loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

جاء بتقرير اللجنة التشريعية بمجلس الأمة عن مشروع القانون رقم 13 لسنة 1968 :

أضافت اللجنة بعد عبارة جميع الأحكام الواردة في المادة 271 من المشروع عبارة «أياً كانت الجهة التي أصدرتها، وذلك حتى يترتب على نقض الحكم بعدم الإختصاص ، والإحالة إلى القضاء الإدارى إلغاء الحكم الذي يكون قد صدر من هذا القضاء».

الأحكام

1- مفاد نص المادة 271 / 1 من قانون المرافعات أنه يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام أياً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها؛ ومن ثم فإن نقض الحكم كلياً يترتب عليه اعتباره كان لم يكن، فيزول وتزول معه جميع الآثار المترتبة عليه، ويعود الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره، كما يترتب عليه إلغاء الأحكام اللاحقة التي كان ذلك الحكم المنقوض أساساً لها، ويقع هذا الإلغاء بحكم القانون وبغير حاجة إلى صدور حكم آخر يقضى به .

( الطعن رقم 22193 لسنة 89 ق - جلسة 12 / 6 / 2024 )

2- مفاد الفقرة الأولى من المادة 271 من قانون المرافعات أنه يترتب على نقض الحكم إلغاء كافة الأحكام والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض والتي كانت أساسا لها ويتم هذا الإلغاء بقوة القانون ويقتصر هذا الأثر على النطاق من الحكم الذي رفع عنه الطعن بالنقض إما تلك الأجزاء التي تضمنت قضاء قطعيا ولم يطعن عليها المحكوم عليه فتكتسب قوة الشيء المحكوم فيه بحيث يمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية كما أنه يمتنع عليها أن تخل بقاعدة أن الطعن لا يضار به رافعه ولا يستفيد منه سواه والمرتبطة مراكزهم في الدعوى بمركزه القانوني.

( الطعن رقم 21658 لسنة 88 ق - جلسة 14 / 2 / 2023 )

3ـ حيث إن الخطأ الذى تردى فيه الحكم المطعون فيه وأدى إلى نقضه كان سبباً للقضاء بإلزام الشركة الطاعنة والمطعون ضده الثانى بدفع المبلغ المحكوم به بالتضامم دون تحديد لمبلغ التأمين الذى تلتزم به شركة التأمين فى حالة الاستحقاق ومبلغ التعويض الذى يلتزم به المطعون ضده الثانى وذلك بالمخالفة لما تقضى به المادة التاسعة من القانون رقم 72 لسنة 2007 من أن حق المضرور أو ورثته فى مطالبة المتسبب فى الحادث والمسئول عن الحقوق المدنية قاصر على ما يجاوز مبلغ التأمين وهو ما يوجب نقض الحكم بالنسبة للمطعون ضده الثانى أيضاً ولو لم يطعن فيه عملاً بالمادة 271 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 2629 لسنة 84 جلسة 2015/03/03)

4ـ المقرر أنه إذا كان الحكم المطعون فيه متعدد الجزاء فنقضه فى أحد أجزائه يترتب عليه نقض كل ما تأسس على هذا الجزء من الأخرى وكان الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه إذ قضى بإرجاع أقدمية المطعون ضده الأول الى الدرجة الثانية اعتباراً من 31/12/1981 قد رتب على ذلك أحقيته فى الترقية الى الدرجة الأولى والفروق المالية ، ومن ثم فإن نقضه فيما قضى به من إرجاع أقدميته الى الدرجة الثانية اعتباراً من 31/12/1981 على نحو ما سبق يترتب عليه نقضه فيما قضى به مكن أحقيته فى الترقية الى الدرجة الأولى والفروق المالية وذلك عملاً بالفقرة الثانية من المادة 271 من قانون المرافعات

 (الطعن رقم 1639 لسنة 71 جلسة 2013/11/17)

5 ـ المقرر أنه إذا كان الحكم المطعون فيه متعدد الأجزاء فنقضه فى أحد أجزائه يترتب عليه نقض كل ما تأسس على هذا الجزء من الأجزاء الأخرى ما طُعن عليه وما لم يُطعن ، وكانت المحكمة قد خلصت إلى نقض الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بإرجاع أقدمية المطعون ضده إلى تاريخ التحاقه بالعمل والحكم بأحقيته فى الترقية للدرجة الثانية تبعاً لذلك من 2000/12/31 ، فإن من شأن ذلك نقضه بالتبعية فيما تطرق إليه من إلزام الطاعنة بالفروق المالية باعتبار أن ذلك قد تأسس على الجزء المنقوض من الحكم عملاً بالمادة 2/271 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 9467 لسنة 76 جلسة 2007/12/16 س 58 ص 824 ق 147)

6 ـ إن نقض الحكم فى خصوص قضائه برفض الدفع بتقادم الدعوى يترتب عليه نقضه بالتبعية فيما تطرق إليه من قضاء فى الموضوع بإلزام الطاعنة بالتعويض باعتباره مؤسساً على القضاء برفض الدفع المشار إليه وفقاً للمادة 1/271 من قانون المرافعات.

(الطعن رقم 6115 لسنة 76 جلسة 2007/12/09)

7 ـ إذ كان من المقرر أنه إذا كان الحكم المطعون فيه متعدد الأجزاء فنقضه فى أحد أجزائه يترتب عليه نقض كل ما تأسس على هذا الجزء من الأجزاء الأخرى ، وكان الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه إذ قضى بضم مدة تكليف المطعون ضدها إلى مدة خدمتها بالشركة قد رتب على ذلك أحقيتها فى الترقية إلى المستوى الثانى اعتباراً من 1982/12/31 والفروق المالية ، ومن ثم فإن نقضه فيما قضى به من ضم مدة التكليف بالخدمة العامة إلى مدة خدمة المطعون ضدها بالشركة على نحو ما سلف يترتب عليه نقضه فيما قضى به من أحقيتها فى الترقية إلى المستوى الثانى اعتباراً من 1982/12/31 والفروق المالية وذلك عملاً بالفقرة الثانية من المادة 271 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 3327 لسنة 62 جلسة 2007/05/20 س 58 ص 442 ق 77)

8 ـ إن النزاع حول المطالبة بالتعويض عن الحرمان من ملكية المساحة الزائدة عن القدر المنزوع ملكيته لا شأن له بخصومة الطعن على تقدير التعويض المستحق عن الجزء المنزوع ملكيته على نحو ما انتهت إليه المحكمة من نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً فيما قضى به من تعويض عن تلك المساحة الزائدة . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بتأييد الحكم الابتدائى الصادر بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للمطعون ضده ثالثاً على سند خاطئ من أن الخصومة برمتها منازعة فى تقدير التعويض عن نزع الملكية تنعقد بين الملاك والجهة طالبة نزع الملكية الأمر الذى حجبه عن الفصل فى طلبات المطعون ضدهم أولاً وثانياً ( طلب التعويض عن باقى مساحة الأرض المملوكة لهم والمنزوع ملكيتها للمنفعة العامة ) قبل المطعون ضدهم ثالثاً بالنسبة لتلك المساحة الزائدة . فإنه يكون متعيناً معه والحال كذلك نقضه فى هذا الشأن عملاً بالمادة 271 من قانون المرافعات باعتبار أن الحكم المنقوض نقضاً جزئياً كان أساساً له .

(الطعن رقم 4862 لسنة 73 جلسة 2005/02/22 س 56 ص 201 ق 36)

9 ـ المقرر وفقا لنص الفقرة الأولى من المادة 271 من قانون المرافعات أنه يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساسا لها. فإن نقض الحكم فى قضائه باعتباره وفاة المورث المذكور ناتجة عن إصابة عمل يترتب عليه نقض الحكم بإلزام الطاعنة أن تؤدي للمطعون ضدهما الأولى والثانية المعاش والتعويض المستحق عن ذلك باعتباره مؤسسا على قضائه باعتبار الوفاة ناتجة عن إصابة عمل .

(الطعن رقم 2275 لسنة 62 جلسة 2002/02/28 س 53 ع 1 ص 336 ق 62)

10ـ إن نقض الحكم فيما قضى به من صحة ونفاذ بيع الحصة موضوع النزاع يستتبع إلغاءه فيما قضى به (للمطعون ضدهم) من إلزام الطاعنين ........ بريع هذه الحصة إعمالاً لحكم المادة 1/271 من قانون المرافعات فيما نصت عليه من أن "يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام أياً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها ".

(الطعن رقم 509 لسنة 70 جلسة 2000/11/21 س 51 ع 2 ص 1040 ق 198)

11 ـ إذ كانت الفقرة الأولى من المادة 271 من قانون المرافعات تنص على أنه "يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام، أياً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها" وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الحكم موضوع الطعن 7639 لسنة63 ق كان أساساً لها، فإنه يتعين اعتبار الحكم المطعون فيه ملغياً ونقضه على هذا الأساس إعمالاً لنص المادة 271/ 1 سالفة البيان .

(الطعن رقم 2929 لسنة 65 جلسة 2000/01/17 س 51 ع 1 ص 130 ق 20)

12 ـ إذ كان عدم تقادم الدعوى شرطاً لجواز الحكم فى موضوع الحق المتنازع عليه فيها فإن من شأن نقض عدم الحكم لسبب متعلق بهذا التقادم... نقضه بالتبعية فيما تطرق إليه من قضاء (بإلزام شركة التأمين) بالتعويض فى كل من استئناف الطاعنة (شركة التأمين) واستئناف المطعون ضدهما (المضروران) باعتباره مؤسساً على القضاء المنقوض بعدم سقوط الدعوى بالتقادم وذلك عملاً بالمادة 1/271 من قانون المرافعات.

(الطعن رقم 2918 لسنة 68 جلسة 1999/04/29 س 50 ع 1 ص 592 ق 117)

13 ـ لما كانت المحكمة قد خلصت إلى نقض الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بإلزام الشركة الطاعنة بمبلغ التأمين فإن من شأن ذلك نقضه بالتبعية فيما تطرق إليه من الزامها به على سبيل التضامن مع المطعون ضدها الأولى فى وكذلك من القضاء عليها بمبلغ 10000 جنيه كغرامة تهديدية باعتبار أن ذلك قد تأسس على الجزء المنقوض من الحكم وذلك عملاً بالمادة 2/271 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 3279 لسنة 66 جلسة 1997/11/13 س 48 ع 2 ص 1239 ق 230)

14 ـ يدل النص فى المادة 2/271 من قانون المرافعات على أن العبرة فى الأحكام متعددة الأجزاء عند الطعن بالنقض فى جزء منها فقط هو باستقلال هذا الجزء عن بقية الأجزاء، إذ يزول الحكم عند نقضة وينمحى أثره فى صدد الجزء المطعون فيه، أما بقية الأجزاء التى لم يوجه إليها أى طعن فتظل على حالها متبة كل آثارها، أما إذا كان بين بعض أجزاء الحكم إرتباط وتبعية فإن نقض الحكم لاينحصر أثره فيما تناولته أسباب الطعن من هذه الأجزاء بل يمتد أثره إلى ما إرتبط بها أو ترتب عليها من الأجزاء الأخرى ولو لم يطعن فيها أو لم يذكره حكم النقض على وجه التخصيص، بما مؤداه أن ينمحى الحكم المنقوض بجميع أجزائه المرتبطة ما طعن فيه وما لم يطعن.

(الطعن رقم 2564 لسنة 57 جلسة 1991/11/25 س 42 ع 2 ص 1691 ق 266)

15- المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه يجوز للخصوم - كما يجوز للنيابة ولمحكمة النقض - إثارة الأسباب المتعلقة بالنظام العام وذلك مشروط بأن يكون وارداً على ما رفع عنه الطعن في الحكم المطعون فيه ، وكانت قوة الأمر المقضي تسمو على قواعد النظام العام . ولما كانت الفقرة الأولى من المادة 271 من قانون المرافعات قد نصت على أنه " يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام أياً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها " ، بما يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن نقض الحكم يترتب عليه اعتباره كأن لم يكن فيزول وتزول معه جميع الآثار المترتبة عليه ويعود الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره ، كما يترتب عليه إلغاء الأحكام اللاحقة التي كان ذلك الحكم المنقوض أساساً لها ، ويقع هذا الإلغاء بحكم القانون وبغير حاجة إلى صدور حكم آخر يقضى به ، وتُلغى كذلك جميع إجراءات وأعمال التنفيذ التى تمت بناءً على الحكم المنقوض ، ويعتبر حكم النقض سنداً تنفيذياً صالحًا لإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ الجبرى دون حاجة لاستصدار حكم جديد بذلك . لما كان ذلك ، وكان الثابت بالأوراق أنه الطاعنة بصفتها طعنت بطريق النقض على الحكم الصادر في الاستئناف رقم 2296 لسنة 123 ق القاهرة بالطعن رقم ١٦۹۱۰ لسنة 81 ق والذي قضى فيه بجلسة 25/6/2020 بنقض الحكم المطعون فيه جزئيًا فيما قضى به من إلزام الطاعنة بصفتها وآخر - غير ممثل في الطعن - بالتضامن بأداء فائدة بواقع 15% من تاريخ 27 /4 /2005 وحتى تمام السداد ، وجعل الفائدة 7% فقط ، مما لازمه تسوية الرسم التكميلى وإعادة تقديره وفق هذا التعديل ، ومن ثم فإنه يترتب على ذلك زوال الحكم المنقوض في حدود ما تم نقضه واعتباره كان لم يكن وإلغاء أمرى تقدير الرسوم موضوع المطالبة . ولما كان هذا السبب المتعلق بالنظام العام وارداً على ما رفع الطعن بشأنه ، بما يوجب نقض الحكم المطعون فيه .

 

(الطعن رقم 14401 لسنة 89 ق - جلسة 27 / 2 / 2023)

16- مفاد نص المادة 271 من قانون المرافعات - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نقض الحكم كلياً يترتب عليه اعتباره كأن لم يكن فتزول معه جميع الآثار المرتبة عليه ويعود الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره ، كما يترتب عليه إلغاء الأحكام اللاحقة التي كان ذلك الحكم المنقوض أساساً لها ، ويقع هذا الإلغاء بحكم القانون وبغير حاجة إلى صدور حكم آخر يقضى به وتلغى كذلك جميع إجراءات وأعمال التنفيذ التي تمت بناء على الحكم المنقوض ، ويعتبر حكم النقض سنداً تنفيذياً صالحاً لإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التنفيذ الجبرى دون حاجة لاستصدار حكم جديد بذلك . لما كان ذلك ، وكان الثابت بالأوراق أن الحكم الصادر في الاستئنافين رقمی ۳٤۸۳ ، ٣٥۲۳ لسنة ١٢٥ ق استئناف القاهرة الصادر بشأنه أمرى التقدير محل المطالبة قد طعن عليه بالنقض برقم ١٣١٦٦ لسنة ٨٣ ق وانتهت محكمة النقض لجلسة 2/2/2020 إلى نقض الحكم وحكمت في موضوع الدعوى بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص القضاء العادى ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى مجلس الدولة لنظرها بهيئة قضاء إدارى ، فإنه يترتب على ذلك زوال الحكم المنقوض واعتباره كان لم يكن وإلغاء أمرى تقدير الرسوم محل المطالبة . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض المعارضة فيهما فإنه يكون معيباً مما يوجب نقضه .

