موسوعة قانون المرافعات
ويجب أن يبين في المحضر بالدقة موضع الأرض وإسم الحوض ورقم القطعة ومساحتها وحدودها ونوع المزروعات أو نوع الأشجار وعددها وما ينتظر أن يحصد أو يجني أو ينتج منها وقيمته على وجه التقريب.
أنقص المشروع في المادة 354 منه الميعاد الوارد في المادة 419 من القانون القائم إلى خمسة وأربعين يوماً ليتناول حكمها معظم المزروعات التي لا تمكث في الأرض إلا فترة قصيرة وحذف جزاء البطلان الوارد فيها للتقليل من حالاته .
إذا كانت الثمار متصلة بأشجارها والمزروعات قائمة بأرضها، فلا يجوز توقيع الحجز عليها قضائياً قبل نضجها بأكثر من خمسة وأربعين يوماً عملاً بالمادة (354) من قانون المرافعات ، كما لا يجوز توقيع الحجز عليها إدارياً قبل نضجها بأكثر من خمسة وخمسين يوماً عملاً بالمادة الثامنة من قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 ورتب المشرع البطلان على مخالفة ما أوجبته المادة الأخيرة، وهو ما يفصح عن قصده في حالة المخالفة، ومن ثم ينصرف هذا البطلان على مخالفة المادة (354) من قانون المرافعات التي لم تبين الجزاء على مخالفتها ، إذ لا يساغ القول بأنه إذا توقع حجزان أحدهما قضائی والآخر إداري قبل نضج الثمار أو المحصول، يعتبر الأول صحيحاً بينما يكون الثاني باطلاً ، وهو تناقض ينزه الشارع عنه (قارن أبو الوفا بند 162 ويرى عدم بطلان الحجز إستناداً إلي أن العبارة الناهية أو النافية لم تعد تؤدي إلى البطلان).
ويحدد ميعاد النضج على وجه التقريب وللمحضر الإستعانة في ذلك برجال الإدارة الذين لهم دراية بالزراعة، ولا يلزم أن يتم النضج بعد إنقضاء الميعاد مباشرة فقد يجاوزه ببعض أيام، ويفصل قاضي التنفيذ في المنازعة المتعلقة بذلك دون معقب عليه طالما كان إستخلاصه سائغاً ، فقد يتوقع الحجز في جو معتدل تعقبه موجات شديدة الحرارة تعجل بنضج الثمار أو العكس مما يؤدي إلي تأخير النضج.
وسواء كان الحجز قضائياً أو إدارياً ، فإنه يجب أن يتضمن المحضر موضع الأرض واسم الحوض ورقم القطعة ومساحتها وحدودها ونوع المزروعات أو نوع الأشجار وعددها وما ينتظر أن يحصد أو يجني أو ينتج منها على وجه التقريب على أن يكال المحصول أو يوزن بعد جمعه ويثبت ذلك في محضر الحجز.
وإذا نضج المحصول قبل اليوم المحدد للبيع، جاز طلب الإذن بالجني أو الحصاد من قاضي التنفيذ بعريضة تقدم له من الحارس أو المدين أو الدائن سواء كان الحجز قضائيا أو إدارياً عملاً بالمادة (370) من قانون المرافعات وخلو قانون الحجز الإداري من نص ينظم تلك المسألة. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر، الصفحة : 196)
ومخالفة هذا النص لا يترتب عليه البطلان لأن المشرع لم ينص عليه. (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : السابع ، الصفحة : 439)
لا يترتب على مخالفة هذا النص البطلان لأن المشرع لم ينص عليه، فالبطلان في القانون الحالي لا يعتبر بطلاناً قانونياً إلا إذا نص - عليه المشرع صراحة، فالعبارة الناهية أو النافية في القانون الحالي لا تؤدي إلى البطلان القانوني. (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء : السادس ، الصفحة : 276 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 11
ثِمَارٌ
التَّعْرِيفُ:
- الثِّمَارُ لُغَةً جَمْعُ ثَمَرٍ، وَالثَّمَرُ: حَمْلُ الشَّجَرِ. وَيُطْلَقُ الثَّمَرُ أَيْضًا عَلَى أَنْوَاعِ الْمَالِ.
