موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

التنفيذ على العقار :

وفي إجراءات التنفيذ على العقار عمد المشروع إلى تبسيط الإجراءات وإختصار خطواته وضغط المدد التي تستغرقها .

فأدمج مراحل التنبيه بنزع الملكية وتوجيه الإجراءات إلى الكفيل العينی (المادة 401 من المشروع).

ولم يشترط مضى مدة معينة بين إعلان التنبيه وتسجيله أو بين تسجيل التنبيه وإيداع قائمة شروط البيع فأصبح مكنة الدائن أن يعلن التنبيه ويسجله ويودع القائمة في ذات اليوم في حين أن القانون الحالي يستلزم مضى 90 يوماً بين تسجيل التنبيه وإيداع القائمة (المادة 414 من المشروع) .

وإستلزم المشروع من جهة أخرى أن يتم إيداع قائمة شروط البيع خلال تسعين يوماً من تاريخ تسجيل التنبيه وإلا أعتبر هذا التسجيل كأن لم يكن في حين يمتد هذا الميعاد في القانون القائم إلى 240 يوماً (المادة 414 من المشروع).

وأدمج المشروع مراحل رسو المزاد والزيادة بالعشر واعادة البيع على مسئولية المشتري المتخلف بأن ألزم القاضي بالتحقيق من اعلان من يلزم اعلانه بإيداع القائمة وبجلسة البيع مادة 435 من المشروع وخصص الجلسة الأولى المحددة للبيع لاعتماد اکبر عطاء وايقاع البيع على صاحبه إذا ادی کامل الثمن والا اجل البيع لمرة واحدة مدة ثلاثين يوماً وخصصت الجلسة الثانية للزيادة على العطاء المعتمد وأوجب على من يعتمد عطاؤه أن يودع كامل الثمن حتى يحكم بإيقاع البيع عليه (المادتان 440، 441 من المشروع) وبذلك تجنب المشروع طول إجراءات القانون الحالي الذي يجيز لكل شخص التقرير بالزيادة بالعشر على الثمن الراسي به المزاد خلال عشرة الأيام التالية لرسو المزاد كما يجيز ذلك لمن لم يعلم من الدائنين بإيداع قائمة شروط البيع أو بجلسة البيع في خلال ستين يوماً من تاريخ اخباره بوسو المزاد ولا يستلزم من الراسي عليه المزاد دفع كامل الثمن ومن ثم يجيز اعادة البيع على مسئوليته عند عدم السداد .

وبذلك ضغط المشروع المدة التي تستغرقها إجراءات التنفيذ بأن لم يستلزم مضى اية مدة بين إعلان التنبيه وإيداع القائمة والأخبار بإيداعها والتأشير بذلك على هامش التسجيل ومن جهة اخرى اختصر الحد الأقصى للمدة التي تستغرقها الإجراءات فجعلها لا تتجاوز الأربعة الشهور في حين تصل في القانون الحالي إلى ما يزيد على العام .

أدمج المشروع مراحل رسو المزاد والزيادة بالعشر واعادة البيع على مسئولية المشتري المتخلف وذلك بما استحدثه في المادة 440 منه من يقضي حكم بتخصيص الجلسة الأولى المحددة للبيع لاعتماد اکبر عطاءً فيها وواجب على من يعتمد القاضي عطاءه أن يودع حال انعقاد الجلسة كامل الثمن الذي اعتمد والمصروفات ورسوم التسجيل فإن فعل حكمت المحكمة بإيقاع البيع عليه وإذا لم يؤد الثمن کاملاً وجب عليه اداء خمس الثمن على الاقل والا اعيدت المزايدة على ذمته في نفس الجلسة وفي حالة عدم أداء الثمن كاملا يؤجل ايقاع البيع وفي الجلسة التالية إذا أدى من أعتمد عطاؤه باقي الثمن حكم بإيقاع البيع عليه إلا إذا تقدم في هذه الجلسة من يقبل الشراء مع زيادة العشر ففي هذه الحالة تعاد المزايدة في نفس الجلسة على أساس الثمن المزاد فإذا لم يتقدم أحد للزيادة بالعشر ولم يقم من اعتمد عطاؤه باداء الثمن کاملاً وجبت اعادة المزايدة فوراً على ذمته كما أوجب المشروع على من يعتمد عطاؤه في هذه الجلسة أن يؤدي الثمن کاملاً وبذلك أصبح ايداع كامل الثمن شرطاً للحكم بإيقاع البيع ولم يجز المشروع أن تشتمل قائمة شروط البيع على ما يخالف ذلك والمفهوم أن البيع لا يعتبر قد تم إلا من وقت أداء كامل الثمن .

وقد أدى ما اتجه اليه المشروع في هذا الشأن إلى إستبعاد حكم المادة 686 من القانون القائم والفقرة الثالثة من المادة 687 التي تعتبر حكم مرسي المزاد سنداً في استيفاء الثمن الذي رسا المزاد وأحكام الزيادة بالعشر وإعادة البيع على مسئولية المشتري المتخلف .

تقرير اللجنة التشريعية:

وبصدد إجراءات بيع العقار جبراً، عدالت اللجنة الحكم الوارد في المادة 440 من المشروع تعديلاً مؤداه أنه عند تأجيل البيع لعدم أداء بن أعتمد عطاؤه في الجلسة الأولى لكامل الثمن، يجب على من يزايد بالعشر في الجلسة الثانية أو من يتقدم بعطاء في هذه الجلسة . سواء لإفتتاح مزايدة فيها على أساس الزيادة بالعشر أو نتيجة لعدم أداء المزايد في الجلسة الأولى لكامل. الثمن - أن تكون مزايدته او عطاؤه مصحوباً بكامل قيمته.

وسبب هذا التعديل الرغبة في إنهاء الإجراءات في هذه الجلسة، حتى لا يتقدم مزايد بالعشر دون أن تكون مزايدته مصحوبة بكامل الثمن المزيد بحيث لو افتتحت مزايدة ولم يتقدم فيها أحد أوقع البيع على المزايدة بالعشر. كذلك الحال إذا افتتحت مزايدة وتقدم فيها مزايدون وأوقع البيع على أجدهم، كان الثمن المزايد به مدفوعاً، ولا تكون هناك حاجة في جميع هذه الأحوال لإعادة البيع على مسئولية المشتري المتخلف .

الأحكام

1 ـ إذ كان مفاد نص المادة 440 من قانون المرافعات أن من اعتمد عطاؤه ولم يقم حال انعقاد الجلسة بإيداع الثمن و المصاريف و رسوم تسجيل حكم إيقاع البيع يؤجل البيع لجلسة تالية تتاح فيها المزايدة بالعشر على الثمن الذى اعتمد فى الجلسة السابقة ، فإن لم يتقدم أحد للمزايدة وأودع من كان قد اعتمد عطاؤه كامل الثمن حكم بإيقاع البيع عليه وإلا وجب إعادة المزايدة فورا على ذمته ، وكان الثابت بالأوراق أنه بعد أن قررت محكمة أول درجة فى جلسة 1991/8/13 اعتماد عطاء المطعون ضده الأول و إلزامه بدفع الثمن و المصاريف و رسوم تسجيل حكم إيقاع البيع حال دون إتمام إجراءات الإيداع طلب الطاعن تأجيل الدعوى لاتخاذ إجراءات رد المحكمة وفى الجلسة الأولى التى تلت تنازله عن طلب الرد لم يتقدم مزايد أخر فأودع المطعون ضده الأول كامل الثمن و المصاريف و رسوم التسجيل و قضت فى ذات الجلسة بإيقاع البيع على مباشرى الإجراءات ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه بعدم جواز استئناف حكم إيقاع البيع على أن إجراءات الإيداع قد تمت طبقا للقانون فإن النعى عليه فى هذا الخصوص يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 3620 لسنة 62 جلسة 1999/06/01 س 50 ع 2 ص 779 ق 153)

2 ـ لما كانت المادة 16 من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية قد أوجبت على المحكمة وقف الدعوى متى كان الفصل فيها - يتوقف على الفصل فيما أثير فيها من نزاع تختص بالفصل فيه جهة قضاء أخرى ، و كان مفاد نصوص المواد 3 ، 4 ، 7 ، 8 من قرار وزير الأوقاف رقم 36 لسنة 1960 و نص المادة 440 من قانون المرافعات أن قرار لجنة القسمة بوزارة الأوقاف برسو المزاد على صاحب أكبر عطاء ينعقد به البيع للراسى عليه المزاد و ذلك ما لم يتم إيقاع البيع على غيرة من بعد نتيجة إعادة إجراءاته سوء كان ذلك لتخلف الراسى عليه المزاد الأول عن الوفاء بباقى الثمن فى الموعد المحدد أو لحصول زيادة العشر بالإجراءات المرسومة قانوناً ، لما كان ذلك و كان الثابت أن لجنة القسمة بعد أن قررت إرساء المزاد على الطاعن أعادت إجراء البيع لحصول زيادة بالعشر و لعدم إعتدادها بوفاء الطاعن بباقى الثمن ثم قررت إيقاع البيع على المطعون ضدهم من الثانى إلى الثامنة ، و كان طلب الطاعن الحكم بصحة عقده جاء محمولاً على ما يراه من بتات هذا العقد كأثر لما طلبه من بطلان القرار النهائى للجنة القسمة بإيقاع البيع على غيره و ذلك لمخالفته القانون بعدم إعتداده بوفائه الصحيح بباقى الثمن و لقبوله زيادة العشر التى لم تتبع فيها الإجراءات المرسومة قانوناً ، فإن الفصل فى طلب صحة التعاقد يتوقف على الفصل فى طلب بطلان ذلك القرار و الذى تختص بنظره محكمة القضاء الإدارى بما كان يوجب على محكمة الإستئناف وقف الفصل فى طلب صحة التعاقد حتى يفصل نهائياً فى طلب بطلان قرار لجنة القسمة ، و إذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون قد خالف القانون.

