موسوعة قانون المرافعات
توزيع حصيلة التنفيذ :
لم يجد المشروع مبرراً للتفرقة التي يقيمها القانون القائم بين حقوق الحاجزين عند كفاية حصيلة التنفيذ وعدم كفايتها فخصصهم بهذه الحصيلة في الحالتين (المادة 470 من المشروع).
وقد أدت هذه الفكرة إلى تنظيم جدید مبسط لإجراءات التوزيع عند عدم كفاية حصيلة التنفيذ بحقوق الحاجزين الذين يجري التوزيع بينهم وحدهم فأفسح المشروع لهم مدة خمسة عشر يوماً للاتفاق على توزيعها بينهم فإن لم يصلوا إلى اتفاق في هذه المدة وجب على قلم الكتاب خلال ثلاثة أيام عرض الأمر على قاضي التنفيذ (المادة 474 من المشروع) وعلى هذا القاضي أن يعد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ عرض الأمر عليه قائمة مؤقتة يودعها قلم الكتاب الذي يقوم بإعلان المدين والحائز والدائنين الحاجزين ومن اعتبر طرفاً في الإجراءات وحدهم إلى جلسة يحدد تاريخها بحيث لا يجاوز ثلاثين يوماً من إيداع القائمة المؤقتة بقصد الوصول إلى تسوية ودية (المادة 475 من المشروع) فإذا حضر أولئك بالجلسة المذكورة ووصلوا إلى تسوية ودية أثبت القاضي اتفاقهم الذي تكون لهم قوة السند التنفيذي (المادة 477 من المشروع) ولا يمنع من إجراء هذه التسوية تخلف البعض على ألا يخل ذلك بما أثبت لهم في القائمة المؤقتة ومع عدم جواز طعن المتخلف في التسوية الودية التي أثبتها القاضي بناء على اتفاق الخصوم (المادة 478 من المشروع ) وإذا تخلف ذوو الشأن جميعاً اعتبر القاضي القائمة المؤقتة قائمة نهائية (المادة 479 من المشروع) .
أما إذا لم تتيسر التسوية الودية أثبت القاضی مناقضات ذوي الشأن في قائمته المؤقتة وفصل فيها بحكم يقدر نصاب استئنافه بقيمة المناقضة دون اعتداد بقيمة حق الحاجز المناقض أو بقيمة حصيلة التنفيذ (المادتان 480 ، 481 من المشروع) فإذا صار الحكم في المناقضات نهائياً أعد القاضي القائمة النهائية على أساس قائمته المؤقتة وما انتهى إليه الحكم في المناقضات (المادة 483 من المشروع) ولم ير المشروع محلاً لما يفتحه القانون القائم من باب المعارضة في القائمة النهائية اكتفاء بقابلية الحكم في المناقضات للاستئناف مع قابلية الأمر الصادر بالقائمة النهائية للتصحيح إذا حدثت فيه أخطاء مادية بحتة.
وإذا تم الحجز على عقار أو منقول، فإن الحد الفاصل يكون بتمام البيع، ويتم بيع العقار بالحكم بإيقاع البيع بعد دفع كامل الثمن وليس من وقت اعتماد العطاء، ويتم بيع المنقول برسو المزاد على المشتري.
ولما كان القانون قد منع تعدد إجراءات التنفيذ على المال، فقد أجاز التدخل في حجز المنقول والإدخال في حجز العقار، ومتى أصبح الدائن طرفاً في التنفيذ بالتدخل أو الإدخال ، فإنه يدخل مع مباشر الإجراءات في التوزيع.
فإذا كانت حصيلة التنفيذ كافية للوفاء بجميع حقوق الحاجزين ومن اعتبر طرفاً في الإجراءات، وكانت حجوزهم سابقة على الحد الفاصل على نحو ما تقدم وجب على من تكون لديه هذه الحصيلة أن يؤدي لكل دائن دينه و بعد تقديم سنده التنفيذي أو بعد موافقة المدين .