وَاصْطِلاَحًا: اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُسْتَطْعَمُ مِنْ أَحْمَالِ الشَّجَرِ. قَالَهُ صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ: الثَّمَرُ الْحَمْلُ الَّذِي تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ فَيُقَالُ: ثَمَرُ الأْرَاكِ وَالْعَوْسَجِ، كَمَا يُقَالُ ثَمَرُ الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ. قَالَ: وَفِي الْفَتْحِ: وَيَدْخُلُ فِي الثَّمَرَةِ الْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْمَشْمُومَاتِ، وَقَدْ عَرَّفَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِتَعْرِيفِ صَاحِبِ الْكُلِّيَّاتِ وَشَهَّرَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: الثِّمَارُ الْفَوَاكِهُ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْفَوَاكِهُ:
- الْفَوَاكِهُ لُغَةً أَجْنَاسُ الْفَاكِهَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ أَيِ التَّنَعُّمِ بِأَكْلِهِ وَالاِلْتِذَاذِ بِهِ
فَالْفَوَاكِهُ أَخَصُّ مِنَ الثِّمَارِ.
ب - الزُّرُوعُ:
- الزُّرُوعُ جَمْعُ زَرْعٍ وَهُوَ مَا اسْتُنِبْتَ بِالْبَذْرِ، سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ، يُقَالُ زَرَعَ الْحَبَّ يَزْرَعُهُ زَرْعًا وَزِرَاعَةً إِذَا بَذَرَهُ. وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ.
وَقِيلَ: الزَّرْعُ نَبَاتُ كُلِّ شَيْءٍ يُحْرَثُ.
بَيْعُ الثِّمَارِ:
- بَيْعُ الثِّمَارِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ظُهُورِهَا أَوْ بَعْدَهُ.
وَإِذَا بِيعَتْ بَعْدَ ظُهُورِهَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ ظُهُورِهَا:
- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ ظُهُورِهَا لأِنَّهَا مَعْدُومَةٌ. وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْغَرَرِ.
ب - بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْدَ ظُهُورِهَا وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ:
- بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا لاَ يَخْلُو مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، وَحِينَئِذٍ لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالإْجْمَاعِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ» وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ.
ثَانِيَتُهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِالإْجْمَاعِ. لأِنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا كَانَ خَوْفًا مِنْ تَلَفِ الثَّمَرَةِ وَحُدُوثِ الْعَاهَةِ عَلَيْهَا قَبْلَ أَخْذِهَا بِدَلِيلِ مَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى يَزْهُوَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ» وَهَذَا مَأْمُونٌ فِيمَا يُقْطَعُ فَصَحَّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ بَدَا صَلاَحُهُ.
ثُمَّ إِنَّ صِحَّةَ هَذَا الْبَيْعِ لَيْسَتْ عَلَى إِطْلاَقِهَا، بَلْ هِيَ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ، بَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَالَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ الاِنْتِفَاعُ، أَيْ أَنْ تَكُونَ الثِّمَارُ الْمَقْطُوعَةُ مُنْتَفَعًا بِهَا.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهَا عِنْدَ الْقَطْعِ، وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى مُطْلَقِ الاِنْتِفَاعِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَالِ، وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ لَكِنْ بِحَيْثُ لاَ يَزِيدُ وَلاَ يَنْتَقِلُ مِنْ طَوْرِهِ إِلَى طَوْرٍ آخَرَ.
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ هُمَا: الْحَاجَةُ، وَعَدَمُ التَّمَالُؤِ. وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْحَاجَةُ مُتَعَلِّقَةً بِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ بِكِلَيْهِمَا. وَالْمُرَادُ بِالتَّمَالُؤِ اتِّفَاقُهُمْ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، فَإِنْ تَمَالأَ عَلَيْهِ الأْكْثَرُ بِالْفِعْلِ مُنِعَ.
