موسوعة قانون المرافعات
التنفيذ على العقار
الفرع الأول
التنبيه بنزع ملكية العقار وإنذار الحائز وتسجيلها
يبدأ التنفيذ بإعلان التنبيه بنزع ملكية العقار إلى المدين لشخصه أو لموطنه مشتملاً على البيانات الآتية:
1 - بيان نوع السند التنفيذي وتاريخه ومقدار الدين المطلوب الوفاء به وتاريخ إعلان السند.
2 - إعذار المدين بأنه إذا لم يدفع الدين يسجل التنبيه ويباع عليه العقار جبراً.
3- وصف العقار مع بيان موقعه ومساحته وحدوده وأرقام القطع وأسماء الأحواض وأرقامها التي يقع فيها وغير ذلك مما يفيد في تعيينه وذلك بالتطبيق لقانون الشهر العقاري.
وللدائن أن يستصدر بعريضة أمر بالترخيص لمعاون التنفيذ بدخول العقار للحصول على البيانات اللازمة لوصف العقار ومشتملاته، وله أن يستصحب من يعاونه في ذلك، ولا يجوز التظلم من هذا الأمر.
4 - تعيين موطن مختار للدائن المباشر للإجراءات في البلدة التي بها مقر محكمة التنفيذ.
وإذا لم تشتمل ورقة التنبيه على البيانين 1 ، 3 من هذه المادة كانت باطلة. فإذا كان التنفيذ على عقار مرهون من غير المدين أعلن التنبيه إلى الراهن بعد تكليف المدين بالوفاء وفقاً للمادة 281.
التنفيذ على العقار :
وفي إجراءات التنفيذ على العقار عمد المشروع إلى تبسيط الإجراءات واختصار خطواته وضغط المدد التي تستغرقها .
فأدمج مراحل التنبيه بنزع الملكية وتوجيه الإجراءات إلى الكفيل العيني (المادة 401 من المشروع).
ولم يشترط مضى مدة معينة بين إعلان التنبيه وتسجيله أو بين تسجيل التنبيه وإيداع قائمة شروط البيع فأصبح مكنة الدائن أن يعلن التنبيه ويسجله ويودع القائمة في ذات اليوم في حين أن القانون الحالي يستلزم مضى 90 يوماً بين تسجيل التنبيه وإيداع القائمة (المادة 414 من المشروع) .
واستلزم المشروع من جهة أخرى أن يتم إيداع قائمة شروط البيع خلال تسعين يوماً من تاريخ تسجيل التنبيه والا اعتبر هذا التسجيل كان لم يكن في حين يمتد هذا الميعاد في القانون القائم إلى 240 يوماً (المادة 414 من المشروع).
وادمج المشروع مراحل رسو المزاد والزيادة بالعشر واعادة البيع على مسئولية المشتري المتخلف بأن ألزم القاضي بالتحقيق من إعلان من يلزم إعلانه بإيداع القائمة وبجلسة البيع مادة 435 من المشروع وخصص الجلسة الأولى المحددة للبيع لاعتماد أکبر عطاء وايقاع البيع على صاحبه إذا ادی کامل الثمن والا اجل البيع لمرة واحدة مدة ثلاثين يوماً وخصصت الجلسة الثانية للزيادة على العطاء المعتمد وأوجب على من يعتمد عطاؤه أن يودع كامل الثمن حتى يحكم بإيقاع البيع عليه (المادتان 440 ، 441 من المشروع) وبذلك تجنب المشروع طول إجراءات القانون الحالي الذي يجيز لكل شخص التقرير بالزيادة بالعشر على الثمن الراسي به المزاد خلال عشرة الأيام التالية لرسو المزاد كما يجيز ذلك لمن لم يعلم من الدائنين بايداع قائمة شروط البيع أو بجلسة البيع في خلال ستين يوماً من تاريخ اخباره رسو المزاد ولا يستلزم من الراسي عليه المزاد دفع كامل الثمن ومن ثم يجيز إعادة البيع على مسئوليته عند عدم السداد .
وبذلك ضغط المشروع المدة التي تستغرقها إجراءات التنفيذ بأن لم يستلزم مضى أية مدة بين إعلان التنبيه وإيداع القائمة والأخبار بإيداعها والتأشير بذلك على هامش التسجيل ومن جهة أخرى اختصر الحد الأقصى للمدة التي تستغرقها الإجراءات فجعلها لا تتجاوز الأربعة الشهور في حين تصل في القانون الحالي إلى ما يزيد على العام .
استحدث المشروع الحكم الوارد في الفقرة الأخيرة من المادة 401 منه لمعالجة حالة التنفيذ على عقار الكفيل العيني التي لم يورد القانون القائم تنظيماً لها ولم يرى المشروع الأخذ بما ذهبت إليه بعض التشريعات الأجنبية كالتشريع الإيطالي المواد 602 إلى 604 من تطبيق قواعد التنفيذ في مواجهة حائز العقار على حالة الكفيل العيني ذلك أن حائز العقار قد انتقلت إليه ملكية العقار من المدين أما عقار الكفيل العيني فلم يكن قط مملوكاً للمدين فمن العبث تسجيل تنبيه نزع الملكية بإسم المدين أن لا علاقة للمدين به ولا يتصور أن يتعامل فيه مع أحد ومن ناحية اخرى فان حماية الغير تقتضي ألا يكون العقار محجوزاً إلا بإجراء مشهر بإسم الكفيل العيني ذلك أنه لو سجل التنبيه بإسم المدين واعتبر العقار بهذا محجوزاً فإن الغير قد يشترى العقار من الكفيل العيني دون أن يكون في استطاعته أن يعلم بسبق الحجز عليه لهذا رئي أن يكون التنفيذ بتنبيه نزع الملكية وتسجيل التنبيه باسم الكفيل العيني دون أن يكون في استطاعته أن يعلم بسبق الحجز عليه آثار الحجز على أنه يجب تكليف المدين قبل هذا بالوفاء لأنه هو المسئول شخصياً عن الدين .
حذف المشروع في المادة 401 منه من البيان الأول من بيانات تنبيه نزع الملكية الواردة في المادة 610 المقابلة لها في القانون القائم عبارة فإن لم يكن قد أعلن به وجب إعلانه مع إعلان التنبيه ان لم يعد لها محل بعد أن جعل المشروع اعلان السند التنفيذي واجباً على الدائن قبل البدء في إجراءات التنفيذ (المادة 281 من المشروع).
1 ـ الدفع ببطلان إجراءات التنفيذ تأسيساً على أن إعلان السند التنفيذى و تنبيه نزع الملكية للمدين و إن كان من الإجراءات التى رتب القانون على إغفالها البطلان إلا أن هذا البطلان لا يتعلق بالنظام العام إذ هو شرع لمصلحة المدين وحده و لا يقبل من غيره التمسك به.
(الطعن رقم 13 لسنة 43 جلسة 1978/01/10 س 29 ع 1 ص 121 ق 30)
2 ـ مؤدى نص المادة 893 من القانون المدنى أن تباع عقارات التركة بالمزاد العلنى وفقاً للأوضاع و فى المواعيد المنصوص عليها فى البيوع الجبرية ما لم يتفق جميع الورثة على أن يتم البيع بطريقة أخرى ، و متى كان ذلك و كانت الأوضاع و المواعيد سالفة الذكر و المنصوص عليها فى المواد 401 من قانون المرافعات و ما بعدها أعمال إجرائية يترتب البطلان على عدم إتباعها ، و بالتالى فإن البيع الحاصل دون إتخاذها لا يكون صحيحاً .
(الطعن رقم 2036 لسنة 50 جلسة 1985/02/05 س 36 ع 1 ص 210 ق 49)
3 ـ الأصل فى أوراق المحضرين أنها متى تم إعلانها قانوناً لا تنتج أثرها إلا بالنسبة لذات الشخص الذى وجهت إليه و بالصفة الصحيحة المحددة فى ورقة الإعلان و لا ينسحب هذا الأثر إلى غيره من الأشخاص أياً كانت علاقاتهم به . لما كان ذلك ، و كانت المطعون ضدها الثالثة لم يشملها إصلاً قرار الوصاية الصادر فى 1957/12/4 لوالدتها المطعون ضدها السابعة - المقدمة صورته الرسمية - لبلوغها سن الرشد قبل صدوره إذ هى من مواليد 1936/10/31 ، فمن ثم يكون توجيه إجراءات التنفيذ العقارى فى سنة 1961 إلى والدتها المطعون ضدها السابعة بزعم أنها وصية عليها غير ذى أثر قانونى بالنسبة لها بغض النظر عن المساكنة أو صلة القربى بينهما .