(الطعن رقم 80 لسنة 51 جلسة 1985/12/19 س 36 ع 2 ص 1140 ق 235)

شرح خبراء القانون

أما إذا تقدم مشتر أو أكثر في جلسة البيع، فإن المزايدة تبدأ بمناداة المحضر 433 علي الثمن الأساسي والمصاريف كما تضمنها أمر التقدير الذي أصدره قاضي و التنفيذ قبل بدء المزايدة، ويعتمد القاضي العطاء في الجلسة فوراً لمن تقدم بأكبر و عرض، ويعتبر العرض الذي لا يزاد عليه خلال ثلاث دقائق منها للمزايدة، ويجب على صاحبه أن يودع حال إنعقاد الجلسة كامل الثمن الذي إعتمد والمصاريف ورسوم تسجيل الحكم، ومتى تم هذا الإيداع حكم قاضي التنفيذ بإيقاع البيع علي المودع. فإن لم يودع الثمن كاملاً، وجب عليه إيداع خمسة علي الأقل وإلا أعيدت المزايدة علي ذمته في نفس الجلسة ويلزم المزايد المتخلف بما ينقص من ثمن العقار وبالفوائد، ومتى أعيد البيع علي ذمة الأخير، فإن القاضي يعتمد العطاء الأعلي ولو كان يقل عن العطاء الذي تقدم به المزايد المتخلف، فإن لم يوجد عطاء أعلي وتقدم مشتر للشراء بالثمن الأساسي دون أن يزايد عليه أحد، اعتمد القاضي هذا العطاء وحكم بإيقاع البيع على صاحبه مع تضمين هذا الحكم إلزام المزايد المتخلف بفرق الثمن إن وجد، لكن إذا وجد عطاء أكبر من الذي كان قد تقدم به الأخير، فلا تكون الزيادة من حقه بل يستحقها المنفذ ضده سواء كان هو الدين أو الحائز أو الكفيل العيني.

وإذا تخلف المزايد عن إيداع كامل الثمن أو خمسة ولم يتقدم أحد للشراء في نفس الجلسة مما أدي إلي تأجيل البيع لجلسة مقبلة، فإذا حضرها المزايد المتخلف عن الإيداع وأودع الثمن الذي كان قد تخلف عن إيداعه ولم يتقدم أحد بعرض يجاوز هذا الثمن بمقدار العشر مصحوباً بكامل الثمن المزاد، وجب علي قاضي التنفيذ أن يحكم بإيقاع البيع على المزايد الذي كان قد تخلف.

ولا يكفي إيداع الثمن أو خمسة ، بل يجب علي الراسي عليه المزاد، أن يودع أيضاً المصاريف كاملة كما تضمنها أمر التقدير - شاملة أتعاب المحاماة وإلا اعتبر متخلفاً عن إيداع الثمن.

أما إذا تقدم من يقبل الشراء مع زيادة العشر وذلك بتقرير في قلم الكتاب مصحوباً بكامل الثمن المزاد، فإن قاضي التنفيذ لا يوقع البيع علي صاحب هذا العرض فور التقدم به، وإنما يستمر في المزايدة على أساس الثمن المزاد وينادي المحضر عليه مع المصاريف. فإذا لم يتقدم أحد للزيادة ، أوقع القاضي و البيع علي الأخير، ولا يعتد في هذه الجلسة بأي عطاء غير مصحوب بكامل قيمته، ولا يجوز أن تتضمن قائمة شروط البيع الجبري ما يخالف ذلك.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : العاشر ، الصفحة : 422)

وأتضح من نص المادتين 439 ، 440 أن من اعتمد عطاؤه في أول جلسة ويؤدي كامل الثمن الذي اعتمد والمصروفات ورسوم التسجيل يحكم بإيقاع البيع عليه. وتنتهي الإجراءات فإن لم يفعل وجب عليه أداء خمس الثمن وإلا أعيدت المزايدة علي ذمته في نفس الجلسة ويتكرر نفس الحكم.

وفي حالة عدم إيداع كامل الثمن يؤجل البيع لجلسة تالية ، وفي هذه الجلسة تتاح المزايدة بالعشر علي الثمن الذي أعتمد في الجلسة السابقة وإن لم يتقدم مزاید وأودع من كان قد إعتمد عطاؤه كامل الثمن حكم بإيقاع البيع عليه وإلا وجبت إعادة المزايدة على ذمته غير أن هناك شرطاً أساسياً للمزايدة في هذه الجلسة وهو إلا يقبل أي عطاء فيها إلا إذا كان مصحوباً بكامل قيمته حتى لا يتكرر النصوص عن أداء قيمة العطاء بعد اعتماده وحتي تنتهي الإجراءات في هذه الجلسة ، وهذا الحكم أدخلته اللجنة التشريعية في مجلس الأمة إذ كان مشروع الحكومة يكتفي بالنص على أنه يجب على من يعتمد عطاؤه أداء كامل الثمن.

ويلاحظ أن إعادة المزايدة على ذمته المتخلف - سواء عن أداء خمس الثمن في الجلسة الأولي - أو عن أداء كامل الثمن في الجلسة الثانية - مع عدم تقدم مزايدين تعني إجراء البيع علي أساس نفس الثمن عملاً بالمادة 438 من القانون الجديد المقابلة للفقرة الأخيرة من المادة 664 من القانون القديم (كمال عبد العزيز ، في الطبعة الثانية ص 702).

وإذا تخلف من أعتمد عطاؤه في الجلسة الأولي ولم يدفع سوى خمس الثمن عن سداد باقي الثمن أو تقدم أحد بزيادة عشر الثمن في الجلسة التالية فإنه لا يتطلب لإتمام المزايدة أن يطلب البيع أحد أصحاب الشأن المشار إليهم في المادة 435 لأن تلك الجلسة هي إستمرار واستكمال للمزايدة الأولي التي أبدى فيها طلب البيع.

ومن يتخلف عن أداء كامل الثمن أو خمسه حسب الأحوال ، لا يملك الاشتراك في المزايدة الجديدة وإلا أصبح إجراء البيع الجديد عبثاً .

ويشترط طبقاً للقواعد العامة فيمن يتقدم للمزايدة ألا يكون ممنوعاً منها بنص في القانون وأن يكون أهلاً للشراء غير أن البطلان في هذه الحالة مقرر المصلحة ناقص الأهلية.

وقد ثار الخلاف بين الشراح في تحديد الثمن الأساسي الذي تبدأ به المزايدة في المرحلة التالية فذهب رأي إلي أن المزايدة تتم على أساس الثمن الذي كان قد أعتمد به العطاء وادي خمس قيمته وذهب الرأي الآخر إلي أن إجراء المزايدة تتم على أساس الثمن الأساسي الذي بدأت به المزايدة في الجلسة السابقة علي ألا تقبل المزايدة عليه إلا بتوافر شرطين أولهما ألا تقل الزيادة عن عشر الثمن الذي قد أعتمد به العطاء بالنسبة إلى المزايد الأول أما الشرط الثاني فهو ألا يعتد بأي عطاء غير مصحوب بكامل قيمته لا بمجرد الزيادة فيه عن العطاء السابق عليه (راجع في تأييد الرأي الأول أبو الوفا في التعليق الطبقة الخامسة ص 1432 وما بعدها وفي تأييد الرأي الثاني والي بند 278).

 ونرى أن الرأي الأول يتفق وحكمة التشريع فضلاً عن أنه أكثر ملاءمة الصياغة النص.

ولا يملك القاضي بأي حال من الأحوال في المرحلة الثانية منح المزايد مهلة الوفاء بالثمن أما المادة 436 التي تجيز تأجيل المزايدات بذات الثمر الأساسي الأسباب قوية فلا مجال لتطبيقها بصدد المادة 440 لأن المادة 436 تقصد تأجيل المزايدة قبل بداية الشروع في البيع (أبو الوفا في التعليق الطبعة الخامسة ص 1434 وقارن فتحي والي بند 278).(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء : الثامن ،  الصفحة : 621)

تميز القانون الحالي عن القانون السابق فيما يتعلق بإجراءات المزايدة، بإدماج القانون الحالى المراحل المزايدة ورسو المزاد والزيادة بالعشر والبيع على ذمة المشتري المتخلف في مرحلة واحدة (كمال عبد العزيز ص 702)، تستغرق جلسة واحدة أو على الأكثر في مرحلتين يستغرقان بحسب الأصل جلستين لا يفصل بينهما أكثر من ستين يوماً.

المرحلة الأولى : وهذه المرحلة تجري في الجلسة الأولى المحددة للبيع. وفيها تجرى المزايدة على النحو المعتاد المبين في المادتين 437 و 438 وبحكم القاضي بإعتماد أكبر عطاء لا يزاد عليه في مدى ثلاث دقائق ، وقد سبق أن أوضحنا تفصيلات ذلك عند تعليقنا على المادة 437 فيما مضى .

