْ عَلِمَا بِذَلِكَ، لأِنَّهُمَا قَدْ يَتَوَهَّمَانِ أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سَائِرُ الأْصْحَابِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ خِلاَفًا لاِبْنِ سُرَيْجٍ الَّذِي قَالَ: إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُ الْخَصْمَيْنِ، فَإِنْ عَلِمَا وَتَرَافَعَا إِلَيْهِ نَقَضَ الْحُكْمَ.

 

صِيغَةُ النَّقْضِ:

صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ صِيغَةَ النَّقْضِ هِيَ: نَقَضْتُهُ، أَوْ فَسَخْتُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَأَبْطَلْتُهُ، وَلَوْ قَالَ: بَاطِلٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَوَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَقْضًا؛ إِذِ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ.

تَسْبِيبُ حُكْمِ النَّقْضِ:

 إِذَا نَقَضَ الْقَاضِي الْحُكْمَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي نَقَضَ الْحُكْمَ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِئَلاَّ يُنْسَبَ لِلْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِالنَّقْضِ الْجَوْرُ وَالْهَوَى بِنَقْضِهِ الأْحْكَامَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْقُضَاةُ.

تَسْجِيلُ حُكْمِ النَّقْضِ:

يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُسَجِّلَ النَّقْضَ كَمَا يُسَجِّلُ الْحُكْمَ؛ لِيَكُونَ تَسْجِيلُ الثَّانِي مُبْطِلاً لِلأْوَّلِ كَمَا صَارَ الثَّانِي نَاقِضًا لِلْحُكْمِ الأْوَّلِ.