(الطعن رقم 14953 لسنة 85 ق - جلسة 23 / 1 / 2023)
(الطعن رقم 378 لسنة 78 ق - جلسة 11 / 5 / 2023)

 

17- المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الإلتزام بحجية الأحكام من الأمور المتعلقة بالنظام العام وتقضى به المحكمة من تلقاء نفسها، وأنه متى صدر حكم حائز لقوة الأمر المقضى بثبوت أو نفى حق فى دعوى سابقة بالبناء على مسألة أولية فإن هذا الحكم يحوز الحجية فى هذه المسألة بين الخصوم أنفسهم ويمنعهم من التنازع بطريق الدعوى أو الدفع فى شأن أى حق آخر يتوقف ثبوته أو انتفاؤه على ثبوت أو نفى تلك المسألة الأساسية السابق الفصل فيها بين هؤلاء الخصوم أنفسهم، وإنه ولئن كان من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الحكم بوقف السير فى الدعوى وفقاً للمادة 129 من قانون المرافعات أمر جوازى لمحكمة الموضوع حسبما تستبينه من جدية المنازعة فى المسألة الأولية، إلا إنه متى رأت إعمال تلك الرخصة وحكمت بوقف الدعوى فإنها تخضع فى ذلك لرقابة محكمة النقض، ولما كان مناط الحكم بوقف السير فى الدعوى طبقاً للمادة سالفة الذكر أن تكون المسألة الأساسية التى يثيرها الدفع خارجة عن إختصاص المحكمة المتعلق بالوظيفة أو بالاختصاص النوعى، فإذا كانت المسألة الأولية اللازمة للفصل فى النزاع أمام المحكمة تدخل فى اختصاصها كان عليها أن تتصدى لها، بما لازمه أن على محكمة الموضوع أن تعرض لتصفية كل نزاع يقوم على أى عنصر من عناصر الدعوى يتوقف الفصل فيها على الفصل فيه، فإن كانت تلك المسألة الأولية سبق أن فصل فيها حكم آخر فإن مناط اعمال ما يسره لها القانون من وقف الدعوى - درءً لاحتمال وقوع تناقض بين الأحكام رعاية لحسن سير العدالة - هو أن يكون ذلك الحكم لم يكتسب بعد قوة الأمر المقضى، فإن كان الحكم الآخر نهائياً غير قابل للطعن فيه بأى طريق من طرق الطعن العادية فإنه يكون قد حاز قوة الأمر المقضى والتى لا يمنع من ثبوتها أن يكون الحكم مما يجوز الطعن فيه بطريق النقض أو أنه طُعِنَ فيه بالفعل، ومن ثم فإن أثره الملزم يصبح نهائياً وعلى المحكمة الالتزام بحجيته دون خشية وقوع تضارب فى الأحكام إذا ما نُقض ذلك الحكم بعد اعمال أثره فى الدعوى، إذ أن المشرع درأ ذلك بما نص عليه بالفقرة الأولى من المادة 271 من قانون المرافعات من أنه "يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام أياً كانت الجهة التى أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها" مما مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نقض الحكم كلياً يترتب عليه اعتباره كأن لم يكن فيزول وتزول معه جميع الآثار المترتبة عليه ويعود الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره كما يترتب عليه إلغاء الأحكام اللاحقة التى كان ذلك الحكم المنقوض أساساً لها، ويقع هذا الإلغاء بحكم القانون وبغير حاجة إلى صدور حكم آخر يقضى به ويعتبر حكم النقض سنداً تنفيذياً صالحاً لإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ الجبرى دون حاجة لاستصدار حكم جديد بذلك.

 

(الطعن رقم 6462 لسنة 86 ق - جلسة 19 / 1 / 2022)

18- مُفاد المادة 271 من قانون المرافعات أنه يترتب على نقض الحكم إلغاء كافة الأحكام والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض والتى كان أساسًا لها، ويتم هذا الإلغاء بقوة القانون، وكان النص فى المادة 271(2) من ذات القانون على أنه "إذا كان الحكم لم ينقض إلا فى جزء منه بقى نافذًا فيما يتعلق بالأجزاء الأخرى ما لم تكن مترتبة على الجزء المنقوض" يدل على أن العبرة فى الأحكام متعددة الأجزاء عند الطعن بالنقض فى جزء منها فقط هو باستقلال هذا الجزء عن بقية الأجزاء، إذ يزول الحكم عند نقضه وينمحى أثره فى صدد الجزء المطعون فيه، أما بقية الأجزاء التى لم يوجه إليها أى طعن فتظل على حالها مرتبة كل آثارها، أما إذا كان بين بعض أجزاء الحكم ارتباط وتبعية فإن نقض الحكم لا ينحصر أثره فيما تناولته أسباب الطعن من هذه الأجزاء بل يمتد أثره إلى ما ارتبط بها أو ترتب عليها من الأجزاء الأخرى ولو لم يُطعن فيها أو لم يذكره حكم النقض على وجه التخصيص، بما مؤداه أن ينمحى الحكم المنقوض بجميع أجزائه المرتبطة ما طُعن فيه وما لم يُطعن .
 
( الطعن رقم 12806 لسنة 87 ق - جلسة 24 / 12 / 2019 )
 

19- المقرر وتقنيناً لمبدأ جامع مانع شامل للحالة المعروضة على محكمة النقض الخاصة بقيام الخصوم برفع أكثر من طعن بالنقض على الحكم المطعون فيه ذاته والتي تخلص في حالتين : الأولي :- إذا فطنت دائرة محكمة النقض حال نظرها للطعن رفع الخصوم لطعن آخر أو أكثر على الحكم المطعون فيه ذاته ولم يحل عليه الدور بتحديد جلسة لنظره – فعندئذ – يتم تكليف قلم الكتاب بضم هذا الطعن إلى الطعن المرتبط المنظور أمامها بضم الطعن الأحدث قيداً إلى الطعن الأقدم قيداً بجدول المحكمة للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد ، الثانية :- إذا لم تفطن الدائرة التي تنظر الطعن – عن سهو أو خطأ أو إغفال – لوجود طعن آخر أو أكثر مرفوع من الخصوم على الحكم المطعون فيه ذاته وفصل دائرة المحكمة في الطعن الآخر ، فإن الفصل في الطعن المعروض يتوقف على منطوق الحكم الصادر في الطعن الأول ، وينحصر في حالتين : الحالة الأولي :- أن تكون دائرة محكمة النقض قد فصلت في الطعن الأول بقرار مسبب – في غرفة مشورة – بعدم قبول الطعن وفقاً لحكم المواد 248 ، 249 ، 263 من قانون المرافعات ، أو بحكم في جلسة المرافعة – وفقاً لحكم المادة (270) مرافعات بعدم قبول الطعن أو برفضه أو بعدم جواز نظره أو بحكم بالتنازل عن الطعن ، في كل هذه الحالات يكون الحكم المطعون فيه قد حاز قوة الأمر المقضي فيمتنع على الدائرة التي تنظر الطعن الثاني الفصل فيه والتصدي له شكلاً أو موضوعاً - حتى ولو كانت الأسباب مرجحة القبول - وتُصدر حكمها بعدم قبول الطعن التزاماً بحجية الأمر المقضي به التي اكتسبها الحكم المطعون فيه بالفصل في الطعن الأول ، الحالة الثانية :- أن تكون دائرة محكمة النقض قد فصلت في الطعن الأول – وفقاً لحكم المادة (268) مرافعات - بنقض الحكم المطعون فيه كله أو بعضه أو بنقضه لمخالفته لقواعد الاختصاص وفقاً لحكم المادة (269) مرافعات - وما يترتب على ذلك وفقاً لحكم المادة (271) من القانون ذاته زوال الحكم المطعون فيه وكافة الأحكام المترتبة عليه ، فيتعين على الدائرة المعروض عليها الطعن أن تقضي في الطعن باعتبار الخصومة في الطعن منتهية لزوال الحكم المطعون فيه ، ويضحي الطعن وارداً على غير محل قائم .

( الطعن رقم 11537 لسنة 83 ق - جلسة 4 / 7 / 2020 )

20- إذ كان البين من مذكرة دفاع الطاعن أمام محكمة أول درجة وصحيفة استئناف الحكم الابتدائي أنه قد تمسَّك بدفاعه الوارد بسببي الطعن والقائم في جوهره على أن المحرر سند الدين إنما سُلِّم لمطلقته ووالدها - دون المطعون ضده - ضماناً لحقوقها عند عقد القران، ولا تربطه علاقة بالأخير، وكان هذا الدفاع يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات ومنها البينة، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه لبحث هذا الدفاع الذي قد يتغير به - إن صح - وجه الرأي في الدعوى ولم يُقسِطه حقه في البحث والتمحيص وصولًا إلى مدى صحته، وواجهه خطأ بأن التوقيع على بياض تم باختياره وبمحض إرادته ويعد اعترافًا منه، وهو قول مخالف لما تمسك به الطاعن من انتفاء التسليم الاختياري للمطعون ضده وفيه مصادرة على الإجراء قبل تحقيقه، ولا يصلح من الحكم ردًا على هذا الدفاع، فإنه يكون قد جاء معيبًا بالقصور في التسبيب، مما يبطله ويوجب نقضه فيما قضى به في الدعوى الأصلية، وهو ما يترتب عليه نقض الحكم الصادر في الدعوى الفرعية الموجهة من الطاعن للمطعون ضده باعتباره مترتباً عليه إعمالاً لحكم المادة 271 من قانون المرافعات

( الطعن رقم 17561 لسنة 87 ق - جلسة 21 / 2 / 2024  )

21- إذا كان الحكم المطعون فيه متعدد الأجزاء فنقضه في أحد أجزائه يترتب عليه نقض كل ما تأسس على هذا الجزء من الأجزاء الأخرى ما طعن فيه وما لم يطعن، وكانت المحكمة قد خلصت إلى نقض الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بقضائه بالتعويض عن الفصل التعسفي، ومقابل مهلة الإخطار، فإن من شأن ذلك نقضه بالتبعية فيما قضى به من صرف راتب للمطعون ضده خلال الفترة من 1 / 9 / 2012  حتى 26 / 9 / 2012 باعتبار أن هذه الفترة لاحقة على تاريخ الغياب، وبوصف أن ذلك تأسس على الجزء المنقوض من الحكم وذلك عملاً بالمادة 271 / 2 من قانون المرافعات .

( الطعن رقم 10686 لسنة 84 ق - جلسة 24 / 4 / 2024 )

22- الفقرة الأولى من المادة 271 من قانون المرافعات إذ نصت على أنه "يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام أياً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها"، فقد دلت - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن نقض الحكم كلياً يترتب عليه اعتباره كأن لم يكن فيزول وتزول معه جميع الآثار المترتبة عليه ويعود الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره، كما يترتب عليه إلغاء الأحكام اللاحقة التي كان ذلك الحكم المنقوض أساسًا لها، ويقع هذا الإلغاء بحكم القانون وبغير حاجة إلى صدور حكم آخر يقضي به وتلغى كذلك جميع إجراءات وأعمال التنفيذ التي تمت بناءً على الحكم المنقوض، ويعتبر حكم النقض سندا تنفيذيًا صالحًا لإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ الجبري دون حاجة لاستصدار حكم جديد بذلك. لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الشركة المطعون ضدها سبق لها أن طعنت بطريق النقض على الحكم الصادر في الاستئناف رقم 578 لسنة 65 ق من محكمة استئناف المنصورة الصادر بشأنه الحكم برفض طلبها بفصل الطاعن من العمل محل النزاع بالطعن رقم 14212  لسنة 84 القضائية، وبتاريخ 22/5/2024 قضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف المنصورة. ومن ثم فإنه يترتب على ذلك زوال الحكم المنقوض واعتباره كأن لم يكن وإلغاء جميع الإجراءات والأعمال المتعلقة به ومن ضمنها المطالبة باستمرار الطاعن في عمله وإلزام الشركة المطعون ضدها أن تؤدي له ما لم يصرف من مستحقات - محل الاستئناف سالف الذكر -، بما يوجب نقض الحكم المطعون فيه لهذا السبب  .

( الطعن رقم 15693 لسنة 84 ق - جلسة 31 / 7 / 2024 )

23- النص في المادة 271 / 1 من قانون المرافعات –وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض– يدل على أنَّ نقض الحكم كليًّا يترتب عليه اعتباره كأن لم يكن فيزول وتزول معه جميع الآثار المترتبة عليه ويعود الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره كما يترتب عليه إلغاء الأحكام اللاحقة التي كان ذلك الحكم المنقوض أساسًا لها ويقع هذا الإلغاء بقوة القانون. لمَّا كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن حكم هذه المحكمة الصادر في الطعن رقم ... لسنة ... ق –والذي أُقيم من المصلحة الطاعنة– قد قضى بنقض الحكم المطعون فيه وحَكَم في موضوع الاستئناف رقم ... لسنة ... ق القاهرة بعدم اختصاص القضاء العادي ولائيًّا بنظر الدعوى والإحالة إلى محكمة القضاء الإداري المختصة، مما مُفاده أنَّ النقض كان كليًّا ويترتب على هذا أن تعود الخصومة ويعود الخصوم إلى ما كانت وكانوا عليه قبل صدور الحكم المنقوض، كما يترتب عليه إلغاء الأحكام اللاحقة التي كان ذلك الحكم أساسًا لها ويقع هذا الإلغاء بحكم القانون حتى ولو لم يشر إلى الأحكام اللاحقة أثناء نظر الطعن. وكانت المصلحة الطاعنة قد طعنت أيضًا في حكم محكمة الاستئناف في طلب الإغفال وهو الحكم المطعون عليه بالطعن الماثل، وكان الحكم المنقوض سالف البيان هو أساس هذا الحكم الأخير، فإنَّ هذا الحكم يكون قد زال بزوال الحكم المنقوض بقوة القانون باعتباره جزءًا منه ومترتبًا عليه .

( الطعن 7515 لسنة 79 ق - جلسة 23 / 12 / 2024 )

شرح خبراء القانون

يترتب على نقض الحكم الآثار التالية :

1- إعتبار الحكم المطعون فيه كأن لم يكن ، فيزول ، وتزول جميع آثاره المترتبة عليها. ويعود الخصوم إلى مراكزهم القانونية السابقة على صدور الحكم المنقوض . وتترتب هذه النتيجة كأثر قانونی لحكم النقض ، سواء صرح الحكم به أو لم يصرح  .