(الطعن رقم 545 لسنة 48 جلسة 1980/01/17 س 31 ع 1 ص 197 ق 42)
4 ـ متى قضى الحكم المطعون فيه بصحة إجراءات نزع الملكية المتخذة تنفيذاً لعقد القرض لتوجيهها إلى المدين فى المحل المختار الثابت فى هذه العقد و الذى لم يقم دليل كتابى على تغييره فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 549 لسنة 34 جلسة 1968/12/26 س 19 ع 3 ص 1588 ق 242)
5 ـ النزول الضمنى عن الحق المسقط له يجب أن يكون بقول أو عمل أو إجراء دالاً بذاته على ترك الحق دلالة لا تحتمل الشك و هو ما لا يتحقق فى مجرد تأخير الدفع ببطلان التنبيه عن الدفع بعدم جواز التنفيذ على العقار فى تقرير الإعتراض على قائمة شروط البيع مع تمسك مقدمها بكليهما . كما أنه يشترط فى العمل أو الإجراء الذى يعتبر رداً على الإجراء الباطل بأن صاحب الشأن قد إعتبره صحيحاً طبقا للمادة 26 من قانون المرافعات أن يكون القول أو الفعل المسقط للحق فى الدفع بالبطلان دالاً بذاته على أن صاحب الشأن قد أخذ فى إعتباره أن الإجراء الذى يواجهه قد قام صحيحاً أو أنه يعتبره كذلك و لا يتأتى هذا الإفتراض إذا صاحب القول أو الفعل تمسك صاحب الشأن بالدفع بالبطلان لأن هذه المصاحبة تدل على أن ذا الشأن إنما يتمسك بكل ما يوجهه من أوجه الدفاع و لا يسوغ القول بأن المصاحبة التى تجمع أوجه الدفاع المختلفة فى الورقة الواحدة تقوم معها مظنة النزول عن بعضها رغم تمسك صاحبها بها جميعا .
(الطعن رقم 537 لسنة 34 جلسة 1968/11/28 س 19 ع 3 ص 1457 ق 221)
6 ـ تعتبر العقارات بالتخصيص وفقا لنص المادة 688 من القانون المدنى المختلط داخلة ضمن الملحقات المشار إليها فى المادة المذكورة ، و تباع مع العقار المرهون مالم يتفق صراحة على خلاف ذلك ، و يقع عبء إثبات هذا الاتفاق على من يدعيه . و إذن فمتى كان الطاعن بوصفه " مدعيا " هو المكلف بإثبات أن المنقولات موضوع النزاع لا يشملها عقد الرهن الصادر منه ، فإنه كان لزاما عليه هو أن يقدم هذا العقد إلى محكمة الموضوع فى سبيل إثبات دعواه ، و إذ هو لم يفعل فلا يقبل منه النعى عليها بالخطأ فى تطبيق المادة المشار اليها .
(الطعن رقم 121 لسنة 21 جلسة 1954/01/14 س 5 ع 1 ص 420 ق 62)
7 ـ مفاد نصوص المواد 40 و 42 و 75 من القانون رقم 308 لسنة 1955 أن إعلان التنبيه بالأداء و الإنذار بحجز العقار و إعلان محضر الحجز يجوز تسليمها إلى المدين نفسه أو فى موطنه الأصلى كما يجوز تسليمهما إلى واضع اليد مهما كانت صفته و سواء كانت حيازته للعقار كاملة بنية التملك أو عارضة لسبب وقتى معلوم بإعتباره حائزاً بالفعل يرتبط مع صاحب العقار فى شأن هذا الحجز برباط يفترض معه وصول الصورة فعلاً إلى المدين إذا سلمت إلى الحائز فى محل العقار و هو إستثناء أجازه قانون الحجز الإدارى بدلاً من الأصل المقرر فى قانون المرافعات من وجوب تسليم الإعلان إلى الشخص نفسه أو فى موطنه الأصلى فلا يكون مندوب الحاجز مكلفاً بالبحث عن هذا الموطن و التوجه إليه لإجراء الإعلان و إنما يكون مكلف بأن يخاطب شخص واضع اليد على العقار و أن يذكر فى ورقة الإعلان على مقتضى الأحكام المقررة فى قانون المرافعات إسم هذا الشخص و صلته بالعقار ، و إذا هو لم يجده أثبت ذلك بمحضر الحجز و يجب عليه وفقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة السابقة الواردة فى باب حجز المنقولات من قانون الحجز الإدارى أن يسلم نسخة من محضر الحجز إلى مأمور القسم أو البندر أو العمدة أو الشيخ الذى يقع الحجز فى دائرة إختصاصه مع تعليق نسخة أخرى فى الأماكن المنصوص عليها فى فقرتها السابقة و يقوم هذا الإجراء مقام الإعلان فإذا هو لم يخاطب واضع اليد أو أغفل إثبات صفته و إتخاذ الإجراء الذى أوجبه القانون فإن الإعلان يكون باطلاً .
(الطعن رقم 445 لسنة 37 جلسة 1972/12/28 س 23 ع 3 ص 1491 ق 233)
8 ـ إجراءات الحجز و البيع الإداريين يحكمه القانون رقم 308 لسنة 1955 ، فى شأن الحجز الإدارى فى المادة 40 منه و ما بعدها إجراءات التنفيذ على العقار ، و حدد الأشخاص الذين يعلنون بها و يصبحون بالتالى طرفا فيها ، و لما كان مشترى العقار من المدين بعقد غير مسجل ليس من بين هؤلاء فإن طلب الطاعن - المشترى - إبطال الإجراءات فى هذه الحالة لن يحقق له إلا مصلحة مادية لا تكفى لقبول الدعوى ما دامت لا تستند إلى حق يحميه القانون ، و لا يجدى الطاعن تمسكه بأن المصلحة المحتملة تكفى إذا كان الغرض من الطلب الإحتياط لدفع ضرر محدق ، لأن هذا النعى بدوره يفترض قيام حق تدعو الضرورة إلى حمايته .
(الطعن رقم 339 لسنة 35 جلسة 1970/01/22 س 21 ع 1 ص 149 ق 26)
9 ـ المستفاد من نص المادة 91 من القانون رقم 14 لسنة 1939 و المادة 10 من الأمر العالى الصادر فى 25 مارس سنة 1880 أن التنفيذ الأدارى على العقار يبدأ بإعلان يوجهه مندوب الجهة الحاجزة إلى المدين صاحب العقار فى شخص واضع اليد عليه مهما كانت صفته ، يتضمن تنبيها بأداء الدين المنفذ به و إنذارا بحجز العقار فى حالة عدم الأداء . و إذا تعدد المدينون ملاك العقار المراد التنفيذ عليه وجب إعلان التنبيه بالدفع و إنذار الحجز إلى كل واحد منهم . و لئن كانت المادة 10 من الأمر العالى سالفة الذكر لم تنص على البطلان جزاء على مخالفة هذا الإجراء ، إلا أنه يعتبر من الإجراءات الجوهرية التى يترتب البطلان على مخالفتها و هو بطلان مقرر لمصلحة المدين الذى لم يعلن أو لم يصح إعلانه بهذا التنبيه ، فيجوز له و لورثته و لمن يمثله أن يتمسك بهذا البطلان .
(الطعن رقم 15 لسنة 35 جلسة 1969/02/20 س 20 ع 1 ص 357 ق 57)
10 ـ أنه و إن كان النص فى المادة 40 من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإدارى على أن " يبدأ التنفيذ على العقار بإعلان يوجهه مندوب الحاجز إلى المدين صاحب العقار فى شخص واضع اليد مهما كانت صفته و يتضمن تنبيها بالأداء و إنذار بحجز العقار " بما يفيد أن المشرع لم يلتزم - فى شأن إعلان ورقة الحجز - بكل القواعد العامة الواردة بالمادتين 11 ، 12 من قانون المرافعات السابق - و الواجب التطبيق - و إكتفى فى ذلك بإعلان المدين فى شخص واضع اليد أياً كانت صفته ، إلا أنه لما كان يبين من مدونات الحكم الإبتدائى أن كلا من و رقتى التنبيه و الإنذار بالحجز و الحجز لم يبين بها صفة المعلن أو سبب تواجده فى المكان الذى فيه الإعلان وصلته بالمطلوب إعلانها و ما إذا كان يقيم معها من عدمه و هو ما يتضمن أن الإعلان قد خلا من بيان أن المعلن إليه - و هو غير المدين - هو واضع اليد ، فإن الحكم إذ رتب البطلان على ما قرره بشأن الإعلان يكون قد قام صحيحاً على ما يحمله و لا يعيبه ما تزيد فيه بشأن وجوب إثبات بيانات أخرى فى الإعلان غير تلك التى أوجبتها المادة 40 من القانون 308 لسنة 1955 .