ويلاحظ أنه إنا أدى صاحب العطاء المعتمد كامل الثمن الذي تقدم به والمصاريف ورسوم التسجيل حكم القاضي بإيقاع البيع عليه، وانتهت بذلك إجراءات التنفيذ فلا تجوز الزيادة بالعشر حتى من أحد الدائنين الذين لم يعلنوا بإيداع القائمة أو لم يخبروا بتاريخ جلسة البيع على ما يفعل القانون القديم في المادة 691 منه.

ويجب على من أعتمد عطاؤه إذا لم يدفع كامل الثمن على النحو السالف أن يؤدى خمس قيمة عطائه ما لم يعفه القاضي من الإبداع عملاً بالمادة 442، فإن فعل بدأت المرحلة الثانية بتأجيل البيع لجلسة تالية بعد مدة لا تزيد على ستين يوماً ولا تقل عن ثلاثين يوماً (مادة 441) مع الإعلان عن البيع على النحو المبين في المواد 428 و 429 و 430 على أن يتضمن بيان إجمالي العقارات التي أعتمد عطاؤها واسم من أعتمد عطاؤه ومهنته وموطنه والثمن الذي اعتمد به العطاء.

أما إذا لم يؤد من أعتمد عطاؤه خمس قيمة عطائه في الجلسة التي اعتمد فيها هذا العطاء ولم يوف من الإيداع وفقاً لنص المادة 442 وجب إعادة المزايدة فوراً وفي الجلسة ذاتها على ذمته فإن لم يتقدم مشتر أجل البيع لجلسة تالية لمدة لا تزيد على ستين يوماً ولا تقل عن ثلاثين يوماً مع نقص الثمن الذي أعتمد به العطاء بقيمة العشر وهكذا إلى أن يتقدم من يعتمد عطاؤه خمس قيمته ويؤدى قيمة هذا العطاء فبحكم القاضي بإعتماد عطائه مع إلزام من سبق أن أعتمد عطاؤه بالفرق بين الثمن الذي أعتمد مؤخراً والثمن الذي كان قد اعتمد له عملاً بنص المادة 443 .

وتأجيل البيع لجلسة تالية لمدة لا تقل عن ثلاثين يوماً ولا تزيد على ستين يوماً (كمال عبد العزيز - ص 702 و ص 703).

المرحلة الثانية: وهذه المرحلة تجري في الجلسة التي أجل إليها البيع بعد إعتماد الغطاء وأداء خمس قيمة العطاء المعتمد فهي لا تبدأ إلا بسبب عدم أداء كامل الثمن الذي اعتمد العطاء به، وهي من جهة أخرى لا تبدأ إلا بعد أداء خمس الغطاء الذي يعتمد سواء كان أول عطاء يعتمد ويؤدي صاحبة خمس قيمته ، أو كان عطاء من اعتمد عطاؤه بعد إجراء المزايدة على ذمة الأول الذي تخلف عن أداء خمس عطائه على التفصيل السابق. وبمعنى آخر فإن هذا العطاء الذي اعتمد ودفع خمسه هو الذي يعتبر أساساً للمرحلة الثانية .

ويلاحظ أن هذه المرحلة الثانية تتميز عن المرحلة الأولى بميزة أساسية هامة هي أن في كافة المزايدات التي تجرى فيها وعلى إختلاف أسبابها على ما سنرى لا يعتد بأي عطاء لا يكون مصحوباً بكامل قيمته ، فلابد لقبول المزايدة ممن يتقدم للشراء في هذه المرحلة أن يكون عرضه مصحوباً بكامل قيمته فإن لم يكن كذلك لم يعتبر أن هناك مزايدة قد أبديت .

وتبدأ هذه المرحلة الثانية بإجراء المزايدة على الثمن الذي كان قد اعتمد به العطاء وأدى خمس قيمته (أحمد أبو الوفا - التنفيذ بند 349، وقارن فتحي والي - بند 278 ص 524 حيث يرى أن إعادة المزايدة تبدأ على أساس أن الثمن الأساسي فيها هو نفس الثمن الأساسي الذي بدأت به المزايدة في الجلسة السابقة مشيرا في هذا الصدد إلى حكم قديم صادر من محكمة استئناف مصر صادر في 1937/5/25 - منشور في المحاماة 18 - 9 - 1 - 76، والراجح في نظرنا هو الرأي المشار إليه في المتن). على ألا تقبل المزايدة عليه إلا بتوافر شرطين، أولهما ألا تقل الزيادة عن عشر الثمن الذي كان قد اعتمد به العطاء وذلك بالنسبة إلى المزايد الأول، أما الشرط الثاني فهو الا يعتد بأي عطاء غير مصحوب بكامل قيمته لا بمجرد الزيادة فيه عن العطاء السابق عليه، فإذا نقدم في هذه الجلسة من يقبل الشراء بزيادة عشر الثمن الذي اعتمد مصحوباً بكامل الثمن أجريت المزايدة على النحو السالف فإذا مضت على أحد العطاءات ثلاث دقائق دون أن يزيد عليه أحد حكم القاضي بإيقاع البيع علي صاحبه وإنتهت إجراءات البيع دون ذيول إذ يكون الثمن الذي حكم بإيقاع البيع به مقبوضاً سلفاً واسترد بطبيعة الحال صاحب العطاء الذي كان قد اعتمد خمس قيمة العطاء الذي كان قد أداه .

أما إذا لم يتقدم أحد للمزايدة على العطاء الذي كان قد اعتمد على النص السالف، ومضت ثلاث دقائق على إفتتاح المزايدة، وجب على من كان قد اعتمد عطاؤه أداء باقي الثمن المعتمد كاملاً في الحال، فإن فعل حكم القاضي بإيقاع البيع عليه وانتهت بذلك إجراءات التنفيذ، وإن لم يفعل أعيدت المزايدة على ذمته فوراً وفي الجلسة ذاتها فإن لم يتقدم مشتر أجل البيع مع نقص عشر قيمة العطاء على النحو المبين في المادة 438 جني يتقدم من يقبل الشراء مصحوباً بكامل قيمة. عطائه فيحكم القاضي بإيقاع البيع علية مع إلزام من كان قد اعتمد عطاؤه وتخلف عن أداء باقي الثمن بالفارق بين قيمة هذا العطاء والثمن الذي حكم بإيقاع البيع به والفوائد القانونية .

 ويلاحظ أنه يجوز للدائن مباشر الإجراءات الزيادة بالعشر (نقض 1968/4/25 - السنة 19 - ص 842 كمال عبد العزيز - ص 704)، وأنه متى أودع من اعتمد عطاؤه كامل الثمن فإن المبلغ المودع يخرج عن ملكه، فإذا كان دائناً طرفاً في الإجراءات وأوقع أحد دائنيه الحجز على المبلغ الذي أودعه فإن ذلك لا ينال من إعتباره قد وفى بإلتزامه إن أن هذا الحجز لا يتعدى ما يختص به هو في توزيع الثمن ولا يكون له أثر في حقوق باقي الدائنين (نقض 1948/2/19 - السنة 40 ص 478) .

كما أن الحكم بإيقاع بيع عقار يشمل المنقولات التي رصدها مالكه لمنفعتة وعلى من يدعي عك ذلك عبء إثبات ادعائه (نقض 1954/1/14 - السنة 5 ص 42 ) .

ويتعين أيضاً ملاحظة أنه في المرحلة الثانية لا يملك القاضي بأي حال من الأحوال منح المزايد مهلة للوفاء بالثمن، أما المادة 436 التي تجيز تأجيل المزايدات بذات الثمن الأساسي لأسباب قوية، فلا مجال لتطبيقها في صدد المادة 440 (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 1459 وقارن فتحی والی - بند 278 ص 456) ، لأن المادة 436 بقصد تأجيل المزايدة قبل بداية الشروع في البيع، بدليل أنها تقرر التأجيل بذات الثمن الأساسي ويكون ذلك لظروف تحدث يكون من شأنها أن يقل عدد الحاضرين للإشتراك في المزايدة. كإنقطاع المواصلات مثلاً ، أو إضطراب الأمن، أو غير ذلك من الظروف  .

إستقلال كل عطاء عن غيره وبطلان العطاء لا يسبب بطلان ما يعقبه من عطاءات:

تنص المادة 99 من القانون المدني على أنه لا يتم العقد في المزايدات إلا برسو المزاد، ويسقط العطاء (العرض) بعطاء يزيد عليه ولو كان باطلاً .

وتفيد هذه المادة أن كل عرض يستقل عن غيره تمام الإستقلال ولا يتم للعرض على غرض مسبق له، وإنما يجب في ذاته إيجاباً غير مقترن بأي شرطة ومتی مضت الفترة الزمنية التي حددها المشرع لبقاء هذا الإيجاب قائماً قانوناً دون أن يحصل القبول - أي متي أعقب هذا العرض عرض آخر يزيد عليه . فإن العرض الأول يسقط ولو كان الأخير باطلاً سواء أكان سبب البطلان في علم أهلية صاحب العرض أو وجود مانع يمنعة من المزايدة أو لأي سبب آخن، ومتى حكم ببطلان العرض الأخير وجب إعادة المزاد من جديد مع عدم الاعتداد بأي عرض سابق عليه.