2- إذا تعدد الخصوم في خصومة الحكم محل الطعن ونقض الحكم ، فإن هذا النقض يؤدي إلى نقض الحكم بالنسبة لجميع هؤلاء الخصوم في الحالات التالية :

(أ) إذا توافرت إحدى الحالات التي تنص عليها المادة 2 / 218 مرافعات ، كما لو كان الموضوع غير قابل للتجزئة ، فعندئذ يجب - كما قدمنا - لقبول الطعن أن يكون جميع الخصوم أطرافاً في الطعن بالنقض ، وعندئذ ليس للمحكمة أن تنقض الحكم بالنسبة لبعض الطاعنين دون البعض الآخر فهي لا تنقض الحكم إلا بالنسبة للجميع.

(ب) إذا توافرت الحالة التي تنص عليها المادة 3 / 218 مرافعات . وهي صدور حكم في الدعوى الأصلية ضد الضامن وطالب الضمان ، وكان دفاعهما فيها واحدة ، فإنه إذا طعن أحدهما بالنقض ولم يتدخل الآخر في الطعن ، ونقض الحكم ، فإن الحكم بالنسبة للطاعن يؤدي إلى نقضه بالنسبة للآخر رغم أنه لم يطعن في الحكم أو يتدخل في الطعن.

(ج) رغم عدم توافر حالة من الحالات التي تنص عليها المادة 218 مرافعات ، إذا كان هناك ارتباط بين المركز القانوني للخصم الطاعن ، ومركز غيره من الخصوم الذين لم يطعنوا فيه ، فإنه يترتب على نقض الحكم بالنسبة للطاعن نقضه بالنسبة للآخرين ولو لم يطعنوا فيه  .

3- إلغاء جميع الأعمال والأحكام اللاحقة على الحكم المطعون فيه أياً كانت الجهة التي أصدرتها «متى كان هذا الحكم أساساً لها» ( 1 /271  مرافعات) . ويقتصر هذا الأثر على النطاق الذي رفع عنه الطعن بالنقض دون الأجزاء الأخرى التي لم يرفع عنها الطعن   ويتم هذا الإلغاء بحكم القانون كأثر لحكم النقض دون حاجة إلى حكم آخر يقضي به ، ولو كان حكم النقض لم يشر إلى ذلك متى كان الحكم أو العمل اللاحق قد أتخذ أساساً له الحكم المنقوض. (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة :  698)

زوال الحكم المنقوض:

يترتب على نقض الحكم المطعون فيه زواله واعتباره كأن لم يكن، وتعود الخصومة والخصوم إلى ما كانت وكانوا عليه قبل صدوره ، وإذ يقتصر هذا الأثر على الحكم المنقوض، فإنه لا يمتد إلى الخصومة ذاتها أو إلى الحكم المستأنف الصادر من محكمة الدرجة الأولى، فتظل الخصومة قائمة أمام محكمة الإستئناف بكل ما ترتب عليها من آثار، كقطع التقادم و سريان الفوائد واعتبار واضع اليد سييء النية منذ إعلانه بصحيفة افتتاح الدعوى، وتظل هذه الآثار قائمة إلى أن يقضي بإعتبار الإستئناف كأن لم يكن لعدم تعجيل السير فيه خلال ستة أشهر من تاريخ صدور حكم النقض ، فإن قضى بذلك زالت تلك الآثار وزالت صحيفة الاستئناف وأصبح الحكم المستأنف حائزاً لقوة الأمر المقضي.

أما قبل القضاء بإعتبار الإستئناف كأن لم يكن ، فإن الأثر المترتب على قيام صحيفة الإستئناف ، يبقى على الحكم المستأنف حائزاً لحجية الأمر المقضي فقط دون قوة الأمر المقضي ، كما يترتب على قيامها وقف تلك الحجية مؤقتاً بالنسبة لمحكمة الإستئناف تمكيناً لها من التصدي لقضائه ، ولا يتعدى وقف الحجية لأية محكمة أخرى، وهو ما يحول دون رفع دعوى جديدة عن ذات الموضوع والسبب وإلا دفعت بإحالتها للإرتباط، كما يحول دون قاضي الأمور المستعجلة والتعرض للحكم المستأنف التزاماً بحجيته.

وإذا تم تعجيل الإستئناف ، جاز للخصوم إبداء ما يعن لهم من دفوع وأوجه دفاع ولو مست الحكم المستأنف إذ يمتد إليهم وقف حجيته في نطاق الإستئناف المرفوع عنه وأمام المحكمة التي تنظره فقط إعمالاً لقواعد الأثر الناقل للإستئناف ، ومن ثم لا يجوز لهم إبداء أي دفاع في دعوى أخرى يمس تلك الحجية إلا إذا كانت هي الوجه الآخر للدعوى الأولى وكان الحكم الصادر فيها مستأنفاً وتم ضم الاستئنافين ، مثال ذلك الحكم الصادر في دعوى صحة ونفاذ العقد والحكم الصادر في دعوى أخرى بإبطال أو فسخ ذات العقد، إذ تعتبر كلاً منهما وجها لنزاع واحد .

ويترتب على النقض الكلي ، زوال الحكم المطعون فيه برمته ، أما النقض الجزئي فلا يزيل من الحكم إلا الشق الذي نقض، وماعداه يظل قائماً باتاً حائزاً قوة الأمر المقضي .

إلغاء الأحكام المؤسسة على الحكم المنقوض :

يترتب على نقض الحكم المطعون فيه إلغاء جميع الأحكام اللاحقة عليه متى كان هذا الحكم هو الأساس الذي أقيمت عليه، ومؤدى ذلك ، أن يوجد حكم سابق صدر في مسألة أساسية مشتركة بين الحكمين أو في مسألة كلية شاملة حازت حجية الأمر المقضي بحيث يلتزمها الحكم اللاحق ويقضي على أساسها ، وأن يكون الحكم السابق الذي حاز هذه الحجية قد طعن فيه بالنقض وقضت محكمة النقض بنقضه وحينئذ يزول هذا الحكم ولا يصلح أساساً لقيام حكم آخر عليه، وبإنهياره ينهار كل حكم أو إجراء إستند إليه، ويتحقق هذا الأثر تلقائياً وبقوة القانون دون حاجة للإشارة إلى ذلك بمدونات الحكم المنقوض ودون حاجة لإستصدار حكم بإعتبار الحكم اللاحق ملغياً ، وتعود الخصومة والخصوم إلى ما كانت وكانوا عليه قبل صدور الحكم الأخير .

فإن لم يكن قد طعن بالنقض في الحكم السابق، وصار باتاً حائزاً لقوة الأمر المقضي، فإن الأحكام اللاحقة له يجب أن تكون موافقة له حتى لو كان ظاهر الفساد ، ومن ثم وجب أن تؤسس عليه وإلا كانت مشوبة بمخالفته وجاز الطعن فيها بالنقض عملاً بالمادتين (248) ، (249) من قانون المرافعات .

ويرد الإلغاء على أي حكم لاحق طالما كان مؤسساً على الحكم السابق الذي قضى بنقضه، ويستوي أن يكون صادراً من محكمة جزئية أو إبتدائية أو إستئنافية ولو لم يطعن فيه ، إذ لا يترتب على عدم الطعن فيه تحصينه من الإلغاء حتى لو كان ميعاد الطعن بالنسبة له قد انقضى إذ لا تثبت قوة الأمر المقضي إلا للأحكام التي تستند في قضائها لذاتيتها دون الأحكام التي تقيم قضاءها على مقومات حكم آخر متی نقض هذا الحكم لفساد تلك المقومات ، وتعود بالتالي الخصومة والخصوم إلى ما كانت وكانوا عليه قبل صدور الحكم الذي أعتبر ملغياً .  

وإذا طعن بالنقض في الحكم اللاحق ، وتبين نقض الحكم السابق، فإن محكمة النقض لا تقضي بنقض الحكم اللاحق ، فقد أصبح غير قائم باعتباره ملغياً ومن ثم تقضي بإعتبار الطعن منتهياً.

إلا أن قضاء النقض قد جرى في هذه الحالة على اعتبار الحكم المطعون فيه ملغياً ونقضه على هذا الإعتبار .

فإن لم يكن قد طعن في الحكم اللاحق، فإن حجيته تزول فور صدور حكم النقض ويعتبر ملغياً بقوة القانون، ويكون لقاضي التنفيذ أن يوقف تنفيذه إذ لا يعتبر حينئذ سنداً تنفيذياً ، كما يلغي التنفيذ الذي تم بموجبه .

ويعتبر حكم النقض الصادر بنقض الحكم السابق، سنداً تنفيذياً لإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور الحكم المنقوض والأحكام التي أسست عليه ولو لم يتضمن إشارة لتلك الأحكام ، وإذا أثير نزاع بصدد نطاق حكم النقض کسند تنفيذي، تصدى له قاضي التنفيذ وأمر بإلغاء جميع إجراءات التنفيذ التي تمت بموجب الحكم المنقوض أو الأحكام التي تأسست عليه ، وهو بذلك يحدد نطاق السند التنفيذي ولا يتناول حكم النقض بالتفسير .

وعملاً بالمادة (212) من قانون المرافعات، لا يجوز الطعن بالنقض في . الأحكام التي تصدر أثناء سير الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها عدا الأحكام التي إستنتجتها هذه المادة على سبيل الحصر .

فإذا قضت محكمة الإستئناف برفض الدفع بعدم جواز الاستئناف أو بعدم قبوله أو ببطلانه أو بإعتباره كأن لم يكن أو بإنقضائه ، ويعتبر رفض هذه الدفوع قضاء فرعي لا تنتهي به الخصومة ، فإذا ماصدر الحكم المنهي لها وطعن فيه بالنقض ، وقبلت محكمة النقض أي من هذه الدفوع ونقضت الحكم ، ترتب على ذلك نقض الحكم الصادر في الموضوع والمنهي للخصومة لأنه مؤسس على الحكم الفرعي برفض الدفع ، إذ لو كانت محكمة الإستئناف قد قبلت الدفع لانتهت الخصومة وما كان لها أن تتصدى للموضوع .  

وأيضاً إذا كيفت محكمة الإستئناف عقد النزاع أو حددت طبيعة محله ، وهو قضاء صادر في الموضوع ولا يجوز الطعون فيه على إستقلال لعدم قابليته للتنفيذ الجبري ، فإذا ما صدر الحكم المنهي للخصومة مؤسساً على هذا التكيف ، ونقضته محكمة النقض لخطأ التكييف الذي أخذت به محكمة الاستئناف، ترتب على ذلك إلغاء الحكم المنهي للخصومة إذ تأسس على الحكم الصادر بالتكييف .

وقد تخرج التطبيقات عن نطاق المادة (212) سالفة البيان ، ويستند الحكمان إلى مسألة أساسية مشتركة ، فيصدر الحكم الأول بتثبيت الملكية لتوافر أحد أسباب اكتسابها ويلتزم الحكم اللاحق هذا الأساس ويقضي بالريع مستنداً إلى القضاء السابق. فإذا ما نقض القضاء الأخير ، تعين إعتبار الحكم الصادر بالريع ملغياً ، وإذا قضى استئنافياً بإلغاء الحكم المستأنف ويرفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وبنظرها، وترتب على ذلك صدور حكم موضوعي أنهى الخصومة ، فإن نقض الحكم الصادر برفض الدفع يستبع إلغاء الحكم المنهي للخصومة في كل ما إشتمل عليه من قضاء ، كذلك الحال بالنسبة لرفض الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة ، أو رفض الدفع ببطلان تقرير الخبير إذا أقام الحكم المنهي للخصومة قضاءه على البينة أو على تقرير الخبير إذ يعتبر مؤسساً عليهما ، مثال ذلك أن تقضي المحكمة برد وبطلان سند المديونية ورفض دعوى المطالبة بالمبلغ الذي تضمنه ، فإن نقض الحكم الصادر بالرد والبطلان ، ترتب على ذلك إلغاء الحكم الصادر بالرفض .

وإذا صدر حكم النقض بنقض الحكم المطعون فيه، وقام بأحد المستشارين الذين أصدروه سبب من أسباب عدم الصلاحية ، وقررت محكمة النقض سحب حكمها ، فإنه يترتب على ذلك إلغاء الحكم أو الأحكام التي تكون محكمة الإحالة قد أصدرتها بإعتبارها مؤسسة على حكم النقض المسحوب ، بحيث إذا طعن بالنقض في تلك الأحكام، قضت محكمة النقض بإعتبارها ملغاة ، فإن لم تكن محكمة الإحالة قد فصلت فيها، وثبت لديها أن محكمة النقض سحبت حكمها ، وجب عليها أن توقف الإستئناف تعليقاً على صدور حكم جديد من محكمة النقض ، ومتى صدر ، قام من يهمه الأمر بتعجيل الإستئناف خلال ستة أشهر من تاريخ صدور حكم النقض .

إلغاء الأعمال اللاحقة المؤسسة على الحكم المنقوض:  

يحوز الحكم الإستئنافي قوة الأمر المقضي فور صدوره ويكون واجب النفاذ بقوة القانون ، مما يجوز معه للمحكوم له اتخاذ إجراءات التنفيذ لتوافر شروط السند التنفيذي في هذا الحكم، فإذا قام بإعلانه للمحكوم عليه وأوقع به حجزاً تنفيذياً ، كان له الإستمرار في إجراءات التنفيذ ، سواء وردت على عقار أو منقول متى صدر الحكم بالإلزام بدفع مبلغ من النقود. وقد يرد التنفيذ على تسليم عقار أو على طرد الغاصب منه أو على إزالة المنشآت التي أقيمت عليه أو على سد مطلات الجار التي فتحت عليه أو على محو قيود الرهن التي كانت مقيدة في هامش تسجيله. وما إلى ذلك من الأعمال التي تترتب على تنفيذ الحكم .

فإذا ما نقض الحكم المنفذ به، زال واعتبر كأن لم يكن، وترتب على ذلك إلغاء أي من هذه الأعمال إذا كانت قد اتخذت بموجبه، ووجب إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدوره، فيرد المحكوم له النقود التي نفذ بها وإلا جاز توقيع الحجز على أمواله بموجب حكم النقض بإعتباره سنداً تنفيذياً وفور إعلانه له، كما يرد العقار الذي تم تسليمه ويعاد قيد الرهن الذي كان قد شطب ، وهكذا .