(الطعن رقم 444 لسنة 38 جلسة 1975/04/27 س 26 ع 1 ص 823 ق 161)
11 ـ الحارس القضائي يصبح بمجرد تعيينه و بحكم القانون نائباً نيابة قضائية عن صاحب الحق فى مال الموضوع تحت الحراسة إلا أن هذه النيابة قاصرة على ما يتعلق بأعمال إدارة المال و أعمال المحافظة عليه و ما يندرج تحت ذلك من أعمال التصرف التى تدخل بطريق التبعية فى أعمال الإدارة و أعمال الحفظ ، و لا تمتد نيابة الحارس إلى أعمال التصرف التى تمس أصل الحق و منها بيع المال ، فلا يجوز للحارس القضائي مباشرتها إلا برضاء ذوى الشأن جميعاً أو بترخيص من القضاء أو بإذن ممن يثبت أنه صاحب الحق الذى تبقى له أهليته الكاملة فى هذه الأعمال لأن الحراسة لا تعزله عنها و لا تغل يده فيها و يكون صاحب الحق فى القيام بها بنفسه أو بمن ينيبه فيها ، و مؤدى ذلك أن الحارس القضائي لا تكون له صفة عن صاحب الحق فى دعوى البيع المال جبراً و لا فى الإجراءات المتعلقة بها و إذا حكم عليه بإيقاع البيع فإن الحكم لا يسرى على صاحب الحق .
(الطعن رقم 1653 لسنة 48 جلسة 1983/05/22 س 34 ع 2 ص 1262 ق 252)
بدء التنفيذ بإعلان تنبيه نزع الملكية والتمسك بالبطلان :
تبدأ إجراءات نزع ملكية عقار المدين، بإعلانه لشخصه أو في موطنه بتنبیه بنزع ملكية عقاره، والتنبيه ورقة من أوراق المحضرين، يجب ان تشتمل علي البيانات الخاصة بتلك الأوراق فضلاً عن البيانات التي تطلبتها المادة (401) من قانون المرافعات .
ويحرر التنبيه من أصل وعدد من الصور بقدر المعلن اليهم كما لو تعدد المدينون أو وجد کفیل عيني ما يتعين إعلانه بالتنبيه بعد تكليف المدين بالوفاء .
ويعلن التنبيه لشخص المدين، فان لم يوجد تم الإعلان في موطنه وتسليم الصورة إلي من يقرر إنه وكيله أو أنه يعمل في خدمته أو أنه من الساكنين معه من الأزواج والأقارب والأصهار، فإذا امتنع أي من هؤلاء عن التوقيع علي الأصل بالاستلام أو عن استلام الصورة، وجب على المحضر أن يسلمها في اليوم ذاته لجهة الإدارة، وأن يوجه إلي المعلن إليه في موطنه الأصلي كتاباً مسجلاً يخبره فيه أن الصورة سلمت إلي جهة الإدارة، وأن يبين ذلك كله في أصل الإعلان وصورته ويعتبر الإعلان منتجاً لآثاره من وقت تسليم الصورة إلي من سلمت إليه ، أما إن لم يجد المحضر المدين بموطنه ولم يجد به أحداً من ذكروا، أو وجد مسكنه مغلقاً، فلا يجوز في هذه الحالة تسليم الصورة لجهة الإدارة وإلا كان الإعلان باطلاً لعدم اجرائه لشخص المدين أو في موطنه إلا إذا ثبت أن المدين أو وكيله قد تسلم الصورة من جهة الإدارة.
وبطلان إعلان التنبيه مقرر لمصلحة المعلن إليه وحده التي توافر البطلان بالنسبة له، باعتباره بطلاناً نسبياً، ويجب التمسك به قبل الرد علي الإجراءات بما يفيد صحتها وإلا سقط الحق فيه ، باعتباره من الدفوع الشكلية ، وقد حدد القانون كيفية التمسك به فأوجب على من تقرر لمصلحته، وهو المدين، أن يتمسك به بتقرير الاعتراضات على قائمة شروط البيع وفقاً للمادة (422) من قانون المرافعات وإلا سقط الحق فيه، وإذا قضي ببطلان التنبيه، تعين على الدائن مباشر الإجراءات البدء من جديد في الإجراءات بإعلان التنبيه وتدارك سبب البطلان، وإذا تعدد المدينون وجب إعلان التنبيه لكل منهم وإلا كان باطلاً وهو بطلان نسبي مقرر لمصلحة المدين الذي لم يعلن أو لم يصح إعلانه بهذا التنبيه ، فيجوز له ولورثته ولمن يمثله أن يتمسك بهذا البطلان.
بيانات تنبيه نزع الملكية:
أولاً : البيانات المتعلقة بأوراق المحضرين:
يجب أن يتضمن تنبيه نزع الملكية البيانات المقررة في أوراق المحضرين.
ثانياً : البيانات المتعلقة بتنبيه نزع الملكية :
1- بيان نوع السند التنفيذي، وما إذا كان حكماً أو أمر أداء أو محرر موثق أو محضر صلح صدقت عليه المحكمة أو أمر تقدير أو غير ذلك من السندات التنفيذية، وتاريخه ومقدار الدين المطلوب الوفاء به وتاريخ إعلانها السند التنفيذي للمدين عملاً بالمادة (281) من قانون المرافعات.
2- إعذار المدين بأنه إذا لم يدفع الدين يسجل التنبيه ويباع العقار جبراً، ويكفي لتوافر هذا البيان ما يدل على قصد الدائن من البدء في إجراءات مع التنفيذ.
3- وصف العقار مع بيان موقعه ومساحته وحدوده وأرقام القطع إن كانت أرضا وأسماء الأحواض وأرقامها التي يقع فيها، وللدائن أن يستصدر بعريضة أمراً بالترخيص للمحضر بدخول العقار للحصول على البيانات اللازمة لوصف العقار ومشتملاته وللمحضر أن يستصحب من يعاونه في ذلك ولا يجوز التظلم من هذا الأمر وهو واجب النفاذ.
4- تعيين موطن مختار للدائن لمباشرة الإجراءات في البلدة التي بها مقر من محكمة التنفيذ، ولا يترتب البطلان على إغفال هذا البيان أو الخطأ فيه وإنما يعلن الدائن بالمنازعات بقلم الكتاب.
فإن لم تشمل ورقة الإعلان على البيانين 1 ، 3 ، كانت باطلة، فإن كان التنفيذ علي عقار مرهون من غير المدين، أعلن التنبيه إلى الراهن بعد تكليف - المدين بالوفاء وفقاً للمادة (281) من قانون المرافعات.
العقار بالتخصيص :
العقار بطبيعته، هو كل شيء له مستقر ثابت لا يمكن نقله بدون تلف، فكل شيء حائز لصفة الإستقرار سواء كان ذلك من أصل خلقته كالأرض، أو من صنع الإنسان كالبناء، يعتبر عقاراً بطبيعته، أما إذا كان يمكن نقله دون تلف کالأكشاك فلا تعتبر عقاراً وإنما منقولاً.
لكن إذا كان المنقول مملوكاً لمالك العقار، ووضعه به وخصصه لخدمة عقاره، اندمج المنقول في العقار وأخذ حكمه بعد أن أصبح عقاراً بتخصيص مالكه لخدمة عقاره کالآلات اللازمة للمزارع والمصانع والتماثيل التي توضع علي قواعد مثبتة ومفروشات الفنادق والمقاعد المخصصة لإستغلال المحال التجارية كدور السينما والمسارح والرفوف والخزائن، ولا يلزم أن يكون المنقول لازماً وضرورياً للإستغلال وإنما يكفي تخصيصه لخدمة أو إستغلال العقار ذاته وليس خدمة صاحب العقار کالسيارة التي توضع بالعقار لخدمة مالكه، ومتى انقطع التخصيص زالت عن المنقول صفة العقار. ولا يصبح المنقول عقاراً بالتخصيص إلا من وقت إنتقال ملكيته لمالك العقار، فإن اشترى مالك العقار منقولاً، وكان الشراء معلقاً على شرط واقف کسداد کامل الثمن، فإن ملكيته لا تنتقل للمشتري إلا بتحقق هذا الشرط، وبالتالي إذا خصصه الأخير لخدمة عقاره قبل سداد باقي الثمن، فلا يصبح عقاراً بالتخصيص وإنما يظل منقولاً بطبيعته، خلافاً للشراء المعلق علي شرط فاسخ إذ تنتقل الملكية بموجب العقد وتزول بتحقق الشرط وبالتالي يصبح المنقول عقاراً بالتخصيص فور الشراء وتخصيصه لخدمة العقار.