وفهم المادة المتقدمة يقتضي أيضاً أنه إذا كان العرض الأخير صحيحاً في ذاته فلا يجوز للراسي عليه المزاد أن يتحلل من البيع بالتمسك ببطلان العرض الذي سبق عرضه ليصل بذلك إلى بطلان عرضه على إعتبار أنه قد بني على عرض باطل، لا يجوز هذا لأن كل عرض يستقل من الآخر وبعد في ذاته إيجاباً مستقلاً، ويعتبر كأن لم يكن متى أدلى بإيجاب آخر يزيد عليه ، وبعبارة أخرى كل عرض لا يؤثر على ما يعقبه من عروض إلا من ناحية ضرورة الزيادة عليه .. أي أن بطلان العرض لا يسبب بطلان ما يعقبه من عروض (أحمد أبو الوفا - التعليق - ج 1460 ) .(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء : السادس ، الصفحة : 524)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس عشر ، الصفحة / 25

ثَمَنٌ

التَّعْرِيفُ:

الثَّمَنُ لُغَةً: مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشَّيْءُ. وَفِي الصِّحَاحِ: الثَّمَنُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: ثَمَنُ كُلِّ شَيْءٍ قِيمَتُهُ.

قَالَ الزَّبِيدِيُّ: قَالَ شَيْخُنَا: اشْتُهِرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرَاضِي وَلَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ عَنْ الْوَاقِعِ، وَالْقِيمَةُ مَا يُقَاوِمُ الشَّيْءَ، أَيْ: يُوَافِقُ مِقْدَارَهُ فِي الْوَاقِعِ وَيُعَادِلُهُ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: الثَّمَنُ اسْمٌ لِمَا يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ سِلْعَةً، وَكُلُّ مَا يُحَصَّلُ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ فَهُوَ ثَمَنُهُ.

وَالثَّمَنُ هُوَ: مَبِيعٌ بِثَمَنٍ.

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَالثَّمَنُ، مَا يَكُونُ بَدَلاً لِلْمَبِيعِ وَيَتَعَيَّنُ فِي الذِّمَّةِ، وَتُطْلَقُ الأْثْمَانُ أَيْضًا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْقِيمَةُ:

الْقِيمَةُ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ.

وَالثَّمَنُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ.

فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الْقِيمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَالثَّمَنُ الْمُتَرَاضَى عَلَيْهِ قَدْ يُسَاوِي الْقِيمَةَ أَوْ يَزِيدُ عَنْهَا أَوْ يَنْقُصُ وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ أَحْكَامِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي (الْقِيمَةُ).

ب - السِّعْرُ:

السِّعْرُ هُوَ الثَّمَنُ الْمُقَدَّرُ لِلسِّلْعَةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ مَا يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ أَمَّا السِّعْرُ فَهُوَ مَا يَطْلُبُهُ الْبَائِعُ.

 

الثَّمَنُ مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ:

اتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ (وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ) مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ هُوَ الصِّيغَةُ فَقَطْ (الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ) أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ أَحَدُ جُزْأَيْ مَحَلِّ عَقْدِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ (الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ) وَلَيْسَ الْمَحَلُّ رُكْنًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا تَفَاسَخَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ، كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الْبَائِعُ الَّذِي قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَرَضًا كَانَ أَوْ نَقْدًا، ثَمَنًا كَانَ أَوْ قِيمَةً؛

لأِنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ. فَكَانَ لَهُ وِلاَيَةُ أَنْ لاَ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ.

وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فِي حَالَةِ التَّفَاسُخِ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِحَبْسِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لأِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ، فَكَذَا يُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

شُرُوطُ الثَّمَنِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَأَنْ يَكُونَ مَالاً، وَمَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي، وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَمَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

 

الشَّرْطُ الأْوَّلُ - تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ:

تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ حِينَ الْبَيْعِ لاَزِمَةٌ، فَلَوْ بَاعَ بِدُونِ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا؛ لأِنَّ الْبَيْعَ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ، إِذْ لاَ مُبَادَلَةَ حِينَئِذٍ، وَمَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ، كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ.

فَإِذَا بِيعَ الْمَالُ وَلَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حَقِيقَةً، كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ مَجَّانًا أَوْ بِلاَ بَدَلٍ فَيَقُولَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ، فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ.

وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حُكْمًا، كَأَنْ يَقُولَ إِنْسَانٌ لآِخَرَ: بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِالأْلْفِ الَّتِي لَكَ فِي ذِمَّتِي، فَيَقْبَلُ الْمُشْتَرِي، مَعَ كَوْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَعْلَمَانِ أَنْ لاَ دَيْنَ، فَالْبَيْعُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ أَيْضًا، وَيَكُونُ الشَّيْءُ هِبَةً فِي الصُّورَتَيْنِ.

وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَسْكُوتًا عَنْهُ حِينَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا سَكَتَ الْبَائِعُ عَنِ الثَّمَنِ كَانَ مَقْصِدُهُ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: بِعْتُ مَا لِي بِقِيمَتِهِ، وَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُجْمَلَةً يَجْعَلُ الثَّمَنَ مَجْهُولاً فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا.

وَبَيْعُ التَّعَاطِي صَحِيحٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لأِنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ مَعْلُومَانِ فِيهِ، وَالتَّرَاضِي قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَةٌ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى الصَّدَاقِ: الصَّدَاقُ نِحْلَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَرَضَهَا لِلزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لاَ عَنْ عِوَضٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَفْتَقِرْ عَقْدُ النِّكَاحِ إِلَى تَسْمِيَةٍ، وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ ثَمَنًا لِلْبُضْعِ حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ النِّكَاحُ دُونَ تَسْمِيَةٍ، كَالْبَيْعِ الَّذِي لاَ يَنْعَقِدُ إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ قَالَ النَّوَوِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَالِ الْعَقْدِ، فَيَقُولَ: بِعْتُكَ كَذَا بِكَذَا، فَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا، فَقَالَ الْمُخَاطَبُ: اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا بِلاَ خِلاَفٍ، وَلاَ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: يَكُونُ هِبَةً.

وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ بِلاَ ثَمَنٍ، أَوْ لاَ ثَمَنَ لِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ وَقَبَضَهُ فَلَيْسَ بَيْعًا، وَفِي انْعِقَادِهِ هِبَةً قَوْلاَ تَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ هِبَةً، أَوْ اللَّفْظَ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَقَدْ جَاءَ فِي الإْنْصَافِ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ حَالَ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الأْصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْلِ كَالنِّكَاحِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي - كَوْنُ الثَّمَنِ مَالاً:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ لاِنْعِقَادِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوِّمًا.

لأِنَّ الْبَيْعَ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي.

وَالْمَالُ هُوَ مَا يَمِيلُ إِلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْمَالِيَّةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِتَمَوُّلِ النَّاسِ كَافَّةً أَوْ بَعْضِهِمْ.

وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهَا وَبِإِبَاحَةِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا. فَمَا يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ بِدُونِ تَمَوُّلِ النَّاسِ لاَ يَكُونُ مَالاً، كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ. وَمَا يَكُونُ مَالاً بَيْنَ النَّاسِ، وَلاَ يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ لاَ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا، كَالْخَمْرِ. وَإِذَا عُدِمَ الأْمْرَانِ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالدَّمِ.

فَالْمَالُ أَعَمُّ مِنَ الْمُتَقَوِّمِ؛ لأِنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ كَالْخَمْرِ، وَالْمُتَقَوِّمُ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ مَعَ الإْبَاحَةِ. فَالْخَمْرُ مَالٌ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، فَلِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِجَعْلِهَا ثَمَنًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلاً بِجَعْلِهَا مَبِيعًا؛ لأِنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ وَسِيلَةٌ إِلَى الْمَقْصُودِ، إِذْ الاِنْتِفَاعُ بِالأْعْيَانِ لاَ بِالأْثْمَانِ، وَلِهَذَا اشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَبِهَذَا الاِعْتِبَارِ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ بِمَنْزِلَةِ آلاَتِ الصُّنَّاعِ.

وَمِنْ هَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ، لَكِنَّ الأْصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ، وَلِذَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، وَيَنْفَسِخُ بِهَلاَكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ.

وَالتَّقَوُّمُ فِي الثَّمَنِ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَفِي الْمَبِيعِ شَرْطُ انْعِقَادٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الثَّمَنِ:

أَنْ يَكُونَ مَالاً طَاهِرًا، فَلاَ يَصِحُّ مَا نَجَاسَتُهُ أَصْلِيَّةٌ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأْصْنَامِ».

وَقِيسَ عَلَيْهَا مَا فِي مَعْنَاهَا. وَلاَ يَصِحُّ مَا هُوَ مُتَنَجِّسٌ لاَ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَسَمْنٍ وَلَبَنٍ تَنَجَّسَ. وَأَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا وَلَوْ فِي الْمَالِ كَالْبَهِيمَةِ الصَّغِيرَةِ. فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ، لأِنَّهُ لاَ يُعَدُّ مَالاً، كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لاَ نَفْعَ فِيهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَالاً.

وَالْمَالُ شَرْعًا: (مَا يُبَاحُ نَفْعُهُ مُطْلَقًا، وَيُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ بِلاَ حَاجَةٍ) فَخَرَجَ: مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ أَصْلاً كَبَعْضِ الْحَشَرَاتِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلْحَاجَةِ كَالْكَلْبِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ، وَخَمْرٍ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا.

أَنْوَاعُ الأْمْوَالِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأْمْوَالَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:

أ - ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ النَّقْدَانِ، صَحِبَهُ الْبَاءُ أَوْ لاَ، قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأِنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ، وَالنُّقُودُ لاَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إِلاَّ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، فَكَانَتْ ثَمَنًا بِكُلِّ حَالٍ.