وإن تعلق الحكم المطعون فيه بدعوى صحة ونفاذ عقد البيع، وتم التأشير به في هامش تسجيل صحيفة الدعوى لنقل ملكية العقار ، أو تم تسجيل الحكم ، ثم قضت محكمة النقض بنقضه ، ترتب على ذلك زواله واعتباره كان لم يكن منذ صدوره، فتعود الملكية إلى البائع أو ورثته ويلزم لذلك شطب التأشير أو التسجيل، ويتم ذلك بموجب حکم النقض باعتباره في هذه الحالة سنداً تنفيذياً. (راجع المؤلف في «نفاذ وإنحلال البيع إذا كان المشتري قد تصرف في العقار»).

وإذا رفع إشكال في تنفيذ حكم النقض، اختص قاضي التنفيذ دون سواه بنظره حتى لو كان الإستئناف قد عجل أمام محكمة الإستئناف ، ولقاضي التنفيذ السلطة التامة في القضاء بوقف تنفيذ حكم النقض أو برفض الإشكال والإستمرار في تنفيذه .

وإذا استحال التنفيذ العيني لحكم النقض ، جاز التنفيذ بطريق التعويض وذلك بدعوى مبتدأة ترفع أمام المحكمة المختصة قيمياً ومحلياً ، مثال ذلك أن يرد التنفيذ على منقول ثبت بیعه المشتر حسن النية ، أما إن ورد على عقار ، فإن المقرر أن المتصرف إليه يعتبر مثلاً في الطعن في شخص المتصرف، ومن ثم يحاج بحكم النقض وينفذ جبراً عليه .

أما الأعمال التي لم تتخذ بموجب الحكم المنقوض ، وإنما اتخذت بموجب الحكم المستأنف أو وفقاً لإتفاق أبرمه الخصوم فيها بينهم، فلا يمتد الإلغاء إليها ، كما لو كان الحكم المستأنف قد شمل بالنفاذ المعجل وتم تنفيذه، فلا يلغى هذا التنفيذ إذا نقض الحكم الإستئنافي، لأن تلك الأعمال لم تكن مؤسسة عليه .

إعتبار حكم النقض الصادر في الموضوع سندا تنفيذياً :

متى تصدت محكمة النقض للموضوع ، كان قضاؤها سنداً تنفيذياً ويترتب عليه إلغاء جميع إجراءات وأعمال التنفيذ التي تمت بناء على الحكم المنقوض دون حاجة لإاستصدار حكم جديد بذلك ، فإن لم يكن هناك تنفيذ قد تم من قبل، جاز للمحكوم عليه مباشرة إجراءات التنفيذ بموجب حکم النقض، وذلك بإعلانه للمحكوم عليه ثم توقيع الحجز التنفيذي بموجه ، ويكون الإشكال في تنفيذه أمام قاضي التنفيذ دون سواه. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : التاسع ، الصفحة : 105)

 

ونقض الحكم أما أن يكون نقضاً كلياً أو جزئياً فنقض الحكم نقضاً كلياً لا ينحصر أثره فيما تناوله سبب من أسباب الطعن وإنما يمتد إلى ما ارتبط به أو سبقه من أجزاء الحكم الأخرى ولو لم يذكرها حكم النقض علي وجه التخصيص وعلى ذلك فإنه يترتب علي نقض الحكم كليا وإحالة الدعوى لمحكمة الإستئناف عودة الخصومة والخصوم إلي مراكزهم الأولى أمام محكمة الإستئناف سواء صرح بذلك حكم النقض أو لم يصرح به ويكون للخصوم إبداء ما كان يحق لهم إبداؤه من طلبات وأوجه دفاع ودفوع لم يكن قد سبق طرحها على محكمة الموضوع بشرط ألا يكون قد سقط الحق فيها ويكون للمحكمة إقامة حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى وأسس قانونية أخرى خلاف تلك التي إستوجبت نقضه بشرط ألا تخالف قاعدة قانونية قررها حكم النقض وذلك على النحو الذي شرحناه في المادة 269 أما النقض الجزئي فلا يتناول إلا ما تناولته أسباب الطعن المقبولة ويبقى ما عدا ذلك يحوز قوة الأمر المقضي ولا يترتب عليه زوال الحكم إلا بالنسبة للأجزاء الذي تأسست عليه .

ومن المقرر أن نقض الحكم المطلوب تفسيره يترتب عليه إلغاء الحكم الصادر في طلب التفسير وقواعد سقوط الخصومة لا تسري على الطعن بالنقض في فترة عرضه على محكمة النقض لأن استطالة المدة في هذه الحالة ليست بفعل الخصوم ولا يستطيعوا أن يعجلوا الدعوى إلا أن قواعد سقوط الخصومة تسري على الاستئناف من تاريخ صدور حكم النقض لأن حكم النقض يصدر دائماً حضورياً وحتى ولو توفي محامي الخصم .

نقض الحكم لسبب يتعلق بقبول الدعوى يترتب عليه نقضه فيما يتعلق بهذا القبول: في حالة ما إذا دفع أمام محكمة الموضوع بعدم قبول الدعوى لسبب من أسباب عدم القبول كعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة أو عدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون وقضت المحكمة برفض الدفع ثم حكمت في موضع الدعوى وطعن على الحكم بالنقض ورأت محكمة النقض أن الدفع في محله ونقضت الحكم لهذا السبب فإنه يترتب على ذلك نقضه فيما قضي به في الموضوع لأن قبول الدعوى شرط للحكم في موضوعها فإذا كانت غير مقبولة امتنع على المحكمة أن تتطرق لبحث الموضوع .

نقض الحكم بالنسبة للطاعن في موضوع غير قابل للتجزئة يترتب عليه نقضه بالنسبة لباقي الطاعنين :

من المقرر أنه في حالة ما إذا صدر حكم من محكمة الإستئناف وطعن عليه بالنقض فقضت بنقض الحكم بالنسبة لأحد الطاعنين وكان موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة فإنه يترتب على ذلك نقضه بالنسبة لباقي الطاعنين ولو لم يكن هناك سبب أخر لنقض الحكم بالنسبة لهم .

وتأسيساً على ذلك إذا أثير نزاع حول إعتبار عقد البيع الصادر من المورث وصية وقضت محكمة الاستئناف بإعتبارها كذلك وطعن على هذا الحكم بالنقض ورأت المحكمة بالنسبة لأحد الطاعنين فإنه يترتب على ذلك نقضه بالنسبة للباقين لأن موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة .  

نقض الحكم متعدد الأجزاء في جزء منه يترتب عليه محوه بجميع أجزائه المرتبطة :

من المقرر وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 271 مرافعات أنه في حالة ما إذا كان الحكم مكون من عدة أجزاء ونقض جزء منه فإنه يترتب على ذلك نقض ما ارتبط به أو ترتب عليه من الأجزاء الأخرى ولو لم يطعن فيها وينبي على ذلك محو الحكم المنقوض بجميع أجزائه المرتبطة سواء التي طعن فيها أو تلك التي لم يطعن فيها .

وتأسيساً على ما تقدم إذا أقام المؤجر دعوى على المستأجر يطالبه فيها بإثبات العلاقة الإيجارية وبالأجرة المتأخرة فأجابته محكمة الموضوع لطلبه وطعن على الحكم بالنقض فقضت المحكمة بنقض الحكم في جزئه الأول وهو ما كان محل الطعن فإنه ينبغي على ذلك نقضه في جزئه الثاني لأنه مترتب على الجزء الأول إذ لا يقضي بالأجرة إلا بعد ثبوت العلاقة الإيجارية .

نقض الحكم في الإستئناف الأصلي يستتبع نقضه فيما قضى به في الإستئناف الإنضمامي :

في حالة ما إذا كان الحكم صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة أو في إلتزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها إختصام أشخاص معينين فقد أجازت المادة 218 مرافعات لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أو قبل الحكم أن يطعن فيه في الميعاد من أحد زملائه منضماً إليه في طلباته ، وهذا الإستئناف الإنضمامي يتبع الإستئناف الأصلي فإذا نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه في الإستئناف الأصلي فإن ذلك يستتبع نقضه فيما قضى به في الإستئناف الإنضمامي .

نقض الحكم المطعون فيه يترتب عليه إعتبار القرار الذي سبق أن صدر بتصحيحه ملغياً :

من المقرر أن القرار الصادر في طلب تصحيح الحكم وفقاً لما نصت عليه المادة 191 مرافعات يعتبر مكملاً للحكم الذي يصححه ويترتب على ذلك أن نقض الحكم يعتبر إلغاء القرار الذي سبق أن صدر بتصحيحه .

إذا قضى الحكم المستأنف برفض الدفع بعدم إختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى و نقضت المحكمة الحكم لسبب يتعلق بهذا الدفع فإنه يترتب عليه نقضه فيما تطرق إليه من قضاء في الموضوع :

في حالة ما إذا كانت المحكمة الإستئنافية قد رفضت الدفع بعدم الإختصاص محلياً بنظر الدعوى وقضت في الموضوع وطعن على الحكم بالنقض ورأت محكمة النقض أن رفض الدفع في غير محله ونقضت الحكم لهذا السبب فإنه يترتب على ذلك نقضه بالتبعية فيما قضى به في الموضوع .

نقض الحكم فيما قضى به من رفض الدفع بإعتبار الدعوى كأن لم تكن يترتب عليه نقضه فيما تطرق إليه من قضاء في الموضوع :

في حالة ما إذا دفع المدعى عليه الدعوى أمام محكمة الموضوع بإعتبارها كأن لم تكن فرفضت هذا الدفع وقضت في الموضوع بطلبات المدعي وطعن المدعى عليه على هذا الحكم بالنقض ورأت محكمة النقض نقض الحكم فيما قضي به من رفض الدفع بإعتبار الدعوى كأن لم يكن فإنه يترتب عليه نقضه بالتبعية فيما تطرق إليه من قضاء في الموضوع وذلك لأن عدم إعتبار الدعوى كأن لم تكن شرط الجواز الحكم في موضوع الحق المتنازع عليه .

نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً فيما قضى به من صورية عقد أحد الخصوم يوجب نقضه بالنسبة لباقي الخصوم في الدعوى :

من المقرر أنه إذا صدر حكم وقضي بصورية عقد أو برفض الطعن وبصحته سواء كان ذلك في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة بالمنطوق وطعن على هذا الحكم بالنقض ورأت محكمة النقض نقضه جزئياً بالنسبة لأحد الخصوم فإن ذلك يستلزم نقض الحكم بالنسبة لباقي الخصوم في الدعوى ، لأن وصف المحرر بأنه صوري أو غير صحيح مسألة لا تقبل التجزئة ونقض الحكم في موضوع غير قابل للتجزئة يوجب نقضه بالنسبة لباقي الخصوم .

نقض الحكم لسبب متعلق بالتقادم يترتب عليه نقضه فيما تطرق إليه من قضاء في الموضوع :

من المقرر أن يتعين على المحكمة إذا ما دفع أمامها بالتقادم أن تعرض لهذا الدفع وتقول كلمتها فيه قبل أن تتطرق لموضوع النزاع سواء كان ذلك بحكم ينهي النزاع كله أو بحكم فرعي في الدفع فقط لأن عدم سقوط الدعوى بالتقادم شرط لجواز الحكم في موضوع الحق بالمتنازع عليه وقد يترتب على الحكم بسقوط الحق بالتقادم إنهاء النزاع برمته وتأسيساً على ذلك إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم لسبب يتعلق بالتقادم فإنه يترتب على هذا الحكم نقضه فيما تطرق إليه من قضاء في الموضوع .

نقض الحكم في الطعن المرفوع من أحد الخصوم يترتب عليه أن يصبح الطعن الثاني المرفوع من خصم آخر عن ذات الحكم لا محل له :

إذا رفع أحد الخصوم طعناً على الحكم الصادر في التعويض ورفع خصمه طعناً أخر عن ذات الحكم ونظرت المحكمة الطعن الأول ولم ينبهها أحد إلى وجود طعن أخر لكي تأمر بضمه للطعن الأول ثم نقضت المحكمة الحكم في الطعن الأول فإن الطعن الثاني يصبح لا محل له لإنتهاء الخصومة فيه.

نقض الحكم الصادر في إلتزام بالتضامن يترتب عليه نقضه بالنسبة باقي الخصوم المتضامنين الذين لم يطعنوا على الحكم :

في حالة ما إذا صدر حكم على أكثر من شخص بإلزامهم بمبلغ معين بالتضامن وطعن أحد المحكوم عليهم بالنقض على الحكم ورأت محكمة النقض نقض الحكم فإنه يترتب على ذلك نقض الحكم أيضا بالنسبة لباقي الخصوم المتضامنين الذين لم يطعنوا على الحكم فإذا أقسام الدائن دعوى ضد المدينين المتضامنين وصدر الحكم ضدهم بالدين وطعن أحدهم على الحكم بالنقض ورأت محكمة النقض نقض الحكم فإنه يتعين نقضه بالنسبة لباقي المدينين الذين لم يطعنوا عليه .

نقض الحكم في الدعوى الأصلية يترتب عليه نقضه في الدعوى الفرعية :

من المقرر أن نقض الحكم في الدعوى الأصلية يترتب عليه نقضه في الدعوى الفرعية باعتبار الحكم الصادر في الدعوى الثانية مؤسسة على الحكم الصادر في الدعوى الأولي فإذا أقام المشتري دعوى بصحة ونفاذ عقد بيع العقار الصادر إليه فأقام البائع دعوى فرعية بفسخ العقد فقضت المحكمة في الدعوى الأصلية برفضها وفي الدعوى الفرعية أجابت رافعها إلي طلبه و تأيد هذا الحكم إستئنافياً فطعن رافع الدعوى الأصلية على الحكم بالنقض ونقضت المحكمة الحكم الصادر فيها فإنه يترتب على ذلك نقض الحكم في الدعوى الفرعية لأن الحكم الصادر فيها مؤسس عليه .

نقض الحكم فيما قضي به من تزوير عقد يترتب عليه نقضه بصحته ونفاذه :

من المقرر أنه في حالة ما إذا رفعت دعوى بصحة ونفاذ عقد فطعن عليه بالتزوير فقضت المحكمة برفض الإدعاء بالتزوير وبصحة ونفاذ العقد وطعن على الحكم بالنقض وقضت محكمة النقض بنقض الحكم في خصوص قضائه في الإدعاء العقد فإنه على ذلك نقضه أيضاً بصحته ونفاذه باعتباره مؤسساً عليه.