ومتى إكتسب المنقول صفة العقار بالتخصيص، فلا يجوز الحجز عليه إلا تبعاً للحجز على العقار وبذات إجراءات الحجز العقاري، بحيث إذا حجز عليه منفرداً بتلك الإجراءات أو بإجراءات حجز المنقول، كان الحجز باطلاً ، إذا طالما خصص المنقول لخدمة العقار أصبح من توابعه فيخضعان معاً لإجراءات واحدة.
والأصل أن كل منقول يخصص لخدمة العقار يعتبر مملوكاً لمالك العقار ويتعين أن يتضمنه تنبيه نزع الملكية وأن يندرج في البيان المتعلق بوصف العقار، فإذا كانت الشروط اللازمة لاعتباره عقاراً بالتخصيص منتفية، جاز المنازعة بطريق الاعتراض على قائمة شروط البيع وتقديم أدلة المنازعة، فإذا تبين القاضي التنفيذ صحة المنازعة، حكم ببطلان الحجز فيما يتعلق بالمنقول الذي حجز عليه باعتباره عقاراً بالتخصيص .
التنبيه وتوقيع الحجز الإداري علي العقار:
يبدأ التنفيذ الإداري على العقار بإعلان يوجهه مندوب الحاجز إلي المدين في شخص واضع اليد، متضمناً تنبيها بالأداء وإنذاراً بالحجز وبیاناً بالمبالغ المطلوبة وأنواعها وتواريخ استحقاقها ووصف العقار، وبعد إنقضاء شهر من الإعلان يقوم مندوب الحاجز بتوقيع الحجز، ويتم تسجيل التنبيه، ولا تمر الحجوز الإدارية بمرحلتي الطلبات والمشروعات، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بكتابنا في الشهر العقاري والمفاضلة بين التصرفات» صفحة 816 وما بعدها. وانظر المبادئ التالية، ويعتبر العقار محجوزاً وفقاً لما تقدم ولو لم يسجل التنبيه. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر، الصفحة : 290)
تنبيه نزع الملكية هو إعلان يكلف به الدائن مدينه بوفاء الدين الحاصل التنفيذ اقتضاء له ويعذره بالاستمرار في التنفيذ على عقاره حتى البيع إن لم يقم بوفاء الدين وتنص المادة 401 علي أن ورقة التنبيه تكون باطلة إذا لم تشتمل على البيانين 1 ، 2 من المادة ويعمل بالقواعد العامة في البطلان فيكون الإجراء باطلاً النص عليه وليس على من تقرر الشكل لمصلحته من الخصوم إلا أن يثبت تحقق العيب ويتمسك بالبطلان وحينئذ يقع على عاتق من يحصل التمسك ضده بالبطلان عبء إثبات أن الشكل أو البيان رغم تخلفه قد حقق الغاية منه فإذا أثبت هذا فلا يحكم بالبطلان وذلك عملاً بالمبدأ العام المقرر في المادة 20 مرافعات.
ويجب أن يعلن المدين بالتنبيه لشخصه أو في موطنه فلا يجوز أن يعلن في مكتب محامية الذي باشر القضية التي انتهت بالحكم المراد تنفيذه ولا يجوز أن يعلن في أي موطن مختار آخر والذي يتمسك ببطلان التنبيه هو المدين أو من يقوم مقامه علي صورة دفع يدلي به قبل التكلم في الموضوع وقبل الرد على الإجراء بما يدل على اعتباره صحيحاً أو قبل القيام بعمل أو إجراء آخر باعتباره كذلك عملاً بالقواعد العامة المنصوص عليها في المادة 22 مرافعات التنفيذ للدكتور أبو الوفا ص 711).
ويعتبر تنبيه نزع الملكية من إجراءات التنفيذ وهو بداية التنفيذ العقاري ولكنه لا يكفي لاعتبار العقار محجوزاً فلا يرتب وحده آثار الحجز بل يتعين لذلك تسجيله عملاً بالمادة 404 مرافعات ويجب أن يشتمل التنبيه علي تاريخ إعلان السند التنفيذي إلى المدين وإغفال نلك يترتب عليه البطلان ويجب أن يشتمل علي بیان السند التنفيذي دون أن يجهل به وإلا كان باطلا ولا يجدي علم المدين بتاريخ إعلان السند التنفيذي بطريق آخر ويجب أن تشتمل علي بيانات أوراق المحضرين عملاً بالمادة 9 وإلا كان باطلاً.
ويجب بيان العقار تفصيلاً فإذا كان أرضاً مبنية ولم تبين المباني اقتصر الحجز على الأرض غير أنه يكفي أن تكون البيانات المتعلقة بالعقار تكشف عن حقيقته وتمنع الشك فيه.
ولا يترتب البطلان علي عدم بيان موطن مختار للدائن وإنما يكون الجزاء هو صحة إعلانه بالأوراق في قلم الكتاب عملاً بالمادة 12 مرافعات كما لا يترتب البطلان وفقاً للقواعد العامة إذا لم يتضمن التنبيه بيان الأعذار إذ تتحقق الغاية منه من مجرد إعلان التنبيه إلي المدين ويظل التنبيه منتجاً لأثاره بالنسبة إلي كامل العقار طالما بقيت ذمة المدين مشغولة بجزء من الدين إلا أنه إذا قضى ببطلانه أعتبر كأن لم يكن وزالت كل آثاره ومنها أثره في قطع التقادم.
ويجوز إتخاذ إجراءات التنفيذ من الدائن صاحب الحق المقيد ولو كان المدين قد أشهر إفلاسه لأن المنع من الدعوى الفردية لا يسري عليه ولكن يتعين عليه اختصام وكيل الدائنين وإلا إمتنع عليه الإحتجاج بالإجراءات على جماعة الدائنين.
ولا يبطل إعلان التنبيه إذا لم يشتمل علي إعذار المدين بأنه إذا لم يدفع الدين يسجل التنبيه عليه ويباع العقار جبراً لأن ظروف الحال تشف عن هذا الأعذار.
وإذا إتخذت إجراءات التنفيذ على عقار لا يملكه المدين وإنما يملكه الغير جاز لهذا الأخير التمسك بالبطلان وعند تعدد المدينين ملاك العقار وجب إعلان التنبيه إلي كل واحد منهم وإلا ترتب البطلان وإذا ذكر الدائن في التنبيه المبلغ المطلوب من المدين وكان هذا المبلغ لا يطابق حقيقة الواقع بأن كان أكثر من الواجب دفعه أو أقل فلا يترتب عليه البطلان غير أن صلاحية التنبيه لا تثبت إلا بصدد ذات المبلغ المذكور فيه.
ولا يجوز حجز المنقول المعتبر عقاراً بالتخصيص منفرداً عن العقار المخصص لمدينة كما أن الغلة أو الثمار تعتبر محجوزة مع الأرض الزراعية .
والأصل أن الحجز على عقار يشمل ملكيته الكاملة وليس هناك ما يمنع الحجز على حصة علي الشيوع .
ولا يجوز الحجز على حق الاستعمال وحق السكنى وحقوق الارتفاق والحقوق العينية التبعية .
ورفع دعوى القيمة لا تحول دون تمكين الدائن الحاجز من استيفاء حقه والتنفيذ على حصة المدين في الأموال المشتركة (أبو الوفا في التعليق ص 1481 وما بعدها وكمال عبد العزيز الطبعة الثانية ص 666 وما بعدها ووالي بند 188).