ب - مَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍ، كَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا مِنَ الأْعْيَانِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّةِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ؛ لأِنَّ الْعُرُوضَ لاَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إِلاَّ عَيْنًا فَكَانَتْ مَبِيعَةً.

ج - ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ فَثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ فَأَشْبَهَتِ النَّقْدَ، وَمَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، نَظَرًا إِلَى الاِنْتِفَاعِ بِأَعْيَانِهَا فَأَشْبَهَتِ الْعُرُوضَ. وَذَلِكَ كَالْمِثْلِيَّاتِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالْبَيْضِ. فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَصَحِبَهُ الْبَاءُ، وَقُوبِلَ بِالْمَبِيعِ فَهُوَ ثَمَنٌ. وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ حَرْفُ الْبَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْهُ ثَمَنٌ فَهُوَ مَبِيعٌ؛ لأِنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَيْنًا تَارَةً، وَدَيْنًا أُخْرَى، فَكَانَ ثَمَنًا فِي حَالٍ، مَبِيعًا فِي حَالٍ

د - ثَمَنٌ بِالاِصْطِلاَحِ، وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الأْصْلِ كَالْفُلُوسِ.

فَإِنْ كَانَ رَائِجًا كَانَ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ كَاسِدًا فَهُوَ سِلْعَةٌ مُثَمَّنٌ. وَالْحَاصِلُ - كَمَا قَالَ الْحَصْكَفِيُّ وَابْنُ عَابِدِينَ - إِنَّ الْمِثْلِيَّاتِ تَكُونُ ثَمَنًا إِذَا دَخَلَتْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُقَابَلْ بِثَمَنٍ، أَيْ: بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ أَوْ لاَ. وَكَذَا إِذَا لَمْ تَدْخُلْهَا الْبَاءُ، وَلَمْ تُقَابَلْ بِثَمَنٍ وَتَعَيَّنَتْ. وَتَكُونُ مَبِيعًا إِذَا قُوبِلَتْ بِثَمَنٍ مُطْلَقًا، أَيْ: سَوَاءٌ دَخَلَتْهَا الْبَاءُ أَوْ لاَ، تَعَيَّنَتْ أَوْ لاَ. وَكَذَا إِذَا لَمْ تُقَابَلْ بِثَمَنٍ وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُعَيَّنْ، كَبِعْتُكَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِهَذَا الْعَبْدِ.

وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: الْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ إِنْ قُوبِلَتْ بِخِلاَفِ جِنْسِهَا فَهِيَ أَثْمَانٌ، وَكَذَا إِنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا مُتَسَاوِيَةً فِي الْعَدَدِ. وَإِنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلَةً فِي الْعَدَدِ فَهِيَ مَبِيعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ أَثْمَانٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَقَرِيبٌ مِنْهُ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الثَّمَنَ النَّقْدُ إِنْ قُوبِلَ بِغَيْرِهِ لِلْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ أَوْ عَرَضَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا الْتَصَقَتْ بِهِ بَاءُ الثَّمَنِيَّةِ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الْعِوَضَيْنِ ثَمَنٌ لِلآْخَرِ وَمُثَمَّنٌ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ كَوْنِ النُّقُودِ مَبِيعَةً؛ لأِنَّ كُلًّا مِنَ الْعِوَضَيْنِ مَبِيعٌ بِالآْخَرِ، لَكِنْ جَرَى الْعُرْفُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَالْعِوَضُ الثَّانِي شَيْئًا مِنَ الْمُثَمَّنَاتِ، عَرَضًا أَوْ نَحْوَهُ، أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَمَا عَدَاهُمَا مُثَمَّنَاتٌ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الثَّمَنَ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْمُثَمَّنِ بِبَاءِ الْبَدَلِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ نَقْدٌ.

فَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ فَهُوَ ثَمَنٌ، فَدِينَارٌ بِثَوْبٍ: الثَّمَنُ الثَّوْبُ، لِدُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهِ.

تَعَيُّنُ الثَّمَنِ بِالتَّعْيِينِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعَيُّنِ الأْثْمَانِ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: إِنَّ النُّقُودَ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهَذَا الدِّرْهَمِ فَلَهُ دَفْعُ دِرْهَمٍ غَيْرِهِ.

وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - إِلاَّ زُفَرَ - وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ إِلاَّ إِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِنْ ذَوِي الشُّبُهَاتِ.

وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي تَعَيُّنِ الأْثْمَانِ.

فَالأْثْمَانُ النَّقْدِيَّةُ الرَّائِجَةُ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ.

أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالأْمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْغَصْبِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لأِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَسَائِلَ لِغَيْرِهَا بَلْ تَكُونُ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ، فَإِذَا هَلَكَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْخَلْطِ تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ.

أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأْثْمَانُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ، فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لأِنَّهَا إِذَا عُيِّنَتْ تَكُونُ مَبِيعَةً مِنْ وَجْهٍ وَمَقْصُودَةً بِالذَّاتِ.

أَمَّا الْفُلُوسُ وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي غَالِبُهَا الْغِشُّ:

فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَلاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، لِكَوْنِهَا أَثْمَانًا بِالاِصْطِلاَحِ، فَمَا دَامَ ذَلِكَ الاِصْطِلاَحُ مَوْجُودًا لاَ تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ، لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ رَائِجَةٍ فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِلثَّمَنِيَّةِ وَهُوَ الاِصْطِلاَحُ، وَهَذَا لأِنَّهَا فِي الأْصْلِ سِلْعَةٌ، وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالاِصْطِلاَحِ، فَإِذَا تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إِلَى أَصْلِهَا.

كَمَا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوُا الصَّرْفَ وَالْكِرَاءَ فَفِيهِمَا تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ بِالتَّعْيِينِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الأْثْمَانَ النَّقْدِيَّةَ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، أَنَّ الْمَبِيعَ فِي الأْصْلِ اسْمٌ لِمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَالثَّمَنَ فِي الأْصْلِ مَا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. فَالْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مِنَ الأْسْمَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ.

فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عَلَى هَذَا الأْصْلِ أَثْمَانٌ لاَ تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فِي حَقِّ الاِسْتِحْقَاقِ وَإِنْ عُيِّنَتْ، حَتَّى لَوْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُمْسِكَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ وَيَرُدَّ مِثْلَهُ.

وَلَكِنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً، وَلَوْ هَلَكَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ لاَ يَبْطُلُ الْعَقْدُ.

وَالثَّمَنُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا فِي الذِّمَّةِ، هَكَذَا نُقِلَ عَنِ الْفَرَّاءِ، وَهُوَ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ، وَلأِنَّ أَحَدَهُمَا يُسَمَّى ثَمَنًا، وَالآْخَرَ مَبِيعًا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَاخْتِلاَفُ الأْسَامِي دَلِيلُ اخْتِلاَفِ الْمَعَانِي فِي الأْصْلِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا مَكَانَ صَاحِبِهِ تَوَسُّعًا؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقَابِلُ صَاحِبَهُ، فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ، كَمَا يُسَمَّى جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً، وَجَزَاءُ الاِعْتِدَاءِ اعْتِدَاءً.

وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ اسْمًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلاً لِلتَّعْيِينِ بِالإْشَارَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ حَقِيقَةً فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ، فَجُعِلَ كِنَايَةً عَنْ بَيَانِ الْجِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ، تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعَاقِلِ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ. وَلأِنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لأِنَّ كُلَّ عِوَضٍ يُطْلَبُ مِنَ الْمُعَيَّنِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مِثْلِهِ، فَلَمْ يَكُنِ التَّعْيِينُ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ مُفِيدًا فَيَلْغُو فِي حَقِّهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي بَيَانِ حَقِّ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ؛ لأِنَّ التَّعْيِينَ فِي حَقِّهِ مُفِيدٌ.

وَلأِنَّهُ يَجُوزُ إِطْلاَقُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الْعَقْدِ، فَلاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِيهِ، كَالْمِكْيَالِ وَالصَّنْجَةِ.

وَيَسْتَثْنِي الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الصَّرْفَ فَتَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بِالتَّعْيِينِ فِيهِ لاِشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا الْكِرَاءَ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: الأْثْمَانُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ:

فَيَتَعَيَّنُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ، حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الدَّرَاهِمَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا، كَمَا فِي سَائِرِ الأْعْيَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ هَلَكَ سَائِرُ الأْعْيَانِ، وَلاَ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ.

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ

وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ:

أَنَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ يُسْتَعْمَلاَنِ اسْتِعْمَالاً وَاحِدًا - فَهُمَا مِنَ الأْسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الآْخَرِ فِي الأْحْكَامِ بِحَرْفِ الْبَاءِ - قَالَ تَعَالَى ( وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً) سَمَّى تَعَالَى الْمُشْتَرَى وَهُوَ الْمَبِيعُ ثَمَنًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مَبِيعٌ، وَالْمَبِيعَ ثَمَنٌ.

وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُذَكَّرَ الشِّرَاءُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، يُقَالُ: شَرَيْتُ الشَّيْءَ بِمَعْنَى بِعْتُهُ، قَالَ تَعَالَى( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ) أَيْ: وَبَاعُوهُ؛

وَلأِنَّ ثَمَنَ الشَّيْءِ قِيمَتُهُ، وَقِيمَةَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَلِهَذَا سُمِّيَ قِيمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ غَيْرِهِ. وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَمَبِيعًا. دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ فِي اللُّغَةِ.