نقض الحكم لسبب يتعلق بجواز بجهاز الإستئناف أو قبوله شكلا يترتب عليه نقضه فيما تتطرق إليه من قضاء في الموضوع :

من المقرر أنه يتعين على محكمة الدرجة الثانية أن تبدأ ببحث جواب الإستئناف فإذا ما إنتهت إلي أنه جائز تطرقت الى بحث قبول الإستئناف فإذا ما إنتهت إلي أنه مقبول تعرضت لموضوع الدعوى أما إذا انتهت إلى أن الإستئناف غير جائز أو غير مقبول فإنها تقف عند هذا الحد فإذا قضت المحكمة في الموضوع وطعن على الحكم بالنقض وكان من بين أسباب الطعن أن الإستئناف غير جائز أو غير مقبول ورأت أن هذا النعي في محله ونقضت الحكم لهذا السبب أو ذاك فإنه يترتب على ذلك نقض الحكم فيما تطرق إليه من قضاء في الموضوع . (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء : السادس ، الصفحة : 1139 )

 

آثار نقض الحكم:

يترتب على حكم محكمة النقض في الطعن المطروح أمامها بنقض الحكم المطعون عليه آثار معينة نوضحها فيما يلي : 

أولاً : زوال الحكم المنقوض : يترتب على نقض الحكم المطعون فيه زواله وإعتباره كأن لم يكن ، ومن ثم تزول جميع آثاره المترتبة عليه ، ويعود الخصوم إلى مراكزهم القانونية السابقة على صدور الحكم المنقوض ، وتترتب هذه النتيجة كأثر قانونی لحكم النقض، سواء صرح الحكم به أم لم يصرح. (نقض مدنى 14/ 3/ 1972 سنة 23 ص 401 ، فتحى والى ص 803).

وإذا كانت أسباب الطعن تتعلق بالموضوع والإختصاص فإن نقض الحكم كلياً في الموضوع يشمل صحة إختصاص المحكمة ، وتنتهي الخصومة في الطعن. (نقض 17/ 7/ 1991 ، في الطعن 665 لسنة 55 ق).

فإذا كان النقض كلياً فإنه يترتب عليه، على ما تقول محكمة النقض زوال الحكم المطعون فيه بجميع أجزائه وأثاره وإلغاء كافة الأحكام والأعمال المؤسسة عليه، ويقع هذا الإلغاء بقوة القانون - دون حاجة لإستصدار حكم جديد به. (نقض 23/ 1/ 1992 ، طعن 2137 - 2138 - 2139، سنة 55 قضائية، نقض 5/ 6/ 1989، طعن 1018 لسنة 51 قضائية، نقض 21/ 2/ 1988 - طعن 1092 سنة 59 قضائية، نقض 11/ 3/ 1991  - طعن 214 لسنة 51 قضائية، نقض 18/ 3/ 1974 طعن 67 سنة 29 قضائية سنة 25 ص 520 ، نقض 12 3/ 1985 - طعن 1687 لسنة 51 قضائية).

أما إذا كان النقض جزئياً فإن الأصل أن يزول الجزء المنقوض فقط ، ويبقى الحكم نافذاً بالنسبة للأجزاء الأخرى. (نقض 10/ 1/ 1985 - طعن 952 - لسنة 51 قضائية، فتحی والی ص 830 و ص 831 ، كمال عبدالعزيز - ص 2023 وما بعدها).

وإذا كان النقض جزئياً فالأصل أنه يتناول الجزء من الحكم الذي كان محل الطعن متى كان مستقلاً عن أجزائه الأخرى بموضوعه وأسبابه وذلك بغض النظر عن صبغة حكم النقض أي سواء صرح في منطوق الحكم بأن نقض الحكم المطعون فيه قاصر على ذلك الجزء منه، أم أطلق القول بنقض الحكم دون إشارة إلى الجزء الذي قصد نقضه، إذ الأصل في كل الأحوال لايتناول أثر حكم النقض من الحكم المطعون فيه متى كان متعدد الأجزاء سوى الجزء الذي انصب عليه الطعن، وقبلت المحكمة أحد أسباب الطعن المتعلقة به. (نقض 17/ 3/ 1938 - طعن 77 سنة 7 قضائية - مجموعة الخمسين عاما - المجلد الرابع - ص 4715 بند 284، نقض 23/ 1/ 1983 ، طعن 292 / 408 سنة 52 قضائية - سنة 34 ص 282 ، نقض 30/ 1/ 1983، طعن 659 سنة 50 قضائية نقض 2/ 1/ 1986 ، طعن 776 لسنة 51 قضائية).

ولكن وفقاً للفقرة الثانية من المادة 271 مرافعات - محل التعليق - فإنه يستثنى من هذا الأصل أنه رغم نقض جزء من الحكم، فإنه يترتب على هذا النقض زوال أجزاء الحكم الأخرى إذا كانت معتمدة على هذا الجزء، أي إذا كان بينها وبين هذا الجزء إرتباط وتبعية (نقض 13/ 1 / 1981 طعن 411 لسنة 49 قضائية). هذا ولو لم يشر إليها الطاعن أو ينقضها الحكم صراحة. (نقض 18 / 2/ 1974 ، سنة 25 ص 351، نقض 5/ 12/ 1978، طعن 579 لسنة 43 قضائية).

إذ كقاعدة عامة، إذا كان الشق الثاني من الحكم مترتباً على شقه الأول، فإنه يترتب على إلغاء الشق الأول، إلغاء الشق الثاني ، كما إذا حكم بالملكية والريع كنتيجة للحكم بالملكية ، أو حكم بإلغاء الحجز والتسليم - وإذا ألغى الشق الأول من الحكم لصدوره على خلاف حكم آخر حاز قوة الأمر المقضي به فإن الشق الثاني المترتب عليه يتعين نقضه هو الآخر كأثر من آثار الشق الأول. (نقض 24/ 2/ 1985، رقم 1255 لسنة 54 ق ، نقض 13/ 1/ 1938 رقم 66 لسنة 7 ق).

وفي حالة تعدد الخصوم في خصومة الحكم محل الطين، فإن الأصل وفقاً للقاعدة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 218 من قانون المرافعات ، أنه لا يفيد الطعن إلا من رفعه، ولا يحتج به إلا على من رفع عليه. (انظر تفصیلات ذلك في تعليقنا على المادة 218 مرافعات فيما مضى) ، ولكن يستثنى من هذا الأصل أنه إذا تعدد الخصوم في خصومة الحكم محل الطعن نقض الحكم ، فإن هذا النقض يؤدي إلى نقض الحكم بالنسبة لجميع هؤلاء الخصوم في الحالات التالية :

أ- الحالة الأولى :

إذا توافرت إحدى الحالات التي تنص عليها المادة 218/ 2 ، كما لو كان الموضوع غير قابل للتجزئة ، فعندئذ يجب لقبول الطعن أن يكون جميع الخصوم أطرافاً في الطعن بالنقض. وعندئذ ليس للمحكمة أن تنقض الحكم بالنسبة البعض الطاعنين دون البعض الآخر، فهي لاتنقض الحكم إلا بالنسبة للجميع .

ب - الحالة الثانية :

إذا توافرت الحالة التي تنص عليها المادة 218/ 3 ، وهي صدور حكم في الدعوى الأصلية ضد الضامن ، وطالب الضمان ، وكان دفاعهما فيها واحداً ، فإنه إذا طعن أحدهما بالنقض ، ولم نتدخل الآخر في الطعن، ونقض الحكم ، فإن الحكم بالنقض بالنسبة للطاعن يؤدي إلى نقضه بالنسبة للأخر رغم أنه لم يطعن في الحكم أو يتدخل في الطعن. (نقض 30/ 3/ 1975 - سنة 26 ص 702).

إذ يستثنى من قاعدة نسبية أثر حكم النقض بالنسبة إلى الأشخاص حالة إذا كان إلتزام الطاعن بالتضامن مع أحد المطعون عليهم، إذ في هذه الحالة يترتب على نقض الحكم لصالح الطاعن نقضه كذلك بالنسبة إلى المطعون عليه المذكور. (نقض 23/ 4/ 1992 ، طعن 2461 سنة 56 قضائية، نقض 12/ 4/ 1992 ، طعن 840 /  1123 سنة 55 قضائية نقض 4/ 12/ 1985، طعن 47 لسنة 55 قضائية - سنة 36 ص 1076).

ج - الحالة الثالثة:

رغم عدم توافر حالة من الحالات التي تنص عليها المادة 218 ، إذا كان هناك إرتباط بين المركز القانوني للخصم الطاعن ، ومركز غيره من الخصوم الذين لم يطعنوا فيه، فإنه يترتب على نقض الحكم بالنسبة للطاعن نقضه بالنسبة للآخرين، ولو لم يطعنوا فيه (نقض 20/ 6/ 1973 - سنة 24 ص 946)، وفيه قضت بأنه متى كان هناك ارتباط بين مركز مصلحة الضرائب - الطاعنة - وبين مركز البنك الذي أحتجز ضريبة القيم المنقولة تطبيقاً لأحكام القانون 14 لسنة 1939 ، بحيث لا يستقيم عقلاً نقض الحكم بالنسبة لمصلحة الضرائب وبقاؤه بالنسبة للبنك فإن نقض الحكم لصالحها يستتبع نقضه بالنسبة للبنك ولو لم يطعن فيه. (نقض مدنى 8/ 6/ 1977 - في الطعن رقم 844 لسنة 43 ق)، وفيه قضت بأنه إذا صدر حكم بإلزام ورثة المدين بأداء التعويض من تركته ، وطعن أحدهم في الحكم بالنقض ، فإن نقض الحكم يمتد أثره إلى باقي الورثة .

(وأيضاً نقض مدنى 25/ 7/ 1989 ، في الطعن 242 لسنة 56 ق - بالنسبة لصحة عقد بيع أو بطلانه، فتحى والى - ص 831).

ثانياً : إلغاء جميع الأعمال والأحكام اللاحقة على الحكم المطعون فيه أياً كانت الجهة التي أصدرتها من كان هذا الحكم أساساً لها : (نقض 18/ 3/ 1974 - سنة 25 ص 520، نقض 11/ 3/ 1965 - سنة 16 ص 304). فوفقاً للفقرة الأولى من المادة 271 مرافعات - محل التعليق - فإن القاعدة هي أنه يترتب على نقض الحكم المطعون فيه، إلغاء جميع الأحكام أياً كانت المحكمة التي أصدرتها وكافة الأعمال اللاحقة بصدور الحكم المنقوض متى كان هذا الحكم أساساً لها بحيث تعود الخصومة في الدعوى التي صدر فيها الحكم اللاحق إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض. (نقض 29/ 4/ 1993  طعن 306 لسنة 59 قضائية، نقض 20/ 1/ 1983 - طعن 267 لسنة 49 قضائية).

ويتم إلغاء جميع الأعمال والأحكام اللاحقة على الحكم المطعون فيه بحكم القانون كأثر لحكم النقض دون حاجة إلى حكم آخر يقضي به، ولو كان حكم النقض لم يشر إلى ذلك متى كان الحكم أو العمل اللاحق قد أتخذ أساساً له الحكم المنقوض (نقض 2/ 1/ 1982 ، طعن 980 سنة 46 ق ، نقض 1/ 11/ 1977 ، طعن 152 سنة 44 ق، نقض 20/ 2/ 1973 - سنة 24 ص 282). كما يمتد الإلغاء إلى أعمال التنفيذ التي تمت بناء على هذا الحكم، فإذا كان الحكم قد نفذ جبراً أصبح التنفيذ على غير أساس ويكون جميع ما أتخذ من إجراءات التنفيذ باطلة. (نقض 13/ 6/ 1972  - سنة 23 ص 1109، فتحی والی - ص 832 وص 833).

ويكون حكم النقض سنداً تنفيذياً صالحاً لإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التنفيذ الجبرى دون حاجة إلى إستصدار حكم جديد. (نقض 20/ 1/ 1983 ، طعن 276 سنة 49 ، نقض 12/ 3/ 1985 ، طعن 1678 سنة 51 قضائية، نقض 22 / 5 / 1985 ، طعن 181 لسنة 51 قضائية - سنة 36 ص 811 ، نقض 21/ 1/ 1986 ، طعن 651 لسنة 51 قضائية ورقم 315 / 338 لسنة 53 قضائية، نقض 28/ 5/ 1986 ، طعن 546 سنة 52 قضائية، نقض 23/ 1/ 1992 ، طعن 2137 - 2138 - 2139 لسنة 55 قضائية).

وتطبيقاً لذلك فإنه من المقرر أن نقض الحكم المطلوب تفسيره يترتب عليه إلغاء الحكم الصادر في طلب التفسير ، وأن نقض الحكم الصادر في الإستئناف يؤدى إلى إلغاء الحكم الصادر بعدم جواز الإستئناف تأسيساً على سبق صدور ذلك الحكم في إستئناف رفع عن ذات الحكم (نقض مدنى 20/ 2/ 1964 - سنة 15 ص 251)، وأن نقض الحكم بفسخ العقد يؤدي إلى نقض الحكم برفض دعوى فضحة العقد إستناداً إلى الحكم بفسخه. (نقض مدنى 1/ 2/ 1977 - في الطعن رقم 500 لسنة 40 ق). وأن نقض الحكم الصادر برفض الدفع بعدم جواز إستئناف الحكم يترتب عليه نقض الحكم الصادر من بعد برد وبطلان عقد البيع .

(نقض مدنى 28/ 6/ 1973 - سنة 24 ص 996).

وينبغي ملاحظة أن مناط إلغاء الحكم اللاحق أن يكون هذا الحكم قد أتخذ الحكم السابق المنقوض أساساً له. (نقض 24/ 3/ 1983 - طعن 461 سنة 48 قضائية - سنة 34 ص 746).

ثالثاً : إذا كان النزاع غير قابل للتجزئة ، ورفع نقضان عن الحكم، ضما لنظرها معاً ، فإن نقض الحكم نتيجة لأحد الطعنين يترتب عليه نقضه بالنسبة للطاعن في النقض المنظم. (نقض 21/ 1 / 1991 ، في الطعنين 1293 و 1296 سنة 56 ق، فتحی والی - ص 823).

وإذا طعن أحد الخصوم بالنقض في حكم، فقضي بنقضه، ثم بعد ذلك أقام خصم آخر طعناً بالنقض عن ذات الحكم وإختصم فيه نفس الخصوم في الطعن الأول، فإنه يترتب على نقض الحكم نتيجة للطعن الأول ، أن الطعن الثاني يكون غير ذي محل مما يتعين معه الحكم بانتهاء الخصومة لإنعدام محلها . (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء : الخامس  ،  الصفحة :   706)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 152

نَقْضُ الْقَضَاءِ:

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِنَقْضِ الْقَضَاءِ:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا خَالَفَ فِي حُكْمِهِ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا كَانَ قَضَاؤُهُ فَاقِدًا لِشَرْطٍ وَوَجَبَ نَقْضُهُ، إِذْ أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِالاِجْتِهَادِ عَدَمُ النَّصِّ بِدَلِيلِ خَبَرِ مُعَاذٍ رضي الله عنه : «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو» وَلأِنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَدْ فَرَّطَ، فَوَجَبَ نَقْضُ حُكْمِهِ، إِذْ لاَ مَسَاغَ لِلاِجْتِهَادِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَزَادَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ زِيَادَاتٍ أُخْرَى كَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ.

وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي حُكْمِ مَا يُنْقَضُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ أَنْ يَنْقُضَ مِنْ حُكْمِ قَاضٍ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ شَيْئًا لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ وَإِلَى أَلاَّ يَثْبُتَ حُكْمٌ أَصْلاً، غَيْرَ مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ سُنَّةٍ آحَادٍ أَوْ خَالَفَ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا، بِخِلاَفِ الإْجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ.

مَا يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ وَمَا لاَ يُنْقَضُ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ وَمَا لاَ يُنْقَضُ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَصَرَ النَّقْضَ فِي نِطَاقِ الْمُخَالَفَةِ الصَّرِيحَةِ لِلنَّصِّ أَوِ الإْجْمَاعِ، وَمَنَعَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.

وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْقَاضِي لاَ تَخْلُو عَنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:

قِسْمٌ يُنْقَضُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقِسْمٌ يُمْضَى بِكُلِّ حَالٍ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِوَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

الْقِسْمُ الأْوَّلُ: مَا يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَقْضُ الْحُكْمِ إِذَا خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الإْجْمَاعَ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا ذُكِرَ: مَا يَشِذُّ مَدْرَكُهُ أَيْ دَلِيلُهُ، أَوْ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ، أَوِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، وَقَيَّدَ الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ حُكْمَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إِذَا خَالَفَ الْقَوَاعِدَ أَوِ الْقِيَاسَ أَوِ النَّصَّ - فَالْمُرَادُ مِنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُعَارِضٌ رَاجِحٌ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا مُعَارِضٌ فَلاَ يُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَقَالُوا: إِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِلإْجْمَاعِ فَلاَ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ وَيَجِبُ نَقْضُهُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلأْخِ دُونَ الْجَدِّ، فَهَذَا خِلاَفُ الإْجْمَاعِ، لأَنَّ الأْمَّةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ أَوْ يُقَاسِمُ الأْخَ، وَأَمَّا حِرْمَانُ الْجَدِّ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الأْمَّةِ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا خَالَفَ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الْمَعْنَى الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ قِيَاسَ التَّحْقِيقِ - نُقِضَ بِهِ حُكْمُهُ وَحُكْمُ غَيْرِهِ؛لأِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه  عَدَلَ عَنِ اجْتِهَادٍ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ حِينَ أَخْبَرَهُ حَمْلُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. 

وَكَانَ لاَ يُوَرِّثُ امْرَأَةً مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى رَوَى لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَوَرَّثَهَا عُمَرُ».

وَقَضَى فِي الأْصَابِعِ بِقَضَاءٍ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإْبِلِ»وَنَقَضَ عَلِيٌّ رضي الله عنه  قَضَاءَ شُرَيْحٍ فِي ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لأِمٍّ - بِأَنَّ الْمَالَ لِلأْ خِمُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَأُولُو الأْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) فَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه  نَقَضَ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِمُخَالَفَةِ نَصِّ هَذِهِ الآْيَةِ. فَهَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَكَانَتْ إِجْمَاعًا، وَلأِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَصْلُ الإِْجْمَاعِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنْ تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ خَالَفَ قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، أَوْ ظَنًّا مُحْكَمًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، فَيَلْزَمُهُ نَقْضُ حُكْمِهِ، أَمَّا إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ وَأَنَّهُ الصَّوَابُ، فَلْيَحْكُمْ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَخَوَاتِ الْحَادِثَةِ بِمَا رَآهُ ثَانِيًا، وَلاَ يَنْقُضُ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلاً، بَلْ يُمْضِيهِ، ثُمَّ مَا نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ نَفْسِهِ نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَمَا لاَ فَلاَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَتَتَبَّعُ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُهُ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ، وَلَهُ تَتَبُّعُ قَضَاءِ نَفْسِهِ لِيَنْقُضَهُ.

وَقَالَ: مَا يَنْقُضُ مِنَ الأَْحْكَامِ لَوْ كُتِبَ بِهِ إِلَيْهِ لاَ يَخْفَى أَنَّهُ لاَ يَقْبَلُهُ وَلاَ يُنَفِّذُهُ. وَأَمَّا مَا لاَ يَنْقُضُ وَيَرَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ فَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ وَلاَ يُنَفِّذُهُ لأِنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ خَطَأً، وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: لاَ أُحِبُّ تَنْفِيذَهُ. وَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِتَجْوِيزِ تَنْفِيذِهِ.

وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ (الشَّافِعِيُّ) بِنَقْلِ الْخِلاَفِ فَقَالَ: إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ قَبْلَهُ فَلَمْ يَرَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي النَّقْضَ، لَكِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُعْرِضُ عَنْهُ، وَأَصَحُّهُمَا: يُنْفِذُهُ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لاَ يَقْتَضِي النَّقْضَ، وَتَرَافَعَ الْخُصُومُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمْضِي حُكْمَهُ الأَْوَّلَ وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ.

وَيَرَى فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ مُخَالَفَةُ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفِ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) فَإِنَّ السَّلَفَ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَزَوُّجِ امْرَأَةِ الأْبِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا الأْبُ، فَلَوْ حَكَمَ قَاضٍ بِجَوَازِ ذَلِكَ نَقَضَهُ مَنْ رُفِعَ إِلَيْهِ.

وَإِنَّ الْمُرَادَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لِلزَّوْجِ الأْوَّلِ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ بِدُونِ إِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ بِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَيْ جُلُّ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ، وَمُخَالَفَةُ 

الْبَعْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، لأِنَّ ذَلِكَ خِلاَفٌ لاَ اخْتِلاَفٌ، وَقَالُوا: يُنْقَضُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ حُكْمًا لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ قَطْعًا.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لاَ يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ:

لاَ يُنْقَضُ مِنَ الأْحْكَامِ كُلُّ حُكْمٍ وَافَقَ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، فَإِذَا أَصَابَ الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ فَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ كَمَا إِذَا حَكَمَ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ كَانَ حُكْمُهُ نَافِذًا وَحُكْمُ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ بِهِ نَافِذًا، لاَ يُتَعَقَّبُ بِفَسْخٍ وَلاَ نَقْضٍ، لأِنَّ هَذَا الْقَضَاءَ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ فَنَفَذَ، وَلَزِمَ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَجُوزُ إِبْطَالُهُ، وَالأْصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ، وَيَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ مَا قَضَى، فَيَسْتَقْبِلُ حُكْمَ الْقُرْآنِ وَلاَ يَرُدُّ قَضَاءَهُ الأْوَّلَ»وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه «أَنَّهُ حَكَمَ بِحِرْمَانِ الإْخْوَةِ الأْشِقَّاءِ مِنَ التَّرِكَةِ فِي الْمُشْرِكَةِ، ثُمَّ شَرَّكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَهُ الأْوَّلَ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي»، وَقَضَى فِي الْجَدِّ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يَرُدَّ الأْولَى، وَلأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لاَ يَثْبُتَ الْحُكْمُ أَصْلاً، لأِنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يُخَالِفُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالثَّالِثُ يُخَالِفُ الثَّانِيَ، فَلاَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ.

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ لَوْ قَضَى عَلَى خِلاَفِ قِيَاسٍ خَفِيٍّ - وَهُوَ مَا لاَ يُزِيلُ احْتِمَالَ الْمُفَارَقَةِ وَلاَ يَبْعُدُ كَقِيَاسِ الأْرْزِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الطَّعَامِ - فَلاَ يَنْقُضُ الْحُكْمُ الْمُخَالِفَ لَهُ، لأِنَّ الظُّنُونَ الْمُتَعَادِلَةَ لَوْ نَقَضَ بَعْضُهَا بَعْضًا لَمَا اسْتَمَرَّ حُكْمٌ وَلَشَقَّ الأْمْرُ عَلَى النَّاسِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنِ اجْتَهَدَ مِنَ الْحُكَّامِ فَقَضَى بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ، فَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَمْ يَرُدَّهُ، وَحَكَمَ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ بِالَّذِي هُوَ أَصْوَبُ. 

وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ وَالْحُكْمِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ.

فَالْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْقَضَاءِ، كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِينِ بِالْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَكَانَ الْقَاضِي يَرَى سَمَاعَ شَهَادَتِهِمَا، فَإِذَا رُفِعَ إِلَى قَاضٍ آخَرَ لاَ يَرَى ذَلِكَ يُمْضِيهِ وَلاَ يَنْقُضْهُ. وَكَذَا لَوْ قَضَى لاِمْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَآخَرَ أَجْنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِمَنْ لاَ يُجِيزُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ أَمْضَاهُ، لأِنَّ الأْوَّلَ قَضَى بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، لأِنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلاَءِ هَلْ تَصِيرُ حُجَّةً لِلْحُكْمِ أَوْ لاَ؟

فَالْخِلاَفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْحُكْمِ لاَ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ.

وَفَصَّلُوا مَسْأَلَةَ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، فَقَالُوا: إِنْ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، فَلاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مَحَلَّ الاِجْتِهَادِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيَّ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْقَضَاءِ.

فَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيَّ بِهِ، فَرُفِعَ إِلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يَنْقُضْهُ الثَّانِي بَلْ يُنْفِذُهُ لِكَوْنِهِ قَضَاءً مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ، لِمَا عُلِمَ أَنَّ النَّاسَ عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِأَيِّ الأْقْوَالِ الَّذِي مَالَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَكَانَ قَضَاءً مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَوْ نَقَضَهُ إِنَّمَا يَنْقُضُهُ بِقَوْلِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ اخْتِلاَفٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ مَا صَحَّ بِالاِتِّفَاقِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ، وَلأِنَّهُ لَيْسَ مَعَ الثَّانِي دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ بَلِ اجْتِهَادِيٌّ، وَصِحَّةُ قَضَاءِ الْقَاضِي الأْوَّلِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَهُوَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِأَيِّ وَجْهٍ اتَّضَحَ لَهُ، فَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ مَا مَضَى بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلأِنَّ الضَّرُورَةَ تُوجِبُ الْقَوْلَ بِلُزُومِ الْقَضَاءِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الاِجْتِهَادِ وَأَنْ لاَ يَجُوزَ نَقْضُهُ، لأِنَّهُ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ بِرَفْعِهِ إِلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلاَفَ رَأْيِ الأْوَّلِ فَيَنْقُضُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ الْمُدَّعِي إِلَى قَاضٍ ثَالِثٍ يَرَى خِلاَفَ رَأْيِ الْقَاضِي الثَّانِي فَيَنْقُضُ نَقْضَهُ، وَيَقْضِي كَمَا قَضَى الأْوَّلُ، فَيُؤَدِّي إِلَى أَنْ لاَ تَنْدَفِعَ الْخُصُومَةُ وَالْمُنَازَعَةُ أَبَدًا، وَالْمُنَازَعَةُ فَسَادٌ، وَمَا أَدَّى إِلَى الْفَسَادِ فَسَادٌ.

فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي الثَّانِي رَدَّ الْحُكْمَ، فَرَفَعَهُ إِلَى قَاضٍ ثَالِثٍ - نُفِّذَ قَضَاءُ الأْوَّلِ وَأُبْطِلَ قَضَاءُ الْقَاضِي الثَّانِي، لأِنَّهُ لاَ مَزِيَّةَ لأِحَدِ الاِجْتِهَادَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ الأْوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلاَ يُنْتَقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، كَمَا أَنَّ قَضَاءَ الأْوَّلِ كَانَ فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ، وَالْقَضَاءُ بِالْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ بِالإْجْمَاعِ، فَكَانَ الْقَضَاءُ مِنَ  الثَّانِي مُخَالِفًا لِلإْجْمَاعِ، فَيَكُونُ بَاطِلاً، وَلأِنَّهُ لاَ يُنْقَضُ الاِجْتِهَادُ بِالاِجْتِهَادِ، وَالدَّعْوَى مَتَى فَصَلَتْ مَرَّةً بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لاَ تُنْتَقَضُ وَلاَ تُعَادُ، فَيَكُونُ قَضَاءُ الأْوَّلِ صَحِيحًا، وَقَضَاءُ الثَّانِيَ بِالرَّدِّ بَاطِلاًوَشَرْطُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَدَعْوَى صَحِيحَةٍ، فَإِنْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ كَانَ فَتْوَى لاَ حُكْمًا.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ نَفْسُهُ مُجْتَهَدًا فِيهِ، أَوْ كَانَ فِي مَحَلٍّ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي النَّازِلَةِ مَوْضُوعِ الدَّعْوَى يَرْفَعُ الْخِلاَفَ، فَلاَ يَجُوزُ لِمُخَالِفٍ فِيهَا نَقْضُهَا، فَإِذَا حَكَمَ بِفَسْخِ عَقْدٍ أَوْ صِحَّتِهِ لِكَوْنِهِ يَرَى ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ لِقَاضٍ غَيْرِهِ وَلاَ لَهُ نَقْضُهُ، وَهَذَا فِي الْخِلاَفِ الْمُعْتَبَرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ وَأَنَّهُ الصَّوَابُ فَلاَ يَنْقُضُ حُكْمَهُ، بَلْ يُمْضِيهِ وَيَحْكُمُ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا رَآهُ ثَانِيًا.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِي نَقْضِهِ مِنَ الأَحْكَامِ:

الأْحْكَامُ الَّتِي يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بَيْنَ الْقَوْلِ بِنَقْضِهَا وَالْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ مُتَعَدِّدَةٌ، وَيَتَعَذَّرُ حَصْرُهَا، وَأَهَمُّهَا:

أ- الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ: هُوَ مَا يَقَعُ الْخِلاَفُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ، فَقِيلَ: يَنْفُذُ، وَقِيلَ: يَتَوَقَّفُ عَلَى إِمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَفَيَجُوزُ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَنْقُضَ قَضَاءَ الأْوَّلِ إِذَا مَالَ اجْتِهَادُهُ إِلَى خِلاَفِ اجْتِهَادِ الأْوَّلِ، لأِنَّ قَضَاءَهُ لَمْ يُجَزْ بِقَوْلِ الْكُلِّ، بَلْ بِقَوْلِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، فَلَمْ يَكُنْ جَوَازُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَكَانَ مُحْتَمِلاً لِلنَّقْضِ بِمِثْلِهِ، فَلَوْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي بَطَلَ، وَلَيْسَ لأِحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ كَمَا لَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ لاِمْرَأَتِهِ، لأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

أَمَّا إِذَا أَمْضَاهُ الْقَاضِي الثَّانِي فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، فَلَيْسَ لِلثَّالِثِ 