أما إن كانت تلك الحصيلة غير كافية للوفاء بجميع حقوق الحاجزين ومن اعتبر طرفاً في الإجراءات، وجب على من تكون لديه حصيلة التنفيذ کالمحجوز لديه أن يودعها خزينة محكمة التنفيذ التي يتبعها المحجوز لديه أو التي يقع في دائرتها مكان البيع فإذا امتنع عن إيداعها، جاز لكل ذي شأن أن يرفع دعوى مستعجلة أمام قاضي التنفيذ لإلزامه بالإيداع في موعد يحدده الحكم، فإن أخل بذلك، جاز التنفيذ الجبري على أمواله الشخصية ، ويكون حكم الإلزام هو السند التنفيذي ويصلح لذلك فور انقضاء الميعاد، فتوضع عليه الصيغة التنفيذية وتتخذ إجراءات التنفيذ، فإن قام المحكوم عليه بالإيداع الذي يعتبر وفاء لاحقاً لصدور الحكم المستعجل، وجب وقف التنفيذ، سواء عرض الإشكال أمام المحضر أو بالاجراءات المعتادة.
الحجز علي حصيلة التنفيذ:
أوضحنا فيما تقدم وجود حد فاصل بين الدائنين الذين يختصون بحصيلة التنفيذ والدائنين الذين لا يختصون بشيء منها، مما مؤداه أن هذه الحصيلة وهي تتمثل في ثمن المحجوزات تخلص للدائنين الأولين وحدهم مما يحول دون الآخرين والاشتراك في توزيعها وبالتالي من توقيع الحجز عليها تحت يد المحضر أو بخزينة المحكمة وإلا فقدت المفاضلة بين الحاجزين غايتها وجاز لأي دائن لم يتخذ إجراءات الحجز على أموال المدين أو تأخر في اتخاذها أن يجني ثمار ما قام به غيره من إجراءات، وذلك بالانتظار حتي يتم البيع فيقوم بالحجز على الثمن ويشارك بذلك في التوزيع، ولذلك فإن الحجز علي الثمن من الدائن المتأخر لا يتناول إلا ما زاد عما يكفي الدائنين الذين سبقوا في توقيع الحجز، فإن لم تكن الحصيلة كافية لوفاء ديونهم أو لم توجد زيادة بعد هذا الوفاء ، كان الحجز الذي أوقعه الدائن المتأخر على حصيلة التنفيذ باطلاً لتخلف محله ولأن حصيلة التنفيذ فيما يكفي منها للوفاء بديون الحاجزين الأول. خرجت من ملكية المدين إلى ملكية الحاجزين ولم يبق لاستقرار ملكيتهم عليها إلا قسمتها فيما بينهم، سواء قسمة غرماء بنسبة دين كل منهم إلى مجموع الحصيلة، أو وفقاً لمرتبة قيد كل منهم بالنسبة للدائنين أصحاب القيود. (انظر بهذا المعني أبو الوفا بند 411 وقارن فتحي والي بند 305 ) ويرى أن الدائنين الذين لهم صفة في الاستيفاء من حصيلة لتنفيذهم الدائنون الذين وقعوا حجوزاً على المال محل التنفيذ أو علي ثمنه).
الاتفاق علي توزيع الحصيلة غير الكافية:
إذا كانت حصيلة التنفيذ كافية للوفاء بديون الحاجزين ومن اعتبر طرفاً في الإجراءات على نحو ما تقدم، استوفى كل منهم دينه بموجب سنده التنفيذي أو بموافقة المدين ممن توجد الحصيلة تحت يده. فإن كانت الحصيلة غير كافية للوفاء بديون الدائنين الذين خصهم القانون بها، ولكنهم اتفقوا فيما بينهم والمدين والحائز. إن وجد في التنفيذ العقاري - علي توزيعها خلال الخمسة عشر يوماً التالية ليوم إيداع الحصيلة خزانة المحكمة، التزم كل منهم بهذا الاتفاق وامتنع الرجوع فيه إلا لعيب شاب إرادة المتعاقد كغلط أو تدلیس أو إكراه وفقاً للقواعد العامة المتعلقة بإبطال التصرف.