وَالْمَبِيعُ يَحْتَمِلُ التَّعَيُّنَ بِالتَّعْيِينِ فَكَذَا الثَّمَنُ، إِذْ هُوَ مَبِيعٌ.

وَلأِنَّ الثَّمَنَ عِوَضٌ فِي عَقْدٍ، فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَسَائِرِ الأْعْوَاضِ.

مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ:

يَحْصُلُ التَّعْيِينُ بِالإِْشَارَةِ، سَوَاءٌ أَضَمَّ إِلَيْهَا الاِسْمَ أَمْ لاَ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، أَوْ بِهَذِهِ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الدَّرَاهِمِ.

أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِهَذَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْعِوَضَيْنِ.

وَيَحْصُلُ التَّعْيِينُ أَيْضًا بِالاِسْمِ كَبِعْتُكَ دَارِي بِمَوْضِعِ كَذَا، أَوْ بِمَا فِي يَدِي أَوْ كِيسِي مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي:

يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي. وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ وَقْتَ الْعَقْدِ مِلْكًا تَامًّا، لاَ حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: «لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»، وَهُوَ يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ. وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مِثْلُ الْمَبِيعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ:

يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لأَنَّ مَا لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَبِيهٌ بِالْمَعْدُومِ، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا. فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ ثَمَنًا، وَكَذَا الْجَمَلُ الشَّارِدُ الَّذِي لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْغَرَرُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا. وَقِيلَ: مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ... وَالْمَبِيعُ وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إِذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ دَاخِلٌ فِي الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ فِي الثَّمَنِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الثَّمَنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إِلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ.

فَإِنْ كَانَ مُشَارًا إِلَيْهِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ وَصِفَتِهِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ.

(وَالْقَدْرُ: كَخَمْسَةِ أَوْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْرَارُ حِنْطَةٍ. وَالصِّفَةُ: كَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ كُوَيْتِيَّةٍ أَوْ أُرْدُنِيَّةٍ، وَكَذَا حِنْطَةٌ بُحَيْرِيَّةٌ أَوْ صَعِيدِيَّةٌ).

فَإِذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي يَدِكَ وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ لَهُ فَقَبِلَ جَازَ وَلَزِمَ؛ لأِنَّ الإْشَارَةَ أَبْلَغُ طُرُقِ التَّعْرِيفِ، وَجَهَالَةُ وَصْفِهِ وَقَدْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا عَقْدُ الْبَيْعِ فَلاَ يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لأِنَّ الْعِوَضَيْنِ حَاضِرَانِ.

وَهَذَا بِخِلاَفِ الرِّبَوِيِّ إِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ، حَيْثُ لاَ يَجُوزُ جُزَافًا؛ لاِحْتِمَالِ الرِّبَا لأِنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ التَّمَاثُلِ يُعْتَبَرُ بِمَثَابَةِ الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، وَبِخِلاَفِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، حَيْثُ لاَ يَجُوزُ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُقَدَّرَاتِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْقَدْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَوَافَقَ الْحَنَابِلَةُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: (وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأْثْمَانِ وَالْمُثَمَّنَاتِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا جُزَافًا)

فَذَهَبُوا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ إِذَا عُقِدَ عَلَى ثَمَنٍ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ وَمِلْءِ كَيْلٍ مَجْهُولَيْنِ عُرْفًا، وَعَرَفَهُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ، كَبِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ فِضَّةً، أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْوِعَاءِ أَوْ الْكِيسِ دَرَاهِمَ.

وَذَهَبُوا أَيْضًا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِصُبْرَةٍ مُشَاهَدَةٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا كَيْلَهَا وَلاَ وَزْنَهَا وَلاَ عَدَّهَا.

وَنَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ الشِّيرَازِيُّ: إِنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا جَازَ لأِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لأِنَّهُ يُجْهَلُ قَدْرُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ النَّقْدِ أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزَافًا إِذَا كَانَ مَسْكُوكًا، وَكَانَ التَّعَامُلُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدَدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْوَزْنِ، لِقَصْدِ أَفْرَادِهِ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ مَسْكُوكًا سَوَاءٌ تَعَامَلُوا بِهِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا، لِعَدَمِ قَصْدِ آحَادِهِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لأِنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ الْمَانِعِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، فَيَخْلُو الْعَقْدُ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَكُلُّ جَهَالَةٍ تُفْضِي إِلَيْهِ يَكُونُ مُفْسِدًا.

وَالصِّفَةُ إِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً تَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فِي وَصْفِهَا، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأْدْوَنِ، وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الأْرْفَعَ. فَلاَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلاَ مُنَازَعَةٍ.

فَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ عِلْمًا مَانِعًا مِنَ الْمُنَازَعَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمْ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ.

أ - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ. فَإِذَا بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأِنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَهُ قِيمَتَهُ، وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، فَكَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولاً.

ب - وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا حَلَّ بِهِ، أَوْ بِمَا تُرِيدُ، أَوْ تُحِبُّ، أَوْ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ، أَوْ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى فُلاَنٌ. فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْقَدْرِ فِي الْمَجْلِسِ فَرَضِيَهُ انْقَلَبَ جَائِزًا.

وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إِلاَّ دِينَارًا، أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلاَّ دِرْهَمًا.

وَكَذَا لاَ يَجُوزُ بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ النَّاسُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا لاَ يَتَفَاوَتُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ.

وَكَذَا إِذَا بَاعَ بِحُكْمِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِحُكْمِ فُلاَنٍ؛ لأِنَّهُ لاَ يَدْرِي بِمَاذَا يَحْكُمُ فُلاَنٌ فَكَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولاً.

جـ - وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا بِأَنَّهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِمَا يَنْقَطِعُ السِّعْرُ بِهِ، أَوْ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلاَنٌ، وَهُمَا لاَ يَعْلَمَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ؛ لأِنَّهُ مَجْهُولٌ.

د - وَإِنْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَمْ يَصِحَّ؛ لأِنَّهُ مَجْهُولٌ، لأِنَّ مِقْدَارَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الأْلْفِ مَجْهُولٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ بِمِائَةٍ بَعْضُهَا ذَهَبٌ؛ وَلأِنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.

هـ - وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ، وَالْمُرَادُ الثَّمَنُ لاَ يَعْلَمُ بِهِ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَنْظُرَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ.

وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَالرَّقْمُ: عَلاَمَةٌ يُعْلَمُ بِهَا مِقْدَارُ مَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ.

وَالْبَيْعُ بِالرَّقْمِ فَاسِدٌ؛ لأِنَّ فِيهِ زِيَادَةَ جَهَالَةٍ تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهِيَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ؛ لأِنَّهَا بِرَقْمٍ لاَ يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ، لِلْخَطَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ كَذَا وَكَذَا.

وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْعِلْمِ بَطَلَ.

وَكَانَ الإْمَامُ شَمْسُ الأْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُولُ: وَإِنْ عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لاَ يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزًا، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى ذَلِكَ الرِّضَا وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدَ ابْتِدَاءٍ بِالتَّرَاضِي.

وَوَرَدَ فِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: (قَالَ أَحْمَدُ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ بِالرَّقْمِ. وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ، وَهُوَ الثَّمَنُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُمَا حَالَ الْعَقْدِ. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَرِهَهُ طَاوُسٌ .

وَلَنَا أَنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَ مِقْدَارَهُ، أَوْ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا بِمَا اشْتَرَيْتُهُ بِهِ وَقَدْ عَلِمَا قَدْرَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمَا أَوْ لأِحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ؛ لأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ).

إِذَنْ فَالْحُكْمُ بِجَوَازِهِ هُنَا بِنَاءٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي يُفِيدُ أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا حَسَبَ التَّفْسِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلاَ خِلاَفَ عِنْدَئِذٍ.

و - بَيْعُ صُبْرَةِ طَعَامٍ، كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ. وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ بِحُجَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَبْلَغَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ حَالَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ بَعْدَ الْكَيْلِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ، إِلاَّ أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، بِحُجَّةِ: أَنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ إِلَى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ؛ لِجَهَالَةِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ جَهَالَةً تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لأِنَّ الْبَائِعَ يَطْلُبُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلاً، وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَيَقَعُ النِّزَاعُ. وَإِذَا تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إِلَى الْكُلِّ صُرِفَ إِلَى الأَقَلِّ، وَهُوَ مَعْلُومٌ، إِلاَّ أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ فِي الْمَجْلِسِ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ، لأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ قُفْزَانِهَا حَالَ الْعَقْدِ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَلِي:

1أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ لإِشَارَتِهِ إِلَى مَا يُعْرَفُ مَبْلَغُهُ بِجِهَةٍ لاَ تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ كَيْلُ الصُّبْرَةِ، فَجَازَ كَمَا لَوْ بَاعَ مَا رَأْسُ مَالِهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ، لِكُلِّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْحِسَابِ، كَذَا هَاهُنَا

2 - أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ فَصَحَّ كَالأْصْلِ الْمَذْكُورِ، وَالْغَرَرَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ؛ لأِنَّ مَا يُقَابِلُ كُلَّ صَاعٍ مَعْلُومُ الْقَدْرِ حِينَئِذٍ. فَغَرَرُ الْجَهَالَةِ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ بِالتَّفْصِيلِ. كَمَا يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ بِالْجُمْلَةِ، فَإِذَا جَازَ بِالْعِلْمِ بِالْجُمْلَةِ جَازَ بِالْعِلْمِ بِالتَّفْصِيلِ أَيْ: لاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ بِحَمَلَةِ الثَّمَنَ لأِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَالْغَرَرُ مُرْتَفِعٌ بِهِ، كَمَا إِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا.

3 - لأِنَّ إِزَالَةَ الْجَهَالَةِ بِيَدِهِمَا، فَتَرْتَفِعُ بِكَيْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ.

وَانْظُرْ أَيْضًا (بَيْعُ الْجُزَافِ).

 

- لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلاَّ بِثَمَنٍ مَعْلُومِ الصِّفَةِ:

لِذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ:

مَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ دُونَ الْقَدْرِ، كَأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَقُلْ بُخَارِيَّةً أَوْ سَمَرْقَنْدِيَّةً، وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، أَيْ يَنْصَرِفُ إِلَى الْمُتَعَامَلِ بِهِ فِي بَلَدِهِ.

وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ:

أَنَّ الْمَعْلُومَ بِالْعُرْفِ كَالْمَعْلُومِ بِالنَّصِّ، لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِهِ.

وَيَبْنِي الْحَنَفِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فِي الْمَالِيَّةِ كَالذَّهَبِ الْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ، فَإِنَّ الْمِصْرِيَّ أَفْضَلُ فِي الْمَالِيَّةِ مِنَ الْمَغْرِبِيِّ، وَكَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي الرَّوَاجِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لأِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ مُفْضِيَةٌ إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأْنْقَصِ مَالِيَّةً، وَالْبَائِعُ يُرِيدُ أَخْذَ الأْعْلَى، فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ إِلاَّ أَنْ تُرْفَعَ الْجَهَالَةُ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَرْضَى الآْخَرُ؛ لاِرْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ.

وَإِذَا كَانَتِ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَانْصَرَفَ إِلَى الأْرْوَجِ.

وَإِذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ مُسْتَوِيَةً فِي الْمَالِيَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَانْصَرَفَ إِلَى الأْرْوَجِ أَيْضًا تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ.

أَمَّا إِذَا اسْتَوَتْ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ، وَإِنَّمَا الاِخْتِلاَفُ فِي الاِسْمِ كَالْمِصْرِيِّ وَالدِّمَشْقِيِّ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يُؤَدِّيَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لأِنَّهُ لاَ مُنَازَعَةَ فِيهَا.

فَالْحَاصِلُ:

أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لأِنَّ النُّقُودَ إِمَّا أَنْ تَسْتَوِيَ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ مَعًا، أَوْ تَخْتَلِفَ فِيهِمَا، أَوْ يَسْتَوِيَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ.

وَالْفَسَادُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ: وَهِيَ: الاِسْتِوَاءُ فِي الرَّوَاجِ وَالاِخْتِلاَفُ فِي الْمَالِيَّةِ، وَالصِّحَّةُ فِي الثَّلاَثِ الْبَاقِيَةِ.

وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْفَاسِدَةُ ذَكَرَهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ تَعَدَّدَتِ السِّكَكُ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ، فَإِنْ اتَّحَدَتْ رَوَاجًا قَضَاهُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قَضَاهُ مِنَ الْغَالِبِ إِنْ كَانَ، وَإِلاَّ فَسَدَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْبَيَانِ.

وَعِبَارَةُ الشِّرْبِينِيِّ الشَّافِعِيِّ: إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتِ الْقِيمَةُ اشْتُرِطَ التَّعْيِينُ لَفْظًا لاِخْتِلاَفِ الْغَرَضِ بِاخْتِلاَفِهِمَا.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ بَاعَ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلاَ مَوْصُوفٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ كُلُّهَا رَائِجَةٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ.

تَسْلِيمُ الثَّمَنِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ أَيْ نَقْدًا بِنَقْدٍ سُلِّمَا مَعًا، لاِسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْيِينِ فِي الأْوَّلِ، وَعَدَمِ التَّعْيِينِ فِي الثَّانِي؛ وَلأِنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ مَطْلُوبَةٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ عَادَةً، وَتَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ هَاهُنَا فِي التَّسْلِيمِ مَعًا.

وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ، فَالثَّمَنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَعَدَا ذَلِكَ مُثَمَّنَاتٌ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ، أَوْ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَتَشَاحَّا فِي الإْقْبَاضِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبُ التَّسْلِيمِ قَبْلَ الآْخَرِ. وَكَذَا إِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُثَمَّنَاتِ كَعَرَضٍ بِعَرَضٍ وَتَشَاحَّا فِي الإْقْبَاضِ. إِلاَّ أَنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي فِي الْقَبْضِ فِي الصُّورَةِ الأْولَى (الصَّرْفُ) وَلاَ يُفْسَخُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ لأِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الصَّرْفِ دُونَ الْمُقَايَضَةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا نَقْدًا أَوْ عَرْضًا، يُجْبَرُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي كِلاَهُمَا عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الأْظْهَرِ؛ لاِسْتِوَاءِ الْجَانِبَيْنِ، لأِنَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ كَالْمَبِيعِ فِي تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالدَّيْنِ، وَالتَّسْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْهُمَا إِحْضَارَ مَا عَلَيْهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى عَدْلٍ، ثُمَّ يُسَلِّمُ كُلًّا مَا وَجَبَ لَهُ، وَالْخِيَرَةُ فِي الْبِدَايَةِ إِلَيْهِ.

وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ عَدَمُ إِجْبَارِهِمَا. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ عَيْنًا بَلْ فِي الذِّمَّةِ (الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ) فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، الْمُقَدَّمُ مِنْهَا إِجْبَارُ الْبَائِعِ.

وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْحَنَابِلَةُ: فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، وَالْمَبِيعُ مِثْلُهُ جُعِلَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا؛ لأِنَّهُ حَقُّ الْبَائِعِ قَدْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الثَّمَنِ، كَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِ الْمَبِيعِ فَاسْتَوَيَا.

وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوَّلاً.

وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً حَاضِرَةً بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ أَوَّلاً عَلَى اتِّجَاهَاتٍ:

الأْوَّلُ: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلاً.

وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيَّةِ) . فَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا مُعَيَّنًا لأِنَّهُ لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ» فَقَدْ وَصَفَ عليه الصلاة والسلام الدَّيْنَ بِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا عَامًّا أَوْ مُطْلَقًا، فَلَوْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الدَّيْنُ مَقْضِيًّا، وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُولِ بِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي تَعَيُّنِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحَقُّ الْمُشْتَرِي قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ، فَيُسَلِّمُ هُوَ الثَّمَنَ أَوَّلاً، لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِيهِ، كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمَبِيعِ، إِذْ الثَّمَنُ لاَ يَتَعَيَّنُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِلاَّ بِالْقَبْضِ.

وَصُورَةُ هَذَا: أَنْ يُقَالَ لِلْبَائِعِ أَحْضِرِ الْمَبِيعَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَإِذَا حَضَرَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: سَلِّمِ الثَّمَنَ أَوَّلاً.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَسَدَ الْبَيْعُ، لأِنَّهُ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الأْجَلِ، حَتَّى لَوْ سَمَّى الْوَقْتَ الَّذِي يُسَلِّمُ فِيهِ الْمَبِيعَ جَازَ. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ؛ لأِنَّ تَقْدِيمَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا لاَ تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِالتَّقْدِيمِ، بَلْ يَتَقَدَّمُ حَقُّ الْبَائِعِ وَيَتَأَخَّرُ حَقُّ الْمُشْتَرِي، حَيْثُ يَكُونُ الثَّمَنُ بِالْقَبْضِ عَيْنًا مُشَارًا إِلَيْهَا وَالْمَبِيعُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلأِنَّ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَدْ هَلَكَ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَلاَ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إِلاَّ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ أَمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِحَيْثُ تَلْحَقُهُ الْمُؤْنَةُ بِالإْحْضَارِ، وَالْمُشْتَرِي إِذَا لَقِيَ الْبَائِعَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِمَا، وَطَلَبَ مِنْهُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ كَفِيلاً أَوْ يَبْعَثُ وَكِيلاً يَنْقُدُ الثَّمَنَ لَهُ ثُمَّ يَتَسَلَّمُ الْمَبِيعَ.

لِذَلِكَ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلاً؛ لأِنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لاَ يَتَجَزَّأُ، فَكَانَ كُلُّ الْمَبِيعِ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الثَّمَنِ.

فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ؛ لأِنَّهُ بِالتَّأْجِيلِ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ.

وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً، فَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ إِلَى اسْتِيفَاءِ الْحَالِّ.

وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ، لأِنَّ الإْبْرَاءَ كَالاِسْتِيفَاءِ.

وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ، وَلَوْ أَخَذَ بِالثَّمَنِ كَفِيلاً أَوْ رَهَنَ الْمُشْتَرِي بِهِ رَهْنًا؛ لأِنَّ هَذَا وَثِيقَةٌ بِالثَّمَنِ فَلاَ يَسْقُطُ حَقُّهُ عَنْ حَبْسِ الْمَبِيعِ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ.

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَسَلُّمُ الْمَبِيعِ أَوَّلاً.

وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيَّةِ، لأِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ وَحَقَّ الْبَائِعِ فِي الذِّمَّةِ، فَيُقَدَّمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، وَهَذَا كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ.

وَلأِنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لِلثَّمَنِ مُسْتَقِرٌّ، لأَمْنِهِ مِنْ هَلاَكِهِ وَنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحَوَالَةِ وَالاِعْتِيَاضِ، وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَعَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ لِيَسْتَقِرَّ.

الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مَعًا.

وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيَّةِ.

فَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي إِذَا تَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ يُجْبَرَانِ؛ لأِنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْهُمَا بِإِحْضَارِ مَا عَلَيْهِ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى عَدْلٍ، فَإِنْ فَعَلَ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي، يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ.

الاِتِّجَاهُ الرَّابِعُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَتَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ، فَلاَ إِجْبَارَ أَوَّلاً، وَعَلَى هَذَا يَمْنَعُهُمَا الْحَاكِمُ مِنَ التَّخَاصُمِ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيَّةِ.

وَذَلِكَ: لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ إِيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَلاَ سَبِيلَ إِلَى تَكْلِيفِ الإْيفَاءِ.

وَتَرِدُ هَذِهِ الأْقْوَالُ الأْرْبَعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ.

وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الْحَبْسَ بِخَوْفِ الْفَوْتِ، فَقَالُوا: لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ الْحَالَّ كُلَّهُ إِنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إِنْ خَافَ فَوْتَ الْمَبِيعِ بِلاَ خِلاَفٍ، لِمَا فِي التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ مِنَ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ.

وَإِنَّمَا الأْقْوَالُ السَّابِقَةُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَخَفِ الْبَائِعُ فَوْتَ الثَّمَنِ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَبِيعِ، وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الاِبْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ؛ لأِنَّ الإْجْبَارَ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ بِالْهَرَبِ، أَوْ تَمْلِيكِ الْمَالِ لِغَيْرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ.

أَمَّا الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِهِ، لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ.

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا مَا إِذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلاً، أَوْ وَلِيًّا، أَوْ نَاظِرَ وَقْفٍ، أَوْ الْحَاكِمَ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ، فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ بَلْ لاَ يَجُوزُ لَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ. فَلاَ يَأْتِي إِلاَّ إِجْبَارُهُمَا أَوْ إِجْبَارُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ تَبَايَعَ وَلِيَّانِ أَوْ وَكِيلاَنِ لَمْ يَأْتِ سِوَى إِجْبَارِهِمَا.

الْحَوَالَةُ بِالثَّمَنِ هَلْ تُبْطِلُ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ:

قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُبْطِلُهُ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْحَوَالَةُ مِنَ الْمُشْتَرِي، بِأَنْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى إِنْسَانٍ وَقَبِلَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ، أَمْ كَانَتْ مِنَ الْبَائِعِ، بِأَنْ أَحَالَ الْبَائِعُ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ مِنَ الْمُشْتَرِي لاَ تُبْطِلُ حَقَّ الْحَبْسِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ.

وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْبَائِعِ: فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لاَ تُبْطِلُهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِمَا عَلَيْهِ تُبْطِلُهُ.

فَأَبُو يُوسُفَ أَرَادَ بَقَاءَ الْحَبْسِ عَلَى بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَذِمَّتُهُ بَرِئَتْ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ بِالْحَوَالَةِ، فَيَبْطُلُ حَقُّ الْحَبْسِ.

وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ بَقَاءَ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ لِبَقَاءِ حَقِّ الْحَبْسِ، وَحَقُّ الْمُطَالَبَةِ لَمْ يَبْطُلْ بِحَوَالَةِ الْمُشْتَرِي، أَلاَ تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْحَبْسِ، وَبَطَلَتْ حَوَالَةُ الْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِمَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَبَطَلَ حَقُّ الْحَبْسِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، لأِنَّ حَقَّ الْحَبْسِ فِي الشَّرْعِ يَدُورُ مَعَ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ، لاَ مَعَ قِيَامِ الثَّمَنِ فِي ذَاتِهِ بِدَلِيلِ: أَنَّ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ مُؤَجَّلاً لاَ يَثْبُتُ حَقُّ الْحَبْسِ وَالثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي قَائِمٌ، وَإِنَّمَا سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ يَتْبَعُ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ لاَ قِيَامَ الثَّمَنِ فِي ذَاتِهِ، وَحَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي حَوَالَةِ الْمُشْتَرِي، وَحَوَالَةُ الْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَكَانَ حَقُّ الْحَبْسِ ثَابِتًا، وَفِي حَوَالَةِ الْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً يَنْقَطِعُ فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْحَبْسِ.

مَصْرُوفَاتُ التَّسْلِيمِ:

أُجْرَةُ كَيَّالِ الْمَبِيعِ وَوَزَّانِهِ وَذُرَّاعِهِ وَعَادِّهِ.

إِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الذَّرْعِ أَوْ الْعَدِّ تَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَ الدَّرْدِيرُ: مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ أَوْ عُرْفٌ بِخِلاَفِهِ. لأِنَّ عَلَيْهِ إِيفَاءَ الْمَبِيعِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلاَّ بِكَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَعَدِّهِ وَلأِنَّهُ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ يُمَيِّزُ مِلْكَهُ عَنْ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلأِنَّهُ كَبَائِعِ الثَّمَرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ سَقْيُهَا.

وَأُجْرَةُ كَيَّالِ الثَّمَنِ وَوَزَّانِهِ وَذُرَّاعِهِ وَعَادِّهِ تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَتَمْيِيزِ صِفَتِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ، وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ الصَّاوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ:

لَوْ تَوَلَّى الْمُشْتَرِي الْكَيْلَ أَوِ الْوَزْنَ أَوِ الْعَدَّ بِنَفْسِهِ، هَلْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ أُجْرَةَ ذَلِكَ أَمْ لاَ؟

وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الدُّسُوقِيُّ أَنَّ لَهُ الأْجْرَةَ إِذَا كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ أَوْ سَأَلَهُ الآْخَرُ.

وَأُجْرَةُ إِحْضَارِ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ إِلَى مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى الْبَائِعِ، وَأُجْرَةُ إِحْضَارِ الثَّمَنِ الْغَائِبِ عَلَى الْمُشْتَرِي، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ.

-أَمَّا أُجْرَةُ النَّقْلِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: أَنَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي.

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الإْمَامُ أَحْمَدُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ.

قَالُوا: وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ.

الثَّانِي: عَلَى حَسَبِ عُرْفِ الْبَلْدَةِ وَعَادَتِهَا.

وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا نَصَّتْ عَلَيْهِ الْمَادَّةُ 291 مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ.

أَمَّا الأْشْيَاءُ الْمَبِيعَةُ جُزَافًا فَمُؤَنُهَا وَمَصَارِيفُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي.. مَثَلاً: لَوْ بِيعَتْ ثَمَرَةُ كَرْمٍ جُزَافًا كَانَتْ أُجْرَةُ قَطْعِ تِلْكَ الثَّمَرَةِ وَجَزِّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي.

وَكَذَا لَوْ بِيعَ أَنْبَارُ حِنْطَةٍ مُجَازَفَةً فَأُجْرَةُ إِخْرَاجِ الْحِنْطَةِ مِنَ الأَْنْبَارِ وَنَقْلِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي.

وَهُوَ مُفَادُ الْمَادَّةِ 290 مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ.

وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ مُؤَنُ الثَّمَنِ وَمَصَارِيفُهُ إِنْ كَانَ جُزَافًا عَلَى الْبَائِعِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي أُجْرَةِ نَاقِدِ الثَّمَنِ عَلَى الأْقْوَالِ الآْتِيَةِ:

1 - أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَوَجْهُهُ:

أَنَّ النَّقْدَ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ لاِحْتِيَاجِهِ إِلَى تَمَيُّزِ حَقِّهِ وَهُوَ الْجِيَادُ عَنْ غَيْرِ حَقِّهِ، أَوْ لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ لِيَرُدَّهُ.

2 - أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لأِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ، وَالْجَوْدَةُ تُعْرَفُ بِالنَّقْدِ، كَمَا يُعْرَفُ الْمِقْدَارُ بِالْوَزْنِ فَكَانَ هُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ.

3أَنَّ أُجْرَةَ النَّقْدِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ عَلَى الْمَدِينِ لأِنَّ عَلَى الْمَدِينِ إِيفَاءَ حَقِّهِ، فَتَكُونُ أُجْرَةُ التَّمْيِيزِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ دَخَلَ فِي ضَمَانِ رَبِّ الدَّيْنِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ خِلاَفُ حَقِّهِ، فَيَكُونُ تَمْيِيزُ حَقِّهِ عَلَيْهِ.

هَذَا وَهُنَاكَ أَحْكَامٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ تُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهَا مِنْهَا مَا يَلِي:

اخْتِلاَفُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ (ر: دَعْوَى).

وَبَيْعُ جِنْسِ الأْثْمَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ (ر: صَرْفٌ).

وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ: (ر: خِيَارُ الْعَيْبِ).

وَالْبَيْعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ (ر: تَوْلِيَةٌ).

وَالْبَيْعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ مَعَ زِيَادَةٍ (ر: مُرَابَحَةٌ).

وَالْبَيْعُ بِأَنْقَصَ مِنَ الثَّمَنِ: (ر: وَضِيعَةٌ).

وَإِشْرَاكُ الْغَيْرِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ نِصْفَهُ مَثَلاً (ر: شَرِكَةٌ ).

الثَّمَنِيَّةُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا (ر: رِبًا).

التعليقات معطلة.