نَقْضُهُ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ فِي مَحَلٍّ أَجْمَعُوا عَلَى كَوْنِهِ مَحَلَّ الاِجْتِهَادِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ كَبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ؛ لأِنَّهُ مَحَلُّ الاِجْتِهَادِ، وَذَلِكَ لاِخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لاَ يَنْفُذُ لِوُقُوعِ الاِتِّفَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا، فَخَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الاِجْتِهَادِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الإْجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ لاَ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ الْمُتَقَدِّمَ - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - أَمَّا مُحَمَّدٌ فَيَرَى أَنَّ الإْجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ الْمُتَقَدِّمَ، فَكَانَ هَذَا الْفَصْلُ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِ الْقَاضِي الثَّانِي أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلاَ يَرُدُّهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الاِجْتِهَادِ وَصَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لاَ يَنْفُذُ، بَلْ يَنْقُضُهُ لأِنَّ قَضَاءَ الأْوَّلِ وَقَعَ مُخَالِفًا لِلإْجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلاً.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَهَدَ لِنَفْسِهِ - فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ - فَحَكَمَ بِمَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ أَنَّ الصَّوَابَ خِلاَفُهُ فَلاَ يَنْقُضُهُ، لأِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ نَقْضُ هَذَا لِرَأْيِهِ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ نَقْضُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلاَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ، وَلاَ يَثِقُ أَحَدٌ بِمَا قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، فَقَالُوا: يُفْسَخُ الْحُكْمُ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا سَبَقَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاضِي حَكَمَ بِقَضِيَّةٍ فِيهَا اخْتِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَوَافَقَ قَوْلاً شَاذًّا نَقَضَ حُكْمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاذًّا لَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: سَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ فَيَرْفَعُ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ لاَ يَرَى الْبَتَّةَ فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً، فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ - أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَسْتُ أَرَاهُ، لاَ يَرْجِعُ الْقَاضِي عَمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ وَلاَ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الأْوْلَى خَطَأً بَيِّنًا صُرَاحًا. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي الْمُسْتَنِدِ إِلَى اجْتِهَادِهِ الْمُخَالِفِ خَبَرَ الْوَاحِدِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الَّذِي لاَ يَحْتَمِلُ إِلاَّ تَأْوِيلاً بَعِيدًا يَنْبُو الْفَهْمُ عَنْ قَبُولِهِ - يُنْقَضُ، وَقِيلَ: لاَ يُنْقَضُ، مِثَالُهُ الْقَضَاءُ بِنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ - عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ - وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ بِلاَ وَلِيٍّ. وَقِيلَ: الأْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، ثُمَّ بَانَ لَهُ فَسَادُ اجْتِهَادِهِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ حُكْمِهِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلاَّ بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ دُونَ الأْوَّلِ، وَلَوْ بَانَ لَهُ فَسَادُ الاِجْتِهَادِ قَبْلَ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ بِهِ حَكَمَ بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي دُونَ الأْوَّلِ، قِيَاسًا عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ إِنْ بَانَ لَهُ بِالاِجْتِهَادِ خَطَأُ مَا تَقَدَّمَ مِنِ اجْتِهَادِهِ قَبْلَ صَلاَتِهِ عَمِلَ عَلَى اجْتِهَادِهِ الثَّانِي دُونَ الأْوَّلِ، وَإِنْ بَانَ لَهُ بَعْدَ صَلاَتِهِ لَمْ يُعِدْ، وَصَلَّى، وَاسْتَقْبَلَ الصَّلاَةَ الثَّانِيَةَ بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ إِذَا رَفَعَ إِلَى قَاضٍ حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لاَ يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لِيُنَفِّذَهُ لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ فِي الأْصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْمَرْفُوعُ إِلَيْهِ صَحِيحًا، لأَِنَّهُ حُكْمٌ سَاغَ الْخِلاَفُ فِيهِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِوَقِيلَ: يَحْرُمُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ إِذَا كَانَ الْقَاضِي الثَّانِي لاَ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ قَاضٍ آخَرُ قَبْلَهُ.

ب- عَدَمُ عِلْمِ الْقَاضِي بِاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا رُفِعَ إِلَى قَاضٍ حُكْمُ قَاضٍ آخَرَ نَفَّذَهُ، أَيْ: أُلْزِمَ الْحُكْمَ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ، لَوْ مُجْتَهِدًا فِيهِ عَالِمًا بِاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ، وَلاَ يُمْضِيهِ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ فِي الْخُلاَصَةِ: وَيُفْتَى بِخِلاَفِهِ - وَكَأَنَّهُ - تَيْسِيرًا.

وَأَضَافَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا قَضَى الْمُجْتَهِدُ فِي حَادِثَةٍ، لَهُ فِيهَا رَأْيٌ مُقَرَّرٌ قَبْلَ قَضَائِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي قَصَدَ فِيهَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ حُكْمُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمُخْتَلَفِ عَلَيْهِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ قَضَاءَهُ هَذَا عَلَى خِلاَفِ رَأْيِهِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَحِينَئِذٍ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَأَمَّا إِذَا وَافَقَ قَضَاؤُهُ رَأْيَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ قَضَائِهِ أَنَّ فِيهَا خِلاَفًا، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الإْسْلاَمِ بِأَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي بِعَدَمِ عِلْمِهِ الْخِلاَفَ فِي الْمَسْأَلَةِ، لأِنَّ 

عِلْمَهُ بِالْخِلاَفِ لاَ أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ وَلاَ بُطْلاَنِهِ حَيْثُ وَافَقَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ.

ج- الْخَطَأُ فِي الْحُكْمِ:

يَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا قَصَدَ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ فَأَخْطَأَ عَمَّا قَصَدَهُ لِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوِ اشْتِغَالِ بَالٍ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَيَنْقُضُهُ الَّذِي أَصْدَرَهُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِذَا حَكَمَ بِالظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَلاَ اجْتِهَادٍ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ، وَوَجْهُ النَّفَاذِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ لأَِنَّ رَأْيَهُ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ الصَّوَابَ، وَرَأْيُ غَيْرِهِ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ خَطَأً، فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَطَأً بِيَقِينٍ، فَكَانَ حَاصِلُهُ قَضَاءً فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، وَوَجْهُ عَدَمِ النَّفَاذِ أَنَّ قَضَاءَهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَقٍّ عَبَثٌ، فَلاَ يُعْتَبَرُ. وَبِهَذَا أَخَذَ شَمْسُ الأْئِمَّةِ الأْوْزَجَنْدِيُّ، وَبِالأْوَّلِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ.

 وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ لأِنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ.

د- إِذَا خَالَفَ مَا يَعْتَقِدُهُ أَوْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ:

إِذَا خَالَفَ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ مَذْهَبَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ غَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اجْتَهَدَ، وَبِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مُقَلِّدًا وَقَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ أَوْ رَأْيِ مُقَلَّدِهِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْقُضُ هُوَ حُكْمَهُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُقَلِّدُ غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ، وَأَنْ تَكُونَ الْمُخَالَفَةُ لِلْمُعْتَمَدِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ الْقَاضِي مُتَّبِعًا لإِمَامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ دَلِيلٍ أَوْ قَلَّدَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ أَوْ أَتْقَى مِنْهُ فَحَسَنٌ، وَلَمْ يُقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ.

 وَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ خِلاَفَ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي أُمِرَ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، فَإِنْ عَمِلَ وَحَكَمَ لاَ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ، لأِنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ بِالْحُكْمِ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ الرَّأْيَ لَمْ يَكُنِ الْقَاضِي قَاضِيًا لِلْحُكْمِ بِالرَّأْيِ الْمَذْكُورِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَلِّدَ إِذَا حَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ ثُمَّ جَدَّتْ أُخْرَى مُمَاثِلَةً فَإِنَّ حُكْمَهُ لاَ يَتَعَدَّى لِلدَّعْوَى الأْخْرَى، فَالْمُجْتَهِدُ يَجْتَهِدُ فِي النَّازِلَةِ الْجَدِيدَةِ، وَالْمُقَلِّدُ يَحْكُمُ بِمَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلاً مِنْ رَاجِحِ قَوْلِ مُقَلَّدِهِ، وَلِغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ أَنْ يَحْكُمَ بِضِدِّهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِفَسْخِ نِكَاحِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلاَ وَلِيٍّ، ثُمَّ تَجَدَّدَ مِثْلُهَا، فَنَظَرَهَا قَاضٍ يَرَى صِحَّةَ الزَّوَاجِ بِدُونِ وَلِيٍّ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ارْتَفَعَ فِيهَا الْخِلاَفُ وَلَمْ يَجُزْ لأِحَدٍ نَقْضُهُ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْقَضِيَّةِ الأْولَى هِيَ ذَاتَ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضِيَّةِ الثَّانِيَةِ.

وَإِذَا خَالَفَ الْقَاضِي مَا يَعْتَقِدُهُ: بِأَنْ حَكَمَ بِمَا لاَ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لاِعْتِقَادِهِ بُطْلاَنَهُ، فَإِنِ اعْتَقَدَهُ صَحِيحًا وَقْتَ الْحُكْمِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَلاَ نَصَّ وَلاَ إِجْمَاعَ لَمْ يَنْقُضْهُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ.

هـ - صُدُورُ الْحُكْمِ مِنْ قَاضٍ لاَ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ:

إِذَا وَلِيَ مَنْ لاَ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لِجَهْلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَهَلْ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا، مَا أَصَابَ فِيهَا وَمَا أَخْطَأَ، أَمْ يَقْتَصِرُ النَّقْضُ عَلَى الأْحْكَامِ الَّتِي يَشُوبُهَا الْخَطَأُ؟

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ أَحْكَامَهُ كُلَّهَا تُنْقَضُ وَإِنْ أَصَابَ فِيهَا، لأِنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، لَكِنَّ صَاحِبَ مُغْنِي الْمُحْتَاجِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَلاَّهُ ذُو شَوْكَةٍ بِحَيْثُ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ مَعَ الْجَهْلِ، أَوْ نَحْوِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يُنْقَضُ مَا أَصَابَ فِيهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ الْمُخَالِفَةُ لِلصَّوَابِ كُلُّهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ أَمْ لاَ يَسُوغُ، لأِنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَضَاؤُهُ كَعَدَمِهِ، لأِنَّ شَرْطَ الْقَضَاءِ غَيْرُ مُتَوَفِّرٍ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي نَقْضِ قَضَايَاهُ نَقْضُ الاِجْتِهَادِ بِالاِجْتِهَادِ؛ لأِنَّ الأْوَّلَ لَيْسَ بِاجْتِهَادٍ. وَلاَ يُنْقَضُ مَا وَافَقَ الصَّوَابَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي نَقْضِهِ، فَإِنَّ الْحَقَّ وَصَلَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَالْحَقُّ إِذَا وَصَلَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ لَمْ يُغَيَّرْ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ بِقَضَاءٍ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاوِرُ أَهْلَ الْعِلْمِ فِي أَحْكَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُشَاوِرُهُمْ فَتُنْقَضُ كُلُّهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِنْ شَاوَرَ الْعُلَمَاءَ مَضَى قَطْعًا وَلَمْ يُتَعَقَّبْ حُكْمُهُ.

وَاخْتَارَ صَاحِبُ الإْنْصَافِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِ إِلاَّ مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْمَاعًا، وَأَنَّ هَذَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ زَمَنٍ وَلاَ يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِخِلاَفِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَأَعْطَى بِذَلِكَ حُجَّةً لاَ يُنَفَّذُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَلاَ يُعْمَلُ بِالْحُجَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ»أَيْ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَحَكَمَ بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَحَكَمَ بِخِلاَفِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَكَذَا قَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ.

و- صُدُورُ حُكْمٍ مِنْ قَاضٍ جَائِرٍ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الأْحْكَامِ الَّتِي يُصْدِرُهَا الْقَاضِي إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْجَوْرِ وَكَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فِي حَالِهِ وَسِيرَتِهِ - عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلاً، ظَهَرَ جَوْرُهُ أَوْ خَفِيَ - هَلْ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا مَا جَانَبَ الصَّوَابَ وَمَا وَافَقَهُ، أَمْ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ الْخَاطِئَةُ دُونَ غَيْرِهَا؟

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمَا - إِلَى وُجُوبِ نَقْضِ أَحْكَامِهِ كُلِّهَا، صَوَابًا كَانَتْ أَوْ خَطَأً، لأِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ حَيْفُهُ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا ظَهَرَ الصَّوَابُ وَالْعَدْلُ فِي قَضَائِهِ، وَكَانَ بَاطِنُ أَمْرِهِ فِيهِ جَوْرٌ، وَلَكِنْ عُرِفَ مِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّ حُكْمَهُ فِيهَا صَوَابٌ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ مَنْ عَرَفَ الْقَضَايَا،فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تَمْضِي وَلاَ تُنْقَضُ، لأِنَّهَا إِذَا نُقِضَتْ وَقَدْ مَاتَتِ الْبَيِّنَةُ وَانْقَطَعَتِ الْحُجَّةُ كَانَ ذَلِكَ إِبْطَالاً لِلْحَقِّ.

وَقَالَ أَصْبَغُ: إِنَّ أَقْضِيَةَ الْخُلَفَاءِ وَالأْمَرَاءِ وَقُضَاةِ السُّوءِ جَائِزَةٌ مَا عُدِلَ فِيهِ مِنْهَا، وَيُنْقَضُ مِنْهَا مَا تَبَيَّنَ فِيهِ جَوْرٌ أَوِ اسْتُرِيبَ، مَا لَمْ يُعْرَفِ الْقَاضِي بِالْجَوْرِ فَتُنْقَضُ كُلُّهَا.

وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي الْقَاضِي غَيْرِ الْعَدْلِ ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

الثَّانِي: عَدَمُ نَقْضِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلَ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ، مَا لَمْ يَثْبُتِ الْجَوْرُ، وَفِي التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ ضَرَرٌ لِلنَّاسِ وَوَهَنٌ لِلْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَخْلُو مِنْ أَعْدَاءٍ يَرْمُونَهُ بِالْجَوْرِ يُرِيدُونَ الاِنْتِقَامَ مِنْهُ بِنَقْضِ أَحْكَامِهِ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ تَمْكِينِهِمْ مِنْ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: رَأْيُ أَصْبَغَ، وَهُوَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا عَدَلَ فِيهِ وَلَمْ يُسْتَرَبْ فِيهِ، وَيُنْقَضْ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ الْجَوْرُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُ مَنْ شَاعَ 

جَوْرُهُ إِذَا أَثْبَتَ مَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَاضِي تَعَمَّدَ الْجَوْرَ فِيمَا قَضَى وَأَقَرَّ بِهِ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَيُعَزَّرُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ لاِرْتِكَابِهِ الْجَرِيمَةَ الْعَظِيمَةَ، وَيُعْزَلُ عَنِ الْقَضَاءِ، وَنَصَّ أَبُو يُوسُفَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ جَوْرُهُ وَرِشْوَتُهُ رُدَّتْ قَضَايَاهُ وَشَهَادَتُهُ.