وإذا وافق البعض على التوزيع دون البعض الآخر، فلا يجوز التوزيع بالنسبة للجميع إلا بمعرفة قاضي التنفيذ، وله في هذه الحالة الاعتداد بمقدار الحصص التي تم الاتفاق عليها بالنسبة للدائنين الذين تراضوا عليها، ثم يقوم بتوزيع الباقي على من لم يتفق مع الآخرين، ويهدر الاتفاق إذا كان معلقاً على شرط واقف يتمثل في موافقة باقي أصحاب الشأن.
ويثبت الاتفاق وفقاً للقواعد العامة، ويفضل أن يكون كتابة ومصدقاً على التوقيعات فيه حتى لا ينازع فيه، فإذا أبرم خلال المدة سالفة البيان كان ذلك كافياً للالتزام به سواء بالنسبة لأطرافه أو لقاضي التنفيذ حتى لو نازع البعض فيه وانقضت تلك المدة دون الفصل في المنازعة من قاضي التنفيذ، ومتى قام الدليل على الاتفاق، التزم قلم الكتاب المودع بخزينته حصيلة التنفيذ، بالصرف وفقاً لما تضمنه وتحرير محضر بذلك يرفق به الاتفاق، فإن كان الدائنون المتأخرون في توقيع الحجز أوقعوا حجراً على الحصيلة تحت ید قلم الكتاب ، وجب عليه الامتناع عن الصرف لحين استصدار حكم بعدم الاعتداد بهذا الحجز أو بطلانه على نحو ما تقدم. كما يمتنع عن الصرف إذا طعن أحد أصحاب الشأن في الاتفاق بالتزوير.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء العاشر، الصفحة : 538)
عدم الاتفاق بعد الإيداع شرط لبدء إجراءات التوزيع :
لاشك في أن إيداع حصيلة التنفيذ خزانة المحكمة لا يقتضي حتماً الإلتجاء إلى إجراءات التوزيع القضائي التي نص عليها القانون فلذوي الشأن وهم الدائنون الحاجزون ومن في حكمهم من الدائنين الذين يعتبرون طرفاً في إجراءات التنفيذ والمدين والحائز إن وجد، أن يتفقوا على توزيع المبلغ المودع، فيكون هذا الاتفاق ملزماً لهم، كما أنه يكون على من تكون حصيلة التنفيذ تحت يده أن يوفي لهم بحسب الاتفاق الذي تم بينهم بشرط أن يشترك في الاتفاق جميع ذوي الشأن الذين سبق ذكرهم. وجواز الاتفاق بين ذوي الشأن لتفادي إجراءات التوزيع القضائي مستفاد من نص المادة 472 - محل التعليق - على أن عرض الأمر على قاضي التنفيذ ليشرع في إجراءات التوزيع إنما يكون في حالة عدم اتفاق الحاجزين، ومن يعتبر طرفاً في الإجراءات والمدين والحائز على توزيع حصيلة التنفيذ خلال الخمسة عشر يوماً التالية لإيداع الحصيلة خزانة المحكمة .
إذن رغم تعدد الدائنين، فإن إجراءات التوزيع لا تبدأ إذا حدث واتفق هؤلاء على التوزيع بالتراضي، ومن المسلم عند الفقهاء جواز مثل هذا الاتفاق تطبيقاً لمبدأ حرية التعاقد، ولعدم مخالفته للنظام العام (فنسان - التنفيذ- بند 322 ص 416 جلاسون - ج 4 بند 453 ص 841 جارسونيه-ج5 بند 580 ص 347 جوسران - بند 354 ج 262 فتحي والي - بند 306 ص563 ). فكما يجوز لأطراف أي نزاع الاتفاق على حله ودياً، فإنه يجوز لذوي الشأن في التنفيذ الجبرى الاتفاق على طريقة معينة للتوزيع، وعلى نصيب كل منهم في حصيلة هذا التنفيذ، وقد أشار المشرع المصري صراحة إلى جواز مثل هذا الاتفاق بنصه في المادة 473 . على أن التوزيع يجرى إذا لم يتفق الحاجزون، ومن في حكمهم مع المدين والحاجز على توزيعها بينهم، ويعتبر هذا الاتفاق عقداً خاصاً بين -ذوي الشأن ليس له طبيعة قضائية. (سوليس - محاضرات في التنفيذ ص 332 - 333 ،جوسران بند 354 ص 262 ).