وَشَرَطَ الْحَنَابِلَةُ أَنْ لاَ يَكُونَ الثَّمَرُ مَشَاعًا، بِأَنْ يَشْتَرِيَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا مَشَاعًا؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ قَطْعُ مَا يَمْلِكُهُ إِلاَّ بِقَطْعِ مَا لاَ يَمْلِكُهُ. وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
ثَالِثَتُهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا - أَيْ لاَ يَذْكُرُ قَطْعًا وَلاَ تَبْقِيَةً - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ لإِطْلاَقِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ مُنْتَفَعًا بِهِ أَوْ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ، فَقَالُوا: إِنْ كَانَ الثَّمَرُ بِحَالٍ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الأْكْلِ، وَلاَ فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ عَلَى خِلاَفٍ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ مَا إِذَا بِيعَ الثَّمَرُ مَعَ الأْصْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الشَّجَرِ؛ لأِنَّهُ إِذَا بِيعَ مَعَ الأْصْلِ دَخَلَ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ فَلَمْ يَضُرَّ احْتِمَالُ الْغَرَرِ فِيهِ، كَمَا احْتُمِلَتِ الْجَهَالَةُ فِي بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ مَعَ الشَّاةِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ مَعَ التَّمْرِ؛ وَلأِنَّ الثَّمَرَةَ هُنَا تَبَعٌ لِلأْصْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ.
وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ كَذَلِكَ بَيْعَ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ إِذَا أُلْحِقَ بِأَصْلِهِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الإْلْحَاقُ قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا.
ج - بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ:
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ قَطْعِهَا، وَبِشَرْطِ إِبْقَائِهَا، لأِنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا. فَيَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلٍّ مِنَ الأَْحْوَالِ الثَّلاَثَةِ. وَالْفَارِقُ أَمْنُ الْعَاهَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ غَالِبًا لِغِلَظِهَا وَكِبَرِ نَوَاهَا. وَقَبْلَهُ تُسْرِعُ إِلَيْهِ لِضَعْفِهِ فَيَفُوتُ بِتَلَفِهِ الثَّمَنُ.
ثُمَّ إِنَّ مَعْنَى بُدُوِّ الصَّلاَحِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ، فَبُدُوُّ الصَّلاَحِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ ظُهُورُ مَبَادِئِ النُّضْجِ وَالْحَلاَوَةِ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَيَلِينَ فِيمَا لاَ يَتَلَوَّنُ، وَأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ، أَوْ السَّوَادِ، أَوْ الصُّفْرَةِ فِيمَا يَتَلَوَّنُ. وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ تُؤْمَنَ الْعَاهَةُ وَالْفَسَادُ.
بَيْعُ الثِّمَارِ الْمُتَلاَحِقَةِ الظُّهُورِ:
- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الثِّمَارِ الْمُتَلاَحِقَةِ الظُّهُورِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ لأِنَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا مَعْدُومٌ، «وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الإْنْسَانِ»، وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، ثُمَّ هِيَ ثَمَرَةٌ لَمْ تُخْلَقْ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَمَا لَوْ بَاعَهَا قَبْلَ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَا لَوْ حَصَلَ الاِخْتِلاَطُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فِيمَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّلاَحُقُ وَالاِخْتِلاَطُ، أَوْ فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لاَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَبِيعِ؛ وَلإِمْكَانِ تَسْلِيمِهِ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْجَازَةِ؛ لأِنَّ الاِخْتِلاَطَ عَيْبٌ حَدَثَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ.
وَذَهَبَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْجَوَازِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ فَجُعِلَ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَبَعًا لِمَا ظَهَرَ، كَمَا أَنَّ مَا لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ تَبَعٌ لِمَا بَدَا.
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَصَرُوا الْجَوَازَ عَلَى الثِّمَارِ الْمُتَتَابِعَةِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بَيْعُ سَائِرِ الْبُطُونِ بِبُدُوِّ صَلاَحِ الأْوَّلِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّانِي بِصَلاَحِ الأْوَّلِ اتِّفَاقًا.