ز- الْحُكْمُ الْمَشُوبُ بِالْبُطْلاَنِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ أَوْ لأِحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ مَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ - نَقْضَ الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ بَاطِلاً لِمَكَانِ التُّهْمَةِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ، فَيُنَفَّذُ حُكْمُهُ لاِنْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.

وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ شَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْمُخْتَارِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ - أَنَّهُ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ لَهُمْ بِالْبَيِّنَةِ، لأِنَّ الْقَاضِيَ أَسِيرُ الْبَيِّنَةِ، فَلاَ تَظْهَرُ مِنْهُ تُهْمَةٌ.

وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَبْنَى الْحُكْمِ هُوَ اعْتِرَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لاِبْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذُكِرَ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْحُكْمُ يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ فَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ لَهُمْ لأِنَّهُ يُتَّهَمُ بِالتَّسَاهُلِ فِيهَا.

وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ إِذَا أَثْبَتَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ وُجُودِ عَدَاوَةٍ بَيْنِهِ وَبَيْنَ الْقَاضِي، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَوْ أَحَدِ وَالِدَيْهِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ بِخِلاَفِ شَهَادَتِهِ عَلَى عَدُوِّهِ.

ح- الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ فِيهَا خَلَلٌ:

إِذَا كَانَ مَبْنَى الْحُكْمِ بَيِّنَةً لاَ شِيَةَ فِيهَا لَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْحُكْمِ، وَإِنِ اعْتَوَرَ الْبَيِّنَةَ مَا يَعِيبُهَا، نُظِرَ: هَلْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ أَمْ لاَ؟ وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:

كَوْنُ الشَّاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ إِذَا بُنِيَ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ظَهَرَ كَوْنُهُمَا كَافِرَيْنِ، أَوْ صَغِيرَيْنِ فِيمَا عَدَا الْجِنَايَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ بَيْنَ الصِّغَارِ بِشُرُوطِهَا - عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا .

فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ:

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ إِذَا ظَهَرَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا قَبْلَ الْحُكْمِ غَيْرَ عَدْلَيْنِ لِفِسْقِهِمَا.

وَقَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ نَقْضَ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ، وَقَالُوا: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِينَ لَكِنَّهُ إِذَا قَضَى بِمُوجِبِهِمَا لاَ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِلاَّ فِيمَا ذُكِرَ.

 وَيَرَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي نَقْضُ الْحُكْمِ بِفِسْقِ الشُّهُودِ إِلاَّ بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إِنْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا، أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الإِْسْلاَمِ فَلاَ يُنْقَضُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِوَيَرَى ابْنُ قُدَامَةَ وَأَبُو الْوَفَاءِ أَنَّهُ إِذَا بَانَ فِسْقُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْقُضْهُ.

تَقْصِيرُ الْقَاضِي فِي الْكَشْفِ عَنِ الشُّهُودِ:

إِذَا ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ قَصَّرَ فِي الْكَشْفِ عَنِ الشُّهُودِ وَأَتَى بِمَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ بِمَا يَجْرَحُهُمْ كَالْفِسْقِ، فَفِي نَقْضِ الْحُكْمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلاَنِ لِلإِمَامِ مَالِكٍ، وَبِالنَّقْضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَبِعَدَمِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ.

الْجِهَةُ الَّتِي تَنْقُضُ الْحُكْمَ:

فِي الْحَالاَتِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا نَقْضُ الْحُكْمِ: إِمَّا أَنْ يَنْقُضَهُ الْقَاضِي الَّذِي أَصْدَرَهُ أَوْ مَنْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُضَاةِ، كَالْقَاضِي الَّذِي يُوَلَّى الْقَضَاءَ بَعْدَ غَيْرِهِ فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ سَلَفِهِ، أَوْ كَالْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ لِتَنْفِيذِ ذَلِكَ الْحُكْمِ.

وَإِمَّا أَنْ يَجْمَعَ وَلِيُّ الأْمْرِ عَدَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ لِلنَّظَرِ فِي حُكْمٍ بِعَيْنِهِ، أَصْدَرَهُ مَنْ تَلْحَقُهُ الشُّبْهَةُ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

 أ- نَقْضُ الْقَاضِي أَحْكَامَ نَفْسِهِ:

الأْصْلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا حَكَمَ فَلَيْسَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ نَقْضُ حُكْمِهِ إِلاَّ إِذَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا، لَكِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ نَصُّوا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ وَهِمَ فِي قَضَائِهِ أَوْ نَسِيَ أَوْ قَضَى بِخِلاَفِ رَأْيِهِ - وَهُوَ لاَ يَذْكُرُ - وَلَكِنْ عَلَى مَا قَضَى بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً، فَيَنْقُضُهُ بِنَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، خِلاَفًا لِلإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَقُولُ بِمُضِيِّ هَذَا الْفَصْلِ وَلاَ يُرْجَعُ فِيهِ.

وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُلَّ قَضَاءٍ لاَ يُعْرَفُ خَطَؤُهُ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ كَمُخَالَفَتِهِ لِرَأْيِهِ السَّابِقِ فَلاَ يَنْقُضُهُ سِوَاهُ، مَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، فَيَنْقُضُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ.

ب- نَقْضُ الْقَاضِي أَحْكَامَ غَيْرِهِ:

لَيْسَ عَلَى الْقَاضِي تَتَبُّعُ قَضَاءِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ لأِنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهَا، لَكِنْ إِنْ وَجَدَ فِيهَا مُخَالَفَةً صَرِيحَةً نَقَضَهَا، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ مَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ أَوْ يَنْقُضُ الْحُكْمَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.

وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ مَا نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ نَفْسِهِ نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَمَا لاَ فَلاَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا

ج- نَقْضُ الأْمِيرِ وَالْفُقَهَاءِ حُكْمَ الْقَاضِي:

 نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ جَمْعُ الْفُقَهَاءِ لِلنَّظَرِ فِي حُكْمِ الْقَاضِي، فَقَدْ جَاءَ فِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَإِذَا اشْتُكِيَ عَلَى الْقَاضِي فِي قَضِيَّةٍ حَكَمَ بِهَا وَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى الأْمِيرِ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَأْمُونًا فِي أَحْكَامِهِ عَدْلاً فِي أَحْوَالِهِ بَصِيرًا بِقَضَائِهِ فَأَرَى أَنْ لاَ يَعْرِضَ لَهُ الأْمِيرُ فِي ذَلِكَ وَلاَ يَقْبَلَ شَكْوَى مَنْ شَكَاهُ وَلاَ يُجْلِسَ الْفُقَهَاءَ لِلنَّظَرِ فِي قَضَائِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَطَأِ إِنْ فَعَلَهُ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ إِنْ تَابَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مُتَّهَمًا فِي أَحْكَامِهِ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ فِي حَالِهِ أَوْ جَاهِلاً بِقَضَائِهِ فَلْيَعْزِلْهُ وَيُوَلِّ غَيْرَهُ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ جَهِلَ الأْمِيرُ فَأَجْلَسَ فُقَهَاءَ بَلَدِهِ وَأَمَرَهُمْ بِالنَّظَرِ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ وَجَهِلُوا هُمْ أَيْضًا، أَوْ أُكْرِهُوا عَلَى النَّظَرِ فَنَظَرُوا فَرَأَوْا فَسْخَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَفَسَخَهُ الأْمِيرُ أَوْ رَدَّ قَضِيَّتَهُ إِلَى مَا رَأَى الْفُقَهَاءُ، فَأَرَى لِمَنْ نَظَرَ فِي هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْحُكْمِ الأْوَّلِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ أَوْ كَانَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الأْئِمَّةُ الْمَاضُونَ فَأَخَذَ بِبَعْضِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ مَاضٍ وَالْفَسْخُ الَّذِي تَكَلَّفَهُ الأْمِيرُ وَالْفُقَهَاءُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الأْوَّلُ خَطَأً بَيِّنًا أَمْضَى فَسْخَهُ وَأَجَازَ مَا فَعَلَهُ الأْمِيرُ وَالْفُقَهَاءُ، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ الأْوَّلُ خَطَأً بَيِّنًا أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ عَرَفَ مِنَ الْقَاضِي بَعْضَ مَا لاَ يَنْبَغِي مِنَ الْقُضَاةِ وَلَكِنَّ الأْمِيرَ لَمْ يَعْزِلْهُ وَأَرَادَ النَّظَرَ فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلْفُقَهَاءِ النَّظَرُ فِيهِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ حُكْمَهُ خَطَأٌ بَيِّنٌ فَلْيَرُدَّهُ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا عَلَى الأْمِيرِ فَرَأَى بَعْضُهُمْ رَأْيًا وَرَأَى بَعْضُهُمْ رَأْيًا غَيْرَهُ لَمْ يَمِلْ مَعَ أَكْثَرِهِمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمَا رَآهُ صَوَابًا قَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ.

وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ إِذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشِيرُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ فَصَلَ بَعْدُ فِي الْخُصُومَةِ فَصْلاً، فَلَمَّا أَجْلَسَ مَعَهُ غَيْرَهُ لِلنَّظَرِ فِيهَا قَالَ: قَدْ حَكَمْتُ، لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لأِنَّ الْمَنْعَ عَنِ النَّظَرِ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ وَحْدَهَا فَتَلْزَمُهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَزَلَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْتُ حَكَمْتُ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي الْمُشْتَكَى فِي غَيْرِ بَلَدِ الأْمِيرِ الَّذِي هُوَ بِهِ وَحَيْثُ يَكُونُ قَاضِي الْجَمَاعَةِ فَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَعْرُوفًا مَشْهُورًا بِالْعَدْلِ فِي أَحْكَامِهِ وَالصَّلاَحِ فِي أَحْوَالِهِ أَقَرَّهُ وَلَمْ يَقْبَلْ عَلَيْهِ شَكْوَى وَلَمْ يَكْتُبْ بِأَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلاَ يَفْعَلُ هَذَا بِأَحَدٍ مِنْ قُضَاتِهِ إِلاَّ أَنْ يُشْتَكَى مِنْهُ اسْتِبْدَادٌ بِرَأْيٍ أَوْ تَرْكُ رَأْيِ مَنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ أَنْ يُشَاوِرَ فِي أُمُورِهِ وَأَحْكَامِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَ لَهُ أَحَدًا أَوْ يُجْلِسَ مَعَهُ أَحَدًا.

وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَاضِي غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْعَدْلِ وَالرِّضَا وَتَظَاهَرَتِ الشَّكِيَّةُ عَلَيْهِ كَتَبَ إِلَى رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْقَاضِي فَأَقْدَمَهُمْ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْهُ وَالْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَا يَجِبُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَزَلَهُ.

قَالَ: وَلَوْ جَهِلَ الأْمِيرُ وَكَتَبَ إِلَى نَاسٍ يَأْمُرُهُمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ فَفَعَلُوا وَاخْتَلَفَ رَأْيُهُمْ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الأْمِيرُ كَتَبَ إِلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَالأْمَنَاءِ أَنْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ هُوَ مُنَفِّذَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَنْظُرُوا مَعَهُ ثُمَّ يَجْتَهِدُوا وَيَحْكُمُ بِأَفْضَلِ مَا يَرَاهُ مَعَهُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالَّذِي يَرَاهُ مَعَ بَعْضِ مَنْ جَلَسَ مَعَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لاَزِمًا لِمَنْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ أُمِرَ بِالنَّظَرِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسُوا مَعَهُ وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى خِلاَفِهِ لَمْ أَرَ أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ لأِنَّهُ الآْنَ عَلَى مِثْلِ مَا اشْتُكِيَ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ بِذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِ وَرَأْيِ الْقَوْمِ إِلَى الأْمِيرِ فَيَكُونُ هُوَ الآْمِرَ بِالَّذِي يَرَاهُ وَالْحَاكِمَ فِيهِ دُونَهُمْ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَالَ فِيهِ مِثْلَ قَوْلِ مُطَرِّفٍ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ وَرَدَ بِنَصِّهِ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ.

طَلَبُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ نَقْضَ الْحُكْمِ:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ النَّقْضَ إِنْ كَانَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى - كَالطَّلاَقِ- نَقَضَهُ الْقَاضِي بِدُونِ طَلَبٍ، هَذَا فِيمَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، وَمَا لاَ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، فَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ الضَّمَانُ.

وَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ فَلاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي نَقْضُهُ إِلاَّ بِمُطَالَبَةِ صَاحِبِهِ.

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى ذَلِكَ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ تَعْرِيفُ الْخَصْمَيْنِ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ خَطَأٍ حَتَّى وَإِنْ عَلِمَا بِذَلِكَ، لأِنَّهُمَا قَدْ يَتَوَهَّمَانِ أَنَّهُ لاَ يُنْقَضُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سَائِرُ الأْصْحَابِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ خِلاَفًا لاِبْنِ سُرَيْجٍ الَّذِي قَالَ: إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُ الْخَصْمَيْنِ، فَإِنْ عَلِمَا وَتَرَافَعَا إِلَيْهِ نَقَضَ الْحُكْمَ.

 

صِيغَةُ النَّقْضِ:

صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ صِيغَةَ النَّقْضِ هِيَ: نَقَضْتُهُ، أَوْ فَسَخْتُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَأَبْطَلْتُهُ، وَلَوْ قَالَ: بَاطِلٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَوَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَقْضًا؛ إِذِ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ.

تَسْبِيبُ حُكْمِ النَّقْضِ:

 إِذَا نَقَضَ الْقَاضِي الْحُكْمَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي نَقَضَ الْحُكْمَ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِئَلاَّ يُنْسَبَ لِلْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِالنَّقْضِ الْجَوْرُ وَالْهَوَى بِنَقْضِهِ الأْحْكَامَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْقُضَاةُ.

تَسْجِيلُ حُكْمِ النَّقْضِ:

يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُسَجِّلَ النَّقْضَ كَمَا يُسَجِّلُ الْحُكْمَ؛ لِيَكُونَ تَسْجِيلُ الثَّانِي مُبْطِلاً لِلأْوَّلِ كَمَا صَارَ الثَّانِي نَاقِضًا لِلْحُكْمِ الأْوَّلِ.