ويلاحظ أنه يمكن أن يثبت مثل هذا الاتفاق في ورقة عرفية أو في ورقة رسمية (جلاسون - ج 4 بند 1452 م 842 فتحی والی - بند 306 ص 563 ) بل يمكن أن يثبت بغير كتابة إذا فرض جدلاً، وكان محله لا يزيد على مائة جنيه، وتطبق بشأن القواعد العامة في الأهلية وعيوب الرضا، وتختلف الأهلية باختلاف ما إذا كان الدائن قد أستوفى كامل حقه، وعندئذٍ تكفي أهلية الإدارة، وكان قد نزل عن جزء من دينه أو عن مرتبة هذا الدين، وعندئذٍ يجب توافر أهلية التصرف (جارسونيه - ج 5 بند 582 ص 350 عبدالحميد أبوهیف بند 1115 ص 731 فتحي والي - بند 306 ص 564).
وينبغي أن يتم هذا الاتفاق بين جميع ذوي الشأن، وذوي الشأن وفقاً للمادة 472 في هذا الاتفاق، هم: 1 - المدين: واشتراط موافقته يتيح له مراقبة اتفاق الدائنين حتى لا يشترك من ليس طرفاً في التنفيذ أو يشترك بين بأكثر من حقه الذي حجر لاقتضائه. 2- حائز العقار المرهون، إذا كان التنفيذ وارداً على عقار الحائز ومصلحته هي أنه قد ينجح في استبعاد بعض الديون المضمونة بعقاره أو ينجح في انقاصها، فيبقي له شيء من حصيلة التنفيذ يكون من نصيبه باعتباره مالك العقار محل التنفيذ (فنسان . التنفيذ بند 339ص 421 }، فتحي والي الإشارة السابقة). 3- الدائنون أصحاب الحق في الاشتراك في التوزيع والسابق بيانهم.
وإذا تم الاتفاق بين جميع ذوي الشأن الذين ذكرناهم، التزموا به كما ذكرنا آنفاً وأصبح في القانون بالنسبة لتوزيع حصيلة التنفيذ، ولكل من الدائنين استيفاء نصيبه المبين في الاتفاق ممن توجد حصيلة التنفيذ تحت يده بمجرد تقديم الاتفاق له (جوسران - بندہ 354 ص 262 سولیس - ص 333). ولكن ما الحل إذا اتفق، بعض ذوي الشأن دون البعض الآخر؟ لاشك أن مثل هذا الاتفاق لا يلزم من لم يشترك فيه إذ يعتبر هؤلاء من الغير الذين لا ينفذ العقد في مواجهتهم وفقاً للقاعدة العامة. ولكن هل يعتبر الاتفاق ملزماً لمن شارك في إبرامه؟ يجب - وفقاً للقواعد العامة - التفرقة بين قرضين (جلاسون - ج 4 - بند 1452 ص 844 - 845 فتحي والي - بند 306 ص 564).
(أ) أن تتجه نية المشتركين إلى الأكتفاء بإشتراكهم دون من لم يدع أو لم يحضر من ذوي الشأن، فعندئذٍ يكون الاتفاق ملزماً لهم، وليس لأي منهم أن يعارض التوزيع القضائي الذي يأتي بالنسبة لنصيب أحدهم مطابقاً لما رضى به في الاتفاق.(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / السادس ، الصفحة : 630)