ومن المقرر أن إجراءات بيع العقار جبراً المبينة بهذا الفصل ينبغي إتباعها فإذا خلت هذه النصوص من بيان حكم معين يتعلق بسير الإجراءات أمام قاضي التنفيذ وجب الرجوع إلى القواعد العامة في قانون المرافعات وترتيباً على ذلك إذا كانت إجراءات التنفيذ الجبري لم يرد بها نص خاص بوقف الدعوى جزاء أمام قاضي التنفيذ لعدم تنفيذ قرار المحكمة عملاً بنص المادة 99/ 2 من قانون المرافعات وما يترتب على هذا الوقف من جواز الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن فإنه يرجع إلى القواعد العامة في قانون المرافعات المتعلقة بهذا الأمر .(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : السابع ، الصفحة : 524 )
يولى المشرع التنفيذ على العقار عناية خاصة، إذ يتميز هذا التنفيذ بطول الإجراءات ودقتها وتعقيدها وطول المواعيد، ويرجع ذلك إلى عوامل متعددة، أهمها ما للعقار من أهمية إقتصادية وإجتماعية، فالعقار هو أهم أموال المدين وأعزها عليه، ومن ثم يجب ألا يتعجل في نزعه منه بل تكون الإجراءات والمواعيد بحيث تفسح للمدين فرص الوفاء للدائن بمطلوبه وتمكنه من المنازعة في التنفيذ إن كان هناك وجه للمنازعة ليتفادى نزع ملكية عقاره ويصونه (أحمد أبو الوفا - إجراءات التنفيذ - الطبعة التاسعة 1986 - بند 284 ص 624)، ومن هذه العوامل أن العقار قد ترد عليه حقوق عينية متعددة تخضع جميعها لنظام الشهر العقاري حتى يستطيع من يتعامل مع مالك العقار أن يعرف بالاطلاع على وثائق الشهر العقارى الأعباء التي تنقل العقار، ولذلك فإن نزع ملكية العقار يقتضي ضرورة شهر كثير من إجراء التنفيذ ليعلم بها من يتعامل مع مالك العقار في أثناء التنفيذ، كذلك فإن العقار قد تتعلق به حقوق الغير من الدائنين الممتازين مما يقتضي إدخالهم في إجراءات التنفيذ للمحافظة على مصالحهم نظراً لأن إنتهاء إجراءات التنفيذ ببيع العقار يترتب عليه انقضاء هذه الحقوق وانتقالها إلى ثمنه لكي يكتسب الراسي عليه المزاد ملكية العقار خالصة غير مشوبة برهن أو إمتياز.
ولكن ثمة اتجاها في التشريع الحديث نحو التخفيف من تعقيد إجراءات التنفيذ العقاري، وأساس هذا الإتجاه أن تعدد الإجراءات وبطئها قد يؤدي إلى الإضرار بالمدين لأنه هو الذي يتحمل في النهاية عبء مصاريف التنفيذ، كما أن بطء هذه الإجراءات وتعقيدها يؤدي إلى إضعاف الإئتمان العقارى مما لا يشجع على عمليات التسليف العقاري كذلك فإن العقارات إذا كانت لها أهمية قديماً فإنها حديثاً ليست على ذات الدرجة من الأهمية، فهناك من المنقولات ما تفوق قيمته أضعافاً مضاعفة قيمة العقار (نبيل عمر - إجراءات التنفيذ سنة 1979 بند 44 ص 585) كالطائرات ووسائل النقل البحري وغير ذلك.
وعلى أية حال فإن المشرع في الزمان وأي مكان يقع دائماً تحت تأثير ضغوط متعددة ومتنوعة، ضغوط اقتصادية قد ترمي إلى تنشيط الحياة الاقتصادية أو بالعكس ترمي إلي ركودها، أو ضغوط سياسية واجتماعية تهدف إلى حماية نظام معين أو تهدف إلى حماية طبقة معينة وهذه الضغوط تختلف بإختلاف الزمان والمكان وتنعكس دائماً على ما يصدره المشرع من تشريعات وما يتطلبه من إجراءات.
إتباع إجراءات التنفيذ العقاري إذا كان المال عقاراً بطبيعته أو عقاراً بالتخصيص أو ثماراً تابعة لعقار:
وإجراءات التنفيذ على العقار تتبع إذا كان محل التنفيذ عقاراً ، سواء كان عقاراً بطبيعته أو كان عقاراً بالتخصيص، فتتبع هذه الإجراءات عند التنفيذ على الأراضي وما يثبت على سطحها من نباتات أو أشجار وما يقام عليها من مبان وما يلزمها من أبواب ومصاعد ونوافذ، كما تتبع عند التنفيذ على المنقولات المخصصة لخدمة العقار واستغلاله كالآلات الزراعية والحيوانات المخصصة لخدمة الأرض الزراعية والسيارات والآلات المخصصة للمصانع، والأثاث والمفروشات المخصصة للفنادق، ولكن إذا فصل المنقول المعتبر عقاراً بالتخصيص عن العقار إي إذا أنهى المالك تخصيص المنقول لخدمة عقاره دون أن يتصرف في هذا المنقول فإنه يفقد صفته كعقار بالتخصيص وعندئذ يجوز حجزه بطريق حجز المنقول ولا يجوز حجزه مع العقار.
أما الثمار فإنه يتم الحجز عليها بطريق حجز المنقول لدى المدين، كما سبق أن ذكرنا عند دراستنا لحجز المنقول لدى المدين، وذلك رغم أنها في الأصل عقاراً لثباتها في الأرض واستقرارها ولكن المشرع يعتد بما ستئول إليه أي باعتبارها منقولات بحسب المال ويشترط لذلك أن يكون التنفيذ عليها على إستقلال، أما إذا تم التنفيذ عليها تبعاً للتنفيذ علي العقار فإنها تأخذ حكم العقار وهي تلحق به اعتباراً من تاريخ تسجيل تنبيه نزع الملكية وفقاً للمادة 406 مرافعات.
إذن تتبع إجراءات التنفيذ العقاري إذا كان المال محل التنفيذ عقاراً بطبيعته أو عقاراً بالتخصيص أو ثماراً تابعة لعقار، فإذا لم يكن المال كذلك فإنه لا يجوز التنفيذ عليه بطریق التنفيذ على العقار، وإذا سلك الدائن هذا الطريق فإن إجراءات التنفيذ تكون باطلة.
ولكل دائن معه سند تنفيذي بحقه أن ينفذ على العقار سواء كان دائناً عادياً أو دائناً ذا تأمين خاص كرهن أو إختصاص أو إمتياز، ولكن إذا كان سند الدائن حكماً فإنه لا يجوز أن يتم بيع العقار إلا إذا كان هذا الحكم قد أصبح نهائياً، فرغم أنه يجوز التنفيذ على العقار بحكم غير نهائي مشمول بالنفاذ المعجل إلا أن المشرع نص في هذه الحالة على عدم إتمام التنفيذ وتحديد جلسة البيع إلا بعد التحقق من أن الحكم المنفذ به أصبح نهائياً «مادة 426 / 1 مرافعات»، كذلك فإنه لكل دائن أن ينفذ على أي عقار للمدين اقتضاء لحقه حتى ولو لم يكن العقار مخصصاً للوفاء بحقه وحتى لو كان له تأمين خاص على عقار أخر يفي بحقه، كما أنه لا يشترط أن يكون العقار في حيازة المدين حتى يمكن التنفيذ عليه بل إنه إذا كان للدائن حق عيني يخوله تتبع العقار فإنه يجوز له التنفيذ على العقار ولو كانت الحيازة قد انتقلت لغير المدين.
وسوف نوضح الآن إجراءات التنفيذ على العقار، فنبدأ بتوضيح وضع العقار تحت يد القضاء، ثم إعداده للبيع، ثم بيع العقار بالمزاد، وذلك من خلال التعليق على المادة 401 مرافعات وما بعدها من مواد .
وضع العقار تحت يد القضاء :
التنبيه بنزع ملكية العقار :
تبدأ إجراءات التنفيذ على العقار بإتخاذ إجراء يسمى قانوناً التنبيه بنزع الملكية، وقد نصت على هذا الإجراء المادة 401 مرافعات - محل التعليق.
والتنبيه بنزع الملكية هو ورقة من أوراق المحضرين، فيجب أن تشتمل على البيانات العامة التي يتطلبها القانون في أوراق المحضرين المنصوص عليها في المادة 9 مرافعات، ولكن فضلاً عن هذه البيانات العامة يجب أن تشتمل على البيانات التي نصت عليها المادة 401 السالفة الذكر وهی :
(أ) نوع السند التنفيذي وتاريخه ای بیان السند الذي ينفذ الدائن بمقتضاه وما إذا كان عقداً رسمياً أو حكماً أو غير ذلك وتاريخه، وكذا التاريخ الذي أعلنت فيه للمدين الصورة التنفيذية لهذا السند، ولا يغني عن ذكر هذا التاريخ علم المدين به عن طريق آخر غير ورقة التنبيه، وكذا مقدار الدين المطلوب الوفاء به لكي يعلم المدين المنفذ ضده المبلغ الواجب وفاؤه، ومن ثم يستطيع أن يقوم بالوفاء ويتفادى التنفيذ الجبري إذا رغب في ذلك. ويترتب على إغفال هذا البيان او التجهيل به بطلان ورقة التنبيه.
