موسوعة قانون المرافعات

شرح خبراء القانون

يجري البيع بالمزاد العلني بمناداة المحضر، ولمن رسي عليه المزاد دفع الثمن فوراً ويثبت بمحضر البيع جرد الأشياء المحجوزة، وما يكون قد نقص منها، وإجراءات المزاد واسم الراسي عليه المزاد والمبلغ الذي تم البيع به والوفاء به فور رسو المزاد، فإن لم يدفع الأخير الثمن فوراً أثبت ذلك في المحضر وأعاد المحضر البيع على ذمة الراسي عليه المزاد وتكون إعادة البيع بالمزاد بأي ثمن يرسو به، فإن كان أقل من الثمن السابق التزم الراسي عليه المزاد الأول بالفرق ويكون محضر البيع سنداً تنفيذياً للتنفيذ بموجبه بهذا الفرق، أما إذا أعيد البيع بذات الثمن الذي كان قد رسا به المزاد الأول، أو بثمن أكبر، فلا يجوز الرجوع على الأخير بشيء.

وإذا امتنع الراسي عليه المزاد عن الوفاء بالثمن ولم يبادر المحضر بإعادة البيع علي ذمته ، التزام المحضر بالثمن الذي كان قد رسا به المزاد ويعتبر محضر البيع سنداً تنفيذياً للتنفيذ بموجبه علي المحضر.

ويجري البيع في المكان الذي توجد فيه الأشياء المحجوزة، ويجوز للمحضر ولو من تلقاء نفسه إجراء البيع في أقرب سوق دون حاجة لاستئذان قاضي التنفيذ، وإذا أراد الدين أو الدائن إجراء البيع في مكان آخر، جاز تقديم عريضة بذلك إلى قاضي التنفيذ ليأمر بذلك بعد الإعلان عنه باللصق والنشر أو باللصق فقط حسب الأحوال. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء العاشر، الصفحة :  243)

لا يتقيد معاون التنفيذ بحد معين يجب أن يبلغه ثمن الأشياء المعروضة للبيع بل يوقعه بأكبر عطاء أيا كان علي أن يراعي الاستثناء الوارد في المادة 385 (التنفيذ الدكتور أبو الوفا ص 465) . (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء السابع ، الصفحة : 478 )

كيفية إجراء البيع :

حتى يقوم المعاون بإجراء البيع لابد أن يقدم له الدائن الحاجز طلباً بذلك، وحكمة ذلك أنه إذا لم يطلب الدائن الحاجز إجراء البيع فقد يكون قد استوفي حقه أو اتفق مع المحجوز عليه على تأجيل البيع، وإذا تعددت الحجوز على ذات المنقول فإن الحاجز الأول وحده هو الذي يباشر الإجراءات حتى لا تتعارض ولذلك له وحده أن يطلب البيع في اليوم المحدد. ولكن خشية من أن يكون الحاجز الأول قد استوفى حقه أو اتفق مع المحجوز عليه على عدم طلب البيع أضراراً بغيره من الحاجزين فإن القانون ينص على أنه إذا لم يطلب الحاجز الأول إجراء البيع في اليوم المحدد له فلكل حاجز آخر أن يحل محله في مباشرة الإجراءات وأن يطلب إجراء البيع وذلك بعد اتخاذ إجراءات اللصق والنشر، ويجب عليه في هذه الحالة أن يعلن الشهادة المثبتة للصق إلى المدين المحجوز عليه وإلى الدائن الذي كان يباشر الإجراءات وذلك قبل البيع بيوم واحد على الأقل مادة 392 مرافعات .

ويجرى البيع بالمزاد العلني بشرط دفع الثمن فوراً، وحكمة المزاد العلني أنه يخشى أن ينتهز المشتري فرصة بيع المال جبراً عن صاحبه فيقدم له ثمناً بخساً، إذ يكفل المزاد العلني زيادة عدد المتقدمين للشراء والمنافسة بينهم مما يؤدي إلى رفع الثمن إلى أقصى حد ممكن وفي هذا مصلحة للدائنين والمدين المحجوز عليه، وذلك فضلاً عن أن علانية إجراءات البيع تتيح الرقابة على هذه الإجراءات، وتحول دون التلاعب أو محاباة بعض الأشخاص في الشراء.

ويجب ألا يبدأ المعاون في البيع إلا بعد أن يجرد الأشياء المحجوزة ويحرر محضراً بذلك يبين فيه ما يكون قد نقص منها، ويترتب على هذا الجرد إعفاء الحارس من مسئوليته إذا كانت كل المنقولات المحجوزة كما هي ولم يحدث بها تغيير أو نقص، وإذا حدث ولم يقم المعاون بهذا الجرد فإنه لا يترتب عليه بطلان البيع وإنما يستطيع ذو الشأن الرجوع على المعاون بالتعويض إن كان له مبرر.

ويتم البيع إلى من يتقدم بأكبر عطاء فيقرر المحضر لرسو المزاد عليه، وفي هذه الحالة يجب أن يدفع من أوقع المزاد عليه الثمن فوراً وإلا وجبت إعادة البيع في الحال على ذمته بأي ثمن كان، وإذا كان الثمن الجديد أقل من الثمن الأول ألزم الراسي عليه المزاد أولًا والذي نكل عن دفع الثمن فوراً بالفرق كاملاً ويعتبر محضر البيع سنداً تنفيذياً بفرق الثمن.. ولكن إذا كان الثمن الجديد يزيد على الثمن الأول فإن الزيادة تكون للمدين المحجوز عليه، وإذا لم يقم المعاون باستيفاء باقي الثمن من المزايد الأول الناكل عن دفع الثمن كان محضر البيع الثانی سنداً تنفيذياً ضد المعاون لتحصيل فرق الثمن منه، كذلك إذا لم يقم المعاون فوراً بإعادة المزاد على ذمة المشتري الناكل، فإن المعاون نفسه يكون مسئولاً عن ذلك أيضاً.

وينبغي ملاحظة أن المعاون لا يبدأ المزايدة بالمناداة على ثمن اساسی بل يترك الأمر لراغبي الشراء، وعلى ذلك يبدأ أول شخص بأى ثمن ثم يليه المزايدون، ولا يشترط أن يكون الثمن الذي تبدأ به المزايدة مساوياً للثمن المحدد في محضر الحجز، كذلك لم يحدد القانون الفترة الزمنية التي يبقى فيها العطاء لكي يقرر رسوه بل يرجع ذلك إلى تقدير المعاون.

كذلك يلاحظ أنه لا يجب أن يرسو المزاد بثمن معين إذ لا يتقيد المعاون بحد معين يجب أن يبلغه ثمن الأشياء المعروضة للبيع بل يوقعه بأكبر عطاء أياً كان، ولكن إذا تعلق الأمر بمنقولات مسعرة تسعيراً جبرياً سواء بتحديد ثمن لها أو بتحديد ربح فيها لايجوز تجاوزه، فإنه يجب على المحضر إرساء المزاد بمجرد تقديم عطاء بالسعر الجبري، إذ لا ینبغی أن تم البيع الجبري بأكثر من التسعيرة حتى لا تشارك الدولة في مخالفة التسعيرة الجبرية، كما أنه بالنسبة للمصوغات والسبائك الذهبية أو الفضية لايجوز بيعها بأقل من الثمن المقدر لها بمعرفة أهل الخبرة، وإذا لم يتقدم أحد لشرائها بهذا الثمن فإنها تحفظ في خزانة المحكمة ويستوفي الدائنون حقوقهم منها عيناً مادة 385 مرافعات.

ويجب أن يثبت المعاون جراء البيع في محضر يسمى محضر البيع يشتمل على ذكر جميع إجراءات البيع وما لقيه المعاون أثناءها من الاعتراضات والعقبات وما اتخذه في شأنها وحضور المحجوز عليه أو غيابه والثمن الذي رسا به المزاد وعلى اسم من رسا عليه وتوقيعه مادة 391 مرافعات.

ومحضر البيع يجب أن يشتمل أيضاً على كافة البيانات العامة الواجب توافرها في أوراق المحضرين ويبطل إذا لم يشتمل عليها عملاً بالمادة 19 من قانون المرافعات، كما يبطل إذا شابه عيب جوهرى لم تتحقق بسببه الغاية التي قصد القانون حمايتها بما أوجبه وحصلت فيه المخالفة، كما إذا لم يشتمل على الثمن الذي رسا به المزاد أو لم يشتمل على اسم من رسا عليه أو لم يشتمل على الإجراءات التي اتخذها المعاون وهو بسبيل إجراء المزاد، ولايبطل إذا لم يشتمل على توقيع من رسا عليه المزاد، بشرط أن يذكر سبب الامتناع عن التوقيع وبشرط أن يكون المعاون قد أثبت في محضره جميع الإجراءات التي اتخذها وهو بسبيل إجراء المزاد لكي تنبعث الثقة في إجراءات المعاون وترتفع عنها الشبهات.  

ويلاحظ أنه إذا لم يتقدم أحد للشراء في يوم المزاد فإنه يجب على المعاون أن يؤجل البيع إلى يوم آخر ويجزى اللصق والنشر ثم تجري المزايدة في اليوم الذي حدده المعاون، وبالنسبة للحلي والمجوهرات والأحجار الكريمة والأشياء المقومة (وفقاً للمادة 386) إذا لم يتقدم أحد لشرائها فإن أجل بيعها يمتد إلى اليوم التالى إذا لم يكن يوم عطلة، فإذا لم يتقدم مسشتر بالقيمة المقدرة أجل البيع إلى يوم أخر و أعيد النشر واللصق، وعندئذ تباع لمن يرسو عليه المزاد ولو بثمن أقل مما قومت به. (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء / السادس ،  الصفحة :  327)

 

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العاشر ، الصفحة / 149

النِّدَاءُ:

النِّدَاءُ بِمَعْنَى: الدُّعَاءِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِمَا لَهُ مَعْنًى فَالنِّدَاءُ وَالتَّثْوِيبُ يَتَّفِقَانِ فِي الدُّعَاءِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ، لَكِنَّ النِّدَاءَ أَعَمُّ مِنَ التَّثْوِيبِ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس عشر ، الصفحة / 25

ثَمَنٌ

التَّعْرِيفُ:

الثَّمَنُ لُغَةً: مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشَّيْءُ. وَفِي الصِّحَاحِ: الثَّمَنُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: ثَمَنُ كُلِّ شَيْءٍ قِيمَتُهُ.

قَالَ الزَّبِيدِيُّ: قَالَ شَيْخُنَا: اشْتُهِرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرَاضِي وَلَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ عَنْ الْوَاقِعِ، وَالْقِيمَةُ مَا يُقَاوِمُ الشَّيْءَ، أَيْ: يُوَافِقُ مِقْدَارَهُ فِي الْوَاقِعِ وَيُعَادِلُهُ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: الثَّمَنُ اسْمٌ لِمَا يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ سِلْعَةً، وَكُلُّ مَا يُحَصَّلُ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ فَهُوَ ثَمَنُهُ.

وَالثَّمَنُ هُوَ: مَبِيعٌ بِثَمَنٍ.

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَالثَّمَنُ، مَا يَكُونُ بَدَلاً لِلْمَبِيعِ وَيَتَعَيَّنُ فِي الذِّمَّةِ، وَتُطْلَقُ الأْثْمَانُ أَيْضًا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْقِيمَةُ:

الْقِيمَةُ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ.

وَالثَّمَنُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ.

فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الْقِيمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَالثَّمَنُ الْمُتَرَاضَى عَلَيْهِ قَدْ يُسَاوِي الْقِيمَةَ أَوْ يَزِيدُ عَنْهَا أَوْ يَنْقُصُ وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ أَحْكَامِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي (الْقِيمَةُ).

ب - السِّعْرُ:

السِّعْرُ هُوَ الثَّمَنُ الْمُقَدَّرُ لِلسِّلْعَةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ مَا يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ أَمَّا السِّعْرُ فَهُوَ مَا يَطْلُبُهُ الْبَائِعُ.

 

الثَّمَنُ مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ:

اتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ (وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ) مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ هُوَ الصِّيغَةُ فَقَطْ (الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ) أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ أَحَدُ جُزْأَيْ مَحَلِّ عَقْدِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ (الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ) وَلَيْسَ الْمَحَلُّ رُكْنًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا تَفَاسَخَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ، كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الْبَائِعُ الَّذِي قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَرَضًا كَانَ أَوْ نَقْدًا، ثَمَنًا كَانَ أَوْ قِيمَةً؛

لأِنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ. فَكَانَ لَهُ وِلاَيَةُ أَنْ لاَ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ.

وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فِي حَالَةِ التَّفَاسُخِ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِحَبْسِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لأِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ، فَكَذَا يُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

شُرُوطُ الثَّمَنِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَأَنْ يَكُونَ مَالاً، وَمَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي، وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَمَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

 

الشَّرْطُ الأْوَّلُ - تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ:

تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ حِينَ الْبَيْعِ لاَزِمَةٌ، فَلَوْ بَاعَ بِدُونِ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا؛ لأِنَّ الْبَيْعَ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ، إِذْ لاَ مُبَادَلَةَ حِينَئِذٍ، وَمَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ، كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ.

فَإِذَا بِيعَ الْمَالُ وَلَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حَقِيقَةً، كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ مَجَّانًا أَوْ بِلاَ بَدَلٍ فَيَقُولَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ، فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ.

وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حُكْمًا، كَأَنْ يَقُولَ إِنْسَانٌ لآِخَرَ: بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِالأْلْفِ الَّتِي لَكَ فِي ذِمَّتِي، فَيَقْبَلُ الْمُشْتَرِي، مَعَ كَوْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَعْلَمَانِ أَنْ لاَ دَيْنَ، فَالْبَيْعُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ أَيْضًا، وَيَكُونُ الشَّيْءُ هِبَةً فِي الصُّورَتَيْنِ.

وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَسْكُوتًا عَنْهُ حِينَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا سَكَتَ الْبَائِعُ عَنِ الثَّمَنِ كَانَ مَقْصِدُهُ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: بِعْتُ مَا لِي بِقِيمَتِهِ، وَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُجْمَلَةً يَجْعَلُ الثَّمَنَ مَجْهُولاً فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا.

وَبَيْعُ التَّعَاطِي صَحِيحٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لأِنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ مَعْلُومَانِ فِيهِ، وَالتَّرَاضِي قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَةٌ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى الصَّدَاقِ: الصَّدَاقُ نِحْلَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَرَضَهَا لِلزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لاَ عَنْ عِوَضٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَفْتَقِرْ عَقْدُ النِّكَاحِ إِلَى تَسْمِيَةٍ، وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ ثَمَنًا لِلْبُضْعِ حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ النِّكَاحُ دُونَ تَسْمِيَةٍ، كَالْبَيْعِ الَّذِي لاَ يَنْعَقِدُ إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ قَالَ النَّوَوِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَالِ الْعَقْدِ، فَيَقُولَ: بِعْتُكَ كَذَا بِكَذَا، فَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا، فَقَالَ الْمُخَاطَبُ: اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا بِلاَ خِلاَفٍ، وَلاَ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: يَكُونُ هِبَةً.

وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ بِلاَ ثَمَنٍ، أَوْ لاَ ثَمَنَ لِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ وَقَبَضَهُ فَلَيْسَ بَيْعًا، وَفِي انْعِقَادِهِ هِبَةً قَوْلاَ تَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ هِبَةً، أَوْ اللَّفْظَ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَقَدْ جَاءَ فِي الإْنْصَافِ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ حَالَ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الأْصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْلِ كَالنِّكَاحِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي - كَوْنُ الثَّمَنِ مَالاً:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ لاِنْعِقَادِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوِّمًا.

لأِنَّ الْبَيْعَ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي.

وَالْمَالُ هُوَ مَا يَمِيلُ إِلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْمَالِيَّةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِتَمَوُّلِ النَّاسِ كَافَّةً أَوْ بَعْضِهِمْ.

وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهَا وَبِإِبَاحَةِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا. فَمَا يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ بِدُونِ تَمَوُّلِ النَّاسِ لاَ يَكُونُ مَالاً، كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ. وَمَا يَكُونُ مَالاً بَيْنَ النَّاسِ، وَلاَ يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ لاَ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا، كَالْخَمْرِ. وَإِذَا عُدِمَ الأْمْرَانِ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالدَّمِ.

فَالْمَالُ أَعَمُّ مِنَ الْمُتَقَوِّمِ؛ لأِنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ كَالْخَمْرِ، وَالْمُتَقَوِّمُ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ مَعَ الإْبَاحَةِ. فَالْخَمْرُ مَالٌ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، فَلِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِجَعْلِهَا ثَمَنًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلاً بِجَعْلِهَا مَبِيعًا؛ لأِنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ وَسِيلَةٌ إِلَى الْمَقْصُودِ، إِذْ الاِنْتِفَاعُ بِالأْعْيَانِ لاَ بِالأْثْمَانِ، وَلِهَذَا اشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَبِهَذَا الاِعْتِبَارِ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ بِمَنْزِلَةِ آلاَتِ الصُّنَّاعِ.

وَمِنْ هَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ، لَكِنَّ الأْصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ، وَلِذَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، وَيَنْفَسِخُ بِهَلاَكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ.

وَالتَّقَوُّمُ فِي الثَّمَنِ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَفِي الْمَبِيعِ شَرْطُ انْعِقَادٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الثَّمَنِ:

أَنْ يَكُونَ مَالاً طَاهِرًا، فَلاَ يَصِحُّ مَا نَجَاسَتُهُ أَصْلِيَّةٌ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأْصْنَامِ».

وَقِيسَ عَلَيْهَا مَا فِي مَعْنَاهَا. وَلاَ يَصِحُّ مَا هُوَ مُتَنَجِّسٌ لاَ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَسَمْنٍ وَلَبَنٍ تَنَجَّسَ. وَأَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا وَلَوْ فِي الْمَالِ كَالْبَهِيمَةِ الصَّغِيرَةِ. فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ، لأِنَّهُ لاَ يُعَدُّ مَالاً، كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لاَ نَفْعَ فِيهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَالاً.

وَالْمَالُ شَرْعًا: (مَا يُبَاحُ نَفْعُهُ مُطْلَقًا، وَيُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ بِلاَ حَاجَةٍ) فَخَرَجَ: مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ أَصْلاً كَبَعْضِ الْحَشَرَاتِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلْحَاجَةِ كَالْكَلْبِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ، وَخَمْرٍ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا.

 
 

التعليقات معطلة.