وَالْحَنَفِيَّةُ إِنَّمَا أَجَازُوا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ. قَالُوا: وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا رَخَّصَ فِي السَّلَمِ لِلضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَعْدُومِ فَحَيْثُ تَحَقَّقَتِ الضَّرُورَةُ هُنَا أَيْضًا أَمْكَنَ إِلْحَاقُهُ بِالسَّلَمِ بِطَرِيقِ الدَّلاَلَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مُصَادِمًا لِلنَّصِّ، فَلِذَا جَعَلُوهُ مِنَ الاِسْتِحْسَانِ، وَمَا ضَاقَ الأْمْرُ إِلاَّ اتَّسَعَ، وَلاَ يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسَوِّغٌ لِلْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
مِلْكِيَّةُ الثِّمَارِ عِنْدَ بَيْعِ الشَّجَرِ:
- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الثِّمَارِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الشَّجَرِ عِنْدَ بَيْعِهِ، هَلْ هِيَ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالأْوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ لَهُ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: « مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَلأِنَّ هَذَا نَمَاءٌ لَهُ حَدٌّ، فَلَمْ يَتْبَعْ أَصْلَهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا لاَ يَتْبَعُ الزَّرْعَ فِي الأْرْضِ. وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِ الثَّمَرِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ صَلاَحُهُ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي، وَتَسْلِيمِ الشَّجَرِ عِنْدَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ؛ لأِنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَارِغًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: هِيَ لِلْمُشْتَرِي وَذَلِكَ لأِنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالأْصْلِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ، فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهُ كَالأْغْصَانِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ مُؤَبَّرًا أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ: فَقَرَّرُوا أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَهِيَ لَهُ مُؤَبَّرَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّأْبِيرَ حَدًّا لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِلثَّمَرَةِ، فَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ حَدًّا، وَلاَ كَانَ ذِكْرُ التَّأْبِيرِ مُفِيدًا؛ وَلأِنَّهُ نَمَاءٌ كَامِنٌ لِظُهُورِهِ غَايَةٌ، فَكَانَ تَابِعًا لأِصْلِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ، وَغَيْرَ تَابِعٍ لَهُ بَعْدَ ظُهُورِهِ كَالْحَمْلِ فِي الْحَيَوَانِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ مَنَعُوا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ الثَّمَرَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ، وَذَلِكَ لأِنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ لَهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ بِشَرْطِ التَّرْكِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْبَائِعِ الثَّمَرَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ، بِأَنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَ بُسْتَانًا وَاسْتَثْنَى نَخْلَةً بِعَيْنِهَا، وَلأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ» وَلأِنَّهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَصَحَّ اشْتِرَاطُهُ لِلثَّمَرَةِ كَالْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَ الأْصْلُ بِالاِتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ».
- ثُمَّ إِنَّ الْجُمْهُورَ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي حَالَةِ مَا إِذَا أُبِّرَ بَعْضُ الشَّجَرِ دُونَ بَعْضٍ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا كُلَّهَا لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ أُبِّرَتْ كُلُّهَا لِمَا فِي تَتَبُّعِ ذَلِكَ مِنَ الْعُسْرِ، وَلأِنَّا إِذَا لَمْ نَجْعَلِ الْكُلَّ لِلْبَائِعِ أَدَّى إِلَى الإْضْرَارِ بِاشْتِرَاكِ الأْيْدِي فِي الْبُسْتَانِ، فَيَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَبَعًا لِمَا أُبِّرَ، كَثَمَرَةِ النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ تَأْبِيرَ بَعْضِ النَّخْلَةِ يَجْعَلُ جَمِيعَ ثَمَرِهَا لِلْبَائِعِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا أُبِّرَ فَلِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَلِلْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَا تَشَقَّقَ أَوْ غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَبَّرُ النِّصْفَ وَمَا قَارَبَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَالْعَقْدُ حِينَئِذٍ عَلَى الأْصُولِ لاَ يَتَنَاوَلُ تِلْكَ الثَّمَرَةَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّ التَّأْبِيرَ كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ إِنْ نَازَعَهُ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى حُدُوثَهُ بَعْدَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ النِّصْفَ أَوْ مَا قَارَبَهُ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ أَيْ إِنَّ مَا أُبِّرَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا إِذَا كَانَ النِّصْفُ مُعَيَّنًا بِأَنْ كَانَ مَا أُبِّرَ فِي نَخَلاَتٍ بِعَيْنِهَا، وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي نَخَلاَتٍ بِعَيْنِهَا. وَأَمَّا إِنْ كَانَ النِّصْفُ الْمُؤَبَّرُ شَائِعًا فِي كُلِّ نَخْلَةٍ، وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ شَائِعًا، فَفِيهِ عِنْدَهُمْ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: كُلُّهُ لِلْبَائِعِ، وَقِيلَ: كُلُّهُ لِلْمُبْتَاعِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي تَسْلِيمِهِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ وَفِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، وَقِيلَ: إِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِرِضَا أَحَدِهِمَا بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ لِلآْخَرِ. قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ وَشَيْخُهُ الْعَدَوِيُّ.
- ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَقْصُودِ بِالتَّأْبِيرِ هُنَا، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّأْبِيرِ هُنَا هُوَ بُرُوزُ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَتَمَيُّزُهَا عَنْ أَصْلِهَا وَذَلِكَ فِي غَيْرِ النَّخْلِ مِنَ الثِّمَارِ. وَأَمَّا فِي النَّخْلِ فَهُوَ تَعْلِيقُ طَلْعِ الذَّكَرِ عَلَى الأْنْثَى. وَلَمْ يُخَالِفِ الشَّافِعِيَّةُ الْمَالِكِيَّةَ فِي مَعْنَى التَّأْبِيرِ الْمُضَافِ لِلنَّخْلِ، وَفَصَّلُوا فِي غَيْرِهِ مِنَ الثِّمَارِ.
فَقَالُوا: إِنْ كَانَ الثَّمَرُ بِلاَ نَوْرٍ، كَتِينٍ وَعِنَبٍ فَالاِعْتِبَارُ بِالْبُرُوزِ، فَإِنْ بَرَزَ الثَّمَرُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرُزْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي.
وَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ بِنَوْرٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْبَائِعِ وَهِيَ أَنْ يَسْقُطَ النَّوْرُ وَتَكُونَ الثَّمَرَةُ بَارِزَةً فَهِيَ حِينَئِذٍ لِلْبَائِعِ، أَمَّا إِنْ سَقَطَ النَّوْرُ وَلَمْ تَنْعَقِدِ الثَّمَرَةُ، أَوِ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَسْقُطِ النَّوْرُ فَهِيَ حِينَئِذٍ لِلْمُشْتَرِي، لأِنَّهَا فِي حَالَةِ سُقُوطِ النَّوْرِ وَعَدَمِ انْعِقَادِهَا كَالْمَعْدُومَةِ، وَفِي حَالَةِ انْعِقَادِهَا وَعَدَمِ سُقُوطِ النَّوْرِ كَالطَّلْعِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ؛ لأِنَّ اسْتِتَارَهَا بِالنَّوْرِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِتَارِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بِأَكْمَامِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّأْبِيرِ هُنَا هُوَ ظُهُورُ الثَّمَرِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ فِي غَيْرِ النَّخْلِ. وَأَمَّا فِي النَّخْلِ فَهُوَ تَشَقُّقُ طَلْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَبَّرْ، فَالْحُكْمُ عِنْدَهُمْ مَنُوطٌ بِالتَّشَقُّقِ.
وَضْعُ الْجَوَائِحِ فِي الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ:
- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ فِي الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ، فَإِذَا تَلِفَتِ الثِّمَارُ بِجَائِحَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، سَوَاءٌ أَتَتِ الْجَائِحَةُ عَلَى كُلِّ الثِّمَارِ أَمْ بَعْضِهَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ».
ثُمَّ إِنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِوَضْعِ الْجَوَائِحِ أَنْ تُصِيبَ الْجَائِحَةُ ثُلُثَ الثِّمَارِ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ أَصَابَتْ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ لَمْ يُوضَعْ عَنِ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتُهَا بَعْدَ حَطِّ مَا أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْجَائِحَةَ مِنَ الْعَطَشِ فَيُوضَعُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ بَلَغَتِ الثُّلُثَ أَمْ لاَ.
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجَائِحَةُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا. فَقَالُوا: إِنْ تَلِفَتِ الثِّمَارُ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا أَتَتِ الْجَائِحَةُ عَلَى كُلِّ الثِّمَارِ، أَمَّا إِذَا أَتَتْ عَلَى بَعْضِهَا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنَ الْعَقْدِ بِقَدْرِ التَّالِفِ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي.
وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِقَبْضِهِ بِالتَّخْلِيَةِ.
قَالُوا: وَالأْمْرُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الأْدِلَّةِ.