(ب) أما البيان الثاني الذي يجب أن تتضمنه ورقة التنبيه فهو إعذار المدين بأنه إذا لم يدفع الدين يسجل التنبيه ويباع العقار جبراً عنه أي إعادة تكليف المدين بالوفاء وإلا إستمر الدائن في اتخاذ الإجراءات، ولا يترتب على نقص هذا البيان في ورقة تنبيه نزع الملكية بطلانها.
(جـ) أما البيان الثالث فيتمثل في ضرورة تحديد محل التنفيذ و تعيينه تعييناً نافياً للجهالة، فيجب وصف العقار مع بيان موقعه ومساحته وحدوده وأرقام القطع وأسماء الأحواض وأرقامها التي يقع فيها وغير ذلك، وفي سبيل ذلك أجاز المشرع للدائن أن يستصدر أمراً على عريضة من قاضي التنفيذ بدخول المعاون العقار المراد التنفيذ عليه، وللمعاون من يصحب معه من ذوي الخبرة من يعاونه في ذلك، والأمر الذي يصدر على العريضة في هذا الشأن غير قابل للتظلم منه، ويترتب على النقض أو الخطأ في هذا البيان بطلان ورقة التنبيه بنزع الملكية. ويلاحظ أنه يجب بيان العقار تفصيلاً، فإذا كان أرضاً مبنية ولم تبين المباني اقتصر الحجز على الأرض (فتحى والى - التنفيذ الجبري - بند 188 ، أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 1409)، غير أنه يكفي أن تكون البيانات المتعلقة بالعقار تكشف عن حقيقته وتمنع الشك فيه (نقض 9/ 3/ 1971 - السنة 22 ص 254).
(د) والبيان الرابع والأخير هو تعيين موطن مختار للدائن المباشر للإجراءات في البلدة التي يمر بها مقر محكمة التنفيذ، والمقصود بمحكمة التنفيذ هنا هي المحكمة التي يقع بدائرتها العقار محل التنفيذ أو أحد العقارات المراد التنفيذ عليها عند تعددها، فإذا لم يتخذ الدائن موطن مختاراً أو شاب هذا البيان نقص أو خطأ، فإنه لا يترتب على ذلك بطلان ورقة التنبيه، وإنما يجوز في هذه الحالة الإعلان في قلم كتاب المحكمة بجميع الأوراق تطبيقاً للمادة 12 مرافعات.
ونتيجة لأهمية إعلان تنبيه نزع الملكية فإن المشرع يتطلب أن يتم هذا الإعلان الشخص المدين أو في موطنه الأصلي، وفقاً للقواعد العامة في الإعلان، ولا يجوز الإعلان في الموطن المختار، كما أنه إذا شاب الإعلان نقض أو خطأ ترتب على ذلك البطلان، ولكن هذا البطلان ليس من النظام العام، بل هو مقرر لمصلحة المدين ولذا يجب أن يتمسك به هو أو من يقوم مقامه وإلا سقط الحق فيه، كما أنه يزول بنزوله عنه.
ويعتبر التنبيه بنزع الملكية أجزاء من إجراءات التنفيذ وبه يبدأ التنفيذ العقاري، وقد حرصت المادة 401 على تأكيد ذلك بقولها يبدأ التنفيذ بإعلان التنبيه بنزع ملكية العقار، ولكن لا يرتب هذا التنبيه آثار الحجز أي لا يعتبر العقار محجوزاً بمجرد إعلان التنبيه بنزع الملكية إعلاناً صحيحاً (فتحي والي التنفيذ الجبري - بند 188 كمال عبد العزيز - ص 666)، وإنما يجب تسجيل هذا التنبيه ولا يرتب التنبيه بنزع الملكية قبل تسجيله إلا أثراً وحيداً هو قطع مدة التقادم السارية لصالح المدين كما أنه يعتبر أول إجراء في إجراءات التنفيذ العقاري.
ويلاحظ أن التنبيه يبقى منتجاً آثاره بالنسبة إلى كامل العقار طالما بقيت ذمة المدين مشغولة بجزء من الدين (كمال عبد العزيز - ص 667 نقض 25/ 4/ 1940 - السنة 2 ص 471) إلا أنه إذا قضي ببطلانه اعتبر كأن لم يكن وزالت كل آثاره ومنها أثره في قطع التقادم (نقض 13/ 12/ 1962 - السنة 13 ص 451) .
ويجوز إتخاذ إجراءات التنفيذ من الدائن صاحب الحق المقيد ولو كان المدين قد أشهر إفلاسه لان المنع من الدعاوى الفردية لا يسري عليه ولكن عليه اختصام وكيل الدائنين والا لم يمكنه الاحتجاج بالإجراءات على جماعة الدائنين (نقض 19/ 3 / 1959 السنة 10 ص 232 ، نقض 9/ 3/ 1967 - السنة 18 - ص 607).
وإذا إتخذت إجراءات التنفيذ على عقار لا يملكه المدين وإنما يملكه الغير جاز لهذا الأخير التمسك بالبطلان وعند تعدد المدينين ملاك العقار وجب إعلان التنبيه إلى كل واحد منهم وإلا ترتب البطلان وإذا ذكر الدائن في التنبيه المبلغ المطلوب من المدين وكان هذا المبلغ لا يطابق حقيقة الواقع بأن كان أكثر من الواجب دفعه أو أقل فلا يترتب عليه البطلان غير أن صلاحية التنبيه لا تثبت إلا بصدد ذات المبلغ المذكور فيه.
ولا يجوز حيز المنقول المعتبر عقاراً بالتخصيص منفرداً عن العقار المخصص لمدينه كما أن الغلة أو الثمار تعتبر محجوزة مع الأرض الزراعية.
ومن المقرر أن إجراءات بيع العقار جبراً المبينة بهذا الفصل ينبغي اتباعها فإذا خلت هذه النصوص من بيان حكم معين يتعلق بسير الإجراءات أمام قاضي التنفيذ وجب الرجوع إلى القواعد العامة في قانون المرافعات، وترتيباً على ذلك إنه كانت إجراءات التنفيذ الجبري لم يرد بها نص خاص. بوقف الدعوى جزاء أمام قاضي التنفيذ لعدم تنفيذ قرار المحكمة عملاً بنص المادة 99/ 2 من قانون المرافعات وما يترتب على هذا الموقف من جواز الحكم بإعتبار الدعوى كأن لم تكن فإنه يرجع إلى القواعد العامة في قانون المرافعات المتعلقة بهذا الأمر (عز الدين الديناصوري وحامد عكاز - ص 1392 و 1393).
والأصل أن الحجز على عقار يشمل ملكيته الكاملة، الرقبة والمنفعة كما أنه ليس ثمة ما يمنع من الحجز على حصة على الشيوع.
ويلاحظ عدم جواز الحجز على حق الاستعمال وحق السكنى وحقوق الارتقاق والحقوق العينية التبعية (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 1410).
كما أن دعوى القسمة لا تحول دون تمكين الدائن الحاجز من استيفاء حقه والتنفيذ على حصة المدين في الأموال المشتركة (كمال عبد العزيز - ص 666، فتحی والی - بند 188 ، أحمد أبو الوفا - الإشارة السابقة).
كذلك يتعين ملاحظة أنه إذا كان التنبيه بنزع الملكية بداية التنفيذ العقاري، فإنه لا يعتبر حجزاً للعقار، فحجز العقار يتكون من عمل قانونی مركب من التنبيه وتسجيله، ولا يرتب التنبيه وحده آثار الحجز (فتحى والى - التنفيذ الجبري - بند 188 ص 375) وإن كان التنبيه فقظ يؤدي إلى قطع التقادم كما مضت الإشارة إلى ذلك أنفاً.
التنفيذ على العقار تحت يد الكفيل العینی:
الكفيل العيني هو من يرهن عقاراً مملوكاً له ضماناً لدين على شخص آخر، ويكون مسئولاً عن المدين في حدود العقار المرهون، فهو كالحائز ليس مسئولاً مسئولية شخصية عن الدين، ولكنه يختلف من الحائز في أنه مسئول عن الدين مسئولية عينية مقصورة على العقار المرهون، كما أنه يختلف عن الحائز من ناحية أخرى، إذ الكفيل العيني يرتب برضائه حقاً عينياً تبعياً على عقاره لضمان حق على غيره، بينما الحائز ينتقل إليه العقار محملاً من قبل وبفعل المدين الأصلي بحق عيني تبعي دون أن يكون للحائز يد في ذلك أو رضاء بذلك.
وقد أوضح المشرع في المادة 401/ 2 إجراءات التنفيذ على العقار تحت يد الكفيل العيني بقوله «فإذا كان التنفيذ على عقار مرهون من غير المدين أعلن التنبيه إلى الراهن بعد تكليف المدين بالوفاء وفقاً للمادة 281 ، ويتبين لنا من ذلك أنه في حالة وجود كفيل عينی يجب إعلانه بتسجيل تنبيه نزع الملكية وفقاً لنص المادة 401/ 1 وبعد ذلك يسجل التنبيه وفقاً لنص المادة 402 مرافعات، ومعنى ذلك أن إعلان التنبيه وتسجيله يقف على اسم الكفيل العيني حتى يتسنى للغير الذي يتعامل مع الكفيل معرفة أن العقار الذي يتم التعامل فيه محجوزاً، إذ إنه من تاريخ تسجيل تنبيه الملكية في هذه الحالة تترتب كافة الآثار الخاصة باعتبار العقار محجوزاً ولذلك أوجب المشرع فضلاً عن إعلان التنبيه إلى الراهن وتسجيله باسمه إعلان السند التنفيذي إلى المدين أولاً وتكليفه بالوفاء بالدين وفقاً للمادة 281 على أساس أنه هو المسئول شخصياً عن الدين، ولذا فإن الدائن المباشر للإجراءات يجب عليه أن يكلف المدين بالوفاء أولاً. ثم بعد ذلك يقوم بتوجيه إعلان التنبيه بنزع الملكية إلى الكفيل العيني، ثم يسجل هذا التنبيه على اسم ذات الكفيل العيني حماية للغير الذي يتعامل مع الكفيل.
ومما هو جدير بالملاحظة أنه إذا قام الكفيل العيني بالتصرف في العقار المرهون إلى شخص آخر، وتم تسجيل هذا التصرف قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية، فيجب على الدائن مباشرة الإجراءات. في هذه الحالة أن يقوم بإنذار المتصرف إليه لأنه يعتبر حائزاً (محمد حامد فهمی - بند 367 ص 354 أحمد أبو الوفا - إجراءات التنفيذ - بند 310 ص 683 فتحی والی - بند 194 ص 384 و ص 385 عبد الباسط جمعی - بند 32 ص 33)، وهذا الإنذار يشمل إما دفع الدين أو إخلاء العقار، ثم يقوم بعد ذلك بتسجيل هذا الإنذار والتأشير به على هامش تسجيل التنبيه.
نموذج آمر بالترخيص للمعاون بدخول عقار لوصفه و مشتملاته عملاً بالمادة 401 مرافعات (شوفي وهبي ومهنی مشرقی - المرجع السابق ص 340).(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء: السادس، الصفحة : 380)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 327
إِنْذَارٌ
التَّعْرِيفُ:
- الإْنْذَارُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَنْذَرَهُ الأْمْرَ، إِذَا أَبْلَغَهُ وَأَعْلَمَهُ بِهِ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّخْوِيفِ، يُقَالُ: أَنْذَرَهُ إِذَا خَوَّفَهُ وَحَذَّرَ بِالزَّجْرِ عَنِ الْقَبِيحِ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ: لاَ يَكَادُ الإْنْذَارُ يَكُونُ إِلاَّ فِي تَخْوِيفٍ يَتَّسِعُ مَعَ زَمَانِهِ لِلاِحْتِرَازِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ زَمَانُهُ لِلاِحْتِرَازِ كَانَ إِشْعَارًا، وَلَمْ يَكُنْ إِنْذَارًا.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإْعْذَارُ:
- الْعُذْرُ: الْحُجَّةُ الَّتِي يُعْتَذَرُ بِهَا، وَالْجَمْعُ أَعْذَارٌ، وَأَعْذَرَ إِعْذَارًا: أَبْدَى عُذْرًا، وَيَكُونُ أَعْذَرَ بِمَعْنَى اعْتَذَرَ، وَأَعْذَرَ ثَبَتَ لَهُ عُذْرٌ.
وَفِي التَّبْصِرَةِ: الإْعْذَارُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعُذْرِ، وَمِنْهُ: قَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، أَيْ قَدْ بَالَغَ فِي الإْعْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَ إِلَيْكَ فَأَنْذَرَكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الإِعْذَارُ سُؤَالُ الْحَاكِمِ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ: هَلْ لَهُ مَا يُسْقِطُهُ ؟ وَإِذًا، فَالإِنْذَارُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِعْذَارًا إِنْ كَانَ فِيهِ إِثْبَاتُ الْحُجَّةِ لِلْمُنْذِرِ، وَدَحْضُ حُجَّةِ الْمُنْذَرِ إِذَا مَا وَقَعَ بِهِ الضَّرَرُ.
ب - النَّبْذُ:
النَّبْذُ: طَرْحُ الشَّيْءِ، وَالنَّبْذُ: إِعْلاَمُ الْعَدُوِّ بِتَرْكِ الْمُوَادَعَةِ، وقوله تعالي ( فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) أَيْ قُلْ لَهُمْ: قَدْ نَبَذْتُ إِلَيْكُمْ عَهْدَكُمْ، وَأَنَا مُقَاتِلُكُمْ، لِيَعْلَمُوا ذَلِكَ.
فَالنَّبْذُ مَقْصُودٌ بِهِ طَرْحُ الْعَهْدِ وَعَدَمُ الاِلْتِزَامِ بِهِ. وَالأْمْرُ بِالنَّبْذِ فِي الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ يَجْمَعُ بَيْنَ الأْمْرَيْنِ: طَرْحِ الْعَهْدِ، وَإِعْلاَمِهِمْ بِذَلِكَ. فَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الإْنْذَارِ.
ج - الْمُنَاشَدَةُ:
- نَشَدَ الضَّالَّةَ: طَلَبَهَا وَعَرَّفَهَا، وَنَشَدْتُكَ اللَّهَ: أَيْ سَأَلْتُكَ بِاَللَّهِ، وَالْمُنَاشَدَةُ: الْمُطَالَبَةُ بِاسْتِعْطَافٍ، وَنَاشَدَهُ مُنَاشَدَةً: حَلَّفَهُ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «إِنِّي أُنْشِدُكَ عَهْدَكَ...» أَيْ أُذَكِّرُكَ مَا عَاهَدْتَنِي بِهِ وَوَعَدْتَنِي وَأَطْلُبُهُ مِنْكَ. وَالْمُنَاشَدَةُ أَيْضًا تَكُونُ بِمَعْنَى الإْنْذَارِ، لَكِنْ مَعَ الاِسْتِعْطَافِ، وَهُوَ طَلَبُ الْكَفِّ عَنِ الْفِعْلِ الْقَبِيحِ، يَقُولُ الْفُقَهَاءُ يُقَاتَلُ الْمُحَارِبُ (أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ) جَوَازًا، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ قِتَالُهُ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ، بِأَنْ يُقَالَ لَهُ (ثَلاَثَ مَرَّاتٍ): نَاشَدْتُكَ اللَّهَ إِلاَّ مَا خَلَّيْتَ سَبِيلِي.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
يَخْتَلِفُ حُكْمُ الإْنْذَارِ بِاخْتِلاَفِ مَوَاضِعِهِ:
فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا: وَذَلِكَ كَإِنْذَارِ الأْعْمَى مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ فِي مَحْذُورٍ، كَخَوْفِ وُقُوعِهِ فِي بِئْرٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ رَآهُ - وَلَوْ كَانَ فِي صَلاَةٍ - أَنْ يُحَذِّرَهُ خَشْيَةَ الضَّرَرِ.
وَكَإِنْذَارِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ، فَيَحْرُمُ الإْقْدَامُ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ إِبْلاَغِهِمْ بِالدَّعْوَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ.
وَكَإِنْذَارِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ كَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا: كَإِنْذَارِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الإْسْلاَمِ مُبَالَغَةً فِي الإْنْذَارِ.
وَكَإِنْذَارِ الْمُرْتَدِّ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَتَابَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يُوعَظُ فِيهَا وَيُخَوَّفُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ وَيَتُوبُ.
وَكَتَنْبِيهِ الإْمَامِ فِي الصَّلاَةِ إِذَا هَمَّ بِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ.
وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا: كَإِنْذَارِ الزَّوْجَةِ النَّاشِزِ بِالْوَعْظِ أَوْ بِغَيْرِهِ( كَمَا وَرَدَ فِي الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ وَاَللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنّ) الآْيَةَ.
وَكَإِنْذَارِ صَاحِبِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ.
وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا: كَمَا إِذَا كَانَ فِي الإْنْذَارِ ضَرَرٌ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمُنْكَرِ الْوَاقِعِ.
مَا يَكُونُ بِهِ الإْنْذَارُ:
الإْنْذَارُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ كَوَعْظِ الْمُتَشَاجِرِينَ، وَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ، وَعَرْضِ الدَّعْوَةِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَوَعْظِ الزَّوْجَةِ النَّاشِزِ.
وَقَدْ يَكُونُ الإْنْذَارُ بِالْفِعْلِ فِي أَحْوَالٍ، مِنْهَا:
أ - أَنْ يَكُونَ الْكَلاَمُ غَيْرَ جَائِزٍ، كَمَنْ كَانَ فِي الصَّلاَةِ وَرَأَى رَجُلاً عِنْدَ بِئْرٍ، أَوْ رَأَى عَقْرَبًا تَدِبُّ إِلَى إِنْسَانٍ، وَأَمْكَنَ تَحْذِيرُهُ بِغَمْزِهِ أَوْ لَكْزِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْكَلاَمُ حِينَئِذٍ.
وَهُنَاكَ صُورَةٌ أُخْرَى لِلتَّحْذِيرِ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم وَهِيَ - لِمَنْ كَانَ فِي الصَّلاَةِ وَرَأَى مَا يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ - أَنْ يُسَبِّحَ الرَّجُلُ وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ، فَفِي الْبُخَارِيِّ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلاَةِ أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ ؟ إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ»، وَفِي هَذَا صُورَةُ التَّحْذِيرِ بِالْفِعْلِ بَدَلَ الْقَوْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي فِي الصَّلاَةِ.
ب - أَنْ يَكُونَ الْكَلاَمُ غَيْرَ مُجْدٍ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ تُفْلِحْ طَرِيقَةُ الْوَعْظِ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ النَّاشِزِ، فَلِلزَّوْجِ بَعْدَ الْوَعْظِ أَنْ يَهْجُرَهَا، فَإِنْ لَمْ يُفْلِحِ الْهَجْرُ ضَرَبَهَا ضَرْبًا خَفِيفًا.
وَكَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ لِمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ، عَمَلاً بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإْيمَانِ».
مَنْ لَهُ حَقُّ الإْنْذَارِ:
الإْنْذَارُ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ تَحْذِيرًا مِنْ شَيْءٍ ضَارٍّ أَوْ عَمَلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ، عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَلِتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإْيمَانِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ تَحْتَ عِنْوَانِ الأْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِشُرُوطِهِ الْخَاصَّةِ. ر: (أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ).
وَيَتَعَيَّنُ الإْنْذَارُ بِالنِّسْبَةِ لِوَالِي الْحِسْبَةِ، لأِنَّهُ خُصِّصَ مِنْ قِبَلِ الإْمَامِ لِذَلِكَ. ر: (حِسْبَة). وَتَثْبُتُ وِلاَيَةُ الْحِسْبَةِ لِلزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ وَالأَبِ. ر: (حِسْبَة - وِلاَيَة).
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
يَأْتِي الإْنْذَارُ فِي كُلِّ مَا هُوَ ضَارٌّ أَوْ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَمَسَائِلُهُ مُتَعَدِّدَةٌ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ: إِنْذَارُ تَارِكِ الصَّلاَةِ فِي بَابِ الصَّلاَةِ وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الْعِبَادَاتِ. وَفِي الْجِنَايَاتِ فِي الصِّيَالِ وَالْحَائِطِ الْمَائِلِ وَفِعْلِ مَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ. وَفِي بَابِ الأْذَانِ، وَهَلْ يَجُوزُ قَطْعُهُ لإِنْذَارِ غَيْرِهِ. فِي بَابِ الْجُمُعَةِ حُكْمُ قَطْعِ الْخُطْبَةِ لِلإْنْذَارِ وَحُكْمُ إِنْذَارِ الْمُسْتَمِعِ لِغَيْرِهِ.
وَفِي حُكْمِ الْجِوَارِ وَفِي الْقَضَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلشُّهُودِ وَفِي إِنْذَارِ الزَّوْجِ الْغَائِبِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لِعَدَمِ الإْنْفَاقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن ، الصفحة / 116
الْبَاطِلُ لاَ يَصِيرُ صَحِيحًا بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:
التَّصَرُّفَاتُ الْبَاطِلَةُ لاَ تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِنَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ وَعَوْدَتِهِ يُعْتَبَرُ قَائِمًا فِي نَفْسِ الأَْمْرِ، وَلاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ الاِنْتِفَاعُ بِحَقِّ غَيْرِهِ نَتِيجَةَ تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَا دَامَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً.
هَذَا هُوَ الأَْصْلُ، وَالْقُضَاةُ إِنَّمَا يَقْضُونَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ أَدِلَّةٍ وَحُجَجٍ يَبْنُونَ عَلَيْهَا أَحْكَامَهُمْ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ.
وَلِذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْهُ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ، وَأَظُنُّهُ صَادِقًا، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ.
وَمُضِيِّ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَى أَيِّ تَصَرُّفٍ، مَعَ عَدَمِ تَقَدُّمِ أَحَدٍ إِلَى الْقَضَاءِ بِدَعْوَى بُطْلاَنِ هَذَا التَّصَرُّفِ، رُبَّمَا يَعْنِي صِحَّةَ هَذَا التَّصَرُّفِ أَوْ رِضَى صَاحِبِ الْحَقِّ بِهِ. وَمِنْ هُنَا نَشَأَ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِهَا بِحَسَبِ الأَْحْوَالِ، وَبِحَسَبِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَبِحَسَبِ الْقَرَابَةِ وَعَدَمِهَا، وَمُدَّةِ الْحِيَازَةِ، لَكِنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ سَمَاعَ الدَّعْوَى لاَ أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ، إِنْ كَانَ بَاطِلاً. يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، قَذْفًا أَوْ قِصَاصًا أَوْ لِعَانًا أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ.
وَيَقُولُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، إِلاَّ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: لَوْ قَضَى بِبُطْلاَنِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ.
وَفِي التَّكْمِلَةِ لاِبْنِ عَابِدِينَ: مِنَ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ: الْقَضَاءُ بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ سِنِينَ. ثُمَّ يَقُولُ. عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ ثَلاَثِينَ سَنَةً، أَوْ بَعْدَ الاِطِّلاَعِ عَلَى التَّصَرُّفِ، لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى بُطْلاَنِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَنْعٍ لِلْقَضَاءِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى، مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ يَلْزَمُهُ.
وَفِي مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَِنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ، فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ - وَإِنْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى حِيَازَةَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ مُدَّةً تَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ - إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْمُدَّعِي حَاضِرًا مُدَّةَ حِيَازَةِ الْغَيْرِ، وَيَرَاهُ يَقُومُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّصَرُّفِ وَهُوَ سَاكِتٌ. أَمَّا إِذَا كَانَ يُنَازِعُهُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُفِيدُ شَيْئًا مَهْمَا طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَفِي فَتْحِ الْعَلِيِّ لِمَالِكٍ رَجُلٌ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضٍ بَعْدَ مَوْتِ أَهْلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، مَعَ وُجُودِ وَرَثَتِهِمْ، وَبَنَاهَا وَنَازَعَهُ الْوَرَثَةُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَنْعِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَلْدَتِهِمْ، فَهَلْ لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا؟ أُجِيبَ: نَعَمْ. لاَ تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا... سَمِعَ يَحْيَى مِنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ عُرِفَ بِغَصْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ لاَ يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ، فَلاَ يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَإِنْ طَالَ بِيَدِهِ أَعْوَامًا إِنْ أَقَرَّ بِأَصْلِ الْمِلْكِ لِمُدَّعِيهِ، أَوْ قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ؛ لأَِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ تُوجِبُ تَصْدِيقَ غَيْرِ الْغَاصِبِ فِيمَا ادَّعَاهُ مَنْ تَصِيرُ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ، وَهُوَ حَاضِرٌ لاَ يَطْلُبُهُ وَلاَ يَدَّعِيهِ، إِلاَّ وَقَدْ صَارَ إِلَى حَائِزَةٍ إِذَا حَازَهُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا.